
emamian
السيد نصر الله: نرفض استقالة الحكومة وسننزل إلى الشارع إذا احتاج الأمر
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يؤكد رفض استقالة الحكومة الحالية، ويدعو المتظاهرين إلى فصل تحركاتهم عن القوى والأحزاب، ويقول إنه "لا يمكن إسقاط العهد".
السيد نصر الله خلال كلمته في ذكرى أربعينية الإمام الحسين
أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اليوم السبت رفض استقالة الحكومة الحالية مشيراً إلى أن على الجميع في لبنان خارج السلطة وداخلها تحمل المسؤولية أمام الواقع الخطير الذي يواجهه البلد.
نصر الله وخلال كلمة له في مناسبة أربعينية الإمام الحسين، علّل ذلك بأنه في حال الإستقالة "لن يكون هناك حكومة جديدة خلال سنة أو سنتين"، مشيراً إلى أن "أي حكومة تكنوقراط لن تصمد طويلاً، ومن ينادي بهكذا حكومة سيكون أول من ينادي بإسقاطها".
وأشار نصر الله إلى أن الحكومة الحالية إذا عجزت عن حل المشاكل الحالية "فلن تستطيع أي حكومة جديدة حلها"، وعزا ذلك إلى أن أي انتخابات برلمانية جديدة ستعيد إنتاج المجلس الحالي.
لتحييد التظاهرات عن القوى والأحزاب ولا يمكن إسقاط العهد
وقدّر نصر الله "صرخة المتظاهرين المعبرة عن وجعكم ورسالتكم وصلت إلى الحكومة قوية جداً"، وقال إن "أهمية التظاهرات أنها صادقة وعفوية وتعبر عن غضب الناس".
في وقت أكد نصر الله أنه لو نزل حزب الله إلى التظاهرات "فإن الحراك سيكون في مكان آخر"، ناصحاً المتظاهرين بالانتباه إلى حركتهم "ولا سيما عندما تتبنى بعض القوى هذه التحركات.. افصلوا تحركاتكم عن القوى والأحزاب".
ودعا نصر الله المتظاهرين إلى عدم التعرض للممتلكات العامة، وعدم التعرض للجيش والقوى الأمنية.
وتوجه إلى القوى السياسية التي تسعى إلى خوض معركة إسقاط العهد قائلاً إنه "لا يمكنكم تحقيق ذلك".
"إذا نزلنا إلى الشارع لن نتركه قبل تحقيق كل المطالب"
بالتوازي، أكد نصرالله أنه "عندما يتطلب الأمر نزولنا إلى الشارع سننزل ونحن نرفض أي رسوم على الطبقات الفقيرة.. فنحن إذا نزلنا إلى الشارع لا نستطيع أن نتركه قبل تحقيق كل المطالب التي ننزل لأجلها".
وعلق أن قرار نزولهم إلى الشارع يعني أن البلد سيسير إلى اتجاه آخر ، لكن "إذا جاء وقته فستجدوننا في الشارع"، وشدّد على عدم التخلي عن الشعب وعدم السماح بإغراق البلد أو الدفع به إلى الهلاك.
"على الجميع تحمل المسؤولية وهناك أفكار غير فرض الضرائب"
هذا ورأى نصر الله أن بعض القيادات السياسية "تتصرف بموقع المتفرج على التل وتتخلى عن مسؤوليتها وتلقي التبعات على الآخر"، مشيراً إلى أن "الوضع المالي اليوم ليس وليد الساعة ولا السنة ولا العهد الجديد ولا الحكومة الحالية.. بل هو نتيجة تراكم عشرات السنين وعلى الجميع تحمل المسؤولية".
وفي السياق، اعتبر نصر الله أنه "لا يمكن لأحد حكم البلد لعشرات السنين أن يتخلى عن المسؤولية.. فمن يتهرب يجب أن يحاكم"، موضحاً أن هناك أخطار حقيقية تواجه البلد أبرزها الإنهيار المالي والاقتصادي كما يحذر البعض، والخطر الثاني هو الانفجار الشعبي نتيجة الممارسات الخاطئة وفرض الضرائب على الفئات الفقيرة، مستشهداً بما حصل خلال اليومين الماضيين والذي "يؤكد أن معالجة المشاكل بالضرائب سيؤدي إلى الانفجار".
وقال نصر الله إن فرض الضرائب على الواتساب دفع الناس إلى الشارع و"هذا مؤشر"، مضيفاً أن "الناس لم تعد تحتمل.. فهناك أزمة ثقة عميقة جداً من الشعب اللبناني باتجاه السلطة".
وفي الوقت عينه، كشف نصر الله أن هناك خيارات وأفكار تعرض في مجلس الوزراء و"لبنان ليس بلداً مفلساً"، مؤكداً أنه "ليس صحيحاً ألا خيار أمام الحكومة سوى فرض الضرائب والرسوم.. وعلى البعض أن يفهم ذلك".
"هناك قرارات تحتاج الى جرأة لاتخاذها"، قال نصر الله وأضاف أن "الممارسات الرسمية تعكس أن التضحية مطلوبة فقط من الفقراء وليس الزعماء والمصارف".
إلى ذلك، نفى السيد نصر الله أن يكون لدى حزب الله نية بالذهاب باتجاه تصرفات ضد المصارف "فلم نفكر أو يخطر ببالنا تنظيم تظاهرات باتجاه المصارف رغم انزعاجنا من بعضها".
ورأى نصر الله أن الشعب اللبناني سيقبل بالتضحية اذا كانت مفروضة على الجميع وليس فقط على الطبقات الفقيرة.
الأبعاد الإستراتيجية في زيارة بوتين إلى السعودية والإمارات
محمد علوش
أربعة أحداث لافتة تزامنت مع زيارة بوتين إلى السعودية وتالياً الإمارات، أكثرها دلالة إعلان الرئيس ترامب الشروع بسحب قوّاته من سوريا وبدء نشر قوات جديدة في السعودية.
الأبعاد الإستراتيجية في زيارة بوتين إلى السعودية والإمارات
الزيارة المُقرَّرة سابقاً للرئيس الروسي إلى السعودية والإمارات العربية تزامَنت مع أربعة أحداثٍ لافِتة: أولها، قيادة باكستان لوساطةٍ جدّيةٍ بين إيران والسعودية. ثانيها بدء إعادة النظر بالحرب على اليمن مع توفّر قناعة إماراتية سعودية باستحالة كَسْبِ الحرب هناك. ثالثها وأكثرها دلالة إعلان الرئيس ترامب الشروع بسحب قوّاته من سوريا وبدء نشر قوات جديدة في السعودية بعد تكفّل الرياض بدفع فواتير التكلفة. ورابعها بدء تركيا توغّلاً عسكرياً واسعاً على طول حدودها الجنوبية مع سوريا ترتَّب عليه إدانة عربية ودولية واسعة.
طبعاً، لا تناقُضات ترامب اليومية تجاه قضايا المنطقة، ولا استفاقة سعودية متأخّرة لأهمية روسيا، هو ما يُفسِّر الاستقبال الحاشِد المُبالَغ به لفخامة بوتين على الأراضي السعودية. العَراضة كانت مقصودة للإيحاء بأهميّة المملكة في المنطقة وعلى الصعيد العالمي بعد تزايُد عزلتها عقب جريمة تقطيع خاشقجي، ورسالة ضمنية لمَن يهمّه الأمر أن السعودية لا تُعدِم الخيارات في تنويع تحالفاتها الإستراتيجية في رسم مسارٍ جديدٍ يُثبت الحضور الفاعِل والمُتزايد لها إقليمياً ودولياً. لكن لا هذه، ولا تلك قد تؤتي أُكلها، نزولاً عند رغبة الحاكِم الفعلي للمملكة الأمير محمّد بن سلمان.
الزيارة الثانية لبوتين إلى السعودية منذ تولّيه الحُكم في روسيا، وبعد انقطاع دام إثنتي عشرة سنة هي باختصار أكبر من أن تكون بروتوكولية، ردَّاً على زيارةٍ سابقةٍ قام بها العاهِل السعودي الملك سلمان إلى موسكو عام 2017، وأقلّ من أن تكون استراتيجية.
المصالح الروسية الخليجية مُستجدّة نعم، لكنّها تتقدَّم بسرعةٍ لافتة. وتقاطُعاتها أكبر من الاختلافات القائِمة بينهما، والرغبة في توسيع العلاقات وتنوعيها مُتبادَلة.
دول الخليج تعيش مرارة التحوّلات الدولية الكُبرى. فأوروبا لم تعد عنصراً فاعِلاً في قضايا الشرق الأوسط خارج المظلّة الأميركية، والولايات المتحدة تعيش تحوّلات استراتيجية ضخمة مع تنامي التنّين الصيني وعودة روسيا القيصرية إلى الساحة الدولية.
وتراجُع أهمية نفط المنطقة مع ظهور اكتشافات جديدة في مناطق مختلفة من العالم وداخل الولايات المتحدة، وسياسات تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة العالمية، عوامل أساسية في تراجُع الأهمية القصوى لمنطقة الشرق الأوسط في الحسابات الأميركية.
هذا الفراغ الإستراتيجي في المنطقة الناتِج من انحسار الدور الأميركي تحاول أن تملأه أربع دول فقط، إذا ما استثنينا الدور الصيني القاصِر حتى اللحظة على الأبعاد الاقتصادية التي من دون شك سيلحق بها نفوذ سياسي في ما بعد.
الدول الأربع، أهمّها روسيا تليها في الأهمية إيران وتركيا ثم إسرائيل. والمُتضرِّر الأكبر من انحسار الولايات المتحدة وضعف النفوذ الأوروبي هو إسرائيل التي تخسر ظهيراً منيعاً في مواجهة العرب، والمُستفيد الأكبر هو روسيا التي تحاول إرث كامل التَركة الأميركية في المنطقة. أمّا الإيراني والتركي فينافس كلّ منهما على حجز مكانة تليق بتاريخه وحجمه وموقعه الجغرافي.
وسط هذا الواقع، فإنّ دول الخليج التي تتقارب مع إسرائيل إلى حدود الصدمة بنفس المسافة التي يتزايد فيها عداؤها لإيران وتركيا، لا تملك القدرة على المناورة كثيراً.
بوتين يُدرِك تماماً أن دول الخليج ولأسبابٍ موضوعيةٍ وعلميةٍ عاجزة عن التفلّت تماماً من الهيمنة الثقافية والعسكرية والاقتصادية الغربية، ومديات ومستويات تقارُبها مع روسيا تبقى ضمن الدائرة المسموح بها اللعب غربياً.
فلا بأس بعشرات الاتفاقيات في مجالات الترفيه والاقتصاد وقطاعات التكنولوجيا المُتطوّرة ولا سيما الذكاء الاصطناعي والطاقة والبنى التحتية وغيرها مع روسيا، لكن من دون سقف بناء شراكة إستراتيجية تبعد دول الخليج عن الدوران في فلك المنظومة الغربية.
روسيا اليوم تحاول حماية نفسها من العقوبات الأميركية وتريد شركاتها الضخمة البحث عن أسواقٍ جديدةٍ لمُنتجاتها، وموروثها العلمي في مجالات التكنولوجيا الدقيقة وغيرها مع رُخص تكلفتها مزايا جديدة تُغري الراغبين.
