موسكو وواشنطن.. الصراع على شرق الفرات

قيم هذا المقال
(0 صوت)
موسكو وواشنطن.. الصراع على شرق الفرات

دكتوراه في العلاقات الدولية - باحث وكاتب وأكاديمي سوري. له دراسات وأوراق بحثية عديدة عن سوريا وتركيا، والشرق الأوسط.

يُظهر الروس والأميركيون مؤشرات متعاكسة حول مساعي السيطرة على شرق الفرات ومناطق الحدود بين سورية والعراق، إذ ثمة مؤشرات للتوافق وأخرى للخلاف، ويتفهم كل منهما الآخر، وقد يساعده في بعض أولوياته وهواجسه، ولكنه يحاول في الوقت نفسه، احتوائه وتقويض سياساته.

المشهد يزداد كثافة في منطقة الحدود السوريا - العراقية، كما لو أن السيطرة على تلك المنطقة تمثل "بارومتر"  المشهد السوري في المرحلة القادمة، ومثار تقديرات مُفرِطة، بالقول إنها ميدان الحرب المُقبلة بين الروس والأميركان، وثمة من شبهها بخطوط المواجهات الكبرى خلال الحرب العالمية الثانية.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال إن في الولايات المتحدة "هوس" بمعاداة روسيا، (تصريحات، 20 حزيران/ يونيو 2017) وأن إسقاط واشنطن لطائرة حربية سوريا (19 حزيران/ يونيو 2017) هو عدوان يعزز الشكوك حول سياسة واشنطن في سوريا. وقد أعلنت موسكو وقف العمل باتفاق مع واشنطن لتفادي وقوع حوادث جوية فوق سوريا، وقطعت خط الاتصال الساخن بين الجانبين، وقالت إنها سوف تعد أي جسم طائر في سماء سوريا "هدفاً جوياً". (19 حزيران/ يونيو 2017).

التوتر بين واشنطن وموسكو كبير وخطير، ويمكن أن يتطور إلى مواجهة مباشرة في شرق سوريا، في ظل تزايد الاعتداءات الأميركية على الجيش السوري وحلفائه، وزيادة التوتر حول مناطق الحدود مع العراق، وتراجع الثقة بين الجانبين، والعقوبات الأميركية الجديدة ضد موسكو، والاتهامات الأميركية لروسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية، وتجاهل الأميركان لتحذيرات موسكو، بل ومحاولة إحراجها مع حلفائها، والاتجاه لتشكيل "ناتو عربي" أو إسلامي متحالف مع إسرائيل -وبإشراف أميركي- في مواجهة إيران وحلف المقاومة، والنزاع الخليجي، ونشر قوات برية أميركية في منقطة الحدود السوريا- العراقية، وبروز لغة عدائية من قبل كرد حزب الاتحاد الديمقراطي والميليشيات الكردية تجاه دمشق وطهران، ومجاملات صالح مسلم رئيس الحزب الكردي المذكور للسعودية بقوله ان الكرد يواجهون تحالفاً تركياً إيرانياً قطرياً، ومواصلة أردوغان التقرب من إسرائيل والخليج (الفارسي) وأميركا بلغة تحريضية متوترة تجاه ايران، والضربة الصاروخية الإيرانية على تنظيم "داعش".

تقول واشنطن إنها تريد منع إيران من تحقيق هدف بعيد المدى وهو الوصل الجيوستراتيجي بين سوريا والعراق، المجال المعروف بـ "الهلال الخصيب"، ما يعني فتح المجال من طهران إلى بيروت وحدود الأردن وقطاع غزة. المسعى الأميركي هذا ينسجم مع تقديرات إسرائيل والخليج (الفارسي) وإلى حدٍ ما تركيا تجاه إيران وفق مقولة مزيفة حول "الهلال الشيعي". وتدعي واشنطن أنها تحمي جغرافيا مُواليها ومرتزقتها شرق الفرات وفي البادية وصولاً إلى الحدود السورية مع الأردن وفلسطين المحتلة.

تقول روسيا وإيران إنها تريد دعم الحكومة السورية في مكافحة الإرهاب، وتهيئة الظروف لحل سياسي في سوريا. وقد لاحظ لافروف أن واشنطن تريد الحؤول دون استعادة الدولة للسيطرة في شرق الفرات ومناطق الحدود مع العراق، وهذا جزء من جهود أميركية حثيثة لإجهاض مساعي موسكو ودمشق وطهران وغيرهما في مكافحة الإرهاب. وترى موسكو أن أي جهد لمحاربة الإرهاب يجب أن يمر بالتعاون مع الدولة السورية لا بمواجهتها.

