كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء الممرّضات والممرّضين

قيم هذا المقال
(0 صوت)
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء الممرّضات والممرّضين

 

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء الممرّضات والممرّضين وأهالي شهداء قطاع الصّحة بتاريخ 12/12/2021م

فليروِ الشّبابُ الحقائقَ كما فعلت السيّدة زينب (س) كي لا يرويَها العدوّ بدلاً عنهم

بسم الله الرحمن الرحيم[1]


والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولا سيّما بقيّة الله في الأرضین.

أبارك لكل واحد منكم، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء والناشطون الموقرون والمفتَخرون في مجال الطب والعلاج والصحة. أبارك لكم ولادة السيدة زينب الكبرى (ع) ويوم الممرض.

هذا الاجتماع فرصة جيّدة للحديث عن المدافعين عن الصحة والممرضين والممرضات الأعزاء، وقول الأمور والحقائق التي سأعرضها. لكن قبل ذلك أرى من المناسب أن نتقدم بمشاعر التقدير والاحترام إلى سيدة كربلاء العظيمة، السيدة زينب الكبرى (ع). حسناً، لقد قيل عن زينب الكبرى (ع) كثير من الكلام والحديث والتمجيد والتعظيم والتكريم في الخطب والبيانات، وكانت بمكانها وصحيحة للغاية، ولكن هناك نقطتان مهمتان في حياة هذه العظيمة (ع) سأعرضهما الآن.

 أداء زينب الكبرى يُظهر القدرة الرّوحيّة العظيمة للمرأة في الصّبر والتّدبير
النقطة الأولى والأهم التي سأذكرها هي أن زينب الكبرى (ع) استطاعت أن تظهر للتاريخ وللعالم كله القدرة الروحيّة والعقلانية العظيمة للمرأة. هذا مهم جدّاً. رغم أنوف أولئك الذين عمدوا إلى تحقير المرأة كل واحد منهم بطريقة ما، سواء في ذاك الزمان أو عصرنا، تمكنّت زينب الكبرى (ع) أن تُظهر علوّ مكانة المرأة وعظمة قدرتها الروحية والعقلية والمعنويّة، وسأشرح هذا الآن بإيجاز. قولنا إنّهم يحقّرون [المرأة] اليوم، والأكثر من الجميع هم هؤلاء الغربيون أنفسهم الذين يهينون المرأة بصورة خطيرة، فهذه حقيقة لن ندخل في تفاصيلها الآن. إن تلك العظيمة، زينب الكبرى (ع)، بيّنت نقطتين: الأولى أنه يمكن للمرأة أن تكون كالمحيط العظيم من الصبر والتحمّل، والثانية أنه يمكنها أن تكون قمّةً رفيعة من الحكمة والتدبير، وقد أظهرتها عملياً زينب الكبرى (ع). ليس لمن كانوا في الكوفة والشام فقط، [بل] للتاريخ ولجميع البشر.

صبر زينب الكبرى في مواجهة أنواع المصائب والمشقّات لا يوصف
في ما يخص الصبر والتحمّل إنّ صبر زينب الكبرى وتحمّلها المصائب لا يُمكن توصيفهما أبداً. أوّلاً صبرها على الشّهادات، ففي نصف يوم تقريباً أو بضعة من يوم، استُشهد ثمانية عشر من أعزّائها وأقربائها، وواحد من هذا الجمع كان شقيقها، عظيم الشّأن وحجّة الله، سيّد الشهداء (ع). استشهد هؤلاء أمام عينيها واستُشهد ولداها أيضاً وصبرت. يتلاشى الجبل أمام مثل هذه المصيبة، [لكن] زينب الكبرى استطاعت أن تصبر. صبرت وتمكنت بقدرتها الروحيّة أداء الأعمال اللاحقة. لو أنّها جزعت وانهارت ووجلت، ما كان بمقدورها إلقاء هذه الخطابات والقيام بهذه الحركة العظيمة وأمثال هذه الأمور. إذاً، الصّبر على الشّهادات، والصّبر على الإهانات. تلك السيّدة التي عاشت منذ بدايات عمرها في عزٍّ وكان الجميع ينظرون إليها بعين الإجلال منذ الطّفولة حتّى كبُرت تتعرّض للإهانة بذاك النّحو على يد أراذل الجيش الأموي وأوباشه، فتصبر ولا تنكسر.

