كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مع النخب وأصحاب المواهب المتفوّقة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مع النخب وأصحاب المواهب المتفوّقة

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء مع النخب وأصحاب المواهب المتفوّقة (2021/11/17م)

يجب أن نجعل إيران منبعاً للعلم في العالم في غضون خمسين عاماً

بسم الله الرحمن الرحيم[1]

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، ولا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

إنّني مسرور أنّ هذا اللقاء تحقق هذا العام، بحمد لله. بالطبع، كنا في السنوات السابقة نلتقي بالنّخب كل عام، [لكن] العام الماضي لم نُوفَّق لذلك. لقد كان لقاء اليوم مفيداً لي، أعني: لقد استفدت حقاً من المواضيع التي طرحها هنا أصدقاؤنا وأعزاؤنا الشّباب والفتيات. طبعاً مسألة الحكم على دقة الكلام وعمقه وصحته تأتي لاحقاً؛ ينبغي للمرء أن يتأمل أكثر في ما قلتموه. لكن على عجل، إنّ ما سمعته هنا كان مفيداً لي وقد استفدت منه. أوجّه جزيل الشكر إلى الأصدقاء الذين بذلوا العناء وأدلوا بكلماتهم. أودّ أن أحدثكم في بضع نقاط حول النّخبوية والنّخب، إذا أتيح المجال والوقت، وأودّ أيضاً أن أتحدث قليلاً عن الشركات القائمة على المعرفة في ختام كلمتي.

النّخبوية هبة إلهيّة تستوجب شكر الله
أعزائي، النقطة الأولى هي أن النّخبوية نعمة إلهية، وهي هبة إلهية، والنعمة الإلهية يجب شكرها. ينبغي أن يكون أول ما يتبادر إلى أذهانكم هو أن تكونوا شاكرين هذه النعمة؛ {وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[2] في سورة النحل. وفي مواضع أخرى من القرآن [وردت] هذه أيضاً: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّه}[3]. هذا تكليف دائم. سأتحدّث عن كيفية الشكر في أحد العناوين اللاحقة التي سوف أطرحها. النقطة الأولى هي أن تكونوا ملتفتين إلى الشكر على نعمة النّخبوية، وأن تشكروا هذه الهبة الإلهية.

الاستفادة من القابليّات شرطٌ ليصير الأشخاص الموهوبون نُخَباً
النقطة الثانية: ما يجعل النّخبة نخبةً ليس مجرّد الموهبة والقابلية الذهنية. هناك كثيرون لديهم الموهبة والقدرة الذهنية أيضاً، لكنها تُضَيّع ولا تبرز إطلاقاً أو لا يستفاد منها بصورة صحيحة ولائقة ولا تتحول إلى نخبة. ما يجعل النّخبة نخبةً، بالإضافة إلى الموهبة والقابلية الذهنية، هو تقدير هذه الحقيقة والنعمة. يجب تقدير النعمة والعمل والسعي على أساسها. فالإنسان الموهوب وصاحب القدرات إذا لم يفعّل هذا الذهن ولم يستفد من هذه القابلية، وقضّى [الحياة] بالكسل والخمول وقلة الاهتمام والغفلة، فمن المسلَّم به أنه لن يصير نخبة. النّخبة هو مَن يُقدِّر، أي يعرف قدر الموهبة، ويفعّلها، ويحوّل نفسه إلى نخبة بالهمّة العالية وقبول العناء والمثابرة. طبعاً هذا التقدير هو أولاً على عاتقه، وثانياً على عاتق البيئة. والبيئة تعني مجموعة الحكم أو مجموعة المسؤولين، وفي مرحلة ما الوالدين، وفي مرحلة [أخرى] المعلّم أو أستاذ الجامعة. هؤلاء يجب عليهم التقدير، [لكن] مجمل التقدير يجب أن يكون من النّخبة أنفسهم.

الحرب النّاعمة للمستعمرين ضدّ مواهب الشّعوب
بالطبع هذا في ما يتعلق بشخص النّخبة. وينطبق الشيء نفسه على البلد عامة. بلدنا أعلى من المتوسط العالمي من حيث الموهبة الذهنية. هذا ليس ادعاءً بل شيء مثبت ومحتوم؛ وهو يعني أن شعبنا نخبوي بالقوة (مقابل بالفعل).

