"فلسطين دولة مراقب": تقسيم.. إنجاز.. أم تسوية؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)

اكتسبت فلسطين صفة "دولة مراقب" في الأمم المتحدة، وبعد اسقاط مشروع العضوية الكاملة الذي لم يُمرر سابقاً في مجلس الأمن بسبب الفيتو الأميركي، انتزع الفلسطينيون اليوم اعترافاً بدولة غير مكتملة العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الخطوة التي وصفها البعض بأنها نصر دبلوماسي، أتت بعد اعترافٍ سابق بالدولة الفلسطينية من قبل الجمعية نفسها عام 1988، ونحو 108 دولة دول لتأتي اتفاقية أوسلو فيما بعد تستجدي اعترافاً جديداً من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، مبطلة بذلك مفاعيل الاعتراف الدولي بفلسطين.

وفيما يصف البعض بأن ما تحقق هو قرار جديد بالتقسيم، ويقر آخرون أنه تنازل فعلي عن الأراضي المحتلة عام 1948، إلا أن الملفت أن الخطوة حازت على ما يشبه الإجماع الفلسطيني، رغم كون ما ذُكر يتناقض مع ثوابت حركات المقاومة الفلسطينية.. فكيف يقرأ الفلسطينيون المشروع؟ وما هي خلفيات المُضي به؟

مضمون المشروع

يدعو مشروع القرار إلى رفع مستوى تمثيل السلطة الفلسطينية إلى "دولة غير عضو" أو "دولة مراقب". ويؤكد على التزام السلطة الفلسطينية "بحل الدولتين" الذي يقضي بإقامة "دولة فلسطينية مستقلة تعيش في سلام الى جوار إسرائيل".

وفي نصه، يشير القرار إلى الحاجة الملحة لاستئناف المفاوضات وتسريعها بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي. ويشير إلى أنه في حال الموافقة عليه فإن القرار "سيمنح فلسطين صفة دولة مراقب في منظمة الأمم المتحدة، التي تضم 193 دولة، دون المساس بالحقوق والمزايا المكتسبة ودور منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثلا للشعب الفلسطيني."

مكتسبات يحققها المشروع

شفيق المصريوفي اتصال لموقع المنار، يعتبر الخبير بالقانون الدولي د. شفيق المصري أن مسعى السلطة الفلسطينية يهدف إلى إحياء الاعتراف بفلسطين كدولة خارج اروقة الأمم المتحدة، بعد فشلها في مجلس الأمن بسبب الفيتو الأميركي.

ويشرح المصري بأن اكتساب فلسطين لصفة "دولة مراقب" يعني الاعتراف بها كدولة، وبالتالي تمكنها فيما بعد من متابعة علاقاتها الدولية كدولة، وإمكانية منحها الجنسية للفلسطينيين أو تقديم اعتراضات وشكاوٍ على إسرائيليين.

ويضيف بأنه في حال حصل الاعتراف فإن فلسطين ستنال رتبة أرقى من الناحية القانونية، وسيسهل بالتالي اعتراف الدول بها كدولة، حتى ولو دولة خاضعة للاحتلال.

صقر أبو فخروعن المكتسبات التي قد تتحقق جراء الاعتراف الدولي الجديد، يقول الباحث الفلسطيني صقر أبو فخر إنه من شانه أن يمنح فرصة سياسية ودبلوماسية من أجل طرد الاحتلال، بعد أن يتم الاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال، لا مجرد منطقة متنازع عليها.

وفي حديث له مع الموقع، يكرر أبو فخر ما قاله المصري من أن منظمة التحرير الفلسطينية ستتمكن بموجب الاعتراف الجديد بأن تنضم إلى محكمة الجنائيات الدولية ومحكمة العدل الدولية، وان تتقدم مباشرة بمحاكمة قادة صهاينة لارتكابهم جرائم ضد الفلسسطينيين.

وفيما يقرّ أبو فخر بأن الطلب الجديد يعني تنازلاً عن الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948، يقول إن هناك "شبه اتفاق اليوم بين الفلسطينيين بأن النضال على مراحل حتى حماس أقرت بذلك منذ زمن وذلك بتصريحات سابقة للشيخ أحمد ياسين قال فيها: نقبل بدولة على اراضي الضفة وغزة على أن تعود القدس عاصمة، ونوافق على هدنة طويلة الأمد". ويشير إلى أن حماس أبدت تأييدها للمشروع، ولم تبدِ حركة الجهاد الإسلامي أية ممانعة.

ويعتبر الباحث الفلسطيني أن الخطوة الجديدة هي مجرد "جهد دبلوماسي، والجهود الدبلوماسية لا تحرر فلسطين، لكنها جزء من النضال ضد الاستعمار وضد الاحتلال".

حماس والجهاد.. وثوابت المقاومة؟

وفي كلمة له في افتتاح مؤتمر "الإسلاميون في العالم العربي والقضية الفلسطينية في ضوء التغيرات والثورات العربية"، شدد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، على ثوابت الحركة وتمسكها بالقدس وبحق عودة اللاجين الفلسطينيين والنازحين والمبعدين، ورفض كل مشاريع التوطين أو الوطن البديل. وذكر أن حماس ترى أن فلسطين أرض واحدة، وجزء لا يتجزأ، ولا ينفصل واحد على الآخر، مشدداً على وحدة الشعب الفلسطيني.

