انتفاضة القدس إسقاط وهْم التطبيع

قيم هذا المقال
(0 صوت)
انتفاضة القدس إسقاط وهْم التطبيع

الحراك هو إسقاط رهان حكومة الاحتلال بأن التطبيع مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية قد يقدّم حلولاً تسمح للاحتلال بالتفرّد بالقدس والمسجد الأقصى، مُستغلّة الواقع العربي المهترئ والمُتردّي، وبتقديري فالمطلوب اليوم من قوى المقاومة تفعيل دورها على الصعيد العربي والإقليمي بالتواصل مع كافة المكوّنات المجتمعية والفاعلة لتوحيد جهودها وإعادة البوصلة صوْب القدس موحّدة الجميع.

مواجهات بين الفلسطينيين وقوات الشرطة الإسرائيلية في الأقصى (من الأرشيف)

تُمثِّل أحداث المسجد الأقصى ومدينة القدس تطوّراً هاماً في التفاعُل الشعبي والفِعل المقاوم تجاه الاحتلال، فهي تؤكِّد على وحدة الأرض والشعب، كما تُشكِّل أعباءً أمنية على الاحتلال، كما ستُرهِق عملية رام الله مساء الجمعة وما سبقها من عملية في باحات المسجد الأقصى قبل أسبوع، الأجهزة الأمنية في تفسير السلوك المقاوِم، ويعقد الإجراءات المتبعة في الملاحقة كون العمليات ذات تفكير فردي وتنطلق من مناطق تقع تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، ما يؤكّد بأن انتفاضة القدس مازالت حاضرة والمسجد الأقصى عنوان كل انتفاضة فلسطينية.

لقد حقّقت هبّة الجماهير والعمل المقاوم ضربات مزدوجة، فصدّها لا يقتصر على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أو أن نجاحها يُلهب حماس المُنتفضين في وجه الاحتلال، بل جاء توقيتها في خضمّ حالة عربية تهرول تجاه تطبيع العلاقات مع دولة العدو الإسرائيلية، وتحويلها إلى كيانٍ طبيعي في قلب الأمّة العربية، وإعلان العداء لقوى المقاومة وتصنيفها ووصفها بالإرهابية.

كما يُسجّل لتوقيت الحراك الشعبي النجاح في العمل على تصحيح البوصلة الفلسطينية، حيث نجح الاحتلال في تبديل الأولويات لدى الشعب الفلسطيني، في محاولة لسلخه عن مكوّناته المُنتشرة في كافة أماكن تواجده، تزامناً مع سعي الرئيس عباس استئناف المفاوضات بالسقف الأميركي وبالرعاية الأحادية وفق الرؤية الإسرائيلية القائمة على ابتلاع ما تبقّى من الضفة الغربية، ومواصلة حصار قطاع غزّة، مع تهجير ما يمكن تهجيره من أهل القدس وعزلهم والتضييق عليهم.

يتزامن ما يحدث في المسجد الأقصى ومدينة القدس مع مصادقة اللجنة الوزارية للتشريع بالإجماع على مُقترح قانون يمنع تقسيم مدينة القدس مع الفلسطينيين في أية تسوية إلا بموافقة 80 عضواً من أعضاء الكنيست، ويهدف القانون إلى عرقلة أيّ حديث عن حل الدولتين أو تقسيم القدس، كما تأتي مع استبعاد رئيس حكومة الاحتلال إمكانية إطلاق مفاوضات والتأكيد على عدم التخلّي أو الانسحاب عن الضفة الغربية والمستوطنات، حيث تهدف حكومة الاحتلال إلى تغيير الواقع القائم في المسجد الأقصى، وتثبيت الإجراءات التي اتّخذتها من فرض القيود والبوابات الإلكترونية، لكن تزايد الضغط الشعبي وتواصل الفعل المقاوِم ربما يُجبِر الاحتلال على التراجع مع تزايد اندلاع المواجهات.

فلسطينياً اتّخذ الرئيس عباس بعض القرارات التي تمسّ الساحة الفلسطينية، فأعتقد بأن قرار الرئيس عباس بوقف الاتصالات مع الاحتلال خطوة إيجابية إن تحقّقت على الأرض بصورة فعلية ولكن بتقديري لن يتغيّر الواقع على الأرض. وعلى الرغم من دعواته للمصالحة، ولكن الدعوة غير كافية، وكان عليه الدعوة للالتحام مع الاحتلال في كافة نقاط التماس في الضفة الغربية، كذلك الدعوة لعقد الإطار القيادي المؤقّت لقيادة المرحلة بصورة جماعية، والإعلان عن التراجع ووقف كافة إجراءات الحصار المُتّخذة تجاه قطاع غزّة. خطاب أبو مازن لن يُعيد بناء الثقة والبدء بحوار فلسطيني، ولن تكون له انعكاسات إيجابية تجاه العلاقة مع الفصائل الفلسطينية، ولن يتغيّر موقف حماس من التعامُل مع الرئيس عباس بالتهميش والالتقاء مع خصومها في حركة فتح تيّار دحلان.

إن حال الحراك في مدينة القدس وأمام المسجد الأقصى، هي نتيجة تراكمية لأفعال الشباب الثائر خلال عامين من انطلاق انتفاضة القدس، ربما تُشكّل الأحداث خطوة هامة في إفشال العقلية الإسرائيلية اليمينية العنترية القائمة على التهام الضفة الغربية، وتفاعل الحال الشعبية قد يُشكّل نقطة انطلاق نحو رفع وتيرة الفعل المقاوم بشقّيه الشعبي والعسكري في القدس والضفة الغربية، وتصاعُد الهبّة الجماهيرية الشعبية في قطاع غزّة، ما يشعل جذوة الانتفاضة حتى من دون ظهير رسمي كالسلطة الفلسطينية، وما هو مأمول تحقيقه من الحراك هو إسقاط رهان حكومة الاحتلال بأن التطبيع مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية قد يقدّم حلولاً تسمح للاحتلال بالتفرّد بالقدس والمسجد الأقصى، مُستغلّة الواقع العربي المهترئ والمُتردّي، وبتقديري فالمطلوب اليوم من قوى المقاومة تفعيل دورها على الصعيد العربي والإقليمي بالتواصل مع كافة المكوّنات المجتمعية والفاعلة لتوحيد جهودها وإعادة البوصلة صوْب القدس موحّدة الجميع.

حمزة أبو شنب

 

قراءة 1374 مرة