مع استحكام حلقات الأزمة السياسية.. هل تنجح مبادرة الأمم المتحدة للحل في السودان؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
مع استحكام حلقات الأزمة السياسية.. هل تنجح مبادرة الأمم المتحدة للحل في السودان؟

لا يبدو أن المؤسسة العسكرية السودانية تعارض وساطة الأمم المتحدة خاصة وأن رئيس بعثتها فولكر بيرتس ظل على تواصل مع القادة العسكريين خلال الأزمة التي استفحلت منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

لقاء سابق بين رئيس البعثة الأممية في السودان فولكر بيرتس (يسار) ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان (الصحافة السودانية)

مزدلفة عثمان

الخرطوم- مع استحكام حلقات الأزمة السياسية في السودان، تقدمت الأمم المتحدة بمبادرة لوقف تدهور البلد الذي بات مرشحا للانزلاق صوب مربع العنف مع تطاول خلافات ساسته والاحتجاجات الشعبية شبه اليومية، التي تدعو لعزل المكون العسكري عن السلطة.

وقالت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان "يونيتامس" (UNITAMS) -أول أمس السبت- إنها بدأت مع الشركاء المحليين والدوليين في إطلاق المشاورات الأولية لعملية سياسية بين الأطراف السودانية، تتولى الأمم المتحدة تيسيرها بهدف التوصل إلى اتفاق للخروج من الأزمة السياسية الحالية، والتقدم في مسار مستدام نحو الديمقراطية والسلام

اقرأ أيضا

وفي فبراير/شباط 2020، أنشئت يونيتامس بقرار من مجلس الأمن الدولي بعد طلب حكومة السودان، لدعم عملية الانتقال الديمقراطي.

و أن مكتب رئيس البعثة الأممية في السودان، فولكر بيرتس، سيكشف اليوم الاثنين عن تفاصيل المبادرة التي حظيت بدعم دولي فور إعلانها، في وقت تباينت فيه ردود فعل الأوساط السودانية حيالها بين الترحيب والحذر والرفض.

لماذا أثارت المبادرة الجدل؟

تنظر عدة أطراف سودانية بعين الريبة لمبادرة بيرتس باعتبارها تسعى إلى إيجاد مخرج للمكون العسكري، وحمل السياسيين الفاعلين والقوى المحركة للشارع على التفاوض معه.

في حين يرفع المحتجون في مظاهرات مستمرة منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي شعار "لا تفاوض، لا شراكة، لاشرعية"، مؤكدين حالة انعدام الثقة تجاه القادة العسكريين، بعد استبعادهم الشركاء المدنيين والإطاحة بحكومتهم واعتقال وزرائهم، وفي حين سماها قائد الجيش "إجراءات تصحيحية"، تصفها غالبية الأحزاب السياسية بـ"انقلاب" لا يجوز فيه الحوار مع العسكر.

وبحسب ما رشح عن المبادرة، فإنها ترمي لإنهاء العنف، وتشمل جميع "أصحاب المصلحة" كما تسميهم الأمم المتحدة، من المدنيين والعسكريين والحركات المسلحة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمجموعات النسائية ولجان المقاومة، للمشاركة في العملية السياسية التي ستتولى الأمم المتحدة تسهيلها.

تعقدت الأزمة في السودان بعد استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قبل أسبوع

كيف ساءت الأوضاع؟

تعقدت الأوضاع السياسية في السودان بعد استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الأسبوع الماضي، بسبب تعذر التوافق بين المكونات السياسية، وفشله في تكوين حكومته إثر إعادته إلى منصبه بموجب اتفاق سياسي وقعه مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو الاتفاق الذي أبرم ليكون مخرجا من الأزمة التي خلفتها قرارات 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

لكن الاتفاق بين البرهان وحمدوك أثار حفيظة القوى السياسية التي أطاح بها قائد الجيش، واتُّهِم حمدوك نفسه بموالاة الانقلابيين في حين حاول تبرير الاتفاق بالسعي إلى حقن الدماء وإشاعة التوافق.

