emamian

emamian

الجمعة, 23 نيسان/أبريل 2021 11:31

ما معنى نزول القرآن في شهر رمضان؟

◄(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى للنّاس وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة/ 185).

في هذا التأكيد القرآني على نزول القرآن في شهر رمضان، في هذه الآية، وفي تحديد ليلة القدر في سورتي الدخان والقدر، إيحاءٌ بأنّ عظمة هذا الشهر مستمدّة من مناسبة نزول القرآن فيه. وقد اختلف الحديث في تحليل نزول القرآن في هذا الشهر، فهناك مَن ذكر أنّ المراد به أوّل نزوله، وهناك مَن ذكر أنّه النزول إلى اللوح المحفوظ من البيت المعمور، وهناك مَن حاول أن يجعل من مفهوم الكتاب معنى غامضاً لا نستطيع إدراكه، فهو الذي نزل على قلب النبيّ محمّد (ص) دفعةً واحدةً ثمّ نزل عليه تدريجياً. وقد كان السبب في هذا الاختلاف، ظهور هذه الآية وغيرها في نزوله دفعة، بينما الآية الكريمة تنصّ على أنّه نزل تدريجياً: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) (الفرقان/ 32)، والآية الأُخرى: (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا) (الإسراء/ 106).

كما أنّ هناك وجهاً آخر لهذا الاختلاف، وهو أنّ النزول والبعثة كانا في موعد واحد، مع أنّ المعروف أنّ البعثة كانت في السابع والعشرين من شهر رجب، وأنّ أوّل ما أنزل: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق/ 1)، فكيف يمكن التوفيق بين الآية وبين ذلك؟!

والواقع أنّ الظاهر من القرآن الكريم، هو أنّ إنزاله كان في شهر رمضان، ولا نجد هناك فرقاً بين الآيات التي تتحدّث عن إنزال القرآن في ليلة القدر أو في شهر رمضان، وبين الآيات التي تتحدّث عن إنزاله على مكث أو تدريجياً، ولا نستطيع أن نحمل القرآن على معنى غامض خفيّ في علم الله، وذلك لا مَن جهة أنّنا نريد أن نفسِّر القرآن تفسيراً حسياً مادّياً كما يفعل الحسيون، بل من جهة أنّه لا دليل على ذلك في ما حاول بعض المفسِّرين أن يقيم الدليل عليه، ممّا لا مجال للخوض في النقاش فيه، لأنّنا لا نجد فيه كبير فائدة.

وعلى ضوء ذلك، فإنّ هذا الظهور القرآني البيّن، يجعلنا لا نثق بالروايات التي توقّت البعثة في رجب، أو تعيّن أوّل الآيات النازلة في سورة اقرأ؛ ولذلك فإنّ من الممكن أن يكون المراد من الإنزال هو أوّل الإنزال، كما أنّ كلمة القرآن تطلق على القليل والكثير بما يشمل السورة والآية والمجموع. والظاهر أنّ هذا المقدار كافٍ في الجانب التفسيري من القضية، لأنّ الباقي يدخل في باب التخمين والتأويل من غير فائدة تُذكر.

القرآن هدى للناس

(هُدًى للنّاس وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).

هذه هي قيمة القرآن وأهميّته في حياة الناس؛ فهو كتاب هدى يهدي به الله مَن اتّبع رضوانه سُبُل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور. وهو كتاب البيّنات التي توضح للناس حقائق الأشياء ودقائقها بما يزيل كلّ شبهة، ويفرّق بين الحقّ والباطل. وقد بيّنا في بداية هذا التفسير، أنّ معنى كون القرآن هدى، هو اشتماله على أُسس الهدى لمن أراد أن يهتدي بها، فلا مجال للإشكال بأنّ هناك مَن لا يهتدي بالقرآن، لأنّ الهدى هنا بمعنى الشأنية لا بمعنى الفعلية؛ فراجع.►

 

في مثل هذا اليوم العاشر من شهر رمضان المبارك توفيت سيدة عظيمة، قدمت للإسلام كي تقوم قائمته ما لم يقدمه أحد قبلها وبعدها، هي السيدة خديجة بنت خويلد زوجة النبي الأعظم محمد خاتم الأنبياء والرسل (ص).

نقدم في ما يلي نبذة عن حياة أم المؤمنين السيدة خديجة (ع) :

نسب السيدة خديجة (عليها السلام)
خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصّي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، جدّها «خويلد» كان بطلاً مغواراً دافع عن حياض الكعبة المشرّفة في يوم لا ينسى. والدتها «فاطمة» بنت زائدة بن أصمّ بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر، كانت سيّدة جليلة مشهود لها بالفضل والبرّ. إذن، فهذه السيّدة العظيمة خديجة الكبرى سلام الله عليها تنتسب إلى قبيلة قريش، ويلتقي نسبها بنسب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله عند جدّها الثالث من أبيها، وعند جدّها الثامن من أمّها.

أسماؤها وألقابها (عليها السلام)
للسيّدة خديجة عليها السلام ألقاب كثيرة تعكس عظيم نبلها وشديد قدسها، من هذه الألقاب: الصدّيقة، المباركة، أمّ المؤمنين، الطاهرة، الراضية، المرضية ...إلخ. كانت تعطف على الجميع، وتحنو عليهم كأمّ رؤوم بأولادها، فكانت «أمّاً لليتامى»، و«أمّاً للصعاليك» و«أمّاً للمؤمنين»، وهي كوثر الخلق، وسمّيت أيضاً «أمّ الزهراء» أو ينبوع الكوثر.

ملامح السيدة خديجة في مرآة الوحي
بعد عامين من بعثة الرسول صلى الله عليه وآله التي بدأت من بيت خديجة، وفي طريق عودته من معراجه في شهر ربيع الأول، جاءه أمين الوحي جبريل وقال له: «حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومنّي السلام»، وعندما أبلغ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله زوجه خديجة عليها السلام سلامَ الله تعالى، قالت: إنّ الله هو السلام، منه السلام وإليه السلام، وعلى جبرائيل السلام.

في إحدى الحملات الوحشية لقريش انتشرت إشاعة اغتيال النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، فهامت السيّدة خديجة عليها السلام على وجهها في الوديان والصحاري المحيطة بمكة بحثاً عن حبيبها، وكانت الدموع تنهمر على خديها، فما كان من جبريل إلا أن نزل على الرسول الأكرم وقال له: لقد ضجّت ملائكة السماء لبكاء خديجة عليها السلام، أُدعُها إليك وأبلغها سلامي وقل لها بأنّ ربّها يقرؤها السلام ويبشّرها بقصر في الجنة، لا صخب فيه ولا نصب.

خديجة الكبرى (عليها السلام) عند الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله
رويت عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أحاديث كثيرة في مناقب السيّدة خديجة عليها السلام، نسلّط الضوء على بعضاً منها:
1. يا خديجة إنّ الله عزّوجلّ ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارا.
2. والله ما أبدلني الله خيراً منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدَّقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمنـي الناس، ورزقني الله أولادها وحرمني أولاد الناس.
3. خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله.
4. خير نساء الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم (امرأة فرعون).
5. خديجة سبقت جميع نساء العالمين بالإيمان بالله وبرسوله.
6. أحببتها من أعماق فؤادي.
7. أحبّ من يحبّ خديجة.
8. لم يرزقني الله زوجة أفضل من خديجة أبدا.
9. لقد اصطفى الله عليّاً والحسن والحسين وحمزة وجعفر وفاطمة وخديجة على العالمين.
 

السيّدة خديجة في أقوال العظماء
ونكتفي هنا بالإشارة إلى بعض أصحاب السير والتراجم:
يقول ابن هشام صاحب المصنَّف الشهير «السيرة النبوية»: خديجة صاحبة النسب الكريم، والشرف الرفيع، والثروة والمال، وأحرص نساء قريش على صون الأمانة والتمسّك بالأصول الأخلاقية والعفة والكرامة الإنسانية، فهي التي تربّعت على قمة الشرف والمجد". والذهبي وهو رائد علم الرجال عند العامة يقول: "خديجة، سيّدة نساء الجنة، حكيمة قريش، من قبيلة أسد، عظيمة القدر، ذات دين ومروءة وعزّة، من نساء الجنة وإحدى النساء اللائي تربّعن على قمة الكمال". ويقول ابن حجر العسقلاني فيها: "لقد صدّقت خديجة بالرسالة في اللحظات الأولى لبعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وكان رسوخ إيمانها وثبات قدمها نابعين من يقين تام، وعقل راجح، وعزم راسخ. ويقول السهيلي الذي له تصانيف كثيرة في السير والمغازي: خديجة سيدة نساء قريش، لقبّت بـ«الطاهرة» في الجاهلية والإسلام.