الصّبر على المسؤوليّة الثقيلة في احتضان الأبناء الأيتام والنّساء الثكالى. هذا عملٌ عظيم. استطاعت احتضان عشرات النساء والأطفال المفجوعين والمكروبين والمتأذّين، وأن تحافظ عليهم وتديرهم خلال هذه الرّحلة الشاقّة. هذه كانت أعمال زينب (ع)... الصّبر. أظهرت زينب الكبرى (ع) بحقّ محيطاً من الصّبر والسّكينة، أي المرأة قادرة على بلوغ هذه المرتبة وأن تصل إلى هذه النّقطة العظيمة من القدرة الروحيّة والمعنويّة. وإلى جانب الأمور الّتي عرضناها الرعايةُ التمريضية لحجّة الله، الإمام السجّاد (ع)، وهذا كان يحتاج إلى الصّبر أيضاً واستطاعت إنجازه على أكمل وجه. هذا في ما يخصّ الصّبر.

سلوك زينب الكبرى تجاه الحكّام المستكبرين
مظهرٌ للاقتدار الرّوحيّ، وناشئ عن القدرة العقلانيّة

لكن في ما يرتبط بالحكمة والسّلوك الحكيم والقدرة العقلانية والتدبير، إنّ سلوكها خلال مرحلة الأسر مذهلٌ فعلاً، وأعتقد أنه لا بدّ لنا من قراءة كلّ جزء من هذا السّلوك، وأن نتأمّل ونكتب ونتحدّث ونُنتج الإنتاجات الفنيّة. إنها ليست مزحة!

[كذلك] هي مظهر الصّمود والاقتدار الروحيّ مقابل الحكّام المغرورين والمتكبّرين. في الكوفة حين ينطلق لسان ابن زياد بالشّماتة، هل رأيتم ماذا حلّ بكم؟ هل رأيتم كيف مُنيتم بالهزيمة؟، تُجيبه: «ما رأيتُ إلّا جميلاً»[2]. كلّ ما رأيت كان جميلاً، ألقمت ذاك الرّجل المتكبّر والخبيث والمغرور صفعة. هذا كان أمام [ابن زياد]. وأمام يزيد، عندما نطق بتلك الترّهات والتّفاهات وفعل تلك الأعمال، ألقت السيّدة زينب (ع) خطاباً وقالت هذه الجملة التاريخيّة فعلاً: «كِد كَيدك واسعَ سَعيك فَوَالله لا تَمحو ذِكرنا»[3]، وبلغتنا اليوم، تكون هذه الجملة كما يلي: ارتكب أيّ حماقة تقدر عليها، وافعل ما بوسعك، فوالله لن تقدر أن تُبعد ذكرنا عن آفاق أذهان النّاس. إلى من توجّه هذا الكلام؟ إلى يزيد المغرور والمستبدّ والدّموي. هذا ينمّ عن القدرة الروحيّة للمرأة. أي قدرةٍ هذه! أي عظمةٍ هذه! هذا يدلّ على الحكمة والتّدبير، وهذه الكلمات كانت محسوبة حين قيلت. لكن حين تقف مقابل النّاس ليس المكان موضع عرض الاقتدار بل موضع التنبيه والتبيين، موضع معاتبة الناس الذين لم يدركوا ما فعلوه ولا يعرفون ما كان عليهم فعله.

في الكوفة، تقول السيّدة زينب (ع) في خطبتها بعدما بدأ الناس البكاء بصوتٍ عالٍ: «أتبكون؟»، «فَلَا رَقَأَتِ الْعبْرَةُ وَلَا هَدَأَتِ‏ الزَّفْرَةُ»؛ ليت بكاءكم لا ينقطع، أيّ بكاء هذا الذي تبكونه! هل تدركون ما فعلتموه؟ «إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي‏ ﴿نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاث﴾[4]»[5]. لقد فعلتم ما قضى على جهودكم السابقة كلها. هل تعرفون ما فعلتموه؟ تتكلّم بهذا الأسلوب. وأنا أحتمل بقوّة أن يكون واحداً من العوامل المهمّة التي دفعت حركة التوّابين لاحقاً في الكوفة إلى الظهور والقيام وإطلاق ذلك الحدث العظيم كلامُ السيّدة زينب (ع) هذا وخطبتها هذه. لذلك خلاصة الملاحظة الأولى حول شخصية السيّدة هي أن زينب الكُبرى (ع) أثبتت بسلوكها وكلامها القدرةَ المعنويّة والعقلانية للمرأة. تتكلّم بطريقة كأنّ أمير المؤمنين (ع) يتكلّم وتقف كأنّ الرسول (ص) يقف أمام الكفّار. هذه هي قدرة المرأة.

