الدرس الرابع: الفرق الشيعية وأسباب ظهورها

قيم هذا المقال
(1 Vote)
الدرس الرابع: الفرق الشيعية وأسباب ظهورها

إنَّ التشيع بالمعنی الخاص هو الإيمان بوجود النص من النبي(ص) للإمام علي(ع) وسائر الأئمة من ولده بالإمامة والخلافة، ولذا فالفرقة الشيعية الأصلية والأصيلة هي الفرقة الإمامية الإثني عشرية التي نشأت من بداية الإسلام إستناداً إلی النصوص التي مرَّت، وقد انشعب منها سائر الفرق التي يمکن إدخالها في المفهوم العام للتشيُّع لأنَّها تقول بثبوت الإمامة عن طريق النص الشرعي، وإن کان تشيَّعاً ناقصاً بسبب عدم إعتقادها الکامل بالأئمة الإثني عشر، کما في الزيدية ، والإسماعيلية. ولذا فالفرق التي لا يصح ادخالها ضمن هذا الاطار العام, ولا يجوز عدها فرقاً شيعية , ولا تصح نسبتها الى هذا الكيان باية صورة من الصور هي :كل فرقة لا تقول بثبوت الإمامة عن طريق النص , كما في بعض فرق الزيدية التي تدعي انعقاد الامامة بالاختيار، وبعض الفرق الإسماعيلية. وكـل فرقة تدَّعي المغالاة في حق علي (ع) او أحد أبنائه .وسنتحدَّث عن الفرق الأصلية للتشيع ،کما سنشير في طيات هذه البحوث إلی الفِرَق التي لا يحق لها الدخول فـي التشيع والتي حاول البعض حشرها في مفهومه وتعريفه لتشويه معالم هذا المذهب الحق والكيان المقدَّس , وتجريده عن حقيقة محتواه.

 والمذهب الشيعي الإثنی عشري الأصيل في الإسلام لم يطرأ عليه، ولم يظهر فيه أي إنشعاب في زمن ائمته الثلاثة (الامام علي والحسن والحسين (ع))، ولكن بعد واقعة الطف و إستشهاد الامام الحسين(ع)، اعترف اكثرية الشيعة بإمامة علي بن الحسين (ع) ، وذهب الاقلية منهم والذين عرفوا بالكيسانية إلى الاعتقاد بامامة محمد بن الحنفية اماماً رابعاً لهم، وهو المهدي الموعود عندهم، ومن هنا بدأت ظهور الفرق الشيعية.

قيام المختاروظهورالفرقة الکيسانية

 لم يشأ الإمام السجاد (ع) ان يتبنى قيادة تلك الجموع الغفيرة المنادية بالكفاح المباشر ضد قتلة الحسين(ع) ، بسبب الظروف المحيطة به ولم يرغب في تصدر حرب خاسرة ضد الامويين، ولقد كان الاتصال الوثيق مع أكابر أهل البيت(ع)  يوم ذاك رصيداً كبيراً للثائر لغاية التفاف شيعة العراق حوله، وبما أنّ محمد ابن الحنفية كان كبير العلويين في السِّن آنذاک ([1]) .فكاتبة المختار لأجل جلب اهتمام الشيعة، واُسندت الزعامة الروحية والفکرية إليه وروِّجت إشاعة ما يعرف بـ ( الفرقة الكيسانية ) نسبتة إلی المختار([2]) .

ومن يتحقّق في سيرة المختار وحربه للأمويين، والأخذ بثأر شهداء کربلاء وفي عدائه للزبيريين ابتداء من انتزاع الحكم منهم في الکوفة وحتى شهادته علی يد مصعب الذي جاء إلی الکوفة لقتاله وانتهاء إمارته علی يد آل الزبير، يستطع أن يعرف لماذا تنسب للمختار أقاويل ويتهم بالكذب والانحراف، وإدّعاء النبوة، واستغلال قتل الإمام الحسين (ع) من أجل مصالحه الشخصية، وكيف لايتهم بذلک کله وقد أطبقت على عداوته دولة آل الزبير ودولة الاُمويين؟([3]). ولا شك إنّ المختار قد أدخل السرور على أهل البيت(ع)، وقد ترحّم عليه الإمامان الباقر والصادق(ع).

