emamian

emamian

استقبل سماحة الامام الخامنئي اليوم الخميس بمناسبة حلول الذكرى العطرة لميلاد السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها آلاف من محبي أهل البيت (عليهم السلام) و المنشدين الدينيين في حفل حماسي تضمن إنشاد المدائح وترديد الشعر وذكر مناقب سيدة نساء العالمين سلام الله عليها.

وخلال هذا الحفل الذي استمر قرابة ثلاث ساعات، هنأ سماحة الامام الخامنئي بالمولد المبارك للسيدة الصديقة الطاهرة (سلام الله عليها)، قائلاً: "بمقاومتهم الوطنية، أحبط الشعب الإيراني الجهود المتواصلة للعدو لتغيير «الهوية الدينية والتاريخية والثقافية» لهذه الأمة. واليوم، وفي الوقت الذي يجب أن يكون هناك استعداد دفاعي وهجومي صحيح لمواجهة النشاط الدعائي والإعلامي للعدو الذي يستهدف «العقول والقلوب والمعتقدات»، فإن إيران العزيزة تواصل مسيرتها إلى الأمام رغم المشاكل والنواقص الموجودة في أنحاء البلاد".

وبمناسبة تقارن ميلاد الإمام الخميني (رض) مع ميلاد السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، أشاد قائد الثورة بفضائل ومناقب سيدة نساء العالمين سلام الله عليها، واصفاً إياها بما يفوق إدراك البشر، وأضاف: "مع كل هذا، يجب أن نكون فاطميين ونقتدي بتلك السيدة القدوة في جميع الجوانب، بما في ذلك التدين والعدالة والجهاد في التبيين وحسن العشرة مع الزوج وتربية الأولاد وغيرها من المجالات".

وأشار سماحته إلى أن "الإنشاد الديني" ظاهرة مؤثرة للغاية، مضيفاً: "من الضروري من خلال البحث والدراسة التعمق في هذه الظاهرة المدهشة وتشخيص نقاط ضعفها وطرق تعزيز وتطوير أبعادها المختلفة".

وأكد آية الله العظمى الخامنئي على التقدم الذي أحرزه الإنشاد الديني مقارنة بالماضي، واصفاً إياه بأنه أحد روافد "أدب المقاومة"، قائلاً: "أي فكر أو أمر إذا لم يمتلك أدباً مناسباً، فسوف يضمحل تدريجياً. والإنشاد الديني والمجالس الحسينية، من خلال وضع وتوسيع ونقل أدب المقاومة، يعزز هذا المطلب الأساسي للغاية".

وعرّف سماحته "المقاومة الوطنية" بأنها "المرونة والصمود في مواجهة أنواع الضغوط المختلفة من قبل القوى المستبدة"، مضيفاً: "أحياناً يكون الضغط عسكرياً - كما رآه الشعب خلال الدفاع المقدس وكما شاهده المراهقون والشباب في الأشهر الماضية - وأحياناً أخرى يكون الضغط اقتصادياً أو إعلامياً أو ثقافياً أو سياسياً".

واعتبر قائد الثورة الضجة الإعلامية التي يثيرها العاملون الإعلاميون والمسؤولون السياسيون والعسكريون الغربيون مؤشراً على الضغط الدعائي للعدو، قائلاً: "الهدف من الضغوط المختلفة للنظام الاستكباري على الشعوب، وعلى رأسها الشعب الإيراني، هو أحياناً التوسع الإقليمي، كما تفعله اليوم حكومة الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية".
وأضاف سماحته: "وأحياناً يكون الهدف السيطرة على الموارد تحت الأرضية، وفي بعض الأحيان يكون تغيير نمط الحياة، والأهم من ذلك كله، «تغيير الهوية» هو الهدف الرئيسي للضغوط الاستكبارية".

وأشار الامام الخامنئي إلى أن جهود القوى العالمية المتغطرسة لتغيير الهوية "الدينية والتاريخية والثقافية" للأمة الإيرانية تعود لأكثر من مائة عام، قائلاً: "جعلت الثورة الإسلامية كل تلك الجهود بلا جدوى، وفي العقود الأخيرة، من خلال عدم الاستسلام والصمود والثبات في مواجهة استمرار الضغوط الواسعة من أعدائها، أحبطتهم الأمة".

واعتبر سماحته انتشار مفهوم وأدب المقاومة من إيران إلى دول المنطقة وبعض الدول الأخرى حقيقة واقعة، مضيفاً: "بعض الإجراءات التي اتخذها العدو ضد إيران والشعب الإيراني، لو اتخذها ضد أي دولة أخرى، لكانت تلك الأمة والدولة قد زالتا واندثرتا".

وأشار قائد الثورة إلى تأثير الإنشاد الديني الحسيني(ع) في ترسيخ ذكرى الشهداء وتعزيز وانتشار مفهوم المقاومة في البلاد، قائلاً: "اليوم، نحن نواجه، بما يتجاوز المواجهة العسكرية التي شهدناها، «بؤرة حرب دعائية وإعلامية» ضد جبهة العدو الواسعة؛ لأن العدو قد أدرك أن هذه البلاد والأرض والتربة الإلهية والمعنوية لا تستسلم ولا تُقهر بالضغط العسكري".

وأضاف سماحته: "بالطبع، هناك من يطرح باستمرار احتمال تكرار المواجهة العسكرية، والبعض الآخر يضخم عمداً في هذا الموضوع لإبقاء الناس في حالة شك وخلق القلق، ولن ينجحوا بإذن الله".

واعتبر الامام الخامنئي أن "خط وهدف وخطر العدو" هو محو "آثار وأهداف ومفاهيم الثورة ونسيان ذكرى الإمام الخميني (رض)"، مضيفاً: "الولايات المتحدة تقع في مركز هذه الجبهة الواسعة والنشطة، وتحيط بها بعض الدول الأوروبية، وفي أطراف هذه الجبهة يقف المرتزقة والخونة وعديمو الوطن الذين يسعون في أوروبا للوصول إلى لقمة العيش".

وشدد سماحته على ضرورة معرفة أهداف و"تشكيلات العدو"، قائلاً: "كما هو الحال في الجبهة العسكرية، في هذه المواجهة الدعائية والإعلامية أيضاً يجب أن نحدد تشكيلاتنا بما يتناسب مع نظام وخطة وهدف العدو، وأن نركز على النقاط التي يستهدفها، وهي «المعارف الإسلامية والشيعية والثورية»".

واعتبر قائد الثورة أن الصمود في وجه الحرب الدعائية والإعلامية الغربية صعب ولكنه ممكن تماماً، قائلاً: "في هذا المسار، على المنشدين الدينيين تحويل المجالس الحسينية إلى مراكز للالتزام بقيم الثورة، وأن يحموا هذا الجيل العزيز من أهداف العدو العنيد والخبيث ، مع تقدير إقبال الشباب على الإنشاد الديني والمجالس الحسينية".

واختتم سماحته كلمته بعدة توجيهات للمنشدين الدينيين، كان من أهمها: "تبيين المعارف الدينية والمعارف الجهادية بالاعتماد على حياة جميع أئمة الهدى (عليهم السلام)، ومهاجمة نقاط ضعف العدو بالتزامن مع الدفاع الفعال ضد شبهاته، وشرح المفاهيم القرآنية في مختلف المجالات «الشخصية والاجتماعية والسياسية وكيفية مواجهة العدو»".