جهاد التّبيين: مظهر آخر على قدرة التّدبير لدى زينب الكبرى (ع)
وهو واجب شبابنا اليوم

نقطة أخرى مهمة في حياة هذه العظيمة، وهي أيضاً علامة على التدبير، هي أن هذه العظيمة (ع) أطلقت جهاد التبيين وجهاد الرواية. لم تسمح لرواية العدو عن الحادث أن تغلِب؛ عملت ما يجعل روايتها تسود لدى الرأي العام. وحتى يومنا، ظلت رواية زينب الكبرى (ع) عن حادثة عاشوراء في التاريخ، [كما] لها الأثر في الوقت نفسه في الشام، وفي الكوفة، وفي مجموع سنيّ الحكم الأموي، وانتهى الأمر إلى سقوط الحكم الأموي. التفتوا! هذا درس [لنا]. هذا ما أقوله دائماً: فلترووا حقائق مجتمعكم وبلدكم وثورتكم. إنْ لم ترووها، فسيرويها العدوّ، وإذا لم تروِ [رواية] الثورة، فسيرويها العدو، وإذا لم تروِ حادثة «الدفاع المقدس»، فسيرويها العدو، وسيبرّر كيفما يشاء، وسوف يكذب، 180 درجة خلاف الواقع، ويُغيّر مكان الظالم والمظلوم. إذا لم ترووا حادثة السيطرة على وكر التجسس[6] - ما لم نفعله، للأسف - فسوف يرويها العدو وقد فعل ذلك، وروى العدو روايات كاذبة. هذا ما يتعين علينا فعله. إنه واجب شبابنا.

حسناً، لندخل الآن في موضوع الممرضين. في ما يخصّ الممرضين ما سأقوله بدايةً هو نظرة على قيم التمريض. هذا موضوع سوف أتحدّث عنه ببضع جمل. بعد ذلك نلقي نظرة على مشقّات التمريض ومراراته التي علينا أن نفهمها، كما على الشعب الإيراني أن يفهم ما يعانيه مجتمع التمريض في عمله. قضية أخرى هي مطالب الممرضين. لديهم مطالب. حسناً، الآن، والحمد لله، المسؤولون حاضرون أيضاً في الاجتماع، وسأقدم لمحة إجمالية عن مطالب الممرضين لا جميعها.

قيَم التّمريض
1- مساعدة المريض المحتاجَ تحرّكٌ في مسير السّلوك التّوحيديّ

أمّا عن القيم، فهناك نقطة رئيسية هي مساعدة الإنسان المحتاج. إنّ الممرض هو الذي يساعد من يحتاج إلى المساعدة في كل شيء: يريد الماء، يريد الطعام، يريد الراحة ليلاً للنوم، يريد تسكين الآلام، يريد الدواء... وبقية الاحتياجات المختلفة التي يساعد الممرض على تلبيتها لهذا الإنسان الذي هو في منتهى الحاجة والضيق، مثل ملاك الرحمة. حسناً إنّ مساعدة المحتاج قيمة رفيعة في جميع الثقافات، فكيف [للفرد] الأشد احتياجاً، أي المريض؟ هذه نقطة مهمة وهي مساعدة المحتاج. دعوني أخبركم أيضاً أن من تعليمات أهل السلوك والمسير التوحيدي والأخلاق، وما شابه، أي الذين يقدمون تعليمات للسير والسلوك، مساعدة أولئك الذين يحتاجون المساعدة. هذا يعني أنك - الممرضَ - عندما تعمل في مهنتك، فإنّك تؤدي واحداً من التعليمات المهمة للسلوك التوحيدي. إنها أهمية هذا العمل، وهي قيمة عالية جدّاً. هذا أوّلاً.