يُدرِك بوتين ذلك جيّداً، كما يُدرِك حجم التناقُضات القائمة في المنطقة، ويُدرِك حجم العداء وانعدام الثقة بين حليفه الرئيس الأسد وبقيّة "مشيخيات الخليج". يعلم مدى الرُعب الخليجي من الجار الشرقي الإيراني الذي تحوَّل إلى "فوبيا"، كما يعي تماماً حجم الحَذَر والغَضَب الخليجيين المُتنامين من تركيا الجار الشمالي العائِد بقوَّة.
يلعب بوتين في المساحة المُتاحة، ويتحرَّك بذهنية التاجِر الذي يوازِن بين بضاعته وبضاعة الآخرين في بزار حيث الجميع لديه حسابات ومصالح تتضارب حيناً وتتماهى أحياناً.
وهو يُراهِن على علاقات بلاده الجيّدة مع السعودية وإيران للعب دور "صانِع السلام" في التوتّر الإيراني السعودي. ماهِر هو في استثمار المواقف، حيث أظهر ودَّاً مُبالغاً به أمام الكاميرات مع الأمير محمّد بن سلمان في أوج عزلته الدولية عقب جريمة خاشقجي، ورفض التسرّع باتهام إيران باستهداف شركة أرامكو السعودية، خلافاً للموقفين الأميركي والأوروبي. بل وجدها فرصة للعَرض على الرياض شراء منظومات روسية للدفاع الجوي بهدف حماية أراضيها.
إعادة سوريا إلى حضن جامعة الدول العربية، وإعادة المياه إلى مجاريها بين الرئيس الأسد وحكَّام الخليج بعد إشراكهم في مُحادثات أستانة، ومساعدة السعودية والإمارات للخروج الآمِن من اليمن مع حفظ ماء وجهيهما في خسارة حرب دامت خمس سنوات ولم تحقِّق شيئاً يُذكَر، واستثمار العداء الخليجي لجماعة الإخوان المسلمين وبعض التيارات الوهّابية في كَبْحِ جماح التطرّف الإسلامي وسط المسلمين الروس وفي الجمهوريات السوفياتية السابقة. جميعها قضايا تؤسِّس لبداية علاقاتٍ دائمةٍ بين روسيا بوتين وبين الملكيات الخليجية فهل سينجح الطرفان في ذلك؟
واشنطن تفرض عقوبات على وزارتين تركيتين و3 مسؤولين بينهم وزير الدفاع
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على وزارتين تركيتين و3 مسؤولين حكوميين كبار بسبب العملية العسكرية التركية في شمال سوريا.
وأوضحت الخزانة الأمريكية في بيان لها، اليوم الاثنين، أن العقوبات طالت وزارتي الدفاع والطاقة التركيتين، بالإضافة إلى وزراء الدفاع والطاقة والداخلية.
ترامب يهدد بفرض عقوبات قاسية جدا على مسؤولين أتراك سابقين وحاليين على خلفية العملية العسكرية بسوريا
وأضافت أن إدراج المسؤولين الأتراك على قائمة العقوبات جاء نتيجة لـ "أعمال الحكومة التركية التي تقوض السلام والأمن والاستقرار في المنطقة".
وأكدت الوزارة أنها مستعدة لفرض مزيد من العقوبات على المسؤولين الحكوميين الأتراك والكيانات التركية في حال الضرورة.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد هدد بفرض "عقوبات قاسية" على تركيا بسبب عمليتها العسكرية ضد الوحدات الكردية في شمال سوريا.
المصدر: RT
من کلام القائد:أهمية العمل الثقافي ومحوريته
إنّ القضايا الثقافيّة اليوم متروكة في البلد. الجميع يعتقد أنّهم رجال ثقافة، والجميع يسوّقون للقضايا الثقافيّة ويُظهرون اهتمامهم بها في بياناتهم وإعلامهم، إلّا أنّ العمل الثقافيّ في البلد لم يكن متناسبًا مع تقدّم وتطوّر الثورة في المجتمع. واليوم، هناك الكثير من الأعمال الثقافيّة التي كان ينبغي القيام بها ولم نفعل، وهناك الكثير من البرامج التي كان ينبغي علينا التخطيط لها ولم نقم بذلك. وفي الواقع أنّ أيدينا فارغة من الكثير من الأعمال، سواء داخل البلد أو خارجه، لذلك ينبغي معالجة المسائل الثقافيّة بنحوٍ من سعة الصدر والاهتمام والإحساس العميق المترافق مع الخبرة والمعرفة. كلّ الأعمال ينجزها الخبراء، فلماذا لا يتولّى الخبراء الأعمال الثقافيّة وتُترك ساحة العمل الثقافيّ لكلّ وارد يريد أن يدلي بدلوه؟
ما يؤسف أنّ العديد من الأشخاص الذين يمكنهم القيام بأعمال ثقافيّة مشغولون بأعمال تنفيذيّة أو سياسيّة، وحتّى الذين يحملون عناوين ثقافيّةً، مشغولون بالأعمال السياسيّة في الباطن.
قبل سنة أو سنتَين، التقيت بإحدى هذه المجموعات التي تمّ تأسيسها في إطار النوايا الحسنة. في تلك المرحلة، قلت لهم أوصيكم أن لا تشتغلوا بالعمل السياسيّ. هناك الكثير ممّن يتصدّون حاليًّا للعمل السياسيّ – الشارد منهم والوارد. ولأنّه عمل سهل فإنّ الجميع يردونه، وسريعًا ما يصبح هؤلاء سياسيّون! قلت لهم إنّ هذا العمل له أتباع وزبائن وحُماة، أمّا أنتم، فبمقدار حيطتكم اذهبوا وانهضوا بالعمل الثقافيّ.
إنّ وصيّتي هذه لا تعني عدم بذل الجهود في سبيل تنمية أذهان الناس على المستوى السياسيّ. كلّا، لأنّ هذا الأمر من واجب الجميع، وهو بحدّ ذاته عمل ثقافيّ، حيث يسعى الشخص ليوصل الناس إلى الوعي السياسيّ والقدرة على التحليل والرؤية الصحيحة. وعندما يمتلك الإنسان البصيرة السياسيّة فسيتمكّن بنفسه من تحديد الصحيح من الخطإ. ينبغي إيجاد القدرة على رؤية الحقائق السياسيّة بين الناس حتّى لا يضطربوا عند مواجهة الأحداث والمجريات السياسيّة.
إنّ الضامن لهذا البلد وهذه الثورة هو قدرة الناس على التحليل. ينبغي أن يمتلك الناس القدرة على إمعان النظر في كلّ حادثة تجري في أيّ مكان، بحيث يفهمون ماهيّة القضيّة، وهذا أمر غاية في الأهمّيّة. غير أنّنا اليوم، وللأسف، إمّا أنّنا نفتقد ذلك، وإمّا أنّه قليل الوجود. إنّ كلّ ما أدّت إليه الثورة وأحداثها القاسية، من إدخال الناس والسير بهم في المنعطفات، محفوظ في محلّه، إلّا أنّنا وشرائحنا المختلفة لم نبذل الجهد الكافي. في بداية الثورة، ولعدّة سنوات، حصلت بعض الأعمال دون شكّ، وسعت بعض المجموعات إلى تطوير الناس في موضوع الرؤية السياسيّة، إلّا أنّ ذلك غير موجود اليوم، وهذا عمل ثقافيّ بحدّ ذاته.
كنت أوصي تلك المجموعة أن لا تتعاطوا الأعمال الحزبيّة والتنفيذيّة السياسيّة، بل صبّوا اهتمامكم على القضايا الثقافيّة التي تعاني الغربة. والآن، أوضح لكم أيّها السادة أنّ العمل الثقافيّ هو عمل هامّ حقيقةً، وهو أهمّ من العمل السياسيّ. ينبغي أن يُولى أهمّيّة عندكم 12/10/68.
إنّنا لو دقّقنا النظر في الكثير من المشاكل التي تواجهنا في المجالات الاجتماعيّة، والاقتصاديّة، وحتّى السياسيّة، لوجدنا أنّها تعود إلى المشاكل الثقافيّة. وعلى الرغم من أنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة قام في الأصل على أساس ثقافيّ، وأنّ قائده ومؤسّسه هو شخص مثقّف قبل أيّ شيء آخر، وإنّ مسؤولي هذا النظام كانوا، تقريبًا، دائمًا على هذا النحو. إلّا أنّه يجب الاعتراف أنّنا لم نؤدِّ ذاك العمل المطلوب والمتوقّع على المستوى الثقافيّ. وبشكل عامّ، نحن مقصّرون في المجالات الثقافيّة وعلينا الاعتراف بهذا حقيقةً 19/9/69.
هذا الهاجس الذي أحمله في ذهني هو هاجس ضياع ثقافة الحرب والثورة، وفي الحقيقة روحيّة الثورة التي أوجدت في الحرب ساحةً للتطوّر والتكامل. طبعًا يجب التوكّل على الله تعالى والأمل في المستقبل، وإنّني مفعم به وأراه مشرقًا في أكثر الآفاق. في كلّ الأحوال، هذا الهاجس موجود 25/4/70.
فهل تحقّق، بناءً على فكر الثورة وروحيّتها، ذلك التحوّل الضروريّ في ثقافة المجتمع؟ إذا قلنا نعم، فإنّ الذي يدقّق في المسألة سيجد من الصعوبة قبول ذلك منّا. نعم هناك الكثير من التحوّلات التي وُجدت، ولكن لا يمكن الادّعاء بحصول تحوّل ثقافيّ كامل.
قد يحتاج هذا التحوّل إلى ثلاثين، أربعين، أو خمسين سنةً – ليس البحث هنا – لكنّ الحركة يجب أن تتوجّه نحو ذلك. نحن اليوم يجب أن نكون كالسائر الذي إذا نظر إلى حركته في الساعة الخامسة للزم أن يكون قد قطع أكثر من الساعة الأولى، وإذا نظر إليها في الساعة العاشرة للزم أن يكون قد قطع أكثر من الساعة الخامسة. وإذا وجدتم أنّ تقدّمًا ما لم يحصل، فذلك يدلّ على وجود خلل في العمل. علينا أن نقترب يومًا بعد يوم من ثقافة الثورة تلك في جميع الشؤون.
وإذا وجدنا أنّ هذا التحوّل لم يحصل، فينبغي الاستنتاج أنّ العمل والجهد الثقافيّ لم يُنجز بشكلٍ جيّد وكامل وسليم في مجتمعنا الثوريّ، بل هو ناقص وعلينا أن نرفع نقائصه. ينبغي أن نكون كباقي الشعوب التي إذا وَجدت نقصًا في عملها، تقوم بإعادة النظر في نفسها وأدائها، ثمّ تبحث عن طرق جديدة تفهم من خلالها العيوب وتقوم بعلاجها. يجب أن ندرك ما هي مشكلاتنا، وأن نحدّد العيوب ونقوم بعلاجها. علينا إيجاد طريق جديد، وإذا وُجدَ طريق مختصر نسلكه، نزيد السرعة إن وجدناها بطيئةً 19/9/69.
