الثورة السودانية رهينة العقوبات والمساعدات المالية

قيم هذا المقال
(0 صوت)

بعد أن تولى "عبدالله حمدوك" رئاسة الوزراء في السودان، سافر إلى أمريكا في هذا الشهر، بهدف حل نزاعات السودان مع هذا البلد، أملاً في تحسين الوضع الاقتصادي القاسي في السودان، ودعم الولايات المتحدة للحكومة الانتقالية وخريطة طريق السودان الجديدة.

عاد حمدوك من زيارة واشنطن إلى الخرطوم، واکتفی بالقول إن الولايات المتحدة قد وضعت سبعة شروط لشطب السودان من قائمتها لرعاة الإرهاب.

لكن بعد هذه الزيارة، نقلت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية عن مصادر قريبة من حكومة حمدوك قولها إن السودان سيتحرك قريباً ضد حزب الله وحماس، وفي سياق إرضاء أمريكا لاستئناف العلاقات مع هذا البلد، وإلغاء العقوبات الأمريكية ضد السودان وإزالة اسمه من قائمة الدول التي تدعم الإرهاب.

هذا في حين أن المبعوث الأمريكي الخاص للسودان کان قد قال في وقت سابق، إن على السودان أن يتخذ خطوات للامتثال لمطالب الولايات المتحدة وإزالة اسمه من قائمة الدول التي تدعم الإرهاب.

والآن يبدو أن المحور الرئيسي لمشاورات حمدوك مع المسؤولين الأمريكيين لاستئناف العلاقات مع الولايات المتحدة ورفع العقوبات التي فرضتها واشنطن على الخرطوم، كان إغلاق مكاتب حماس وحزب الله في السودان.

الضغط لمصادرة الثورة

لقد سعت الانتفاضة الشعبية في السودان التي أدت إلى انهيار حكومة عمر البشير، إلى تحقيق أهداف مثل إنشاء سودان جديد يحترم القانون ويمنع الاستبداد السياسي ويلتزم بحقوق الإنسان ومكافحة الفساد الاقتصادي.

لكن رحيل عمر البشير لم يكن سوى الخطوة الأولى، لأن الفساد الإداري واسع النطاق في السودان وسنوات من العقوبات الأمريكية على البلاد، قد خلقا عقبات خطيرة أمام تطور السودان، لدرجة أن هذا البلد يعيش وضعاً اقتصادياً سيئاً في الوقت الراهن.

حمدوك تحدَّث مرارًا وتكرارًا عن المشكلات الرئيسية التي أوجدتها العقوبات الأمريكية للاقتصاد السوداني، والمفاوضات مع المسؤولين الأمريكيين لرفع العقوبات والغرامات. وهي العقوبات التي فُرضت لمزاعم بأن الحكومة السودانية قد لعبت دوراً في تفجيرات عام 1998 التي استهدفت السفارة الأمريكية في كينيا وتنزانيا، والهجوم على المدمرة الأمريكية "كول" قبالة سواحل اليمن عام 2000.  

يأتي ذلك بينما قرر مكتب التحقيقات الفيدرالي أن القاعدة هي المسؤولة عن هذه الهجمات، لكن محكمةً أمريكيةً قضت بأن السودان کان له دور رئيسي في تمويل وإيواء الإرهابيين، وأمرت بدفع أكثر من 11 مليار دولار للضحايا.

بعد السفر إلى واشنطن ، أخبر حمدوك المراسلين في الخرطوم أنه تفاوض مع مسؤولي الإدارة الأمريكية لخفض المبلغ إلى "مئات ملايين الدولارات".

کما أشار حمدوك إلى ضرورة إزالة السودان من القائمة السوداء للولايات المتحدة، محذراً من بقاء هذا البلد على قائمة الدول التي لديها أعلى معدلات التضخم في العالم، وتحدث عن الحاجة إلى تحسين الوضع الاقتصادي.

لقد کانت الأزمة الاقتصادية هي التي أثارت الاحتجاجات في المقام الأول، ولذلك، منذ بداية وصول حمدوك إلی رئاسة الوزراء، أکد على تغيير سياسات الحكومة الجديدة عن النظام السابق لاسترضاء واشنطن.

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، كرر التأكيد على أن الحكومة السودانية الجديدة ورثت الغرامات والعقوبات الدولية، وأن "النظام السابق هو الذي دعم الإرهاب"، وليس الشعب السوداني.

ومع ذلك، بسبب موقع السودان الاستراتيجي والجيوسياسي المهم في إفريقيا، فإن البيت الأبيض الذي يحاول توجيه تطورات هذا البلد ومصادرة ثورته الشعبية وفقاً لمصالحه الخاصة، يستخدم الآن تخفيف العقوبات واستمرار المساعدات الاقتصادية كأداة لأخذ الحكومة السودانية الجديدة رهينةً بيده، ويأتي إغلاق مكاتب حزب الله وحماس جزءاً من خطة الابتزاز هذه.

المشاكل الاقتصادية وظروف المعيشة السيئة للشعب السوداني، تعد السبب الأكثر أهميةً لمشاركة عمر البشير في حرب اليمن، واصطفافه إلی جانب الإمارات والسعودية.

بعد سقوط حكومة عمر البشير وتعيين عبد الله حمدوك رئيساً للوزراء في السودان، تحدثت الحكومة الجديدة عن انسحاب القوات السودانية من الحرب اليمنية، وذلك لتحقيق أحد أهم مطالب المتظاهرين، ولكن المشاكل الاقتصادية وحاجة الحكومة السودانية للمساعدات المالية من قبل السعودية والإمارات، جعلتا عبد الله حمدوك وبعد وقت قصير من عودته من أمريكا، يعلن أن السودان لن يسحب قواته من اليمن، ولكن سيخفض عددها إلى 15 ألف جندي.

يأتي هذا الابتزاز في حين أن السودان لديه موارد طبيعية وفيرة مثل النفط والأراضي الخصبة عالية الجودة للزراعة، بحيث قام مستثمرون من الدول المطلة علی الساحل الجنوبي للخليج الفارسي إلى جانب مصر والسعودية، بشراء مساحات شاسعة من أراضي هذا البلد، واستخدامها لإنتاج المحاصيل الزراعية والأعلاف والوقود النباتي، لكن العقوبات جعلت هذا البلد يواجه مشاكل خطيرة لإطعام شعبه.

الإجراء الأمريكي الرمزي ضد المقاومة

بالنظر إلى أن حكومة عمر البشير، وبعد إغلاق السفارة السعودية في طهران، قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران في عام 2016 لإرضاء الرياض، وبعد انضمام السودان إلى الجبهة السعودية الإماراتية في الحرب علی اليمن،لم تقم مكاتب حزب الله وحماس بأي نشاط يذکر في هذا البلد، يرى الكثيرون أن إعلان إغلاق مكاتب حزب الله وحماس، هو مجرد خطوة رمزية من جانب واشنطن ضد القوة المتنامية لمحور المقاومة، الذي فرض هزائم متتالية على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة في السنوات الأخيرة، ورسَّخ في الرأي العام في المنطقة والعالم حقيقة عجز الولايات المتحدة وحلفائها على نطاق واسع.

المصدر: الوقت

قراءة 567 مرة