2- العمل الشّاقّ فيه قيمة أكبر وأسمى
القيمة التالية للتمريض هي أنه عمل شاق، والأعمال الشاقة أكثر ثواباً وقيمة. ذلك العمل الذي يتمّ بصعوبة، والذي يتحمله الإنسان بصعوبة، له قيمة أسمى في الميزان الإلهي لأن هذا العمل مصحوب بالمشقة، وسوف نشير بإيجاز إلى بعض صعوباته. لذا إن قيمة التمريض مضاعفة أكثر من المساعدات الأخرى لأنه عمل شاق.

3- يوفّر الأمان للمريض وأقاربه والنّاس جميعاً
قيمة أخرى هي أن هذه الحركة التمريضية مصدر للأمان. الأمان لمن؟ أولاً للمريض نفسه الذي يطمئن باله عندما يكون الممرض فوق رأسه، وثانياً لذوي المريض الذين يعرفون أن الممرض في المستشفى موجود بجوار سرير المريض فيطمئن بالهم، وإذا لم يكن هذا الممرض حاضراً، فسيشعرون بالاضطراب والقلق، وثالثاً الناس جميعاً. حسناً، كل وجدان يتألم ويقلق بسبب معاناة أولئك الذين يتألمون وتعبهم. نحن إذا علمنا أنه ليس هناك أحد، ليس هناك ممرض فوق رأس المريض الذي يعاني من الألم والأوجاع والجوع والعطش، فمن الطبيعي أن نشعر بعذاب الوجدان، وأن نشعر بالضيق والقلق، ولكن لأننا نعلم أن الممرض موجود، نشعر بارتياح البال. الممرض مصدر للأمان لكلّ من المريض وذويه، وكذلك لبقية الناس، فالممرضون هم من يزيحون الأذى عن بالي وبالكم. بناءً على هذا، لمجتمع التمريض حقٌّ ليس على المريض فحسب، بل حقّ عليّ وعلى أولئك الذين لا علاقة لهم بهذا المريض، لأنّه يمنحهم طمأنينة البال.

4- نوع من المواجهة مع أعداء الشّعب الإيرانيّ
هناك قيمة مضاعفة للتمريض في إيران الإسلامية هي أن الأعداء المستكبرين، المستكبرين في العالم، يفرحون بآلام الشّعب الإيراني. ألا تصدّقون ذلك؟ أعداء الشّعب الإيرانيّ يفرحون بآلامه. ما الدّليل على ذلك؟ الدّليل هو القصف الكيميائيّ في مرحلة «الدّفاع المقدّس». آلاف الشّباب أُصيبوا بأمراض مستعصية وغير قابلة للعلاج، ومؤلمة، جرّاء القصف الكيميائي، وفي بعض الأحيان عائلاتهم وأبناؤهم أيضاً. نعم، هذا القصف الكيميائي نفذه صدّام [حسين]، لكن من سلّمه تلك القنابل؟ من سلّمه تلك المادّة الكيميائيّة؟ من سمح وتفرّج برضا؟ احتمال وجود سلاحٍ كيميائي في أيّ بلد يجعلهم جميعاً يثيرون الضّجيج. كان هذا (صدام) يلقي القنابل الكيميائيّة أمام أنظار الجميع، أمريكا وبريطانيا وفرنسا والآخرين، فكانوا يتفرّجون ويشيدون به ويساعدونه أيضاً. حسناً، إذاً هم يفرحون بآلام الشّعب الإيراني... أو هذا الحظر على الدّواء. لقد تلطّف الله واستطاع علماؤنا الشباب إنتاج لقاح كورونا. فقد رأوا أنّ الباب لو بقي مغلقاً ولم يدخل اللقاح، فإنّ إيران ستزيد إنتاجها. لو أنّ شبابنا وعلماءنا لم يُنتجوا هذا اللّقاح، لم يكن من الواضح كيف كان سيصل هذا اللقاح إلى أيدي الشّعب الإيرانيّ والمسؤولين؛ هم يستمتعون بآلام الشّعب الإيراني.

حسناً، أنتم في ظلّ هذه الأجواء وبصفتكم ممرّضين إذا استطعتم رسم الابتسامة على شفاه مريضٍ وأقاربه، تكونون في الواقع جاهدتم ضد الاستكبار. هنا التمريض يعني أيضاً مواجهة الاستكبار ومجابهته. إنّ مجتمع التمريض لديه مثل هذا الوضع، ولديه قيم عدة. لقد ذكرت الآن بضع نقاط فقط، ويمكننا التحدث أكثر عن هذا. هذا عن قيم التمريض.