السيّدة خديجة عليها السلام عبر التاريخ
لقد كان التاريخ مجرّد قلم بيد المتملّقين يخطّونه خدمة لأغراض المستبدين، فاستبيحت الكثير من الحقائق وزوّرت الكثير غيرها حتى اشتبه الأمر وأصبحت الأكاذيب كأنّها وقائع تاريخية، وبلغت حدّاً من السوء بحيث إذا ما أماط الباحث اللثام عن الوقائع بالاستناد إلى الحقائق العلمية، أثار عمله دهشة الجميع واستغرابهم. لقد صرّح الكثير من الرواة بأنّ السيّدة خديجة عليها السلام كانت بكراً قبل الزواج، وأنّه لم يدخل عليها أحد قبل النبي قطّ، ومن هؤلاء:
الشريف المرتضى علم الهدى، في كتابه «الشافي في الإمامة».
الشيخ الطوسي، في كتاب «تلخيص الشافي».
البلاذري، في كتاب «أنساب الأشراف».
أبو القاسم الكوفي، في كتاب «الاستغاثة في بدع الثلاثة».
هذا، وقد أيّد الكثير من الرواة والمؤرخين هذا الرأي، حيث يؤكدون أنّ السيدة خديجة عليها السلام في ذلك الوقت لمّا تتجاوز الـ25 أو الـ28 عاماً، وأنّها لم تختر زوجاً آخر غير النبي قطّ، لأنّها كانت تكفل زينب ورقية وأم كلثوم بنات أختها «هالة».
وكان آية الله العظمى الإمام السيد محمد الشيرازي يؤمن بنفس الرأي، وهو أنّ السيّدة خديجة عليها السلام كانت قبل أن تتزوّج بالرسول الكريم صلى الله عليه وآله بكراً، وأنّها رفضت كل من تقدّم لخطبتها من أشراف قريش، لأنّ قلبها كان أسيراً في يد فتى بني هاشم الأمين محمد المصطفى صلى الله عليه وآله. ولكن الأمر الذي اتّفق عليه جميع المؤرخين هو أنّها كانت من أجمل بنات الحجاز. والإمام الحسن المجتبى عليه السلام الذي كان آية في الجمال كان يعتبر نفسه أشبه أهل البيت بأمّه خديجة الكبرى عليها السلام.

سئل عبد الله المحض والد ذي النفس الزكية: من أين لأسنان الإمام الصادق عليه السلام هذا الجمال والنصاعة والتألق بحيث أنّها تجذب كل من رآها؟. فأجاب قائلاً: لا علم لي، ولكن أعلم بأنّ خديجة عليها السلام كانت كذلك، وأنّ الزهراء عليها السلام ورثت عن أمّها ذلك الجمال والتألّق.


أول سيّدة في الإسلام
لقد كانت السيّدة خديجة عليها السلام على دين أبيها إبراهيم عليه السلام وذلك قبل أن يُبعث الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وكانوا يُعرفون بالحنفاء، وقد آمنت في اليوم الأول من بعثة المصطفى صلى الله عليه وآله، كما جاء في الحديث الشريف: أوّل من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله من الرجال علي عليه السلام ومن النساء خديجة عليها السلام.

عندما رجع الرسول الكريم صلى الله عليه وآله من غار حراء وهو ينوء بثقل الرسالة العظيمة، كانت السيّدة خديجة عليها السلام في استقباله حيث قالت له: أيّ نور أرى في جبينك؟ فأجابها: إنّه نور النبوّة، ومن ثمّ شرح لها أركان الإسلام، فقالت له: «آمنت وصدّقت ورضيت وسلّمت».

أول سيّدة مصلّية
كانت السيّدة خديجة أول سيّدة في الإسلام تصلّي، إذ أنّه لسنوات طويلة انحصر الإيمان بالدين الإسلامي بخديجة عليها السلام والإمام علي عليه السلام، وكان الرسول الأعظم يذهب إلى المسجد الحرام ويستقبل الكعبة وعلي عليه السلام إلى يمينه وخديجة خلفه، وكان هؤلاء الثلاثة هم النواة الأولى لأمّة الإسلام، وكانوا يعبدون معبودهم الواحد إلى جانب كعبة التوحيد.

أوّل مؤمنة بالولاية
كان الإمام علي عليه السلام منذ سنينه الستّ في بيت النبي وتحت ناظري السيّدة خديجة عليها السلام ورعايتها، لذلك كان لها حقّ في رقبته هو حقّ الأمومة. وعندما شرح الرسول الكريم صلى الله عليه وآله لزوجه مفهوم الولاية وموقعها السامي، وطلب إليها أن تؤمن بولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام، استجابت فوراً حيث قالت بصراحة ووضوح: آمنت بولاية علي وبايعته.
كانت السيدة خديجة عليها السلام تفيض بالحنان والعطف على الإمام علي عليه السلام، لدرجة أنّها قالت فيه: إنّه أخي، وأخو النبي، أعزّ الناس إليه، وقرّة عين خديجة الكبرى عليها السلام.

أول سيّدة تأكل من فاكهة الجنّة
نعم، إنّها أول سيّدة مسلمة تأكل من فاكهة الجنّة حيث ناولها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بيده الشريفة عنقوداً من عنب الجنّة.


الزوجة الوحيدة
السيّدة خديجة عليها السلام هي الزوجة الوحيدة من بين أزواج النبي الكريم صلى الله عليه وآله التي أنسلها واستمرّ نسلها الطاهر حتى يومنا هذا. لقد ارتأت المشيئة الإلهية أن تكون السيّدة خديجة وعاءً لأنوار الإمامة وضيائها. والرسول الكريم صلى الله عليه وآله في معرض بيان عظم منزلة هذه السيّدة الجليلة، نجده يخاطب ابنته الأثيرة على قلبه الزهراء البتول عليها السلام بقوله: يا ابنتي، إنّ الله تعالى جعل خديجة وعاء لنور الإمامة. إنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لم يتزوّج على السيّدة خديجة في حياتها أبداً حتى ماتت، لقد كانت كوثر النبوة الصافي أفاضت على العالمين بما يقرب من 80 مليون سيّداً علوياً جميعهم ينتمي إلى الدوحة المحمدية الوارفة، وهم مظاهر الخير العميم ومصاديق الكوثر الوفير، عطايا الرحمن لحبيبه خير الأنام وسيّد البشر النبي المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله. في اللحظات الختامية من عمر هذه السيّدة الجليلة، بشّرها زوجها الحاني بأنّها ستكون زوجه في الجنّة أيضاً.


حكيمة قريش والزواج
اشتهرت السيّدة خديجة عليها السلام بالجمال والكمال والثروة والشرف الرفيع والعلم والحلم وصلابة في اتّخاذ القرار، ودقة في الرأي، ورأي سديد، وعقل راجح وفكر صائب، ومن الطبيعي أنّ من تجتمع لها صفات الكمال والفضل يتسابق الرجال إلى خطبتها والزواج بها، وهذا ما كان مع السيّدة خديجة حيث سارع رؤوس بني هاشم وأقطابها، لا بل وصل الأمر إلى ملوك اليمن وأشراف الطائف، الذين سعوا عبر إغداق الأموال والهدايا للفوز بقلبها، والتربّع على قمّة الشرف والمجد، لكنّها خذلتهم جميعاً، ووقع اختيارها على أمين قريش ومؤتمنها لكي يفوز بقلبها.


وتشرح السيّدة خديجة عليها السلام سبب هذا الاختيار بالقول:
«يا بن عمّ إنّي رغبت فيك لقرابتك منّي وشرفك من قومك وأمانتك عندهم وصدق حديثك وحسن خلقك». كما أفشت بسرّ هذا الاختيار إلى صفيّة بقولها: «إنّي قد علمت أنّه مؤيّد من ربّ العالمين». لقد استشارت السيّدة خديجة عليها السلام سيّدة أخرى جليلة في هذا الأمر حتى ذهبت بمعيّتها إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وعرضت عليه الزواج قائلة: لقد اخترت لك امرأة من قريش، فأجاب الرسول العظيم: ومن تكون؟ فقالت السيّدة خديجة: هي مملوكتك خديجة.

الخطبة والزواج
حضر هذه المراسيم أبو طالب عليه السلام وكان أول المتكلمين إذ ألقى خطبة ذكر فيها عظمة منزلة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وشرفه وفضله، ثمّ خطب خديجة للنبي من والدها خويلد، الذي خيّرها، بعدها استأذنت خديجة عمّها «عمرو بن أسد» كبير قومه، فأعلنت موافقتها وقالت بأنّ مهرها سيكون من مالها. ثم قام عمّها فخطب في الحاضرين خطبة بليغة ختمها بقوله: زوّجناها ورضينا به. بعد ذلك أعلنها على الملأ بكل صراحة: من ذا الذي في الناس مثل محمد. وقال خويلد في مراسيم الخطبة: يا معشر العرب، لم تظلّ السماء ولم تقلّ الأرض رجلاً أفضل من محمد، فاشهدوا أنّي أنكحته ابنتي وأنّي لأفخر بهذا الارتباط المقدّس.
بعد ذلك أرسلت السيّدة خديجة عليها السلام إلى أبي طالب أموالاً وأغناماً وقوارير العطور وأنواع اللباس ليعدّ لوليمة العرس. ولم يأل أبو طالب عليه السلام جهداً في التحضير لأعظم مأدبة، حيث أطعم أهالي مكة وأطرافها لثلاثة أيام متتالية. وكانت أول وليمة يعدّها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.

