هل من مبرّر للدرع الصاروخية في الخليج؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)

محمد خواجه

شكل قرار إنشاء منظومة الدرع الصاروخية، العنوان الأبرز للقاء وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مع نظرائها الخليجيين، خلال تأسيس منتدى التعاون الاستراتيجي في الرياض. ومسوّغات هذا القرار، بناء شبكة صد تغلّف فضاء دولهم، لجبه «خطر» الصواريخ البالستية الايرانية. لم تكن المرة الأولى التي تثير فيها الولايات المتحدة مخاوف هذه الدول، فقد درجت على ابتداع فزاعات متعددة، تبعا لمتطلبات كل مرحلة: في البدء كانت مصر الناصرية، وبعدها الشيوعية، قبل ان يحط الرحال عند الاسلام السياسي بطبعته الشيعية، المتمثلة بالجمهورية الايرانية. ولإيران قابلية خاصة، مختلفة عن سابقاتها، تسهل على خصومها نسج حالة عدائية تجاهها، تغزل على العصبين المذهبي والعرقي. وكانت درجة استجابة الأسر الحاكمة في الخليج، لوهم التخويف عالية في كل مرة، لتماهيها مع الاستراتيجية الأميركية بكل تفريعاتها الشرق أوسطية.

يخفي القصد الأميركي من بروباغندا التخويف المزمنة، عاملين رئيسين اثنين: أولهما، السعي لحرف الصراع عن مجراه الطبيعي ضد اسرائيل، واستبدالها بأعداء وهميين يتبدلون مع تبدل الظروف. وكان وزير الخارجية الأميركية الأسبق الكسندر هيغ، قد سعى في العام 1981 لوضع استراتيجية قيام «حلف الضرورة» بين أصدقائه العرب واسرائيل، لمواجهة «الخطر» السوفياتي. وعلى الرغم من النجاح الجزئي لمسعاه، فقد مهدت تلك الاستراتيجية الطريق لاجتياح لبنان في العام التالي. وثانيهما، إحكام القبضة على الثروة الأحفورية في منطقة تتميز بمخزونها النفطي عالمياً. وهذان العاملان يلخّصان منطقي استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة العربية.

لقد نجحت واشنطن على مدى عقود، في علاقتها البينية مع دول الخليج، بتثبيت معادلة الأمن ـ الطاقة، أي وضع يدها على منابعها، في مقابل شمل هذه الدول بفيء حمايتها. ومن نافلة القول، ان كلفة الحماية كانت ولا تزال على نفقة خزائن المال الخليجية، التي طالما غطت نفقات بعض حروب أميركا، اضافة إلى ابتياع السلاح بما يفوق بأضعاف حاجاتها العسكرية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، انفق مجلس التعاون الخليجي، خلال الأعوام 2000 ـ 2005، 233 مليار دولار (مركز الدراسات الاستراتيجية العالمية ـ واشنطن) أي ما يعادل 70 في المئة من مجمل الانفاق العسكري العربي. وبلغت حصة المملكة العربية السعودية وحدها، 72 في المئة من الحصة الخليجية، أي بمعدل 32 مليارا قبل ان تصل، حاليا، إلى 45 مليار دولار سنوياً، في مقابل 10 مليارات دولار لإيران، و12 مليار دولار للكيان الصهيوني. لقد صرفت السعودية، منذ مطلع الثمانينيات، أكثر من 400 مليار دولار على عمليات شراء الأسلحة والمعدات، سُمّي بعضها بصفقات العصر، حيث تعدت قيمة آخرها الـ60 مليار دولار. وتحمل هذه الصفقة الترتيب الـ 56 في جدول إرساليات السلاح المورد من واشنطن إلى الرياض. ولأخذ العلم، تشمل الصفقة 84 طائرة «أف 15» (أس ـ أيه)، وتحديث 70 طائرة عاملة من النوع ذاته، و178 مروحية من طراز «أباتشي» و«بلاك هوك» و«ليتل بيرد»، ورادارات ونظم حرب الكترونية. وتوفر هذه الصفقة وحدها، 57 ألف فرصة عمل لشركة «البوينغ»، هي بأمس الحاجة إليها، في ظل أزمة الاقتصاد الأميركي. وبخلاصة سريعة، تدل أرقام الإنفاق الخليجي، بأنه غير مرتبط باستراتيجية واضحة، تتناسق الغايات مع القدرات فيها، وبدون هذا التناسق لا يمكن تسييل القدرة إلى عنصر قوة.