المشقّات والمرارات طبيعةُ العمل التّمريضيّ
المشقات والمرارات... طبيعة العمل التمريضي صعبة ومرّة. أن يُشاهد المرء معاناة المرضى، وتألم المرضى، وأنين المرضى، وأرق المرضى، أن يرى المرء هذا باستمرار أمام عينيه، بالطبع هذا مرّ وصعب جداً، هذا واحد من أصعب الأمور على الإنسان، [أنْ] يشاهد المرء باستمرار هذه الاحتياجات الجسدية للمرضى أمام عينيه ويقوم عليها، ليس أن يشاهدها ويعبّر عنها. إنه يتألم في علاج آلامه، وجائع وعطشان، فيعالج أمره. لديه مشكلات مختلفة يعالجها ويعتني بالمريض ليلاً ونهاراً. هذه هي مشقات التمريض. لذلك إن طبيعة العمل التمريضي طبيعة صعبة.

حضور الممرّضين في ذروة صعوبات «الدّفاع المقدّس»
في بعض الحالات، تتضاعف هذه المشقة، مثل مرحلة «كورونا»، وكذلك أثناء «الدفاع المقدس». كان الأمر كذلك خلال «الدفاع المقدس». معظمكم من الشباب ولا تتذكرون. أولئك الذين كانوا في الميدان في ذلك الوقت يعرفون. كانت لدينا في «الدفاع المقدس» مستشفيات لم تكن بعيدة عن خط الأمامي. كنت قد رأيت بنفسي هذه المستشفيات من قرب. في هذه المستشفيات، كان هناك أطباء وممرضون تحت القصف! كنت في إحدى هذه المصحات والمستشفيات عندما قُصفت. كنت حاضراً هناك بنفسي ورأيت القصف العنيف الذي وقع. كان رجال الإنقاذ يذهبون إلى قلب النار والدّم. خلال «الدفاع المقدس» كانت هذه [الصعوبات] موجودة ومضاعفة.

مشقّات مرحلة «كورونا» وتضحيات الممرّضين
كانت مرحلة «كورونا» على هذا النحو أيضاً. خلال «كورونا» أيضاً وإنصافاً تضاعفت مشقة العمل وزادت ساعاته، وانخفضت الإجازات. خلال عطلة النوروز، لم يتمكن الممرضون من الاهتمام بأسرهم وأبنائهم وأزواجهم وآبائهم وأمهاتهم. هذه [الأمور] تعني الكثير، وهي مهمة للغاية. في الأوقات التي يستريح الجميع وينشغلون بالعيش والاستمتاع بالحياة، يواجه الممرّض في المستشفى المرارة والمرض ولا يطلّ على المنزل؛ هذه هي المشقات. ثم مشاهدة الوفيّات. كم يمتلك الإنسان من طاقة حتى يشاهد وفاة الأشخاص! خلال «كورونا» كم من هؤلاء الممرضين شهدوا وفيات البشر في المستشفيات كباراً وشباباً ونساء ورجالاً! إنها صعبة، صعبة جداً. إلى جانب ذلك، [شاهدوا] موت زملائهم. كم توفّي من زملائهم! حتى أمس، أول من أمس، كان زميلهم إلى جانبهم، ثم أصيب بـ«كورونا» وتوفّي. إنها صعبة جداً! في رأيي، يجب على الشعب الإيراني أن يرى هذه الصعوبات ويفهمها وأن يثمّن المجتمع التمريضي. ثم بالإضافة إلى كل هذه المخاطر هناك أيضاً خطر إصابة الممرض نفسه بمرض مهلك. فهو يترقب هذا الخطر دائماً. كم من الممرضين أصيبوا! فكلّ ممرض يحتمل أنه يعمل اليوم بأمان وغداً يصارع المرض. إنه خطر مهم للغاية. لقد سمعنا في الماضي أنه في الأمراض العامة مثل الوباء والطاعون، وما إلى ذلك، كان هناك أشخاص يذهبون إلى المرضى، مثلاً، من أجل المساعدة والعناية والرعاية... فيصابون ويفارقون الحياة. كانت تحدث حالات معدودة [مثل هذه]. لكننا شهدناها بأعداد كبيرة في عصرنا.