جزء مهمّ من الحرب النّاعمة للمستعمرين اليوم وعلى الدّوام أيضاً - هذا مشهود اليوم وكان في السّابق أكثر - هو أن يجعلوا شعبنا أو أيّ شعبٍ يملك المواهب غافلاً عن مواهبه، أو غير مبالٍ بتلك المواهب، أو حتى يوصلوه إلى وضع يُنكر فيه هذه المواهب بنفسه، إذ يكرّرون قول: أنت لا تستطيع، لا تستطيع، لا تستطيع... حتّى يُصدّق أنه لا يستطيع، ويقول بنفسه: أنا لا أستطيع! لقد كان ذلك إحدى الممارسات الرائجة. منذ بداية دخول الاستعمار إلى البلدان كان ذلك إحدى الممارسات. ففي أفريقيا، كانت هناك حضارات عظيمة - في جزء من أفريقيا، غربي أفريقيا ونقاط أخرى – وقد دُمرّت بالكامل، واندثرت.

يتحدّث نهرو[4] في مذكّراته فيقول في [كتابه] «لمحات من تاريخ العالم» إنّ الهند كانت قبل دخول البريطانيّين إليها بلداً مكتفياً ذاتيّاً في صناعاته المحليّة - الصناعات ذاك اليوم، أوائل القرن التاسع عشر - ثم عندما دخل البريطانيّون، شركة الهند الشرقيّة في البداية وبعدها الحكومة البريطانيّة... عندما دخلوا أوصلوا الوضع إلى نقطة صار الهنود يشعرون فيها أنه لا يمكن العيش إلّا بالمنتجات البريطانية والأجنبية، أيْ إنكار الشعب قدراته!

هذا ما كانت عليه الحال في بلدنا أيضاً؛ نحن كنّا مبتلين بهذه البليّة قبل أكثر من مئتي عام تقريباً، أي حتّى قبل انتصار الثورة الإسلاميّة. لا بدّ أنّكم سمعتم أنّه حين طُرحت قضيّة تأميم النّفط، وقيل أن الإيرانيّين يملكون النّفط ويجب أن يُديروه بأنفسهم وما إلى ذلك، كان يقول رئيس وزراء عهد الطاغوت لانتقاد هذه الفكرة: فليذهب الإيرانيّون ويصنعوا «لولهنغ»[5]! أنتم لم تروا «لولهنغ»! «لولهنغ» هو الإبريق الذي لا يُصنع حتى من التَّنك بل من الطّين. في تلك الأيام، في مرحلة صبانا وطفولتنا، كان «لولهنغ» لا يزال موجوداً. فقال: ليذهب الإيرانيّون ويصنعوا إبريق الطّين [أولاً]! لقد كانوا يوصلون شعباً إلى هذا المستوى!

الغفلة مقدّمة لنهب الشّعوب
عندما تسود الغفلة عن القدرات الذاتية لدى شعب ما، يصير نهب ذلك الشعب سهلاً. التفتوا! إن الغفلة والنهب يكملان بعضهما بعضاً. الغفلة مقدمة للنهب، والنهب يزيد الغفلة. الغفلة والنهب مترافقان. هذا يصدق على البلدان التي كانت تحت نير الاستعمار مباشرة، وأيضاً على مكان مثل بلدنا الذي لم يكن مستعمراً مباشرة. لهذا، يريدون منا أن نكون غافلين. مبحث الغفلة في القرآن لافت، فقد جرى التطرّق إلى قضيّة الغفلة بمنتهى الصّراحة: {وَدَّ الَّذينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَميلُونَ‏ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً}[6]. العدو يريدكم أن تغفلوا عن أسلحتكم وممتلكاتكم. تلاحظون قضيّة الطائرات دون طيار والصواريخ وأمثال هذه [الأشياء] كيف تُثار في العالم هذه الأيّام كقضيّة أساسيّة ومهمّة. العدو يريدكم أن تغفلوا عن هذه [الأمور] وتغضّوا الطّرف عن هذه القدرات حتّى يهاجمكم بسهولة. هذا [كلامي] بشأن هذه القضية. حسناً الآن... حتى لا تُبعدنا قضية الصواريخ عن قضية النّخب.