واعتبر سماحته تأثير النوح المنسجم جيداً والمحتوى الجيد أحياناً أكثر من عدة خطب ومحاضرات، قائلاً: "على المنشدين الدينيين الحرص على عدم تسلل الألحان وثقافة عصر الطاغوت إلى مجالسهم ومحافلهم".

وفي ختام كلمته، أشار الامام الخامنئي إلى كلام أحد المنشدين الدينيين حول مشكلة الغبار في محافظة خوزستان، قائلاً: "هذه من أصغر المشاكل، والنواقص والمشاكل منتشرة في جميع أنحاء البلاد، لكن شعبنا يخلق يومياً من خلال صموده وصدقه وإخلاصه وحسن نيته وطلبه للعدالة، هيبة وقوة للإسلام وإيران، وبتوفيق الله تعالى، فإن البلاد في حالة حركة وكدّ وتقدم."

الجمعة, 12 كانون1/ديسمبر 2025 04:13

فاطمةُ الزهراءُ عابدةٌ شفيعةٌ

تعدّدتِ الصفاتُ العظيمةُ لمولاتِنا فاطمةَ الزهراءِ (عليها السلام)، والتي وردَتِ الرواياتُ ببيانِها، ومنْ أهمِّها صفةُ العبادةِ، التي كانَت سِمَةً ثابتةً لها في أبهى صُوَرِها. يُصوِّرُها الحديثُ المرويُّ عنِ الرسولِ الأكرمِ (صلّى الله عليه وآله) في عبادةِ ابنتِهِ فاطمةَ (عليها السلام)، حيثُ يُباهي اللهُ عزَّ وجلَّ بها أمامَ الملائكةِ: «وَأَمَّا ابْنَتِي فَاطِمَةُ، فَإِنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَهِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَهِيَ نُورُ عَيْنِي، وَهِيَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي، وَهِيَ رُوحِيَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ، وَهِيَ الْحَوْرَاءُ الْإِنْسِيَّةُ، مَتَى قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا جَلَّ جَلَالُهُ زَهَرَ نُورُهَا لِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ كَمَا يَزْهَرُ نُورُ الْكَوَاكِبِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، وَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ: يَا مَلَائِكَتِي، انْظُرُوا إِلَى أَمَتِي فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ، قَائِمَةً بَيْنَ يَدَيَّ، تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهَا مِنْ خِيفَتِي، وَقَدْ أَقْبَلَتْ بِقَلْبِهَا عَلَى عِبَادَتِي، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ آمَنْتُ شِيعَتَهَا مِنَ النَّارِ»[1].

ومنْ أعظمِ مظاهرِ عبادتِها صفةُ الصبرِ التي تمثّلَتْها بعدَ وفاةِ أبيها رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)، الصبرُ على البلاءِ، وشُكرُ اللهِ تعالى في السرّاءِ والضرّاءِ، والرضا بالقضاءِ، فعنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) أنَّهُ قالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً ابْتَلَاهُ، فَإِنْ صَبَرَ اجْتَبَاهُ، فَإِنْ رَضِيَ اصْطَفَاهُ»[2].

كما تعدّدتِ المقاماتُ التي جعلَها اللهُ عزَّ وجلَّ لسيّدةِ نساءِ العالمينَ، ومنْ هذهِ المقاماتِ شفاعتُها الواسعةُ يومَ القيامةِ، ففي روايةٍ عنِ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله)، وهوَ يُخبِرُ السّيدةَ فاطمةَ (عليها السلام) عن أحداثِ القيامةِ، قالَ لها: «... ثُمَّ يَقُولُ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام): يَا فَاطِمَةُ، سَلِي حَاجَتَكِ، فَتَقُولِينَ: يَا رَبِّ‏ شِيعَتِي،‏ فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَتَقُولِينَ: يَا رَبِّ شِيعَةَ وُلْدِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَتَقُولِينَ: يَا رَبِّ شِيعَةَ شِيعَتِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: انْطَلِقِي، فَمَنِ اعْتَصَمَ بِكِ فَهُوَ مَعَكِ فِي الْجَنَّةِ، فَعِنْدَ ذَلِكِ يَوَدُّ الْخَلَائِقُ أَنَّهُمْ كَانُوا فَاطِمِيِّينَ، فَتَسِيرِينَ وَمَعَكِ شِيعَتُكِ وَشِيعَةُ وُلْدِكِ وَشِيعَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، آمِنَةً رَوْعَاتُهُمْ، مَسْتُورَةً عَوْرَاتُهُمْ، قَدْ ذَهَبَتْ عَنْهُمُ الشَّدَائِدُ، وَسَهُلَتْ لَهُمُ الْمَوَارِدُ، يَخَافُ النَّاسُ وَهُمْ لَا يَخَافُونَ، وَيَظْمَأُ النَّاسُ وَهُمْ لَا يَظْمَؤونَ»[3].

وبمناسبةِ ولادةِ السيّدةِ الزهراءِ (عليها السلام)، نوجِّهُ التهنئةَ على لسانِ الشهيدِ الأسمى السيّدِ حسن نصرِ اللهِ (قدَّسَ اللهُ سرَّه)، يقولُ: «في هذهِ المناسبةِ العظيمةِ، أتوجَّهُ بالتحيّةِ إلى كلِّ النساءِ اللّاتي يتحمَّلْنَ أعباءَ هذهِ المرحلةِ الحسّاسةِ منْ تاريخِ الأمّةِ والمنطقةِ والوطنِ، إلى أمّهاتِ وزوجاتِ وبناتِ وأخواتِ الشهداءِ والجرحى والأسرى والمعتقلينَ، وإلى أمّهات وزوجاتِ وبناتِ المقاومينَ والمجاهدينَ والمقاتلينَ والمدافعينَ في كلِّ الساحاتِ والميادينِ، إلى كلِّ النساءِ اللاتي يتحمَّلْنَ فَقْدَ الأعزّةِ وغيابَ الأحبّةِ وتبعاتِ الحربِ والمواجهةِ، منَ التهجيرِ إلى الغربةِ إلى شظفِ العيشِ، ويواجِهْنَ ذلكَ بثباتٍ وصلابةٍ واحتسابٍ، منْ لبنانَ وفلسطينَ، إلى سوريا والعراقِ واليمنِ والبحرينِ، إلى إيرانَ وأفغانستانَ وباكستانَ ونيجيريا، وإلى كلِّ بلدانِنا وساحاتِ التحدّي والصمودِ، وأسألُ اللهَ تعالى لَكُنَّ ولهُنَّ العونَ والقوّةَ والثباتَ والصبرَ الجميلَ والأجرَ العظيمَ والثوابَ الجزيلَ والنهاياتِ الطيبةَ في الدنيا والآخرةِ»[4].



[1] الطبريّ الآمليّ، بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، ص198.
[2] الشهيد الثاني، مسكّن الفؤاد، ص84.
[3]فرات بن إبراهيم‏ الكوفيّ، تفسير فرات الكوفيّ، ص446.
[4] من كلامٍ له (رضوان الله عليه) في ذكرى ولادة السيّدة الزهراء (عليها السلام)، بتاريخ 18/03/2017م.

