ضعف المشاركة في انتخابات تونس .. أي دلالات؟ (تحليل)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ضعف المشاركة في انتخابات تونس .. أي دلالات؟ (تحليل)

جملة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وراء أضعف نسبة تصويت في تاريخ البلاد خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة

تونس/ عادل الثابتي/

اعتبر سياسيون وخبراء أن عزوف الناخبين التونسيين عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع السبت الماضي مرده جملة من الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وفيما عزا معارضون للرئيس قيس سعيد اسباب العزوف الى عوامل سياسية، اتهم موالون لسعيد المعارضة بمسؤولية كبيرة عن ذلك، إلا أن خبيرا اجتماعيا أرجع نسبة كبيرة من العزوف إلى الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد.

وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، مساء السبت، أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية بلغت 8.8 بالمئة إلى حدود انتهاء عملية التصويت لاختيار 161 نائبا بمجلس النواب، وتعد هذه من أضعف نسب المشاركة التصويتية في تاريخ انتخابات البلاد.

وقال رئيس الهيئة فاروق بوعسكر خلال مؤتمر صحفي، إن "8.8 بالمئة شاركوا في عملية التصويت في الانتخابات التشريعية وذلك بمشاركة 803 آلاف و638 ناخبا إلى حدود إغلاق مراكز الاقتراع عند الساعة السادسة (17.00 ت. غ)".

وفي تصريحات سابقة قال بوعسكر إن "9 ملايين و163 ألفا و502 ناخبا مسجّل في السجل الانتخابي"

** مسؤولية الرئيس

وفي مؤتمر صحفي عقدته "جبهة الخلاص" المعارضة مساء السبت، اعتبرت أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية المبكرة أثبتت "إخفاقا كبيرا" لرئيس البلاد قيس سعيّد.

وقال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي، خلال المؤتمر الصحفي، إن "نتائج المشاركة في الانتخابات التشريعية تؤكد أن الشعب خاب أمله من هذا السيد (يقصد سعيّد)، ذلك أنها أسفرت عن عزوف 92 بالمئة من الناخبين عن المشاركة في التصويت".

وجبهة الخلاص أُعلِن عن تشكيلها نهاية مايو الماضي وتضم 6 أحزاب هي حركة النهضة (53 نائلا في البرلمان المنحل) وحزب قلب تونس(28 نائبا) وحراك تونس الإرادة وحزب أمل وائتلاف الكرامة ( 18 نائبا) وحزب الإنجاز والعمل وحراك "مواطنون ضد الانقلاب" ونواب بالبرلمان المنحل ومستقلون.

** أحزاب يسارية.. حجم هزيل

ومن جانبه، وصف حزب العمال (يسار) حجم المشاركة في الانتخابات التشريعية بـ"الهزيل جدا"، مؤكدا أنه "لا ينزع فقط كل شرعية عن المجلس النيابي الصوري، بل ينزع كل شرعية عن مجمل منظومة 25 يوليو/ تموز".

وتعليقا على نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية المبكرة، اعتبر الحزب الجمهوري (وسط يسار) أن "نتيجة الانتخابات تنهي مسار سعيّد".

وقال الأمين العام للحزب عصام الشابي في تصريحات لراديو موزاييك الخاص إن "نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية نسبة كارثية، معتبرا أن "المسار (مسار قيس سعّيد) بلغ نهايته".

** آفاق تونس.. الشعب قاطع الانتخابات

حزب "آفاق تونس " (ليبيرالي- لديه نائبان في البرلمان المنحل) اعتبر، في بيان، إن "إرادة الشعب التونسي اتجهت إلى مقاطعة ما يُسمّى بالدور الأول من الانتخابات التشريعية ورفض التصويت على مجلس نيابي صوري".

ودعا الرئيس سعيّد "لاحترام إرادة الناخبين والاعتراف بفشل منظومته السياسية وعجزها عن تلبية تطلّعات الشعب التونسي".

وأوضح أن نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة "رسالة واضحة للتعبير عن الرفض لهذه المنظومة غير المسبوقة والبعيدة عن المشاغل الحقيقية للمواطن".

أنصار الرئيس: المعارضة مسؤولة

من جهته، قال محمود بن مبروك الناطق الرسمي باسم حركة "شباب تونس الوطني" ( حراك 25 يوليو) " كانت هناك حملة ممنهجة لترذيل الانتخابات من أطراف تتدعي المقاطعة ولكنهم شاركوا بطريقة غير مباشرة عن طريق أشخاص غير معروفين".

وأضاف بن مبروك ، في تصريحات للأناضول، أن من بين هؤلاء المشاركين بأسماء متخفية منتمين لحزب التحرير وحركة النهضة وحزب عبير موسي (الحزب الدستوري الحر) وفي نفس الوقت كانوا يدعون المواطنين لعدم المشاركة".