 هذا وقد مرَّت اشاعة الكيسانية بمرحلتين، المرحلة الاُولى في زمن الدولة الاموية بعد مقتل الحسين (ع)، حيث برزت في فترة خروج المختار. والثانية بدأت اشاعة الكيسانية مع مطلع نشوء الدولة العباسية حيث كانت في طريقه إلی الزوال والتلاشي بعد ان حققت الاغراض المطلوبة من اطلاقها ونشرها في عهد المختار، فعمدت الدولة العباسية الى اشاعة - الكيسانية - ونقلوا الامامة من محمد بن الحنفية الذي زعمت اشاعة الكيسانية انه كان الامام بعد ابيه الى ولده عبد الله المكنى بابي هاشم([4]).

عقائد الفرقة الکيسانية :
تعتقد الکيسانية أنَّه قد غاب محمد بن الحنفية في جبل رضوى، وأسد عن يمينه ونمر عن شماله يحفظانه، يأتيه رزقه غدوة وعشية إلى وقت خروجه. ومن القائلين بهذا القول الكربية أصحاب أبي كرب الضريرومنهم كُثَيِّر الشاعر الکيساني وفي ذلك يقول:

الا ان الائمـة مـن قـريش       ولاة الحـق اربعـة سـواء
عـلي والثـلاثة مـن بـنيه       هـم الاسبـاط لـيس بهـم خـفاء
فسـبط سـبط ايمـان وبـر     وسـبط غـيبته كـربلاء.
وسـبط لا يـذوق المـوت حـتى      يـقود الخـيل يـقدمها اللـواء
يغـيب فلا يـرى منـهم زمـانا      برضـوى عـنده عسل ومـاء

 
فالمشهورأنّ الكيسانية يجمعهم شيئان:  أحدهما: القول بإمامة محمد ابن الحنفية، والثانية: القول بالبداء على اللَّه عزّ وجلّ، والرجعة([5]). ‏

والواقع والحقيقة إنّ محمد ابن الحنفية أجل من أن لا يعرف شروط الإمامة وإنّها لم تكن متوفرة في حقّه. إذ لو كانت بالنص فلم يكن هناك نصّ عليه، ولو كانت بالمبايعة فلم تكن هناك مبايعة. والذي يؤيد ذلك أنّه لم تشاهد منه دعوة إلى نفسه، ولما اُلقى عليه القبض من قبل ابن الزبير وهدَّده بالإحراق عند رفض البيعة لم يخضع لهم و رفض بيعتهم ، فما اشتهر من الإعتقاد بإمامته کان من بعض أتباعه أو ممَّن استغلَّ المذهب الکيساني لمصالحه الشخصية وهم بني العباس. وأمَّا القول بالبداء والرجعة فليس من عقائد هذه الطائفة فقط و إنّما هما من عقائد الإسلام جاء بهما القرآن الكريم([6]) و السنّة النبوية ولکن لفهمهما بحاجة إلی زيادة توضيح وبيان من قبل علماء الإسلام ([7]).

ويمکن أن يقال إنّ المذهب الكيساني تحدقه إبهامات وغموض في مؤسسه وأتباعه وأهدافه تكاد تدفع الإنسان إلى التشکيک في إنتسابه للشيعة لغاية تشويش أذهان المسلمين تجاه الشيعة أو تحطيم سمعة شخصية المختار بن أبي عبيدة الثقفي، والدليل علی ذلک هو ترويج هذا المسلك من قبل  العباسين في بداية أمرهم لأنّهم كانوا يستمدون شرعية خلافتهم من هذا الطريق إذ يدعون أنّ عبدالله بن محمد بن الحنفية المکنَّی بأبي هاشم أوصى إلى محمد بن علي بن عبد اللَّه بن عباس، وقد أشار إلی هذا الإدعاء الأشعري حيث قال : قالوا إنّ أبا هاشم (عبدالله  بن محمد بن الحنفية) مات بأرض (السراة) منصرفاً من الشام فأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد اللَّه بن عباس، وأوصى محمد بن علي، إلى ابنه إبراهيم بن محمد ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس(السفاح) ثمَّ أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض‏([8]).

