
emamian
موقف العقل من القرآن الكريم
د. عمرو شريف
◄مما يلفت الانتباه أن لفظ "العقل" في صيغته الاسمية لم يرد في القرآن الكريم مطلقاً، لكن وردت مشتقاته في صِيغَّه الفعلية، مثل عقلوا ويعقلون وتعقلون ونعقل ويعقل، قرابة خمسين مرة. أما الألفاظ التي تدل على النشاط العقلي بصفة عامة، مثل التفكير والتدبر والعلم والنظر والإدراك والتفكر والتبصر، فقد وردت مئات المرات.
وربما يرجع عزوف القرآن الكريم عن استخدام الصيغ الاسمية إلى اهتمامه بالأفعال ونتائجها أكثر من اهتمامه بالتفاصيل النظرية. كذلك فإن استخدام الصيغة الاسمية يتطلب وضع تعريفاً للعقل، بينما كثيراً ما تفشل التعريفات في تصوير الشيء المُعرَّف تصويراً دقيقاً، لاسيّما إذا اتصل هذا الشيء بحقائق روحية أو نفسية، حتى قالوا "يكمن الشيطان في التعريفات، كما يكمن في التفاصيل". كما يتطلب استخدام الصيغة الاسمية المُعرَّفة تحديد الموضع والعضو الذي يقوم بتلك المهمة، ويبدو من تناول القرآن الكريم – وأيضاً كما أثبت العلم – أنّ هذه قضية شديدة التعقيد.
ومن أجل أن نستخلص موقف القرآن الكريم من العقل، نعرض ثلاثة نماذج من الآيات تدعونا إلى استخدام العقل وإلى التأمل، نحسب أنها كافية لعرض تصورنا عن "موقف القرآن الكريم من العقل" والذي استخلصناه من تأمل جميع الآيات التي ورد فيها ما يدل على العقل:
أ) في تأمل الظواهر الكونية يقول تعالى:
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة/ 164).
(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الرّعد/ 3-4).
ب) في تأمل الأنفس البشرية يقول تعالى:
(وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذاريات/ 20-21).
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) (الرّوم/ 8).
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصّلت/ 53).
ج) وفي تأمل الظواهر الاجتماعية يقول تعالى:
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (البقرة/ 44).
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الرّوم/ 28).
يمكن من تأمل هذه الآيات الكريمة – وغيرها – أن نستخلص عدة ملاحظات حول موقف القرآن الكريم من العقل، أهمها:
أوّلاً: الثقة التي يوليها القرآن الكريم للحواس، بحيث تكون معطياتها دائماً هي منطلق التفكر والتدبر للاستدلال على الصانع المنعم. وهذا يدل كذلك على وثاقة الارتباط بين كلٍ من الحواس والعقل.
ثانياً: الوضوح والبساطة فيما تأمر به الآيات من عمليات التفكير والتدبر والتعقل، كأنّها أمور لا تحتاج إلى تفكير عميق، أو بحث غامض، أو تحليل معقد (كمنهج الفلسفة والمنطق علم الكلام)، وإنما هي تُدرَك إدراكاً مباشراً أشبه ما يكون بالبهديهيات العقلية.
ثالثاً: يمثل العقل ميزة فريدة وضعها الله – عزّ وجلّ – في الإنسان؛ به يَعرف ثمّ يعمل، ومن هنا كانت مسؤولياته.
رابعاً: أنّ العقل الذي يتحدث عنه القرآن الكريم ليس عقلاً مجرداً، أو جوهراً قائماً بذاته (كما يعتقد الفلاسفة)، وإنما هو ظاهرة أو طاقة أو مَلَكة تمثل قدرة إلهية في الإنسان، زوده الله تعالى بها ليستعملها في حدودٍ رسمها له ونبهه إليها. وبها يصبح العقل الإنساني – في القرآن الكريم – عقلاً واعياً بطاعة الله عزّ وجلّ، فيأتمر عن طواعية بما أمر الله تعالى به.
خامساً: إنّ العقل البشري لا يصلح أن يكون حَكَماً في كلّ شيء، ويتوجه هذا الحَجْر إلى بضعة أمور:
1- أمور لا يدركها العقل الإنساني، كالذات الإلهية، فليس مما يعرفه العقل شيء يماثلها، حتى يمكن أن يقيسها عليه.
2- أمور لا تدخل في حدود الطبيعة البشرية المحددة، كحقيقة الروح.
3- أمور لا تلزم للنهوض بوظيفة الإنسان في الوجود؛ كالغيب المحجوب عن العلم البشري، ومثاله موعد يوم القيامة.
ويبين الحق سبحانه كيف ينبغي تلقِّي مثل هذه الأمور، التي هي فوق مدركات البشر:
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ * رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران/ 7-8).
وفيما عدا هذه الجوانب، فإنّ العقل البشري مدعو للتدبر والتفكر والاعتبار، والتطبيق في عالم الضمير وعالم الواقع في إطار منهج الإسلام. وما من دين – أو منهج وضعي – احتفل بإيقاظ الإدراك البشري، وإطلاقه من قيود الوهم والخرافة، وصيانته في الوقت ذاته من التبدد، كما فعل الإسلام.
سادساً: إنّ العقل ينبغي أن يتحرك من أجل ثلاث غايات متداخلة متلازمة؛ غاية إيمانية، وغاية معرفية، وغاية سلوكية حياتية. ومجال حركته ثلاثة جوانب متداخلة: الظواهر الكونية – الأنفس – الظواهر الاجتماعية.
إنّ المنهج الذي يرسمه القرآن للعقل للنظر والتدبر، هو الانتقال من الجزئيات إلى الكليات، أو تحليل الكليات إلى جزئياتها ثمّ الانتقال من ذلك إلى التركيب (الخروج بمفاهيم جديدة)، أو أي طريقة أخرى يكتشفها العقل لنفسه دونما قيد عليه أو حَجْر. وبهذا المعنى فإنّ القرآن الكريم يحفز العقل البشري إلى النظر في الآفاق والأنفس والمجتمعات بأي منهج علمي، مهما تعددت المناهج ومهما تَسَمَّت العلوم بأسماء متشابهة أو متباينة.
سابعاً: يقرر القرآن الكريم ان من يعطل طاقة العقل الممنوحة له ينزل إلى مرتبة دون مرتبة الحيوان.
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (الأنفال/ 22).
كما يقرر القرآن أن جزاء معطل العقل هو السعير.
(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ* فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك/ 10-11).
ثامناً: لم يكتف القرآن الكريم بحَثِّ العقل على العمل وترك التقليد والجحود، لكنه أثار أمامه عدداً من المسائل والقضايا الحيوية، وعالجها كنماذج لما ينبغي أن يكون عليه أداء العقل للقيام بالرسالة المنوطة به. وأهم هذه القضايا بالطبع قضية الاستدلال على خالق الكون دون وقوع في المحظور؛ الذي هو البحث في كنه الله وفيما اختص به نفسه. ومن هذه القضايا أيضاً الخلافات الجوهرية مع أرباب الملل والنحل الأخرى، كدعوى ألوهية عيسى (ع).
تاسعاً: ربما كانت أقرب الآيات إشارة لموضع عملية التعقل هي قول الحق – عزّ وجلّ –: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج/ 46)، وتشير الآية إلى أن للقلب دوراً في عملية التعقل. ولنا في هذه الآية تأويلان؛ إما أنها لا تقصد العضلة الكائنة في الجانب الأيسر من تجويف الصدر والتي تضخ الدم لأجزاء الجسم، بل تشير إلى "الجوهر" المدرك المتعقل في الإنسان، وأنّ الآية قد استخدمت كلمة قلب لوصف هذا الجوهر. ون أنّ الآية تشير إلى العضو التشريحي المسمى بالقلب، وفي هذه الحالة لا تتعارض الآية مع معارفنا العلمية، إذ إنّ الشواهد العلمية الحديثة تتجمع منذ قرابة ثلاثة عقود على أنّ لهذا القلب دوراً في المنظومة المعرفية والشعورية للإنسان.
وبعد هذا العرض لموقف القرآن الكريم من العقل، هل لي أن أتساءل: أمن سوء الفهم أو من سوء القصد أن يُرمَى القرآن الكريم بأنّه مُعَوِّق للفكر مقيد لحريته، أو القول بأنّ النظر العقلي عند العرب كان محاولة لتكميل القرآن في الجانب الذي قَصَّرَ فيه؟! لا شك أن تلك دعاوي باطلة.►
المصدر: كتاب ثمّ صارَ المخُّ عقلاً
لماذا لم يظهر الإمام المهدي (عج) إلى الآن؟
لماذا لم يظهر الإمام المهدي (عج) إلى الآن؟ وإذا كان قد أَعَدَّ نفسه للعمل الاجتماعيّ، فما الذي منعه عن الظهور على المسرح في فترة الغيبة الصغرى أو في أعقابها، بدلًا عن تحويلها إلى غيبةٍ كبرى، حيث كانت ظروف العمل الاجتماعيّ والتغييريّ، وقتئذٍ، أبسط وأيسر، وكانت صِلتُه الفعليّة بالناس، من خلال تنظيمات الغيبة الصغرى، تتيح له أن يجمع صفوفه ويبدأ عمله بدايةً قويّةً، ولم تكن القوى الحاكمة من حوله قد بلغت الدرجة الهائلة من القدرة والقوّة التي بلغتها الإنسانيّة بعد ذلك، من خلال التطوّر العلميّ والصناعيّ؟
الظروف الموضوعيّة، وأثرها في عمليّات التغيير الاجتماعيّ
والجواب، إنّ كلّ عمليّة تغييرٍ اجتماعيٍّ يرتبط نجاحها بشروطٍ وظروفٍ موضوعيّةٍ لا يتأتّى لها أن تُحقِّق هدفها، إلّا عندما تتوفّر تلك الشروط والظروف. وتتميّز عمليّات التغيير الاجتماعيّ، التي تفجّرها السماء على الأرض، بأنّها لا ترتبط، في جانبها الرساليّ، بالظروف الموضوعيّة؛ لأنّ الرسالة التي تعتمدها عمليّة التغيير هنا، ربانيّةٌ ومن صنع السماء، لا من صنع الظروف الموضوعيّة، ويرتبط نجاحها وتوقيتها بتلك الظروف.
