دوافع رفض السّعودية الإفراج عن مناضلي "حماس" من سجونها

قيم هذا المقال
(0 صوت)
دوافع رفض السّعودية الإفراج عن مناضلي "حماس" من سجونها

بدأت العلاقة بين السلطات السعودية و"حماس" بالتوتر بعد أن رعى الملك عبد الله اتفاقيّة مكة في شباط/فبراير 2007 للمصالحة بين حركتي "حماس" و"فتح".

  • بعض الشخصيات المعتقلة تعد شخصيات قيادية في حركة "حماس".

قبل نحو عامين، اعتقلت السّلطات السّعودية عشرات الفلسطينيين المقيمين في أراضيها، أغلبهم من المناضلين والناشطين في دعم الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة، وهو في الأغلب دعم مالي واقتصادي يعزّز صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ويحسّن الحالة المعيشية والاقتصادية، من خلال تنفيذ مشاريع إغاثية وتنموية.

بعض الشخصيات المعتقلة تعد شخصيات قيادية في حركة "حماس"، وصفاتها معروفة لدى السّلطات السّعودية. وقد كانت تقوم بمهام تنسيقيّة أشبه بمكتب تمثيل للحركة في السعودية على مدار عشرات السّنين، من دون أن تشكّل أيّ تهديد للأمن السّعودي. 

شكّلت ساحة السعودية رافداً مهماً لدعم الشعب الفلسطيني مالياً، وخصوصاً حركة "حماس"، من خلال التبرعات الشعبية، نظراً إلى المكانة الوطنية والدينية التي تتمتع بها داخل المجتمع السعودي، وفي أوساط المقيمين الفلسطينيين داخل السعودية، ولم تتلقَّ رسمياً أية دعم مالي من النظام السعودي الذي خصّص دفعات مالية شهرية للسلطة الفلسطينية.

بدأت العلاقة بين السلطات السعودية و"حماس" بالتوتر بعد أن رعى الملك عبد الله اتفاقيّة مكة في شباط/فبراير 2007 للمصالحة بين حركتي "حماس" و"فتح"، والتي تمخضت عنها حكومة وحدة وطنية يترأسها إسماعيل هنية ونائبه عزام الأحمد.

لم يصمد الاتفاق سوى شهور قليلة، ثم حدثت صدامات بين الحركتين. وعلى إثرها، أقال الرئيس أبو مازن حكومة هنيّة الذي رفض القرار، وأصبح هناك حكومتان؛ واحدة في الضفة، والأخرى في غزة.

نجح أبو مازن في إقناع الملك عبد الله، ملك السعودية، بأن حركة "حماس" انقلبت على اتفاق مكة، ما يعتبر إهانة للسعودية وملكها الذي رعى الاتفاق شخصياً. وعلى إثر ذلك، بدأت العلاقات بين "حماس" والسعودية بالتوتر، من دون أن تصل إلى القطيعة الكاملة.

في ذلك الحين، حاولت "حماس" ترميم العلاقة مع النظام السعودي من دون جدوى، حتى اشتعلت المنطقة العربية في بداية العام 2011، وشعر النظام السعودي بالخطر الذي يتهدّده بفعل التقلبات الداخلية العربية، وكان أبرزها سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك، وتولي رئيس من قادة الإخوان المسلمين، هو الدكتور محمد مرسي، قيادة مصر لأول مرة في تاريخها. وقد أعلنت "حماس" تأييدها للنظام الجديد في مصر، ولم يخفِ النظام السعودي غضبه وخشيته على استقرار نظامه وشرعيته، ما انعكس على سياساته تجاهها.

من العوامل البارزة التي ساهمت في تردي العلاقة بين الجانبين، تمسك "حماس" بعلاقاتها الاستراتيجية مع محور المقاومة، ولا سيما الجمهورية الإسلامية في إيران و"حزب الله" في لبنان. ورغم أنها لم تيأس، وسعت مراراً لترميم العلاقة مع السعودية، لاستعادة قدرتها على جمع المال من المتبرعين داخل الساحة السعودية، فإنّ الأخيرة كانت تشترط في كلّ مرة قيامها بقطع علاقتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وامتناع قيادتها عن زيارة إيران ولقاء القيادات الإيرانية، ولم يكن الرد الحمساوي يلبي الشرط السعودي.

