الدرس الخامس: الفرقة الزيدية تاريخها وعقائدها

قيم هذا المقال
(2 صوت)
الدرس الخامس: الفرقة الزيدية تاريخها وعقائدها


من الفرق الثلاثة الشيعية المشهورة والمتواجد أتباعها خاصة في اليمن والحجازهي فرقة الزيدية والتي تنتسب إلی زيد بن علي بن الحسين (ع) ، حيث اعتبرت زيداً اماماً بعد وفاة أبيه السَّجاد(ع)، وقبل أن نتطرق إلی تاريخ هذه الفرقة الشيعية وعقائدها لابدَّ من معرفة زيد الثائر الشهيد وأفکاره وأسباب قيامه ضد الاُمويين ونتائج ثورته.

ملامح من شخصية زيد وقيامه
لإلقاء الضوء على شخصية زيد بن علي وثورته وقصة استشهاده نقتبس ما أورده المرحوم السيد محسن الأمين فيه في كتابه (المجالس السنية): كان زيد بن علي بن الحسينG عين إخوته بعد أخيه أبي جعفر الباقر(ع) وأفضلهم، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخياً شجاعاً وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويطلب بثارات الحسين(ع) ...وأقبلت الشيعة تختلف إليه وهم يبايعونه، حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان والجزيرة. فحاربه يوسف بن عمر الثقفي، فلمَّا قامت الحرب انهزم أصحاب زيد وبقي في جماعة يسيرة فقاتلهم أشد القتال وهو يقول متمثلاً:

فذلُّ الحياة وعزّ الممات
فإن كان لابدَّ من واحـد


 
وكلاً أراه طعامـاً وبيلا
فسيري إلى الموت سيراً جميلا



وحال المساء بين الصفين، وانصرف زيد وهو مثخن بالجراح وقد أصابه سهم في جبهته، وطلبوا من ينزع السهم فأتي بحجَّام، فاستكتموه أمره، فأخرج النصل فمات من ساعته، فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش وأجري الماء على ذلك، وحضر الحجَّام وقيل عبد سندي مواراته فعرف الموضع، فلمَّا أصبح مضى إلى يوسف فدلّه على موضع قبره فاستخرجه يوسف بن عمر وبعث برأسه إلى هشام وبعثه هشام إلى المدينة فنصب عند قبر النبي(ص) يوماً وليلة. وكتب هشام إلى يوسف بن عمر أن اصلبه عرياناً فصلبه في الكناسة فنسجت العنكبوت على عورته من يومه ومكث أربع سنين مصلوباً، حتى مضى هشام وبويع الوليد بن يزيد،([1]) فكتب الوليد إلى يوسف بن عمر: أما بعد فإذا أتاك كتابي فاعمد إلى عجل أهل العراق فاحرقه ثم انسفه في اليمِّ نسفاً،...»([2])، ولقد نفّذ يوسف ما أمره سيّده فأحرق جسد زيد بن علي ورماه في نهر الفرات([3])، وکان ذلك في الثالث من شهر صفرسنة 122 هـ (على رواية المفيد)، وكان عمره يوم شهادته ستّاً وخمسين سنة ([4]). وقد صرّح الإمام الصادق (ع) بعاقبة هذا الأمر بقوله : « إنَّ الله عزَّ ذكره، أذن في هلاك بني اُمية بعد إحراقهم زيداً بسبعة أيّام »([5]).

الزيدية ومکانتها بين الفرق الإسلامية
يتصور البعض أنَّ تسمية (الزيدية) بمعنی :أنّ هذه الفرقة تلقّت أُصولها وفروعها من إمامهم زيد الشهيد، كما أخذت الأشاعرة أُصولها من الشيخ الأشعري، والحنفية من إمامها أبي حنيفة.ولكن هذه التسمية بهذا المفاد خاطئة ، لأنّه لم تكن لزيد عقيدة خاصة في المسائل الكلامية حتى يكون أتباعه يعتقدون بها، كما أنّه لم يكن له كتاب فقهي استدلالي حتى يرجع المقلِّدون، إليه في الفروع. وأيضاً الزيدية نسبة لم يطلقها زيد على اتباعه ، ولا اطلقها في البداية اتباعه على انفسهم ، وانما اطلقها حكام بني امية على كل ثائر عليهم بعد الامام زيد من اهل البيت النبوي ... فالتسمية هذه تسمية سياسية في الاصل ولا دخل لها في ما تعارف عليه الناس في النسبة المذهبية الى ائمة المذاهب الاسلامية، ولكن أتباع زيد قبلوا بهذه التسمية ورضوا بها لانها شعار الحرية والعزة والكرامة والجهاد والتضحية في سبيل الله والمستضعفين.

