emamian

emamian

إن حیاة الإمام موسى بجمیع أبعادها تتمیز بالصلابه في الحق، والصمود أمام الأحداث، وبالسلوك النیر الذي لم یؤثر فیه أي انحراف أو التواء، وإنما کان متسماً بالتوازن، ومنسجماً مع سیرة الرسول الأعظم (صلى الله علیه وآله) وهدیه واتجاهه، والتزامه بحرفیه الإسلام.

وکان من بین تلك المظاهر الفذه التی تمیزت بها شخصیته هو الصبر على الأحداث الجسام، والمحن الشاقه التی لاقاها من طغاه عصره، فقد أمعنوا فی اضطهاده، والتنکیل به، وقد أصر طغاه عصره على ظلمه فعمدوا إلى اعتقاله وزجّه فی ظلمات السجون، وبقی فیها حفنه من السنین یعانی الآلام والخطوب. ولم یؤثر عنه أنه أبدی أی تذمر أو شکوى أو جزع مما ألم به، وإنما کان على العکس من ذلک یبدی الشکر لله، ویکثر من الحمد له على تفرغه لعبادته، وانقطاعه لطاعته.

فکان على ما ألمّ به من ظلم واضطهاد من أعظم الناس طاعه، وأکثرهم عباده لله تعالى، حتى بهر هارون الرشید بما رآه من تقوى هذا الإمام وکثره عبادته فراح یبدی إعجابه قائلاً: (إنه من رهبان بنی هاشم).

ولما سجن فی بیت السندی بن شاهك، کانت عائله السندی تطلّ علیه فترى هذه السیره التي تحاکي سیره الأنبیاء، فاعتنقت شقیقه السندي فکره الإمامة، وکان من آثار ذلک أن أصبح حفید السندي من أعلام الشیعة في عصره.

إنها سیره تملک القلوب والمشاعر فهی مترعه بجمیع معانی السمو والنبل والزهد فی الدنیا والإقبال على الله. لقد کانت سیره الإمام موسى بن جعفر مناراً نستضیء بها حیاتنا.

ومن ظواهر شخصیته الکریمه هي السخاء، وإنه کان من أندى الناس کفاً، وأکثرهم عطاءً للمعوزین. لقد قام الإمام موسى (علیه السلام) بعد أبیه الإمام الصادق (علیه السلام) بإداره شؤون جامعته العلمیة التی تعتبر أول مؤسسة ثقافیة في الإسلام، وأول معهد تخرجت منه کوکبة من العلماء وقد قامت بدور مهم فی تطویر الحیاه الفکریة، ونحو الحرکة العلمیة في ذلك العصر، وامتدت موجاتها إلى سائر العصور وهي تحمل روح الإسلام وهدیه، وتبث رسالته الهادفة إلى الوعي المتحرّر والیقظة الفکریة، لقد کان الإمام موسى (علیه السلام) من ألمع أئمه المسلمین فی علمه، وسهره على نشر الثقافة الإسلامیة وإبراز الواقع الإسلامی وحقیقته.

ویضاف إلى نزعاته الفذّة التی لا تُحصى حلمه وکظمه للغیظ، فکان الحلم من خصائصه ومقوماته، وقد أجمع المؤرخون أنه کان یقابل الإساءة بالإحسان، والذنب بالعفو، شأنه فی ذلک شأن جدّه الرسول الأعظم (صلى الله علیه وآله) وقد قابل جمیع ما لاقاه من سوء وأذى، ومکروه من الحاقدین علیه، بالصبر والصفح الجمیل حتى لقب بالکاظم وکان ذلک من أشهر ألقابه.

وما أحوج المسلمین إلى التوجیه المشرق، والرسالة التی سطرها لنا هذا الإمام فی التضحیة فی سبیل الله والانطلاق نحو العمل المثمر البناء.

واستقبل قائد الثورة الاسلامية سماحة الامام الخامنئي الیوم الاربعاء حشدا من اهالي محافظة آذربايجان الشرقية (شمال غرب ايران) في حسينية الامام الخميني (رض) بطهران.
ویأتي هذا اللقاء بمناسبة ذكرى انتفاضة اهالي مدينة تبريز يوم 18 شباط/فبراير عام 1978 اي قبل نحو عام من انتصار الثورة الاسلامية في 11 شباط عام 1979.
وقال قائد الثورة الاسلامية خلال هذه اللقاء : أنحني اجلالا امام ابناء الشعب الايراني على هذه الخطوة القيمة التي قطعوها في 11 شباط من العام الجاري من خلال اقامة المسيرات الحاشدة.
ووصف هذا اليوم بانه كان يوما تاريخيا وقال: سطر الشعب في جميع أنحاء البلاد ملحمة بالمعنى الحقيقي للكلمة في هذا اليوم.
وأضاف الامام الخامنئي أن الشعب شارك بالمسيرات بحماس وبكل كيانه وجوارحه رغم كل الدعايات المغرضة واستفزازات الأعداء والطقس البارد، لافتا الى ان الشعب تجاهل المشاكل التي يعاني منها، تحت تأثير الإيمان والبصيرة.
 وقال سماحته ان هذه المشاركة كشفت العديد من الحقائق، مضيفا: كانت رسالة الشعب الإيراني في 11 شباط هي الدعم الكامل للثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية وكان صوته أعلى من كل الأصوات.
وتابع سماحته: كانت وستکون أصواتا مناهضة وأعداء، وتحاول إمبراطورية الإعلام العالمي، التي تخضع للصهاينة والأمريكيين، رفع الاصوات المناهضة ضدنا لكنها لم تنجح وغلب صوت الشعب على الاصوات  الاخرى.
وصرح قائد الثورة الاسلامية:إن صمود الأمم ومثابرتها يمنحها الهوية والشخصية والمجد ويساعدهم في الحفاظ عن أنفسها وثقافتها، قائلا: ان ما يمنح الأمم هويتها وشخصيتها وعظمتها ويساعد على حمايتها وثقافتها هو صمودها ومثابرتها ، معتبرا ان يوم 11 شباط/فبراير 2023  هو مثال آخر على هذا الصمود .
وتابع الامام الخامنئي: كانت اعمال الشغب التي شهدناها في طهران وبعض المناطق الأخرى في موسم الخريف تهدف الى جعل الناس ينسون يوم 11 شباط. وعدم مشارکتهم بالملايين في ذكرى انتصار الثورة الإسلامیة لکن الشعب صمد وشارك بالمسیرة.
وأکد سماحته: انه لا ينبغي للمرء أن يتعب، و أن يخيب أمله ، کما لا يجب أن يخاف من صرخات العدو.
وأشار إلى إنفاق بعض الدول الغنية التي تتحرك على عكس الاتجاه الذي یتحرك فيه الشعب الإيراني، مليارات الدولارات لإسقاط نظام الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وقال : البعض یزعمون إن الجمهورية الإسلامية وصلت إلى طريق مسدود، فإذا وصلنا إلى طريق مسدود، فلماذا ينفق العدو كل هذه الأموال لإسقاطنا ؟ لا داعي لإنفاق الأموال لإسقاط حكومة وصلت إلى طريق مسدود.
واعتبر سماحته ان الوحدة الوطنية من العوامل المؤثرة في تعزيز وتقویة البلاد، داعيا إلی إلى عدم المجادلة والصراع حول القضايا الصغيرة التي لا قيمة لها وقال هناك اختلافات في الرأي، والنقاش حول هذه الاختلافات جيد ولكن الصراع ليس جيدًا.
وأضاف قائد الثورة الاسلامية: يقولون أحيانًا ، لماذا بذلتم كل جهودكم في صنع الأسلحة والطائرات المسیرة والصواريخ وذلك من أجل عرقلة مسار التقدم.
وقال سماحته: الجواب هو أن البلاد الذي لديه أعداء يجب أن تفكر في نفسها، ولدينا أعداء والعقل يملي علينا تعزيز قوتنا الدفاعية. كما یوصي الشرع: «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَیْلِ».
وصرح أن الشعب لم یول الاهتمام لهذه الفتن وهذا ما يجعل عدونا عصبيا  و هذا هو التقدم الذي يغضب العدو. الأعداء لا يرغبون في أن يقولوا شيئاً عن التقدم الصناعي لإيران ، بل إنهم يحاولون تجاهله.