ثروة السيّدة خديجة (ع)
لسنوات طويلة كانت القوافل التجارية للسيّدة خديجة عليها السلام من أكبر قوافل قريش، وقد ربحت من تجارتها ثروات طائلة، وضعتها جميعها تحت تصرّف الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، لينفقها فيما يراه مناسباً. يقول العلامة المامقاني: لقد وصلنا بالتواتر عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أنّه قال: ما قام الدين إلاّ باثنتين: سيف عليّ وأموال خديجة.

حكمة السيّدة خديجة
يكفي في رجاحة رأيها وصلابة فكرها ما رواه المؤرّخون من أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يشاورها في جميع أموره.
كان عليه الصلاة والسلام يتطلّع إلى أن تُسلم قريش لتنجو من عذاب الله وسخطه، فكان يجابه بعنادهم ورفضهم وإصرارهم على باطلهم، فيعتصر قلبه الشريف ألماً وحزناً، في تلك اللحظات العصيبة كان يلجأ إلى بيت العطف والرسالة فيشكو بثّه ومعاناته إلى زوجه وشريكة همّه السيّدة خديجة عليها السلام، فكانت تواسيه وتشدّ من أزره بكلماتها الحكيمة ونظرات العطف والحنان، فتسكن من آلامه وأحزانه.

في مراحل الشدّة والمشقة والحصار الاقتصادي في شعب أبي طالب، كان لأموال السيّدة خديجة عليها السلام الدور الكبير والحاسم في التخفيف من آثار الحصار الجائر الذي فرض على آل أبي طالب، فكانت هذه السيدة الجليلة تشيع الأمل والفرح في قلوب القوم وترفع الحزن والشقاء عن كاهلهم. وعلى الرغم من أنّ الله تعالى كان سنداً وظهيراً لنبيه الكريم ولم يقطع عنه حبل كرمه ولطفه طيلة تلك الفترة العصيبة، إلاّ أنّ وجه السيّدة خديجة عليها السلام المضيء والمشرق، ونظراتها المتفائلة كانت تجعله أكثر إصراراً وعزماً على مواجهة قدره والاستعداد لأيّام أصعب وأقسى.

أصداف الكوثر
رزقت السيّدة خديجة عليها السلام من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ولدين هما القاسم وعبد الله، وبنت واحدة، فاختطف الموت ولديه وهما صغيران وأبقى على بضعته كوثر الخلق ووالدة أئمة النور والهدى الأحد عشر، سيدة النساء الزهراء البتول عليها السلام. يتّفق أهل السير والمؤرخين على أنّ الرسول الكريم صلى الله عليه وآله أنجب من السيّدة خديجة عليها السلام ومارية القبطية فقط، حيث أنجبت الأخيرة له ابنه «إبراهيم» الذي فارق والده المكرّم وهو في الثالثة من عمره.
 

النبي الكريم: غروب حزين ووحدة موحشة
لقد كانت السيّدة خديجة عليها السلام طيلة ربع قرن نجماً ساطعاً يشعّ بنوره على بيت النبوة والرسالة، تجلي بنظراتها الحانية الهمّ والشجن عن نبي الرحمة صلى الله عليه وآله، حتى حان موعدها مع القدر في العاشر من رمضان في السنة العاشرة من البعثة عندما أسلمت الروح لبارئها وألقت برحيلها المفجع ظلالاً من الكروب والأحزان على قلب النبي، وكان ذلك في السنة الثالثة قبل الهجرة، ودفنت في الحجون، حيث دخل النبي صلى الله عليه وآله قبرها ووضعها في لحدها بيديه الشريفتين، في ذلك الوقت لم تكن صلاة الميّت قد شرّعت بعد، وكانت وفاتها بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أشهر، وقيل بأنّ الفترة بين الوفاتين هي من ثلاثة أيام إلى ثلاثة أشهر، وعلى أيّ حال، كان وقع ذلك شديداً على النبي الكريم الذي فقد نصيرين له، وقد سمّي ذلك العام بعام الحزن، وأعلن الحداد فيه. ما فتئ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يقول: لم يسيطر عليّ الحزن والهمّ طيلة حياة أبي طالب وخديجة. لقد ظلّت ذكرى خديجة والسنوات المشتركة خالدة وماثلة في ذاكرة النبي لم يمحها الزمان.
 

وصايا السيدة خديجة عليها السلام
لقد أوصت السيّدة خديجة عليها السلام النبي الكريم عدّة وصايا وهي على فراش الموت هي:
أن يدعو لها بالخير
أن يلحدها بيده
أن يدخل قبرها قبل دفنها
أن يضع مرطه الذي ادّثر به عند نزول الوحي، على كفنها.
إنّ السيّدة خديجة عليها السلام التي وهبت كل ثروتها وأموالها إلى الحبيب المصطفى لم تطلب في مقابل ذلك سوى مرط، ومع ذلك فهي لم تطلبه منه مباشرة، بل بواسطة ابنتها الزهراء عليها السلام. حينذاك نزل الوحي من عند الله العلي القدير بكفن من الجنّة.
قامت أمّ أيمن وأم الفضل (زوجة العباس) بغسل جسد السيّدة خديجة عليها السلام ثم ألقتا عليها نظرة الوداع الأخيرة.
في البداية قام الرسول الأكرم بوضع مرطه على الكفن، ثمّ وضع كفن الجنة عليها. كانت السيّدة خديجة عليها السلام في الرمق الأخير من عمرها تنظر بقلق إلى ابنتها الزهراء عليها السلام، فما كان من أسماء بنت عميس إلا أن تعهّدت لها بأن تكون أمّاً لها ليلة زفافها.

المزار الطاهر للسيدة خديجة
يقع المزار الطاهر للسيّدة خديجة عليها السلام في بطن جبل حجون حيث كان على مدى أربعة عشر قرناً مزاراً يحجّ إليه ملايين المسلمين في موسم الحجّ والعمرة، لينهلوا من فيض نوره، وقد أفتى العديد من المراجع العظام  باستحباب زيارة القبر.

لقرون عديدة كانت تعلو القبر ضريح وقبة شامخة، حتى جاء العام 1344 هـ، فسوّي الضريح بالأرض من قبل الوهابية. بعد رحيل السيّدة خديجة عليها السلام، كانت السيّدة الزهراء تحيط بالرسول الكريم كفراشة تحوم حول الشمعة، وتسأله: أبتاه، أين أمي؟ فكان الرسول الأعظم يواسيها بأن يذّكرها بمنزلة والدتها الرفيعة في الجنّة. لقد أنشد أمير البيان وإمام المتقين الإمام علي عليه السلام قصيدة في رثاء السيّدة خديجة عليها السلام، يستعرض فيها مناقبها وجميل خصالها.

خديجة يوم الحشر
يصف الرسول الكريم صلى الله عليه وآله ورود خديجة يوم الحشر بهذه العبارات البليغة: يأتي لاستقبالها سبعون ألف ملك يحملون رايات زيّنت بعبارة «الله أكبر».


المصدر: ينبوع الكوثر، أمّ المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام. بقلم: الأستاذ علي أكبر مهدي بور/ ترجمه إلى العربية: مؤسسة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله الثقافية / مع بعض التصرف.

 

 

هبط الصاروخ "السوري" التائه عن مساره قرب مفاعل ديمونة الاسرائيلي كالصاعقة النووية  على رؤوس قادة الاحتلال في تل ابيب

الصاروخ السوري SA-5 الذي تصدى للطائرات الاسرائيلية وهي تنفذ عدوانها على محيط العاصمة السورية دمشق، اليوم الخميس، تابع مسيره واخترق أجواء فلسطين المحتلة وسقط قرب مفاعل ديمونة النووي الذي تحيط به السرية.

قد يكون الصاروخ انحرف عن مساره صحيح، لكنه وصل الى أكثر المناطق حساسية لدى الاحتلال ومازال جيش الاحتلال يحقق في موضوع الاختراق هذا، ان كان صاروخ تائه دخل ووصل وأحدث انفجارا فما بالكم بصاروخ "ليس تائه" ودقيق.

هنا تكمن أهمية هذا الحدث ككل، وهكذا جعل هذا الصاروخ السوري القيادة الاسرائيلية من العسكرية الى السياسية في موقف حرج، بل وهو الآن يهدد سمعة "القبب الحديدية" التي يتسابق "عرب التطبيع" لشرائها بملايين الدولارات من الاحتلال، وهو يهدد سمعة الباتريوت التي هزتها صواريخ رجال اليمن مرارا وتكرارا في السعودية المعتدية.

اذا قلنا بأن هذا الصاروخ قد غير قواعد الاشتباك فإننا لا نبالغ أبدا فقد ثبت عجز الاحتلال عن حماية مفاعل ديمونة جوهرة صناعاته النووية الذي يخفي تفاصيلها حتى عن الامريكيين، بل وكاد سقوط مثل هكذا صاروخ (حتى وان قلنا صدفة)، ان يحدث دمارا هائلا لاتستفيق من بعده "ارائيل".