إنَّ الإتجاه السني في تصنيفه للفرق الشيعية ، يعتبر الزيدية من الفرق الشيعة المعتدلة حيث لايبطلون امر خلافة الشيخين ابي بكر وعمر، وإن اختلفوا في خلافة عثمان ،واتَّفقوا علی تخطئة الخلفاء الثلاثة لتقدمهم علی الإمام علي(ع) الأفضل ولکن قبلوا بخلافة المفضول للمصلحة، ثمَّ وصول الخلافة إلی الأفضل وهو الإمام علي (ع) بنص من رسول الله (ص) بتسميته أودون تسمية، لكنَّه صاراماماً حين دعا الى نفسه. وتورد كتب السنة حادثة تدل على اعتدال الحركة الزيدية وانَّ زيد بن علي اعتبر الخليفتين أبابكر وعمر مفضولين يجوز ان يتقدما في الخلافة على الفاضل وهو الامام علي (ع) ، فينقلون کلاماً عن زيد أنَّه قال: « كان علي بن ابي طالب (ع) افضل الصحابة على الاطلاق ، وان الخلافة فوضت الى ابي بكر لمصلحة رأوها من تسكين ثائرة الفتنة ، وتطييب قلوب العامة ، فان عهد الحروب التي جرت ايام النبوة كان قريبا ، وسيف امير المؤمنين علي (ع) لم يجف بعد من دماء المشركين ، فكانت المصلحة ان يكون القائم بهذا الشأن من عرفوه باللين والتوئدة والتقدم بالسن والسبق في الاسلام ، والقرب من رسول الله(ص) ([6]).

الفرق الزيدية وعقائدها

قد ذكر المؤرخون للزيدية فرقاً متعدِّدة، فعدَّهم الأشعري إلی ستة فرق ، وبين مضيف إلی ثمانية وهو المسعودي، وبين مقتصر على ثلاثة فرق وهو نشوان الحميري ونکتفي بما ذکره الأشعري حيث کان أقدمهم:

الفرقة الاُولی- الجارُودية([7]): وهم أصحاب « أبي الجارُود». وإنّما سمّوا «جارُودية» لأنّهم قالوا بقول: «أبي الجارود» يزعمون أنّ النبي (ص) نصّ على علي بن أبي طالب بأوصافه لا بإسمه، فكان هو الإمام من بعده وأنّ الناس ضلّوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول صلى الله عليه و آله (ص) ثمَّ «الحسن» من بعد علي هو الإمام ثم «الحسين» هو الإمام من بعد الحسن.

الفرقة الثانية- السليمانية([8]) :أصحاب «سليمان بن جرير الزيدي» يزعمون أنّ الإمامة شورى وانّها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين، وانّها قد تصلح في المفضول وإن كان الفاضل أفضل في كل حال، ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر.

الفرقة الثالثة- ألصالحية أوالبترية:أصحاب «الحسن بن صالح بن حي» وأصحاب «كثير النواء» وإنّما سمّوا «بترية» لأنّ «كثيراً» كان يلقب بالأبتر، يزعمون أنّ علياً أفضل الناس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (ص) وأولاهم بالإمامة، وأنّ بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ، لأنّ علياً ترك ذلك لهما، ويقفون في عثمان وفي قتلته ولايقدمون عليه بإكفار.