اكد رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية آية الله السيد ابراهيم رئيسي ان طهران تعتبر بكين شريكا تجاريا موثوقا لها، وبما يتيح امكانية استخدام الطاقات المنبثقة عن التعاون الثنائي لخدمة التنمية في ايران.

جاء ذلك خلال اجتماع الرئيس الايراني، على امتداد زيارته الحالي لبكين، مع ممثلي العشرات من كبرى الشركات الاقتصادية الصينية؛ حيث استمع الى اراء اكبر عشر شركات منها وعدد من الشركات الايرانية الناشطة في هذا البلد.

ولفت آية الله رئيسي، الى اتفاقه مع الرئيس الصيني، حول تظافر الجهود الثنائية من اجل التصدي للنزعات احادية الجانب في المجتمع الدولي.

واضاف، ان الجانبين توصلا الى توافقات جيدة في هذه الزيارة، وبما يسمح للشركات الاقتصادية الصينية والايرانية، اتخاذ خطوات كبيرة من اجل تطوير التعاون مع بعضهما الاخر.

ومضى الى، انه اتفق مع نظيره الصيني على انه هناك الكثير من الطاقات التي لم تستخدم لحد الان وضرورة تسخيرها من قبل البلدين لخدمة العلاقات الثنائية اكثر فاكثر.

كما نوّه بالطاقات "الجيو- ستراتيجية" التي تتمتع بها ايران الاسلامية على صعيد التعامل التجاري مع دول منطقة القوقاز واسيا الوسطى واوروبا، قائلا : ان الشركات الصينية تستطيع الاستفادة من هذه الطاقات في مجال تبادل السلع ونشاطها الاستثماري ايضا.

ودعا رئيس الجمهورية وفقا لارنا، الى توسيع التعاون بين الشركات المعرفية الايرانية ونظيراتها الصينية الناشطة في التقنيات الحديثة.

وفي الختام، دعا رئيسي الى تظافر الجهود بين ايران الصين وتذليل العقبات التي تعترض مسار التعاون بين الشركات الاقتصادية لكلا البلدين.

الأربعاء, 15 شباط/فبراير 2023 21:03

الرئيس الصيني يستقبل آية الله رئيسي

أقام الرئيس الصيني شي جين بينغ، مراسم استقبال رسمية لرئيس الجمهورية الاسلامية الإيرانية آية الله السيد إبراهيم رئيسي في مبنى المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني.

ووصل رئيسي في جولته الخارجية العاشرة إلى بكين، عاصمة الصين ثاني أكبر المدن الصينية صباح اليوم الثلاثاء وكان في استقباله وزير الثقافة والسياحة في جمهورية الصين الشعبية. 

وأقيم حفل الاستقبال الرسمي لآية الله رئيسي اليوم الثلاثاء في الساعة - 17:00 بتوقيت بكين.

وعندما دخل آية الله رئيسي مبنى المؤتمر الوطني، قام ثلاثة من حرس الشرف بعزف الموسيقية للترحيب، ثم أطلقت 21 قذيفة مدفعية تكريما للرئيس الإيراني والوفد رفيع المستوى المرافق له.

وتم عزف النشيدين الوطنيين للبلدين بحضور آية الله رئيسي وشي جين بينغ، واستعرض رئيسا إيران والصين حرس الشرف وبعد التقاط صورة تذكارية لرئيسي إيران والصين، تم تقديم أعضاء الوفدين رفيعي المستوى من البلدين وتم عقد المحادثات الثنائية للوفدين مباشرة بعد حفل الاستقبال الرسمي.

وبعد هذا الاجتماع، سيتم التوقيع على وثائق مهمة للتعاون الثنائي بين إيران والصين من قبل مسؤولي البلدين بحضور الرئيسين.

نظم الشعب الإيراني صباح اليوم السبت الموافق( ٢٢ بهمن/١١ فبراير) مسيرات مليونية بمناسبة حلول الذكرى الرابعة والأربعين لإنتصار الثورة الإسلامية في إيران.

بدأت المسيرات اليوم في 38 ألف قرية و 1400مدينة عند الساعة التاسعة والنصف صباحا وسط مشاركة شعبية حماسية حیث يغطيها نحو 200 صحفي ومصور أجنبي وأکثر من 6 آلاف و 500 من الإعلامیین المحلیین ما مجموعه أکثر من 6 آلاف و700 صحفي ومصور.

نظرا لأن 22 بهمن یعرف في الخارج باعتباره اليوم الوطني للجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن الاحتفال الخاص بالذكرى الـ 44 لانتصار الثورة الإسلامية واليوم الوطني سيقام في جميع السفارات والقنصليات ودور الثقافة الإیرانیة في 70 مكتبا تمثيليا وأكثر من 50 دولة بحضور إيرانيين.

کما یلقي رئیس الجمهوریة إبراهیم رئیسي کلمة خلال احتفاقات یوم الله.

