هل تحاول أوروبا طمأنة إيران بضمانات الحد الأدنى؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
هل تحاول أوروبا طمأنة إيران بضمانات الحد الأدنى؟

ترتكز الاستراتيجية الإيرانية المبدئية على الخطوات المتفق عليها في نظام رفع العقوبات تبعاً للقرار الدولي 2231، ما يعني رفع مستوى التبادل التجاري مع أوروبا إلى الحد الأقصى أو بحجم موازٍ تقريباً لحجم التبادل التجاري مع الصين، الذي بلغ العام الماضي نحو 37 مليار دولار، فيما لامس حجم التبادل التجاري مع أوروبا عام 2017 الـ 21 ملياراً.

المحادثات الجارية بين إيران والدول 4+1 بشأن الاتفاق النووي، يبدو أنها لا تسير بالشكل السلبي أو المتشائم المسيطر على المشهد الإعلامي المواكب لتطورات الأوضاع منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، فللأطراف كافة، ودون استثناء، مصالح حيوية بتبني نقاش عقلاني بعيد من التوتر والتصعيد من أجل التوصل إلى حلول تحد من تأثير القرار الأميركي على عجلة الاقتصاد الإيراني وعلى مصالح الدول والشركات التي وقعت، أو التي تبدي رغبة التوقيع على عقود تجارية مع إيران.

وقد تُرجمت هذه القناعة في فيينا، حيث عقد اللقاء الأول من نوعه لهذه المجموعة منذ توقيع الاتفاق في 15 تموز/يوليو 2015، في قصر "كوبورغ" الذي استضاف نقاشات ما قبل التوصل إلى الاتفاق.

في القاعة الرئيسية لهذا القصر حصل نقاش تفصيلي بين ممثلي روسيا والصين والمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيران حول أنجح السبل الواجب اتباعها للحفاظ على العلاقات الاقتصادية بين الجمهورية الإسلامية والمجموعة الدولية، وكيفية استمرار بيع المنتجات الإيرانية من النفط والغاز والمشتقات النفطية الأخرى، وكيفية استمرار التحويلات المالية واستمرار علاقات النقل البحري والبري والجوي ورفع مستوى الاستثمار الدولي في إيران، الذي لم يصل حتى الآن إلى المستوى المطلوب، إيرانياً، تبعاً لنظام رفع العقوبات وإعادة دورة الحياة الطبيعية للاقتصاد الإيراني.

وترتكز الاستراتيجية الإيرانية المبدئية على الخطوات المتفق عليها في نظام رفع العقوبات تبعاً للقرار الدولي 2231، ما يعني رفع مستوى التبادل التجاري مع أوروبا إلى الحد الأقصى أو بحجم موازٍ تقريباً لحجم التبادل التجاري مع الصين، الذي بلغ العام الماضي نحو 37 مليار دولار، فيما لامس حجم التبادل التجاري مع أوروبا عام 2017  الـ 21 ملياراً.

لكن الواقعية الإيرانية التي أخذت بعين الاعتبار القدرات القصوى لدول الاتحاد الأوروبي وهامش حركة هذه الدول في ظل التهديدات الأميركية للشركات الأوروبية، اختارت سياسة الخطوة خطوة إذ تبدأ الخطوة الأولى بتثبيت مستوى التبادل الحالي، وهو بالمناسبة مرتفع جداً مقارنة مع العام 2016 (13,4 مليار دولار) وأقل من 5 مليارات خلال فترة الحصار، قبل الانتقال في المرحلة التالية إلى رفع حجم التبادل إلى مداه الأقصى.

 أوروبا الغربية تعتقد أن بإمكانها تثبيت مستوى التبادل التجاري في مستوياته الحالية على الرغم من العقوبات الأميركية المنتظرة وتهديد الشركات الأوروبية الكبرى بالانسحاب من السوق الإيرانية، لكن هذا الاعتقاد يبقى في إطار المعلن للرأي العام، فالأوروبيون مقتنعون بأن الحد الأقصى لهامش حركتهم في ظل التهديدات الأميركية يبقى متواضعاً ولأسباب عدة:

- الاقتراح الأوروبي بأن الشركات الكبرى المعرضة للعقوبات الأميركية كتوتال وأنجي الفرنسيتين وسيمنس الألمانية وأليانز الأوروبية المتخصصة بالشؤون المصرفية والتأمين وغيرها، يمكن استبدالها بشركات صغيرة الحجم للالتفاف على العقوبات الأميركية.