أكد البيت الأبيض أنّ حرباً كاملة ضدّ فنزويلا ليست مطروحة على جدول الأعمال، مشيراً إلى أنّ الإدارة الأميركية ستواصل "الجهود" للحدّ من تدفّق المخدّرات وحماية الأميركيين، في ظلّ تصاعد التوتر مع كاراكاس عقب احتجاز ناقلة نفط تابعة لها هذا الأسبوع.

وفي مؤتمر صحفي، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت إنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب عازم على إنهاء الاتجار بالنفط بخلاف القوانين الأميركية، مؤكّدة أنّ الإدارة مستمرة في أولوياتها الأمنية وعلى رأسها مكافحة المخدّرات.

وجاء الموقف الأميركي فيما تستعدّ الولايات المتحدة لاعتراض مزيد من السفن التي تنقل النفط الفنزويلي، وفق ما أكّدته 6 مصادر مطلعة لوكالة "رويترز"، في إطار تشديد الضغوط على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.

وتمثّل عملية الاحتجاز الأخيرة التي أعلن عنها ترامب الأربعاء، أول مصادرة لشحنة نفط فنزويلي خاضعة للعقوبات الأميركية منذ عام 2019، بالتزامن مع تحشيد واشنطن قواتها في جنوب البحر الكاريبي ضمن سياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب الرامية إلى الإطاحة بمادورو.

وقالت مصادر ملاحية إنّ عملية الاحتجاز دفعت عدداً من مالكي السفن والمشغّلين والوكالات البحرية إلى إعادة النظر في الإبحار من المياه الفنزويلية خلال الأيام المقبلة، فيما توقّعت المصادر المطلعة أن تنفّذ الولايات المتحدة مزيداً من التدخّلات المباشرة خلال الأسابيع المقبلة ضدّ السفن التي تحمل نفط فنزويلا أو نفطاً من دول خاضعة لعقوبات مشابهة، مثل إيران.

وتطرّقت ليفيت إلى ملفات أخرى، مشيرة إلى أنّ المرحلة الثانية بشأن غزة لا تزال في طور التخطيط المكثّف، وتتخلّلها مشاورات مع مختلف الأطراف، كما أشارت إلى أنّ الإدارة تتابع عن كثب تطوّرات النزاع بين تايلاند وكمبوديا.

وأضافت أنّ ترامب يتواصل مع الأوروبيين بشأن تطوّرات النزاع في أوكرانيا، وقد أعرب عن عدم رضاه لبطء الوتيرة التي تسير بها الأمور هناك.

كما أعلنت موافقة الرئيس على تصدير شرائح "H200" إلى الصين التزاماً بتعهّداته مع الرئيس شي جين بينغ.

ضمن فعاليات أسبوع العفاف الخاص باستذكار الولادة الميمونة لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)، أقامت الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة احتفالية كبرى تمثّلت بـمهرجان التكليف السنوي الثاني عشر بحضور كبير في صحن السيدة الزهراء (عليها السلام).

فقرات المهرجان

وافتتح المهرجان بقراءة آي من الذكر الحكيم تلاها أحد قراء العتبة العلوية المقدسة ومن ثم بادر عريف الحفل الدكتور مؤمل خليفة لتقديم فقرات المهرجان بكلمة اﻷﻣﺎﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻌﺗﺑﺔ اﻟﻌﻠوﯾﺔ اﻟﻣﻘدﺳﺔ وﻛﻠﻣﺔ أﺣد ﻓﺿﻼء اﻟﺣوزة اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ وﻣﺳرﺣﯾﺔ اﻟﻌﻔﺎف وأﻧﺷودة اﻟﻌﻔﺎف.

كلمة الأمين العام

وألقى الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة كلمة الافتتاح، قدّم خلالها التهاني إلى العالم الإسلامي بهذه المناسبة العطرة، مستذكراً السيرة الطاهرة للصديقة الكبرى فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

كلمة الحوزة العلمية

الأستاذ في الحوزة العلمية الشيخ مقداد الكعبي ألقى كلمة حملت رسالة إلى الفتيات تعد نهجاً من حياة وعفة الصديقة الطاهرة (عليها السلام ) والانتماء إليها والتحلي بالعفاف والابتعاد عن ما يدعون إليه أعداء فاطمة (عليها السلام ) من أجل الفوز بالحياة الآخرة.

تكريم الفتيات

وشهد المهرجان مشاركة ثلاثة آلاف فتاة بلغت سنّ التكليف الشرعي، برفقة ذويهن والكوادر التربوية من مختلف مدارس محافظة النجف الأشرف، إضافة إلى حضور فتيات من دول أوربية من بينها أوكرانيا والسويد، إذ عبّرن عن فرحتهن بشرف ارتداء الحجاب في رحاب المولى أمير المؤمنين (عليه السلام).

الأقسام المشاركة

وأسهمت أقسام العتبة العلوية في إنجاح فعاليات المهرجان، ومنها قسم الإعلام الذي كان له الدور الفاعل في نقل وقائع الاحتفالية و قسم الآليات ,مركز نَظْم للتخطيط والتطوير والعلاقات, مضيف الزائرين، الذي جهّز آلاف الوجبات من بركات المولى أمير المؤمنين (عليه السلام) للمشاركين في المهرجان بإسناد من 50 متشرفاً بالخدمة فضلاً عن مشاركة قسم الشؤون الخدمية و قسم شؤون حفظ النظام وهيئة الاستثمار .

وكان لشعبة تنظيم الأنشطة والفعاليات الدور المتميز بتنظيم كل الأنشطة والفعاليات النسوية بدءاً من توفير الاحتياجات الأساسية للفتيات، مروراً بتجهيز الهدايا الخاصّة بالفعالية، وانتهاءً بتهيئة أماكن الراحة وتأمين كل ما يتطلبه انسياب الحفل من دون أي ازدحام أو تأخير.

الهدف من الفعالية

ويهدف المهرجان إلى ترسيخ ﻣﻔﮭوم التكليف اﻟﺷرﻋﻲ ﻓﻲ ﻧﻔوس اﻟﻔﺗﯾﺎت ﺑﺄﺳﻠوب محبب وواﺿﺢ وﺗﻌزﯾز القيم اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ ﻣﺛل الحياء واﻟﻌﻔﺎف واﻻﻟﺗزام اﻟذاﺗﻲ وﺗﻌرﯾف المكلفات ﺑﺄھم الأحكام الأساسية ﻛﺎﻟﺻﻼة والطهارة والحجاب ودعم ﺛﻘﺔ اﻟﻔﺗﺎة ﺑﻧﻔﺳﮭﺎ وتشجيعها ﻋﻠﻰ تحمل مسؤولياتها الجديدة وﺧﻠق ذﻛرى إيجابية وﻣؤﺛرة ﺗرﺑط اﻟﻔﺗﺎة بالتكليف واﻟﮭوﯾﺔ اﻹﯾﻣﺎﻧﯾﺔ .