كما ويجب أن تصبح المسألة الثقافيّة بكلّيّتها المسألة الأولى في هذا البلد. وإذا تمكّنا من تقوية ثقافته بأسس محكمة وقويمة ومؤسّسات صحيحة وفعّالة، فستتحرّك عجلة الأمور بشكل صحيح وسنضمن تقدّم البلد في جميع المجالات مورد البحث. وأمّا إذا لم نبادر إلى إصلاح الثقافة، فالاحتمال الأقوى أن تبقى خططنا بتراء، أي إنّنا سنسعى لمدّة معيّنة ونبذل جهودًا، لكن لن نكون مطمئنّين لوجود نتائج قطعيّة وراء ذلك20/9/75.
الهواجس الثقافيّة، شرح مَزجيّ لإحدى الخطب المحوريّة التي تفضّل بها الإمام الخامنئي حفظه الله
من آداب مسيرة الأربعين
في سبيل إبطال دسائس العدوّ لمسيرة الأربعين، حسبنا مراعاة بعض آداب هذه الزيارة:
• باعتبار أن أعداءنا لن يجلسوا متفرّجين لهذه المسيرة العظيمة ولن يتركوها بلا دسائس ومؤامرات، حريّ بنا أن نتذاكر بعض آداب الأربعين.
• أنا في طوال هذه السنين التي مرّت علينا بعد انتهاء الدفاع المقدّس، كان لي حضور وارتباط مع كثير من الهيئات والمواكب الجيّدة. فكلّ موكب توسّع ونجح في نشاطاته وازداد عدد روّاده، نصحت شبابه بنصيحة واحدة وهي أن: «احذروا من أن يفرّق الشيطان بينكم ويلقي بينكم عداوات واختلافات، فإنكم الآن تتعاونون مع بعض بحبّ ومودّة، ولكن الشيطان يحاول أن يخرّب عملكم» وأقولها لكم من وحي التجربة أن كلّ موكب لم يراقب هذه المسألة المهمّة، نشأت فيه خلافات ونزاعات، لأن هذا هو عمل الشيطان.
• لقد أثبتت التجربة أن كلّ جماعة يقومون بعمل جميل، يلقي الشيطان بينهم العداوة والبغضاء لكي يخرّب نشاطهم. فبطبيعة الحال من المؤكد أن قد خطّط شياطين الجنّ والإنس من كبيرهم إبليس والشيطان الأكبر أمريكا إلى الشياطين الصغار، بعضَ المؤامرات والدسائس لمسيرة الأربعين العظيمة. أما نحن ففي سبيل إبطال دسائسهم حسبنا أن نطبّق بعض آداب هذه الزيارة:
1ـ إظهار المحبّة والإخوة الدينية:
• على رأس آداب مسيرة الأربعين هو «إظهار الحب والشعور بالإخوة الدينية». يجب أن تكون هذه المحبّة والأخوّة في قلوب مقيمي عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) وتظهر على سلوكهم. أما كيف تجسّدوا هذا الحب والأخوة فهذا ما يرجع إلى ذوقكم.
• قال صاحب موكب عراقي: بسبب كثرة التبلیغات التي كان يبثّها النظام الصدّامي وباقي الأنظمة الفاسدة في البلدان الإسلامية، كنت أكره الإيرانيّين. حتى في السنين السابقة كان يأتي بعض الزوّار من إيران ولكن لم يزل في قلبي شيء تجاههم، إلى أن بدأت هذه الزيارات الجماهيرية في الأربعين فعشقت الإيرانيّين. لأني رأيتهم متواضعين وطيّبين ويمشون على أقدامهم ويتحمّلون الصعاب لحبّ أبي عبد الله الحسين (عليه السلام). يعني رأيت الأخوة الدينية في موسم الأربعين في سلوك الإخوة الإيرانيّين.
• كان يذهب الإيرانيّون إلى زيارة كربلاء عبر حملات، ولكنّهم لم ينجحوا في إظهار الأخوّة الدينية خلال تعاملهم مع الإخوة العراقيّين ولا سيما في تسوّقهم وشرائهم ومساومتهم. ولكنكم تستطيعون أن تجعلوا أيام الأربعين موسما لتعزيز المحبّة والأخوّة الدينية بين الشعبين الإيراني والعراقي.
بابتسامة واحدة، أبطلوا أثر مليارات الدولارات التي قد صرفها العدوّ لبثّ الفرقة بين هذين الشعبين
• ثقوا بأن أعداء هذين الشعبين قد صرفوا مليارات الدولارات لبثّ الفرقة بينهما، فأبطلوا أثر هذه الأموال الطائلة بابتسامة واحدة وبسلام حارّ. ما هو الإشكال لو تعلّمتم أربع مصطلحات في المجاملة وإظهار المحبّة لتستخدموها هناك؟! فعلى سبيل المثال، كم تشعرون بالودّية والعلاقة الحميمة لو قال لكم أخ عراقي: «آقا جون»، فكذلك بإمكانكم أن تتعلموا عبارات ومصطلحات من هذا القبيل وتستخدمونها في مواجهة إخوتنا من أبناء الشعب العراقي الحارّ.
يجب أن نجسّد أروع مظاهر الأخوّة في مسيرة الأربعين
• يجب أن نجسّد أروع مظاهر الأخوّة في الأربعين. ليجسّد الزوّار الإيرانيّون هذه الأخوّة بينهم وكذلك ليجسّدوها في تعاملهم مع الإخوة العراقيّين. بإمكانكم في الأربعين أن تجسّدوا الرحمة والصفاء والمحبّة وأمثال هذه العناوين التي رفعوا شعارها في العالم، ثم انظروا كيف يستقبلكم الحسين (عليه السلام)! فراقبوا أنفسكم ولا تنسوا الابتسامة وإظهار المحبّة لإخوتكم المؤمنين.
• أحد العوامل التي أدّت إلى تضاعف عدد الزوّار بسرعة رهيبة من المئة ألف إلى مليون ومنه إلى عشرة مليون ثم إلى عشرين مليون، هو تبلور هذا الحبّ بين المؤمنين. فإن الإنسان عندما يكون بين هذا العدد الكبير من الناس يشعر بالمحبّة والأخوّة جيّدا.
2ـ لا نكثر من الطعام/ اعتراض الإمام الصادق (عليه السلام) على إكثار زوار الحسين (عليه السلام) من الطعام
• من الآداب الأخرى لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) هو أن يقتصد الإنسان في الأكل والطعام. لا يخفى عليكم أن الضيافة في مسيرة الأربعين على أوجها وستجدون أصحاب المواكب يقدّمون لكم أحسن ضيافة لحبّهم للحسين (عليه السلام)، ولكن ينبغي لكم أن لا تحرصوا وتطمعوا بأنواع الأطعمة والأشربة، بل حتى اكتفوا أحيانا بالخبز اليابس الساقط على المائدة. فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «بَلَغَنِي أَنَّ قَوْماً أَرَادُوا الْحُسَيْنَ عليه السلام حَمَلُوا مَعَهُمُ السُّفَرَ فِيهَا الْحَلَاوَةُ وَ الْأَخْبِصَةُ وَ أَشْبَاهُهَا لَوْ زَارُوا قُبُورَ أَحِبَّائهِمْ مَا حَمَلُوا مَعَهُمْ هَذَا»[كامل الزيارات/ص129]
• وكذلك روي عنه عليه السلام قال: «بَلَغَنِي أَنَّ قَوْماً إِذَا زَارُوا الْحُسَیْنَ بْنَ عَلِيٍّ حَمَلُوا مَعَهُمُ السُّفَرَ فِیهَا الْحَلَاوَةُ وَ الْأَخْبِصَةُ وَ أَشْبَاهُهَا لَوْ زَارُوا قُبُورَ أَحِبَّائِهِمْ مَا حَمَلُوا ذَلِكَ» [كامل الزيارات/ص129 , من لا يحضره الفقيه/ج2/ص281]
• و قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: «تَأْتُونَ قَبْرَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: تَتَّخِذُونَ لِذَلِكَ سُفْرَةً؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا لَوْ أَتَیْتُمْ قُبُورَ آبَائِکُمْ وَ أُمَّهَاتِکُمْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ. قَالَ قُلْتُ: أَيَّ شَيْءٍ نَأْکُلُ؟ قَالَ الْخُبْزَ بِاللَّبَنِ». [من لا يحضره الفقيه/ج2/ص281]
• وفي رواية أخرى قال أبو عبد الله (عليه السلام): «تَزُورُونَ خَیْرٌ مِنْ أَنْ لَا تَزُورُوا وَلَا تَزُورُونَ خَیْرٌ مِنْ أَنْ تَزُورُوا. قَالَ قُلْتُ: قَطَعْتَ ظَهْرِي. قَالَ: تَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَکُمْ لَیَذْهَبُ إِلَى قَبْرِ أَبِیهِ کَئِیباً حَزِیناً وَ تَأْتُونَهُ أَنْتُمْ بِالسُّفَرِ. کَلَّا حَتَّى تَأْتُونَهُ شُعْثاً غُبْرا» [كامل الزيارات/ص130]
إن كنّا قادرين على ذكر الله في مسيرة الأربعين ببطن فارغة، فلماذا نعرّض أنفسنا للغفلة بالإكثار من الطعام؟
• لقد أوصانا أهل البيت بالعبادة بغير بطنة، وإن المشي في مسيرة الأربعين من أعظم العبادات النيّرة. طبعا لعلّ بعض الزوّار يقصد هذا الطريق ليحظى بالضيافة المتوفّرة على طول الطريق باسم الحسين (عليه السلام) ويتمتّع بها ولعلّ معرفته لم تتعدّ هذا المستوى، ولكن اعلموا أن الزيارة ولا سيّما زيارة الحسين (عليه السلام) تقتضي بعض الآداب ومنها قلّة الطعام والشراب كما صرّحت بذلك الروايات.
• نحن ذاهبون إلى مجلس ضيافة. ونحن نتذكّر أيام طفولتنا كيف كانت الأمهات يمنعون أولادهم من الإكثار من الطعام عند ذهابهم إلى مجلس الضيافة. يعني كان الأمهات يأمرن أولادهم بشيء من كفّ النفس وعدم الإكثار من الطعام حفاظا على سمعتهم. كذلك ينبغي لنا أن نجسّد هذه الآداب عند حضورنا في مجلس الضيافة هذا. طبعا بعض الأحيان قد ترون بعض الخدّام وأصحاب المواكب يصرّون عليكم لتستريحوا عندهم وتأكلوا من مائدتهم، فلا بأس باستجابة دعوتهم ولكن حاولوا أن لا تملأوا بطنكم. لماذا يملأ الإنسان بطنه ويعرّض نفسه للغفلة وهو قادر على الذكر ببطن خالية في تلك الأجواء الرائعة؟ فإنها لخسارة كبيرة.
طوّلوا تعقيبات صلاتكم والزموا العبادة بالتركيز على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن/ المخضرمون في زيارة الأربعين يقطعون طريق النجف إلى كربلاء في خمسة أيام لا يومين
• النقطة الثانية في زيارة الأربعين هي لزوم العبادة بالتركيز على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن. يا حبّذا لو تكون صلوات جماعتنا بمزيد من الجمال والروحانيّة وبتعقيبات أطول. لا تستعجلوا في القيام بعد انتهاء صلاة الجماعة وأطيلوا التعقيبات بعد الصلاة فإن المخضرمين وأصحاب الخبرة في زيارة الأربعين لا يستعجلون لطيّ الطريق من النجف إلى كربلاء خلال يومين، بل يقطعونه في أربعة أو خمسة أيام. والعجيب أن روحانيّة المشي إلى كربلاء أكثر من روحانيّة الإقامة في كربلاء، وهي حقيقة لا تخلو من أسرار.