الشّعور بالمسؤوليّة عند النّخب تجاه قضايا البلاد
النقطة التالية حول النّخبوية والنّخب هي مناقشة إحساس النّخب بالمسؤولية... الشعور بالمسؤولية. طبعاً جهاز حُكم الدولة لديه مسؤوليات مهمة تجاه وضع النّخب - لا شك في ذلك، وأتمنى أن يتمكن مسؤولو الدولة وأنا والآخرون من القيام على مسؤوليتنا هذه على أفضل وجه إن شاء الله - ولكن شخص النّخبة، الشاب النّخبة، يجب أن يشعر بالمسؤولية أيضاً تجاه قضايا البلد، وفي بعض الأحيان من الضروري أن يتأقلم الشاب النّخبة مع الصعوبات. هذه واحدة من أهم النقاط الأخلاقية التي يجب أن تكون محط اهتمام. إن هذا الانطباع بأن كل شيء يجب أن يكون جاهزاً وفي مكانه حتى تتمكن النّخبة من العمل هو غير صائب؛ في بعض الأحيان عليكم أن تحاربوا الموانع، وهذا ما جاء ضمن كلام بعض الأصدقاء. بالطبع، يُشاهَد بعض القسوة في أجهزة إدارة البلاد والحكم المختلفة، وأحياناً يُمارس شيءٌ من القسوة بحق النّخب. نعلم هذا، ونحن مطّلعون، لكن لا ينبغي أن يثني ذلك النّخب عن مواصلة الطريق والفعّالية والسعي، ولا أن يثبّط عزيمتهم. هناك من يقول: «يا سيد! ذهبنا إلى الدائرة الفلانية، أو الجامعة الفلانية، وعاملونا بتلك الطريقة». هذه [الحالات] لا ينبغي أن تثبّط عزيمة النّخبوي، [بل] يجب أن يشعر بالمسؤولية ويسعى ويتابع. هذا هو الشكر الذي أشرنا إليه. شكر نعمة النّخبوية هي من جملة هذا [الشكر]. لا بدّ أن يشكر؛ الشكر العملي هو في أن يسعى وينشط. بالطبع جزء آخر من الشكر هو الانتباه إلى حقيقة أن نعمة النّخبوية هذه قد منحها له الله المتعالي، وأيّ نتيجة تترتب على النّخبوية [ينبغي] أن تكون في اتجاه الإرادة الإلهية واتجاه رضى الله، وهذا بالطبع مهم جداً، وهو ما يوجّه حركة النّخبة.

دور النّخب في وصول البلاد إلى صدارة العلم في العالم
النقطة الأخرى حول النّخب هي أن النّخبة العلمية – طبعاً حديثنا الآن عن النّخب العلمية - يجب أن تنظر إلى المستقبل والأفق المرسوم للعلم في البلاد، وأن تهتم به. قلنا إننا يجب أن نتحرك بطريقة تجعل إيران في مدة معقولة - قبل بضع سنوات قلتُ بعد خمسين عاماً – منبع العلم في العالم، أي إذا أراد الناس الحصول على أحدث الاكتشافات العلمية، فسيضطرون إلى تعلّم اللغة الفارسية. هذا مستقبل ممكنٌ. لا تتعجبوا منه. فقد كان الوضع كذلك في يوم من الأيام في العالم. كان علماؤنا ذات يوم، في فترة ما من التاريخ، فوق قمة العلم في العالم، وكانت كتبهم محط الاهتمام والاستناد إليها في جامعات العالم كافة، جامعات الغرب والشرق، أي الهند والصين وما إلى ذلك، وقد كان لديهم علمٌ أيضاً. يجب أن ننظر إلى هذا الأفق.