‏ وانقرضت هذه الفرقة بانقراض اشاعتها بعد ان سخرها العباسيون لتكريس مبدأ شرعي يرتكزون عليه في نشوء دولتهم .

ظهورالفرقة الزيدية
إنّ الأئمّة المنصوصة خلافتهم وإمامتهم بعد النبي(ص) عند الزيدية لا يتجاوز عن الثلاثة: عليّ أميرالمؤمنين (ع)، والسبطين الكريمين: الحسن والحسين (ع) وبشهادة الأخير غلقت دائرة التنصيص،  وبعد وفاة الإمام السَّجاد (ع) اعتقد اكثرية الشيعة بإمامة ابنه محمد الباقر (ع)، وذهب الاقلية منهم الى التمسك بمذهب زيد الشهيد وهو الولد الآخر للامام السجاد (ع)، واشتهروا بالزيدية، وسنبحث في هذه الفرقة تفصيلاً .

ظهورالفرقة الإسماعيلية
 بعد شهادة الإمام الصادق(ع) إعتقدت فرقة بأنَّ الإمامة إنتقلت إلى ابنه إسماعيل واستمرَّت في ولده ، وليس إلی موسى الكاظم (ع)، واشتهرت هذه الفرقة بالإسماعيلية وهي فرقة باطنية يرجع أصلها إلی الفرقة الخطابية([9])،وفي بداية نشأتها كانت فرقة واحدة، فانشقت إلى: قرامطة ودروز، وبُهرة، ونزارية، وهذه الفرقة متواجدة في كثير من الأقطار، منها: الهند، وباكستان، واليمن ونواحيها، وسوريا، ولبنان وأفغانستان، وبعض بلاد أفريقية وبعض بلاد اُروبا وغيرها من البلدان.وسنبحث في الفرقة الاسماعيلية وجذورها وإنشعاباتها وعقائدها تفصيلاً في الدروس الآتية.

ظهورالفرقة الفطحية
 الفطحية هم القائلون بإمامة عبد اللَّه الأفطح، الإبن الأكبر للإمام الصادق (ع)،  ولُقِّب عبدالله بالأفطح، لأنَّه کان أفطح الرأس، أي ذا رأس عريض، وقيل: أفطح الرجلين. وإنّما اعتقدوا بإمامة الأفطح ممَّا رووا أنَّ الإمامة في الأكبر من ولد الإمام (ع)، ثمَّ منهم من رجع عن القول بإمامته لمَّا امتحنوه بمسائل من الحلال والحرام ولم يكن عنده جواب صحيح، ومنهم من رجع عن إمامته لمَّا ظهرت منه من الأشياء التي لا ينبغي أنّ تظهر من الإمام(ع)، ولمَّا مات عبد اللَّه بعد أبيه بسبعين يوماً، رجع الباقون عن القول بإمامته إلى القول بإمامة أبي الحسن موسى (ع)، واستمروا إلی إمامة الاثني عشر. ومن أسماء هذه الفرقة«العمّارية»، و قد أسماهم به أبو الحسن الأشعري وقال: وأصحاب هذه المقالة منسوبون إلى زعيم منهم يسمى:عمَّاراً، ولعل المراد منه هو: عمار بن موسى الساباطي من رؤساء الفطحية. وقال: الشيخ الطوسي: عمار بن موسى الساباطي كان فطحياً له كتاب كبير جيد معتمد ([10]).