رغم ذلك، وفي تقدير موقف حمساويّ خاطئ، ونتيجة ضغوط سعوديّة وخارجيّة، أصدر رئيس حركة "حماس" في حينه، خالد مشعل، بياناً إشكالياً فُهم منه تأييد حركته لحملة النظام السّعوديّ ضد اليمن، والتي سُميت "عاصفة الحزم"، ما ألقى بظلال سلبية على العلاقة بين "حماس" وطهران، ولم يحسّن العلاقة بينها وبين النظام السعودي.

بعد تولّي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركيّة، والذي اتّسمت سياساته الخارجية بالعداء لإيران ومحور المقاومة والحركات الإسلامية في المنطقة، والتقارب مع الأنظمة الخليجية و"إسرائيل"، سعياً من إدارته لجلب المزيد من الأموال الخليجية وتصفية القضية الفلسطينية، عبر مشروع أُطلق عليه إعلامياً "صفقة القرن"، سعى النظام السعودي لتعزيز شرعيته والحفاظ على استقراره، من خلال تلبية معايير إدارة ترامب المالية والسياسية وشروطها.

وفي محاولة من النظام السعودي لتعزيز تحالفه مع الإدارة الأميركية وكسب ثقتها بشكل أكبر، تراجعت المواقف التقليدية تجاه القضية الفلسطينية، وتم توجيه أدوات إعلامية لشرعنة التطبيع مع "إسرائيل" وشيطنة المقاومة، وتهيئة الرأي العام السعودي والعربي لمسار التطبيع، وتحويل العداء في المنطقة من "إسرائيل" إلى إيران ومحور المقاومة، في تكرار للدّور الذي أدّته السعودية بعد غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، من خلال الترويج بأن المدّ الشيوعي هو الخطر المحدق بالأمة العربية، وليس العدوّ الصهيونيّ، واستُنزفت طاقات الأمة في أفغانستان بدلاً من توجيهها نحو فلسطين، ومن ثم تعزّزت "الحماية" الأمنية الأميركية للخليج، بحجّة الحفاظ عليها من الخطر الشيوعي.

تاريخياً، لم تختلف الرؤية الأميركيّة مع الرؤية السعودية في العداء للنظم والحركات الثورية، وخاض النظام السعودي صراعاً ضد القومية العربيّة في مصر وسوريا والعراق والنظام الإيراني بعد الثورة... وفي هذا الإطار، ومنذ عامين، شنّت السلطات السعودية حملة اعتقالات شملت عشرات الشخصيات الفلسطينية الناشطة في "حماس" في أراضيها، وما زالت ترفض الإفراج عنهم، رغم كلّ محاولات الحركة وذوي المعتقلين ومؤسَّسات حقوقية ومناشداتهم للإفراج عنهم.

وفي آذار/مارس 2020، أطلق زعيم جماعة "أنصار الله" في اليمن، عبد الملك الحوثي، مبادرة لمبادلة الأسرى لديهم مقابل إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين في السعودية. وقد أصدرت حركة "حماس" بياناً رحّبت فيه بالمبادرة، ولكنَّ السلطات السعودية لم تتجاوب معها.

بات واضحاً أنَّ النظام السعوديّ مستعدّ لتقديم كلّ السياسات التي تحافظ على استقرار الحكم لديه. ورغم أنَّ حركة "حماس" لا تتدخّل في الشأن السعودي الداخلي، فإن التوجّس السّعودي تجاهها لن ينتهي في الأمد القريب، ولن نشهد خطوات إيجابيّة كإطلاق سراح المناضلين الفلسطينيين. وحتى مع تولي إدارة بايدن الرئاسة الأميركية، لا يتوقّع أن تغير السعودية سياساتها بشكل جوهري، فالخشية من التهديد الإيراني قد تدفعها أكثر نحو "إسرائيل"، ونحو عداء أكبر لـ"حماس" وتيار المقاومة في المنطقة.

المصدر:المیادین

قراءة 605 مرة