أعلن المجلس التنسيقي للتبلیغ الإسلامي عن الشعار الرئيسي للفجر الرابع والأربعين وهو "إيران ثابتة ، 44 عاما من الفخر" ولليوم السبت 22 بهمن 1401(11 فبرایر/شباط 2023) بعنوان «الثورة الإسلامية؛ إحتفال الوجود، إيران الموحدة».

ورفع المشارکون في المسیرات شعارات «الموت لأمریکا» و «الموت لإسرائیل» و «الموت للمنافق» و «الإستقلال، الحریة، الجمهوریة الإسلامیة» وغیرها.

من المعلوم أن شهر رجب[1] من الأشهر الحُرُم[2]، قال الله - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[3]. من ميزات هذه الأشهر الأربعة هو حرمة الظلم والقتال، ليكون ذلك سبيلًا إلى حرمة الظلم بشكل عام والنفس بشكل خاص[4].
 
والظلم للنفس هو هتك أي حرمة من حرمات الله، عبر اقتراف المعصية، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "ظلم نفسَه من عصى الله وأطاع الشيطان"[5]، وفي رواية أخرى "ظَلَم نفسَه مَن رضِيَ بدار الفَناء عِوَضاً عن دار البقاء"[6]. والإنسان عندما يصدر منه الذنب، يُنزِل نفسه منزلة الحيوانية، ويخرجها عن حياض الإنسانية[7] - مهما كان مظهره الخارجي - فيتلبس بحقيقة أخرى قد تكون مساوية أو أقل من الأنعام؟!
 
ولا بدّ من الالتفات إلى أن باطن هذه الأشهر الرحمةُ، فكيف تقابَل الرحمة بالظلم؟! ومما يُدلل على هذه الرحمة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "وَسُمِّيَ شَهْرُ رَجَبٍ‏ شَهْرَ اللَّهِ الْأَصَبَّ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ عَلَى أُمَّتِي تَصُبُّ صَبّاً فِيهِ"[8]، فالحريّ بنا أن نستفيد من هذه الرحمة النازلة لنكون عطرًا فواحًا، ينشر العبير فيفوح لك ولغيرك.
 
التوبة والاستغفار:
التوبة إلى الله، والعودة إليه، بحيث يلقي الإنسان في شهر رجب الأصبّ ما علق به من أدران الذنوب والخطايا، الصغيرة منها والكبيرة. إنها لفرصة كبيرة وذهبية ربما لا تعوّض ولن تتكرر، فمن يدري، ربما يكون هذا الشهر هو الأخير في حياتنا! قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الشهر العظيم إنه شهر الاستغفار: "رَجَبٌ شَهْرُ الِاسْتِغْفَارِ لِأُمَّتِي. أَكْثِرُوا فِيهِ الِاسْتِغْفَارَ، إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏"[9].
 
ومن الملاحَظ في هذا الشهر العظيم كثرة الاستغفار، بصيغ خاصة ومختلفة. وبالدخول إلى حقيقة الاستغفار يتمّ التغيير والانقلاب، فلا بدّ من أن يكون لنا مع الله تعالى وقفة؛ لنصلح ما أفسدنا معه، فنأوب إليه، ونعود إلى رضوانه، فنرجع إليه تائبين مستغفرين، وإن لم نعد فعلينا التنبُّه إلى ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "تعطّروا بالاستغفار، لا تفضحكم روائح الذنوب"[10].
 
شهر رجب هو شهر الإنابة إلى الله - عزّ وجلّ -، ويسمّى بالأصبّ؛ لأن الرّحمة على أمتي تصب صبّاً فيه، كما في الرواية، فليستكثر من قول "أَسْتَغْفِر اللهَ وَأَسْأَلُهُ التَّوْبَةَ". لذا فإنه يجب على الإنسان، خلال هذا الشهر، أن ينظف بيت الروح الذي أهمله لتسعة أشهر، وذلك باتّخاذ أول خطوة وهي الاستغفار.
 
والاستغفار هو حقيقة بالقلب، يكشف عنها اللسان، ولا يكتمل إلا بالندامة الباطنية، والأخيرة لا تتمّ إلا بالتعرف على حقيقة الحرام. ومع التعرف عليه، يعرف الإنسان عظيم ما فعل، وجليل ما اكتسب، وكثير ما فرّط في جنبه، فيتألم عندها لما صدر منه، ويحترق القلب بعظم المصاب، فيقوم ليغسله بماء الأواب، ويذوب خجلًا أمام عظم النعم، فالتائب حين استغفاره يكون بين الخشوع لعظمته - عزّ وجلّ -، والذلّ لحقارته، فيبقى في داخله هذا الشعور، فينبري بطلب التوبة بمعنى حقيقي: "إِلهِي لَمْ أَعْصِكَ حِيْنَ عَصَيْتُكَ وَأَنا بِرُبُوبِيَّتِكَ جاحِدٌ، وَلا بِأَمْرِكَ مُسْتَخِفٌ، وَلا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ، وَلا لِوَعِيدِكَ مُتَهاوِنٌ، لكِنْ خَطِيئَةٌ عَرَضَتْ، وَسَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، وَغَلَبَنِي هَوَايَ، وَأَعانَنِي عَلَيْها شِقْوَتِي، وَغَرَّنِي سِتْرُكَ المُرْخَى عَلَيَّ، فَقَدْ عَصَيْتُكَ وَخالَفْتُكَ بِجُهْدِي، فَالانَ مِنْ عَذابِكَ مَنْ يَسْتَنْقِذُنِي، وَمِنْ أَيْدِي الخُصَماءِ غَداً مَنْ يُخَلِّصُنِي، وَبِحَبْلِ مَنْ أَتَّصِلُ إِنْ أَنْتَ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي"[11]، فتكون هذه الحركة الأولى في سبيل التطهير، ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾[12].
 
التخلية[13] من المعاصي والذنوب:
بعد الاستغفار والتوبة، والوصول إلى الطهارة، أفضل ما يلتزم به المؤمن هو المحافظة على عدم الوقوع في الذنب والمعصية؛ ليلتزم مع الله - عزّ وجلّ -، ويعاهده بلسان الحال: "وَخُذْ بِي سَبِيلَ الصَّالِحِينَ، وَأَعِنِّي عَلى نَفْسِي بِما تُعِينُ بِهِ الصَّالِحِينَ عَلى أّنْفُسِهِمْ"[14]، وبلسان العمل بعدم ارتكاب الذنب والمعصية، وفي الرواية العلوية: "اجتناب السيّئات أَولى من اكتساب الحسنات"[15].
 