ومن أجل ذلك، انتظرت السماءُ مرور خمسة قرونٍ من الجاهليّة، حتّى أنزلت آخر رسالاتها، على يد النبيّ محمّدٍ (صلى الله عليه وآله)؛ لأنّ الارتباط بالظروف الموضوعيّة للتنفيذ، كان يفرض تأخّرها، على الرغم من حاجة العالَم إليها منذ فترةٍ طويلةٍ قبل ذلك.
والظروف الموضوعيّة، التي لها أثرٌ في الجانب التنفيذيّ من عمليّة التغيير، منها ما يشكّل المناخ المناسب والجوّ العامّ للتغيير المستهدف، ومنها ما يشكّل بعض التفاصيل التي تتطلّبها حركة التغيير، من خلال منعطفاتها التفصيليّة.
فبالنسبة إلى عمليّة التغيير التي قادها -مثلًا- لينين في روسيا بنجاحٍ، كانت ترتبط بعاملٍ من قبيل قيام الحرب العالَميّة الأولى، وتَضَعْضُعِ القيصريّة، وهذا ما يساهم في إيجاد المناخ المناسب لعمليّة التغيير، وكانت ترتبط بعوامل أخرى جزئيّةٍ ومحدودةٍ، من قبيل سلامة لينين -مثلًا- في سفره الذي تسلّل فيه إلى داخل روسيا، وقاد الثورة؛ إذ لو كان قد اتّفق له أيُّ حادثٍ يعيقه، لكان من المحتمل أن تفقد الثورةُ، بذلك، قدرتَها على الظهور السريع على المسرح.
وقد جرت سنّة الله -تعالى- التي لا تجد لها تحويلًا، في عمليّات التغيير الربّانيّ، على التقيّد، من الناحية التنفيذيّة، بالظروف الموضوعيّة، التي تحقّق المناخ المناسب والجوّ العامّ لإنجاح عمليّة التغيير. ومن هنا، لم يأتِ الإسلام إلّا بعد فترةٍ من الرُسل، وإفراغٍ مريرٍ استمرّ قرونًا من الزمن.
فعلى الرغم من قدرة الله -سبحانه وتعالى- على تذليل العقبات والصعاب كلّها في وجه الرسالة الربّانيّة، وخلق المناخ المناسب لها خلقًا بالإعجاز، لم يشأ أن يستعمل هذا الأسلوب؛ لأنّ الامتحان والابتلاء والمعاناة التي من خلالها يتكامل الإنسان، يفرض على العمل التغييري الربّانيّ أن يكون طبيعيًّا وموضوعيًّا من هذه الناحية. وهذا لا يمنع من تدخّل الله -سبحانه وتعالى-، أحيانًا، فيما يخصّ بعض التفاصيل التي لا تكوِّن المناخ المناسب، وإنّما قد يتطلّبها، أحيانًا، التحرّك ضمن ذلك المناخ المناسب. ومن ذلك، الإمداداتُ والعناياتُ الغيبيّةُ التي يمنحها الله -تعالى- لأوليائه في لحظاتٍ حرجةٍ، فيحمي بها الرسالة؛ وإذا بنار نمرودٍ تصبح بَردًا وسلامًا على إبراهيم، وإذا بيد اليهوديّ الغادِر التي ارتفعت بالسيف على رأس النبيّ (صلى الله عليه وآله) تُشَلّ وتفقد قدرتها على الحركة، وإذا بعاصفةٍ قويّةٍ تجتاح مخيّمات الكفّار والمشركين، الذين أحدقوا بالمدينة في يوم الخندق، وتبعث في نفوسهم الرعب. إلّا إنّ هذا كلّه لا يعدو التفاصيل وتقديم العون في لحظاتٍ حاسمةٍ، بعد أن كان الجوّ المناسب والمناخ الملائم لعمليّة التغيير، على العموم، قد تكوّن بالصورة الطبيعيّة، ووفقًا للظروف الموضوعيّة.
موقف الإمام المهديّ (عج) من الظروف الموضوعيّة
وعلى هذا الضوء، ندرس موقف الإمام المهديّ (عج)، لنجد أنّ عمليّة التغيير، التي أُعِدَّ لها، ترتبط من الناحية التنفيذيّة -كأيّ عمليّةِ تغييرٍ اجتماعيٍّ أخرى- بظروفٍ موضوعيّةٍ تساهم في توفير المناخ الملائم لها. ومن هنا، كان من الطبيعيّ أن تُوَقَّت وفقًا لذلك.
ومن المعلوم أنّ المهديّ لم يكن قد أعدّ نفسه لعملٍ اجتماعيٍّ محدودٍ، ولا لعمليّةِ تغييرٍ تقتصر على هذا الجزء من العالَم أو ذاك؛ لأنّ رسالته، التي ادُّخِر لها من قِبَلِ الله -سبحانه وتعالى-، هي تغييرُ العالَم تغييرًا شاملًا، وإخراج البشريّة، كلّ البشريّة، من ظلمات الجور إلى نور العدل. وعمليّة التغيير الكبرى هذه لا يكفي في ممارستها مجرّد وصول الرسالة والقائد الصالح، وإلّا لتمّت شروطُها في عصر النبوّة بالذات، وإنّما تتطلّب مناخًا عالَميًّا مناسِبًا، وجوًّا عامًّا مساعِدًا، يحقّق الظروف الموضوعيّة المطلوبة لعمليّة التغيير العالَميّة.
فمن الناحية البشريّة، يُعتبَر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملًا أساسيًّا في خلق ذلك المناخ المناسب لتقبّل رسالة العدل الجديدة، وهذا الشعور بالنفاد يتكوّن ويترسّخ من خلال التجارب الحضاريّة المتنوّعة، التي يخرج منها إنسان الحضارة مثقلًا بسلبيّاتِ ما بنى، مُدرِكًا حاجته إلى العون، متلفّتًا بفطرته إلى الغيب أو إلى المجهول.
ومن الناحية المادّيّة، يمكن أن تكون شروط الحياة المادّيّة الحديثة أقدر من شروط الحياة القديمة، في عصرٍ كعصر الغيبة الصغرى، على إنجاز الرسالة على صعيد العالَم كلّه، وذلك بما تحقّقه من تقريبِ المسافات، والقدرة الكبيرة على التفاعل بين شعوب الأرض، وتوفير الأدوات والوسائل التي يحتاجها جهازٌ مركزيٌّ لممارسة توعيةٍ لشعوب العالَم، وتثقيفها على أساس الرسالة الجديدة.
وأمّا ما أُشيرَ إليه في السؤال، من تنامي القوى والإرادة العسكريّة التي يواجهها القائد في اليوم الموعود كلّما أجَّل ظهوره، فهذا صحيحٌ. ولكن، ماذا ينفع نموّ الشكل المادّيّ للقوّة، مع الهزيمة النفسيّة من الداخل، وانهيار البناء الروحيّ للإنسان الذي يملك تلك القوى والأدوات كلّها؟ وكم من مرّةٍ، في التاريخ، انهار بناءٌ حضاريٌّ شامخٌ بأوّل لمسةٍ غازِيَةٍ؛ لأنّه كان منهارًا قبل ذلك، وفاقدًا الثقةَ بوجوده، والقناعةَ بكيانه، والاطمئنانَ إلى واقعه؟
الإمام المهديّ وبناء المجتمع الإلهيّ، دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة
16-03-2022
لماذا الأمل والثقة بالمستقبل؟
يقول القائد دام ظله موضحاً الاستفادة الاجتماعية العامة من الإيمان بالمهدي عجل الله تعالى فرجه قائلاً:
"افترضوا أن هناك سفينة قد حاصرتها الأمواج في بحرٍ هائج وركابها لا يعتقدون بوجود شاطئ للأمان حتى على بعد آلاف الأميال ولا يمتلكون من الطعام والماء ووسائل الحركة سوى الشيء اليسير، فكيف سيكون موقف ركّاب هذه السفينة؟ هل يمكن تصوّر أنهم سيبذلون جهودهم من أجل قيادة هذه السفينة إلى الأمام؟ قطعاً كلا، لأن الإنسان حينما يشعر بأن هلاكه حتمي فأي جهد ونشاط سيبذله؟ لأنه سيفقد كل أمل له في هذه الحالة.
... والصورة الأخرى هي أن ركاب هذه السفينة على يقين من وجود شاطئ قريب أو بعيد يمكنهم الوصول إليه، ولا يعلمون كم يبذلون من الجهد للوصول إليه، إلا أنهم على يقين من وجود ذلك الشاطىء وإمكانية الوصول إليه. ففي مثل هذه الحالة ماذا سيصنع ركاب تلك السفينة؟ طبعاً سيبذلون كل ما في وسعهم من أجل الوصول إلى شاطئ الأمان، وحتى لو منحوا ساعةً من الوقت فيستثمرون تلك الساعة في الحركة والنشاط الصحيح الهادف ويتعاونون فكرياً وجسدياً لبلوغ الشاطئ.
إذاً فللأمل مثل هذا الدور، فبمقدار ما يتواجد الأمل في قلب الإنسان فسيجمع الموت شتاته ويرحل عن ذلك القلب، لأن الأمل يدفع الإنسان إلى الحركة والنشاط ويجعله يتقدم ويكافح ليبقى حيّاً...".
فهذا الإيمان ليس مجرد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل مصدر عطاء وقوة. فهو مصدر عطاء، لأن الإيمان بالمهدي إيمان يرفض الظلم والجور حتى وهو يسود الدنيا كلها، وهو مصدر قوة ودفع لا تنضب، لأنه بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما أدلهمّت الخطوب وتعمق الظلم، لأن اليوم الموعود يثبت أن بإمكان العدل أن يواجه عالماً مليئاً بالظلم والجور فيزعزع ما فيه من أركان الظلم، ويقيم بناءه من جديد، وأن الظلم مهما تجبّر وامتدّ في أرجاء العالم وسيطر على مقدّراته، فهو حالة غير طبيعية، ولا بد أن ينهزم. وتلك الهزيمة الكبرى المحتومة للظلم وهو في قمّة مجده، تضع الأمل كبيراً أمام كل فرد مظلوم، وكل أمّة مظلومة، في القدرة على تغيير الميزان وإعادة البناء.