وتأتي هذه الفعاليات من ضمن برنامج شامل أعدّته العتبة العلوية المقدّسة لإحياء المناسبة المباركة، وإضفاء أجواء روحانية تليق بمقام السيدة الزهراء (عليها السلام)، وترسيخ قيم العفة والولاء لآل البيت (عليهم السلام). ويشمل البرنامج أكثر من 40 فعالية منوعة داخل النجف الأشرف وخارجها.

المصدر: العتبة العلوية

الجمعة, 12 كانون1/ديسمبر 2025 04:03

مظاهر رأفة صاحب الزمان (عجل الله فرجه)

عند بحث فوائد الإمام الغائب (عليه السلام)، تناولنا الآثار الوجودية لذاته، وشرحنا أن بقاء العالَم واستمرار حياة جميع الخلق كلها مرتبط بوجوده. وفي هذا المقام، نسرد بعض مظاهر الرأفة اللامتناهية له التي تجلّت في صور متعددة؛ ليتبين للجميع أنّ إمام الخير والرحمة، رغم غيبته واختفائه، فإن شعاع رأفته يمتدّ في كل مكان، ويشمل الجميع على قدر استعدادهم وقابليتهم، ولطفه وعنايته جاريان كسريان نهر متدفق لا ينقطع.

وإنّ من أبرز تجليات هذه الرأفة مشاركتَه (عليه السلام) لأتباعه في أحوالهم، وهو سلوك يتحلى به عباد الله الصالحين. فكما أنّ التّوادّ والتراحم بين الإخوة في الدين يُعدّان من أجلّ صفات المؤمنين، فإن الإمام (عليه السلام) يجسّد المثال الأعلى في هذا السلوك الرفيع. فإن المؤمنين في المجتمع الإسلامي كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تألم له سائر الجسد، كما أنّ راحة كلّ منهم وسعادته تبعثان السرور في قلوب الآخرين، فهم - كما صرّح القرآن – إخوة.

وفي العديد من الروايات، عبّر الأئمة المعصومون (عليهم السلام) عن مشاعر التعاطف والمواساة تجاه شيعتهم، وهذا الشعور النبيل يمثّل سلوى وطمأنينة لقلوب محبيهم، وقوة تدعمهم في مواجهة صعوبات الحياة، وتقوّي صبرهم وصمودهم.

قال الإمام الرضا (عليه السلام): «مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ شِيعَتِنَا يَمْرَضُ إِلَّا مَرِضْنَا لِمَرَضِهِ وَلَا اغْتَمَّ إِلَّا اغْتَمَمْنَا لِغَمِّهِ وَلَا يَفْرَحُ إِلَّا فَرِحْنَا لِفَرَحِهِ» (بحار الأنوار، ج 65، ص 167).

وبالتالي، فإن الإمام المعصوم (عليه السلام) - بسبب شدة رأفته ومحبته لأتباعه - يكون في أعلى مراتب الاتصال بهم، وبحكم هذه المحبة يشاركهم أحزانهم وآلامهم؛ كالأم التي تمرض إذا مرض وليدها وتبتهج إذا فرح، لأن الولد عزيز عليها كروحها.

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «وَاللَّهِ إِنِّي أَرْحَمُ بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» (بصائر الدرجات، ص 265).

ومن هذا نستنتج أن محبة الإمام المعصوم (عليه السلام) تختلف في جوهرها عن سائر المحبات، فهي محبة خالصة غير مشروطة ولا محدودة، لا تقتصر على القول بل هي متأصلة في أعماق قلبه ووجدانه، ولهذا فهو مرتبط بشيعته ارتباطاً كاملاً يشمل كيانه وروحه.

ومن أبرز الأمثلة على هذه الرأفة الإلهية في شخص إمام الزمان (عجل الله فرجه) ما ورد في قوله الشريف: «إِنَّهُ أُنْهِي إِلَي ارْتِيَابُ جَمَاعَةٍ مِنْكُمْ فِي الدِّينِ وَمَا دَخَلَهُمْ مِنَ الشَّكِّ وَالْحَيْرَةِ فِي وُلَاةِ أَمْرِهِمْ فَغَمَّنَا ذَلِكَ لَكُمْ لَا لَنَا وَسَاءَنَا فِيكُمْ لَا فِينَا لِأَنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَلَا فَاقَةَ بِنَا إِلَى غَيْرِهِ» (بحار الأنوار، ج 53، ص 178)

الجمعة, 12 كانون1/ديسمبر 2025 04:02

مكانة الانتظار في الثقافة الشيعية (2)

في دراسة مختصرة، يتم تناول مفهوم "الانتظار" في المرويات الدينية من خلال محورين: الانتظار بالمعنى العام، والانتظار بالمعنى الخاص (المهدوي).

وفيما يلي بيان المحور الأول:

الانتظار بالمعنى العام

في هذا المعنى، تريد التعاليم الدينية أن تؤكد على فضيلة "انتظار الفرج العام"، وأن تُشيع الأمل في المستقبل بين الناس، وفي نفس الوقت تذم اليأس وتنهى عنه.

وقد أعطت التعاليم الإسلامية لهذا النوع من الانتظار (الانتظار العام) أهمية كبيرة، حتى أن بعض الأحاديث وصفت هذا الانتظار بأعلى الأوصاف، منها:

1. الانتظار هو عبادة

القرآن الكريم يحدّد الغاية من الخلق في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56). وتقوم سنة النبي وأهل بيته (عليهم السلام) بترجمة هذه الغاية إلى ممارسات عملية.

وفي هذا السياق، يرفع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) "انتظار الفرج" إلى مقام العبادة، بقوله: «اِنْتِظَارُ الْفَرَجِ عِبَادَةٌ» (الأمالي للشيخ الطوسي، ص 405).

وبما أن العبادة جوهرها عمل، فإن انتظار الفرج يعني منهج حياة وسلوكاً يُمارَس.

2. الانتظار هو أفضل العبادة

لا تقتصر مكانة الانتظار على كونه عبادة فحسب، بل إن النصوص الدينية ترفعه إلى درجة سابقة بين العبادات ذاتها. فبعد التأكيد على كونه عملاً عباديًا، يمنحه الحديث النبوي الصدارة والتفوّق، معلناً: «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ اِنْتِظَارُ الْفَرَجِ» (كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 287). وهذا يعني أن له ثواباً أعظم وأثراً أعمق في تهذيب النفس وبنائها.

3. الانتظار هو أفضل الأعمال

ثمّ تأتي الخطوة التصاعدية الأكثر إثارة: فليس الانتظار أفضل العبادات وحسب، بل يتعدّاه ليصبح أفضل الأعمال مطلقاً التي يمكن أن تقوم بها أمة النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا يشمل جميع أنواع الطاعات والعبادات والأخلاق الحسنة. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان هذه المرتبة الفريدة: «أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي اِنْتِظَارُ الْفَرَجِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص 644).

4. الانتظار نفسه هو فرج

أثبت علم النفس الحديث أن للأمل دوراً بالغ الأهمية في السلوكيات الاجتماعية. وبعبارة أخرى، فإن انتظار مستقبل مشرق وزاهر يجعل حياة الإنسان الحالية مشرقة ونشيطة أيضاً.