ترسيم مراحل الوصول إلى القمّة العلميّة للعالم
بالطبع هناك مراحل. المرحلة الأولى هي أن نجتاز المسافة التي تفصلنا اليوم عن حدود العلم في العالم، فنحن بعيدون. في إحصاءاتنا التي تعتمد على الإحصاءات العالمية، نُثني على تقدمنا ​​العلمي، فهو جدير بالثناء وقد أحرزنا تقدماً حقاً، لكن مسافتنا بعيدة من الخطوط الأمامية للعلم في العالم. لقد أخّرونا مئتي عام. بعد انتصار الثورة الإسلامية، حدثت حركة ما، وبدأنا حركة أسرع منذ نحو عقدين وحققنا تقدماً جيداً، لكن مسافتنا لا تزال بعيدة. الخطوة الأولى هي سد هذه الفجوة. المرحلة الثانية هي تخطي خطوط العلم العالمي وحدوده. هذا يعني أنه يمكننا تقديم خدمات واكتشافات علمية جديدة إلى العالم. وسوف أتحدث أيضاً حول نقطة في هذا الشأن لاحقاً. والمرحلة التالية هي أن نسعى وراء حضارة إسلامية جديدة. من المؤكد أنه من أهم ركائز أيّ حضارة العلم - العلم النافع - ونحن الذين نكرر [مقولة] «الحضارة الإسلامية الجديدة»[7]، فبالتأكيد إحدى ركائزها التقدّم العلمي. فلنعدّ أنفسنا لذلك. إذا كانت أعينكم - بصفتكم نخبة - على هذا الأفق حتماً ستكون حركتكم العلمية ذات اتجاه صحيح، وستختفي هذه المشكلات التي تُقال أحياناً - قضية المقالات [العلمية] وهذه الأشياء التي ذكرها الأصدقاء - ومن ثمَّ سيتحدّد الاتجاه الصحيح ويُحرز تقدّم صحيح.

أهمّيّة دور النّخب في الإبداعات العلميّة
بالنسبة إلى النقطة التي أشرت إليها، أنا أتحدّث عن الإبداع العلمي، هذا مهم. اليوم هناك أعمالٌ علميّة كثيرة تُنجز في البلاد لكنّ غالبية هذه الأعمال متفرّعة عن علومٍ أنشأها الآخرون. خذوا مثالاً الطاقة النوويّة التي اكتشفها أحدهم، وها نحن نعمل عليها الآن. ما يُشكّل حاجة ولا بدّ أن يجري العمل عليه هو إبداع العلم. لا بدّ أن تكونوا مبدعين. عليكم أن تُنتجوا العلم الذي يتكوّن غالباً باكتشاف طاقة ما في الطّبيعة. الإبداع في العلم غالباً ما يكون ناجماً عن قانون موجود في الطبيعة لم يجرِ اكتشافه حتّى اليوم. فتعملون على اكتشاف معيّن لينتج ذاك العلم، وبناء عليه تتكوّن تقنيّات متعدّدة. علينا أن نتابع هذا الأمر. يجب على شبابنا النّخبويين أن يتابعوا ذلك، أي الإبداع في العلم. لنفترض مثالاً وجود الجاذبية - هذه أمثلة قديمة ونحن نضرب هذه الأمثلة منذ القدم - اكتشفها أحدٌ ما وجرى إيجاد المعرفة بناءً عليها. الطاقة الكهربائية كانت موجودة في الطبيعة، ولم يكن يعرفها أحد. اكتشفها شخص ما، وبناءً على ذلك تم إنشاء هذا المجال الواسع من العلوم والتكنولوجيا... أو في المجالات الأخرى والقضايا الجديدة مثل النانو والخلايا الجذعية والطاقة النووية. إن اكتشاف حقيقة ما في الطبيعة، أو سنّة ما، أو قانون ما، أو عنصر في الطبيعة الإلهية والصّنعات الإلهية، سيجعلكم تدركون مسألة علمية ما، وستكون هذه المسألة علماً، وسيجري تدوينها وتتوسع، ثم سوف تنتهي إلى التكنولوجيا وما شابه.