الفرقة الرابعة- النعيمية:أصحاب «نعيم بن اليمان» يزعمون أنّ علياً كان مستحقاً للإمامة وأنّه أفضل الناس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (ص) ، وأنّ الأُمّة ليست بمخطئة خطأ أثم في أن ولّت أبا بكر وعمر رضوان اللَّه تعالى عليهما، ولكنها مخطئة خطأ بيّناً في ترك الأفضل وتبرّأوا من عثمان ومن محارب علي وشهدوا عليه بالكفر. (وهذه الفرقة تقترب من السُّليمانية وربَّما تکون فرعاً منها).
والفرقة الخامسة- الصَّباحية:يتبرّأون من أبي بكر وعمر ولا ينكرون رجعة الأموات . ( واکتفی الأشعري بوصفها هکذا ولم يذکر اسمها وهي الفرقة الصَّباحية وهم أتباع الصَّباح المازني).
والفرقة السادسة اليعقوبية:يتولّون أبا بكر وعمر، ولايتبرّأون ممن تبرأ منهما، وينكرون رجعة الأموات ويتبرّأون ممن دان بها وهم «اليعقوبية» أصحاب رجل يدعى «يعقوب»([9]).
لقد تعرفت على كلمات المؤرّخين في فرق الزيدية، و أنّ هذه الفرق، كلها قد بادت مع بقاء الزيدية بالمفهوم العام وهو القول بإمامة زيد والخروج على الظالم واستمرار الإمامة في الحسن والحسين (ع) من ولد فاطمة (س)، وأنّ الإمامة بالطلب والفضل وأمّا أسماء تلك الفرق والعقائد المنسوب إليهم فلا توجد اليوم إلّا في بطون الكتب والمؤلّفات في الفرق الإسلامية كالملل والنحل ونحوها ، فالبحث عن هذه الفرق من ناحية إيجابياتها وسلبياتها ليس مهماً ، وإنّما اللازم دراسة المفهوم الجامع والعقيدة المشترکة بين فرق الزيدية الموجودة في عصرنا والتي أغلبها تسکن اليمن([10]).

مرجع الزيدية في الأصول والفروع           
لا مغالاة إذا قلنا: أنَّ المذهب الزيدي ممزوج ومنتزع من مذاهب مختلفة في مجالي الأصول والفروع فالتقت الزيدية في العدل والتوحيد، مع شيعة أهل البيت جميعاً، إذشعارهم في جميع الظروف والأدوار، رفض الجبر، والتشبيه، كما أنّهم التقوا في الأُصول الثلاثة: الوعد والوعيد،والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع المعتزلة حيث أدخلوا هذه الأُصول في مذهبهم، وحكموا بخلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة، وحرمانه من الشفاعة ، كما جعلوا الفاسق، في منزلة بين المنزلتين فهو عندهم لا مؤمن ولا كافر بل هو فاسق، أخذاً بالأصل الثاني، ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول والسيف مع اجتماع الشروط أخذاً بالأصل الثالث.

وفي الفروع وإستنباط الأحکام الشرعية التقت الزيدية مع الإمامية في إنفتاح باب الفقه والإجتهاد، وکذلک فتح باب الإختيار من المذاهب الاُخری فتراهم يوافقون أهل السنّة في القول بحجّية القياس والاستحسان والإجماع بما هو هو، دون كونه كاشفاً عن قول المعصوم، وحجية قول الصحابي وفعله، ولذا يمکن القول بأنّ الزيدية في الغالب معتزلة في الأصول وأحناف في الفروع، ولذلك صاروا أكثر فرق الشيعة اعتدالًا- عند أهل السنّة- وميلًا إلى التفتح معهم .

نعم كانت عناية مشايخ الزيدية في العصور الأوّلية، بالنقل عن الصادقين والأخذ بقولهما أكثر من الذين جاءوا بعدهم ، وهذا أحمد بن عيسى بن زيد، مؤلف الأمالي قد أكثر فيها النقل عنهما وعن غيرهما من أئمة أهل البيت (ع)، ولكن أين هو من البحر الزخار لابن المرتضى (840- 764 هـ ) أو سبل السلام للأمير محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني (1182- 1059هـ) ، أو نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار للشوكاني (1250 - 1173هـ)، فإنهم لايصدرون في عامة المسائل إلّا ما شذ، إلّا عما يصدر عنه فقهاء أهل السنة، فالمصادر الحديثية هي الصحاح والمسانيد، والحجج الفقهية بعد الكتاب والسنّة، هي القياس والاستحسان، ولا تجد لأئمة أهل البيت أقوالاً تذکر و يستند إليها في الأصول والفروع إلاَّ القليل و نسوا أو تناسوا مقامهم العلمي و ذخائرعلومهم. ولكنّ تبقی العلامة الفارقة والنقطة الشاخصة التي تميز هذا المذهب عما سواه من المذاهب، ويسوقهم إلى التفتح مع الإمامية والإسماعيلية هو القول بإمامة علي والحسنين بالنص الجلي(بأسمائهم) أو الخفي(بأوصافهم) عن النبي الأكرم (ص) والقول بأنّ تقدم غيرهم‏ عليهم كان خطأ وباطلاً، هذا هو واقع المذهب الزيدي في الأصول والفروع وسنذکر مقتطفات من آرائهم في هذا المجال ([11]).

