ثورات مصر كأهراماتها

قيم هذا المقال
(0 صوت)

ثورات مصر كأهراماتها

يبدو ان كل ماقيل عن الشعب المصري وما يتميز به عن باقي الشعوب، أضحى حقيقة واقعة لاتقبل الشك والتأويل، بعد ان فاجأ هذا الشعب العالم أجمع بقدرته الخارقة على صنع ثورتين عظيمتين خلال عامين فقط ، وهو فعل فريد لاتصنعه الشعوب الاخرى في عقود ولاحتى قرون!!. لايملك المراقب للتطورات التي تشهدها مصر هذه الايام الا ان ينحنى إجلالا لعظمة الشعب المصري وحيويته المستمدة من خزين حضاري مركب دون تعقيد ومتوثب دون تهور ومتجدد دون تشويه.

ان ماصنعه الشعب المصري خلال العامين الماضيين يؤكد حقيقة وجود الروح المصرية التي قيل عنها الكثير ، فهذه الروح ليس لها ناطق رسمي يتحدث بإسمها ، وكل مايقال عنها بعيد كل البعد عن حقيقتها ، فهي افصح من الجميع وتتحدث عن نفسها بطلاقة ، كما انها غير مرتبطة باحد ولا بجهة ، رغم ان الكل يدعي بمصر وصلا الا ان مصر لاتقر بذلك اصلا . هذه الروح هي التي تجوب الان شوارع وميادين مصر رافعة صوتها لتدفع الالم الذي اصاب بعض جسدها.

 

ماحدث في30 يونيو اكبر من ثورة

لسنا هنا بصدد ان نخوض مع الخائضين هذه الايام بشأن ماحدث يوم الاربعاء الثالث من تموز يوليو في مصر، وهل كان انقلابا ام لا؟ وهل كان ثورة ام لا؟ . ان الذي شهدته مصر في هذا اليوم والايام التي سبقته وتلك التي تلته ، هي مشاهد لايمكن ان نراها في مكان اخر غير مصر ، فالذي حدث هناك يختلف كليا عما قرأناه عن الثورات والانتفاضات الشعبية والحركات التصحيحية والانقلابات العسكرية ، لذلك نرى هذه القوالب من التعريفات تضيق بالذي صنعته الجماهير المصرية في الثلاثين من يونيو الماضي.

سنكون مجانبين للحق بالمرة لو قلنا ان ماحدث في30 يونيو في مصر كان تحركا شعبيا قادته المعارضة ضد الرئيس محمد مرسي ، ونمر هكذا من امام ماحدث مرور الكرام. ان الذي وقع في هذا اليوم لم يكن تململا لبعض الفئات المجتمعية ضد سياسة محمد مرسي او الاخوان المسلمين ، بل ان الذي حصل لم يكن ثورة بل هو شىء اعظم واكبر من ذلك بكثير ، ان ما حدث كان نسخة مستنسخة لم نشهد لها مثيل في مكان اخر من العالم . ترى مالذي يمكن ان نسمي نزول اكثر الملايين ( البعض قال انها ربت على عشرين مليون )الى الشوارع ، بشهادة الجميع ، في يوم واحد؟ ، الملفت ان هذا النزول الاسطوري الى الشارع كان وراءه مجموعة من الشباب الغاضب عما يجري وليس شىء آخر .

ان من المستحيل ان ينزل هؤلاء بهذه الكثافة غير المسبوقة الى الشوارع لو لم يكن الخطب جلل. ان الجماهير التي نزلت الى الشوارع في 30 يناير فاق عددها عدد الاصوات التي حصل عليها مرسى وشفيق مجتمعة في الانتخابات الرئاسية. الم ير مرسي والاخوان ان عدد من نزل في 30 يونيو الى الشارع ضده وضد سياسته فاق اضعاف عدد من خرج ضد نظام مبارك؟.

الم تكن تظاهرات يوم 30 يونيو كافية لمرسي ان ينزل عند حكم الشعب ، وان يعيد حساباته ويراجع اداءه ويعترف باخطائه ويقر بوجود بعض الحق لدى معارضيه ايضا ويمهد الارضية امام انتخابات مبكرة ، ليسد الطريق امام الجيش للتدخل ، وبذلك كان قد جنّب مصر كل الذي حدث بعد هذا اليوم؟.

 

اخطاء مرسي والاخوان

ليس سرا القول ان الاخوان المسلمين ارتكبوا خلال العام الماضي اخطاء قاتلة اضرت كثيرا بتاريخ ومسيرة هذا التنظيم الذي تجاوز عمره الثمانين عاما. هذه الاخطاء اعترف بها مرسي شخصيا ولكن بالاجمال وبعد فوات الاوان.

اول واخطر اخطاء الاخوان هو اعتقادهم الجازم والحازم انهم لم يرتكبوا اي خطا وان الحق كان حليفهم على الدوام كما كان الباطل حليف معارضيهم على الدوام . فهم كانوا يعتقدون وبشكل لا لبس فيه ان بامكانهم ادارة البلاد دون الاستعانة باي فريق اخر ، ماداموا على وئام مع واشنطن ولايهددون "اسرائيل" ، الى جانب تدفق المال القطري وتغزل السعوديين عبر احتضان السلفيين وممثلهم الرسمي حزب النور.

هذه النظرة التي وصفها البعض بالاستعلائية ، هي التي دفعت مرسي الى التعامل مع الشعب المصري كتعامله مع انصار تنظيمه ، وهي التي دفعت مرسي الى اصدار اعلان الدستور في22 نوفمبر تشرين الثاني والذي جمع فيه صلاحيات مطلقة اصطدم بسببها مع الجميع وفي مقدمتهم القضاة.