وإذا كانت فكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإن معالمها التفصيلية التي حددها الإسلام، جاءت أكثر إشباعاً لكل الطموحات التي أنشدّت إلى هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني، وأغنى عطاءاً، وأقوى إثارة لأحاسيس المظلومين والمعذّبين على مرِّ التاريخ.
وذلك لأن الإسلام حوّل الفكرة من غيب إلى واقع، ومن مستقبل إلى حاضر، ومن التطلّع إلى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول إلى الإيمان بوجود المنقذ فعلاً، وتطلّعه مع المطلّعين إلى اليوم الموعود، واكتمال كل الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم.
فلم يعد المهدي فكرة ننتظر ولادتها، ونبوءةً نتطلّع إلى مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته، وإنساناً معيّناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، يعيش مع آمالنا وآلامنا، ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كلّ ما تزخر به... على وجه الأرض من عذاب المعذّبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بكل ذلك من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمدّ يدّه إلى كل مظلوم، وكل محروم، وكل بائس، ويقطع دابر الظالمين، ومن الواضح أن الفكرة بهذه المعالم الإسلامية، تقرّب الهوّة الغيبية بين المظلومين كل المظلومين والمنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيراً مهما طال الانتظار، وهذا مما يقوي النفوس، ويحييها بالأمل والثقة بالمستقبل الزاهر.
يقول الإمام القائد دام ظله: "تتسم عقيدة المهدوية بجملة من الخصائص التي تكون بالنسبة لكل شعب بمثابة الدم في الجسم، وبمثابة الروح في البدن، ومن جملة تلك الخصائص خاصيّة الأمل.
فقد تصل القوى المتغطرسة المتجبّرة بالشعوب الضعيفة إلى درجة تفقدها الأمل، وإذا فقدت الأمل لا تستطيع القيام بأي عمل، وتفقد الثقة بجدوى أي إجراء قد تلجأ إليه، متصورة أن الوقت قد فات، وأنها لا قدرة لها على مجابهة الخصم بأي نحو كان.
هذه هي روح اليأس التي ينشدها المستعمر، وكم يتمنى الاستكبار العالمي اليوم أن تمنى الشعوب الإسلامية، ومنها الشعب الإيراني العزيز، بهذه الحالة من اليأس، فترى من يقول: فات الأوان، لا يمكننا فعل شيء! لا فائدة من التحرك!
يلقون هذه المفاهيم في أذهان الناس بالإكراه والقوة، ونحن المطلعون على الدعايات الإعلامية المعادية المسمومة، نلمس بكل جلاء أن معظم الأخبار التي يبثّوها تهدف إلى إشاعة اليأس في قلوب أبناء الشعب. يحبطون أمل الناس اتجاه الاقتصاد والثقافة، والمتديّنين من اتساع نطاق الدين، ودعاة الحرية والشؤون الثقافية والسياسية من إمكانية العمل السياسي أو الثقافي، ويصوِّرون مستقبلاً مظلماً مبهماً أمام أبصار الطامحين نحو المستقبل. ولكن ما هو الدافع من وراء ذلك؟ إنهم يحاولون تحويل الكيان الفعال بقتل الأمل في القلوب إلى كتلة ميتة أو شبه ميّتة، ليتاح لهم عند ذاك التعامل معه كما يحلو لهم، إذ ليس بمقدورهم التعامل مع الشعب. إذا كان حيّاً، كما يرغبون. الجسم الميت يمكن لكل من هبّ ودبّ أن يتصرف فيه كيف يشاء، ولكن لا يمكن لأحد أن يفعل ذلك مع الوجود الحي الفاعل المفكِّر، والمثل ينطبق على الشعوب أيضاً، فهم لا يستطيعون القيام بأي عمل ضدِّ الشعب... الحي الواعي المتيقّظ الذي يعرف قدر نفسه وقدر عزّته...
إذا كان الشعب خاملاً لا يرى لذاته قمة ومستقبلاً، يتمكن الأعداء وبكل سهولة أن يرسموا له مستقبله ويجعلوا أنفسهم أوصياء عليه، يقررون له ويعملون بدلاً عنه بلا أي رادع أو مانع. وهذا مبعثه الخمول، والخمول يأتي كنتيجة لفقدان الأمل...
إن الاعتقاد بالمهدوية، وبفكر المهدي الموعود أرواحنا فداه، يحيي الأمل في القلوب، والإنسان الذي يؤمن بهذه العقيدة لا يعرف اليأس طريقه إلى قلبه أبداً، وذلك لثقته بحتمية وجود نهاية مشرقة، فيحاول إيصال نفسه إليها بلا وجل من احتمالات الاخفاق، ومن الطبيعي أنهم حينما يفشلون في استلاب هذه العقيدة من النفوس يحاولون تشويهها في الأذهان...".
وفي كلام آخر لسماحة القائد دام ظله: "... وإنه لأمر في غاية الأهمية أن تتصور الأجيال البشرية المعاصرة استحالة فعل شيء في مواجهة الظلم العالمي، إذ أننا حينما نتحدث الآن مع الشخصيات السياسية في العالم حول الظلم الذي تمارسه مراكز القدرة في العالم والنظام الدولي الجائر الذي يسود العالم بأسره ويتزعمه الاستكبار نراهم يقولون نعم، صحيح ما تقولون، وإن هؤلاء يمارسون الظلم حقاً، ولكن من المتعذر فعل شيء. أي إن طائفة كبيرة من الشخصيات السياسية التي تمسك أيضاً بزمام الأمور على المستوى العالمي قد استحوذ عليها اليأس والقنوط وبدورهم يفرضون على شعوبهم هذا اليأس والقنوط ويبددون آمالهم في القدرة على تغيير الخارطة الشيطانية الظالمة لعالم اليوم. ومن الطبيعي إن اليائسين يعجزون عن القيام بأية حركة في طريق الإصلاح، فما يدفع البشر نحو العمل والحركة هو النور وقوّة الأمل، ولا معنى لهذا اليأس الذي يستحوذ على الكثير من النخب في هذا العالم، بالنسبة لنا نحن المؤمنين بالظهور الحتمي للمهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه في المستقبل، فنحن نقولها: كلا، بالإمكان تغيير الخارطة السياسية للعالم، وبالإمكان مقارعة الظلم ومراكز القوة، وهذا المعنى ليس ممكناً فقط في المستقبل بل هو حتمي، وإذا ما آمن شعب بإمكانية تغيير الخارطة الشيطانية الظالمة القائمة اليوم في العالم تملّكته بشكل محتوم هيمنة الظالمين إلى الأبد، ولدى بني الإنسان القدرة على السعي لرفع راية العدل...".
ولا بد للمسلمين المؤمنين أن لا تزيل الأمل من نفوسهم مضي الأعوام، وينبغي عليهم أن لا تزيحهم عن الإيمان بالمهدي تطاول الأيام والسنون.
"إن مضي الأعوام وانصرامها لا يمكن أن يزيل الأمل أو يخفت بريقه من القلوب، في أن يتذوق كافة أبناء البشر طعم العدالة بالمعنى الحقيقي للكلمة في المستقبل الذي نأمل أن يكون غير بعيد"..
الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
كيف يتعامل المؤمن مع الدنيا؟
يقول تعالى عن الدنيا: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[1]، وإنّ من عظيم الأسف أن يظلّ الكثيرون منّا في غفلة وتعامٍ عن ذلك، وقد قال الخالق تبارك وتعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾[2].
قال النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "كُنْ في الدنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل"[3]، يوجّهنا الذي ما ينطق عن الهوى صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحديث الشريف إلى أنّ المؤمن لا ينبغي له أن يتّخذ الدنيا داراً يطمئنّ فيها لأنّها دار هدنة أي: "دار بلاغ وانقطاع"، ونحن على ظهر سفر والسير بنا سريع، وقد رأينا الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كلّ جديد، ويُقرّبان كلّ بعيد، ويأتيان بكلّ موعود، فالواجب إعداد الجهاز لبُعد المجاز، وقد اتفقت على ذلك وصايا أنبياء الله تعالى وأوصيائهم، وقال تعالى حاكياً نداء مؤمن آل فرعون: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾[4].
لقد نام سيّد ولد آدم صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم على حصير، فقام وقد أثّر في جنبه، فقالوا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطاءً؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما لي وللدُّنيا، ما أنا في الدنيا إلاّ كراكبٍ استظلّ تحت شجرة ثمَّ راحَ وتركها"[5].
وخاطب مولانا الإمام علي بن الحسين عليهما السلام أصحابه قائلاً: "إخواني أوصيكم بدار الآخرة ولا أوصيكم بدار الدنيا، فإنّكم عليها حريصون، وبها متمسّكون، أما بلغكم ما قال عيسى ابن مريم عليهما السلام للحواريّين. قال لهم: الدنيا قنطرة، فاعبروها ولا تعمروها، وقال: أيّكم يبني على موج البحر داراً تلكم الدار الدنيا، فلا تتّخذوها قراراً"[6].
واجعل الموت نصب عينيك
أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: "أكثروا من ذكر هادم اللذّات، فقيل: يا رسول اللّه، وما هادم اللذّات؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الموت، فإنّ أكيس المؤمنين أكثرهم ذكراً للموت، وأحسنهم للموت استعداداً"[7].
وقال الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام: "من صوّر الموت بين عينيه هان أمر الدّنيا عليه"[8]، وقال عليه السلام: "اتّقوا باطل الأمل، فربّ مستقبل يوم ليس بمستدبره، ومغبوط في أول ليلهِ قامت بواكيه في آخره"[9].
والواقع أنّ أصحاب العقول لا يُمكن أن يغترّوا بطول الآمال، وهم يرون في كلّ يوم وفي كلّ صباح وفي كلّ مساء أجناس الناس الذين ينتقلون إلى الدار الآخرة، ممّن هم أقوى منهم أبداناً وأكثر أموالاً كلّ هؤلاء يُدفنون جميعاً يُشيّعون ليُدفنوا في المقابر، وكلّنا صائرون إلى ذلك المصير، وقد قال مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام: "من أيقن أنّه يُفارق الأحباب، ويسكن التراب ويواجه الحساب، ويستغني عمّا خلف، ويفتقر إلى ما قَدّم، كان حريّاً بقصر الأمل وطول العمل"[10].