يقدر السوريون أن اتجاههم لاستعادة السيطرة على البادية وصولاً إلى الحدود مع العراق يحقق جملة أهداف مثل:

-          استعادة سلطة الدولة على جزء هام من الجغرافية السورية.

-          قطع الطريق أمام جهود واشنطن لخلق "مناطق عازلة" أو "آمنة" لحلفائها في البادية.

-          الوصل الاستراتيجي بين سوريا والعراق، بعدما جهدت الولايات المتحدة منذ عام 2011 لإحداث خلل فيه". (بيان الإعلام الحربي 22-6-2017).

-          قطع الطريق أمام خطط محتملة لخلق بيئة اختلال أمني تنسحب إليها عناصر "داعش" من الرقة والموصل وغيرهما، ومن ثم معاودة التحرك من جديد ضد سوريا والعراق.

يمثل الصراع على شرق الفرات جزءاً من ترتيبات ما بعد الرقة أو ما بعد داعش، ما يفسر حالة الاستقطاب المتزايدة بين الأطراف. وقد لاحظ الأميركيون وحلفاؤهم أن لهجة روسيا مختلفة هذه المرة، ومن ثم فقد وجدوا أن من المناسب الانحناء أمام موجة الغضب الروسي والإصرار السوري والإيراني على الوصول إلى مناطق الحدود مع العراق.

وهكذا فقد أكد الأميركيون حرصهم على مواصلة التعاون مع روسيا، ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن المتحدث باسم التحالف الدولي رايان ديلون قوله إن العسكريين الأميركيين مستعدون لاستخدام البريد الإلكتروني التابع لشركة غوغل (Gmail) كخط احتياطي لتبادل المعلومات مع "قاعدة حميميم" في سوريا. 
وقال مصدر من وزارة الخارجية الأميركية، إن وزير الخارجية ريكس تيلرسون قدم للرئيس ترامب خطة لتحسين العلاقات مع روسيا، أحد عناصرها هو "التوصل إلى صفقة حول الأزمة السورية". وكان الوزير تيلرسون قد قال في مؤتمر صحافي في نيوزيلندا، إن الرئيس ترامب "أصدر تعليماته بوضوح، بأنه علينا تحقيق تقدم" في العلاقات مع روسيا.

يدرك الأميركيون والروس أن دخول أي منهما في تقديرات ورهانات متسرعة قد يجر المنطقة إلى دورة صراع جديدة، ومع ذلك، فإن التوتر حول شرق الفرات ومناطق الحدود السورية – العراقية بلغ أشده، وكانا قاب قوسين أو أدنى من الدخول في مواجهة مباشرة، وخاصة بعد إسقاط طائرة سورية كانت تقصف تنظيم "داعش" في محيط الرقة. وهذا يعني أن صراع الطرفين على شرق الفرات يتجاوز طبيعة المنطقة نفسها، على الرغم من أهميتها الكبيرة، ليعبر عن المشهد السوري والإقليمي ككل.

يريد الخليج إحلال إيران محل إسرائيل، ويريد مع إسرائيل إحلال إيران وحزب الله محل "داعش"، لذا تتواتر المواقف والتصريحات حول ضرورة منع التواصل الجغرافي بين سوريا والعراق، حتى أن وسائل الإعلام ومراكز البحث الأميركية الممولة من دول الخليج والموالية لـ اسرائيل، تعمل على ترويج تلك المقولة أو الرؤية، بطريقة تثير الشبهة.

الصراع على شرق الفرات ومناطق الحدود بين سوريا والعراق، هو تكثيف لاستراتيجيات ما بعد الرقة والموصل أو ما بعد "داعش"، إذ يحاول الحلف الأميركي احتواء حلف المقاومة بإعادة تشكيل سوريا وفق ملامح هجينة، مناطق وخطوط تماس ومناطق نفوذ وتقسيم غير معلن. وهذا يعني أن المنطقة مقبلة على توترات ومواجهات أكثر خطورة. ويبقى السؤال إلى أي حد يمكن لـ "بارومتر" التصعيد- التهدئة بين روسيا وأميركا أن يتحمل ذلك القدر غير المسبوق من التوتر والإجهاد، وإلى أي حد يمكن للطرفين تحمُّل تبعات التحول من دعم الحلفاء إلى الدخول في مواجهة مباشرة؟.

قراءة 1314 مرة