مزايدة عربية على «تردد» أوباما: فلتكن حرباً !

قيم هذا المقال
(0 صوت)

مزايدة عربية على «تردد» أوباما: فلتكن حرباً !

إذا كانت عواصم غربية عدة، أبرزها واشنطن ولندن، قد ظللت تجميد حربها على سوريا، بذريعة التشاور مع شعوبها، فإن معظم وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في القاهرة، أمس، بدوا أقل وطنية وقومية، من الغرب نفسه.

وطلب منهم الأميركيون، ربطاً بالموعد الذي كان مقرراً للضربة العسكرية، وحدّه الأقصى يوم الأربعاء المقبل، أن يقرّبوا اجتماعهم من الثلاثاء إلى الأحد، طمعاً بتغطية عربية تعوض ما خسرته واشنطن بفعل ما جرى في مجلس العموم البريطاني، غير أن لجوء الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الكونغرس، للحصول على تغطية لضربة «قد تحصل غداً أو بعد أسبوع أو بعد شهر»، بدّل الحسابات العربية.

وبدت الصدمة واضحة على محيّا وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل منذ لحظة وصوله إلى مطار القاهرة. وبيّنت الخلوة الثنائية التي عقدها مع نظيره المصري نبيل فهمي أن هناك حاجة لتعديل وجهة الاجتماع. نصح المصريون الفيصل ب«التواضع» وبالاكتفاء بالصيغة التي كانت صدرت عن اجتماع المندوبين بتاريخ 27 آب الماضي.. مع تعديلات طفيفة جداً. وحمل وزراء الخارجية العرب السلطات السورية مسؤولية الهجوم «بالأسلحة الكيميائية» على غوطة دمشق في 21 آب الماضي، ودعوا «الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياتهم وفقاً لميثاق المنظمة الدولية وقواعد القانون الدولي لاتخاذ الإجراءات الرادعة واللازمة ضد مرتكبي هذه الجريمة».

بدت نبرة المتحدثين منخفضة جداً، باستثناء سعود الفيصل ورئيس «الائتلاف السوري» أحمد الجربا اللذين تعمدا تسمية «حزب الله» وإيران (في آخر اجتماع عربي، تحدث هيثم المالح في جلسة مغلقة وليست علنية بعكس ما حصل في جلسة الأمس)، أما باقي وزراء الخارجية، فقد كانت نبرتهم ضمن السقف المعتاد، بينما قرر ممثلا دولة فلسطين وسلطنة عمان اعتماد لغة الصمت، وفي المقابل، ارتفعت النبرة الاعتراضية لكل من لبنان والعراق والجزائر ومصر.

وفيما كان وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور الأكثر جرأة بدعوته إلى عدم استباق التحقيق الدولي، سائلاً في الوقت ذاته عن سبب تقاعس العرب عن إرسال فريق محققين للغاية نفسها، قبل أن يصدروا أحكامهم ويحمّلوا النظام السوري مسؤولية استخدام السلاح الكيميائي، مشدداً على أهمية الحل السياسي للأزمة السورية، دعا وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الحاضرين في الجلسة المغلقة إلى التكيف مع واقع أن الضربة العسكرية التي كانت منتظرة باتت مؤجلة وربما لن تحصل، ناصحاً بعدم الاستعجال وبالتالي عدم اتخاذ قرار يغطي ضربة عسكرية غير مضمونة.

ولم يكن وزيرا خارجية مصر والجزائر بعيدين عن مضمون مداخلة وزيري خارجية العراق ولبنان بالتركيز على أولوية الحل السياسي، فيما كان لافتاً للانتباه تراجع إدارة الأمين العام نبيل العربي «مسايرة» للموقف المصري الجديد. كما تراجع دور قطر في اجتماعات الجامعة العربية، إلى ما دون المألوف قبل «انتفاخ» الدور القطري في موسم «الربيع العربي»، ليتقدم الدور السعودي ويتحول الى «دينامو» الدورة ال140 للجامعة العربية، التي أقرت جدول الأعمال العربي كله في أقل من ساعة، واستحوذ الموضوع السوري على الساعات الأربع للاجتماع في ظل حالة الطوارئ التي تشهدها العاصمة المصرية.