وتُؤكّد بعض الأحاديث أنَّ مجرّد انتظار الفرج يُعَدُّ بحدِّ ذاته فرجاً وانفراجاً. وفي هذا السياق يقول الإمام السجاد (عليه السلام): «اِنْتِظَارُ الْفَرَجِ مِنْ أَعْظَمِ الْفَرَجِ» (كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 319).

5. الانتظار هو أفضل الجهاد

في التعاليم الدينية، عُرف الجهاد في سبيل الله بأنه من أعظم الأعمال. وقد أولت النصوص الدينية لهذه الفضيلة اهتماماً بالغاً في آيات القرآن وأحاديث المعصومين (عليهم السلام).

وبخصوص أهمية انتظار الفرج - بالإضافة إلى ما سبق - نجد في بعض النصوص ما يلفت الانتباه، وهي التي عدّت الانتظار "جهاداً" بل "أفضل الجهاد". ومن هذه الأحاديث أيضاً يُستفاد بوضوح أن الانتظار هو نوع من العمل.

ومن ذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أَفْضَلُ جِهَادِ أُمَّتِي اِنْتِظَارُ الْفَرَجِ» (تحف العقول، ص 37).

ذم اليأس (النَّقِيض)

في المقابل، نجد أن اليأس من رحمة الله مذموم جداً في الإسلام، بل إن القرآن يصف اليأس بأنه صفة الكافرين، كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: 87).

أما المحور الثاني من البحث فهو "الانتظار بالمعنى الخاص" أو "انتظار الفرج المهدوي"، الذي يركز على انتظار تحقق المجتمع الإلهي على يد الإمام الموعود (عجل الله فرجه)...

الجمعة, 12 كانون1/ديسمبر 2025 03:59

مكانة الانتظار في الثقافة الشيعية (1)

النشاطُ والحيويةُ البشريّان عبر العصور - على المستويين الفردي والاجتماعي - مرهونان بنعمتي "الأمل" و"الانتظار". فبدون أملٍ في المستقبل، تفقد الحياةُ قيمتها ومعناها. وما يبعث الأملَ في الحياة ويضفي عليها جاذبية، ويُهوّن الهمومَ والمتاعب، هو انتظارُ مستقبلٍ مشرقٍ ومُزدهر، تُلبَّى فيه جميعُ الاحتياجات الروحية والمادية للإنسان على أكمل وجه. وفي ظلّ هذا الانتظار والأمل، يتحمّل الإنسانُ المشاقَّ ويواصل مسيرته.

ووفقاً لما تلقّاه معاشرُ الشيعة من تعاليم أهل البيت (عليهم السلام)، قد جعلوا الأملَ وانتظارَ المستقبل منارةً يهتدون بها في دربهم.

المعنى اللغوي والاصطلاحي لـ"انتظار الفرج"

كلمةُ "انتظار" في اللغة تعني "الترقُّب" مطلقاً (1)، أما في الاصطلاح فتعني: ترقُّبَ ظهور الحجة الإلهية الأخيرة، والاستعدادَ لنصرته في إقامة حكم العدل في جميع أنحاء العالم.

وبعبارة أخرى، فإن "الانتظار" حالةٌ نفسية تخلق استعداداً لدى الإنسان لما يترقَّبه، ونقيضُها اليأسُ والقنوط. فكلما اشتدَّ الانتظار وتوهجت جذوته، زادت حركية الإنسان ونشاطه، وبالتالي تعمَّق استعدادُه (2).

أما "الفرج" فمعناه "انكشاف الضيق". وينبع "انتظار الفرج" من الفطرة البشرية الساعية نحو الكمال، وإن كانت ثمة عوامل أخرى قد تكون منشأً لهذا الانتظار.

انتظار الفرج في المذاهب الإسلامية

وخلافاً لما يظنّه البعضُ من أن فكرة المهدوية من ابتكار الشيعة، فإن الاعتقادَ بالمهدويّة ليس حِكراً على أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فحسب، بل يشكّل جزءاً أصيلاً من العقيدة الإسلامية، وإحدى القضايا الجوهرية في الأصول الإسلامية، والتي تشارك فيها جميع الفرق والمذاهب الإسلامية استناداً إلى البشارات الواردة في القرآن الكريم وتعاليم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). فالرواياتُ المتعلقة بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) - كما وردت في مصادر الشيعة - موجودةٌ أيضاً في العديد من كتب أهل السنة المعتمدة.

ومن هنا، فإن الإيمانَ بالانتصار النهائي لقِوى الحق، وإرساءَ قيم الإنسانية كاملةً وشاملةً على يَدِ شخصيةٍ جليلةٍ جاء ذكرها في الروايات الإسلامية باسم "المهدي"؛ إنما هو إيمانٌ يستمدُّ أسسه من الوحي. وعليه، فإن انتظارَ فَجرِ ذلك العصر، فضلاً عن تجذُّره في منظومة اعتقادات أتباع الديانات السماوية كافة، يحظى بأهمية خاصة لدى المسلمين.

التقسيم الأساسي لمعنى الانتظار

وفي دراسة موجزة، يمكن تقسيم الروايات التي تناولت الحديث عن "الانتظار" إلى قسمين رئيسيين: "انتظار الفرج بالمعنى العام" و"انتظار الفرج بالمعنى الخاص"...

في إطار استعدادات المؤمنين لاستقبال الذكرى العطرة لولادة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) في العشرين من شهر جمادى الآخرة، تبرز قصيدة "شَعَّت.. فلا الشمسُ تحكيها ولا القمرُ.." للراحل السيد محمد جمال الهاشمي، كتحفة أدبية تعبر عن عظمة المولودة وعمق مكانتها.

تسبر الأبيات أغوار شخصية الزهراء (عليها السلام) من نورانيتها التي تزدهر بها الأكوان، إلى دورها المحوري في استمرار خط النبوة والإمامة، مروراً ببعض الملمات التي تعرضت لها، وفق مصادر تاريخية.

وإليكم نص القصيدة:

شَعَّت.. فلا الشمسُ تحكيها ولا القمرُ ** «زهراءُ» مِن نورِها الأكوانُ تَزدهرُ (1)

بـنـتُ الـخـلودِ لـهـا الأجـيـالُ خـاشـعةٌ ** أمُّ الــزمــان إلــيـهـا تـنـتـمي الـعُـصُـرُ

روحُ الـحـيـاة، فــلـولا لُـطـفُ عـنـصرِها ** لــم تـأتَـلِفْ بـيـننا الأرواحُ والـصُّـوَرُ (2)

سَـمَـت عــن الأفـق.. لا رُوحٌ ولا مَـلَكٌ ** وفــاقــت الأرض.. لا جِــــنٌّ ولا بَــشَـرُ

مـجـبـولـةٌ مِــــن جـــلالِ اللهِ طـيـنـتُها ** يَــرِفُّ لُـطفاً عـليها الـصَّونُ والـخَفَرُ (3)

مـــا عــابَ مَـفْـخرَها الـتـأنيثُ إنّ بـهـا ** عــلَـى الـرجـالِ نـسـاءُ الأرضِ تَـفـتخِرُ