وجود القوّات الجهاديّة وحضورها دلالةٌ على الهويّة المفعمة
بالنّشاط والمبادرة لدى الشّعب الإيرانيّ

هناك نقطة هنا أود قولها أيضاً: كان لدينا عناصر من غير الممرضين إلى جانب الممرضين ويعاونونهم، فكان طلاب الحوزة والجامعة ومختلف الشباب يذهبون إلى المستشفيات ويتعلمون شيئاً مختصراً [ويساعدون] أو يفعلون أي شيء يمكن فعله. وفي زمن «الدفاع المقدس»، كان الأمر على هذا النحو، إذ يأتي أشخاص غير محترفين ويدخلون الميدان لمساعدة الممرضين. كانوا يشعرون بالمسؤولية ويأتون إلى المستشفيات ويساعدون الأجهزة العلاجية بما في ذلك الجهاز التمريضي بقدر ما يستطيعون وكيف ما يستطيعون. في رأيي هذا [العمل] يحمل حقيقة مهمة ومشرقة في بلدنا العزيز ولدى شعبنا العزيز. إنه يؤكد هوية الشعب الإيراني المفعمة بالحيوية والمبادرة وحس المسؤولية. إنه دلالة على أن هذه المبادرة لدى الشعب الإيراني عامة، وبالطبع، لقد شوهدت أيضاً في البلاءات العامة الأخرى. وبالطبع أنا [ذكرت] قسم التمريض منها. إنها سلسلة متواصلة قبل الثورة الإسلامية. خذوا من زمن النضالات ضد نظام الجور الشاهي إلى أحداث الثورة الإسلامية، إلى أحداث «الدفاع المقدس»، إلى أحداث ما بعد ذلك، إلى «كورونا». الهوية الملتزمة وذات الحس بالمسؤولية للشعب الإيراني أظهرت نفسها في هذه [الأحداث] كلّها. وكما كانت خلال زمن النضالات ضد نظام الجور الشاهي كانت أيضاً في زمن «الدفاع المقدس» وأيضاً في المرحلة التي تلتها وأيضاً في زمن «كورونا» وفي الحركة العلمية العظيمة للبلاد... إنها حركة مهمة تدل على [هوية] شعبنا. إنها تظهر هوية شعبنا. هذه الحركة هي حركة بنّاءة لهوية الشعب. إنها ذلك الشيء الذي ينبثق من قلبه، من هذه الهوية، أبطالٌ مثل الشهيد سليماني والشهيد فخري زاده والشهيد شهرياري. إنها حقيقة تُظهر نفسها بأشكال ومظاهر متنوعة، هوية الشعب الإيراني. هذه الحقائق البنّاءة للهوية ودلالات الهوية. إنها دلالة الهوية، وأيضاً هي نفسها تعزز الهوية وتبني هوية الشعب الإيراني. هذا أيضاً بشأن المشقات.

الضّعف في السّرد الفنّيّ في قضايا مثل «كورونا»،
والاستفادة من الرّصيد الثّقافيّ الضّخم

أود هنا أن أخاطب فنّانينا. لدينا نقص في مجال السرد الفني لهذه الأحداث، هذه الأحداث الاستشفائية التي قلتها للتو. مشقات الممرضين والصعوبات التي يواجهونها فيها دوافع فنية. وفق التعبير الأجنبي الرائج في لغة الفنانين لديها دوافع دراماتيكية، ويمكن إنشاء برامج فنية مشوّقة من خلالها.

فليأتوا إلى الساحة مع مختلف الفنون سواء التمثيلية أو التشكيلية، أو الشعر أو الأدب. وليظهروها [في الإنتاجات الفنية]. فهذه أرصدة ثقافية ضخمة يجب أن يستفيد الجميع منها، ومَن يستطيع نقد هذه الأرصدة هم فنانونا. الحمد لله، ليس لدينا عدد قليل من الفنانين الملتزمين والمسؤولين. فليأتوا وليدخلوا الميدان. حسناً، هذا أيضاً بشأن المشقات والمرارات وقد تحدثنا عنها ببضع جمل. بالطبع هناك أكثر من هذا ويمكننا التحدث أكثر.