فيبدأ من أول رجب إلى منتصف شهر شعبان لمدة أربعين يومًا، على قاعدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أخلص لله أربعين يومًا فجّر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه"[16]. فمن قدر على الأربعين قدر على غيرها، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما ضَعُفَ بَدَنٌ عَمّا قَوِيَتْ عليهِ النيّة"[17].
 
تذكرة لمن يخشى...، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] رجب من الترجيب، أي التعظيم، والمرجَب يعني المعظَّم.
[2] الأشهر الحُرُمْ هي أربعة أشهر من الأشهر القمرية، حُرِّمَ فيها القتال منذ عهد إبراهيم الخليل عليه السلام، وكان هذا التحريم نافذًا حتى زمن الجاهلية قبل الإسلام، وعندما جاء الإسلام أقرَّ حرمته، ولذلك تُسَمَّى بالأشهر الحُرُمْ. وقد أشار القرآن الكريم إلى حرمة ابتداء قتال الأعداء في هذه الأشهر، كما أشار إلى لزوم مقاتلتهم إذا إنتقضوا حرمة هذه الأشهر وبدؤوا القتال.
[3] سورة التوبة، الآية 36.
[4] معني "حرم" أنه يعظم انتهاك المحارم فيها أكثر مما يعظم في غيرها، وكانت العرب تعظمها حتى أن الرجل لو لقي قاتل أبيه لم يهجه لحرمته. وإنما جعل اللّه تعالى بعض الشهور أعظم حرمة من بعض لما علم في ذلك من المصلحة في الكفّ عن الظلم فيها، فعظّم منزلتها، وإنه ربما أدّ ذلك إلي ترك الظلم أصلًا، لانطفاء النائرة تلك المدة، وانكسار الحمية، فإن الأشياء تجرّ إلى أشكالها. الشيخ الطوسي، التبيان، ج5، ص214.
[5]  كافي الدين، ش أبي الحسن علي بن محمد الواسطي الليثي، عيون الحكم والمواعظ ، ص324.
[6] م.ن، ص324.
[7] عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إن الله - عزّ وجلّ -: ركّب في الملائكة عقلًا بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كليهما. فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، من غلبت شهوته عقله فهو شرّ من البهائم. علل ‏الشرائع، ج1، ص 5.
[8] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج94، ص39.
[9] المصدر نفسه.
[10] الشيخ الطوسي، الآمالي، ص372.
[11] من دعاء أبي حمزة الثمالي.
[12] سورة البقرة، الآية 222.
[13] التخلية: هي تطهير النفس من رذائل الأخلاق، كالحسد والرياء والكبر والعجب وحبّ الدنيا وغيرها من الرذائل التي يذكرها علماء الأخلاق. يعتبر علماء الأخلاق أن التخلية هي الخطوة الأولى، وبدونها لا تحصل الفائدة الكاملة، لأن النفس تكون غير مستعدة للفيوضات القدسية إذا لم تكن النفس صافية قابلة لانعكاس الفيوضات فيها. ويمثلون لذلك بالمرآة التي ما لم تذهب الكدورات عنها لا تستعدّ لارتسام الصور فيها، وكالبدن الذي ما لم تزل عنه العلة لم تتصور له إضافة الصحة، وكالثوب الذي ما لم يـنـقَ عن الأوساخ لم يقبل لوناً من الألوان. فالمواظبة على الطاعات الظاهرة لا تنفع بصورة كاملة ما لم تتطهّر النفس من الصفات المذمومة.
[14] من دعاء أبي حمزة.
[15] اليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص126.
[16] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 67، ص249.
[17] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص400.

خدمة الناس هدف الأنبياء
 إن لخدمة الناس مكانة خاصة عند الله سبحانه وتعالى أكدت عليها الكثير من النصوص الإلهية، وما إرسال الأنبياء وإنزال الكتب إلا خدمة للناس كما تشير إليه الايات القرانية الكريمة، حيث يقول تعالى ﴿الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد﴾، فالكتاب لم ينزل إلا خدمة للناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور وقد تحمل الأنبياء ما تحملوه من الام ومصاعب وجهاد لتحقيق هذه الخدمة، فالأنبياء جاؤوا لخدمة البشرية.
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "إن لأولياء الله والأنبياء نفس هذا الإحساس وهو أنهم جاؤوا لهداية الناس وإرشادهم وأداء الخدمة لهم".
 
إنه لأمر عظيم هذا الذي جاء الأنبياء لأجله وأنزلت الكتب الإلهية لتحقيقه!
 
لقد جاء الإسلام ليخدم الناس ويرفع النواقص التي يمكن أن تكون موجودة عندهم لاسيما لدى المستضعفين منهم الذين أُهملوا في المجتمعات البشرية، يقول الإمام الخميني قدس سره: "لقد جاء الإسلام من أجل المستضعفين وأولاهم الأهمية الأولى".
 
أحب الخلق إلى الله
قد يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: كيف يكون الأنبياء في خدمة الناس وهم أفضل الناس؟ فعندما يريد التاجر مثلاً أن يصرف مالاً فهو يصرفه في سبيل مال أوفر وأكثر، وليس من الحكمة أن أصرف الكثير لأحصل على القليل، فكيف يصح أن نجعل النبي يصرف طاقاته في خدمة من هو دونه؟
 
هذا السؤال والاستغراب سيزول عندما نعرف نظرة الله تعالى إلى خدمة عباده. إن الله سبحانه وتعالى يحب خدمة الناس ويحب من يخدمهم.
 
حيث ورد في الرواية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "الخلق كلهم عيال الله فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله"[1].
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحب الناس إلى الله؟ قال: أنفع الناس للناس"[2].
 
فالأنبياء والأوصياء أعمالهم وخدمتهم هي في طريق حب الله تعالى وقربه ولا تقف في خلفيتها عند الإنسان المستفيد من الخدمة فحسب "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكور"[3].
 
 خدمة الناس هي خدمة لله تعالى‏
ومن هنا فإن حقيقة خدمة الناس هي خدمة لله سبحانه وتعالى كما أكدت الروايات، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "من قضى لأخيه المسلم حاجة كان كمن خدم الله تعالى عمره"[4].
 
يذكر الإمام الخميني قدس سره ذلك في كلماته حيث يقول: "ليهيئ الأحبة الأعزاء أنفسهم لخدمة الإسلام والشعب المحروم، وليشدوا الأحزمة لخدمة العباد التي تعني خدمة الله".