وفي المحصلة، غابت عن الاجتماع العربي أية إشارة إلى موضوع الضربة العسكرية، حتى أن المندوب الجزائري خاطب الوزراء العرب بالقول «إذا كانت الدول العظمى، قد قررت استشارة شعوبها، أليس من البديهي لنا كدول عربية أن نتشاور بين بعضنا البعض أقله بدل أن تكون قراراتنا مسلوقة وغب الطلب»؟

الجدير ذكره أن لبنان تحفظ على كامل القرار بينما تحفظ العراق والجزائر على البند الرقم 2 في القرار لجهة تحميل النظام السوري المسؤولية التامة عن مجزرة الغوطة الشرقية.

ويبدو أن القرار العربي أصبح رهينة بيد السعودية، التي كان وزير خارجيتها سعود الفيصل دعا، في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، إلى دعم العدوان على سوريا. وبرغم أن وزير الخارجية المصري نبيل فهمي أكد رفض أي عدوان على سوريا، لكن بلاده لم تصوت ضد القرار.

وقال مصدر ديبلوماسي في القاهرة إنه «برغم الضغوط السعودية للموافقة على توجيه ضربة عسكرية غربية، إلا أن مصر والأمانة العامة للجامعة العربية تمسكتا بفحوى البيان الختامي لاجتماع المندوبين الدائمين الذي عقد الأسبوع الماضي، والذي يدين النظام السوري من دون إعطاء أي موافقة على ضربة غربية، على غرار موافقة الأمين العام السابق للجامعة عمرو موسى على تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا».

وكان الأزهر اصدر بياناً أعلن فيه رفضه لقرار الرئيس الأميركي باراك أوباما توجيه ضربة عسكرية لسوريا، محذراً من أن «الأمر يشكل اعتداءً وتهديداً للأمة العربية والإسلامية، واستهتاراً بالمجتمع الدولي، ويعرض السلم والأمن الدوليين للخطر».

ويأتي القرار العربي بعد ساعات من إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما، أنه سيطلب من الكونغرس تفويضاً باستخدام القوة ضد سوريا، وهي خطوة فاجأت كثيرين سواء في الولايات المتحدة نفسها، او بعض قوى المعارضة السورية، بالاضافة الى اسرائيل.

واعتبر اوباما أنه وإن كان يملك السلطة لاتخاذ قرار توجيه الضربة العسكرية، من دون الرجوع إلى الكونغرس، فإن الولايات المتحدة «ستكون أقوى» اذا لجأ الى الكونغرس.

ولم يتضح تماما الهدف من وراء رمي أوباما الكرة في ملعب الكونغرس الذي لن يجتمع قبل 9 أيلول الحالي، وما إذا كانت خطوة الرئيس الاميركي محاولة لكسب غطاء دستوري لتحركه المحتمل، او انها تمثل مناورة للتراجع عن قراره إذا رفض الكونغرس الضربة، كما حصل قبل ايام في البرلمان البريطاني الذي رفض قرار رئيس الحكومة ديفيد كاميرون باستهداف سوريا، أو انتظار رد فعل البرلمان الفرنسي الذي يجتمع الأربعاء المقبل، برغم أن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أكد جهوزية بلاده لشن العدوان من دون قرار من البرلمان. كما ان أوباما ربما يستهدف امتصاص غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يستضيف الخميس المقبل اجتماعاً لقادة مجموعة العشرين.

وبدأت الإدارة الأميركية القيام بجهود كبيرة لتسويق الضربة لدى الرأي العام الأميركي. وتحدث وزير الخارجية جون كيري إلى خمسة برامج سياسية في القنوات التلفزيونية الأميركية الكبرى، معلناً للمرة الأولى أن العينات التي تسلمتها وحللتها الولايات المتحدة «تثبت استخدام غاز السارين في هجوم 21 آب قرب دمشق» في الغوطة الشرقية.

وفي دمشق، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد، خلال لقائه رئيس لجنة الأمن القومي والشؤون الخارجية في مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني علاء الدين بروجردي، أن «سوريا قادرة على مواجهة أي عدوان خارجي»، فيما اعتبر بروجردي ان «طبيعة القضايا الأمنية في المنطقة مترابطة بشكل كامل من الجانب الأمني، وعلى الأميركيين أن يتوقعوا تهديدات لمصالحهم حين يقومون بتهديد مصالح دول المنطقة».

قراءة 1507 مرة