التّوجّه لحلّ المشكلات في المجامع العلميّة، ونشاط النّخب
ثمة نقطة أخرى حول النّخب، وقد أشرت إليها في بعض الأحيان من قبل[8]، وهي أن واحداً من أهداف المجتمع العلمي في البلاد - ليس النّخبة فقط [لكن] المجتمعات العلمية كافة، وبالطبع هذا ضروري أكثر في حالة النّخب - أن عليهم التفكير في قضايا البلد، والعمل الموجّه لحل المشكلات. التوجّه الذي محوره المشكلة مهمٌّ. توجد في البلاد قضايا أساسية يجب أخذها بالاعتبار وحلها بالأساليب والطرق العلمية. هناك حلٌّ لها. الآن قد أثار أصدقاؤنا هنا بعض هذه القضايا واقترحوا حلولاً. [بالطبع] أشرت إلى أن الحكم على هذه الحلول يتطلب تأمّلاً ودقّة، لكن من الممكن إيجاد حل علمي لمشكلات البلد جميعاً حتى يسعى [المرء] باطمئنان إلى حل المشكلة.

على سبيل المثال، إنّ أحد الموضوعات الذي نُبتلى به اليوم قضية المياه في البلاد. إنها إحدى القضايا. مشكلة المياه هي قضية البلاد، وستصبح مشكلة المياه مشكلة أكثر أهمية على مستوى العالم في المستقبل القريب جدّاً. حسناً، لهذا، يجب التفكير بطريقة علمية في هذا الأمر... أو قضية البيئة وحتى ازدحام السّير. ازدحام السّير من مشكلات الحياة. عندما تنتقل من زاوية إلى أخرى في طهران عليك أن تقود سيارتك ساعة وساعة وربع، فضلاً عن المشكلات [الأخرى]. حسناً هذا له حل. يجب إيجاد الحل بالعلم. الآفات الاجتماعية، ومشكلات الإدمان والطلاق والضواحي الحضرية والهجرة من القرى وتدميرها... هناك حلول لها كلها. قد يكون هناك مدير غير مبالٍ ولا يريد أن ينظر في هذه القضايا إطلاقاً، وهذا ليس موضوع حديثنا، ولكن عندما يُفترض أن المديرين يريدون حل المشكلة، يجب إيجاد حل علمي لها، وهناك حلّ بالتأكيد... أو قضايا الإدارة في البلاد، ومشكلات النظام النقدي والنظام المالي، ومشكلات النظام الضريبي والبنوك، وموانع نمو الإنتاج! لقد أطلقنا على هذا العام [شعار] «إزالة الموانع»[9]. لها [كلها] حلّ علمي. إنها تحتاج إلى توضيح بالعلم - سأشير إلى هذا الأمر لاحقاً - وعشرات من القضايا الأخرى. في النتيجة، فكّروا في المشكلات.

قدّموا إليّ تقريراً جاء فيه أنه في بعض البلدان المتقدمة في العالم غالباً ما تكون الجامعات غير حكومية، أي خاصة، لكن هذه الجامعات غير الحكومية تتلقى كثيراً من التمويل من الحكومات. لماذا؟ هم لا يعطون الأموال كيفما اتّفق للجامعات. لا، هم يحدّدون المشكلة للجامعة ويطلبون منها حل المشكلة، وبقدر ما تتمكن تلك الجامعة من حل هذه المشكلة لهم، سيكون لها دخل مالي من الحكومة والأجهزة الحاكمة. حسناً هذا جيّد جداً، فالتوجّه المحوريّ المشكلة في مجال الأعمال العلمية وأعمال النّخب أمرٌ مهمّ وضروري.