إن حقيقة أن خدمة الناس تعني خدمة الله تعالى هي حقيقة أشارت إليها العديد من الروايات عن المعصومين عليه السلام.
 
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "من قضى لأخيه المسلم حاجة كان كمن خدم الله تعالى عمره"[5].
 
فحق للأنبياء أن يفنوا أعمارهم في خدمة البشر والبشرية ما دامت هذه الخدمة في واقعها هي محبة وقرب من الله تعالى وتحسب كخدمة له تعالى! ومن الطبيعي أيضاً أن تنزل الكتب السماوية لأجل ذلك.
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "لا أظن أن هناك عبادة أفضل من خدمة المحرومين".
 
فخدمة الناس هي عبادة تقرب إلى الله تعالى وعلينا أن نقصد بها وجهه جل وعلا خصوصاً إذا كانت خدمة نرفع بها حرمان المحرومين ونلبي بها حوائج المحتاجين.

خدمة الناس في فكر الإمام الخميني (قدس سره)، مركز الإمام الخميني الثقافي.


[1] الرسالة السعدية، ص‏160.
[2] بحار الأنوار، ج‏71، ص‏339.
[3] سورة الإنسان، الاية/9.
[4] عوالي اللئالي، ج‏1، ص‏374.
[5] الرسالة السعدية، ص‏169.
 

الجمعة, 10 شباط/فبراير 2023 14:32

الإسلام والثورة في إيران

تبرز في صراع القوى المتسلطة مع الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية قضية الإسلام الصحيح، الخالي من تشويهات أيادي الاستكبار العالمي وتحريفاتهم. وبعبارة أخرى أنَّ القضية بالنسبة لنا في هذا الصراع وبالنسبة لأعدائنا على حد سواء، هي مسألة الإسلام. والاستكبار يواجهنا بسبب الإسلام.

إنّ هدف الاستكبار العالمي وعلى رأسه أمريكا، وفي قاعدته جميع الأجهزة الشيطانية المسلطة على العالم وحتى غير المسلطة التي تعمل من أجل مصالح الاستكبار، هدفها جميعاً من مواجهة إيران المسلمة هو الإسلام.. الإسلام فقط وليس أي شيء. إننا لا نخوض جهادنا من أجل أن تعم الحياة الإسلامية الطيبة بيننا وحدنا، بل من أجل أن تعم البشرية. فجهادنا هو من أجل الإنسانية أيضاً.
 
بيد أن ذلك لا يعني إننا نجهّز الجيوش، ونمضي بها حيثما تخل أيادي الاستكبار بالحياة البشرية الطيبة، فنخوض المعركة ضدّها، كلا، فهذه الحرب ليست من سنخ هذه المقولة.
 
إننا نسعى من موقع الإسلام وقاعدته أن نثبت أنَّ البشرية التي تعيش راهناً في ظلال وطأة حاكمية الاستكبار الخبيثة، تتجرع الآلام، وتقترب يوماً بعد آخر من الشقاء أكثر. والهدف من سعينا أنَّ الإسلام يمكن أن يكون رسالة إنقاذ للبشر.
 
لقد أثبتنا مرّة وما نزال نسعى أن نثبت أن الإسلام قادر على مواجهة القوى العالمية الكبرى، وضرب قواعد الأنظمة الظالمة في العالم.
 
الاستكبار يعيش حساسية من هذه المسألة. ولذلك تراه يبغض أيّة أمة أو دولة أو نظام يرفض ثقافة السلطة أي يرفض حاكمية أنظمة البيوتات والزور وإمبراطوريات السلطة العالمية.
 
وفي عالم اليوم، هذا هو الإسلام، وها نحن الذي نخوض معركة رفض نظام التسلّط في العالم، ونعتبر أن نظام الهيمنة العالمي هو المسؤول عن شقاء الإسلام والبشرية في كافة أرجاء العالم.
 
نحن لم نهلع من التهم التي تنهمر على ثورتنا وشعبنا من أجهزة الدعاية المرتبطة بالغرب، ولن نضطرب. فمنذ أوائل انتصار الثورة، راح أكثر الرجعيين رجعية في هذا العالم يرمون شعبنا وثورتنا بتهم الرجعية، رغم أن ثورتنا أنجزت في هذا العصر، أكثر الحركات التغييرية رقياً وتقدمية، ومع ذلك لم نهلع ولم نضطرب([1]).
 
ترى القوى الاستكبارية الغربية نفسها، إنها في مواجهة مع الإسلام اليوم. هم يخشون الإسلام ويعدّوه خطراً.. وكل مظهر إسلامي ينطلق يعتبرونه طليعة خطر جدي يهدّد قدرتهم ومصالحهم.
 
والشيء البديهي أنَّ الإسلام المحمدي هو خطر حقيقي للأنظمة التي تقوم على أُسس الظلم والفساد والانحطاط، لما ينطوي عليه من رفض للفساد والانحطاط الأخلاقي في محيط الحياة البشرية.
 
وهذا في الواقع ما يفسّر لنا سلوك جميع القوى الشيطانية العالمية اليوم، في مواجهتها لتجليات الإسلام ومظاهره، بأقسى ما تكون أساليب المواجهة وأعنفها، بحيث راحت تلك القوى تسحق بأقدامها أشد الأصول بداهة مما كانت تنطق به شعاراتها([2]).
إنّ القوى الكبرى التي انطوت على حال العداء الدائم للثورة الإسلامية لم تعلن ولن تعلن صراحة أسباب عدائها للجمهورية الإسلامية. فلو أنَّ أمريكا أعلنت صراحة أنَّ باعث عدائها لإيران، هو عداوتها للإسلام، لوضعت في الصف المقابل لها مليار مسلم في العالم يكونون في مواجهتها([3]).
 
في كل مكان تظهر فيه تجليات الإسلام الواقعي، ترى القوى الخبيثة تتوافق في الاصطفاف ضدّه. بيد أنَّ الذي يحصل أن تُبادر القوى الإنسانية الخيرة، والقلوب النقية، والأرواح السامية، والفطرة النظيفة، للدفاع عن الإسلام الواقعي وحماية وجوده، بإزاء ذلك الاصطفاف المعادي([4]).
 