خـصـالُـها الــغُـرُّ جَـلّـت أن تـلـوكَ بِـهـا ** مِــنّـا الـمَـقـاوِلُ أو تَــدنـو لــهـا الـفِـكَرُ

مَـعنى الـنبوّةِ سـرُّ الـوحيِ، قـد نَـزلَتْ ** فــي بـيـتِ عـصـمتِها الآيــاتُ والـسُّوَرُ

حَـــوَتْ خِـــلالَ رســـولِ اللهِ أجـمَـعَـها ** لـولاَ الـرسالةُ سـاوى أصـلَه الثَّمَرُ (4)

تَـدرّجَـت فــي مَـراقـي الـحقِّ عـارجةً ** لِـمَـشرِق الـنـورِ حـيث الـسِّرُّ مُـسْتَتِرُ

ثـــمّ انْـثَـنَـت تَــمـلأُ الـدنـيـا مـعـارفُـها ** تَـطـوي الـقُـرونَ عَـيـاءً وهــي تـنـتشرُ

قُـل لِـلّذي راحَ يُـخفي فـضلَها حَسَداً: ** وجــهُ الـحـقيقةِ عـنـا كـيف يَـنْسَتِرُ ؟!

أتَـقـرِنُ الـنـورَ بـالـظلماءِ مِـن سَـفَهٍ ؟! ** مـا أنـتَ فـي الـقولِ إلاّ كاذبٌ أشِرُ (5)

بــنـتُ الـنـبـيّ الـــذي لـــولا هـدايـتُهُ ** مــــا كـــان لـلـحـقِّ لا عــيـنٌ ولا أثَـــرُ

هـــيَ الــتـي وَرِثَـــت حــقّـاً مـفـاخِرَهُ ** والـعـطرُ فـيـه الـذي فـي الـوردِ مُـدَّخَرُ

فــي عـيـدِ مـيـلادِها الأمــلاكُ حـافـلةٌ ** والـحورُ فـي الجنّة العُليا لها سَمَرُ (6)

تـزوّجَت فـي الـسما بـالمرتضى شَرَفاً ** والـشـمسُ يَـقرنها فـي الـرتبة الـقَمَرُ

عــلـى الـنـبوّة أضْـفَـت فــي مـراتـبِها ** فَــضْــلَ الــولايــة لا تُــبـقـي ولا تَـــذَرُ

أمُّ الأئــمّــةِ مَــــن طَــوعـاً لـرغـبـتِهم ** يـعـلـو الـقـضـاءُ بــنـا أو يَــنـزِل الــقَـدَرُ

قـفْ يـا يَـراعيَ عـن مـدحِ البتولِ ففي ** مـديـحِـهـا تَــهـتِـفُ الألــــواح والــزُّبُــرُ

وارجِـــعْ لـتـستخبِرَ الـتـاريخَ عــن نـبـأً ** قــــد فـاجَـأَتْـنا بـــه الأنــبـاءُ والـسِّـيَـرُ

هـل أسـقَط الـقومُ ضـرباً حَملَها فَهَوَتْ ** تَــئِـنُّ مِـمّـا بـهـا والـضـلعُ مُـنـكسِرُ ؟!

وهــل كـمـا قـيـل قـادوا بَـعلَها فَـغَدَتْ ** وراه نــادبــةً والــدمـعُ مُـنـهـمِرُ ؟! (7)

إنْ كــان حـقّـاً فــإنّ الـقـومَ قـد مَـرَقوا ** عــنِ الـهـدى، وبِـدِيـن الله قـد كـفروا!


الهوامش:

1 ـ تحكيها: تشابهها وتناظرها.

2 ـ في الحديث القدسيّ يخاطب الله تعالى آدمَ (عليه السّلام): هؤلاء خمسةٌ مِن وُلْدِك (أي النبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين)، لولاهم ما خلقتُك.. لولاهم ما خلقتُ الجنّة ولا النار، ولا العرشَ ولا الكرسيّ، ولا السماءَ ولا الأرض، ولا الملائكة والإنس ولا الجنّ.. ( فرائد السمطين للجوينيّ الشافعيّ 36:1 ).

3 ـ الخَفَر: شدّة الحياء.

4 ـ عن عائشة: ما رأيتُ أحداً أشبهَ سَمْتاً ولا دلاًّ ولا هَدْياً برسول الله (صلّى الله عليه وآله) في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوريّ 272:4، وذخائر العقبى للمحبّ الطبريّ، ص 40).

5 ـ الأشِر: البَطِر العابث.

6 ـ في ( كفاية الطالب، ص 300 / الباب 79) كتب الگنجيّ الشافعيّ: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: أيُّها الناس، هذا عليُّ بن أبي طالب، أنتم تَزعُمون أنّني أنا زوّجتُه ابنتي فاطمة، ولقد خَطبَها إليّ أشراف قريشٍ فلم أُجِب كلَّ ذلك، أتوقّع الخبرَ من السماء، حتّى جاءني جبرئيلُ (عليه السّلام) ليلةَ أربعٍ وعشرين من شهر رمضان فقال: يا محمّد، العليُّ الأعلى يقرأ عليك السّلام، وقد جمع الروحانيّين والكروبيّين في وادٍ يُقال له «الأفيح» تحت شجرة طُوبى، وزوّج فاطمةَ عليّاً، وأمرَني فكنتُ الخاطب، واللهُ تعالى الوليّ، وأمر شجرة طوبى فحمَلَت الحُليَّ والحُلل والدرّ والياقوت ثمّ نثَرَته، وأمرَ الحورَ العين اجتمعن فلقَطْن، فهُنّ يَتهادَينه إلى يوم القيامة ويَقُلن: هذا نِثارُ فاطمة.

7 ـ في (علم اليقين 686:2 ـ 688) كتب الفيض الكاشانيّ: ثمّ إنّهم تواثبوا على أمير المؤمنين (عليه السّلام) وهو جالسٌ، واجتمعوا عليه حتّى أخرجوه سحباً مِن داره مُلبَّباً بثوبه يجرّونه إلى المسجد، فحالت فاطمة بينهم وبين بعلها، وقالت: واللهِ لا أدَعُكم تجرّون ابن عمّي ظلماً، وَيْلكُم! ما أسرعَ ما خُنتمُ الله ورسولَه فينا أهلَ البيت! وقد أوصاكم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) باتّباعنا ومودّتنا والتمسّك بنا فقال الله تعالى: « قُلْ لا أسألُكُم علَيهِ أجْراً إلاَّ المودّةَ في القُربى» (سورة الشورى:23).. ( ويراجع: إثبات الوصيّة للمسعوديّ ص 124، والكافي للكلينيّ 237:8/ ح 320، وتاريخ الطبريّ 619:2، وتفسير العيّاشيّ 67:2 ).

المصدر: موقع القصائد الولائية

أمير سعيد إيرواني، السفير والممثل الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة، أشار خلال اجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة بمناسبة الذكرى العاشرة لـ "اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجرائم"، إلى أن العالم يجب أن يتحرك بحزم، بشكل جماعي وفوري، لوضع حد لهذه الجريمة ولحماية كرامة ضحايا الإبادة الجماعية.