• إذا أردتم تحديد أماكن الاستراحة وسط الطريق، فيا حبّذا لو تجعلون مكان استراحتكم نفس المكان الذي تصلون إليه وقت الأذان. يعني كل ما تسمعون صوت الأذان وسط الطريق، توقفوا للصلاة واجعلوا ذلك المكان نفسه مكان استراحتكم. ثم طوّلوا التعقيبات قليلا.
اقرأوا مصائب أبي عبد الله في صفوف الصلاة/ يجب أن يتحوّل هذا الطريق إلى محلّ للعبادة!
• حتى إذا أردتم أن تقرأوا مصائب الحسين (عليه السلام) فاقرأوها في صفوف صلاة الجماعة. وأساسا يجب أن يتحوّل هذا الطريق إلى محلّ للعبادة! وهذا أيضا من المشاهد التي يجب أن تجسّدوها.
• لقد قرّر بعض الإخوة أن يختموا القرآن في طريقهم من النجف إلى كربلاء وهذا أمر ممكن. بإمكانكم أن تستخدموا سماعة الموبايل وتختموا كلّ القرآن أو بعضه تهدوا ثواب ختمتكم إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام) والعقيلة زينب (عليها السلام) وباقي المعصومين (عليهم السلام). ثم اهدوا ثواب إهدائكم هذا إلى روح الإمام الخميني (ره) وأرواح الشهداء. وبعد ذلك اهدوا كلّ هذا الثواب المتضاعف إلى أرواح أمواتكم.
3ـ عدم النزاع أولى من إصلاح بعض الأعمال غير الصحيحة/ لا تثيروا في هذا السفر بعض النزاعات بذريعة النهي عن المنكر
• النقطة الأخرى التي يجب أن نلتفت إليها في هذا السفر، هو أن لا تثيروا في هذا السفر بعض النزاعات بذريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ سوف يزداد نشاط بعض التيّارات والجهات هناك ليثيروا النزاع. وعدم النزاع أولى من إصلاح بعض الأعمال غير الصحيحة. فراقبوا أنفسكم ولا تعمدوا إلى إصلاح كلّ شيء في دفعة واحدة!
وصية الإمام الباقر (عليه السلام): لا تتنازع مع من سبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بل صافحه!
• باعتبار أن هذا التيّار الخبيث السياسي المعادي للإسلام والتشيّع وجبهة الإيمان، يهدف إلى إثارة الفتنة والنزاع، فحاولوا أن لا تعطوه فرصة لتحقيق أهدافه. يقول أحد أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام): «قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: إِنِّي أَرَاكَ لَوْ سَمِعْتَ إِنْسَاناً یَشْتِمُ عَلِیّاً فَاسْتَطَعْتَ أَنْ تَقْطَعَ أَنْفَهُ فَعَلْتَ. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ. ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَأَسْمَعُ الرَّجُلَ یَسُبُّ عَلِیّاً [جَدّی] وَ أَسْتَتِرُ مِنْهُ بِالسَّارِیَةِ فَإِذَا فَرَغَ أَتَیْتُهُ فَصَافَحْتُهُ.[المحاسن/ج1/ص260]
اجتنبوا عن المواجهات التي يستغلّها الأعداء/ من الطبيعي جدّا أن يكون العدوّ قد خطّط بعض المؤامرات في هذا المجال!
• لا شكّ في أنه يجب الحذر من إثارة النزاع، من قبيل النزاعات السياسيّة أو غيرها. حتى إذا رأيتم أحدا من الناس يحاول أن يبتدع بدعة، فلا بأس أن تتحدّثوا معه إن توفّرت الظروف للتحدّث معه في جوّ هادئ غير متوتّر، أمّا إذا وجدتموه يحاول أن يستفزكم ليثير نزاعا، فاحذروا بشدّة من النزاع ومرّوا كراما. عندنا أسلوب الإمام الصادق (عليه السلام) مع الناصبي الذي سبّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، يجب أن نجتنب نحن أيضا عن بعض المواجهات التي تصبّ في صالح العدوّ. إذ من الطبيعي جدّا أن يكون العدوّ قد خطّط بعض المؤامرات في هذا المجال. وقد حدثت بعض التوتّرات المختصرة في العام الماضي. وبالتأكيد سوف يبرمج العدوّ لمثل هذه المواجهات.
• إن إنكلترا من الخباثة بحيث لا توظّف أجهزتها الأمنيّة والاستخباراتية فقط، بل حتى توظّف وسائل إعلامها التي تحاول أن تعطيها صبغة حياديّة وسمعة طيّبة لبث خبثها، فقد قالت إحدى قنواتها قبل عدة سنوات: «الیوم یوم تاسوعاء ويقيم الشيعة الإيرانيّون فيه العزاء على الأخ غير الشقيق للإمام الحسين (عليه السلام)»! بينما نحن نرى أن في العبّاس أعلى درجات الأخوّة. أما إنكلترا الخبيثة هذه تعبّر عن العبّاس بتعبير لم يخطر على قلب شيعيّ أبداً. وهذا ما يدلّ على أنها تحاول أن تطعن وتفرّق بكلّ وسيلة. ومنذ سنين تبرمج لبث الفرقة والنزاع بين الشيعة في أيّام محرّم وبين مواكب العزاء.
يجب أن يتمّ إعداد منشور لآداب الأربعين ويوزّع بين جميع الزوّار
• أنا آمل أن يتمّ إعداد قائمة طويلة لآداب زيارة الأربعين المعنوية والسلوكية والاجتماعية ليطّبقها زوّارنا في هذا السفر الروحاني. حريّ بأصحاب الذوق والدقّة أن يكتبوا آداب الأربعين ثم يوزّعوها على الزوّار ويشرحوها لهم، بحيث لا يبقى زائر ومشارك في هذه المسيرة إلا وتصله نسخة من هذا المنشور. واطمئنوا أن ثواب هذا السفر العظيم سيتضاعف بمراعاة هذه الآداب. ونحن على يقين بأن هذه الزيارة العظيمة ستمهّد لظهور الإمام الحجّة (عج) إن شاء الله.
كل من خطا خطوة لزيارة الأربعين، فسوف يسجّل الإمام الحسين (عليه السلام) اسمه
• باعتقادي أن كلّ من يحاول أن يقدّم شيئا ويخطو خطوة لزيارة الأربعين، فسوف يسجّل الإمام الحسين (عليه السلام) اسمه. وحقيقةً كلّ خطوة يخطوها الإنسان من أجل الأربعين يشعر بتحوّل في قلبه. أسأل الله أن يوفّقكم للمشي في هذا الطريق الروحاني، ولا سيّما في أربعين هذا العام الذي يقارب موقعه من فصول السنة، مع زمن مجيئ الحوراء زينب (عليها السلام) إلى كربلاء في العام 61 هـ.
سماحة الشيخ بناهيان
نجح سعيد.. فما هي أولى تحديات عهده؟
أولى العقبات التي تواجه سعيد أن الأحزاب التي تلت حركة النهضة (52 مقعداً من أصل 217) في عدد مقاعدها في البرلمان تتمنع عن التحالف مع الحركة في تشكيل حكومة ائتلافية. ولا يُعرف ما إذا كانت الحركة قادرة بالتحالف مع الأحزاب الصغيرة الكثيرة للحصول على ما يحقق الثقة بحكومتها برلمانيا. والعقبة الثانية المرشحة للظهور هي الأوضاع الأمنية وما يمتّ لها بصلة، مثل: إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية إلخ..
نجح سعيد.. فما هي أولى تحديات عهده؟
لا شك في أن قيس سعيّد أضحى الشخصية أكثر قبولاً واحتراماً وتقديراً وإعجاباً في تونس اليوم. لا تدانيه شخصية أخرى مهما علا كعبها سياسياً أو اجتماعياً.
"قيس سعيد في قرطاج، لا للمكرونة ولا للألبان". الهتاف الذي صدح في باحات وزوايا شارع الحبيب بورقيبة عشية إقفال صناديق الاقتراع، كان كثيفاً في رمزيته، فالكرامة أغلى من أن تشترى ب "كوبونات المعكرونة والألبان" التي وزعتها مؤسسات منافسه على الناخبين، رغم الحاجة الماسة للأغلبية من الشعب التونسي. وأنّ رجلا نظيف الكفّ، لا تحوم حوله الشبهات، ولا سبق أن تورط في حزب أو اعتنق إيديولوجية واضحة لهو أمر يستحق الرهان.
فاز سعيد في كل دائرة انتخابية في البلاد. ونتائج الانتخابات عكست هذه المضامين بجلاء، ولا سيما بين جيل الشباب. فعدد الذين صوتوا لسعيد يفوق بكثير عدد الذين صوتوا سابقاً للباجي قايد السبسي، والمنصف المرزوقي، بحسب مؤسسة "سيغما كونساي". ونسبة المشاركة التي قفزت بأكثر من تسع نقاط عن مثيلتها في الجولة الأولى بعد تجاوزها عتبة الـ 57.8 % كانت مفاجأتها مضاعفة، حيث وصل عدد المصوتين لسعيد للأعمار بين 18 و25 سنة 90% وفقاً لتقديرات معهد استقصاء سيغما، مقارنة بـ 49.2 ٪ من الناخبين الذين تجاوزوا الستين عاماً.
سعيد الملقب بـ"روبوكوب" على منصّات التواصل الاجتماعي التونسية نظراً لطريقته في الكلام، كسب الرهان دون كاريزما سياسية، من دون برنامج واضح، من دون حملات انتخابية، ومن دون حزب سياسي، في لحظة انتعاش وتشوق لقيم ثورة الياسمين عند الذين صوتوا له.
ما يتفق عليه أنصاره وداعموه ببساطة أنه رجل يشبه التونسيين أكثر من أي شخصية سياسية عرفوها يوماً، غير قابل للفساد والإفساد، وذو عقلية متفتحة ومحافظة، شفافة وجامحة في آن. تعد بالقليل لكنه نادر كالتعهدات التالية: "تحقيق اللامركزية "، "إنهاء عهد الوصاية "، "بناء العلاقات بين الحاكم والمحكوم على أساس الثقة والمسؤولية"، "عدم المسّ بقيم المجتمع الدينية"،" العمل على القضايا القومية، وأولها القضية الفلسطينية".
ببساطة شديدة، هل الرئيس قيس سعيد قادر على تحقيق ما تعهد به في بلد يبلغ عدد سكانه 11 مليوناً، غارق في المشاكل الاقتصادية والأمنية، حيث تبلغ نسبة البطالة 15%، وترتفع مستويات التضخم وسط ومطالب المانحين الأجانب بتطبيق إجراءات خفض للإنفاق لا تحظى بالشعبية؟.
لا ريب في أنّ منصب الرئاسة يتمتع بنفوذ سياسي واسع إلا أنّ سلطاته تبقى أقل من دور رئيس الوزراء في الدستور الجدد الذي حرص على توزيع مراكز القوى داخل الدولة. فهل سيجد قيس سعيد ظهيرا وداعماً له بين القوى السياسية، وهو الغريب الذي يدخل قصر قرطاج مجرداً من أي حزب سياسي يتبع له؟.