مقتطفات من عقائد الزيدية
سنذکر هنا مقتطفات من رؤوس عقائد الزيدية استخرجت من كتاب القلائد في تصحيح الاعتقاد، المطبوع في مقدمة البحر الزخار للإمام المرتضى والمؤلف ممَّن يشار إليه بين علماء الزيدية، ومن أحد أئمة الفقه والاجتهاد في القرن التاسع، وفي هذه القائمة الموجزة لعقائدهم يتجلى مدى انتمائهم، للمعتزلة أو للسنّة والشيعة :

1- إنَّ صفات الله عين ذاته، ويمتنع رؤية الله لا في الدنيا ولافي الاخرة، وأنَّ القرآن محدث، والزيدية تشترک مع الإمامية في هذه الإعتقادات.

2- حسن الأشياء وقبحها عقليان: على أنّه يقبح الشي‏ء لوقوعه على وجه من كونه ظلماً أو كذباً وهو قول أكثر الزيدية، وقد وافقوا الإمامية في ذلک.

3- تكليف ما لا يطاق قبيح: فتكليف الضرير بنقط المصحف وتکليف من لا جناح له بالطيران معلوم قبحه ضرورة عقلية، ولقوله تعالى: « لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَ ... » ([12]). وقد وافقوا الإمامية في ذلک.

4- الوعد والوعيد أوالمنزلة بين المنزلتين: وهو أصل في كلام المعتزلة والزيدية والغاية المتوخاة منها، الحكم بخلود المسلم الفاسق، أي: خلود مرتكب الكبيرة الذي مات بلا توبة في النار وهو لا مؤمن ولا كافر، بل فاسق وفي منزلة بين المنزلتين وهذا أحد أُصول المعتزلة لكن الزيدية أدخلوه في أصل الوعد والوعيد.

5- النص على إمامة عليّ والحسنين: وقالت الأشعرية: لم ينص (ص) على إمام بعده، وقالت الإمامية: بل نصّ على عليّ والحسنين‏ وسائر الأئمة من ولد الحسين للأخبار المشهورة.

6- جواز خروج امامين في قطرين: ويکون کلُ واحد منهما واجب الطَّاعة في قومه، بينما عند الإمامية لا يجوز ذلک، ويصح أن يکون في الوقت واحد إمامان أحدهما ناطق والآخر صامت.

7- خطأ المتقدمين على عليّ في الخلافة قطعي‏، لمخالفتهم، ولا يقطع‏ بفسقهم إذ لم يفعلوه تمرداً بل لشبهة فلا تمنع الترضية عليهم لتقدم القطع بإيمانهم فلا يبطل بالشك فيه.

8- القضاء في فدك کان صحيحاً‏: وقالوا: لو كان باطلًا لنقضه علي ([13])، ولو كان ظلماً لأنكره بنوهاشم والمسلمون، وخالفوهم بعض الزيدية.

9- خطأ طلحة والزبير وعائشة قطعي‏ لنکث البيعة وبغيهم على إمام الحقّ في حرب الجمل، ولکن قالت أکثر الزيدية أنّه قد صحت توبتهم، وقالت أکثر الزيدية أنّ معاوية فاسق لبغيه‏، ولم تثبت توبته فيجب التبرّي منه.

10- يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول والسيف مع اجتماع الشروط لقوله تعالی: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ...» ([14])، ولقوله تعالی: «فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي...» ([15]). وقالت الإمامية: يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف بشرط وجود الإمام المعصوم(ع).