نص الخطاب كان على النحو التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

كما اجتمعنا اليوم في الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة بمناسبة الذكرى العاشرة لـ "اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا جرائم الإبادة الجماعية"، نؤكد مرة أخرى على أعلى مستويات التزامنا بمكافحة جريمة الإبادة الجماعية ومنعها.

بصفتنا أحد المشاركين في قرار الجمعية العامة الذي أسس هذا اليوم، نُعبر عن احترامنا لجميع الضحايا الذين يعاني ألمهم المجتمع الدولي، مما يستدعي منه اتخاذ إجراءات حازمة وصريحة من الناحية الأخلاقية. إن منع الإبادة الجماعية ليس مجرد هدف مشترك؛ بل هو التزام قانوني ملزم، منصوص عليه في القانون الدولي، وواجب خطير تجاه الإنسانية. إنها مسؤوليتنا الجماعية أن نمنع حدوث الإبادة الجماعية في أي مكان وزمان تتعرض فيه الإنسانية لهذا التهديد، وأن نُعاقب مرتكبي هذه الجرائم.

يتحمل جميع الدول الأعضاء التزامًا شاملاً في منع ومعاقبة الإبادة الجماعية، وكذلك الامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم أو المساعدة لارتكابها. إن منع الإبادة الجماعية هو قاعدة آمرة في القانون الدولي؛ قاعدة لا يحق لأي دولة تجاهلها أو تقويضها أو تطبيقها بشكل انتقائي. يجب السعي لتحقيق العدالة بلا هوادة، لأن الإفلات من العقاب لا يؤدي إلا إلى تفاقم الجرائم.

في هذا السياق، نُقدّر الدور المهني والأساسي لـ "اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في الأراضي المحتلة الفلسطينية"، وهي لجنة توصلت إلى نتائج مثيرة للقلق حول الأفعال التي يُعتبر أنها تصل إلى حد الإبادة الجماعية من قبل الكيان الصهيوني في غزة.

لقد تحدى الكيان الصهيوني مرارًا وتكرارًا القانون الدولي وخرق حقوق الإنسان والقانون الإنساني بطرق وثقتها آليات الأمم المتحدة بشكل واسع. وقد أشار محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري إلى ما حدث ضد الشعب الفلسطيني في غزة كإبادة جماعية.

تؤدي العمليات العسكرية للكيان الصهيوني إلى قتل وإصابة عدد كبير من المدنيين، وفرض حصار كامل وتجويع، وتدمير منهجي لقطاعي الصحة والتعليم، وارتكاب أعمال عنف جنسي وتعذيب واسع النطاق، واستهداف مباشر للنساء والأطفال، وهجمات واسعة على المواقع الثقافية والدينية، وعرقلة المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة. إن مثل هذه الجرائم لا يمكن تبريرها أو التقليل من شأنها أو إخفاؤها.

يجب أن نقاوم دور بعض وسائل الإعلام الغربية؛ تلك التي ساهمت في تبرير هذه الأفعال الإبادية من خلال التحريف واستخدام لغة غير إنسانية.

كما أكدت المقررة الخاصة، السيدة ألبانيزه، فإن العديد من الدول الغربية، في حين تختبئ وراء الدبلوماسية، قد سهلت وشرعت وأخيرًا عادت إلى تطبيع هذه الحملة الإبادية، وأعادت إنتاج الروايات الاستعمارية وتحريفات الكيان الصهيوني للقانون الدولي.

السيدة الرئيسة،

لا يمكن محو الإبادة الجماعية بالصمت. إن صوتنا في سبيل العدالة له تأثير. يجب أن تتحول معاناة ضحايا الإبادة الجماعية إلى حزننا وإرادتنا الموحدة والحازمة لإنهاء هذه الجريمة بشكل قاطع. يجب على الأمم المتحدة، ليس فقط من خلال إقامة مثل هذه الفعاليات التذكارية، ولكن من خلال الإرادة الأخلاقية الحقيقية لجميع أعضائها، أن تتولى قيادة هذه الجهود. يجب على العالم أن يتخذ إجراءات حاسمة، جماعية وفورية، لإنهاء هذه الجريمة وحماية كرامة ضحايا الإبادة الجماعية.

عندما اخترقت طائرات نيجيريا الحربية الأجواء البنينية الأحد الماضي، لم تكن تحمل قنابلها نحو مقارّ الانقلابيين فحسب، بل كانت تحمل في مسارها رسالة جيوسياسية مصيرية: "هنا ينتهي مسار التمرد على الاستعمار الغربي". 

ما قامت به نيجيريا لم يكن مجرد عملية عسكرية لقمع انقلاب عسكري، بل كان إجهاضاً متعمداً لمسار تاريخي كاد أن يعيد رسم خريطة النفوذ في غرب أفريقيا. كانت سرعة تحرك نيجيريا التي عُرفت بترددها في التدخلات الخارجية لافتة، وتكشف عن حسابات تتخطى ادعاء المحافظة على الديمقراطية والاستقرار.

لماذا كانت بنين آخر حصن يجب أن يسقط؟

يظل اكتمال خريطة التمرد ضد النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا، رهيناً بتحرر بينين من ذلك النفوذ، ولو نجح الانقلاب العسكري فيها، لاكتمل بناء القوس الثوري بالتحاقها بمسيرة التحرر التي انتظمت، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ولتمكنت هذه الدول من كسر الحصار المضروب عليها بالوصول إلى ساحل أفريقيا على الأطلسي، لأن بنين مثلت الحلقة المفقودة في مسار نموذج الساحل الثوري، وبهذا المعنى يمكن النظر إلى الانقلاب في سياق قلب معادلة القوة الإقليمية أكثر منه انقلاباً على نظام حكم.

الاتصال القاتل: كيف حولت مكالمة هاتفية اتجاهات الريح؟

يكشف التسلسل الزمني للأحداث عن طبيعة التحالف الذي حسم الموقف. فقبل ساعات فقط من الضربات الجوية، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالاً بالرئيس النيجيري بولا تينوبو. عبارة ماكرون التي أعلنها علناً: "الحياد لم يعد خياراً"، لم تكن مجرد تعبير عن تضامن، بل كانت في سياقها الجيوسياسي أمراً تنفيذياً واضحاً. كانت الرسالة الموجهة لأبوجا: "المسؤولية عن حماية مصالحنا في هذه المنطقة تقع على عاتقكم الآن".

تجلّت ملامح هذه الشراكة الجديدة في عدة مؤشرات عملية. أولها، التنسيق الاستخباري الفوري الذي مكّن من تنفيذ عمليات دقيقة؛ حيث كانت طائرات الاستطلاع الفرنسية تجمع المعلومات وتحدد الأهداف، بينما نفذت المقاتلات النيجيرية الضربات. ثانيها، السرعة الاستثنائية في التحرك، ما يشير إلى خطط طوارئ جاهزة ومعلومات مسبقة مشتركة، وليس قراراً ارتجالياً. ثالثها، الإشراف السياسي المباشر الذي تجسد في تحليق طائرة نائب الرئيس النيجيري في أجواء بنين أثناء العملية، كإشارة على أن القيادة السياسية كانت تراقب تنفيذ المهمة على الأرض.