بات على الصهاينة ان يعلموا ان من يمارس الشر في المنطقة عليه ان يتحمل تبعات ممارساته هذه، وبالامس كان الانفجار الكبير الذي وقع في منشأة تومير التي تطور محركات الصواريخ البالستية، واليوم كاد ان يطير مفاعل ديمونة من مكانه، وهذا بالضبط ترجمة بسيطة لعبارة ان "اسرائيل" أوهن من بيت العنكبوت.

المصدر:العالم

بدأت العلاقة بين السلطات السعودية و"حماس" بالتوتر بعد أن رعى الملك عبد الله اتفاقيّة مكة في شباط/فبراير 2007 للمصالحة بين حركتي "حماس" و"فتح".

  • بعض الشخصيات المعتقلة تعد شخصيات قيادية في حركة "حماس".

قبل نحو عامين، اعتقلت السّلطات السّعودية عشرات الفلسطينيين المقيمين في أراضيها، أغلبهم من المناضلين والناشطين في دعم الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة، وهو في الأغلب دعم مالي واقتصادي يعزّز صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ويحسّن الحالة المعيشية والاقتصادية، من خلال تنفيذ مشاريع إغاثية وتنموية.

بعض الشخصيات المعتقلة تعد شخصيات قيادية في حركة "حماس"، وصفاتها معروفة لدى السّلطات السّعودية. وقد كانت تقوم بمهام تنسيقيّة أشبه بمكتب تمثيل للحركة في السعودية على مدار عشرات السّنين، من دون أن تشكّل أيّ تهديد للأمن السّعودي. 

شكّلت ساحة السعودية رافداً مهماً لدعم الشعب الفلسطيني مالياً، وخصوصاً حركة "حماس"، من خلال التبرعات الشعبية، نظراً إلى المكانة الوطنية والدينية التي تتمتع بها داخل المجتمع السعودي، وفي أوساط المقيمين الفلسطينيين داخل السعودية، ولم تتلقَّ رسمياً أية دعم مالي من النظام السعودي الذي خصّص دفعات مالية شهرية للسلطة الفلسطينية.

بدأت العلاقة بين السلطات السعودية و"حماس" بالتوتر بعد أن رعى الملك عبد الله اتفاقيّة مكة في شباط/فبراير 2007 للمصالحة بين حركتي "حماس" و"فتح"، والتي تمخضت عنها حكومة وحدة وطنية يترأسها إسماعيل هنية ونائبه عزام الأحمد.

لم يصمد الاتفاق سوى شهور قليلة، ثم حدثت صدامات بين الحركتين. وعلى إثرها، أقال الرئيس أبو مازن حكومة هنيّة الذي رفض القرار، وأصبح هناك حكومتان؛ واحدة في الضفة، والأخرى في غزة.

نجح أبو مازن في إقناع الملك عبد الله، ملك السعودية، بأن حركة "حماس" انقلبت على اتفاق مكة، ما يعتبر إهانة للسعودية وملكها الذي رعى الاتفاق شخصياً. وعلى إثر ذلك، بدأت العلاقات بين "حماس" والسعودية بالتوتر، من دون أن تصل إلى القطيعة الكاملة.

في ذلك الحين، حاولت "حماس" ترميم العلاقة مع النظام السعودي من دون جدوى، حتى اشتعلت المنطقة العربية في بداية العام 2011، وشعر النظام السعودي بالخطر الذي يتهدّده بفعل التقلبات الداخلية العربية، وكان أبرزها سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك، وتولي رئيس من قادة الإخوان المسلمين، هو الدكتور محمد مرسي، قيادة مصر لأول مرة في تاريخها. وقد أعلنت "حماس" تأييدها للنظام الجديد في مصر، ولم يخفِ النظام السعودي غضبه وخشيته على استقرار نظامه وشرعيته، ما انعكس على سياساته تجاهها.

من العوامل البارزة التي ساهمت في تردي العلاقة بين الجانبين، تمسك "حماس" بعلاقاتها الاستراتيجية مع محور المقاومة، ولا سيما الجمهورية الإسلامية في إيران و"حزب الله" في لبنان. ورغم أنها لم تيأس، وسعت مراراً لترميم العلاقة مع السعودية، لاستعادة قدرتها على جمع المال من المتبرعين داخل الساحة السعودية، فإنّ الأخيرة كانت تشترط في كلّ مرة قيامها بقطع علاقتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وامتناع قيادتها عن زيارة إيران ولقاء القيادات الإيرانية، ولم يكن الرد الحمساوي يلبي الشرط السعودي.

رغم ذلك، وفي تقدير موقف حمساويّ خاطئ، ونتيجة ضغوط سعوديّة وخارجيّة، أصدر رئيس حركة "حماس" في حينه، خالد مشعل، بياناً إشكالياً فُهم منه تأييد حركته لحملة النظام السّعوديّ ضد اليمن، والتي سُميت "عاصفة الحزم"، ما ألقى بظلال سلبية على العلاقة بين "حماس" وطهران، ولم يحسّن العلاقة بينها وبين النظام السعودي.

بعد تولّي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركيّة، والذي اتّسمت سياساته الخارجية بالعداء لإيران ومحور المقاومة والحركات الإسلامية في المنطقة، والتقارب مع الأنظمة الخليجية و"إسرائيل"، سعياً من إدارته لجلب المزيد من الأموال الخليجية وتصفية القضية الفلسطينية، عبر مشروع أُطلق عليه إعلامياً "صفقة القرن"، سعى النظام السعودي لتعزيز شرعيته والحفاظ على استقراره، من خلال تلبية معايير إدارة ترامب المالية والسياسية وشروطها.

وفي محاولة من النظام السعودي لتعزيز تحالفه مع الإدارة الأميركية وكسب ثقتها بشكل أكبر، تراجعت المواقف التقليدية تجاه القضية الفلسطينية، وتم توجيه أدوات إعلامية لشرعنة التطبيع مع "إسرائيل" وشيطنة المقاومة، وتهيئة الرأي العام السعودي والعربي لمسار التطبيع، وتحويل العداء في المنطقة من "إسرائيل" إلى إيران ومحور المقاومة، في تكرار للدّور الذي أدّته السعودية بعد غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، من خلال الترويج بأن المدّ الشيوعي هو الخطر المحدق بالأمة العربية، وليس العدوّ الصهيونيّ، واستُنزفت طاقات الأمة في أفغانستان بدلاً من توجيهها نحو فلسطين، ومن ثم تعزّزت "الحماية" الأمنية الأميركية للخليج، بحجّة الحفاظ عليها من الخطر الشيوعي.

تاريخياً، لم تختلف الرؤية الأميركيّة مع الرؤية السعودية في العداء للنظم والحركات الثورية، وخاض النظام السعودي صراعاً ضد القومية العربيّة في مصر وسوريا والعراق والنظام الإيراني بعد الثورة... وفي هذا الإطار، ومنذ عامين، شنّت السلطات السعودية حملة اعتقالات شملت عشرات الشخصيات الفلسطينية الناشطة في "حماس" في أراضيها، وما زالت ترفض الإفراج عنهم، رغم كلّ محاولات الحركة وذوي المعتقلين ومؤسَّسات حقوقية ومناشداتهم للإفراج عنهم.

وفي آذار/مارس 2020، أطلق زعيم جماعة "أنصار الله" في اليمن، عبد الملك الحوثي، مبادرة لمبادلة الأسرى لديهم مقابل إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين في السعودية. وقد أصدرت حركة "حماس" بياناً رحّبت فيه بالمبادرة، ولكنَّ السلطات السعودية لم تتجاوب معها.

بات واضحاً أنَّ النظام السعوديّ مستعدّ لتقديم كلّ السياسات التي تحافظ على استقرار الحكم لديه. ورغم أنَّ حركة "حماس" لا تتدخّل في الشأن السعودي الداخلي، فإن التوجّس السّعودي تجاهها لن ينتهي في الأمد القريب، ولن نشهد خطوات إيجابيّة كإطلاق سراح المناضلين الفلسطينيين. وحتى مع تولي إدارة بايدن الرئاسة الأميركية، لا يتوقّع أن تغير السعودية سياساتها بشكل جوهري، فالخشية من التهديد الإيراني قد تدفعها أكثر نحو "إسرائيل"، ونحو عداء أكبر لـ"حماس" وتيار المقاومة في المنطقة.

المصدر:المیادین

 

  • الكاتب: قسم الشؤون الإسرائيلية

تستمر حملة الانتقادات الداخلية في "إسرائيل" للسياسة "الفاشلة" إزاء طهران، انتقادات تتسع رقعتها مع مرور الوقت لتشمل المزيد من المعلقين والكتّاب والخبراء.

  • "إسرائيل" أبلغت واشنطن مسبقاً بسلسلة من العمليات ضدّ إيران

على وقع التقدّم الذي تحرزه المفاوضات النووية في فيينا، تخوض "إسرائيل" معركتها الأخيرة للتأثير على مضمون الاتفاق، الذي يُرجّح مراقبون إسرائيليون توقيعه قريباً. وفي موازاة تزايد مشاعر اليأس الإسرائيلي من التأثير على مضمون الاتفاق، يكثر الحديث في "إسرائيل" عن اتساع رقعة الخلافات في المواقف، وفقدان الثّقة المتبادلة بين "تل أبيب" وواشنطن على خلفية التعاطي مع الملف الإيراني.