مذهب الزيدية في العصر الحاضر
إنّ السيد العلامة بدر الدين الحوثي الحسني اليماني المعاصر([16]) نشر كتيباً باسم «الزيدية في اليمن» بيّن فيه ملامح مذهب الزيدية وعقائدهم ومصادرهم الكبرى في مختلف العلوم، وهو بكلامه في هذا الکتاب يتفتح على الإمامية وقد جاء في هذا الکتاب :الزيدية عنوان لطائفة عظيمة من طوائف المسلمين كان لها حضورها الملموس في ميداني الفكر والبسالة تحت ظلال قائدها العظيم الإمام زيد بن علي شهيد الحقّ والعدل والكرامة، ولئن كان لكل طائفة معالم بارزة تتميز بها وتعرف من خلالها، فانّ للزيدية معالم بارزة يراها لها الموالف والمخالف:

أحدها: وهو أولاها: المنزلة المنيفة التي يتبوّأها العقل عندها حيث تجعله الحاكم الذي لا يتعقبه أي‏ حاكم غيره، والحجّة التي بها استحق الإنسان الخطاب من ربّ العالمين، ومن خلاله استوحت أُصول عقيدتها حين أقصاه الآخرون وصغروا عظيم منزلته.

ثانيهما: احترام آراء الآخرين من المخالفين لها في الأُصول والفروع وعرضها عرضاً رفيقاً بعيداً عن أي ‏تجريح أو تبديع أو تضليل.

الثالث: صيحتها في وجه الظلم والاستبداد، والقهر، وسحق الكرامات حين‏ تحوّلت الخلافة إلى ملك عضوض، وحين تغيرت وشوهت بعض مفاهيم الإسلام الناصعة على يدي حكام متسلطين لا يمتلكون أي شرعية ([17]).

ثم إنّ المؤلف أتى بأُصول عقائد الزيدية التي منها التوحيد، والعدل والنبوة وصيانة القرآن من التحريف، والإيمان بالآخرة والبعث بعد الموت والشفاعة التي هي زيادة خير إلى خير، لا إنقاذ أحد من النار والإمامة التنصيصية إلی الإمام علي ثمَّ الحسن ثمَّ إلى السبط الشهيد الحسين(ع)، ثم جاء دور الدعوة والخروج وتحقق بزيد الثائر ومن سار على دربه ...

وقد قام المؤلف بتعريف الكتب والمصادر وقال: وأهمُّ كتبهم: كتب الهادي والقاسم.منها: كتاب الأحكام، والمنتخب والمجموعة الفاخرة التي تجمع عدّة رسائل للهادي، ومن محاسن الكتب وأنفعها كتب القاسم بن إبراهيم وهي كتب صغار بعضها في مجموع القاسم.

ومن مراجع الزيدية (في الفقه) شرح التجريد للإمام المؤيد باللَّه أحمد بن الحسين الهاروني المدفون بلنجا ([18]). ومن مراجعهم في علم الكلام، حقائق المعرفة للإمام أحمد بن سليمان وهو من أئمة الزيدية.ومن مراجع الزيدية في الحديث ما تضمنه شرح التجريد (للهاروني).ومن مراجع الزيدية في أُصول الفقه: كتاب بداية العقول شرح غاية السؤل تأليف الحسين بن الإمام القاسم بن محمد.

ثم أشار السيد بدرالدين إلی بعض الفروع التي اتفقت فيها الزيدية مع الإمامية وقال: ومن مذاهبهم الأذان بحيّ على خير العمل ولا يقولون: الصلاة خير من النوم ولا يجعلون الكف على الكف في الصدر في الصلاة، ولا يؤمّنون بعد الفاتحة، وتثنية الأذان إلّا التهليل في آخره وكذا الإقامة. ومن مذاهبهم الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم في الصلاة في الفاتحة وفي السورة وأنّ الصلاة جماعة لا تصح بإمامة الفاسق، ومن في حكمه، وأن لا يعتدّوا بجمعة الظلمة، وأنّ التكبير على الجنازة خمس، وأنّه لا يصلّى على الميت الفاسق، والمذهب السائد عندهم في الزكاة أنّه لا يجوز تسليمها إلى الظلمة إلّا كرها...، ومن مذاهبهم أنّها لا تجب طاعة الظلمة ولا تجوز معاونتهم ولا موالاتهم، ويجب عندهم اتّباع أهل البيت (ع) عملًا بحديث الثقلين: «إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض». ومن مذاهبهم في الصحابة أن فيهم الصالحين ومنهم من غيّر وبدّل، وفيهم منافقون فيجرح من ظهر فيه الجارح، ولا ينزلّون منزلة المعصومين ولا يتبعون فيهم طريقة العامّة الّذين يقدسونهم على الإطلاق، والمذهب السائد في الزيدية هو اجتناب كتب العامّة أو عدم اعتمادها في الغالب اتّهاماً لكثير من رواتهم من الفئة الباغية والخوارج والدعاة إلى بدعتهم ولكنهم يأخذون منها ما يوافق الحقّ تأكيداً واحتجاجاً على المخالف،...‏ ([19]).