ارتقاء رتبة البلاد في موضوع الذّكاء الاصطناعيّ
لقد دوّنت [مُلاحظة] عن الذكاء الاصطناعي في ذيل التوجّه المحوريّ المشكلة هذا، وقد تحدث عنه أحد الأصدقاء اليوم. أقترح أن يكون الذكاء الاصطناعي واحداً من القضايا التي يجري التركيز عليها والاهتمام بها والتعمّق فيها، إذ سيكون له دورٌ في التحكّم في مستقبل العالم. علينا أن نعمل بما يجعلنا على الأقلّ في عِداد الدّول العشر الأولى في العالم في قضيّة الذكاء الاصطناعي، فنحن لسنا كذلك اليوم. في الدول التي تعمل أساساً في مجال الذكاء الاصطناعي اليوم وتتصدر القائمة، باستثناء أمريكا والصين وما شابههما، هناك بعض الدول الآسيوية والأوروبية [لكن] نحن لسنا منها. يبدو أن الدول الآسيوية أكثر. ويبدو أن تعداد الدول الآسيوية أكثر في المراكز العشرة الأولى. يجب أن نعمل على نحو يجعلنا على الأقلّ في عِداد الدّول العشر الأولى في العالم في هذه قضيّة.

 تيئيس النّخب وتشجيعهم على الهجرة خيانة الوطن
نقطة أخرى عن النّخب هي موضوع الهجرة التي ورد ذكرها أيضاً في إحدى الكلمات اليوم. حسناً، في وقت ما، قد يرغب الطالب في أن يذهب للدراسة في بلد ما بناءً على احتياجاته أو احتياجاته الفكرية أو أسرته، ولا مشكلة في ذلك. لقد قلت مرات عدة إنه لا مانع من ذلك. المهم ألا ينسى أنه مَدين لبلده وأن يدرس ويعود، لكن المشكلة في ذلك الذي يحثّ على الهجرة. قدّموا إليّ تقريراً – بالطبع المسألة ليست جديدة، فمنذ مدّة طويلة هناك شيء من هذا القبيل – أنه في بعض الجامعات هناك عناصر يشجعون الشاب النّخبوي على مغادرة البلاد. أقولها بصراحة: هذه خيانة للوطن وعداوة معه وليست صداقة مع ذلك الشاب. يمكن للشباب النّخبويين اليوم أن ينمُوا في بلدنا، وفي بعض الأوقات، يمكنهم أن يذهبوا ويستفيدوا من بلد آخر ويعودوا، ولكن أن نخيّب آمال شاب ما في مستقبل البلد، ونحبطه، ونصوّر له المستقبل مرّاً ومظلماً، ليذهب ويهاجر، أرى أن هذا خيانة حقاً! علينا متابعة هذا الأمر.

الموانع الثّقافيّة أهمّ موانع الإنتاج في البلاد
ما دوّنته هنا حول إزالة موانع الانتاج - قلت إنّني سأشير إليه، وهو شعار هذا العام - هو أن الموانع الثقافيّة هي أهمّ الموانع أمام الإنتاج، وتمنعه أكثر من الموانع العمليّة والماديّة وأمثالها، وهي مثل الشعور باليأس أو بالعجز أو بفقدان المستقبل، والكسل، وفقدان الهمّة، والتسلية المضرّة. هذه الأشياء هي التي تعيق حقاً تقدّم الإنتاج. فالشّاب لدينا القادر مثلاً على تأسيس شركة قائمة على المعرفة وإنجاز جزء مهمّ من الأعمال يُكسبه مدخولاً ماديّاً ويعود بالنّفع على البلاد أيضاً، بدلاً من العمل والجهد وهذه الأشياء يلجأ إلى التسلية الإضافيّة. كثيرون من الناس مهووسون بأجهزة الكمبيوتر وما شابه. وغالباً ما يقضون وقتهم من المساء إلى الصباح، أو الصباح إلى المساء، في المواقع الافتراضيّة ويجولون فيها بعبثيّة ودون هدف وبلا نفع وفائدة. طلب الراحة، وغياب الهمّة، والهرب من المخاطرة... هذه هي الأشياء التي تُعدّ موانع رئيسيّة أمام الإنتاج.