إنّ المسلم إذا استحضر الموت وجعله نصب عينيه اجتهد في الطاعة، ونشط في العبادة، ومن يفعل ذلك أُكرم بتعجيل التوبة، وقناعة القلب، وأمّا أهل الغفلة الذين نسوا الموت وذكره، فحالهم لم يعد خافياً على أكثر عباد الله، لأنّ جُلّ أحوالهم أصبحت تُرى وتُشاهد، وأهل النظر السليم يرون كيف قد عوقب الذين نسوا الموت بتسويف التوبة، وعدم الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة.
طلائع القلوب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة الحديد، الآية 20.
[2] سورة الأنعام، الآية 32.
[3] الشيخ الطوسي، الأمالي، ص 381، المجلس الثالث عشر.
[4] سورة غافر، الآية 39.
[5] محمد بن عيسى الترمذي، الجامع الصحيح، ج 4 ص 508، حديث 2377، باب 44، طبعة دار الفكر.
[6] الشيخ المفيد أبو عبد الله محمَّد بن محمَّد بن النعمان العكبري، الأمالي، ص 43، المجلس السادس، طبعة 1: قم .
[7] ابن الأشعث محمد بن محمد، الجعفريات، ص 199، باب ذكر الموت، ط 1، مكتبة نينوى الحديثة، طهران.
[8] الآمدي، غرر الحكم و درر الكلم، ص625.
[9] م.ن، الفصل السابع "الأماني"، رقم: 7231.
[10] محمد بن علي الكراجكي، كنز الفوائد، ج 1، ص 351، طبعة 1: دار الذخائر، قم.
قلق أم تفاؤل وأمل؟.. بعد التقاعد
د. لطفي الشربيني
◄كلمة "التقاعد".. أو "الإحالة إلى المعاش".. لا شكّ أنها تثير في النفوس مشاعر نفسية سلبية غير مرغوبة.. فالتقاعد من العمل يمثل مشكلة نفسية حقيقية خصوصاً وانّه يرتبط بمرحلة السن المتقدم، ويعتبره الموظفون نهاية رديئة لرحلة العمل الحافلة.. ويرتبط في الأذهان بأنّ الشخص أصبح زائداً عن الحاجة، وانّه مقبل على مزيد من المتاعب بعد أن يصبح بلا عمل. وهنا أقدم لك – عزيزي القارئ – رؤية نفسية لمسألة التقاعد من العمل وما يرتبط بهذه المرحلة من مشكلات.. وهموم.. وكذلك الفوائد والإيجابيات التي لا يفكر بها أحد.. وكيف يمكن أن نعد أنفسنا لمواجهة مرحلة التقاعد. - مشكلة إسمها.. "التقاعد": يعتبر التقاعد من العمل إحدى مشكلات الحضارة الحديثة، ويعني التقاعد أو الإحالة إلى المعاش التوقف عن العمل بالنسبة لمن يشغلون وظائف أو يقومون بأعمال رسمية عندما يبلغون سناً محددة، وكان الإنسان قديماً يظل يعمل حتى يفقد قواه بفعل العجز أو المرض فلم يكن هناك وجود لمثل هذه المشكلة، ومع ظهور المجتمعات الصناعية كان من الضروري تطبيق مبدأ التقاعد لكبار السن لتحقيق التوازن بين شباب العمال والموظفين وتجنب البطالة في الأجيال الأصغر سناً، ويبدو ذلك أمر لا مفر منه رغم أنّه لا يأتي على هوى الكبار الذين يرغمون على ترك عملهم في العادة وهم في قمة السلم الوظيفي فيتخلون عن مواقعهم الوظيفية مع ما يتضمنه ذلك من التخلي عن السلطة والنفوذ والوضع الاجتماعي. وربّما كان الإنسان القديم أوفر حظاً في هذا الجانب.. فلم يكن هناك معاناة من النتائج النفسية الثقيلة لنظام التقاعد الحديث نسبياً.. وقد كان سن التقاعد قبل عام 1925 هو 70 سنة، ولا يزال حتى الآن في النرويج 72 سنة، وفي الدانمارك 67 سنة، وفي أمريكا 65 سنة، وفي بريطانيا 65 للرجال، و60 للسيدات، وفي فرنسا ومصر والكويت 60 سنة، ومهما كان العمر الذي تحدده السلطات للتقاعد فإنّ الذين يقومون بأعمال حرة لحساب أنفسهم مثل الأباء والمحامين والكتاب والسياسيين والفنانين لا يمرون بتجربة التقاعد بل يمكنهم الاستمرار في العمل ما أمكن لهم ذلك دون التقيد بسن معينة يتقاعد بعدها.
- قلق.. وخسائر.. وهموم.. في مرحلة التقاعد:
إنّ المشاعر النفسية السلبية التي ترتبط بالتقاعد مثل إحساس الشخص بأنّه أصبح زائداً عن الحاجة وأن عليه أن يبقي في انتظار الموت تمثل المشكلة الحقيقية للتقاعد، وهذا الجانب النفسي عادة ما يمثل أهم هموم المتقاعدين خصوصاً في الأيام الأولى عقب ترك العمل حين يضطرون إلى تغيير نمط حياتهم بصورة كاملة.. وهذه الفترة تمثل مرحلة حرجة لكل المتقاعدين من وجهة النظر النفسية. ولا يرحب الناس عادة بمرحلة التقاعد.. ولهم بعض الحق في ذلك.. حيث يعتبرها الكثيرون فترة خسارة حيث تتابع فيها أنواع مختلفة من الخسائر يترتب بعضها على البعض الآخر، فالخسارة المادية تحدث نتيجة لنقص الدخل الذي يحصل عليه المتقاعد مقارنة بدخله أيام العمل، ويترتب على ترك العمل أيضاً أن يخسر الشخص النفوذ الذي كان يستمده من وظيفته ومنصبه، فبعد أن كان صاحب هيبة لدى مرؤوسيه لم يعد هنا من يعبأ به، وهناك الخسائر الصحية التي تتمثل في ظهور أعراض تقدم السن والشيخوخة تباعاً مع الوقت، وتؤدى الإصابة بأي عجز نتيجة للأمراض خسارة لقدرة الشخص على الحياة المستقلة دون الاعتماد على الآخرين... فالشخص الذي تعود على الاستيقاظ المبكر والذهاب إلى العمل والعودة منه في أوقات محددة على مدى سنوات، وتكوين علاقات متنوعة مع زملاء العمل يواجه صعوبات هائلة للتعود على وضعه الجديد حين يضطر للبقاء بالمنزل، وقد لا يكون وجوده بالمنزل مدعاة لسرور أسرته فيشعر بأنّه غريب في بيته، وإذا كان البديل هو مغادرة المنزل فأين يذهب؟.. ربما إلى أحد المقاهي أو للتجول بدون هدف.. أن ذلك لا يمكنه عادة من التغلب على الفراغ القاتل.. ويمر الوقت بطيئاً في معاناة قاتلة.. وحسرة على أيام العمل.
- هل هناك فوائد للتقاعد؟
هناك برامج تم إعدادها لتقديم المعلومات والإرشادات لمساعدة المتقاعدين على التأقلم مع مرحلة التقاعد قبل أن ينتقلوا إليها بوقت مناسب، وتتضمن هذه البرامج تقديم معلومات عن الجوانب الإيجابية للاحتفاظ بصحة بدنية ونفسية مع تقدم السن مثل العناية بالغذاء، الاهتمام بالرياضة، والوقاية من المشكلات الصحية المتوقعة في هذه المرحلة من العمر حتى يمكن الاستمتاع بمرحلة التقاعد أو تجنب الخسائر والحصول على بعض الفوائد خلال هذه المرحلة. ونظراً لأنّ الكثير من المتقاعدين يشعرون بأنّ التقاعد يمثل لهم ما يشبه الوصمة، حيث يبدي بعضهم حساسية وشعوراً بالاستياء لمجرد تسمية "المتقاعد" أو وصف "الإحالة للمعاش" لذا يطلقون على كل من يصل إلى هذه المرحلة في أمريكا لقب "المواطن الأوّل" (Senior Citizen) كنوع من التقدير والترضية النفسية!! وإلى هنا.. تبدو الصورة مظلمة وسلبية غير أن هناك جوانب إيجابية في مسألة التقاعد لا يفكر بها أحد.. إن فترة التقاعد قد تطول لتصل إلى ربع أو ربما ثلث مجموع سنوات الحياة، ولذلك يجب التفكير في الاستمتاع بهذه المرحلة من العمر، والهروب من مسؤوليات وأعباء العمل شيء إيجابي رغم أن كل المتقاعدين تقريباً لا يذكرون إطلاقا مشكلات العمل ومساوئ الالتزم بمواعيده وأعبائه، ويفكرون فقط في الأشياء الجيِّدة والممتعة أيام العمل، ويتحسرون على تلك الأيام، ويتمنون أن تعود، وقد يكون التقاعد فرصة مناسبة لإعادة تنظيم الكثير من أمور الحياة، والقيام بأعمال أو ممارسة هوايات لم تسمح بها الارتباطات السابقة أيام العمل لكن الوقت والظروف تسمح بذلك بعد التقاعد.