وفي هذه الأجواء أجرت "إسرائيل" اليوم الخميس، نقاشاً سياسياً أمنياً لبلورة الموقف الإسرائيلي الذي سيعرضه الوفد الإسرائيلي السياسي الأمني الرفيع المستوى، الذي سيزور واشنطن قريباً للبحث في الملف الإيراني.  

وفي مؤشر على حجم الهوّة بين الطرفين، الإسرائيلي والأميركي، دعا السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة، داني دانون، يهود الولايات المتحدة إلى الوقوف إلى جانب "إسرائيل" وليس إلى جانب إدارة بايدن بشأن الاتفاق المتبلور مع إيران.  

وفي غمرة التسريبات عن حالة الخلافات وانعدام الثقة والاستياء المتبادل بين الطرفين الأميركي والإسرائيلي، تستمرّ حملة الانتقادات في "إسرائيل"، للسياسة الإسرائيلية تجاه إيران. انتقادات دفعت معلقين إلى وصف الإدارة الإسرائيلية للمعركة مع إيران بالغبية والفاشلة.

واشنطن - "تل أبيب": فقدان متبادل للثقة

حفِلت التقارير الإسرائيلية المواكبة للحراك على خط النووي الإيراني، بالعديد من التسريبات عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين، وكلها تُشير إلى تفاقم حالة الخلاف وغياب الثقة بين واشنطن و"تل أبيب".

ونقلت تقارير إسرائيليّة عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، عن حالة من  انعدام الثقة وغياب التنسيق والشفافية بين الطرفيْن، وفي الموازاة، يدّعي الإسرائيليون أنّ إدارة بايدن تتصرّف بشفافية غير كافية معهم، بحيث لا تُطلعهم على تفاصيل المقترحات التي تعرضها على الإيرانيين في مفاوضات فيينا.

أيضاً، الطرف الأميركي يشتكي من السلوك الإسرائيلي، وفقاً لما يُسرّبه مسؤولون إسرائيليون. الشكوى الأميركيّة تتركّز حول عدم التزام إسرائيل الكافي باتفاقيّة "صفر مفاجآت".

ويردّ الإسرائيليّون بأنّ "إسرائيل" أبلغت واشنطن مسبقاً بسلسلة من العمليات ضدّ إيران.

ونُقل عن مسؤول إسرائيلي رفيع، قوله: "لم يكن من المفترض أن يتفاجأ الأميركيون".

هذه الخلافات دفعت مُعلقين للقول إن السؤال هو هل أن الخلافات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، أي التحذير الأميركي، ستحدث تغييراً في سياسة المؤسسة الأمنية؟ وهل وسيتم اختبارها في القريب العاجل؟

في المقابل، رفض مسؤول كبير في إدارة بايدن الانتقادات الاسرائيلية وقال إن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين كبار يُجرون محادثات منتظمة بلا توقف ومفتوحة حول القضية الإيرانية في عدّة منتديات.

"تل أبيب" تبلور موقفها من الاتفاق النووي

في محاولة أخيرة للتأثير على الاتفاق النووي يتجه، في الأيام القريبة المقبلة، وفدان إسرائيليان إلى واشنطن. الأول -بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت- وفد سياسي إستراتيجي، برئاسة رئيس مجلس الأمن القومي مائير بن شبات؛ والثاني، إستخباري أمني، يضمّ رئيس هيئة الأركان العامّة في الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، ورئيس الموساد يوسي كوهين.

وفي محاولة لبلورة موقف إسرائيلي موحد لعرضه أمام الأميركيين، عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الخميس، جلسة سياسية أمنية مقلّصة، تناولت الاتفاق النووي الإيراني المتبلور في فيينا، وذلك بمشاركة مسؤولين كبار في المؤسّسة الأمنية ووزارة الخارجيّة.

تقارير إعلامية ذكرت أن الجلسة المقلّصة عقدت بمشاركة وزير الأمن، بني غانتس، وزير الخارجية، غابي أشكنازي وجميع المسؤولين الذين يتوقّع سفرهم إلى الولايات المتحدة في الأيام المقبلة، ولا سيّما كوخافي وكوهين إضافة إلى رئيس هيئة الأمن القومي مئير بن شبات. وتهدف الجلسة، بحسب مراسل الشؤون السياسية في موقع واللاه الإخباري، باراك رابيد، إلى بلورة السياسات الإسرائيلية ومواءمة المواقف التي سيعرضها كل واحد من المسؤولين على نظرائهم الأميركيين،  في ضوء تقديرات راجحة في المؤسّسة الأمنية تفيد بأن القرار الأميركي بالعودة إلى الاتفاق مع إيران قد اتُخذ بالفعل.

إدارة غبيّة للمواجهة مع إيران

في هذه الأثناء تستمر حملة الانتقادات الداخلية في "إسرائيل" للسياسة "الفاشلة" إزاء طهران، انتقادات تتسع رقعتها مع مرور الوقت لتشمل المزيد من المعلقين والكتّاب والخبراء.

ويشير الانطباع السائد لدى شريحة واسعة من  المراقبين الإسرائيليين إلى فشل "إسرائيل" في تحقيق أي من الأهداف التي وضعتها، من تعاظم القدرات الصاروخية لمحور المقاومة: كمّاً ونوعاً، إلى المشروع النووي الإيراني الذي سجّل تقدّماً لافتاً، إلى الفشل في منع رسوخ الحضور الإيراني في المنطقة.

ويصف الكاتب في صحيفة معاريف، ران ادليست، الإدارة الإسرائيلية للصراع مع إيران بالإدارة الغبية. ويقول "من الصعب تقدير حجم وعمق واتساع وارتفاع مستوى الغباء في إدارة المعركة ضد إيران في السنوات الأخيرة". والمعنى بحسب ادليست هو "فشل كامل لحملة نتنياهو وكوهين منذ سنوات ضد إيران".

المصدر:المیادین

الجمعة, 23 نيسان/أبريل 2021 11:10

النوم 6 ساعات يوميا.. يقودك إلى الخرف

من ينام بانتظام لمدة ست ساعات أو أقل كل ليلة حينما يكونون في منتصف العمر، هو أكثر عرضة للإصابة بالخرف من الذي ينام بشكل روتيني سبع ساعات.

ووجد الباحثون أن هناك خطرا أكبر بنسبة %30 للإصابة بالخرف لدى أولئك الذين كانوا يقضون خلال الخمسينات والستينات والسبعينات من العمر فترات نوم قصيرة باستمرار، بغض النظر عن عوامل الخطر الأخرى، مثل أمراض القلب والتمثيل الغذائي وسوء الصحة العقلية.

ولم تثبت الدراسة أن النوم القليل جدا يسبب الخرف، لأن قلة النوم نفسها قد تكون واحدة من أعراض المرض. لكن يعتقد بعض العلماء أن النتائج تدعم الدليل على أن قلة النوم المستمرة قد تساهم على الأقل في الإصابة بمرض التنكس العصبي.

ولا يعرف الباحثون ما إذا كان تحسين النوم يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالخرف، ولكن من المعروف أن النوم يزيل المخلفات السامة من المخ، وإحدى الفرضيات هي أنه عندما ينام الناس أقل، تصبح هذه العملية ضعيفة.

رأي الخبراء

وتقول الدكتورة سيفيرين سابيا، مؤلفة الدراسة في جامعة باريس: «تشير هذه النتائج إلى أن مدة النوم قد تكون عامل خطر للإصابة بالخرف في وقت لاحق من الحياة»، مضيفة: «لا أستطيع أن أخبرك أن مدة النوم هي سبب للخرف ولكنها قد تساهم في تطوره».

وحللت سابيا وزملاؤها بيانات استقصائية من دراسة وايتهول الثانية في كلية لندن، التي بدأت في عام 1985 وتتبعت صحة وأنماط حياة أكثر من 10000 متطوع بريطاني.

ركز الفريق الفرنسي على ما يقرب من 8000 مشارك أبلغوا بأنفسهم عن أنماط نومهم، على الرغم من أن بعضهم ارتدوا أجهزة تشبه الساعات لتأكيد مدة نومهم.

خلال 25 عاما من المتابعة، أصيب 521 مشاركا بالخرف، وتم تشخيص معظمهم في أواخر السبعينات.

ووصف العلماء في دورية Nature Communications كيف أن أولئك الذين ينامون بشكل روتيني لمدة ست ساعات أو أقل كل ليلة في الخمسينات والستينات من العمر كانوا أكثر عرضة بنسبة %30 للإصابة بالخرف من أولئك الذين عادة ما ينامون سبع ساعات.

وجاءت هذه النتائج بعد أن أفاد فريق دولي أن اضطراب النوم الشديد قد يضاعف تقريبا خطر وفاة النساء بأمراض القلب، مقارنة بعامة الإناث.

