التوسّل في الروايات الإسلاميّة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
التوسّل في الروايات الإسلاميّة

إضافة إلى إطلاق آيات التوسل، فأي توسل لا يخالف العقائد الإسلاميّة الصحيحة يكون جائزاً، بل يعتبر مطلوباً.

 

وعندنا روايات كثيرة حول التوسل تصل إلى حدّ التواتر أو قريب منه.

 

والكثير من هذه الروايات يرتبط بالتوسل بشخص النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فبعضها قبل ولادة النبي (صلى الله عليه وآله) وبعضها بعد ولادته وبعضها في حياته وبعضها بعد مماته.

 

وهناك أيضاً قسم آخر يرتبط بالتوسل بغير النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من علماء الدين.

 

ونضيف: إنّ بعضها جاء بلسان الرجاء والدعاء، وبعضها بلسان طلب الشفاعة من الله، وبعضها يبين الله سبحانه وتعالى فيها مقام النبي (صلى الله عليه وآله).

 

والخلاصة: إننا نلاحظ جميع أقسام التوسل موجودة في هذه الروايات بشكل يسد الباب أمام جميع الذرائع التي يتمسك بها الوهابيون.

 

والآن نستعرض بعض الأمثلة من هذه الروايات:

  1. توسل آدم بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قبل ولاته، فقد نقل الحاكم في المستدرك وجماعة آخرون من المحدثين هذا الحديث عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يقول: «لمَّا اقترف آدم الخطيئة قال: يَا رَبِّ اسْألُكَ بِحَقِّ مُحَمَّد لَمَا غَفَرْتَ لِي.

فقال الله: يا آدم كيف عرفت محمّداً ولم أخلقه، قال: يا ربّ لأنّك لمّا خلقتني بيدك ونفخت في من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، فعلمت أنّك لم تضف إلى اسمك إلّا أحبّ الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم، إنّه لأحبّ الخلق إليَّ، ادعني بحقّه فقد غفرت لك، ولو لا محمّد ما خلقتك»([1]).

 

  1. الحديث الآخر مرتبط بتوسل أبي طالب بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) عند ما كان طفلاً، وخلاصة الحديث كما نقله ابن حجر في كتابه «فتح الباري»: عند ما نزل القحط في مكة ذهبت قريش إلى أبي طالب وقالت له: أقحط الوادي وأجدب العيال، فهلم فاستسق لنا، فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنّه شمس دجنة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ به، أي: توسل بهذا الطفل، ولا توجد في السماء قطعة من سحاب، فأقبل السحاب من هنا ومن هاهنا واغدودق وانفجر له الوادي من شدة المطر وأخصب النادي والبادي. وقال أبو طالب حينها شعراً في مدح النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من أكثر من ثمانين بيتاً منها هذا البيت:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

 ثمال اليتامى عصمة للأرامل([2])

 

  1. توسل الرجل الضرير بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): ذهب رجل ضرير إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في زمن حياته، متوسلاً به فشافاه النبي (صلى الله عليه وآله) وأعاد البصر إليه([3]) .

وخلاصة الحديث: أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال فادعه، قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء: «اللهم إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيّك محمّد (صلى الله عليه وآله) نبي الرحمة، يا محمّد إنّي أتوجه بك إلى ربّي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم شفِّعه في» فقام الرجل وفعل ما قاله الرسول (صلى الله عليه وآله).

يقول عثمان بن عمير راوي هذا الحديث: كنّا جالسين في نفس المجلس نتحدث وبعد مضي فترة إذ قدم الرجل الضرير إلى المجلس، وكان يبصر كحالته السابقة بحيث لا يوجد أي أثر للعمى.

والملفت للنظر أن الكثير من كبار أهل السنّة قد صرّح بأنّ هذا الحديث صحيح، فالترمذي يصحح الحديث، وابن ماجة قال: إنّه صحيح([4])، والرفاعي قال: إنّه لا شك في أنّ هذا الحديث صحيح ومشهور([5]).

 

  1. التوسل بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعد مماته، «الدارمي» هو أحد علماء أهل السنّة المعروفين يقول في كتابه المعروف «سنن الدارمي» تحت عنوان باب «ما أكرم الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) بعد موته» وهذا الباب معقود لبيان الكرامات التي أعطاها الله سبحانه وتعالى للنبي (صلى الله عليه وآله) بعد موته: «قَحُطَ أهل المدينة قحطاً شديداً، فشكوا إلى عائشة، فقالت: انظروا قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فاجعلوا منه كوي إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، قال: ففعلوا فمطرنا مطراً حتى نبت العشب، وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق»([6]) .

 

  1. التوسل بالعباس عم النبي (صلى الله عليه وآله)، ينقل البخاري في صحيحه: أنّ عمر بن الخطاب إذا قحط استسقى بالعباس بن عبد المطلب، وكان يدعو بهذا الدعاء: «اللهم إنّا كنا نتوسل إليك بنبيّنا (صلى الله عليه وآله) فتسقينا، وإنّا نتوسل إليك بعم نبيِّنا فاسقنا» قال الراوي: «فيسقون مطراً كثيراً»([7]).

 

  1. ينقل ابن حجر المكي في الصواعق عن الإمام الشافعي من علماء أهل السنّة المعروفين: أنّه كان يتوسل بأهل بيت النبي عليهم‌السلام وينقل عنه الشعر المعروف:

آل النبي ذريعتي

 وهم إليه وسيلتي

 أرجو بهم أعطى غداً

 بيدي اليمين صحيفتي

 

أورد هذا الحديث الرفاعي في كتابه «التوصل إلى حقيقة التوسل»([8]).

 

الشيعة شبهات وردود،  آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

 

([1]) الحاكم في المستدرك، ج 2، ص 615. ونقله الحافظ السيوطي في الخصائص النبوية واعتبره صحيحاً، ونقله البيهقي في دلائل النبوة وهو لا يروي ضعاف الأحاديث. ونقله القسطلاني والزرقاني في المواهب اللدنية واعتبره صحيحاً، وجماعة آخرون أيضاً، ولمزيد من التوضيح يراجع كتاب: مفاهيم يجب أن تصحح، ص 121.

([2]) فتح الباري، ج 2، ص 494 ؛ وكذلك السيرة الحلبية، ج 1، ص 116.

([3]) صحيح الترمذى، ص 119، ح 3578 ؛ وفي سنن ابن ماجة، ج 1، ص 441، ح 1385 ؛ ومسند أحمد، ج 4، ص 138.

([4]) سنن ابن ماجة، ج 1، ص 441.

([5]) ولأجل زيادة التوضيح يمكنكم مراجعة كتاب الرسائل والمسائل، ج 18، ص 1، طبعة بيروت، حيث يقول: إنّ عين عبارة ابن تيمية هى: «أنّ النسائي والترمذي رويا حديثاً صحيحاً أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) علّم رجلا أن يدعو فيسأل الله ثمّ يخاطب النبي فيتوسل به، ثمّ يسأل الله قبول شفاعته».

([6]) سنن الدارمي، ج 1، ص 43.

([7]) صحيح البخاري، ج 2، ص 16.

([8]) التوصل إلى حقيقة التوسل، ص 329.

قراءة 869 مرة