منذ اللحظة التي انتصرت فيها الثورة الإسلامية في إيران، انطلق المؤمنون الملتزمون للعمل على أساس الإسلام. ومعنى ذلك أن الإسلام في بلدنا لم يكن لقلقة لسان ولن يكون. إنما اختار شعبنا التحرك على هدي ما أراده القرآن للمسلمين، من مواجهة للشياطين ومبارزة القوى الظالمة. لقد تخلّى شعبنا عن كلّ شيء، من أجل السير في سبيل الله، تماماً كما أراد الإسلام من المسلمين أن يبذلوا التضحيات من أجل الحفاظ على عزتهم في مقابل القوى العالمية.﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ المنافقون /8. العزة للمؤمنون، لأنَّ المؤمن هو الشخص الوحيد الذي يواجه بوجوده كلّه، أي بؤرة شرّ شيطاني وفساد. ومنذ اللحظة التي استطاع فيها الشعب الإيراني أن يجسِّد بانتصار الثورة، دين الله الإسلام في إطار نظام اجتماعي، انبثقت المخاوف في قلوب المستكبرين. فبدأوا جهودهم لمواجهة الإسلام بأي طريق ممكن.
 
من هنا فإنَّ مواجهة الجمهورية الإسلامية ونصب العداء لها كان بسبب الإسلام. وآية ذلك أنهم تعاملوا مع الجمهورية الإسلامية على أنّها خطر كبير، في اللحظة التي تمسكت بالتزام ثابت بالمعتقدات والأصول الإسلامية. ففي البداية لم تظهر منهم حساسية وردود فعل عنيفة وذلك حين لم تكن الأمور قد اتضحت لهم بشكل كامل، ولم يعرفوا ما هي الجمهورية الإسلامية، وإلى أي مدى يمكن أن تلتزم بمبانيها وثبتت على شعاراتها.

إنّنا اليوم إذن أمام حركتين متقابلتين، قد امتلأتا بالدروس والعبر بالنسبة لشعبنا. فمن جهة نرى الضغوط الاستكبارية المتزايدة، وعداء القوى المادية، ضدَّ أي مظهر من مظاهر الانبعاث الإسلامي، مما تصلنا أخباره يومياً ونلحظه باستمرار، حتى أنَّ هذه القوى لا توفّر في عدائها مظهراً منه، حتى تجلياً صغيراً من تجليات انبعاث الإسلام، يظهر في بلد أوروبي، إذ سرعان ما تتحوّل هذه الظاهرة، إلى مركز للصراع، يدفع المسؤولين والسياسيين لمواجهته!

 هذه هي الحركة الأولى في طرف القضية.
 
أما في الطرف الثاني، فإننا نجد أن قلوب البشر في العالم تنجذب إلى الإسلام، بالأخص ما يحصل للشباب والمثقفين والناس الواعين، فهم ينفتحون على الإسلام رغم شدّة الضغوط العالمية ضدَّ الإسلام والمسلمين.

 وهاتان الحقيقتان، هما اللتان تؤمّنان نمو الإسلام الحقيقي واتساع رقعته.
 
الثورة الإسلامية والغزو الثقافي، من كلمات ومحاضرات الإمام الخميني قدس سره


([1]) حديث قائد الثورة في لقائه مع ضيوف مؤتمر الفكر الإسلامي. 12/11/1368.
([2]) بيان قائد الثورة في تجمع قادة جيش العشرين مليون. 2/9/1368.
([3]) بيان قائد الثورة في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الإمام الخميني. 10/3/1369.
([4]) حديث قائد الثورة في مراسم بيعة مجموعة من أهالي شيراز وبندر عباسي وساري. 21/4/1368

بعد أن تحدَّث الإمام المقدَّس عن القائد ومجلس القيادة، وأهمّيّة هذا الموقع بالنسبة إلى الأمّة الإسلاميّة، أخذ قدس سره يذكر مجموعة مهمّة من القضايا، منها: العدالة في القضاء الإسلاميّ، وكيف يجب أن تكون المقاييس والموازين في هذه العمليّة الدقيقة، ثمّ عاد ليتحدَّث قليلاً عن الحوزات العلميّة، مُحذِّراً إيّاها من أن تُخترق من قِبَل المعادين للإسلام، وكيف يجب أن تُنظَّم هذه الحوزات العلميّة حتّى لا تُخترق، ومنها السلطة التنفيذيَّة ومهمّتها الدقيقة في قيادة الأمور، ومنها أيضاً تطهير السفارات من المظاهر الطاغوتيّة الموروثة من نظام الشاه البائد، ومنها الموضوع العلمائيّ، وكيف يجب أن يكون العلماء في الدعوة إلى اللّه (عزَّ وجلّ)، ومنها الأمور الواجبة على وزارة الإرشاد وعلى مختلف مراكز التربية والتعليم في دفع عجلة الإعلام الإسلاميّ إلى الأمام، ومنها أهمّيّة الاهتمام بالقوَّات المسلَّحة، ثمّ بعد ذلك أهمّيّة أن لا يتحزَّب أعضاء القوى المسلَّحة لأيّ جانبٍ من الجوانب الحزبيَّة في المجتمع الإسلاميّ، ثمّ بعد ذلك عاد الإمام قدس سره ليتحدَّث مع الذين يعادون الحكومة الإسلاميّة، ويوجّه لهم النصائح ولمؤيديهم أيضاً. وفي نهاية هذه المنعطفات يتحدّث الإمام قدس سره عن الحركات الإسلاميّة التي أخطأت هدفها، وكيف يجب أن تعود إلى الجادَّة، وبعدها إلى أولئك الذين يثيرون الانتقادات من أجل الانتقادات ليس إلّا، يقف الإمام قدس سره ليقول: إنّ هروبنا من الغرب لا ينبغي أنْ يوقعنا في أحضان الشرق، وإنّ هروبنا من الشرق لا ينبغي أنْ يوقعنا في أحضان الغرب، وإنّما يجب علينا أن نعادي كلا المعسكريْن، لأنّ الإسلام يملك الوجهة السياسيّة والاجتماعيّة القادرة على هذه المسألة. كما ويحذّر الإمام قدس سره هنا في هذا المجال كلّ أولئك الذين يثيرون الدعوات المشبوهة، خصوصاً ممّن تلبَّس بزيّ العلماء. ويصل الإمام قدس سره في نهاية المطاف إلى نهاية وصيّته الخالدة، ليتحدَّث مع مستضعفي العالم ومع الشعب الإيراني المسلم.

يقول الإمام قدس سره:
"وصيّتي إلى جميع مسلمي العالم ومستضعفيه هي: يجب ألّا تجلسوا منتظرين إلى أن يأتي حكام بلدكم ومن يعنيهم الأمر أو القوى الأجنبية ويجلبوا الاستقلال والحرية هديّة لكم.