- قلق أم تفاؤل وأمل.. بعد التقاعد:
من الناحية النفسية.. فإنّ الحياة المستقلة في هذه المرحلة أفضل من التفكير في الانتقال للإقامة مع الأبناء والأقارب دون مبرر قوى حتى لا يصبح الشخص عبئاً ثقيلاً على الآخرين، كما أن اختيار المكان الذي يقيم فيه الشخص عقب التقاعد قد يساعد على التأقلم فالبعض يفضل الانتقال إلى مكان جديد بعد أن كانت أقامته ترتبط بمكان عمله غير أنّ الأفضل بصفة عامة هو بقاء الإنسان في المسكن الذي تعود عليه والمنطقة التي أقام بها ويعرفه الناس من حوله، ومن الأمور الهامة التي نُذكر بها كل من وصل إلى هذه المرحلة هي ضرورة الابتعاد تماما عن العادات الضارة بالصحة مثل تعاطي المواد الضارة أو التدخين لأن ذلك يؤدي إلى عواقب سيِّئة، وإذا كان هناك بعض العذر في ذلك للمراهقين والشباب فإن كبار السن لا يجب أن يسهموا عن طريق استخدام هذه الأشياء في تدمير ما تبقي من الصحة وقد لا يسمح الوقت بتصحيح ما يركتبه المرء من أخطاء في هذه المرحلة التي تتطلب الاعتدال في كل شيء للمحافظة على الاتزان البدني والنفسي. ورغم أن نسبة لا بأس بها من المتقاعدين يمكنهم التأقلم بسرعة مع الوضع الجديد بعد التقاعد إلا أن بعضهم لا يمكنه ذلك، وقد رأينا نماذج لمن يواصلون الذهاب إلى عملهم كما تعودوا من قبل خلال الأيام الأولى للتقاعد وكأنهم يرفضون أن يصدقوا أنهم قد توقفوا عن العمل، لذلك فإنّ الحل هو التفكير في محاولة القيام بعمل يشبه العمل الرسمي الذي كان يمارسه الشخص ليقوم به بعد التقاعد، فإن لم يتيسر فيمكن التفكير في مجال جديد وتعلم أي مهارة أو هواية مناسبة بصبر ومحاولة الاستمتاع بها في مرحلة التقاعد، ولا داعي لليأس فالوقت لا يزال مناسباً لذلك ولم يفت الأوان. وهناك تساؤل آخر وأخيراً نطرحه في نهاية هذا الموضوع.. هل التقاعد نهاية أم بداية؟! أنّ الإجابة على هذا التساؤل تظل مفتوحة للنقاش.. فكلا الاحتمالين ممكن.. ومهما كانت السن التي تحددها السلطات للتقاعد عن العمل فإنني – من وجهة النظر النفسية – أرى انّه يمكن أن يكون بداية مرحلة جيِّدة في حياة الإنسان، أو على الأقل ليست على درجة كبيرة من السوء كما يعتقد بعض المتقاعدين أو من في طريقهم إلى التقاعد.. وأقول لهم من وقعي كطبيب نفسي أنّ الحياة يمكن أن تبدأ بعد سن التقاعد.. أي بعد سن الستين أو السبعين وبوسع أي واحد منا أن يعيش بقلب شاب حتى آخر العمر.► المصدر: كتاب (عصر القلق – الأسباب والعلاج)
قائد الثورة: الشعب الإيراني انتصر وحقق النجاح بصموده
أكد سماحة قائد الثورة الإسلامية في إيران آيةالله السيدعلي خامنئي أن الشعب الإيراني بصموده قد انتصر وحقق النجاح خلال العام المنصرم وذلك باعتراف الأميركيين تحملهم هزيمة مخزية في فرض الضغوطات القصوى على إيران، مسميا العام الإيراني الجديد بعام «الإنتاج المعرفي المولد لفرص العمل».
وأدلى سماحة القائد بكلمة مباشرة بمناسبة حلول الربيع وعيد النوروز وبداية العام الإيراني الهجري الشمسي الجديد بثت عبر وسائل الإعلام الإيراني تطرق فيها إلى محاور مختلفة داخلية وإقيليمية ودولية.
وإليكم نص كلمة قائد الثورة بمناسبة العام الإيراني الجديد كاملة:
كلمة قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي - حفظه الله -
بمناسبة بداية السنة الإيرانية الجديدة عام 1401 هـ. ش.
بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، ولا سيما بقية الله في الأرضين.
يا مقلّب القلوب والأبصار، يا مدبّر الليل والنهار، يا محوّل الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال.
أباركُ عيدَ النوروز وبدايةَ السنةِ الجديدة والطبيعة الجديدة واليوم الجديد والعصر الجديد، الذي تقارَنَ هذا العامَ مع أيامِ النصفِ من شعبان المرتبطةِ بالشّمسِ الساطعةِ لعالم الوجود، بقيةِ الله، أرواحنا فداه.
أباركُ هذه المناسبةَ للشعبِ الإيراني العظيم والشعوبِ الصديقة جميعاً المتكافئة وذاتِ المشتركات. وأخصّ بالمباركةِ ذوي الشهداءِ المبجّلين وعائلاتهم الصبورة المكرمة، سائلاً الله أن يديمَ ظلَّ هذه الأسرِ الكريمة على رؤوسِنا ورؤوسِ أبناء الشعب الإيراني. كما أتقدم بالمباركةِ إلى الجرحى الأعزّاء وعائلاتهم المضحيّةِ والصابرة، وإلى المضحّين جميعاً، وكلّ من يقدّم بإخلاصٍ الخدماتِ إلى الشعب الإيراني في مختلف الميادين، سواء في ميدان الصحّة أو ميدان الأمن أو ميدان المقاومة أو ميدان العلم. أبارك لهؤلاءِ الأعزاء جميعاً هذا اليومَ العذب والعيدَ المبارك.
مرّت سنةٌ أخرى، وانقضى عامُ 1400 بحلاواته ومرارته وتعرّجاته كلها، وهذا أمرٌ طبيعي في الحياة. فالحياةُ الإنسانية مجموعةٌ من حالات الصعود والهبوط وألوانِ الحلاوة والمرارة.
وهنا أشيرُ إلى بعض نقاط الذّروة والمحطّات والإنجازات العذبة في الأحداث التي شهدها الشّعب الإيرانيّ، ومنها قضيةُ الانتخابات. فالانتخاباتُ كانت خطوةً مهمة وعظيمة حقاً. فرغم ظروفِ شدةِ المرض المتفشّي، جائحةِ كورونا في بدايات العام الماضي، حضر الناس عند صناديقِ الاقتراع وأدلَوْا بأصواتهم. هذا أمرٌ مهم، فقد أُجريتِ الانتخاباتُ في ظروفٍ كان يُعدّ اجتماعُ شخصينِ اثنين خلالَها أمراً خطيراً، وفي أيامٍ كنا نشهدُ فيها وفاةَ المئاتِ وربما خمسمئة أو ستمئة أو ربما أكثرَ من ذلك يومياً. في مثل هذه الظروفِ، أُجريت الانتخاباتُ وحضر الناسُ وشاركوا فيها وانبثق عنها حكومةٌ بنَفَسٍ جديد، ويبدو من بعض القرائنِ أنها حكومةٌ شعبية ترغب في اتخاذ خطواتٍ شعبية وتحقيق أهداف شعبيةٍ لتحقيق الأهداف، ولديها مسار مختلف عن الحكومةِ المحترمةِ السابقة وهي تسير فيه، وقد أحيَت آمالاً جديدة في قلوب الناس، بحمد الله. هذا كان من إحدى محطات النهوض وذروة الأحداث التي شهدها الشعبُ الإيراني.
الأنموذجُ الآخرُ كان في المكافحةِ الجادة لجائحة كورونا المتفشية، وكانت مكافحةً ومعالجة بالمعنى الحقيقي للكلمة. فعددُ الضحايا نَزَلَ من مئاتٍ في اليوم إلى عشرين أو ثمانية عشر خلال مدة معينة، ووصل إلى هذا الحد مع أنه ارتفع قليلاً مرة أخرى، لكنَّ الفرقَ شاسعٌ بين الوضع الجديد لمّا تمّ توفير اللقاح للجميع، وبين الأوضاع التي شهدناها سابقاً.
نقطةُ الذُّروة الأخرى تحقّقت في مجالِ التقدم العلمي والتِّقْني، خاصةً مع إنتاجِ أنواعٍ عدةٍ من اللقاحاتِ في البلاد التي حظيَ بعضُها أيضاً بشهادات عالمية، ومختلفِ التحرّكات العلميةِ والتِّقنية انطلاقاً من إنتاج اللقاح حتى الأقمارِ الاصطناعية، وقد أُنجزت في الجوانب كلّها - بحمد الله - أعمال مهمّة على مستوى البلاد. هذه كانت بعضَ نقاطِ الذّروة عام 1400، وأيضاً كان هناك في الداخلِ حوادثُ متنوعةٌ أخرى، وكان هناك أمور أخرى مفرحة أيضاً.
على الصعيدِ العالمي، كان الأمرُ كذلك. ومن أهم الأحداث السارّة عامَ 1400 اعترافُ الأميركيين - في المدة الأخيرة طبعاً - حينَ قالوا بلسانهم إننا تحمَّلْنا هزيمةً مخزية في فرضِ الضغوطات القصوى على إيران، وتعبيرُ «الهزيمة المخزية» هو تعبير الأميركيين أنفسهم. إنَّ هذا حدثٌ مهم، فقدِ انتصرَ الشعب الإيراني وحقق النّجاح. ولا يمكنُ لأحدٍ أن ينسب ذلك لنفسه في ذلك، لأن صمود الشعبِ الإيراني هو الذي أدى إلى تحقيق مثل هذا الانتصارَ العظيم. كما جرت أحداث أخرى متعددةً سواء بالقرب منا أو في مناطق بعيدة، وأثبتت جميعُها صحّةَ نهج الشعب الإيراني في مواجهة الاستكبار، وأنَّ النهجَ القويم هو ذلك الذي يسلكه الشعبُ الإيراني في مقارعة الاستكبار. حسناً، هذه كانت الأمور السارّة.
ثمة مراراتٌ أيضاً، وأذكرُ منها ما أراه الأصعبَ والأهم، وهي الضائقةُ المعيشيّةُ للناس، وقضيةُ غلاء الأسعار والتضخّمُ وأمثال هذه الأمور التي لا بدّ من معالجتها حتماً، وهي قابلةٌ للعلاج. هذه المشكلات الاقتصادية نأملُ معالجةَ أجزاءٍ منها في العام الجديد، لأنه من غير الممكن معالجتها دفعةً واحدة، بل يجري ذلك بالتدريج. فالاستعجالُ والقول بحلحلة هذه المشكلة فوراً لا يُعبّران عن رؤية واقعية، لكن - إن شاء الله - نأمل التغلب على بعضها خلال 1401، وهو العامُ الأول في القرن الجديد، أي القرنِ الخامس عشر وفق التقويم الهجري الشمسي.
لقد طرحنا في كل عامٍ من الأعوام السابقة عنواناً ليكون شعار العام، وذلك لتصويب تحركاتِ المسؤولين، ولا سيما في السلطة التنفيذية وإلى جانبها السلطتان التشريعيةُ والقضائية، وحتى أفراد الشعب كلُّهم في المجالاتِ المرتبطة بهم مباشرة، أي تصويبها في ذلك الاتجاه. وتحققتْ في بعض الأعوام نجاحاتٌ جيدة في مجال شعار العام، فيما كان هناك بالطبع نوعٌ من التقصير في بعض الأعوام أيضاً.