وإذ يتوجب عليه دستورياً أن يكلف الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية تشكيل الحكومة، فهل هو قادر على الحسم أو لعب دور الحكم في نزاع تطلّ أماراته بين القوى البرلمانية التي لا يوجد بينها من يملك أغلبية مريحة تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً؟.
إنّ أولى العقبات التي تواجه سعيد أن الأحزاب التي تلت حركة النهضة (52 مقعداً من أصل 217) في عدد مقاعدها في البرلمان تتمنع عن التحالف مع الحركة في تشكيل حكومة ائتلافية. ولا يُعرف ما إذا كانت الحركة قادرة بالتحالف مع الأحزاب الصغيرة الكثيرة للحصول على ما يحقق الثقة بحكومتها برلمانيا (أي الحصول على ثقة 109 نائب).
العقبة الثانية المرشحة للظهور هي الأوضاع الأمنية وما يمتّ لها بصلة، مثل: إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية ولا سيما وزارة الداخلية التي تضخم حجمها على حساب وزارة الدفاع، قضايا الاغتيالات السياسية التي لا تزال عالقة مثل قضيتي شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ومكافحة الهجرة غير الشريعة وعمليات التهريب عبر الحدود، والقضاء على التنظيمات الإرهابية.
المرجح وسط كل هذه التكهنات هو حرص حركة النهضة على التعاون مع الرئيس قيس سعيد والعمل على دعمه حكومياً وبرلمانياً، فالرجل لا يشكل تهديداً لها بتاتاً إذ انه لا يملك حزبا سياسياً، ومواقفه السياسية تتماهى مع مبادئ النهضة لجهة احترام الثقافة الإسلامية وقيمها التشريعية، ومن حيث تفكيك منظومة الفساد وحيتان المال، والنأي بالبلاد عن الصراعات الإقليمية، فضلاً عن إعادة الزخم رسمياً للقضية الفلسطينية التي تحتل مكانة مرموقة في وجدان الشعب التونسي.
كلمة الإمام الخامنئي في اللقاء التكريمي لأصحاب المواكب الحسينية العراقيين
كلمة الإمام الخامنئي في اللقاء التكريمي لأصحاب المواكب الحسينية العراقيين_2019/09/18
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيما بقية الله في الأرضين.
أرحّب بكم كثيراً أيها الإخوة الأعزاء، هذه الجلسة بالنسبة إلي جلسة تاريخية لن تُبارح الذاكرة. ما قيل في هذه الجلسة وما ألقي من أشعار وما أنشد من مراث كل واحدة منها علامة بليغة على عظمة حادثة كربلاء وعظمة الحسين بن علي (سلام الله عليه)، وقد استفدنا وانتفعنا كثيراً. نتمنى أن تقضوا أوقاتاً سعيدة أيها الإخوة الأعزاء في هذه السفرة في بيتكم وبين إخوتكم. سجلت عدة نقاط وملاحظات أذكرها لكم.
كلمتي الأولى هي الشكر، فأنا أتقدم بالشكر من صميم القلب وبالنيابة عن شعب إيران الكبير لكم أنتم أصحاب المواكب والهيئات الذين بلغتم بالإكرام والرحمة والمودة في أيام الأربعين ذروتها، وأشكر كذلك كل الشعب العراقي الكبير وكذلك المسؤولين في الحكومة العراقية الذين وفروا الأمن والأجواء والأرضية اللازمة، كما أشكر على الخصوص العلماء الأجلاء ومراجع الدين العظام في العراق الذين وفروا مناخ الزيارة وأجواء الأخوّة بين كل الناس وبين الشعبين الإيراني والعراقي. هذا شيء جدير بالشكر حقاً. ما ينقل لنا عن سلوككم أيها الإخوة العراقيين الأعزاء في المواكب التي على الطريق وتعاملكم الكريم مع زوار الحسين أشياء لا نظير لها، لا نظير لهذه الأشياء في عالم اليوم. كما إنّ مسيرات الأربعين ذاتها لا نظير لها في التاريخ، وسلوككم الكريم أيضاً لا نظير ولا شبيه له حقاً. لقد عبّرتم عن الكرامة الإسلامية والكرامة العربية في تعاملكم وأعمالكم، وكل ذلك على حب سيد الشهداء (سلام الله عليه)، على حب الحسين بن علي، ومن منطلق العشق والمودة للإمام الحسين، تغسلون أقدام زوار الإمام الحسين، وتدلّكون للزائر جسمه المتعب بشدة وتطعمونه وتؤونه وتوفرون له مكان المبيت، لأنه زائر الحسين. حب الحسين بن علي هذا حالة استثنائية، ولم نعرف ولا نعرف نظيراً لهذا الشيء في أي مكان وفي أي زمان. ونسأل الله تعالى أن يزيد من هذا الحب في قلوبكم وقلوبنا يوماً بعد يوم.
طبعاً هذا التوفيق الذي أحرزتموه في هذا المجال هو بحد ذاته رحمة من الله لكم. هذا التوفيق الذي حققتموه في استضافة ضيوف الإمام الحسين (عليه السلام) شيء قيم جداً وهو نعمة إلهية فيجب معرفة قدره، ونحن نعلم أنكم تعرفون قدره.
النقطة الثانية تتعلق بأصل هذه المسيرة الأربعينية وهي حقاً حادثة منقطعة النظير. ليس فقط في زماننا هذا بل وعلى مرّ التاريخ لا نعرف مثل هذا التجمع ومثل هذا الحراك في كل سنة حيث يزداد ازدهاراً سنة بعد سنة، فهو شيء منقطع النظير. ولهذه الحركة الحسينية دورها في تنمية وتطوير المعرفة بالإمام الحسين (عليه السلام). لقد أصبحت "الأربعين" ظاهرة عالمية بهذه الحركة والمسيرة السنوية بين النجف وكربلاء خصوصاً. وقد تسمرت أعين الناس في العالم على هذه الحركة، وأضحى الإمام الحسين (عليه السلام) والمعرفة الحسينية حالة دولية عالمية بفضل هذا الحراك الشعبي العظيم.
نحن اليوم بحاجة لتعريف الحسين بن علي للعالم، فالعالم يعاني من الظلم والفساد والدناءة واللؤم، وهو بحاجة لمعرفة التحرر الحسيني والحرية الحسينية. الناس في العالم، والشباب في العالم والشعوب غير المغرضة تخفق قلوبهم لمثل هذه الحقيقة. إذا جرى تعريف الإمام الحسين (عليه السلام) للعالم فسيكون ذلك تعريفاً للإسلام والقرآن. تطلق الدعاية والإعلام في الوقت الحاضر ضد الإسلام والمعارف الإسلامية بمئات الوسائل. ومقابل هذا الحراك العدائي لجبهة الكفر والاستكبار يمكن لحركة المعرفة الحسينية أن تتصدى بكل قوة وتقف وتُعرّف حقيقة الإسلام وحقيقة القرآن للعالم. منطق الحسين بن علي (عليهما السلام) هو منطق الدفاع عن الحق ومنطق الصمود والثبات مقابل الظلم والطغيان والضلال والاستكبار. هذا هو منطق الإمام الحسين، والعالم اليوم بحاجة لهذا المنطق. يشهد العالم اليوم سيادة الكفر والاستكبار والفساد. يشهد العالم اليوم سيادة الظلم، ورسالة الإمام الحسين رسالة إنقاذ العالم، وحركة الأربعين العظيمة تنشر هذه الرسالة في العالم، وينبغي بفضل الله وحوله وقوّته وتوفيقه تعزيز هذه الحركة يوماً بعد يوم.
لقد أصبحت [حركة] الأربعين عالميّة، وستكون أكثر عالمية في المستقبل. إنها دماء الحسين بن علي بعد 1400 عام تفور وتغلي وتتجدد يوماً بعد يوم وتزداد حياة يوماً بعد يوم. هذه هي رسالة عاشوراء التي تعالت من حنجرة أبي عبد الله وحنجرة زينب الكبرى (سلام الله عليهما) وهما بمنتهى الغربة والتوحد، واستغرقا ويستغرقان أجواء العالم اليوم. الحسين (عليه السلام) هو للإنسانية، ونحن الشيعة نفخر بأننا أتباع الإمام الحسين، لكن الإمام الحسين ليس لنا وحدنا فقط، فالمذاهب الإسلامية والشيعة والسنة كلهم تحت لواء الإمام الحسين. يُشاهَد في هذه المسيرات العظيمة حتى من لا يعتنقون الدين الإسلامي، وهذه حالة سوف تستمر إن شاء الله، وهي آية عظمى يظهرها الله تعالى. في الزمن الذي يعمل فيه أعداء الإسلام وأعداء الأمة الإسلامية بمختلف صنوف وأنواع الأدوات والوسائل وبالمال والسياسة والسلاح ضد الأمة الإسلامية، يُعظّم الله تعالى فجأة حادثة مسيرة الأربعين بهذا الشكل ويبرزها هكذا. هذه آية إلهية عظمى وهي مؤشر إرادة إلهية على نصرة الأمة الإسلامية. هذا يدل على أن إرادة الله تعالى معقودة على نصر الأمة الإسلامية.
النقطة الثالثة التي أقولها لكم أيها الإخوة الأعزاء هي أن تجعلوا ونجعل هذه المراسم أكثر محتوى ومضموناً وأكثر معنوية ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. ينبغي أن نضاعف من معاني ومضامين هذه المراسم باستمرار، فليخطط أهل الأفكار وأهل الثقافة وأهل الأعمال الثقافية والفكرية لهذه الحركة العظيمة. ينبغي على كل مسلم في الوقت الحاضر أن يكون هدفه إيجاد حضارة إسلامية. هذا ما نريده اليوم. الشعوب الإسلامية لديها إمكانيات هائلة ولو تمت الاستفادة من هذه الإمكانيات والطاقات لبلغت الأمة الإسلامية ذروة عزتها. يجب أن نفكر بهذا، يجب أن نفكر بهذا، هدفنا النهائي إحداث حضارة إسلامية عظيمة.
لقد صحت الشعوب الإسلامية اليوم والحمد لله. الشعب العراقي شعب كبير عزيز صاحب ثقافة، شعب ذو عزيمة وإرادة. لقد أثبت الشباب العراقيون في أحداث الأعوام الأخيرة أنهم قادرون على حماية شعبهم وبلادهم مقابل المؤامرات العالمية، وهذا شيء ثمين وقيّم جداً. لقد استطاع الشباب العراقي القضاء على أكبر مؤامرة داخلية كان يمكن أن تفضي إلى حرب داخلية في العراق. لم تكن مؤامرة داعش والتكفيريين مؤامرة صغيرة، فلقد أنفقوا الأموال وخطّطوا لتبديل العراق وهو بلد عربي وإسلامي أساسي إلى ساحة حرب داخلية وأن يوقعوا بين الشيعة والسنة، لكن الشباب العراقي استطاع بفتوى المرجعية المعظّمة في العراق أن يتصدّى بقوة ويحبط هذه المؤامرة. لم يكن هذا بالإنجاز القليل، لم يكن بالعمل الصغير. يمكن للشعب العراقي الكبير أن يرتقي ببلاده إلى ذروة العزة، وينبغي أن تظهر هذه الطاقات عملياً. لو تجمّعت طاقات البلدان الإسلامية ـ طاقات العراق وطاقات إيران وطاقات البلدان الأخرى في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا ـ بعضها مع بعض وتلاقت والتحمت وتعاضدت هذه الأيدي عندئذ سوف تثبت الأمة الإسلامية ما معنى العزة الإلهية، وسوف تُعرَض الحضارة الإسلامية العظيمة على مجتمعات العالم. ينبغي أن يكون هذا هو هدفنا ويمكن لمسيرة الأربعينية هذه أن تكون وسيلة فاعلة لتحقيق هذا الهدف.