كان المشهد بذلك يعيد إنتاج نموذج التفويض الإمبراطوري في قالب حديث: تقدم القوة العظمى القديمة "فرنسا" الغطاء السياسي والمعلومات الاستخبارية الحاسمة، وتوفر القوة الإقليمية الناشئة "نيجيريا"القوة النارية والتكلفة السياسية الميدانية.

التناقض القاتل: لماذا اختلفت مواقف نيجيريا بين انقلابي النيجر  وبنين؟

يُظهر الموقف النيجيري المتضارب من الانقلابات في النيجر ثم في بنين، جوهر التحول في الحسابات الجيوسياسية. ففي 2023، قاومت نيجيريا ضغوطا داخل تجمع "إيكواس" للتدخل عسكرياً في النيجر بعد انقلابها، وتبنّت خطاب السيادة والحلول الدبلوماسية. أما في 2025، فقادت بنفسها تدخلاً عسكرياً سريعاً وعنيفاً في بنين. الفارق الحاسم لم يكن في طبيعة فعل الانقلاب، بل في اتجاه بوصلته الجيوسياسية.

عندما اتجه انقلاب النيجر بعيداً عن فرنسا ونحو تحالفات جديدة، رأت نيجيريا أن الحياد وعدم التدخل هما الموقف الأمثل. كان ذلك يحقق توازناً بين الضغوط الغربية والمشاعر الشعبية الأفريقية المناهضة للاستعمار داخل نيجيريا نفسها. أما عندما هدد الانقلاب في بنين بتغيير اتجاه البوصلة بعيداً عن فرنسا أيضاً، تحول الموقف فجأة إلى ضرورة عسكرية ملحة. كشف هذا التناقض أن المعيار الحاكم في أبوجا لم يُعِر مبادئ عدم التدخل أي اعتبار، بل غلّب مصلحة النظام على كل اعتبار، وهذا فقط ما بات يحمي النظام الإقليمي المتحالف مع الغرب.

واجهت نيجيريا خياراً صعباً لكنها حسمته لمصلحة التحالف التقليدي. من ناحية، كان قبول انقلاب بنين يعني احتمال ظهور تحالف روسي-ساحلي قوي ومعادٍ على حدودها الغربية مباشرة، مع ما يحمله ذلك من مخاطر أمنية وفقدان للحظوة الغربية. من ناحية أخرى، ضمن التدخل الحاسم استمرار تدفق التجارة الحيوية عبر ميناء كوتونو، وعزز من صورة نيجيريا كفاعل إقليمي لا يتردد، وربما فتح أبواب مكاسب سياسية واقتصادية من الشركاء الغربيين.

ماذا كسبت نيجيريا وماذا خسرت في سماء كوتونو؟

من الناحية العسكرية المباشرة، سُجّل النصر للتحالف الذي قادته نيجيريا. تم احتواء المحاولة الانقلابية وعاد الهدوء إلى العاصمة الاقتصادية كوتونو. لكن هذا الانتصار التكتيكي يحمل في طياته ثمناً استراتيجياً باهظاً قد تدفعه نيجيريا على المديين المتوسط والطويل.

لقد كسبت نيجيريا تأكيداً لدورها كقوة إقليمية مفوّضة من قبل القوى الغربية، وقدرةً على حماية مصالحها الاقتصادية الحيوية في أحد أهم الموانئ المجاورة لها. كما أرسلت رسالة ردع واضحة لأي قوى داخلية أو إقليمية أخرى قد تفكر في زعزعة النظام القائم في الدول الحليفة.

إلا أن هذه المكاسب تقابلها خسائر عميقة. الخسارة الأكبر قد تكون في شرعيتها الأفريقية؛ فكيف يمكن لدولة تتزعم الدعوة إلى التضامن الأفريقي أن تقود قصفاً لجارتها دفاعاً عن مصالح تُعتبر في عيون الكثيرين استعمارية؟ كما أن هذا الموقف يخلق توتراً داخلياً في نيجيريا نفسها، حيث يتعاطف جزء لا يُستهان به من الشارع والنخبة مع نضال دول الساحل للتحرر من الهيمنة الفرنسية. والأخطر، أن هذا الفعل قد يزرع بذور كراهية مستقبلية ورواسب غضب على الحدود، قد تؤثر لاحقاً في الاستقرار.

باختصار، فضّلت نيجيريا دور حارس النظام الاستعماري القديم في لحظة تاريخية كان يمكن أن تختار فيها أن تكون قائدة للتغيير الإقليمي. لقد حافظت على الاستقرار قصير الأمد، لكن على حساب رصيدها الأخلاقي وعلاقاتها الطويلة مع جيرانها وشعوب القارة.

جيوش "وطنية" في حراسة مصالح خارجية

مع إخماد شرارة الانقلاب في بنين، يبقى السؤال الأعمق والأكثر إلحاحاً معلقاً في أجواء المنطقة: من المستفيد الحقيقي على المدى البعيد؟ لقد نجح التحالف الفرنسي-النيجيري في تأجيل حدوث زلزال جيوسياسي، لكنه فشل في معالجة الأسباب البنيوية العميقة التي تسبب هذه الزلازل، أي الغضب المتراكم من الهيمنة الخارجية والإحباط من أنظمة تُعتبر غير ممثلة لشعوبها.

المعضلة الحقيقية التي كشفت عنها أزمة بنين هي تحول أدوات الحل التقليدية نفسها إلى جزء من المشكلة. فالجيوش الوطنية، التي تجيء حماية سيادة البلاد في أعلى قائمة مهامها، أصبحت في بعض المشاهد أداة لحماية مصالح خارجية. والمنظمات الإقليمية التي أُنشئت لتعزيز التكامل، تحولت إلى أطراف فاعلة في عقاب الدول المتمردة على "الاستعمار" الجديد.  والقادة الوطنيون، وجد بعضهم نفسه في موقع حرج بين مطالب الشعوب وضغوط الحلفاء الأجانب.

شكّلت بنين اختباراً مصغراً وكاشفاً للمعركة الكبرى التي يخوضها غرب أفريقيا: معركة بين قوى تريد الحفاظ على بقايا نظام عالمي قديم وآخذ في التآكل، وقوى طامحة لبناء نظام إقليمي جديد مهما كان ثمن الفوضى المؤقتة. لقد أوقفت الضربات الجوية هذا الاختبار، لكنها لم تُجب عن الأسئلة الجوهرية التي أطلقها. وتاريخ المنطقة يقول إن الأسئلة المعلقة حول الحرية والعدل والكرامة الإنسانية والاستقلال الحقيقي، تكون غالباً أقوى وأبقى من كل القنابل.

المشهد المقبل سيكشف إن كانت بنين هي المعركة الختامية لحرب "الاستعمار" القديم، أم أنها مجرد اشتباك افتتاحي لحرب إقليمية جديدة ستشتعل من المحيط إلى أعماق الصحراء.  ويبقى اليقين الوحيد هو أن الشعوب التي تجد نفسها ساحة لمعارك تخوضها قوى كبرى وجيران أقوياء فوق أراضيها، هي من تدفع أغلى الأثمان.  وفي سماء كوتونو التي ما زال دخان الانفجارات يتصاعد منها، بدأ العد التنازلي لدفع ذلك الثمن مرة أخرى.