في عام 1400 الماضي، طرحنا شعار «الإنتاج والدعم وإزالة الموانع»، وتم اتخاذُ خطواتٍ جيدة نسبياً وهي لا تزال مستمرة، وينبغي أن تتواصل. خلال السنوات الأخيرة جعلت «الإنتاج» محوراً أساسياً لشعار العام، مع تقييده أو تخصيصه بخصوصية ما، والسبب هو أن الإنتاج يُعدُّ المفتاحَ لحل المشكلات الاقتصادية للبلاد. فالإنتاجُ الوطني هو الطريقُ الأساسي حقاً لتجاوزِ الصعوباتِ والمعضلات الاقتصادية في البلد، فأهم قضايا الاقتصاد في البلد من الممكن معالجتُها عبر الإنتاج ورواجِ الإنتاج الوطنيّ وازدهاره. هذه هي طبيعة الإنتاج، ولذلك أكدنا دائماً أهميةَ الإنتاج لأن من شأنه أن يرفعَ النموَّ الاقتصادي، ويحققَ فرصَ عملٍ جديدة، ويقللَّ التضخم، ويزيد معدلَ الدخل، ويؤدي إلى الرفاهية العامة. وله بالإضافة إلى ذلك آثارٌ نفسية، فهو يرفع الثقةَ بالذاتِ والشعورَ بالعزةِ لدى الشعب. فالإنتاجُ الوطنيّ مثل هذا الإكسير. وهو حدث على هذا المستوى من الأهمية إن شقّ الإنتاج الوطني طريقه إلى الأمام بأفضل ما هو ممكن، إن شاء الله. لذلك، أكدنا قضيةَ الإنتاج في السنين الأخيرة، فلم يكن بلا تأثير، بل كان له تأثيراتٌ جيدة، بحمد الله.
أريد أن أكررَّ هذا العامَ أيضاً قضيةَ الإنتاج لكن بثوبٍ جديد وعلى مستوى آخر، وهو الإنتاج الذي يتمتع بخصوصيتين: أن يوفر فرصَ العمل، وأن يكون إنتاجاً معرفياً. فإنتاجُ المعرفة الذي يعتمد على العلم والمعرفة والعلوم الجديدة والتقدم العلمي، والإنتاج المولّد لفرص العملِ، هو المطلوب. بالطبع. كلُّ إنتاجٍ يولّد فرص عمل لكن بعضه رغم حاجته إلى تمويلٍ عظيم لا يوفر فرصاً كثيرة للعمل، وأما بعضُه الآخر، فيرفع مستوى العمالة، وسأوضح ذلك قدر الإمكان في كلمتي غداً إن شاء الله.
إنْ تمسّكْنا بالإنتاج المعرفي وصوّبْنا بوصلةَ إنتاجِنا باتجاه إنتاج المعرفة بخصائصه التي سأذكرها في خطاب رأس السنة غداً، يبدو لي أننا سنحقق خطوةً جيّدة ونقلة ملحوظة إلى الأمام في أهدافنا الاقتصادية هذه جميعِها، إن شاء الله. وكذلك الأمرُ في قضية توفير فرص العمل. لذلك إنَّ شعارنا لهذا العام هو «الإنتاج: المعرفي المولّدُ لفرص العمل». هذا هو الإنتاج المطلوب، وإنني أطلب بجدٍّ كما أكدتُ ذلك في العام الماضي: ألّا يكتفي الإخوةُ بإدراج هذا العنوانِ على الأوراق الرسمية للدوائر المختلفة أو اللوحاتِ الإعلانية في الشوارعِ والطرقات، فهذا ليس العملَ المطلوب، وإنما الأهمُّ والأساس وضعُ السياسات بما يحقّق الشعارَ بكل ما للكلمة من معنى. وأرى أن هذه الحكومةَ بما أشاهده عبر الأوضاع والتحرّكِ الذي يفعله رئيس الجمهورية المحترم وزملاؤه ستحقّق التقدّم - إن شاء الله - ولن يُترك هذا الشعارُ سدىً، بتوفيق من الله. مع ذلك، كلما ازداد التطبيقُ وتضافرت الجهود، فسيؤدي ذلك إلى الأفضل.
أملنا أن يمنَّ الله المُتعالي على الشعب الإيراني العزيز في هذا العام وهذا العيدِ وهذه الفرصةِ المغتنمة في العامِ الجديد كلَّ الخير، وأن يُسعد قلوبَ الناس، ويجعل حياتهم عذبةً حلوة، ويُفرح نفوس الناس، إن شاء الله.
ونسأله السعادةَ والرضوان لأرواح شهدائنا الأبرار، ولروح إمامنا العظيم الإمام الخميني الراحل، رضوان الله عليه.
أسأل الله - عز وجل - أن يبلّغ عنا كلَّ التحيةِ والحبِّ والإخلاص لتراب مقدم بقية الله الأعظم، أرواحنا فداه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فوائد عصير التفاح للصحة
لعصير التفاح فوائد صحية كثيرة تعرف عليها من خلال التالي:
1) تحفيز حركة الأمعاء:
تحفيز حركة الأمعاء وتنظيمها من فوائد عصير التفاح للمعدة، وذلك لأنه يحتوي على مجموعة من الألياف الغذائية التي تساعدكَ في التخلص من عسر الهضم، والغازات والانتفاخات في المعدة الحموضة.
بالإضافة إلى ذلك من أهم فوائد شرب عصير التفاح قتل الخلايا السرطانية الموجودة في القولون، ومن ثم تعزيز البكتيريا النافعة التي تُسهل عملية الهضم.
كما من فوائد عصير التفاح للاسهال هو تخفيف حدة الإسهال من خلال ألياف البكتين، وحمض الماليك وهي من الأحماض التي تقلل من الاضطرابات الهضمية.
2) إذابة حصوات المرارة:
يُعرف التفاح بأنّه واحد من أكثر الثمار التي تعمل على تليين حصوات المرارة، وذلك من فوائد عصير التفاح للمرارة، حيث يتم من خلال احتوائه على حمص الماليك المسئول عن إذابة هذه الحصوات.
ويتم من خلال إضافة ملعقة كبيرة من خل التفاح إلى عصير التفاح وتناوله مرة واحدة يومياً، ويساعدكَ هذا المشروب في التخلص من حصوات المرارة والآلام الناتجة عن ذلك.
3) يقوي العظام والمفاصل:
يحتوي عصير التفاح على نسبة جيدة من الكاليسوم الذي يعدُّ المادة الأساسية لتكون العضلات والعظام، بالإضافة إلى تعزيز صحة الأسنان.
ويتم من خلال تضمين عصير التفاح إلى نظامكَ الغذائي، حتى تعزز فرصكَ للحماية ضد الإصابة بهشاشة العظام.
4) ترطيب الجلد:
ترطيب الجلد وتحسين مظهره من فوائد التفاح، وذلك لأنّ عصير التفاح يحتوي على فيتامين سي الذي يُساعد بدوره على صنع الكولاجين الضروري لصحة البشرة والجلد.
كما يعمل الكولاجين على إنتاج طبقة عازلة للماء حتى لا يسبب التشققات أو الجفاف بها، ومن ثم يعزز صحة شعركَ وأظافركَ.
ولهذا إذا كنتَ لا تضع منتجات ترطيب الجلد، يمكنكَ تناول عصير التفاح حتى تحمي بشرتكَ من الجفاف بل تحصل على الترطيب اللازم.
شبابنا والأنترنيت
عفاف لطف الله
أولاً: حاجات لابدّ منها: يصنف علم النفس حاجات الإنسان وفق هرم .. "ماسلو" إلى مجموعتين أساسيتين:
الأولى تلك التي تتصل بالحاجات إلى الغذاء والماء وحفظ النوع البشري وتدعى حاجات أولية، وهناك حاجات أخرى تدعى الحاجات الثانوية منها: الحاجة إلى الحرية والاستقلال، والحاجة إلى الحبّ، والأمان، والثقافة والقبول، والتواصل مع الآخرين، وتوكيد الذات وهناك الحاجة إلى المعرفة.
هذه الحاجات وسواها يمكن أن تحققها، بيسر وسهولة، تقنية حديثة هي تقنية الأنترنيت.
ثانياً: أسباب الاندفاع وراء الأنترنيت:
ما يلحظ ارتياد أعداد كبيرة من الأطفال والمراهقين والشباب الأنترنيت على نحو كبير، ويكمن وراء ذلك أسباب كثيرة منها:
1- البطالة التي يعاني منها الشباب والمراهقون سواء أكانت بطالة حقيقية أم مقنعة.
2- الفراغ الذي أصبح مشكلة بالنسبة للأطفال والشباب لاسيما في العطلة الصيفية.
3- الأوضاع الاقتصادية الصعبة لكثير من الأسر التي يصعب تأمين حواسيب أو تواصل مع شبكات الأنترنيت لأبنائها، وإهمال بعض الأسر لهم، فيبحث هؤلاء الأبناء عن سلوك تعويضي.
4- البحث عن الخصوصية والعمل على تأكيد الذات من خلال إيجاد عالم خاص بالطفل أو المراهق عن طريق الأنترنيت.
5- إشباع حاجات التواصل مع الآخرين ولاسيما مع الجنس الآخر.
6- إشباع فضول الأبناء إلى المعرفة بكل أشكالها عبر الأنترنيت.
ثالثاً: مقاهي الأنترنيت:
شهد العالم منذ العقود الأخيرة من القرن الماضي تطوراً كبيراً في مجال التواصل الإلكتروني وتقنيات المعلوماتية، وكان أبرز هذه التطورات شبكات الأنترنيت بأنواعها، وتعد شبكة الأنترنيت عامة أكبر حدث علمي تكنولوجي يضم جلّ ما قدمه الإنسان من معلومات وأفكار ونظريات وكتب ومجلدات وصحف وصور وأغان وفنون متنوعة ومواد إعلامية لتضعها تحت تصرف الإنسان، في أية نقطة من العالم، ولاسيما الأجيال الجديدة التي أصبح كلّ منها قادراً على استخدام الحواسيب والأنترنيت بل متمكناً من مهارات التواصل عبرها بدرجات متفاوتة.