وازداد الوضع تأزما مع استمرار الاحتجاجات وموجة القمع الأمني العنيف للمتظاهرين، مما أدى لسقوط 60 قتيلا ومئات الجرحى منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وهو ما أسهم في تأجيج الخلاف بين الأحزاب وقوى الشارع والمكون العسكري، ليرتفع سقف المطالب برحيل كل قادته الحاليين، وهو ما سيعقد مهمة مبعوث الأمم المتحدة ويضع مبادرته أمام تحدٍّ صعب.

جذور الأزمة؟

من وجهة نظر رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي بابكر فيصل فإن الأزمة بدأت عندما أطاحت قرارات  البرهان بالوضع الدستوري القائم في 25 أكتوبر/تشرين الأول وعطل بموجبه الوثيقة الدستورية و"هو ما يتم التصدي له حاليا في الحراك السلمي بالشارع لإسقاط الانقلاب" كما يقول، ومن ثم بدء تأسيس عملية دستورية جديدة.

ويشدد فيصل في حديثه للجزيرة نت على ضرورة عدم التعامل مع المبادرة الأممية في سياق فشل السودانيين في الحل، خاصة أن الاتفاق الذي أثمر الوثيقة الدستورية كان برعاية الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا، كما أن السودان عضو في الأمم المتحدة وجاءت بعثتها السياسية بطلب من الحكومة.

كيف نظرت الأحزاب السياسية للمبادرة؟

لم تظهر غالبية القوى الحزبية موقفا حاسما حيال مبادرة الأمم المتحدة باعتبار أن تفاصيلها ما زالت غامضة، لكن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، أفاد بأن بعثة يونيتامس لديها تفويض -بموجب قرار مجلس الأمن 2525- لدعم الانتقال المدني في السودان، وأن هذا الانتقال "عصف به انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول".

وعليه، قالت قوى الحرية والتغيير -في بيان- إن تعاطي البعثة مع الوضع الراهن يجب أن يتوافق مع قرارات مجلس الأمن التي نصت على دعم الانتقال والتقدم نحو الحكم الديمقراطي والسلام وحماية حقوق الإنسان.

وقال الائتلاف إنه سيتعاطى بإيجابية مع أي جهد دولي يساعد في تحقيق غايات الشعب السوداني في مناهضة "الانقلاب"، وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية، ويقول بابكر فيصل وهو عضو في المجلس المركزي للحرية والتغيير، إنه من المهم التعرف على محتوى المبادرة قبل تحديد موقف حيالها.

وفي المقابل، كان تجمع المهنيين أشد وضوحا وهو يعلن رفضه القاطع للمبادرة الأممية؛ إذ أكد -في بيان على حسابه بفيسبوك- رفضه التام للدعوة "التي تسعى للدفع تجاه التطبيع مع مجرمي المجلس العسكري الانقلابي وسلطتهم الفاشية".

وأشار إلى أن الشعب أعلن أن الطريق لحل الأزمة السودانية يبدأ بإسقاط "المجلس العسكري الانقلابي"، وتقديم أعضائه للعدالة "على ما اقترفوه من مذابح ومجازر بحق الشعب السوداني المسالم الأعزل في محاكم خاصة".

وذهب التجمع إلى الأبعد باتهام فولكر بيرتس بالسعي إلى تثبيت اتفاق البرهان – حمدوك، وقال إن "ممارسات فولكر تخالف أسس ورسالة المنظمة الدولية في دعم تطلعات الشعوب للحرية والسلم والعيش الكريم، وحريٌ به الإصغاء لأهداف شعبنا وقواه الثورية في الحكم الوطني المدني الكامل وهزيمة آخر معاقل الشمولية".

ومن جانبه، أكد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، كمال كرار، أنه لا حوار في ظل "سلطات الانقلاب".

الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر رحب بالمبادرة

بينما قال المؤتمر الشعبي -على لسان الأمين السياسي للحزب كمال عمر- إنهم يرحبون بأي دعوة للحوار والتواصل، للخروج من الأزمة.

وفي دوائر الحزب الاتحادي بزعامة محمد عثمان الميرغني، لاقت المبادرة الأممية قبولا باعتبارها تعزز الحوار وتعيد تعريف دور الشركاء الدوليين، بلوغا لتوافق وطني يجمع الآراء ويمهد للانتقال الديمقراطي المفضي لانتخابات عامة.

ورحب بها حزب بناء السودان ورأى فيها إعلاء للحلول السياسية السلمية، ودعا البعثة ورئيسها للاضطلاع بدور أكبر وأوضح لدعم الانتقال الديمقراطي بالسودان في ظل انعدام الثقة بين الأطراف السياسية والمكون العسكري.

وشدد كذلك على أهمية أخذ مطالب الشارع السوداني في الاعتبار بما يشمل الحوار مع كل الأطراف، ويفضي لحل سياسي يجعل القوى المدنية في قمة هرم السلطة الانتقالية، مع ضرورة إبعاد المكون العسكري أو تقليل تأثيرهإغلاق مربع الحوار المشروط

ما موقف الجيش والدعم السريع؟

لا تزال المؤسسة العسكرية تلتزم الصمت حيال المبادرة، في حين أجرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اتصالا برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، قبل ساعات من إطلاق الوساطة وتناقشا حولها، وتعهدت المنظمة الدولية بدعم الفترة الانتقالية وتشجيع الحوار بين الأطراف السودانية لضمان الانتقال السلس الذي يفضي للانتخابات.

وكانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، مولي في، هاتفت في الثالث من يناير/كانون الثاني الجاري قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة، ونقلت إليه لأول مرة إمكانية الاستفادة من بعثة يونيتامس في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية، بينما أبلغها حمدان أن المخرج من الأزمة يتمثل في إدارة حوار وطني يفضي إلى توافق شامل.

كما هاتفت الدبلوماسية الأميركية، يوم الجمعة الماضي، عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي، وحدثته عن وساطة الأمم المتحدة لحل الأزمة السودانية.

ولا يبدو من هذه الاتصالات أن المؤسسة العسكرية تعارض وساطة الأمم المتحدة، خاصة وأن رئيس بعثتها فولكر بيرتس ظل على تواصل مع القادة العسكريين خلال الأزمة التي استفحلت منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

هل عجزت الأطراف السودانية عن الحل؟

يرى القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي، حاتم السر، أن تأييد بعض القوى السودانية للمبادرة الأممية المدعوم من أميركا والاتحاد الأوروبي ودول الجوار السوداني هو إقرار بالأمر الواقع، خاصة أن الشأن السوداني تدوّل أصلا ولم يعد محليا.

ويقول السر إن الحوار السوداني السوداني أصبح "نداء المرحلة الذي لا نملك ترف التفريط فيه، وإلا فإن السودان سيدفع ثمنا باهظا، لا يمكن تخيل عواقبه ولا تحمل تبعاته".

ويشير إلى أن حقائق الأمر الواقع أجبرت القوى السياسية السودانية على قبول المبادرة، وهي (الفرصة الأخيرة) لحل الأزمة وتمهيد الطريق أمام الانتخابات.

وبشأن دعوات إبعاد الجيش من الحياة السياسية، يقول السر إن ذلك محل اتفاق القوى السياسية وحتي العسكريين لا يعارضون، لكن في وضعية الانتقال السوداني الحالي فإن الأمر لا يتم بالقوة، وإنما عبر الحوار والتوافق، وإن السيناريو الأفضل هو الاتفاق على موعد للانتخابات والتي ستفرز بدورها نظام حكم مدني منتخبا.

المصدر : الجزيرة

 

قراءة 632 مرة