الحاجة إلى الالتزام الصّارم بمعايير الشّركات القائمة على المعرفة
في ما يتعلّق بالشركات القائمة على المعرفة... حسناً، لحسن الحظ، ارتفع عدد الشركات القائمة على المعرفة وشهد تقدّماً جيّداً. [لدينا] نحو ستة آلاف شركة، كما في ذاكرتي. اليوم قال الدكتور ستّاري[10] إنها سبعة آلاف شركة. هذا أمر جيد جداً وعمل مهم تم إنجازه - بحمد الله - ويجب أن يزداد أيضاً. لا بدّ أن يكون هناك تشديد في مراعاة معايير أنها شركات قائمة على المعرفة، وأعتقد أنني أشرت إلى هذا [الأمر] سابقاً في مثل هذه الجلسة[11]، أي ألا يكون الأمر على هذا النحو، أن يرتفع عددها بسهولة دون الالتفات إلى كيفيّة العمل. للشركات المعرفية ضوابطها، ويجب التزام هذه الضوابط.

بالطبع الصّناعات الكبرى في بلدنا ليست قائمة على المعرفة، وهذا خللٌ كبير. أخبرني أشخاص، أصحاب رأي على ما يبدو، أن هذه الشركات الصغيرة القائمة على المعرفة يمكنها التأثير وجعل الصناعات الكبيرة في البلاد قائمة على المعرفة مثل صناعة السيارات وما شابه. إذا كان هذا العمل ممكناً، فيجب إنجازه حتماً.

شروط تقوية الشّركات القائمة على المعرفة:
التّرويج لمنتجاتها ومنع استيراد المنتجات الأجنبيّة المماثلة

الشرط الضروري لنمو الشركات القائمة على المعرفة وتقويتها هو إمكانيّة ترويجنا منتجاتها في البلاد – سأشير إلى موضوع الخارج والصادرات لاحقاً – واستهلاكها داخل البلد. الطريقة هي وقف الاستيراد لتلك المنتجات التي يصنعونها. لا أن يكون هناك مَن يثيرون الضجة مرّة أخرى، مثل مسألة الأجهزة المنزلية، ويقولون: «لماذا تقولون إنه يجب ألا يستوردوا الأجهزة المنزلية من بلد معيّن مثلاً؟». إنّ شرط نمو الشركات المحلية وتقويتها هو أن نوجد سوقاً داخلياً لها حتى تتمكن من الوقوف على قدميها. السوق المحلي ليس صغيراً. لا بدّ من إتاحة هذا السوق للإنتاج المحلي خاصّة الحكومات والمؤسسات الكبيرة التي تُعدّ أكبر عملائها.

على الحكومات، التي تعدّ أكبر مستهلك لهذه الصناعات والمنتجات الصناعية وأمثالها، أن توفر [ما تستهلكه] من هذه الشركات المعرفية وأن تستخدم المنتجات المحلية حتى لا يحطّم الاستيرادُ ظهورَ تلك الشركات. بالطبع عندما نقول: أوقفوا الاستيراد، نتحدث في الحقيقة عن مساعدة المصانع والشركات المحلية، فهذه الشركات المحلية لديها واجبات أيضاً. ينبغي لهم ألا يرفعوا الأسعار أو يخفضوا الجودة فتصير النصيحة التي تم تقديمها عديمة الفائدة بالكامل.

أهمّيّة التصدير ودور المؤسّسات المختلفة
لذا، إن إحدى القضايا هي الأسواق المحلية، ومن القضايا الأخرى قضية الصادرات. إذا لم يكن هناك صادرات كما يجب، فلن يحدث تطوّر كما ينبغي. وفي ما يخصّ الصادرات، يمكن لتلك الشركات أن تعمل بنفسها، وكذلك يمكن للحكومات أيضاً، لوزارة الخارجية ووزارة الصناعة والمعادن والتجارة وغيرهما، المساعدة وإيجاد أسواق خارجية. مؤسسة الإذاعة والتلفزيون يمكنها المساعدة أيضاً. هناك بعض الدول الأجنبية لديهم ذكريات طيّبة عن إيران، لكن إذا قالوا لهم: اذكروا اسم منتجين إيرانيين، فلا يمكنهم ذلك. فليعمل القسم الدولي في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون على الترويج لهذه المحصولات. إنها إحدى القضايا أيضاً.