يشاركون في مسيرة الأربعينية من عشرات البلدان ويحلّون ضيوفاً على الشعب العراقي، فلنحاول أن نعزّز في هذه المسيرات من الأواصر بين الإخوة المسلمين، الأواصر بين العراقيين وغير العراقيين، الوشائج بين الشيعة والسنة، والأواصر بين العرب والفرس والترك والكرد، فهذه الوشائج مبعث سعادة، وهذه الأواصر آية رحمة إلهية. يحاول العدو التفرقة لكنه لم يستطع ذلك ولن يستطيع بحول الله وقوته. نحن – إيران والعراق – شعبان مرتبطان بعضهما ببعض، أجسامنا وقلوبنا وأرواحنا مرتبطة ببعضها، وما أوجد هذا الترابط هو الإيمان بالله ومحبة أهل البيت (عليهم السلام) ومحبة الحسين بن علي (عليه السلام)، وهو ما سوف يزداد يوماً بعد يوم إن شاء الله. الأعداء يتآمرون لكن مؤامراتهم لن تؤثّر. منذ بدء الثورة الإسلامية وإلى اليوم وأمريكا وأذناب أمريكا وأعوان أمريكا ومرتزقة أمريكا يخطّطون وينشطون لمدة أربعين عاماً ضد الجمهورية الإسلامية وينفقون الأموال ويهدّدون ويفرضون الحظر، ولكن على الرغم من أنوفهم تحولت الجمهورية الإسلامية خلال هذه الأعوام الأربعين من غرسة دقيقة إلى شجرة ضخمة «اَصلُها ثابِتٌ وَفَرعُها فِي السَّماء» (2). هذا الشعار (3) الذي ترفعونه ضد أمريكا وضد النظام الصهيوني وضد الأعداء والمستكبرين سوف يتحقق في مستقبل غير بعيد وسوف يكون التوفيق حليفكم إن شاء الله.
أتقدم بشكري مرة أخرى وأقول لكم إن الشعب الإيراني يشكركم أيها الإخوة العراقيّون الأعزاء بكل وجوده، وخصوصاً أنتم أصحاب المواكب والهيئات في الأربعين، إننا نشكركم من صميم الفؤاد ونتذكر هذا المصرع من شعر المتنبّي «إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ مَلَكْتَهُ. «
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى حجة الإسلام أحمد مروي سادن الروضة الرضوية المقدسة كلمة. كما ألقى عدد من أصحاب المواكب والخطباء والشعراء والرواديد العراقيين كلمات وأشعاراً ومراث وتعزيات.
2 ـ سورة إبراهيم، شطر من الآية 24 .
3 ـ شعارات «الموت لأمريكا» و«الموت لإسرائيل» التي رفعها الحضور باللغة العربية.
4 ـ أبو الطيب المتنبّي أحد أكبر شعراء العرب.
عقيدتنا في العرش والكرسي
فيما يلي الآيات القرآنية الواردة في العرش والكرسي:
1 ـ ﴿فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾([1]).
لا معبود بالحق إلّا هو سبحانه، وهو وحده الحاكم المدبّر لعالم الوجود.
2 ـ ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ﴾([2]).
أي ارتفعت كمالاته وهو العلي الأعلى، أو بمعنى رافع الدرجات، وهو باسط لسلطانه.
3 ـ ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ﴾([3]).
ليس العرش كهيئة السرير المرتفع، وإنما إشارة إلى صنف من الملائكة يعملون بأمره تعالى في مقام تدبير شؤون الخلق.
4 ـ ﴿وَالْمَلَكُ عَـلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِـلُ عَـرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِـذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾([4]).
روي عن الرضا «عليه السلام» في الآية قوله: والعرش اسم علم وقدرة، وعرش فيه كل شيء، ثم أضاف الحمل إلى غيره، خلق من خلقه، لأنه استعبد خلقه بحمل عرشه، وهم حَمَلَةُ علمه، وخلقاً يسبحون حول عرشه، وهم يعملون بعلمه([5]).
5 ـ ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾([6]).
عن الصادق «عليه السلام»: السماوات والأرض، وما بينهما في الكرسي([7]).
6 ـ ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾([8]).
يحيطون بمقام التدبير الإلهي ويجرون مشيئته.
7 ـ ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾([9]).
ليس بمعنى جلوسه على سرير مرتفع، وإنما إشارة إلى بسط سلطانه وسيطرته وتدبير أمره.
8 ـ ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾([10]).
إشارة إلى مقام صدور التدبير الإلهي، والتمكن والإحاطة به.
فيما يلي الروايات المعتـبرة ســنداً الورادة في العرش والكرسي:
1 ـ روى الشيخ الكليني، عن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» عَنْ قَوْلِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾.
فَقَالَ: يَا فُضَيْلُ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْكُرْسِيِّ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْكُرْسِيِ([11]).
2 ـ روى الشيخ الكليني، عن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ:
«سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمواتِ وَالْأَرْضَ﴾: السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَسِعْنَ الْكُرْسِيَّ، أَوِ الْكُرْسِيُّ وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟!
فَقَالَ: إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْكُرْسِيِّ([12]).
3 ـ روى الشيخ الكليني عن أَحْمَد بْن إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ:
«سَأَلَنِي أَبُو قُرَّةَ الْمُحَدِّثُ أَنْ أُدْخِلَهُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا «عليه السلام»، فَاسْتَأْذَنْتُهُ، فَأَذِنَ لِي... قَالَ أَبُو قُرَّةَ: فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ﴾، وَقَالَ: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْش﴾.
فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ «عليه السلام»: الْعَرْشُ لَيْسَ هُوَ اللهَ، وَالْعَرْشُ اسْمُ عِلْمٍ وَقُدْرَةٍ، وَعَرْشٍ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ، ثُمَّ أَضَافَ الْحَمْلَ إِلَى غَيْرِهِ، خَلْقٍ مِنْ خَلْقِهِ، لِأَنَّهُ اسْتَعْبَدَ خَلْقَهُ بِحَمْلِ عَرْشِهِ، وَهُمْ حَمَلَةُ عِلْمِهِ، وَخَلْقاً يُسَبِّحُونَ حَوْلَ عَرْشِهِ، وَهُمْ يَعْمَلُونَ بِعِلْمِهِ، وَمَلَائِكَةً يَكْتُبُونَ أَعْمَالَ عِبَادِهِ، وَاسْتَعْبَدَ أَهْلَ الْأَرْضِ بِالطَّوَافِ حَوْلَ بَيْتِهِ، وَاللهُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى، كَمَا قَالَ، وَالْعَرْشُ وَمَنْ يَحْمِلُهُ وَمَنْ حَوْلَ الْعَرْشِ، وَاللهُ الْحَامِلُ لَهُمُ، الْحَافِظُ لَهُمُ، الْمُمْسِكُ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ، وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يُقَالُ مَحْمُولٌ، وَلَا أَسْفَلُ، قَوْلًا مُفْرَداً، لَا يُوصَلُ بِشَيْءٍ، فَيَفْسُدُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى([13]).
4 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمواتِ وَالْأَرْضَ﴾.
فَقَالَ: السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي الْكُرْسِيِّ، وَالْعَرْشُ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ قَدْرَهُ([14]).
5 ـ روى الشيخ الصدوق عن الْحُسَيْن بْن أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ «رَحِمَهُ اللهُ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ:
«ذَاكَرْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» فِيمَا يَرْوُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ، فَقَالَ: الشَّمْسُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْكُرْسِيِّ، وَالْكُرْسِيُّ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْعَرْشِ، وَالْعَرْشُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْحِجَابِ، وَالْحِجَابُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ السِّتْرِ، فَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ، فَلْيَمْلَئُوا أَعْيُنَهُمْ مِنَ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ([15]).
هذه عقيدتنا فيالعرش والكرسي:
الكرسي مُلْكُ الله وقدرته في السماوات والأرض وما بينهما.
ومهما اتسعت السماوات فهي ضمن الكرسي ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾([16])
والعرش مقام العلم والتدبير الإلهي لشؤون الخلق.
وليست الكرسي بمعناها اللغوي. أي ما يقعد عليه، وله قوائم منخفضة، ولا العرش بمعنى ما يقعد عليه وله قوائم مرتفعة، فالمراد من قوله تعالى: ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾([17]): بَسْطُ سلطتِه ونفوذُ تدبيرِه على كل شيء في عالم الخلق.
وهناك صنف من الملائكة يحملون علمه، ويجرون إرادته ومشيئته في التدابير.
والله تعالى لا يجلس على شيء، ولا يحمله شيء، وفي الآية ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾([18]).
ومن زعم أن الله مُعْتَلٍ عرشاً، أو جالس على كرسيّ فقد صيَّره محمولاً، ووصفه بصفات المخلوقين.. ولَزَمَهُ أن الشيء الذي يحمله حاوٍ له، وجعله محتاجاً إلى مكان، وإلى شيء ممَّا خَلَقَ، وتعالى الله عن ذلك علوَّاً كبيراً.
والعرش والكرسي من عالم غيب الله سبحانه، وهو العالم بحقائق الأشياء.
سماحة الشيخ نبيل قاووق
([1]) الآية 116 من سورة المؤمنون.
([2]) الآية 15 من سورة غافر.
([3]) الآية 7 من سورة غافر.
([4]) الآية 17 من سورة الحاقة.
([5]) الكافي، ج1 ص131.
([6]) الآية 255 من سورة البقرة.
([7]) التوحيد للصدوق، ص327.
([8]) الآية 75 من سورة الزمر.
([9]) الآية 5 من سورة طه.
([10]) الآية 3 من سورة يونس.
([11]) الكافي، ج1 ص132، ومرآة العقول للمجلسي، ج2 ص78.
([12]) الكافي، ج1 ص132، والبرهان في تفسير القرآن للبحراني، ج1 ص517.
([13]) الكافي، ج1 ص130 ـ 132، والبرهان في تفسير القرآن للبحراني، ج1 ص753.
([14]) التوحيد للصدوق، ص327، وبحار الأنوار، ج4 ص89.
([15]) التوحيد للصدوق، ص108، والكافي، ج1 ص98، وبحار الأنوار، ج4 ص44.
([16]) سورة الذاريات الآية 47.
([17]) سورة طه الآية 5.
([18]) سورة الشورى الآية 11.
