ما السّر وراء تنحي أمير قطر عن السلطة؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)

ما السّر وراء تنحي أمير قطر عن السلطة؟

قيل الكثير عن تنحي امير قطر الشيخ حمد بن خلفية آل ثاني عن السلطة لصالح ابنه وولي عهده الشيخ تميم ، فهناك من مدح هذا الاجراء ووصفه بˈالحكيمˈ واسترسل في مدح فضائله الى الحد الذي تجاوز حتى فضائل اكثر الديمقراطيات عراقة في العالم ، كما روّجت لذلك وسائل الاعلام الممولة من قطر.

وهناك من لم ير أية فضيلة فيما جرى وان كل ماحدث هو تنحي أب لابنه في الحكم في اطار نظام قبلي منغلق على نفسه.

اما نحن ولكوننا، نعيش في منطقة تعيش اغلب شعوبها في ظل حكومات ابدية ازلية ، لم نتعود ، لاننا ببساطة ، لم نر حتى نتعود ، ان يتنازل ملك او أمير عن السلطة لصالح اي كان حتى ابنه ، لذلك لا اعتقد ان يلومنا احد لو نظرنا بشيء من الريبة الى الرواية الرسمية القطرية، عن قضية تنازل امير البلاد لنجله ، ونعتذر للجميع ، وفي مقدمتهم اخوتنا في قطر ، على راينا المتواضع بشأن ماجرى ، وهو رأي يختلف عما قالوا.

يمكن الاشارة الى العديد من الاسباب لتعليل ماجرى في الدوحة يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر حزيران يونيو الحالي. فهناك اسباب عديدة، تظافرت على مدى سنوات واوصلت الامور في قطر الى ما وصلت اليه الان، الا اننا سندرجها جميعا تحت عنوانين رئيسيين الاول مرض الامير والثاني التوجه العام لسياسة قطر.

السبب الاول : مرض الامير والشيخة موزة والود المفقود بين تميم وجاسم

ليس سرا ان الامير حمد يعاني منذ فترة من مرض كلوي، وليس سرا ايضا ان الشيخة موزة عقيلة الامير حمد ، شخصية قوية ومؤثرة داخل الاسرة الحاكمة ، فقد نجحت في تمهيد الارضية منذ فترة امام نجلها الشيخ تميم لتولي مقاليد الحكم.

مرض الامير حمد لوحده لن يكون سببا كافيا ليتنازل عن السلطة لنجله ، الا ان الشيخة موزة والدة الشيخ تميم تعرف كما يعرف الكثيرون ان الود مفقود بالمرة بين ابنها وبين رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ جاسم بن حمد ، الرجل القوي وصاحب النفوذ الواسع داخل الاسرة الحاكمة، وبذكاء انثوي يفتقر اليه الرجال، احست الشيخ موزة ان عملية انتقال سلس للسلطة الى ابنها بعد رحيل زوجها، ستكون محفوفة بالمخاطر، في ظل وجود شخصية نافذة ومؤثرة داخل قطر ولها علاقات اقليمية ودولية معقدة مثل الشيخ جاسم، لذلك اقنعت الامير المريض بالتنحي ونقل جميع سلطاته الي ابنها، وفي هذه الحالة لن يكون بامكان الشيخ جاسم ان يشكل اي خطر في ظل وجود الامير.

ومايقرب هذا الراي من احتمال الصدقية هو اصرار الامير حمد علي ان يغادر الشيخ جاسم المشهد السياسي القطري بالرغم ان الاخير كان من اكبر صانعي هذا المشهد دون وجود اي توجيه منطقي لذلك .

اما لماذا امتثل الجميع ، بدءا من الامير ورئيس وزرائه ومرورا بالشيخة موزة وانتهاء بالشيخ تميم والاسرة الحاكمة، دون ان يترددوا حتى للحظات في تنفيذ فصول هذا المشهد الاخير مشهد انتقال السلطة، فالسبب يكمن في قوة ضاغطة دخلت على الخط وهذه القوة هي اقوى من الجميع، وتقاطعت معها اسباب عديدة اخرى، وهذه القوة الضاغطة سندرجها تحت عنوان السبب الرئيسي الثاني.