ظهورالفرق الواقفية
 الواقفية بالمعنی العام کلّ فرقة تقف عند إمام من الأئمة المعصومين (ع) ولم تعتقد بالإمام المعصوم من بعده ، ومن تلک الفرق الفرقة الناووسية وهم أصحاب عبد اللّه بن ناووس، قالوا بإمامة الستة : علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق، وزعموا أن الصادق هو الإمام المنتظر، وأنه حي لا يموت، حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وهذه الفرقة انقرضت في زمانها. والواقفية بالمعنی الخاص تطلق علی الذين توقفوا عند إمامة الامام السابع الإمام موسى الكاظم (ع)، حيث ذهب الأكثرية من الشيعة إلى إمامة ابنه الرضا (ع)، وتوقف جماعة في إمامة الامام الكاظم (ع)، و زعمت انَّه المهدي المنتظر، وأنَّه حي لا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها واشتهروا  بالفرقة الواقفية. قال الأشعري: وهذا الصنف يُدعون الواقفة لأنّهم وقفوا على موسى بن جعفر ولم يجاوزوه إلى غيره، ... وربما يطلق عليهم الموسوية([11]).

وإضافة إلى النصوص العامَّة على إمامة الأئمة الاثني عشر من بعد النبي (ص)،  كان كلّ إمام ينصّ على الإمام من بعده ويُعرّفه للمسلمين وشيعته؛ حتى لا يدَّعي الإمامة غيره، وقد فعل الإمام الكاظم (ع) ذلك ونص على إمامة ابنه الرضا (ع) من بعده قال الشيخ المفيد:«كان الإمام بعد موسى بن جعفر (ع) ابنُه علي بن موسى الرضا (ع)؛ لفضله على جماعة إخوته وأهل بيته، وظهور علمه وحلمه و ورعه، واجتماع الخاصّة والعامّة على ذلك منه، ومعرفتهم به منه، ولنصّ أبيه (ع) على إمامته من بعده وأشار إليه بذلك دون إخوته وأهل بيته»([12]).ولكن مع هذا فقد وقف البعض عند الإمام الكاظم (ع) ولم يرجعوا إلى الإمام الرضا (ع)، وهؤلاء کانوا جماعة من أعيان أصحابه المقرّبين إليه، وقد اجتمع لديهم مبلغ كبير من المال، فلمّا استشهد الإمام الكاظم (ع) طالبهم الإمام الرضا (ع) بما عندهم من الأموال فغرّتهم الدنيا وأنكروا موت الإمام الكاظم (ع). والنتيجة: أنّ الموقف الصارم من الإمام الرضا (ع) إزاء هذه الفرقة وكذلك موقف علماء المذهب الإمامي قد سبّب ضعفها وانقراضها.

ولم يظهر انشعاب بعد الامام الرضا (ع) سوی النصيرية، وهم: أصحاب محمد بن نُصير الفهري النُميري، وهم من الغلاة الذين لا يمتّون إلى الإسلام والتشيع بصلة، و قد ظهرت في عصر الإمام الهادي (ع)، وإليک مختصر من تاريخها وعقائدها:

ظهورالفرقة النصيرية
البحث والتنظير عن النُصيرية كسائر الفرق الشيعية أمر صعب لا سيَّما و انّهم اضطروا إلى التخفّي ، وعاشوا في ظل التقية، ومن يتصفّح التاريخ يجد أنّه لا مندوحة لهم من التكتّم والتحفّظ في عقائدهم، فمعاجم الفرق مليئة بذمّهم وتفسيقهم وتكفيرهم، وقد أخذ بعضهم عن بعض، ولا يمكن الاعتمادعلى ما نقلوه عنهم إلّا بالرجوع إلى‏ كتب تلك الفرقة أو التعايش معهم في أوطانهم حتى‏ ينجلي الحقّ ليقف الإنسان على مكامن عقائدهم وخفايا أُصولهم. وقد عقد الشيخ الطوسي المتوفّى 460) هـ ) فصلًا لمدّعي البابية عدّ منهم الشُريعي، ومحمد بن نُصير النُميري. وقال: كان محمد بن نُصير النُميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي عليهما السّلام فلمّا توفي أبو محمد، ادّعى‏ مقام أبي جعفر محمد بن عثمان أنّه صاحب إمام الزمان، وادّعى‏ له البابية، وفضحه اللَّه تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعنِ أبي جعفر محمد بن عثمان له وتبرّؤه منه، واحتجابه عنه وادّعى ذلك الأمر بعد الشُريعي ([13]). وإذا كانت النُصيرية هي التي أکثر الحديث في ذمِّها وقدحها، فهذه الفرقة قد بادت لا تجد أحداً يتبنّى‏ أفكارها بين المسلمين، وربّما تكون بعض هذه النسب ممّا لا أصل لها في الواقع، وإنّما اتهمت بها بعض فرق الشيعة من قبل أعدائهم، کما نسبوا العلويين إلی هذه الفرقة تشنيعاً وتشهيراً بهم کما سيأتي.