وكانت كلمة لأمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين رمضان شلّح –بالمناسبة- قال فيها: "لم يولد الفلسطيني الذي يمكن أن يقدم تنازلات أكثر مما قدمت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.. الفلسطينيون طرحوا هذا منذ سنين وقدموا التنازلات فكانت النتيجية صفر".

"يكفي ما قدمته السلطة من تنازلات.. ليس أمامنا إلا أن تعود فلسطين كاملة، ولا طريق لهذا السبيل إلا المقاومة"، أضاف شلّح.

فكيف تتوافق هذه الثوابت مع المُضي في مشروع دولة بحدود العام 1967، يتم التنازل بموجبها عن أراضي فلسطينية أخرى، وبالتالي عن حق أهالي تلك الأراضي بالعودة إليها.

في كلمته نفسها يبرر مشعل موافقة المكتب السياسي للحركة على مشروع السلطة، مشيراً إلى أن الموافقة أتت تحت عنوان توحيد الموقفين الفلسطيني والعربي على نقاط مشتركة ينطلق منها الجميع، شرط أن لا يعني ذلك تفريطاً بالأراضي الأخرى، وأن لا يُعتبر اعترافاً بشرعية الاحتلال الإسرائيلي.

مقابلة موقع المنار مع علي بركةوعلى هامش المؤتمر نفسه، تحدث ممثل الحركة في لبنان علي بركة إلى موقع المنار، موضحاً أن موافقة الحركة على المشروع لا تعني تفريطاً بالحقوق الفلسطينية، سواء تلك المتعلقة بالأراضي المحتلة أو بحق العودة.

وأكد بركة أن موقف حماس أتى بعد انجاز تحقق بانتصار غزة، لضرورات توحيد الصف الفلسطيني، مشيراً إلى أن الحركة قبلت بتمرير المشروع مع التأكيد على التمسك بالثوابت.

وأشار إلى أن مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين سبق وتحدث عن ما سمّاه بمرحلية التحرير. وأردف أن حماس في العام 2006 وافقت على وثيقة الأسرى التي احتوت على هذه النقطة، وكذلك الجهاد مع تسجيل تحفظات الحركتين.

كلام حماس الرسمي أتى متناقضاً مع بعض التصريحات التي أدلى بها بعض قياديي الحركة الحركة في الداخل، أمثال القيادي محمود الزهار الذي رأي في المشروع أنه تجميد للعمل المقاوم، كونه يلغي حق العودة ويعني أن لا أراضي فلسطينية محتلة عام 1948.

وتعقيباً على كلام مشعل وبركة، كشفت مصادر قريبة من حماس أن تمرير المشروع أتى بناءً على طلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي شعر أنه بموقع الضعف عقب انتصار المقاومة في غزة. وأشارت المصادر أن الرئيس الفلسطيني قدم وعوداً للفصائل الفلسطينية بالعمل على إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، بما يضمن تمثيل مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية، مشترطاً عدم التشويش على تمرير مشروعه في الجمعية العامة.

وعن موقف الجهاد الإسلامي، لفت صقر أبو فخر أن الحركة لم تؤيد مشروع أبو مازن ولم تمانعه في الوقت نفسه. وفسر ذلك بأن الجهاد الإسلامي لا لا تكترث للقرارات الدولية لأن لديها موقف مبدئي بأن لا خيار إلا النضال العسكري ضد "إسرائيل".

وبعيداً، عن موقف السلطة والفصائل الفلسطينية تتخوف جهات فلسطينية أن لا يُستفاد من المشروع الجديد لتحقيق أي انجاز.. وأي يبقى انجازاً شكلياً دون مكتسبات، تماماً كما لم يتم الاستفادة من قرارات دولية سابقة.

وليد محمد عليوفي هذا الصدد، تساءل المدير العام لمركز باحث للدراسات الفلسطينية وليد محمد علي عن الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون مقابل إعطاء فلسطين عضوية غير كاملة؟ وعما إذا كان المشروع الجديد قد ينتقص من صلاحيات منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للدولة.

وفي حديث لموقع المنار، سأل محمد علي: "كيف نستفيد من أي قرار دولي نستحصل عليه؟ في السابق استحصلنا على قرار من محكمة العدل الدولية متعلق بجدار الفصل العنصري.. أين القرار هل استفدنا منه ام ذهب في أدراج النسيان.. هذا ما نخشاه؟"

وأشار إلى أن الخشية انه كما كان أمام الفلسطينيين فرصة لأن يُستفاد من قرارات سابقة لصالح الصراع مع الاحتلال الصهيوني.. أن يتكرر ذلك ولا تتم الاستفاد مقابل التهليل لمكسب شكلي.

وأكد أنه ينبغي أن توضع آليات في اطار المشروع، موضحاً أن الاشكالية الأساس هي غياب المشروع الوطني الفلسطيني الذي قد يُغيّب أي إنجاز قد يخدم القضية الفلسطينية.

قراءة 1510 مرة