الوحدَةُ الإسلامِیَّة وجُذورها القُرآنِیَّة

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الوحدَةُ الإسلامِیَّة وجُذورها القُرآنِیَّة

إنَّ منَ الأمور التی کثر الحدیث عنها فی أیامنا هذه، مسألةُ الوحدة الإسلامیة، والتی تغصُّ المنابر الإعلامِیَّة والثقافِیّة بالدعوة لها ومحاولة تثبیتها فی فکر الناس، وتجسیدها عملاً بین المسلمین.

ومن المناسب فی هذا التمهید أن نذکر الجذور الإسلامیة لهذه الفکرة، فالفکرة أساساً لم تکن منطلقة من فکرِ شخصی واجتهاد واستنساب یُظنُّ فیه المصلحة للناس، بل إن أساسها وجذورها الحقیقی من قلب الشریعة الإسلامیة، وهذا یمیزها بأمور:

1 ـ أنها فکرة أصیلة بحد ذاتها وثقافة من قلب الإسلام ولم تستورد إلیه ولم تخترع لظروف سیاسیة أو مرحلیة.

2 ـ تمتلک هذه المسألة بعداً ثقافیاً یجعلها فکرة قابلة للإقناع لأنها تعنی کلَّ مسلم، وکل ذی ثقافة إسلامیة أصیلة.

3 ـ أنها مسألة قابلة للدوام بسبب کونها أصیلة بخلاف الثقافات التی لا تعتمد على أساس ثابت، ولهذا فإن الوحدة الإسلامیة یمکن أن تکون حلاً لمسائل المسلمین فی جمیع العصور.

الإمام الخمینی "قدس سره" رائدُ الوحدة
فی الوقت الذی کانت الأمة الإسلامیة فی حالة من الاحتضار على کل مستویاتها، قامت ثورة مبارکة، قام بها شعب أعزل بقیادة العالم الزاهد الشجاع القائد السید روح الله الموسوی الخمینی قدس سره فی إیران، والتی کانت مرتعاً للمخابرات الأجنبیة ولا سیما الأمریکیة والصهیونیة، وأرضا مسلوبة الخیرات مسخرة لتنفیذ المآرب الکبرى لقوى الاستکبار العالمی وأذنابه من الحکام الذین باعوا ضمائرهم وشعوبهم لیصبحوا مجرد أداة بید أسیادهم الإمبریالیین الطامعین بالسیطرة على مقدرات العالم.

قیام هذه الثورة المبارکة أحبط الکثیر من المؤامرات، وأهمها التی کانت تحاک لتوسعة الشق الکبیر فی الأمة الواحدة، فلطالما کانت التفرقة بین مذاهب الأمة من الأسالیب الدنیئة التی ینتهجها العدو الطامع للسیطرة على الأمم الأخرى، فقاعدة فرق تسد تاریخیا لم یخل عهد ولا زمان من رموز انتهجت هذه القاعدة کأسلوب ناجح تتوصل به إلى الهیمنة فی بعض الأحیان، ولاستتباب الهیمنة فی موارد أخرى، فإن السیطرة على أمة ممزقة، ومتکالبة على أطرافها غافلة عما یحاک لها أمرٌ فی غایة السهولة، ولا یکلف العدو إلا عناء جنی الثمار بعد أن أنضجتها الخلافات والنزاعات.

ولوعی الإمام الخمینی قدس سره فی تلک الفترة لخطورة الأمر على الأمة، فقد رکز فی الکثیر من توجیهاته وخطاباته على مسألة الوحدة الإسلامیة، ولم یألُ جهداً فی تذکیر الأمة دائماً بخطر الاختلاف والتشرذم، وهذا ما سنحاول الإضاءة على أبعاده حیث یصح القول بحق إن أفضل من دعا إلى الوحدة وکرسها عملا ً فی حیاته وأورثها للأجیال هو الإمام الخمینی.

الجذور القرآنیة للوحدة الإسلامیة ، یقول الله تعالى فی محکم قرآنه:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِیعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ کُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَکُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَکُمْ مِنْهَا کَذَلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمْ آیَاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُون﴾.

إن الآیة الشریفة تتحدث بوضوح عن التوحد ونبذ الاختلاف بین المسلمین، حیث تدعوهم للاعتصام أی التمسک جمیعاً بحبل الله، والاعتصام یکون طلباً للعصمة وهی الحفاظ والغطاء، وهذا یعنی أن فی ترک هذا الاعتصام الهلاک الحتمی وهذا ما یکون من خلال التفرق والاختلاف على الأمور الصغیرة.

کما أن الله سبحانه وتعالى یمنن علینا بنعمة الإسلام هذا الدین الذی یجمعنا جمیعاً على کل اختلافاتنا فی دائرة واحدة، بعد أن کانت تفرقنا القومیات والعشائر والمناطق والشعب، فحین هدى الله تعالى الناس برسوله الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم، أخرجهم من ظلام هذه القواقع الفارغة إلى رحابة الإسلام دین الإنسانیة والرحمة والسلام، وهذا من أکبرِ نعم الله تعالى علینا.

وکذلک نجد فی القرآن الکریم العدید من الآیات التی تتحدث عن الوحدة وتحذر من الإختلاف وسنستعرض بعضها، فمنها قول الله تعالى:

﴿وَأَطِیعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ﴾.

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَیْنَ أَخَوَیْکُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ﴾ .

﴿وَلْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَى الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَأُولَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

﴿وَلا تَکُونُوا کَالَّذِینَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَا هُمُ الْبَیِّنَاتُ وَأُولَئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ﴾.

﴿إِنَّ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ وَکَانُوا شِیَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِی شَیْءٍ﴾.

﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُکُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّکُمْ فَاتَّقُونِ﴾ .

ومن هنا فإن الإمام الخمینی قدس سره طالما أکد على أهمیة وعی الأساس الدینی والقرآنی للوحدة ومما قاله فی هذا الإطار:

ولطالما حذَّر مما حذر منه القرآن الکریم وهو التنازع والتناحر حیث یقول قدس سره:
"الیوم على الجمیع أن یتحدوا مع بعضهم، وأن لا یتنازعوا بموجب تعلیمات الإسلام والقرآن الکریم. فالتنازع ممنوع حسب أوامر القرآن مهما کان نوعه. وإذا تنازعوا فإنه یؤدی إلى الفشل، وتذهب ریحهم، سواء الأشخاص أو الشعوب. وهذه أوامر الله. إن الذین یدعون الإسلام، ویسعون من أجل زرع الفرقة والتنازع لم یجدوا ذلک الإسلام الذی کتابه القرآن، وقلبته الکعبة، ولم یؤمنوا بالإسلام. إن الذین آمنوا بالإسلام إنما هم الذین یقبلون القرآن ومحتوى القرآن الذی یقول (إنمّا المؤمنون إخوة) فیلتزمون بکل ما تقتضیه الأخوّة. تقتضی الأخوة أن یتأثر جمیع الإخوان أینما کانوا إذا ألمّت بکم مشکلة، وأن یفرحوا جمیعاً لفرحکم".

قراءة 1184 مرة