نحن وأنتم شاهدنا، وعلى الأقلّ في السنوات المائة الأخيرة، هذه التي دخلت فيها أقدام القوى العالمية الكبرى بالتدريج إلى جميع البلاد الإسلاميّة وسائر البلاد الصغيرة، شاهدنا وشاهدتم أو حدثتنا به التواريخ الصحيحة أنَّ أيّاً من الحكومات الحاكمة في هذه البلاد لم ولن تفكر في حرية شعوبها واستقلالها ورفاهيتها، بل إنّ أكثريتها الساحقة إما أنها تمارس على شعوبها الظلم والكبت وكل ما فعلته فهو لمصالحها الشخصية أو الفئوية وإما أنها تسعى لرفاهية الشريحة المرفهة والمترفة فيما الطبقات المظلومة من ساكني الأكواخ والأقبية محرومة من كلّ نعم الحياة، حتّى من أشياء مثل الماء والخبز وما يسدّ الرمق وقد سخرت الحكومات أولئك البائسين لخدمة الطبقة المرفهة والماجنة أو إنها كانت أدوات للقوى الكبرى التي استعملتها لتحقيق المزيد من تبعية الدول والشعوب، فحوّلوا هذه الأوطان بالحيل المختلفة إلى أوطان استهلاكية وهم الآن يسيرون وفق هذه الخطة وأنتم يا مستضعفي العالم ويا أيتها الحكومات الإسلاميّة ومسلمي العالم، انهضوا وخذوا حقكم بقبضاتكم وأسنانكم ولا تخافوا الضجيج الإعلامي للقوى الكبرى وعملائها العبيد واطردوا من بلادكم الحكام الجناة الذين يسلمون نتاج تعبكم إلى أعدائكم وأعداء الإسلام العزيز ولتأخذ الطبقات المخلصة الملتزمة بزمام الأمور واتحدوا جميعاً تحت راية الإسلام المجيدة وهُبُّوا للدفاع بوجه أعداء الإسلام وعن محرومي العالم، وامضوا قُدماً لإقامة دولة إسلاميّة واحدة تتألف من جمهوريات حرة ومستقلة، فإنكم بتحقيق ذلك تضعون حدّاً لجميع المستكبرين في العالم وتحققون إمامة المستضعفين ووراثتهم للأرض، على أمل ذلك اليوم الذي وعد به الله تعالى.

مرّة أخرى في نهاية هذه الوصية أوصي شعب إيران الشريف بأن حجم تحمل المشقات والآلام والتضحيات وبذل الأرواح والحرمان في العالم يتناسب مع حجم وعظمة الهدف وسموه وعلو مرتبته، وما نهضتم من أجله أيُّها الشعب الشريف والمجاهد وأنتم ماضون فيه وبذلتم من أجله الروح والمال وتبذلون، هو أسمى وأعلى وأثمن هدف وغاية طرح_ ويطرح _ منذ صدر العالم في الأزل وبعد هذا العالم إلى الأبد، وهو مبدأ الألوهية بمعناه الواسع وعقيدة التوحيد بأبعادها السامية التي هي أساس الخلق وغايته في رحاب الوجود وفي درجات ومراتب الغيب والشهود وقد تجلى ذلك في المدرسة المحمدية صلى الله عليه وآله وسلم بتمام المعنى والدرجات والأبعاد، وكانت جهود جميع الأنبياء العظام عليهم السلام والأولياء المعظمين سلام الله عليهم بهدف تحقيق ذلك والاهتداء إلى الكمال المطلق، والجلال والجمال اللامتناهيين ليس ميسوراً إلّا به، إنّه هو الذي شرف الترابيين (الناس) على الملكوتيين (الملائكة) وما هو أسمى، وما يحصل للترابيين بالسير فيه لا يحصل لأي موجود في جميع أرجاء الخلق في السر والعلن.

أنتم أيُّها الشعب المجاهد تسيرون تحت راية خفاقة في جميع أنحاء العالم المادي والمعنويّ أدركتم ذلك أم لم تدركوا. أنتم تسيرون في طريق هو الصراط الوحيد لجميع الأنبياء عليهم السلام والصراط الوحيد إلى السعادة المطلقة. بهذا الهدف يسعى جميع الأولياء لنيل الشهادة في هذا الصراط ويعتبرون الموت الأحمر أحلى من العسل. وقد تجرع شبانكم جرعة منه في الجبهات فولهوا، وقد تجلى في الأمهات والأخوات والآباء والإخوان، ونحن يجب أن نقول بصدق: "يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً"، هنيئاً لهم ذلك النسيم بهجة القلب وتلك النفحة المثيرة للحماس. ويجب أن نعلم أن طرفاً من هذه التجليات قد ظهر في المزارع المُحرقَة وفي المصانع المجهدة والمعامل الصغيرة وفي مراكز الصناعة والاختراع والإبداع ولدى أكثرية الشعب في الأسواق والشوارع والقرى وكل الأشخاص المتصدين لهذه الأمور الذين يؤدون خدمة من أجل الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة وتقدم البلاد واكتفائها الذاتي، وما دامت روح التعاون والالتزام هذه قائمة في المجتمع فإن بلدنا العزيز مصون إن شاء الله تعالى من أذى الدهر.

وبحمد الله تعالى، فإن الحوزات العلمية والجامعات وشبان مراكز التعليم والتربية الأعزّاء لهم نصيبهم من هذه النفحة الإلهية الغيبية وهذه المراكز مائة في المائة بين أيديهم والأمل بالله، أن لا تصل إليها أيدي المفسدين والمنحرفين.

ووصيّتي للجميع هي أن امضوا قدماً بذكر الله المتعال نحو معرفة النفس والاكتفاء الذاتي والاستقلال بكل أبعاده، ولا شكّ في أنّ يد الله معكم إذا كنتم في خدمته وواصلوا العمل على تطور البلد ورقيه بروح التعاون. وإنّني إزاء ما أراه في الشعب العزيز من اليقظة والوعي والالتزام والتضحية وروح المقاومة والصلابة في سبيل الحق، كلّي أمل أن تنتقل هذه المعاني الإنسانيّة بفضل الله المتعال إلى أجيال الشعب وأن تزداد جيلاً بعد جيل".

• الجمهوريّة الإسلاميّة تجربة حيّة
إنّ الإمام قدس سره وهو يوجّه مثل هذا النداء مرَّةً إلى مستضعفي العالم، ومرَّةً إلى الشعب الإيرانيّ المسلم، ليقول لهم إنّ تجربة الثورة الإسلاميّة هي تجربة حيَّة، فمن جهة يخاطب المستضعفين في العالم، ويطالبهم بأن يكونوا مثل الشعب الإيراني المسلم، وثانيةً ليقول للشعب الإيرانيّ المسلم إنّ هذا النتاج العظيم هو نتاجكم أنتم، ويجب عليكم كما انتصرتم أن تحافظوا على هذا الانتصار.