الحاجة إلى زيادة حصّة الشّركات القائمة على المعرفة
في النّاتج المحلّيّ الإجماليّ

مسألة أخرى هي أن حصة الشركات القائمة على المعرفة في الناتج المحلي الإجمالي أقل من واحد في المئة كما أخبرني الدكتور ستاري. حسناً هذا قليل جداً. هذه الحصة من الإنتاج المحلي يجب أن ترتفع بالتأكيد. يجب أن تصل بعد ثلاث سنوات أو أربع إلى نسبة خمسة في المئة على الأقل. لا بدّ من بذل الجهود وأداء هذا العمل بجدّ، إن شاء الله. ونسأل الله المتعالي أن يوفقكم جميعاً. اقترب وقت الأذان وسأنهي حديثي.

الاستعانة بالشّباب النّخبويّين في مختلف الإدارات
أسال الله المتعالي التوفيق لكم. المستقبل لكم. اعلموا هذا، هذا البلد ملك لكم. أنتم من يصنع مستقبل هذا البلد وأنتم مديرو الغد فيه. أعدّوا أنفسكم وجهّزوا بلدكم أيضاً. إنّكم قادرون. بالطبع أنا [أوصي] المسؤولين والوزراء بالاستفادة من الشّباب النّخبويّين. لقد أوصيت كثيراً الحكومة السابقة – كانت مؤثرة في بعض الأحيان – [وأوصيت] هذه الحكومة أيضاً بالاستفادة من الشّباب في مختلف الإدارات: الإدارات المتوسطة والأدنى منها، التي تلعب دوراً مهماً أيضاً. وقد أشار إلى هذا أحد الأصدقاء هنا [أيضاً]، وحتى في الإدارات العليا الأمر كذلك. أنا أوصي [بذلك]، وهذا الأمر سيحدث، إن شاء الله. لكن عليكم أن تعدّوا أنفسكم وتجدوا مكانكم. ابحثوا عن الدور الذي يمكن أن تؤدّوه في تقدم البلاد. هنا يجب أن تظهر نخبويتكم وتحدّدوا موقعكم أين. استقروا في ذلك الموقع، وثابروا واعملوا.

أسأل الله المتعالي أن يحفظكم، إن شاء الله. أنتم نور عيون الوطن والشعب، وأنتم أبناء الشعب الأعزاء. حفظكم الله لهذا البلد، إن شاء الله. نسأل الله المتعالي أن ترضى عنا الأرواح الطيّبة لشهدائنا والروح الطاهرة لإمامنا [الخميني] العظيم، وأن تشملنا وإياكم جميعاً الأدعية الزاكية لبقيّة الله، أرواحنا فداه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم تقريراً معاون رئيس الجمهورية للعلوم والتكنولوجيا السيد سورنا ستّاري. كما تحدث ستّة من النّخب عن وجهات نظرهم وقضاياهم.
[2] سورة النحل، الآية 114.
[3] سورة المائدة، الآية 7.
[4] جواهر لال نهرو (أوّل رئيس وزراء للهند وأحد قادة حركة الاستقلال الهندية).
[5] الفريق حاجعلي رزم آرا، وهو رئيس وزراء النظام البهلوي آنذاك، وقد تولى هذا المنصب في حزيران/ يونيو 1950. جاء كلامه في تصرّف استبدادي ضد بعض أعضاء البرلمان رداً على طلبهم تأميمَ صناعة النفط. ولإثبات عجز الشعب الإيراني في إدارة موارده النفطية، صاح: «كيف يمكن لشعب لا يستطيع صناعة إبريق الطين أن يدير صناعة النفط؟».
[6] سورة النساء، الآية 102.
[7] من جملتها بيان الإمام الخامنئي الموجّه إلى الشعب الإيراني بمناسبة الذكرى السنوية الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية (11/2/2019م).
[8] من جملتها كلامه في لقاء مع الأساتذة والنخب والباحثين في الجامعات (10/06/2018م).
[9] إشارة إلى شعار عام 1400 هجري شمسي «الإنتاج والدعم وإزالة الموانع».
[10] معاون رئيس الجمهورية للشؤون العلمية والتكنولوجيّة.
[11] من جملتها كلامه في لقاء مع النّخب وأصحاب المواهب المتفوّقة (18/10/2017م).

 

قراءة 1039 مرة