على هامش الكلفة التسليحية الباذخة، تضاف فاتورة التمويل الخليجي لحرب صدام حسين ضد إيران، 1980 ـ 1988، التي تعدت خسائرها الـ400 مليار دولار. من دون إغفال إنفاق الرياض حوالى 40 مليار دولار في الحرب الأفغانية ضد الجيش السوفياتي. هذه الأكلاف الباهظة، وضعت الانفاق العسكري السعودي، على مدى عقود، بين الدول التسع الأولى في العالم. وليس سراً، ان الدول الخليجية لم تبد الحماسة ذاتها تجاه قضية فلسطين، أقله في الجانب العسكري. فإذا ما استثنينا، الخطوة المشرفة للملك فيصل بقطع إمدادات النفط عن الغرب، إبان حرب تشرين 1973، والمشاركة المركزية لوحدات سعودية في حروب عربية ضد الكيان الصهيوني، يمكن القول ان الدور الخليجي كان هامشيا ومحدود الأثر في الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

بالعودة إلى الدرع الصاروخية، يرجح ان يرفد الأميركيون منظومات «الباتريوت» المنصوبة في أكثر من بلد خليجي، بمثيلاتها من طراز «ثاد» و«إيجيس» و«pac -3»... قبل ربطها بمنظومة اعتراضهم الصاروخية المركونة على متن الأسطولين الخامس والسادس. بالطبع، سترتب هذه الدرع أكلافاً إضافية، تشمل الثمن والتدريب والاستشارة والصيانة. وبمعزل عن فاعليتها الميدانية التي لا تزال قيد الاختبار، ومثار جدل بين أهل الاختصاص، نقول، لِمَ كل هذا الانفاق التسليحي، وما هي مبرراته، وضمن أي استراتيجية يندرج؟! وما الغاية من نصب الدرع الصاروخية، وضد من ستوجه؟ ولأن المجتمعين في منتدى التعاون الاستراتيجي سلطوا الضوء على «الخطر» الإيراني، فمن حق المتابع التساؤل، هل من مبرر فعلي للعداء تجاه إيران التي تبقى دولة لها استراتيجيتها ومصالحها، ولها سياساتها، تصيب وتخطئ، لكنها في الوقت ذاته، جارة مسلمة مناصرة لقضية فلسطين؟ وإذا كان من نقاط خلاف معها، أليس من الأجدى حلها وفقاً لمنطق حسن الجوار، بخاصة ان عرب الاعتدال يوصون دوماً، بفض الصراع مع محتل فلسطين عن طريق التفاوض؟ ألم تكن دول الخليج لعقود، شريكة إيران الشاه في منظومة استراتيجية مشتركة، حين كان حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة وإسرائيل؟ وإذا كانت هاتان الأخيرتان تنويان شن الحرب على إيران، لأسباب تتعلق بمصالحهما، فما علاقة دول الخليج العربية بذلك؟ وهل ستفتح مجالها الجوي وأراضيها أمام المعتدي، لتستدرج الرد الإيراني داخل حدودها؟ أليس من الأوجب، بدلا من انسياقها خلف خطط واشنطن المدمرة، الضغط عليها لمنع حرب، إذا نشبت، ستحرق ضفتي بحر عمان والخليج ؟ وماذا عن الصراع مع اسرائيل، أمن الممكن استخدام ترسانات الأسلحة المتطورة هذه، لجبه عدوانها على الشعب الفلسطيني؟ وعلى افتراض توافر نية حكام الخليج باستخدام هذه الأسلحة ضد اسرائيل، هل تسمح الولايات المتحدة لهم بتحويل النيات إلى أفعال؟

نكتفي بهذا القدر من الأسئلة، لنختم بأن الثروة العربية لطالما استغلت لغير مصلحة شعوبها، وتم توظيفها في الموضع الخطأ، وأكثر من ذلك، سُيّلت أحيانا لخدمة مآرب أعدائها. فبدلاً من ان تصرف على أكلاف منظومة الدرع الصاروخية، وغيرها من النفقات العسكرية غير المجدية لدرء مخاطر وهمية، أليس من الأجدى توظيفها في تعزيز الإنماء والتحديث، وتقوية منظومة القوة لعربية؟

باحث في الشؤون العسكرية

قراءة 1727 مرة