الجمعة, 10 شباط/فبراير 2023 14:26

ما الذي يديم نعم الله عز وجل علينا؟

لقد سخّر الله تعالى جميع مخلوقاته في خدمة الإنسان والرقيّ به نحو الكمال، وهي نِعم لا تدوم ولا تزيد إلا بوجود أسبابها وأداء الواجب نحوها، كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام في صفة الإسلام: "فيه مرابيع النِّعم([1])، ومصابيح الظُلم، لا تُفتح الخيرات إلّا بمفاتيحه، ولا تُكشف الظلمات إلّا بمصابيحه"([2]). لذا كان لا بدّ للإنسان من أن يقوم بما يفي لهذه النِّعم الإلهيّة ولو بالقليل، كالقيام على سبيل المثال بـ:
 
1- أداء الشكر لله على هذه النِّعم،
لأنّ الشكر يزيد في النِّعم والبركات. قال تعالى: ﴿ولوْ أنّ أهْل الْقُرى آمنُواْ واتّقواْ لفتحْنا عليْهِم بركاتٍ مِّن السّماء والأرْضِ ولـكِن كذّبُواْ فأخذْناهُم بِما كانُواْ يكْسِبُون﴾([3])، ﴿ولوْ أنّهُمْ أقامُواْ التّوْراة والإِنجِيل وما أُنزِل إِليهِم مِّن رّبِّهِمْ لأكلُواْ مِن فوْقِهِمْ ومِن تحْتِ أرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمّةٌ مُّقْتصِدةٌ وكثِيرٌ مِّنْهُمْ ساء ما يعْملُون﴾([4]). وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "من أُعطي الشكر أُعطي الزيادة يقول الله عزّ وجلّ: ﴿لئِن شكرْتُمْ لأزِيدنّكُمْ﴾".
 
2- الدوام على ذكر نِعم الله وعدم الغفلة عنها،
قال تعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ اذْكُرُوا نِعْمت اللهِ عليْكُمْ هلْ مِنْ خالِقٍ غيْرُ اللهِ يرْزُقُكُم مِّن السّماء والْأرْضِ لا إِله إِلّا هُو فأنّى تُؤْفكُون﴾([5]). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿وذكِّرْهُمْ بِأيّامِ اللهِ﴾ (أي): "بنعم الله وآلائه"([6])، وعن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وأمّا بِنِعْمةِ ربِّك فحدِّثْ﴾([7]): "الّذي أنعم عليك بما فضّلك، وأعطاك وأحسن إليك، ثم قال: فحدّث بدينه وما أعطاه الله وما أنعم به عليه"([8]).
 
- أيضاً: معناه اذكر نعمة الله وأظهرها وحدِّث بها، وفي الحديث: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله، ومن لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، والتحدُّث بنعمة الله شُكر وتركه كُفر"، وعن الإمام الحسن عليه السلام: "تُجهل النِّعم ما أقامت، فإذا ولّت عُرِفت"([9])، وعن الإمام عليّ عليه السلام: "أحسنوا صحبة النِّعم قبل فِراقها، فإنّها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها"([10]).

3- القناعة بنِعم الله تعالى وعدم الإسراف فيها، قال الإمام الكاظم عليه السلام: "من اقتصد وقنع بقيت عليه النِّعمة، ومن بذّر وأسرف زالت عنه النِّعمة"([11]).
 
4- السعي في قضاء حوائج الناس، قال الإمام عليّ عليه السلام: "من كثُرت نِعم الله عليه كثُرت حوائج الناس إليه، فمن قام لله فيها بما يجب فيها عرّضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم فيها بما يجب عرّضها للزوال والفناء"([12]).
 
5- الامتناع عن ظلم الناس والاستعانة بنعم الله على معاصيه لا سيّما التكبُّر على عباده، قال الإمام عليّ عليه السلام: "ما أنعم الله على عبد نعمة فظلم فيها، إلّا كان حقيقاً أن يُزيلها عنه"([13]).

وورد في زبور داود عليه السلام: يقول الله تعالى: "يا بن آدم! تسألني وأمنعك لعلمي بما ينفعك، ثمّ تُلحّ عليّ بالمسألة فأُعطيك ما سألت، فتستعين به على معصيتي"([14]). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم ما تنصفني! أتحبّب إليك بالنِّعم وتتمقّت إليّ بالمعاصي، خيري عليك منزل وشرّك إليّ صاعد"([15])، ويقول الإمام عليّ عليه السلام: "بالتواضع تتمّ النِّعمة"([16]).
 
6- إظهار النِّعم الّتي أنعم الله بها على الإنسان، قال الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ الله جميل يُحبُّ الجمال، ويُحبُّ أن يرى أثر النِّعمة على عبده"([17]).
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أنعم الله على عبده بنعمة فظهرت عليه سُمّي حبيب الله محدِّثاً بنعمة الله، وإذا أنعم الله على عبد بنعمة فلم تظهر عليه سُمّي بغيض الله مُكذِّباً بنعمة الله"([18])، وعنه عليه السلام: "إنّ الله تعالى يُحبُّ الجمال والتجميل، ويُبغض البؤس والتباؤس، فإنّ الله عزّ وجلّ إذا أنعم على عبد نعمة أحبّ أن يرى عليه أثرها، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يُنظِّف ثوبه، ويُطيِّب ريحه، ويُجصِّص داره، ويكنس أفنيته، حتّى أنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق"([19]).
 
 مظاهر الرحمة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


([1]) مرابيع: جمع مِرباع، بكسر الميم: المكان ينبت نبته في أوّل الربيع.
([2]) نهج البلاغة، الخطبة 152.
([3])الأعراف:96.
([4])المائدة:66.
([5])فاطر:3.
([6])الدر المنثور، للسيوطي، ج4، ص 70.
([7])الضحى:11.
([8])الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 94.
([9])بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 75، ص 115.
([10])علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج2، ص 464.
([11]) ميزان الحكمة، ج4، ص 3313.
([12]) نهج البلاغة، الحكمة 372.
([13]) عيون الحكم والمواعظ، الواسطي، ص 482.
([14]) بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج70، ص 365.
([15]) م. ن، ج70، ص 352.
([16]) ميزان الحكمة، الريشهري، ج4، ص 3318.
([17]) الكافي، الشيخ الكليني، ج6، ص 438.
([18]) الكافي، الشيخ الكليني، ج6، ص 438.
([19]) أمالي الطوسي، ص 275.