مطالب الممرّضين
1- تعزيز المجتمع التّمريضيّ

أما المطالب... المطلب الرئيسي للمجتمع التمريضي هو تقويته. إذا أردنا التلخيص بكلمة واحدة، يتوقع المجتمع التمريضي منا جميعاً وخاصة الأجهزة المسؤولة - الوزير الموقر حاضر هنا أيضاً - تعزيز هذا المجتمع. طبعاً، إذا لم نعزّز المجتمع التمريضي، فسنتلقى ضربة عند الشدائد، وهذا ما أظهرته قضية «كورونا». سنتلقى ضربة عندما نكون محتاجين. تجب تقوية المجتمع التمريضي من أجل الأيام العصيبة. قد لا يشعر الإنسان بالحاجة دائماً - بالطبع نشعر بها لأن لدينا مشكلة الآن في عدد [القوى]، وسأتحدث عنها الآن وعن كثير من الأشياء الأخرى - لكن فرضاً إذا لم تكن لدينا مشكلة حالياً، وإذا لم نعزز [المجتمع التمريضي]، فسنتلقى ضربة في الأوقات العصيبة مثل قضية «كورونا» هذه.

2- وضع التّعرفة على الخدمات
على وجه التحديد، يتمثل أحد مطالب هؤلاء في وضع التعرفة على خدمات التمريض، وهو بالطبع مطلب رئيسي. لقد قلت الشيء نفسه في العام الماضي[7]، وأكّدته أيضاً، وللأسف أولئك الذين ينبغي أن يفعلوا [شيئاً] لم يفعلوا! قانون وضع التعرفة أُعدّ منذ عام 2007، ولم تُكتب لائحة هذا القانون حتى الأيام الأخيرة للحكومة السابقة. أي مضى نحو أربعة عشر عاماً على هذا القانون دون أن يتم تنظيم لوائحه وإعدادها! حسناً، لماذا؟ لدي إصرار على أن تتابع وزارة الصحة في هذه الحكومة موضوع التعرفة بجدية. هذا مطلب مهم للممرضين، وإنه مطلب حقيقي.

3- ملء النّقص في عدد الممرّضين بالمقدار الّذي تحتاجه البلاد
المطلب الآخر هو مسألة النقص في عدد الممرضين بمقدار الحاجة. الآن في الإحصاءات التي يعرضونها علينا يتم مقارنتها مع المتوسط ​​العالمي، ولا حاجة لي به، فقد يكون المتوسط ​​العالمي صحيحاً، وقد يكون خطأ... أنا يهمني [مقدار] الحاجة. ليس لدينا العدد من الممرضين بالقدر الذي تحتاجه أسرّة مستشفياتنا اليوم. الآن هنا من يقول مئة ألف [شخص]، وهناك من يقول أقل، وثمة من يقول [أكثر]. أنا لا أحدد رقماً لأنني لا أعرف بدقة، لكنني أعرف أن لدينا نقصاً في عدد الممرضين. يجب أن يكتمل عدد الممرضين بالتناسب مع مقدار الحاجة، فهو قليل جداً. بالطبع هذا ليس بالشيء الذي يمكن فعله في شهر أو شهرين؛ يستغرق الأمر بعض الوقت، ولكن يجب أن يتم هذا العمل في الوقت المناسب، إن شاء الله.

4- الأمان الوظيفيّ
المطلب الآخر هو مسألة الأمان الوظيفي. وقد حدث في السنوات الماضية، في قضية «كورونا» نفسها أيضاً، أنهم استدعوا الأشخاص الذين لديهم استعداد للعمل. راحوا ووقعوا عقوداً قصيرة الأمد معهم، وعندما رُفعت احتياجاتهم، قالوا: تفضلوا خارجاً!
حسناً، فبّأي دافع يأتي هذا الشخص الذي لا يتمتع بأمان وظيفي لكي يعمل بالتمريض؟ لذلك، إن الأمان الوظيفي من القضايا المختلفة. لا تنظروا إلى الممرض على أنه عامل موسمي نحضره اليوم وفي الغد، نقول: لسنا بحاجة، اذهبوا. كلا! [بل] الأمان الوظيفي.

بالطبع هذه [قضية] لها آليات وإجراءات يعرفها الخبراء. وبالطبع أيضاً هناك مطالب أخرى، لكن دهمنا الوقت الآن فلن أُكمل. على الأصدقاء خاصة في وزارة الصحة والعلاج أن يتابعوا هذه الأمور.