الهوامش:
([1]) بعد موت هشام تولى الخلافة الوليد بن يزيد سنة (125 هـ) وقد اشتهر بالفسق إذلم يكن في بني اُمية أكثر إدماناً للشراب منه،و كان من فسقه أنه نكح أمهات أولاد أبيه، وتفاءل يوماً بالمصحف الكريم فخرجت الآية: (واستفتحوا وخاب كل جبارعنيد) فمزّق المصحف وأنشأ يقول:إذا ما جئت ربّك يوم حشر*** فقل يا ربّ مزّقني الوليد(مروج الذهب 3 :216، حياة الحيوان: 1: 72.
([2])المجالس السنية 3: 287، المجلس الثاني والأربعون بعد المائتين
([3]) راجع تاريخ اليعقوبي  2 : 391،تاريخ الطبري : 8 : 122.
([4]) أنساب الأشراف 3 : 446،و راجع كتاب (زيد الشهيد) للسيد عبد الرزاق المقرم. وقيل كانت شهادته ودفنه ليلة الجمعة السادس والعشرين من شهر محرّم الحرام سنة ( 122 هـ ) ،راجع مقاتل الطالبيين  : 92 ، وأنساب الأشراف 4  : 252 ، الحديث 254 .
([5]) الكافي 8 : 161 ، وتفسير العياشي1: 325.
([6]) التآلف بين الفرق الاسلامية لمحمد حمزة :81 ،عن الملل والنحل1 :394 .
([7]) هي أتباع زياد بن المُنذر بن أبي الجارُود وکان حارب مع زيد ثمَّ کُف بصره ، والفرقة الجارودية تعتبرمن أشدِّ الفرق الزيدية تمسُّکاً بالإمام علي (ع) وأنَّه أفضل الصحابة ومن دفعه عن هذا المقام فهو کافر.( راجع:فرق الشيعة للنوبختي: 74، والملل والنحل للشهرستاني1: 213).
([8]) السليمانية يقولون بالشوری وينکرون النص علی الخلافة من الأصل تسمية ووصفاً.
([9])مذاهب الإسلاميين للأشعري: 66.
([10]) لمزيد الإطلاع راجع: الزيدية نظرية وتطبيق ،لعلي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين ط .عمان عام 1405 هـ .
([11]) موسوعة «الملل والنحل»  لآية الله السبحاني مع تصرف في العبارات وتلخيص وإضافات .
([12]) البقرة : 286.
([13])  ولعله لم يبلغهم قول علي (ع) في فدك: «نعم قد كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم اللَّه» كما لم يبلغهم خطبة الصديقة الطاهرة حول فدك التي كان بنو هاشم يحفظونها ويعلّمونها أولادهم.
([14]) آل عمران: 104.
([15]) الحجرات: 10.
([16])  وهو الشخصية العلمية الفريدة للزيدية حالياً بعد السيد العلامة مجد الدين المؤيّدي مؤلف التحف في شرح الزلف، وقد سافر بدرالدين إلی إيران واجتمع مع آية جعفرالسبحاني في مؤسسته ودار الحديث بينهما  وقدَّم نسخة من کتابه المذکور إلی المؤسسة. راجع موسوعة «الملل والنحل» ، لآية الله السبحاني.
([17]) الزيدية في اليمن، قسم المقدمة: 3.
([18]) المعروف اليوم بلنگرود وقبره موجود هناك.
([19]) الزيدية في اليمن: 14.

قراءة 6036 مرة