ووجدت الدراسة، التي نشرت في مجلة القلب الأوروبية، أن الخطر على الرجال زاد بنحو الربع. وساهم كل من مؤشر كتلة الجسم وانقطاع التنفس أثناء النوم، اللذين يعطلان التنفس، في «اليقظة اللاواعية»، بينما يمكن أن يؤدي تعطيل إيقاعات الجسم اليومية الطبيعية إلى تراكم الدهون في الشرايين، ما قد يؤدي إلى مشاكل في القلب والأوعية الدموية.

وتشير التقديرات إلى أن الخرف يصيب واحدا من كل 14 شخصا فوق 65 عاما، وواحدا من كل ستة أشخاص تزيد أعمارهم على 80 عاما، يتضاعف خطر الإصابة بمرض الزهايمر أو الخرف الوعائي تقريبا كل خمس سنوات فوق سن 65.

التغيرات المرضية

تحدث التغيرات المرضية الأولى التي تؤدي إلى الخرف قبل أن يصبح المرض واضحا لمدة عقدين من الزمن، حيث تتراكم البروتينات اللزجة المسماة أميلويد وتاو في الدماغ.

وعندما قامت دراسة أجريت في عام 1985 بتقييم نوم المتطوعين الذين أصيبوا لاحقا بالخرف، ربما لم تبدأ هذه العملية. هذا يعني أنه إذا كانوا ينامون قليلا جدا، فمن غير المرجح أن يكون سبب ذلك تغيرات الدماغ المرتبطة بالخرف.

وقالت الدكتورة ليز كولتهارد، كبيرة المحاضرين الاستشاريين في علم الأعصاب في جامعة بريستول، والتي لم تشارك في الدراسة: «إنه يعزز الدليل على أن قلة النوم في منتصف العمر يمكن أن تسبب الخرف أو تزيده سوءا في وقت لاحق من الحياة»، مضيفة: «من المنطقي اتخاذ تدابير لتحسين النوم مثل الخروج خلال ساعات النهار للمساعدة في الحفاظ على الإيقاعات الطبيعية التي تعزز النوم الجيد، وتجنب تناول الكحوليات، وعدم الإفراط في تناول الكافيين، خصوصا قبل النوم، وإيجاد روتين لوقت النوم يناسبك».

ويقول روبرت هوارد، أستاذ الطب النفسي للشيخوخة في كلية لندن الجامعية: «نحن نعلم أن العلامات الأولى لمرض الزهايمر تظهر في الدماغ قبل 20 عاما من ضعف الإدراك الذي يمكن اكتشافه، لذلك من الممكن دائما أن تكون قلة النوم من الأعراض المبكرة جدا لمرض الزهايمر.. بدلا من عامل خطر قابل للعلاج».

ويضيف: «المصابون بالأرق، الذين ربما لا يحتاجون إلى شيء آخر للتفكير بشأنه في السرير، لا ينبغي أن يقلقوا من أنهم يتجهون إلى الخرف ما لم يناموا على الفور».

 

الجمعة, 23 نيسان/أبريل 2021 11:04

الحجّ في كلمات الإمام عليّ (ع)

يجد الإنسان المسلم في «نهج البلاغة» كلمات للإمام عليّ بن أبي طالب (ع) يتعلّم منها، ويقرأ فيها آفاقاً ما كان ليجدها في كلام غيره من الناس بعد كلام رسول الله (ص)، وهل أعجب في الحديث عن الكعبة والحجّ من كلام رجل يعدّ من أصحاب البصائر الفريدة، كان قد جرّب وذاق وعرف، فسما وامتلأ وفاض؟

- الحجّ في كلام الإمام علي (ع):

- «وفَرَضَ عليكم حَجَّ بيتِهِ الحَرَامِ، الذي جعلَهُ قِبلَةً للأنامِ، يَرِدُونَهُ وُرُودَ الأنعامِ، ويأْلهُونَ إليه وُلُوهَ الحَمَامِ. جعلَهُ سبحانهُ علامةً لتواضُعِهم لعظمتِهِ، وإذعَانِهم لعزَّتِهِ.

 واختارَ من خَلقِهِ سُمّاعاً أجابُوا إليه دعوتَهُ، وصَدَّقُوا كلمتَهُ، ووَقفُوا مواقِفَ أنبيائِهِ، وتَشَبَّهُوا بملائكتِهِ المُطيفين بعرشِهِ، يُحرِزُونَ الأرباحَ في مَتجَرِ عبادتِهِ، ويتبادرون عنده موعِدَ مغفرتِهِ.  - جعلَهُ سبحانه للإسلامِ عَلَماً، وللعائذين حَرَماً. فَرَضَ حَجَّهُ، وأوجَبَ حقَّهُ، وكَتَبَ عليكم وِفَادَتَهُ، فقال سبحانه: (وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران/ 97)».

- الكعبة وصفتها، والحجّ وأسراره في كلام الإمام عليّ (ع):

- «ألا ترون أنّ الله، سبحانه، اختبرَ الأوّلين من لَدن آدم (صلوات الله عليه)، إلى الآخِرين من هذا العالم، بأحجار لا تضرُّ ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام، الذي جعله للناس قياماً.«

-» ثمّ وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقلّ نتائق الدنيا مَدَراً، وأضيق بطون الأودية قُطْراً: بين جِبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وَشِلَة، وقُرى منقطعة، لا يزكوبها خف ولا حافر ولا ظلف».

-» ثمّ أمر آدم (ع) ووُلده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابه لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم، تهوى إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوى فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزُّوا مناكبهم ذُللاً يهلّلون لله حوله، ويَرمَلون على أقدامهم شُعثاً غُبْراً له. قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوّهوا بإعفاء الشعور محاسن خَلقِهم، ابتلاءً عظيماً، وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً جعله الله سبباً لرحمته، ووصلة إلى جنّته.«

الحجّ مجاهدة واختبار وتمحيص، والفوز بالحج - بشروطه وحدوده التي أرادها المولى سبحانه - صعود في درب الإيمان درجة أو درجات، وترويض النفس على المكاره وتزكية لها وتنقيح، وتنقية من مواطن الضعف، وانتصار على مواضع الوهن.

- «ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام، ومشاعره العظام، بين جنّات وأنهار، وسهل وقرار، جمَّ الأشجار، دانى الثمار، ملتفَّ البُنى، متّصِل القُرى، بين بُرّةٍ ورياض ناضرة، وطرق عامرة، فكان قد صَغُرَ قدرُ الجزاء على حسب ضعف البلاء».

- «ولو كان الأساس المحمول عليها، والأحجار المرفوع بها، بين زمُرُّدة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء، لَخفّف ذلك مصارعة الشكّ في الصدور، ولوضعَ مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلَجَ الرَّيب من الناس».

- «ولكنّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بأنواع المَجاهِد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبّر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلّل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبواباً فُتُحاً إلى فضله، وأسباباً ذللاً لعفوه».

الكعبة والحجّ: من الوجهة التاريخية، كانا منذ كان الإنسان الأوّل. فكأنّ الحجّ - بالصيغة التي حدّدها الله تعالى - ضرورة من ضرورات العلاقة بين السيِّد والعبد، وكان إبراهيم الباعث لما امحى من أثر الكعبة بعد تطاول الزمن، والمؤذن في الناس بالحجّ بصوت فصيح عال. ثمّ جاءت الرسالة الأخيرة الخاتمة التي تلقّاها محمّد بن عبدالله (ص) في أرض مكّة، فكان لمكّة في رسالة محمّد (ص) مكانة خاصّة، وللحجّ منزلة عظيمة، وللشهر الحرام تقدير وتوقير.

- في الظلال:

وحجّ البيت، في حقيقته مجاهدة وامتحان واختبار وابتلاء وتمحيص، يمتلئ من يجتازه ظافراً بالتذلّل لله، والتواضع لعظمته، والتحرّر من داء الزهو والخيلاء والكبرياء أمام عزّة ربّ العزّة جلّ وعلا، ويفوز بالرحمة السابغة والرضوان.

وهنالك يتذوّق المرء الأشياء والأفكار تذوّقاً و«يحسّ» على الحقيقة بالصلة الأخوية الحميمة التي تربطه بإخوانه المؤمنين الذين يطوفون حول الكعبة مثله، وسيدرك إدراكاً عميقاً معنى عبارة: المسلمون كلّهم إخوة..

والإنسان متجرّد باختياره، خلال الحجّ أو العمرة، من أثقال المادّة، فهو يسعى - نحو الصراط - خفيف الروح، طليق النفس، واثب الخطوات. ومن تخفّف فقد لحق ونجا، و: «تخفّفوا تلحقوا». كما يقول الإمام عليّ (ع)، و«هكذا ينجو المُخِفّون» كما عبّر سلمان الفارسي: الرجل الذي دخل - بجدارة - بوابة الصراط.