ترامب: لماذا علينا حماية حدود سوريا التي تبعد عنا 7 آلاف ميل
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبرر قراره بالانسحاب من شمال سوريا وعدم دفاعه عن الأكراد في سوريا على بعد 7 آلاف ميل عن الولايات المتحدة، متسائلاً لماذا يجب أن يقاتل الأميركيون من أجل سوريا والرئيس بشار الأسد، معلناً ترامب: أنه "مستعد تماماً لتدمير اقتصاد تركيا سريعا اذا واصل القادة الأتراك مسارهم المدمر والخطير".
الرئيس الأميركي دونالد ترامب (أ ف ب)
غرّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء اليوم قائلاً: "بعد هزيمة خلافة داعش 100%، قمت بنقل قواتنا إلى حدّ كبير من سوريا، دعوا سوريا والأسد يحميان الأكراد ويحاربان تركيا من أجل أرضهم، قلت للجنرالات، لماذا يجب أن نقاتل من أجل سوريا والأسد لحماية أرض عدونا؟ كل من يريد مساعدة سوريا في حماية الأكراد هو جيّد معي، سواء كانت روسيا أو الصين أو نابليون بونابرت، آمل أن يفعلوا كل شيء رائع، فنحن على بعد 7000 ميل!".
وأضاف: "يريد بعض الناس من الولايات المتحدة أن تحمي الحدود السورية على بعد 7000 ميل، برئاسة بشار الأسد، عدونا. في الوقت نفسه، فإن سوريا وأيّا كان من اختاروا المساعدة، تريد بطبيعة الحال حماية الأكراد".
ترامب أعلن وقف المفاوضات التجارية مع أنقرة والسماح بفرض عقوبات على مسؤولين أتراك.
وقال إن الأمر الرئاسي سيشمل عقوبات على مسؤولين اتراك سابقين وحاليين وأي شخص يساهم في افعال تركيا المزعزعة للاستقرار في شمال شرقي سوريا بالإضافة الى زيادة الرسوم الجمركية على واردات الحديد التركي بنسبة 50٪".
وإذا أعلن في بيانٍ له أننا "سنوقف مفاوضاتنا مع تركيا المتعلقة بصفقة قيمتها 100 مليار دولار على الفور".
وأضاف ترامب "أنا مستعد تماماً لتدمير اقتصاد تركيا سريعاً، اذا واصل القادة الأتراك مسارهم المدمّر والخطير".
وتابع ليقول إن "أفضل التركيز على حدودنا الجنوبية التي تتاخم الولايات المتحدة الأميركية وتشكّل جزءاً منها وبالمناسبة، الأرقام في طريقها إلى الأسفل ويتم إنشاء الجدار!".
من جهته، قال زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل: "أشعر بقلق بالغ إزاء الأحداث الأخيرة في سوريا واستجابتنا لها".
وأضاف ماكونيل أن"هجوم تركيا على شركائنا الكرد السوريين يعرّض سنوات من التقدم الذي تحقق بشق الأنفس في الحرب ضد داعش للخطر".
ورأى ماكونيل أن انسحاب القيادة الأميركية من هذه المنطقة المحورية لن يخدم مصالح أمتنا على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، ومن شأنه أن يجعل الوضع أسوأ بكثير، ليس فقط للشركاء الإقليميين مثل إسرائيل والأردن بل للولايات المتحدة أيضاً".
وأضاف:"أتطلّع مع زملائي الآخرين في مجلس الشيوخ إلى مناقشة ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لتجنب وقوع كارثة مأساوية خلال لقاء مع مسؤولين في إدارة ترامب هذا الأسبوع".
المصدر : الميادين
الولاية في مدرسة الحسين (عليه السلام)
قال الله تعالى في كتابه المجيد: ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾1.
طاعة الله
إنّ عقل الإنسان كما يدلّه على معرفة الله تعالى يدلّه على وجوب طاعته في كلّ شؤون حياته، وبهذا يتحقّق معنى العبوديّة التي يترك الإنسان فيها ما تستهويه نفسه من ذوق خاصّ يبعده عن طاعة ربّ العالمين، فينساق لأمر الله منطلقاً من معرفته بأنّه العليم الحكيم.
وبهذا يتجنّب الإنسان أن يقع في مشكلة إبليس الذي انجذب لهواه بعيداً عن طاعة ربِّه. وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أُمر إبليس بالسجود لآدم، فقال: يا ربّ وعزِّتك إن أعفيتني من السجود لآدم (عليه السلام) لأعبدك عبادة ما عبدك أحد قطُّ مِثلَها، قال الله جلَّ جلاله: إنّي أحبّ أن أُطاع من حيث أريد»2.
طاعة الرسول
وأراد الله أن تكون طاعته عبر طاعة خاتم الأنبياء محمّد (صلى الله عليه وآله) التي تنطلق من الإيمان بعصمة النبيّ الكريم التي أخبر الله عنها بقوله: ﴿ومَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾3، وقد أخبر الله تعالى عن إرتباط المؤمنين بالرسول الأكرم، وإطاعتهم له بأبلغ تعبير في ما قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾4.
وقد سُئل النبيّ (صلى الله عليه وآله): «ما هذه الولاية التي أنت أولى بها من أنفسنا؟ فأجاب: السمع والطاعة فيما أحببتم وكرهتم»5؛ لأنّ طاعة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليست طاعة لشخص تنطلق أوامره من ذاتيّاته، بل من إرادة الله سبحانه وتعالى، من هنا فإنّ أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) ونهيه مقدَّمان على ما تهوى النفس وتميل إليه، وهذا ما أكَّده صلوات الله عليه وآله حينما قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به»6.
طاعة أولي الأمر
وفرض الله على الناس إطاعة أولي الأمر منهم بعد طاعة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقد روى جابر بن عبد الله الأنصاري أنه «لما أنزل الله عزّ وجلّ على نبيه محمّد (صلى الله عليه وآله) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله، فمن «أولي الأمر» الذين قرن طاعتهم بطاعته؟
فقال (صلى الله عليه وآله): «هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين من بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثم الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سَمِيِّي محمّد وكُنِيِّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكرُه على يديه مشارق الأرض ومغاربها...»7.
وقد حدَّد النبيّ (صلى الله عليه وآله) وظائف أولي الأمر بعده التي منها:
الأولى: وهي تدخل في إطار التشريع وإكمال تبليغ الدين، وعن هذه الوظيفة قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «إنّي تارك فيكم الثَّقَليْن كتاب الله وعترتي أهل بيتي (ما إن تمسكتم بهما لن تَضِلّوا بعدي أبداً)، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»8. وقد تحدّثت عن هذه الوظيفة في المحاضرة الأولى.
الثانية: تدخل في إطار قيادة الأمّة والحاكميّة في المجتمع، ولتحديد وليِّ الأمر الأوّل، وإعلان قيادته على الناس أوقف النبيّ (صلى الله عليه وآله) عشرات الآلاف من المسلمين بعد رجوعه من الحجّ في منطقة غدير خُمّ، وأمر أن يُصنع له منبر في جوٍّ شديد الحرّ في وقت لو طُرح اللّحمُ فيه على الأرض لانشوى9. وصعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) المنبر ورفع عليّاً إليه وقال: أيّها الناس، من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله، فقال (صلى الله عليه وآله): ألا من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللَّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأنصر من نصره، واخذل من خذله»10.
الخلفاء اثنا عَشَر
ولم تغمض عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى حدَّد للأمّة المرجعيّة الدينيّة والقيادة السياسيّة إلى يوم القيامة فقال (صلى الله عليه وآله): - كما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وهما أوثق كتابين عند أهل السُّنَّة بعد القرآن الكريم، والنصُّ لمسلم-: «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»11.
وكما تعدَّدت صيغ هذا الحديث في صحيح مسلم، تعدَّدت في مُسند أحمد بن حنبل الذي فيه عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «لا يزال هذا الأمر مؤاتى أو مقارباً حتى يقوم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»12.
وفيه أيضاً عن جابر بن سَمُرَة: جئت أنا وأبي إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: «لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً، ثمّ قال كلمة لم أفهمها، قلت لأبي ما قال: قال: قال: كلّهم من قريش»13.
دور الولاية في الدنيا والآخرة
وشدَّد النبيّ (صلى الله عليه وآله) وخلفاؤه (عليه السلام) على أهميّة ولاية أئمّة أهل البيت (عليه السلام) ودورها في حفظ الدين والأمّة في الدنيا وآثارها في الآخرة.
في الدنيا
فها هو أمير المؤمنين (عليه السلام) يتحدّث عن دور الولاية في الأمّة فيقول: «مكان القيِّم من الأمر مكان النِّظام من الخَرَز يجمعه ويضمّه، فإذا انقطع النظام تفرَّق الخرز وذهب، ثمّ لم يجتمع بحذافيره ابداً»14.
فالإمامة في قول الإمام هي كالسِّلْك الذي ينظِمُ الخرز، فإذا انقطع السلك تفرَّق الخرز وضاع.
عند الموت
وأخبر النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) المسلمين أنّ عدم معرفة الإمام توجب الكفر عند الموت، فقال في الحديث المشهور عنه عند كلّ المسلمين: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة«.
في القبر
وللولاية دور في قبر الإنسان، كما رُوي عن أحد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام): «إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستُّ صور، فيهنّ صورة أحسنهنَّ وجهاً، وأبهاهُنَّ هيئة، وأطيبِهِنَّ ريحاً، وأنظفِهِنَّ صورةً، فتقف صورة عن يمينه، وأخرى عن يساره، وأخرى بين يديه وأخرى خلفه وأخرى عند رجله، وتقف التي هي أحسنُهنَّ فوق رأسه، فإن أتى عن يمينه منعته التي عن يمينه، ثمّ كذلك إلى أن يؤتى من الجهات السِّتّ، فتقول أحسنُهنّ صورة: ومن أنتم جزاكم الله عنّي خيراً؟
فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصلاة، وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة، وتقول التي بين يديه: أنا الصيام، وتقول التي خلفه: أنا الحجُّ والعُمرة، وتقول التي عند رجليه: أنا بِرُّ من وصلت من إخوانك، ثمّ يقلن: من أنت؟ فأنت أحسننا وجهاً وأطيبنا ريحاً وأبهانا هيئة؟ فتقول: أنا الولاية لآل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين»15.
يوم القيامة
ونطق القرآن الكريم بدور الولاية يوم القيامة حينما قال: «يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم»16، فكلّ إنسان يُحشر يوم القيامة مع الإمام الذي كان يتولّاه في الدنيا، فإن كان إمام حقّ فارتباطه به ينفعه في ذلك اليوم، أمّا إن كان إمام باطل فقد أعطى القرآن نموذجاً عن مصير المرتبطين به في حديثه عن فرعون حينما يَقْدُمُ يوم القيامة مَنْ كان يتولّاه في الدنيا نحو مصير واحد: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾17.
ولاية عليّ (عليه السلام) في صدر الإسلام
ورغم كلّ هذا التركيز والتشديد على أهميّة الولاية ودورها ومكانتها وعقوبة مخالفتها، فقد تخلَّفت الأمّة بأغلبها عن ولاية الإمام عليّ (عليه السلام)، ثمّ جاء عليّ (عليه السلام) ليتولّى سدَّة الحكم بعد مقتلِ عثمان، وكانت التجرِبة المريرة في صفّين، وأغلب الناس كانوا مضلَّلين على المستوى الفكريّ أو تابعين لأهوائهم على المستوى العمليّ، فلم يتوقّفوا للإرتباط الحقيقيّ بالولاية الإلهيّة المتمثّلة بالإمام عليّ (عليه السلام)، وعانى عليّ (عليه السلام) في ذلك المجتمع المعاناة المريرة حتى قال لأصحابه في صفّين: «صاحبكم - يعني نفسه - يطيع الله وأنتم تعصُونه وصاحب أهل الشام يعصي الله وهُم يُطيعونه، لَودِدْتُ والله أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ منّي عشرة وأعطاني رجلاً منهم»18.