العلويون وعقائدهم
إنّ هناك أقلاماً مغرضة حاولت أن تنسب العلويين المنتشرين في الشام والعراق وتركيا إلى‏ فرقة النُصيرية البائدة المنتسبة إلی محمد بن نُصير الفهري النُميري، والسبب في رميهم بالنُصيرية هو جور السلطات الظالمة ، فأقامت فيهم القتل والفتك والتشريد،  والاضطهاد المتواصل‏ ولم تكتفِ بل أخذت تشوّه سمعة العلويين بالافتراء عليهم لتنفّر الناس من الاختلاط بهم، وقد ساعد علی إنتشار هذ النسبة سُکنی  أکثر العلويين في جبل النُصيرية الواقع بين سوريا ولبنان والجبال الملتصقه به والممتدَّدة إلی أنطاکية في ترکيا والتي اشتهرت بجبال العلويين ([14]). وأيضاً ما ساعد علی تشويه سمعة العلويين أنَّ بعض أعدائهم خلطوهم مع بعض الفرق المنحرفة من الإسماعيلين وهذا الاشتباه والخلط حصل حتَّی لكثير من الباحثين، و منهم ابن تيمية في فتواه المشهورة حيث رمى الجميع بنبل واحد([15]).

وبحسب المصادر المطّلعة على حال العلويين، وکما يصرِّح بعض علمائهم فإنّ عقائدهم وأحکامهم لا تختلف کثيراً عن عقائد الشيعة الاثني عشرية الإمامية، و أنّ جميع المؤلفين وأرباب كتب الفرق و المذاهب عدّوهم من الشيعة على الرغم ممّا نسبوا إليهم و رموهم بالقول بالتناسخ و الغلو في حقّ الأئمّة سيّما الإمام علي بن أبي طالب(ع)  والتطرّف و العقائد الباطنية و أمثال ذلك. و يترآى أنّ رميهم بالغلو والتطرف كان من مناوئيهم حيث كان يرميهم هؤلاء بالتقصير في حقّ علي بن أبي طالب (ع) أو عدم الإيمان بفضائله وأفضليته من سائر الصحابة([16]).

والعلويون کما تصرِّح کتبهم: يعبدون اللَّه تعالى‏ وحده ، ويحترمون كل الشرائع السماوية، ويؤمنون بكلَّ الأنبياء وبرسالة محمد بن عبد اللَّه (ص) وبالقرآن والسُّنة و إمامة علي بن أبي طالب والأئمة الأحد عشر من ولده (ع) والصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد في سبيل اللَّه والمعاد في اليوم الآخر، ويعتمدون على جعفر بن محمد الصادق (ع) في أبحاثهم الدينية والفقه والفتوى فليس للعلويين مذهب خاصّ بهم يختلف عن مذهب أهل البيت (ع) كما يحاول البعض أن يصوّر ذلك، وإنّما هم شيعة إمامية اثنا عشرية علی مذهب أهل البيت (ع) ويعولون عليه في أحكامهم ومعاملاتهم، إلّا أنّ ثمة معتقدات هم متميّزون فيها منها: أنَّهم يرون أنّ الإمام علي بن أبي طالب هو باب مدينة علم النبي(ص) ، وسلمان الفارسي هو باب مدينة علم الإمام علي (ع) وهذا الإعتقاد لا يضرُّ بأصل دينهم خاصَّة وأنَّ سلمان الفارسي کان من الأوتاد في العلم والإيمان والإخلاص والتبعية للنبي وأهل بيته(ع) بحيث لقَّبه الرسول(ص) بسلمان المحمدي.