الإنسان متجرّد باختياره، خلال الحجّ أو العمرة، من أثقال المادّة، فهو يسعى - نحو الصراط - خفيف الروح، طليق النفس، واثب الخطوات؛ ومَن تخفّف فقد لحق ونجا، و: «تخفّفوا تلحقوا»، كما يقول الإمام عليّ (ع) إنّ هذه الكتل البشرية الهائلة التي تقصد البيت الحرام لتقتحهم الصعاب، وتعاني من السفر الشيء الكثير، وفي أعماقها تنبض لهفة روحية صادقة، وتتوثّب خفقة إيمانية رائعة مشوّقة لرؤية البيت، ولاستلام الحجر، وللطواف أشواطاً بعد أشواط. إنّهم هم السمّاع الذين أجابوا الدعوة، وأسراب الحمام الوالهة المستهامة.

ومَن يقصد البيت يجد أمامه الأنبياء والقادة (ع) في الطريق اللاحبّ اللذيذ، فإلى هنا وصلوا، وها هنا وقفوا، ومن هنا طافوا، وفي هذه البقعة كانت تصعد منهم أصدق الدعوات، وتنبجس من نفوسهم الشريفة أحرّ المناجاة، وهنا ذرفوا - خوفاً وشوقاً - أعزّ الدموع. وإنّهم ليطوفون ثمّ يطوفون، ويؤدّون ألا ينقطع الطواف، ثمّ لا يكفّون عن الحمد والتسبيح والاستغفار والتهليل.

ما أقرب صورة الحجيج هذه المطيفة المهللة المكبّرة المسبّحة إلى صورة ملائكة الرحمن الطوافين بعرش ربّ العزّة في السماوات العلى! إنّ الصورة كالصورة، والتجربة تسمو نحو الماثل، وإنّه لدرب موصول بين الكعبة والعرش، والغاية أن يدنو الإنسان أكثر فأكثر من رحمة ربّه، وأن تتضاءل المسافة التي تفصله عن رضوان الله، وعن نعيم الجنّة، أوَلم نقل إنّ الطريق إلى الكعبة طريق إلى الجنّة؟!

الحجّ مجاهدة واختبار وتمحيص. والفوز بالحجّ - بشروطه وحدوده التي أرادها المولى سبحانه - صعود في درب الإيمان درجة أو درجات. وترويض الأنفُس على المكاره وتزكية لها وتنقيح، وتنقية من مواطن الضعف، وانتصار على مواضع الوهن. ثمّ يكون الجزاء عند الله سبحانه من جنس العمل. ولو كانت وفادة البيت الحرام أمراً سهلاً مستسهلاً لما تهيّأت للنفس فرصة التطهُّر والتنقية والترويض، و: «لكان قد ضعف قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء»، كما يقول الإمام عليّ (ع).

الطريق إلى الكعبة طريق طويل، والناس يفدون إلى البيت من شتّى بقاع الأرض: من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوى فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة. يجتازون إليها - وهم في الطريق - حجارةً وعرة، وبطونَ أودية ضيّقة، ويمرّون بجبال خشنة، ورمال ليّنة لا تصلح للاستقرار، وبمفاوز شحيحة الماء، نادرة الخصب، وبقرى منقطعة غير آهلة بالحياة.

ثمّ تصل قوافل الحجيج، بعد ما تحمّلوا من مشقّة السفر ووعثاء الطريق، إلى موضوع الكعبة، فإذا هي حجارة مرصوفة فوق بعضها، ثمّ لا غير. حجارة فيها قساوة الطريق، وجفاف الصحراء ولون الجبال الجرداء. إذن، فهذه الرحلة الطويلة الحافلة بألوان المشقّة، وضروب الأذى، وأنواع العناء، إنّما كانت من أجل بلوغ هذه الحجارة الصامتة التي جعلها ربّ العالمين بيتاً مقدّساً نسبه إلى نفسه تبارك وتعالى. فما أشدّ المعاناة إذن! وما أحوج الحجاج إلى المزيد من الصبر ثمّ المزيد، وهو يتحمّل مشقّات الحجّ وكلّ تكاليفه!

بيد أنّ هذه التجربة الرائعة من التجارب، إن لم تكن أروع تجربة في حياة الإنسان، فالرحلة إنّما كانت في صحراء قفراء من أجل أن ينعم الإنسان بمزيد من الخصوبة الروحية. والسفر إنّما كان في بيداء ممتدة كالليل من أجل أن يشع الإنسان من الداخل، كالماس، لتكون هذه الرحلة وهذه السفرة بمثابة درجة جديدة في المرقي نحو تغيير النفوس، ودماء جديدة في حياة المجتمع المؤمن الصاعد في درب الله: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11).

وإنّ لإنسان حين يطوف حول الكعبة الشريفة، يصل إلى حالة يكفّ فيها عن النظر إلى هذه الحجارة كشيء فيزيائي. لقد دخلت هذه الحجارة الوعيَ الإنساني، وجعلت المرء يملك إزاءها حسناً بالأبدية الملفّعة بالعظمة والجلال.

والمرء حين يبصر الكعبة، تتألّق في روحه حيوية من طراز خاص، هي انعكاس حيّ لمضمون الكعبة العظيم. والمرء يتلقّى من هذه الحيوية بقدر ما لأداواته الروحية من قدرة على التلقّي والقبول، أو بقدر ما يفيضه كرم ربّ البيت على عبده الضعيف الذي قصد بيت سيِّده من مكان قاصٍ، ومن فجّ عميق.

إنّ المعرفة المجرّدة ربّما يلتقطها المرء من أيّ مكان، ولكن البصيرة هي التي تحتاج إلى التجربة. وهل أكثر شحذاً للبصيرة من تجربة الرحلة إلى بيت الله، والفوز بضيافة الله، في أيّام تُعدّ للإنسان أروع أيّام العمر؟! وهل عمر الإنسان إلّا لون إحساسه بالحياة ودرجة إحساسه بهذه الحياة؟!

وما أعظم نصيب البشرية من الحكمة والهناء لو أنّ الحجيج كلّهم عادوا من حجّهم، رؤاةً مبصرين! وما أخيب الحاج الذي رأى الكعبة بعين البصر ولم يدركها بعين البصيرة!

 

المصدر: مجلة الطاهرة/ العدد195

 

الجمعة, 23 نيسان/أبريل 2021 10:59

الأُسرة من منظور قرآني

عبدالعظيم نصر المشيخص

 

◄القرآن الكريم قد ترك بلا شكّ في رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) وصحابته الكرام (رض)، الأثر الأكبر من معالم التربية الإسلامية، التي أمر الله نبيّه (ص) أن يربّي بها صحابته الأجلاء، وقد شهدت بذلك عائشة زوج رسول الله (ص) فقالت في وصفه: «كان خلقه القرآن»، بل إنّ شهادة الحقّ تبارك وتعالى قد سبقت كلّ شهادة، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان/ 32)، فها هنا إشارتان تربويتان هما:

1- تثبيت الفؤاد وترسيخ الإيمان.

2- تعليم الترتيل، في قراءة القرآن الكريم، وفيها نزلت التوصيات التربوية صريحة من الله إلى رسوله الكريم محمّد (ص)، وذلك قوله تعالى: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَجعَلَ بِهِ) (القيامة/ 16)، وحياة رسول الله (ص) في سِلمه وحربه في حِلّه وترحاله في داره وبين أهله وصحابته والناس جميعاً، كلّها تشهد بما شهدت به نساؤه وأصحابه، أنّه كان خلقه القرآن الكريم، فكان القرآن له الأثر الكبير في صقل سلوكيات المجتمع الإسلامي الذي عايشه رسول الله (ص) والأئمّة الهُداة (ع) والصحابة الميامين، والعلماء.

والسرّ في ذلك أنّ للقرآن أسلوباً رائعاً ومزايا فريدة في تربية المرء على الإيمان بوحدانية الله وعالم الآخرة، كما وأنّه يفرض الإقناع العقلي المقترن بإثارة العواطف والانفعالات الإنسانية، فهو بذلك يربّي العقل والعاطفة جميعاً، متماشياً مع فطرة الإنسان في البساطة وعدم التكلّف، وطرق باب العقل مع القلب مباشرة.

بحيث يبدأ القرآن الكريم من المحسوس المشهود المُسلَّم به: كالمطر، والرياح، والنبات، والرعد، والبرق، ثمّ ينتقل إلى استلزام وجود الله وعظمته وقدرته وسائر صفات الكمال، مع اتّخاذ أسلوب الاستفهام أحياناً، إمّا الربّانية: كالخضوع، والشُّكر، ومحبّة الله، والخشوع له، ثمّ تأتي العبادات والسلوك المثالي تطبيقاً عملياً للأخلاق الربّانية العالية.

ولعلّ أوضح مثال على هذا الأسلوب التربوي يتّضح في سورة (الرحمن) حيث يذكّرنا الله تعالى بنِعَمه ودلائل قدرته، بادئاً من الإنسان، وقدرته على التعليم، إلى ما سخّر الله له من شمس وقمر ونجوم وأشجار وفاكهة وثمار ونبع، إلى ما خلق من السماء والأرض، وعند كلّ آية عدّة آيات استفهامية تضع القارئ أمام الحسّ والوجدان وصوت القلب والضمير، فلا يستطيع أن ينكر ما يحسّ به ويستجيب له عقله وقلبه، وقد تكرّر هذا الاستفهام (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (الرحمن/ 13)، إحدى وثلاثين مرّة في هذه السورة المباركة، وفي كلّ مرّة يثير انفعالاً يختلف بحسب الآية التي تسبقه.