نعم ثلُّةٌ قليلة كانت تفهم عليّاً وقد ارتبطت به الإرتباط بالمعصوم فعلمت أنّ إطاعته كإطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) تتمّ بتسليم مطلق، وقسم من هؤلاء لم يكونوا في «صفّين»، إذ توفّاهم الله قبل ذلك، منهم سلمان الذي أجرى حواراً مع أبي ذرّ الغفاريّ ينطوي على فهم عميق لعصمة الإمام عليّ (عليه السلام)، فقد قال سلمان لأبي ذرّ: يا أبا ذرّ، هَبْ أنَّك دخلت على عليّ (عليه السلام) في المسجد ووجدته يشرب الخمر، ماذا تفعل؟
فأجاب أبو ذرّ بأنّه لا يمكن له أن يتصوّر هذا المشهد حتى يجيب، فأصرَّ عليه سلمان وأبو ذرّ يرفض تصوُّر المشهد.
فقال له سلمان: سلني أنت هذا السؤال، فسأله أبو ذرّ: يا سلمان هب أنك دخلت على علي (عليه السلام) في المسجد ووجدته يشرب الخمر، ماذا تفعل؟
فأجاب سلمان: أجلس وأشرب معه..
لم يرد سلمان أن يقول أنا أفعل الحرام إذا فعله علي (عليه السلام) والعياذ بالله، بل أراد أن يقول إنّ عليّاً لا يمكن أن يشرب الخمر وهو الإمام المعصوم بالعصمة الإلهية، أجلس وأشرب معه لأنّ ما يشربه ليس مما حرَّمه الله تعالى.
ولاية الحسن والمعاناة
وقُتل علي (عليه السلام) بسبب تخلّف الأمّة الفكري والعملي، وجاء الإمام الحسن (عليه السلام) ليقود المجتمع المتفتّت المتخلّف، لكنّ الظروف لم تتح له فرصة الإصلاح، واضطرّ - كما هو معروف - إلى صلح معاوية.
وجاء أحد أصحابه إليه ليعطي الصورة الواضحة على عدم فهم المسلمين لعصمة الحسن (عليه السلام) ووجوب طاعته، فسلَّم عليه قائلاً: السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين، لكنّ الإمام (عليه السلام) أخبره بهدوء عن سبب الصلح ليعود ذلك الصاحب إلى نفسه معتذراً إلى الإمام19.
ولاية الأمر في كربلاء
وتولَّى الحسين (عليه السلام) الإمامة بعد أخيه الحسن (عليه السلام) ليَرِدَ كربلاء حيث سجَّل التاريخ معاناة الحسين (عليه السلام) مع المجتمع المضلَّل والمفتَّت والمهزوم باستثناء ثلَّة من أصحاب الحسين (عليه السلام) وأهل بيته الذين كتبوا بدمائهم أرقى لوحة ولاء للإمام الحسين (عليه السلام).
وفي العاشر من المحرَّم يستوقفني موقف حدث بعد استشهاد الحسين (عليه السلام) وهو موقف العقيلة زينب (عليه السلام) التي وصفهاالإمام زين العابدين(عليه السلام) بأنّها عالِمة غير مُعلَّمة، فبعد قتل الحسين (عليه السلام) جاءت زينب العالمة البصيرة صاحبةَ التجربة الطويلة في الحياة، وهي قد تجاوزت الخمسين من العمر، جاءت إلى ابن أخيها الصغير الإمام عليّ زين العابدين (عليه السلام) لتسأله: ماذا نصنع يا ابن أخي؟ لماذا سألته زينب (عليه السلام) وهي عقيلة بني هاشم وأفضل نسائهم وهي ربيبة علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ سألته لأنّه هو وليُّ أمرها، إنّه الإمام الذي تجب عليها طاعته، لقد أعطت زينب (عليه السلام) في موقفها هذا درساً في الولاية لوليّ الأمر.
وعانى الإمام زين العابدين (عليه السلام) ما عانى آباؤه من المجتمع الذي لا يدرك حقّ الولاية، وتبعه ولده الباقر (عليه السلام) فحفيده الصادق (عليه السلام).
الإمام الصادق (عليه السلام) وولاية الأمر
واستلم الإمام الصادق (عليه السلام) منصب الولاية بعد وفاة أبيه الباقر (عليه السلام) في ظرف احتضار الدولة الأمويّة، وانصبَّت أعين الناس على الإمام الصادق (عليه السلام) ليقود الثورة ضدّ الأمويّين، وكتب أبو مسلم الخراساني - أحد قادة الثورة - كتاباً للإمام الصادق (عليه السلام) جاء فيه: «إنّي أظهرت الكلمة ودعوت الناس عن موالاة بني أميّة إلى موالاة أهل البيت، فإن رغبت فلا مزيد عليك»20
فكان جواب الإمام الصادق (عليه السلام): «ما أنت من رجالي ولا الزمان زماني»21.
وكانت محاولة ثانية من أبي سَلَمة الخلاَّل - وهو أحد نقباء الدولة العبّاسيّة - فبعث إلى الإمام (عليه السلام) رسولاً يحمل معه كتاباً يذكر فيه للإمام استعداده للدعوة إليه وتخلِّيَه عن بني العباس، فكان جواب الإمام (عليه السلام): «ما أنا وأبو سلمة؟ وأبو سلمة شيعة لغيري»22.
وما يُفهمنا موقف الإمام هو ما جرى له مع صاحبه سدير حينما جاءه قائلاً: والله لا يسَعُكَ القعود، أي لا بدّ أن تقوم لقيادة الثورة، فقال له الإمام الصادق (عليه السلام): ولِمَ يا سدير؟ قال سدير: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك، فقال (عليه السلام): وكم عسى أن يكونوا؟ فقال: مائة ألف.. فقال (عليه السلام): مائة ألف! قال: نعم ومائتي ألف، قال: مائتي ألف! قال: نعم ونصف الدنيا، فسكت الإمام ثمّ ذهبا معاً إلى «ينبع» فقال له الإمام وهو ينظر إلى قطيع من الجِداء: «والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجِداء ما وسِعَني القعود»23.
علم الأئمَّة أنّ في الأمّة مشكلة عقائديّة لا بدّ من أن يركَّز عليها وهي مسألة الولاية فأخذوا يركِّزون عليها لينشأ الجيل المؤمن بها المستعدّ للتضحية من أجلها في سبيل الله تعالى.
الولاية في عصر الغيبة الكبرى
وكان نظر المعصومين (عليه السلام) يتركَّز على جيل الغيبة الكبرى الذي سيحمل الولاية بإيمان عميق بها، وأرادوا سلام الله عليهم أن يستمرّ ذلك الجيل بموالاته للنبيّ وأئمّة أهل البيت عبر موالاتهم للعلماء الذين ذابوا في خطّ الولاية.
والبداية مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي رُوي عنه قوله: «اللهمّ أرحم خلفائي (ثلاث مرّات) قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي، يروون حديثي وسنّتي فيعلِّمونها الناس من بعدي»24 .وهذا الحديث يعطي العلماء المجتهدين دور القيادة والخلافة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بشكل واضح25.
وجاء الإمام الصادق (عليه السلام) يركِّز في أحاديثه على منصب الحاكمية في المجتمع الإسلامي، وعلى شروط الحاكم والقائد السياسيّ الذي يجب على الأمّة اتّباعه، فأجاب من سأله عن رجلين يريدان أن يتحاكما: «ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثَنا، ونظرَ في حلالنا وحرامنا وعرَفَ أحكامَنا.. فليرضَوْا به حَكَماً، فإنّي جعلته عليكم حاكماً»26.
وأكّد صاحب العصر والزمان المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) على قيادة العلماء الفقهاء في غيبته حينما أجاب من سأله: «أمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حُجَّة الله»27.
وفي القرن العشرين خرج الإمام الخميني (قده) من قُمّ، يجدِّد دعوة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمّة الأطهار في انقياد الأمّة للفقهاء، وحقّق حلم الأنبياء والأولياء بإقامة دولة الإسلام التي يحكمها الفقيه العادل الذي نظر في حلالهم وحرامهم وروى أحاديثهم فكان الحجّة منهم على الأمّة، وكان الاستحقاق من جديد مع نائب المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، لكنّ جيل الغيبة هذه المرّة كان قد وعى أبعاد الولاية فنصر الإسلام بنصرة الإمام.
وبرزت من جديد بعد رحيل الإمام، ولاية عليٍّ الإمام (عليه السلام) في عليّ القائد المفدَّى (حفظه المولى) ليقود الأمّة التي تعلّمت من أصحاب الحسين في كربلاء كيف يكون الولاء.
سماحة الشيخ د. أكرم بركات
1- سورة النساء، الآية: 59.
2- الراوندي، قصص الأنبياء، تحقيق اليزدي، منشورات مجمع البحوث الاسلامية، مشهد، ط1، ص43.
3- سورة النجم، الآية: 3.
4- سورة الأحزاب، الآية: 6.
5- انظر: التبريزي، المراقبات، منشورات دار السلام، بيروت، ص249.
6- انظر: مغنية، التفسير الكاشف، منشورات دار العلم للملايين، بيروت، ج6، ص193.
7- المشهدي، تفسير كنز الدقائق، ج2، ص493.
8- الطبري، المسترشد، ص56، وكذا انظر كتاب «حديث الثقلين» منشورات دار التقريب بين المذاهب الاسلامية، القاهرة.
9- انظر المراقبات، ص251.
10- انظر المصدر السابق، ص252.
11- صحيح مسلم، منشورات دار الفكر، بيروت 1992 ج2، ص184.
12- مسند الامام احمد بن حنبل، منشورات دار احياء التراث العربي، بيروت 1994م، ج6، ص122.
13- المصدر السابق.
14- بيضون، تصنيف نهج البلاغة، منشورات مكتب الاعلام الاسلامي، قم 1408هـ، ص327.
15- شبرَّ، تسلية الفؤاد، ص93.
16- سورة الإسراء، الآية: 71.
17- سورة هود، الآية: 98.
18- نهج البلاغة، شرح عبده، ص216.
19- انظر: ياسين، صلح الحسن، منشورات خسر، بيروت، ط3، ص276.
20- انظر: الأديب، الأئمة الاثنا عشر، منشورات الدار الاسلامية، بيروت، ط1، ص182.
21- المصدر السابق.
22- المسعودي، مروج الذهب، منشورات مؤسسة دار الهجرة، قم، ج3، ص254.
23- الكليني، اصول الكافي، ج2، ص243.
24- انظر: الامام الخميني رحمه الله، الحكومة الاسلامية، منشورات مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام، طهران، ط1، ص91.
25- انظر المصدر السابق، ص100 - 101.
26- المصدر السابق، ص135.
27- المصدر السابق، ص120.