استغلت الشركات التجارية معطيات التكنولوجيا والميزات الخارقة للأنترنيت كما استغلت حاجة الأطفال والمراهقين إلى اقتحام عالم الأنترنيت وأحدثت ما يسمى بمقاهي الأنترنيت.
والمقهي بالمفهوم العام هو ذلك المكان الفسيح الصحي الجميل بمناظره الطبيعية وهوائه العليل وجوه المريح، يرتاده الناس طلباً للراحة والاستمتاع والهدوء، ولتناول وجبات خفيفة لطيفة، لكن مقهى الأنترنيت هو مكان ضيق جداً يخصص فيه حيز لا يتجاوز المتر المربع مساحة لكل مرتاد، يجلس فيه وراء حاسوب يتصل بشبكة الأنترنيت على مدى ساعات وبأسعار مقبولة.
وفي ضوء ذلك اندفع الكثيرون إلى ارتياد مقاهي الأنترنيت على نحو ملحوظ، وراحت هذه المقاهي تنتشر في المدن والقرى، حتى الصغيرة منها انتشاراً مذهلاً وسريعاً.
وقد شهدت الولايات المتحدة منذ عام 1994، وبريطانيا منذ عام 1995 بدايات انتشار مقاهي الأنترنيت، ثم انتقلت إلى سائر أنحاء العالم، ولاسيما دول العالم الثالث، ومنها الدول العربية، وراحت هذه المقاهي تزدهر ازدهاراً كبيراً وتستقطب أعداداً غفيرة من المراهقين خاصة.
رابعاً: الأدوار التربوية لمقاهي الأنترنيت:
لقد استقطبت تقنيات الحاسب والأنترنيت اهتمام الطلبة، وشغلت ساعات طويلة من أوقاتهم يومياً، وأصبحت تنافس المؤسسات التربوية، كالأسرة والمدرسة وغيرها، في أدوارها، وهي بلا شك تؤدي أدواراً تربوية كبيرة وتسهم في هندسة سلوك الفرد ومعارفه.
ولهذه التقنية أدوار تربوية إيجابية وأخرى سلبية يمكن إيجازها على النحو التالي:
1- أدوار إيجابية:
أ- الحصول على المعلومات والمعارف والخبرات والأفكار التي توصل إليها الإنسان عبر رحلة الكشف والبحث، إذ تعد شبكة الأنترنيت أكبر مكتبة معرفية في العالم.
ويذكر في هذا السياق أن خبراء أمريكيين يتوقعون أن الكتب المدرسية في طريقها إلى الانقراض ليحل محلها الكتب الإلكترونية بسبب تقبل الأطفال صفحات الأنترنيت أكثر من الورق، وأصبح عدد كبير من المعلمين مقتنعين بذلك.
ب- الاطلاع، بيسر وسهولة، على العالم وما أفرزته الحضارة البشرية من مكتشفات ومعالم وإنجازات حضارية.
ج- مساعدة طالب العلم على إنجاز البحوث العلمية.
د- تعد الإنترنيت مصدراً للمتعة والترفيه بما يفيد ويغني عقل الإنسان.
هـ- يعد وسيلة جيدة لقضاء أوقات الفراغ.
و- السرعة في التواصل مع الآخرين في جميع أنحاء العالم.
2- أدوار سلبية:
أ- هدر الوقت في البحث عن الدردشة وارتياد المواقع السيئة والإباحية.
ب- انحطاط الرسائل المتبادلة في جميع المحادثة والدردشة.
ج- تدني القيم الأخلاقية التي يمكن أن تتأثر بارتياد المواقع الجنسية والإباحية.
د- دس معلومات أو أفكار خطيرة مسيئة في بعض المواقع .
هـ- هناك أضرار جسدية ناتجة عن التأثر بالإشعاعات، وعن الجلوس لوقت طويل في أماكن قد تكون غير صحية (مقاهي الأنترنيت).
و- لعل الخطر الأكبرهو الوصول إلى مرحلة إدمان استخدام الأنترنيت.
خامسا: مشكلة إدمان الأنترنيت:
1- تعريف الإدمان:
الإدمان عامة هو اضطراب سلوكي يتجلى بتكرار فعل ما من قبل فرد ينهمك في نشاط معين يسبب له نوعاً من المتعة لاقترانه بحاجة نفسية تم إشباعها، بغض النظر عن العواقب الضارة بصحته أو حالته العقلية أو النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.
وللإدمان أسباب كثيرة منها بيولوجية، وأخرى اجتماعية وأسرية وبيئية..
أما إدمان الأنترنيت فهو حالة من الاستخدام المرضي لشبكة الأنترنيت تؤدي إلى اضطرابات في السلوك والتفكير والعادات والمفاهيم.. وقد بدأت هذه الظاهرة بالانتشار في المجتمعات المعاصرة.
وظهر هذا المصطلح في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام1994 من قبل عالمة النفس الأمريكية كامبرلي يونغ التي تعد من أوائل أطباء علم النفس الذين قاموا بدراسة هذه الظاهرة. وقد عرفت يونغ إدمان الإنترنيت بأنه استخدام شبكة الإنترنيت مدة تزيد على ثمان وثلاثين ساعة أسبوعياً.
2- أعراض إدمان الأنترنيت:
أ- الشعور بالمتعة نتيجة اقتران الإدمان بحاجة نفسية أو عضوية تم إشباعها، والشعور بالألم الشديد والحرمان عندما لا يتم هذا الإشباع.
ب- الاستغراق الشديد في ممارسة استخدام الإنترنيت بغض النظر عما يدور حول المدمن من أحداث، فقد لا يسمع نداء يناديه ، وقد لا يرى ما بجواره..
ج- زيادة عدد ساعات الاستخدام على نحو مطرد.
د- الشعور بالتوتر والقلق الشديدين في حالة وجود عائق، وقد يصل هذا الشعور إلى حالة من الاكتئاب.
هــ التكلم عن موضوع الإدمان (شبكة الأنترنيت) في الحياة اليومية بمناسبة وبدون مناسبة، وقد يستيقظ المدمن من النوم ويمارس استخدام الشبكة ويفتح مواقعه المفضلة.
و- استمرار الاستخدام رغم وجود مشکلات كالتأخر عن العمل أو المدرسة، أو اضطرابات في العلاقات الأسرية.
3- مخاطر الإدمان:
تتلخص مخاطر الإدمان بأنها نتاج مركز للآثار السلبية للإنترنيت وأهمها:
- سلب إرادة المدمن.
- التجمد في اتجاه أو مجال واحد.
- العزلة الاجتماعية التامة والانطواء على الذات.
- تأخر المستوى المدرسي والتحصيلي.
- مشكلات أسرية نتيجة قضاء ساعات طويلة أمام الإنترنيت.
- هدر الوقت.
- الهروب من الواقع.
- قلة عدد ساعات النوم.
- معاناة نفسية وأضرار جسدية.
- وقد يفضي ذلك كله إلى ارتكاب الجرائم.
لقد كثر الحديث عما يسمى بالجرائم الإلكترونية، إذ يبتكر المدمن أثناء استخدامه الأنترنيت لمدد طويلة حالات أو مشاهد قد تكون مسيئة للآخرين، منها تركيب الصور والتلاعب بها وتداولها، والتعارف المشبوه، والتغرير بالصغار من المراهقين والمراهقات، وهناك أيضاً حالات الغش بأشكال متنوعة وكثيرة.
ويذكر في هذا السياق أنه أجري الكثير من الدراسات حول مسألة استخدام الحاسب والأنترنيت منها دراسة أجريت في إحدى الجامعات الكورية على 1296 طالبا تتراوح أعمارهم بين12- 19 عاماً، وقد بينت أن 87،7 منهم يستخدمون الحاسب، نسبة الذكور94% والإناث 81٪ وأن 63،4 قليلو الاستخدام و 30،5% متوسطو الاستخدام، و 6،1% معرضون.
كما وجد أن أكثر المواقع ارتياداً لهؤلاء المراهقين هي: الألعاب بنسبة 70% والدردشة بنسبة 12%، وبرامج تعليمية وسواها بنسبة 8% وتحميل برامج 7%.
وفي دراسة أخرى تبين أن أبرز المواقع استخداماً: الدردشة، المواقع الإباحية، الأغاني، الألعاب، المنتديات السياسية والإخبارية.
وفي إحدى الدراسات العربية تبين أن 70% من مستخدمي الأنترنيت مدمنون على المحادثة التي تتطور إلى صداقة وأحياناً إلى مشكلات.
سادساً: واجبات المؤسسات التربوية:
يتضح من الدراسات الكثيرة أن ثمة حالة من إدمان الأطفال والشباب على ارتياد مقاهي االأنترنيث يمكن أن تتطور إلى مشكلة لابدّ من التصدي لها والتعاون بين المؤسسات التربوية لحلها أو الحد منها، والوقاية منها أيضاً، وأبرز هذه المؤسسات:
1- الأسرة:
لاشك في أن للأسرة الدور الأكبر والأهم في تربية أبنائهـا وتعويدهم العادات السليمة وتجنيبهم العادات الضارة، وهي المعنية بتحقيق الحاجات الأساسية والثانوية لأبنائها، وذلك بإغداق المحبة عليهم وإشعارهم بالثقة والأهمية، وإتاحة الفرص الكافية لهم لتحقيق ذواتهم والتعبير عن آرائهم ومنحهم قدراً كافياً من الحرية والمسؤولية.
- ولابدّ من توجيه الأسرة أبناءها عبر الحوار المفيد إلى المواقع الجيدة التي تقدم الفائدة المرجوة، و يمكن مشاركتهم تصفح هذه المواقع بين حين وآخر وإجراء الحوار معهم لمناقشة جدوى هذه المواقع.
- إقناع الأبناء بأهمية الوقت وتعويدهم حسن التصرف فيه والإفادة منه، وإقناعهم بأن هدر الوقت مضر.
- توجيه الأبناء إلى فعاليات وأنشطة أخرى، وتنمية الهوايات وتوجيهها.
- العمل على تنمية حالة من الاصطفاء العقلاني للمواد الجيدة ونبذ المواد المسيئة.
- العمل على زرع القيم الأخلاقية وتنمية الضمير، والتدرب على التقويم الذاتي لدى الأبناء.