وأمَّا وجود الغلوالمتعارف أو بعض التقاليد الدينية أو العرفية أوعدم إلتزام بعض العلويين بالأحکام الشرعية فلا يختصُّ بهم فإنَّ في مختلف المذاهب والفرق تجد من لا يتقيد بالحلال والحرام ولکن لم يخرجهم أحد عن الإسلام، وغاية الأمر يکونون فاسقين إذا استمرَّوا بإرتکاب الذنوب والمعاصي کسائر المسلمين الذين لا يتورعون ([17]).

الزيدية، الاسماعيلية، الإمامية 
لقد انقرضت الفرق الشيعية المذكورة وغيرها أو أصبحت في قلَّة لا تذکر في زمن قصير، عدا الفرقة «الزيدية» و «الاسماعيلية» اللتان استقامتا، والفرقة الاُم وهي: الشيعة الأکثرية الإمامية الاثنا عشرية. وبعد هذا الإستعراض السريع للفرق الشيعية وتاريخ ظهورها سنقوم بالترکيز في البحث حول الفرق الثلاثة الموجودة علی الساحة و المشهورة بين الناس، تلک الفرق التي تندرج ضمن المفهوم العام للشيعة، و لها جماعة ولهم منهج في العقيدة و مذهب في الفقه و لهم دعايات وبلاغات وحركات في المجتمع، فندرس تاريخ ظهورها وعقائدها، ونبدأ في الدرس الآتي بالفرقة الزيدية بحسب التسلسل التاريخي لإنشعابها وتکوِّنها.


الهوامش:
([1]) لقد توفي محمد ابن الحنفية عام ثمانين أو واحد وثمانين
([2]) قيل إن كيسان هو لقب المختار وأنَّ امير المؤمنين (ع) قد لقبه بذلك عند ولادته بقوله: کيس کيس فاشتهر بکيسان ، وقيل إنّ كيسان‏ اسم صاحب شرطة المختار المكنى بأبي عمرة . هذا وقدتوفي محمد ابن الحنفية عام ثمانين أو واحد وثمانين
([3])  راجع الفَرق بين الفِرق للبغدادي: 46.
([4]) راجع  مقالات الإسلاميين للأشعري: 18، الفرق بين الفرق للبغدادي: 3 و 38، و فرق الشيعة للنوبختي: 22.
([5])  الفرق بين الفرق للبغدادي: 52.
([6]) راجع قصة عزير في سورة البقرة الآية : 259 ، ورجوعه إلی الدنيا بعد موته مئة عام .ومن الآيات الدالة علی البداء قوله تعالی: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (الرعد : 39) .
([7]) راجع الصحيح للإمام البخاري 4: 208، كتاب الأنبياء، باب 51 حديث أبرص وأعمى وأقرع.
([8])مقالات الاسلاميين للاشعري: 21، وفي النسخة «الشراة».
([9])مؤسس هذه الفرقة أبو زينب محمد بن مقلاص المعروف بأبي الخطاب الأسدي أحد أصحاب الإمام الصادق(ع) .
([10])  مقالات الإسلاميين للأشعري: 27، فرق الشيعة للنوبختي: 68، والفهرست للطوسي: برقم 527.
([11]) مقالات الاسلاميين للاشعري: 28.
([12]) الإرشاد للمفيد: 447، باب ذکرالإمام القائم بعد أبي الحسن موسیA .
([13]) الغيبةللطوسي:. 398  
([14]) راجع تاريخ العلويي لمحمد أمين غالب الطويل. 88:
([15])  راجع نصّ‏الفتوى في رسائل ابن تيمية؛ وتجدها كاملة في مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمان بدوي2: 445.
([16]) مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمان بدوي2: 42.
([17]) راجع الکتب التالية التي تتحدث عن عقيدة العلويين في العصر الحاضر: العلويون والتشيع ، لعلي عزيز آل إبراهيم ،و العلويون بين الأُسطورة والحقيقة لهاشم عثمان، وعقيدتنا وواقعنا لعبد الرحمان الخير.

قراءة 4256 مرة