لكنه اقتراح يبقى نظرياً والمطلوب خلال نقاشات الأسابيع الفاصلة حتى موعد اللقاء الوزاري للمجموعة الدولية أن تقدم أوروبا ضمانات على إمكانية قيام هذه الشركات بالمهام ذاتها للشركات الكبرى.

- أوروبا غير واثقة حتى الآن من قدرتها على ضمان تأمين التحويلات الإيرانية عبر النظام المالي العالمي "سويفت" لأن هذه التحويلات تمر جميعها عبر نيويورك، وهي معرضة بالتالي للعقوبات الأميركية، وفي حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات على التحويلات عبر هذا النظام، فستجد أوروبا نفسها أمام خيار صعب التحقيق يفرض استحداث نظام موازٍ للنظام المالي الحالي محصور بالتبادلات مع إيران يعتمد اليورو علمة للتبادل ويتولى البنك المركزي الأوروبي مهمة التحويل مباشرة إلى إيران  من دون المرور عبر نيويورك.

لكن لهذا القرار تداعيات سياسية واحتمال رد فعل عنيف من قبل الولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته يواجه تعقيدات تقنية، إذ تبقى قدرات البنك المركزي الأوروبي على ضخ كميات هائلة من العملة الأوروبية في الأسواق محدودة جداً.

- لا يواجه قطاع النفط الإيراني مشكلة في تصريف المنتجات والمشتقات النفطية إلى الخارج، فالجزء الأكبر من هذه المنتجات لا تزال وجهته دول آسيوية في مقدمتها الصين وكوريا الجنوبية (مع تراجع استيراد الهند من النفط الإيراني مؤخراً واستبداله بنفط أميركي). وقد تنجح شركات أوروبا الصغيرة بالحلول مكان الشركات الكبرى في مجال التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما، لكن تبقى أوروبا عاجزة عن تقديم المخارج لقطاعات أخرى يحتاج إليها الاقتصاد الإيراني.

ولا يتضح من هي الشركات التي ستحل محل "ايرباص" و"بوينغ" في تزويد إيران بالطائرات المدنية، ومن هي شركات السيارات التي ستحل محل "رينو" و"بيجو" في إنتاج السيارات الإيرانية، ومن سيزود إيران بقطع غيار لطائراتها المدنية الحالية.

بدائل إيران عن التبادل التجاري مع أوروبا موجودة من خلال التوجه شرقاً، فإن الأسواق الروسية والصينية والآسيوية عامة مفتوحة أمام الإيرانيين منذ مرحلة ما قبل رفع العقوبات. وقد ارتفع حجم التبادل التجاري بشكل كبير مع هذه الدول وخصوصاً مع الصين (أكبر شريك لإيران تليه تركيا فروسيا) إلى الحدود القصوى خلال العام 2017 وتطور الاستثمار وارتفاع مستوى التبادل التجاري بين إيران وهذه الدول لن يتأثر بالعقوبات الأميركية إلا في الجزئية المتعلقة بالتحويلات المالية التي لا تزال تمر عبر نيويورك.

لكن دور روسيا والصين تبرز أهميته هنا كأسواق وسيطة بين أوروبا وإيران في عملية الالتفاف على العقوبات الأميركية. وإشارات التعاون الأوروبي – الروسي لإنقاذ الاتفاق النووي من السقوط عمدتها زيارتا أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية وايمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي إلى روسيا قافزين فوق المواقف الأوروبية المتشددة تجاه موسكو في ملفات حساسة كالأزمة السورية وأوكرانيا والموقف من ضم روسيا للقرم.

بعد ثلاثة أسابيع وبدعوة إيرانية يلتقي وزراء خارجية المجموعة الدولية وإيران من دون الولايات المتحدة، للإطلاع على ما ستنجزه فرق العمل والخبراء التابعين للأطراف الستة خلال الأسابيع الفاصلة، وسيتسلم محمد جواد ظريف حزمة الاقتراحات المقدمة من الدول الأوروبية والصين وروسيا وعندها ستحدد إيران إذا كانت أوروبا تلبي الضمانات الكافية لبقاء الاتفاق.

موسى عاصي ـــ جنيف  

قراءة 1066 مرة