الحاجة إلى إعادة بناء الشّبكة الصّحيّة في البلاد
وتقويتها والاستفادة من خدماتها

أودّ أن أتحدث عن نقطتين خارج موضوع الممرضين في ما يتعلق بالقضايا الصحية، وهذه النقطتان مهمتان أيضاً. واحدة بشأن شبكة الصحة في البلاد، وقد أكّدت قضية شبكة الصحة في السابق[8]. في مرحلة ما في الستينيات وأوائل السبعينيات تقريباً (الثمانينات وأوائل التسعينات الميلادية)، كان اعتماد الحكومة والأجهزة وتركيزها على الصحة والوقاية، ما كان له آثار جيدة أيضاً. علينا أن نتابع هذا، فهو مهم. الوقاية خير من العلاج. العلاج ضروري، وليس المقصود أن نهمل العلاج ولكن ألّا نهمل الوقاية.

ما يتطلبه الأمر إعادةُ البناء لهذه الشبكة الصحية التي تم إنشاؤها من قبل والتي كان لها كثير من البركات والمفاعيل. هي موجودة [لكنها] ضعيفة ولا يُعتنى بها. [ينبغي] تعزيزها وإعادة بنائها. إذا كانت الشبكة الصحية ناشطة حقاً، يمكنها إنجاز أعمال كبيرة بتكلفة أقل.

الحاجة إلى توزيع عادل للأطبّاء في أنحاء البلاد جميعاً
المسألة الثانية هي قضية التوزيع العادل للأطباء... التوزيع العادل. الآن لدينا نقص في الأطباء، أو ليس لدينا نقص، أنا لا أدخل في هذه النقاشات، فأهل الاختصاص يعرفون هل لدينا نقص أم لا. لكن ما أعرفه هو أن توزيع الأطباء ليس عادلاً. في ناحيةٍ من البلاد - الأماكن النائية - يوجد نقص. يجب الالتفات إلى التوزيع العادل للأطباء. وإلى هنا ينتهي حديثي.

التوكّل على الله والثّقة بالوعد الإلهيّ
استعينوا بالله المتعالي وتوكّلوا عليه. يجب الطلب والسؤال من الله والتضرّع إليه والتوكل عليه في شؤون البلاد والحياة كلها؛ ﴿وَمَن يَتَوَكّل عَلَى الله فهُوَ حَسبُه﴾[9]. من يتوكّل على الله، فالله يكفيه. اعلموا هذا. [طبعاً] التوكل على الله لا يعني ألّا نعمل. الأمر واضح، أي أن نعمل واثقين بالوعد الإلهي، فقد قال: إذا عملتم، فسأبارك لكم، أي أن نثق بالوعد الإلهي.

نتمنى، إن شاء الله، أن يكون غدكم أفضل من حاضركم، ومستقبلكم أفضل من ماضيكم. وإن شاء الله، ينتفع شعب إيران بجهودكم وخدماتكم، وأن يعطيكم الله المتعالي أجراً، وأن يعطي الممرضين أجراً، وأن ينصر الشعب الإيراني ويُعزّه في ميدان المواجهة مع الأعداء - في جميع ميادين المواجهة - إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1] ألقى وزير الصحة والعلاج والتعليم الطبي، الدكتور بهرام عين اللهي، كلمة في بداية هذا اللقاء.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج45، ص116.
[3] المصدر نفسه، ج45، ص135.
[4] سورة النحل، الآية 92.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج45، ص109 (مع تفاوت بسيط).
[6] يقصد سماحته أحداث السفارة الأمريكية في طهران حيث احتجز 52 أمريكياً لمدة 444 يوماً من 04/11/1979م حتى 20/01/1981م، وقد صنع الأمريكيون أفلاماً عن ذلك الحدث أشهرها «آرغو» الذي عُرض سنة 2012م.
[7] في كلمة لسماحته بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب (ع) ويوم الممرض في إيران، 20/12/2020م.
[8] خلال اتصال ملتفز مع «الهيئة الوطنية لمكافحة كورونا»، 10/05/2020م.
[9] سورة الطلاق، الآية 3.

 

قراءة 736 مرة