ولم يتسن الحصول على رد من هذه الأحزاب.

وزاد: " نسبة 8.8 نتيجة موضوعية والشعب يتحمل مسؤوليته وعليه المشاركة ولا يستمع للمعارضة".

أما القيادي في حركة البعث وعضو ائتلاف "لينتصر الشعب"، عثمان بلحاج عمر فقد أكد ضعف المشاركة الشعبية في الانتخابات التشريعية وقال فعلا "هي نسبة ضعيفة"

وأضاف بلحاج عمر " من المتوقع أن تتراجع خلال الدور الثاني من الانتخابات إلى 2 أو 3 بالمائة".

وفي المقابل، قال محمد المسيليني القيادي بحركة الشعب (ناصرية، مساندة للرئيس سعيّد ولديها 15 نائبا) إنّ تبرير نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات يزيد من تعميق الأزمة.

وفي تصريحات لراديو موزاييك، أضاف المسيليني أن "نسبة المشاركة في الانتخابات ضعيفة جدا ولا تفرح أي أحد".

وأوضح أن "مسألة عزوف الناخبين والقطيعة تتعمّق مع كل انتخابات، وأنّ هيئة الانتخابات لعبت دورا في ذلك".

غير أن المسيليني يرى أيضا أن " انفراد الرئيس بالقرار أدى لهذه النتائج".

الأزمة الاقتصادية والاجتماعية عمقت الأزمة

من منظور أشمل، رأى مهدي مبروك مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس وأستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية أن "المناخ الاجتماعي والاقتصادي كان له دور كبير في عزوف الناخبين".

وأضاف مبروك في تصريحات للأناضول " تآكل القاعدة الشعبية للرئيس قيس سعيّد جزء منه كان بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت في الأشهر الأخيرة في تزامن مع المسار الانتخابي وكان تآكلا سريعا ورهيبا."

ووفق ارقام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات شارك في التصويت على استفتاء 5 يوليو الماضي نحو 30.5 بالمائة من الناخبين المسجلين أي ما يعادل 2 مليون و830 الا و95 ناخبا.

وتابع مبروك "لا أعتقد أن العزوف كان لأسباب سياسية تتعلق بالرؤية للانقلاب ولمسار 25 جويلية ( يوليو) انما جزء كبير من المقاطعة ناجم عن ندرة المواد الغذائية ما أثار قلقا في الأوساط الاجتماعية الشعبية".

وزاد مبروك أن "عدة أزمات حدثت مثل الإضرابات المتتالية والارتفاع الجنوني للأسعار وموجات الهجرة غير النظامية أحداث وما حدث في جرجيس في الوقت الذي كان رد فعل الرئاسة صامتا".

وبحسب مبروك "المواطن لا يقبل الأعذار التي تقدمها السلطة مثل الاحتكار أو القوى المخربة من المعارضة" لتبرير سوء الأوضاع الاقتصادية.

وأكد مبروك أن "الناس لم تعد تنطلي عليهم لعب الرئيس على هذا الخطاب المزدوج وهو الذي له كل الصلاحيات والخبراء والأمن والجيش ويبقى عاجاز عن ضرب المحتكرين."

صعوبة التدارك

ولفت مبروك الأمر أنه " هناك واقع موضوعي يفرض نفسه، فصندوق النقد الدولي رحّل النظر في القرض الذي لا يسد الا عشر الفجوة المالية في الموازنة التونسية إلى وقت آخر."

ووفق مبروك "صندوق النقد الولي يرى أن السلطات التونسية لم تخرج للسوق المالية العالمية مثلما وعدته وبقيت تنتظره".

وكانت تونس توصلت، أكتوبر الماضي، إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل إصلاحات اقتصادية لا تحظى بشعبية، بما في ذلك خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح الشركات العامة.

وتابع "البلاد تعاني من أزمة هيكلية موضوعية هي عدم قدرة تونس على مواجهة التحديات المالية العمومية وسنة 2023 ستكون السنة الأكثر تسديدا للديون مع انحباس الأمطار."

وخلص مبروك إلى "أن كل هذه العوامل الموضوعية تخون سعيّد في إمكانية تدارك الوضع".

وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادّة، فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية جرّاء الأزمة الروسية الأوكرانية.

والانتخابات التشريعية الأخيرة في البلاد، تعتبر أحدث حلقة في سلسلة إجراءات استثنائية بدأ سعيّد فرضها في 25 يوليو/ تموز 2021، سبقها حلّ مجلسي القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء 25 يوليو 2022.

المصدر :الاناظول

قراءة 316 مرة