اما اصراره على اجراء استفتاء على الدستور رغم وجود معارضة كبيرة على بعض بنوده ، وهو دستور كتبته الجمعية التاسيسية التي كان يهيمن عليها الاخوان ، فقد عمق الهوة اكثر بينه وبين معارضيه الذين اوصلوه الى سدة الحكم يوما.

ان استقواء مرسي بالعاملين الاقليمي والدولي هو الذي احال دون ان يفكر بجدية للوصول الى صيغة من الاتفاق مع معارضيه ، فقد فشل فشلا ذريعا في استمالة المعارضة الى جانبه ، الى الحد الذي لم يبق حول مرسى في نهاية عامه اليتيم في الحكم الا السلفيين واعضاء الجماعة الاسلامية بالاضافة الى الاخوان.

النظرة الاخوانية الصرفة التي تعامل من خلالها مرسي مع القضايا الداخلية والتي خسر بسببها تاييد قطاعات كبيرة من الشعب، وهي قطاعات كانت الى جانبه في الانتخابات الرئاسية، هي ذات النظرة التي تعامل من خلالها مع القضايا العربية والاقليمية والدولية.

ان مرسي وضع مصر في مواقف ماكانت لتكون فيها لو تعامل من منطلق كونه رئيسا لجمهورية مصر وليس عضوا في تنظيم الاخوان المسلمين . فقد ساهمت سياساته وخطاباته في اتساع ظاهرة الاستقطاب والشحن الطائفي في العالمين العربي والاسلامي على وقع مايجري في سوريا، عندما تعامل وبطائفية ضيقة لاتليق بتاريخ الاخوان المسلمين ولا برموزهم ، كما بدا ذلك واضحا في مؤتمر نصرة سوريا او ما يعرف في مصر بمؤتمر الصالة المغطاة ، التي تليت تحتها خطابات قاسمها المشترك تكفير الاخرين واتهام كل من يقف الى جانب النظام السوري بالكفر ووصف المسلمين الشيعة بالانجاس ، اما مرسي الذي ايد ضمنيا كل الذي قيل وزاد عليه عندما وصف النظام السوري بانه رافضي وقطع علاقات مصر بسوريا ودعا الى الجهاد فيها ، لم ينبس ولا الجهاديين الذين احاطوا به ، ببنت شفة عما يفعله الصهاينة في مصر ولماذا يرفرف علمهم في سماء ام الدنيا.

هذا التحريض الطائفي المعلن الذي لاقى تجاوبا كبيرا من قبل الفضائيات التي تحمل وللاسف لواء الاسلام ، تحول الى تجسيد عملي عندما قامت مجموعة من التكفيريين والسلفيين بقتل اربعة من المسلمين الشيعة ، بينهم الشيخ الشهيد حسن شحاتة ، والتمثيل بجثثهم في جريمة بشعة غريبة على مصر واهلها.

اما الوضع الاقتصادي الذي اوصله مرسي الى مستوى الكارثة فحدث ولاحرج ، فقد تراجعت الاستثمارات والسياحة ، وفقد الجنيه اكثر من 20 بالمائة من قيمته امام الدولار ، والانقطاع المتكرر للكهرباء وشحة الوقود ، والتضخم غير المسبوق ، وانفاق الحكومة اكثر من 20 مليار دولار من احتياطيات النقد الاجنبي خلال عامين ، وفشلها في التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول قرض بقيمة 8/4 مليار دولار ، واقتراضها مليارات الدولارات من الخارج ، وو... دون ان تلوح بالافق بادرة امل لتجاوز هذا الوضع الاقتصادي المتردي.

 

بعد كل الذي جرى

ان الازمة التي تمر بها مصر هذه الايام تتطلب من النخب السياسية الارتقاء لمستوى الشعب المصري، الذي اثبت ، لاسيما الشباب، انه يتحرك امام هذه النخب ، وهو البوصلة التي تحدد الاتجاهات ، فهذا الشعب هو الذي نزل الى الشارع في 25 يناير 2011 ، في الوقت الذي كانت النخب السياسية وفي مقدمتها الاخوان مترددة بل كانت تعتقد ان مايفعله الشباب هو ضرب من العبث ، لكن هؤلاء الشباب اسقطوا مبارك وحكم العسكر واليوم اسقطوا مرسي ، لذا على هذه النخب ان تتعلم من الشباب ، وان تدرك ان روح مصر في شبابها ، وهي روح ترفض التقوقع في تنظيم او حزب مهما كبر وعلا ، وترفض التطرف والتكفير ، وترفض الاقصاء والتهميش ، كما نسمع هذه الايام اصواتا داعية الى اقصاء الاخوان المسلمين عن الحياة السياسية ، وهو أمر يتنافى مع هذه الروح التي هي الام التي تحتضن ابناءها رغم عقوقهم.

ان مايجري الان في مصر، ورغم بعض المشاهد المؤلمة التي قد تشوه الصورة الجميلة لشعب ينتفض بهذا العنفوان غير المعهود ، هو حدث مصري ، يخرج عما هو مألوف في الاحتجاجات الشعبية الأخرى ، فما جرى خلال العامين الماضيين وخاصة في 25 يناير 2011 و 30 يونيو 2013 وما يجري الآن هو صناعة مصرية بامتياز ، أذهل بها المصريون اليوم العالم اجمع ، كما اذهل اجدادهم بالامس العالم بالاهرامات ، فما يحدث اليوم وماحدث بالامس على ارض مصر هي خوارق مصرية لا يعرف سرها الا اهلها.

بقلم ماجد حاتمي

قراءة 1603 مرة