- السنّة المطهرة مصدر ثانٍ للتربية الإسلامية:

كما تعتمد التربية الأُسرية على معالم السنّة المطهرة التي هي مصدر ثانٍ من مصادرنا التربوية، بحيث ترتشف التربية الإسلامية منها معالمها ومناهجها وضوابطها الشرعية والأخلاقية والعلمية، لأنّها هي بذاتها في تعريفنا لها: إنّها الطريقة والأسلوب والنهج، وعند الأصوليين، هي ما نقل عن رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) من قول وفعل وتقرير، فهو حجة على جميع العباد، فما تركه النبيّ (ص) وأهل البيت (ع) من أقوال، وأفعال، وصفات، ونهي، وأمر، وما أحب، وما كره، وغزواته وأحواله وحياته كلها عند المسلمين مصدر تربوي كبير ونهج قويم.

لذلك نجد في شخصية رسول الله (ص) مربياً عظيماً ذا أسلوب تربوي فذ، يراعي حاجيات الطفولة وطبيعتها، ويأمر بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، أي يراعي الفروق الفردية بينهم، كما يراعي مواهبهم واستعداداتهم وطبائعهم، يراعي في المرأة أنوثتها، وفي الرجل رجولته وقامته، وفي الكهل كهولته... فيجود بالمال لمن يحبّ المال حتى يتألف قلبه، ويقرب إليه من يحبّ المكانة لأنّه في قومه ذو مكانة، وهو في خلال ذلك كلّه يدعوهم إلى الله وإلى تطبيق شريعته، لتكميل فطرتهم وتهذيب نفوسهم شيئاً فشيئاً، وتوحيد نوازعهم وقلوبهم، وتوجيه طاقاتهم وحُسن استغلالها للخير والسمو، من طاقات العقل، وطاقات الجسم، وطاقات الروح لتعمل معاً ضمن نطاق واحد ونحو هدف واحد أسمى، لذلك أدرك العلماء هذه الحقيقة فألفوا كُتُباً كثيرة حول هذه الحقيقة التربوية في نهج رسول الإنسانية محمّد (ص).►

 

المصدر: كتاب الانحرافات الاجتماعية.. مشكلات وحلول

 

 

سماع دوي صفارات الإنذار في معسكر فيكتوريا المشغول من الجانب الأميركي قرب مطار بغداد الدولي، بعد استهدافه بعدة صواريخ.

  • دوي صفارات الإنذار في معسكر فيكتوريا المشغول من الجانب الأميركي قرب مطار بغداد الدولي

أفاد مراسل الميادين في العراق، مساء الخميس، بأن قصفاً صاروخياً استهدف الجناح العسكري الأميركي في معسكر فيكتوريا قرب مطار بغداد الدولي.

ووفقاً لمراسلنا، فإن صفارات الإنذار دوت في معسكر فيكتوريا المشغول من الجانب الأميركي قرب مطار بغداد الدولي. ولم تقع إصابات جراء الهجوم.

عدد الصواريخ الذي سقط هو 3، فيما سقط أحد الصواريخ سقط مهبط الطائرات الخاص بالقوات الأميركية.

وكان هناك تحليق مكثف للطيران الأميركي فوق قاعدة فيكتوريا بعد استهداف المنطقة بعدة صواريخ, والسفارة الأميركية اتخذت إجراءات احترازية.

كما قال مسؤولون أمنيون عراقيون، إن القاعدة التي استهدفها هجوم صاروخي بمطار بغداد تتواجد بها قوات أميركية، ولا تقارير عن خسائر بشرية أو مادية حتى الآن.

ويأتي إطلاق الصواريخ على القاعدة الأميركية فيكتوريا قرب مطار بغداد الدولي، بعد ساعات من تصريح قائد القيادة الأميركية المركزية الوسطى، الجنرال كينيث ماكينزي، بأنه لا توجد خطط في الوقت الحالي لسحب قوات بلاده من العراق.

وشدد ماكينزي على أن "استمرار هجمات المسيرات ضد قواتنا أمر مقلق حقاً، مع العلم أن بطاريات الدفاع الجوي الأميركية تبدع في تعقب واصطياد الصواريخ واللاجسام الطائرة الكبيرة".

الأحد, 18 نيسان/أبريل 2021 07:04

فرصة نيل القرب الإلهي

لابد من تذوّق طعم القرب الإلهي، وإن شهر رمضان لفرصة لنيل هذا القرب. إن حياة المقرّبين حياة من نمط آخر. فبعد ما تقرّب الإنسان إلى الله سيعيش حياةً أخرى. القرب الإلهي يذهب بالإنسان إلى أجواء خاصّة ويمتّعه بشعور خاصّ جدّا. وعلى أيّ حال يختلف الإنسان المقرّب عن غيره! فعندما تقتربون إلى قبور أئمّة الهدى (عليهم السلام) تختلف مشاعركم، فكيف بكم إذا تقرّبتم إلى الله عز وجل؟!

 

إن شهر رمضان لفرصة لأن نتقرّب إلى الله أكثر من أي زمان آخر. لابدّ من تذوّق طعم القرب وتحسّسه. فعلى سبيل المثال إن قُبلت توبتك تتقرّب إلى الله، وإن كانت نيتك في أعمالك أن تفعلها لوجه الله، تزداد قربا إليه. وكذلك إن راقبت نفسك لئلا تسخط ربّك، تتقرّب إليه. وإن حزنت على ابتعادك عن الله في لحظات غفلتك، تتقرب إليه. فبإمكانك في أوقات كثيرة أن تشعر بالقرب إلى الله.

 

لابدّ أن نجرّب حالة القرب ونجد آثارها في روحنا وجسمنا وأفعالنا. يجب أن نجرّب حالة القرب ونجد آثارها في روحنا وجسمنا وأفعالنا! لابدّ أن نشعر بتحوّل في صلاتنا! لابدّ أن نكثر الضجيج إلى الله ونطيل الصراخ والعويل بين يديه حتى نجرّب حالة القرب، فليس لنا طريق آخر ولا أي فرصة أخرى.

 

فلا يجوز التسويف في هذا الأمر. لا تقولوا: «سوف نتقرّب إلى الله في المستقبل»، فإنك إن لم تتقرّب إليه الآن مع أنك أحسن حالا من مستقبلك، فكيف بك في المستقبل وقد ازددت بعداً عن الله؟! فليس هذا الأمر ممّا يجوز تسويفه. فلا يجوز لي أن أسوّف التوبة وأعلقّها إلى إشعار آخر! فلأتب الآن. فإذا كنت أترقب المستقبل لكي تتغيّر ذائقتي وأترك الذنوب وحبّ الدنيا، فلأتركها اليوم ولتتغيّر ذائقتي الآن.

 

في أجواء القرب يجب أن تستحضر نية التقرّب في جميع أعمالك ليل نهار. إن شهر رمضان لفرصة للتقرب، ولابدّ من تجربة هذه الأجواء التي تجعل من حياتك حياة أخرى. في هذه الحياة الطيبة الجديدة، نحن مأمورون بأن نستحضر نية التقرّب في جميع أعمالنا ليل نهار. كما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأبي ذر: «یَا أَبَا ذَرٍّ لِیَکُنْ لَكَ فِي کُلِّ شَیْ‏ءٍ نِیَّةٌ حَتَّى فِي النَّوْمِ وَ الْأَکْلِ»([1])، و«یَا أَبَا ذَرٍّ، هُمَّ بِالْحَسَنَةِ وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْهَا لِکَیْلَا تُکْتَبَ مِنَ الْغَافِلِین‏»([2])، وکذلك قال الإمام الصادق (عليه السلام): «فَلَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ خَالِصِ‏ النِّیَّةِ فِي کُلِّ حَرَکَةٍ وَسُکُونٍ إِذَا لَمْ یَکُنْ بِهَذَا الْمَعْنَى یَکُونُ غَافِلًا والْغَافِلُونَ قَدْ ذَمَّهُمُ‏ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ‏ إِنْ هُمْ إِلَّا کَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِیلًا وَقَالَ‏ أُولئِکَ هُمُ الْغافِلُون»([3]).

 

نفس نيّة القربة التي يجب أن ننويها عند الصلوات، يجب أن نستحضرها عند جميع أعمالنا وأفعالنا. فكأن الله قد دخل معنا في معاملة تجارية وكأنه قال: «اجعل کلّ أفعالك لي، لكي أشتريها منك كلّها وأجعلك من المقرّبين». فإذا رفض أحد دعوة ربّه ولوّى عنقه، ماذا يجب أن نسمّيه؟

 

سماحة الشيخ علي رضا بناهيان - بتصرف

 

([1]) وسائل الشيعة/ج1/ص48

([2]) أمالي الطوسي/ص536

([3]) مصباح الشريعة/ص53