السبب الثاني والاهم: القرضاوي والقاعدة والتوجه الامريكي

يرى الامريكيون والاوروبيون والسعوديون ان قطر تجاوزت الكثير من الخطوط الحمراء ، في تعاملها مع قضايا عربية واقليمية وحتي دولية، الامر الذي اثارة حفيظة هذه الجهات التي رأت ان القيادة القطرية تتحرك ازاء هذه القضايا تحت تأثير الافكار المتطرفة للشيخ يوسف القرضاوي ، الذي يبدو انه سحر الثنائي القطري ، الامير حمد والشيخ جاسم الى حد كبير ، كما سحر الراهب راسبوتين عائلة رومانوف القيصرية في روسيا.

التوجه الاخواني ذو البعد المتطرف ، للسياسة القطرية يبدو انه خلط على الامريكيين والسعوديين والاوروبيين اوراقهم في العراق وتونس وليبيا وافريقيا والان في سوريا. فجميعنا يعرف الى اي مدى وصل التناحر، الذي مازال مستمرا، بين داعمي المعارضة السورية وفي مقدمتهم قطر والسعودية، حول تركيبة هذه المعارضة وحول نسبة الاخوان والعلمانيين والقوميين فيها، الامر الذي اضاع كل الجهود والمحاولات التي بذلت لتوحيد هذه المعارضة في ائتلاف واحد. فليس خافيا على احد مدى العداء التاريخي بين السعودية والاخوان بالرغم من محاولة الجانبين توحيد صفوفها علي الاقل حاليا، امام العدو المشترك اي النظام السوري.

ان استعجال قطر على اسقاط النظام السوري، بضغط مباشر وقوي ومؤثر من القرضاوي والاخوان، كما بدا ذلك واضحا من التغطية الاعلامية لقناة الجزيرة القطرية، جعل قيادة هذا البلد تتخذ مواقف متطرفة الى حد كبير من الازمة السورية، لذلك لم تجد غير السلاح وسيلة لتغيير الاوضاع في سوريا.

صحيح ان امريكا والغرب والسعودية، متفقون على ضرورة تغيير النظام السوري بكل الوسائل، الا ان قطر وبسبب استعجالها اسقاط الاسد تبنت ودعمت بالمال والسلاح والاعلام حتى اكثر المجموعات تطرفا ومن بينها مجموعة جبهة النصرة ، دون ان تفكر بنتائج افعالها ، الامر الذي خلط الاوراق على حلفائها الساعين الى اسقاط النظام السوري من الامريكيين والاوربيين ، الذين اصبحوا في وضع لايحسدون عليه بالمرة ، الى الحد الذي دفع البعض الى القول ان بشار الاسد ربح معركته مع المسلحين بسبب تصرفات هؤلاء المسلحين، التي تجاوزت كل الحدود.

للاسف ذات الموقف وقفته القيادة القطرية في الكثير من المناطق كما في افريقيا وتحديدا في مالي. ففي الوقت الذي كانت القوات الفرنسية في حرب مع القاعدة هناك ، كانت بعض تقارير تتحدث عن مساعدات قطرية قدمت الي مقاتلي القاعدة في مالي.

السياسة القطرية يبدو انها لم ترق للكبار الذين شاهدوا ان المعادلة السورية اخذت تميل لصالح الاسد، لذلك قرروا تغيير قواعد اللعبة بعيدا عن تلك التوجهات السابقة. وبدأ ذلك واضحا بعد قمة الثماني في بريطانيا ، عندما تم التاكيد هناك على تطهير سوريا من القاعدة، ودعوة فرنسا لما يسمي بالجيش الحر من اخذ زمام المبادرة والسيطرة على الاراضي تحت سيطرة جبهة النصرة، دون الحديث علي رحيل الاسد كشرط مسبق للمشاركة في جنيف 2. هذا التوجه الغربي، الذي لم يكن وليد قمة الثماني الاخيرة بالطبع ، بحاجة الي تغيير في اللاعبين الاقليميين والمؤثرين في المشهد السوري، وهذه الحاجة الامريكية الغربية قابلتها حاجة قطرية داخلية ، فتقاطعت الحاجتان .. فذهب أمير وجاء أمير..

* بقلم : ماجد حاتمي

قراءة 1551 مرة