2- المدرسة:
إن أدوار المدرسة التربوية مكملة لأدوار الأسرة ويؤدي المعلم الحيز الأكبر من هذه الأدوار عبر معايشته الطلبة والإشراف عليهم وتوجيههم وتنفيذه المناهج التربوية والأنشطة الصفية واللاصفية، فلابد من توجيه الطلبة إلى الاستخدام الوظيفي للإنترنيت بصفتها وسيلة لجمع معلومات جديدة، وإنجاز بحوث وحلقات بحث علمية تعزز المناهج التربوية وتغني معلومات الطلبة وخبراتهم وتزيد تحصيلهم العلمي والتربوي.
ولابدّ من توجيههم إلى المواقع المفيدة وتكليفهم بمهمات علمية تتطلب البحث في صفحات الأنترنيت.
- وضروري أيضاً العمل على جعل المدرسة بيئة تربوية حضارية ثقافية جاذبة للطلبة تمارس فيها الهوايات وتنمى المواهب.
3- أدوار مؤسسات المجتمع الأخرى:
- وضع مقاهي الأنترنيت تحت رقابة تربوية مسؤولة.
- إحداث مواقع خاصة بالمؤسسات التربوية والثقافية والعلمية وتشجيعها.
- التعاون بين أولياء الأمور والمدرسة من جهة وبين أصحاب مقاهي الأنترنيت من جهة أخـرى، وذلك لضبط عمل هذه المقاهي وتوجيهها الوجهة السليمة.
- إخضاع أصحاب مقاهي الأنترنيت إلى دورات تربوية تأهيلية قبل منح الرخص بالافتتاح.
سابعاً: كلمة أخيرة:
في ضوء التقدم التكولوجي والعلمي أصبحت الأنترنيت نافذة الإنسان المعاصر على العالم، وقد دخلت إلى حياتنا من أبوابها الواسعة، وهي بحق أعجوبة العصر المذهلة إذ تطلعك على كلّ ما يدور في العالم بيسر وسهولة، ولكنها ككل تقنية لها مخاطر ومنعكسات سلبية، كما أن لها فوائد عظيمة لا يغض الطرف عن أهميتها، فمن الضروري جداً استخدام هذا النتاج الحضاري الكبير بما يفيد ويثقف ويغني ويطور حياتنا وأفكارنا وقيمنا وسلوكنا، والمهم أيضاً التزام التوازن في الاستخدام بما يحقق الطمأنينة والمتعة والفائدة والأهداف المرجوة.
فلنعمل جميعاً على العيش في عالم معلوماتي أمن دون أضرار تلحق بأجيالنا وأبنائنا.
حافظوا على علاقة مباشرة مع صغاركم
بقدر ما هو مهم أن نقضي الوقت مع بعضنا البعض كأسرة واحدة متماسكة، من المهم أيضاً ألا يطغى ذلك على التواصل الشخصي ما بين الأفراد.
لا يمل المرء من التنويه بأهمية قيام الأسرة مجتمعةً بنشاطات قيمة تعود بالفائدة على جميع أفرادها كلما سنحت الفرصة، سواء أكان ذلك بقصد الذهاب في رحلة خلال العطلة الأسبوعية أو نزهة إلى الحديقة أو حضور فيلم أو حتى تناول وجبة طعام بسيطة. بالمقابل، فبقدر أهميّة هذا الوقت الذي يجمع أفراد العائلة بأكملها، من المهم أيضاً تخصيص جزء منه للعلاقات المباشرة بين كلّ فردين من أفراد الأسرة.
وتكمن قيمة هذا الوقت وأهميته في فتح قناة للتواصل المباشر، بغية إتاحة المجال للأشخاص لقول ما قد يخشون أو يخجلون من التحدث فيه أمام العائلة بأسرها. ولا يخفى على أحد أنّ جميع الصغار لديهم أسرارهم الخاصة التي يحافظون عليها – وإن كنا لا نراها بذات أهمية أسرار الكبار – أو قد يحتاجون إلى أن ينتقدوا تصرّف أحد إخوتهم مثلاً، أو الخوض في أمر حدث لهم في المدرسة، أو عن مشكلة خاصة، أو توجيه أسئلة من أي نوع كانت على نحو فردي ومباشر.
ويمكن القول بكلمات أخرى أنّ قضاء الوقت والتواصل على المستوى الشخصي الخاص يتيح مجالاً من الخصوصية التي تبني العلاقة وتوطدها بين الآباء والأبناء من جهة، وبين أفراد العائلة كلّها من جهة أخرى. ونذكّر أنّ هذا الوقت هو سيف ذو حدّين، ففي حين أنّه مفيد جدّاً لترسيخ الأواصر، إلّا أنّه يفترض بنا الحرص على ألا يطغى على وقت العائلة ككلّ بل يتكامل معه.
وفي هذا الإطار، من الضروري الانتباه إلى أنّ هذا الأمر لا يشكّل بديلاً عن الوقت العائلي الذي يجمع الكلّ سوية، إنّما هو أمر مكمل له ولا يغني عنه بأي شكل من الأشكال، وإن كان يبدو مستساغاً للبعض منا كونه يختصر الوقت الذي نجهد لتوفيره لصغارنا، فيرى بعض الأهالي – على سبيل المثال – أنّ التناوب في رعاية الأولاد يتيح مزيداً من الوقت لهم. وهذا ليس حلاً بأي شكل من الأشكال، فالوقت الذي تقضيه العائلة كلّها مع بعضها البعض من ذهب، ولا شيء يعوض عنه.
والمقصود هنا هو استكمال الأنشطة العائلية بنذر يسير من الوقت يمضيه أفرادها مع بعضهم للتواصل الشخصي المباشر. وهو أمر من الحياة اليومية، فبطبيعة الأحوال يمضي الصغار شيئاً من الوقت في اللعب مع بعضهم البعض، في حين يمضي الآباء أيضاً وقتاً بمفردهم للتواصل والحديث في الشؤون اليومية وحياة العائلة.
وقد يكون هذا الوقت على شكل أنشطة بسيطة تجمع كلاً من الوالدين على حدة في قناة تواصل مباشرة مع أحد الصغار، وقد تكون مثلاً ممارسة المشي لبضعة دقائق على هامش نزهة في الحديقة، أو فنجاناً من القهوة خلال تسوق العائلة في المركز التجاري، أو مساعدة أحد الأبناء لأحد الوالدين في الاهتمام بالواجبات المنزلية.
خلاصة القول، في خضم حياتنا العصرية المتّسمة بمحدودية الوقت، ينسى كثيرون أهمية قضاء الوقت ضمن إطار الأسرة والمحافظة على الأواصر العائلية وتمتينها قدر المستطاع، سيما وأنّ دروبنا قد تتباعد مع الأيام، فقد يعمل أبناؤنا في المستقبل بمدن أو دول أخرى، ولا يبقى في أذهانهم عن العائلة سوى الصور والذكريات الحميمة التي جمعوها على مرّ السنين.
سابين رزق سكاف/ )أخصائية في علم النفس، معهد العلاقات البشرية
تونس.. الرئيس سعيد يصدر مرسوما للصلح الجزائي بين الدولة ورجال أعمال متورطين في قضايا فساد مالي
سعيّد قال إنه يريد أن يصنع ما وصفها بجمهورية جديدة تقوم على الحرية والعدل
قال التلفزيون الرسمي التونسي إن مجلس الوزراء صادق على 3 مراسيم، من بينها مرسوم للصلح الجزائي بين الدولة ورجال أعمال متورطين في قضايا فساد مالي مقابل مشاريع تنموية.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد أعلن -في كلمة له خلال اجتماع مجلس الوزراء بمناسبة ذكرى الاستقلال- إصدار مرسوم رئاسي يتعلق باسترجاع الأموال المنهوبة، ممن أسماهم "المدانين بنهب أموال الشعب التونسي".
وقال سعيد إنه يريد أن يصنع ما وصفها بجمهورية جديدة تقوم على الحرية والعدل، مضيفا أن تونس لديها كل المقدرات والإمكانات لصناعة المستقبل.
وأضاف "اخترنا هذا اليوم للنظر في مشروع متميز وأردته أن يكون يوم عيد الاستقلال، لنضع مشاريع مراسيم تتعلق أولا بمشروع مرسوم يتعلق بالصلح الجبائي، حتى يسترد الشعب أمواله التي نهبت منه عوض القضايا المنشورة أمام المحاكم ولم يسترجع منها شعبنا العظيم إلا النزر اليسير".
وتابع سعيد في كلمته أن الصلح الجزائي إجراء معروف في القانون؛ فعوض الزج بالمتهم الذي تمت إدانته في السجن، يدفع هذا المتهم المدان الأموال التي انتفع بها بصفة غير مشروعة.
وأوضح أن الأموال المستردة "سنقدمها للفقراء"، مشيرا إلى وضع الإجراءات واتخاذ عدة احتياطات لتذهب هذه الأموال لأصحابها الحقيقيين.
وأعلن سعيد مرسوما ثانيا يتعلق بإحداث صنف جديد من الشركات، وهي الشركات الأهلية "حتى يتمكن أبناء الشعب التونسي من بعث مشاريع في كل معتمدية (منطقة) وحتى يصير الشباب مصدرا للثروة".
أما المرسوم الثالث فيتعلق بمحاربة المضاربة غير المشروعة، "حتى يتحمل كل من يريد تجويع الشعب مسؤولياته كاملة أمام الشعب والقضاء".
وفي 28 يوليو/تموز الماضي، صرح سعيد بأن قيمة الأموال المنهوبة من البلاد تقدر بـ13.5 مليار دينار (نحو 5 مليارات دولار)، وأنه يجب إعادتها مقابل صلح جزائي مع رجال الأعمال المتورطين في نهبها.
وأوضح -آنذاك- أن "عدد الذين نهبوا أموال البلاد 460 شخصا، وفق تقرير صدر عن اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد".
وتأتي هذه المراسيم في ظل أزمة سياسية تعيشها تونس منذ 25 يوليو/تموز 2021، حين بدأ سعيّد فرض إجراءات استثنائية منها: تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة.
وترفض أغلبية القوى السياسية والمدنية في تونس تلك الإجراءات، وتعدّها "انقلابا على الدستور"، في حين تؤيدها قوى أخرى ترى فيها تصحيحا لمسار ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.
المصدر : الجزيرة + وكالات