Super User

Super User

الأربعاء, 16 كانون2/يناير 2013 07:12

فضل الصلاه علی النبی (ص) و اله (ع)

بسم الله الرحمن الرحیم

ان الله وملائکته یصلون علی النبی یا ایهاالذین آمنواصلواعلیه وسلموا تسلیما

لقدکان لکم فی رسول الله اسوه حسنه لمن کان یرجوالله والیوم الاخر

فی کنز العمال:

1- عن الحسن عن النبی(ص) انه قال: اکثروا الصلاه علی فان صلاتکم علی مغفره لذنوبکم

2- عن ابی الدرداء عن النبی(ص) انه قال :من صلی علی حین یصبح عشرا وحین یمسی عشرا ادرکته شفاعتی

3 - وفی صحیح مسلم وسنن الترمذی وسنن النسائی عن ابی هریره ان رسول الله (ص) قال: من صلی علی واحده صلی الله علیه عشرا

4- فی سنن ابن ماجه عن سعد الساعدی عن النبی(ص) انه قال:لا صلاه لمن لا یصلی علی النبی

5- فی مسند احمد وسنن الترمذی عن الحسین بن علی عن النبی(ص)انه قال: البخیل من ذکرت عنده فلم یصل علی.

کیفیه الصلاه علی النبی(ص) :

1- فی سنن النسائی:زید بن خارجه عن النبی(ص):صلوا علی واجتهدوا فی الدعاء وقولوا ( اللهم صل علی محمد و علی ال محمد و بارک علی محمد و آل محمد کما بارکت علی ابراهیم و علی آل ابراهیم انک حمید مجید)

2- فی تفسیر الطبری والسیوطی عن ابن عباس:قلنا یا رسول الله قدعلمنا السلام علیک فکیف الصلاه علیک؟ فقال: (اللهم صل علی محمد و آل محمد کما صلیت علی ابراهیم و آل ابراهیم انک حمید مجید و بارک علی محمد و علی آل محمد کما بارکت علی ابراهیم و آل ابراهیم انک حمید مجید)

3- فی صحیحی البخاری ومسلم وسنن ابی داود والنسائی والترمذی وابن ماجه ومسنر احمد والطبری والسیوطی فی تفسیرهما:عن کعب بن عجزه قال:کنت جالسا عند النبی(ص) اذجاء رجل فقال: قد علمنا کیف نسلم علیک یا رسول الله فکیف نصلی علیک؟قال: قولوا "اللهم صل علی محمد و علی آل محمد کما صلیت علی ابراهیم و علی آل ابراهیم انک حمید مجید اللهم و بارک علی محمد و علی آل محمد کما بارکت علی ابراهیم و علی آل ابراهیم انک حمید مجید"

واخیرا فی شهر ربیع الاول ، شهر مولد الرسول الأعظم (ص) فلنکثر الصلاه علی محمد وعلی آل محمد عسی ان یشفع لنا الحبیب عند الله جل وعلا آمین

الأربعاء, 16 كانون2/يناير 2013 06:00

حقيقة المبعث في فكر الإمام الخامنئي (1)

حقيقة المبعث ورسالته في فكر الإمام الخامنئي(1)

إحياء المبعث، وقبل أن يكون مجرد تكريم لذكرى عزيزة على النفوس، فهو استعادة للدروس الكبرى التي انطوت عليها بعثة الرسول الأكرم (ص) والتي تحتاجها اليوم البشرية كلها لا سيما مجتمع المسلمين. تعاني الإنسانية راهناً من هيمنة القوى الطاغوتية، ومن الظلم، والتمييز، والفساد، وتسلط أهواء جماعات خاصة على حياة الناس.

إبتليت الإنسانية اليوم بأهواء أناس سيطرت عليهم نزواتهم ونزعاتهم ولم يشموا ريح المعنوية إطلاقاً. الإنسانية اليوم أحوج لرسالة البعثة من أي وقت مضى. بعثة النبي الأكرم كانت دعوة للتوحيد قبل كل شيء. ليس التوحيد مجرد نظرية فلسفية أو فكرية، إنما هي منهج حياة للبشرية.. إنه تسويد لله على حياة الإنسان وتقصير أيدي القوى المختلفة عنها. »لا إله إلا الله« الرسالة الأصلية لرسولنا وجميع الرسل الآخرين، ومعناها: يجب عدم تدخل القوى الطاغوتية والشيطانية في حياة الإنسان ومسيرته واختيار أساليب حياته لكيلا تتقاذف الحياةَ الإنسانية بأهوائها وميولها ونـزعاتها. إذا تحقق التوحيد في حياة المجتمع الإسلامي والإنساني بمعناه الحقيقي الذي أراده الإسلام وحمل جميع الأنبياء رسالته، فسيبلغ الإنسان السعادة الحقيقية والفلاح الدنيوي والأخروي، وستزدهر دنيا الإنسان بدورها، وستصب لصالح التكامل والرقي الإنساني الحقيقي.

الدنيا في النظرة الإسلامية مقدمة ومعبر للآخرة. الإسلام لا يرفض الدنيا، ولا يعد المتع واللذائذ الدنيوية شيئاً كريهاً سلبياً، ويريد للإنسان أن يظهر نشيطاً فاعلاً في مسرح الحياة بكل مواهبه وغرائزه. لكن هذا كله يجب أن ينصب في خدمة رفعة الروح والبهجة المعنوية الإنسانية لتكون الحياة عذبة حلوة حتى في هذه الدنيا. ليس في مثل هذه الدنيا ظلم وجهل ونـزعة عدوانية، وهذه مهمة صعبة تحتاج إلى جهاد، وقد بدأ الرسول الأكرم هذا الجهاد منذ اليوم الأول.

ما دعا إليه الرسول هو ما تحتاجه الإنسانية في كل أطوار حياتها عبر التاريخ. دعا الرسول إلى العلم، وأولى آيات القرآن الكريم كانت في مدح العلم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾. أشار إلى التعليم بدايةً. العلم أداة نجاة الإنسان وفلاحه، وهي أداة لا ترتبط بزمان ومكان معينين، إنما تنتشر لتشمل كافة عصور الحياة الإنسانية.

ودعا الرسول البشر إلى التحرك والثورة. قال الله تعالى في الآيات الأولى التي نـزلت على الرسول: {قم فأنذر}.. إنها الدعوة للقيام، والتحرك، وترك السكون والجمود، والشعور بالمسؤولية ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ...﴾ القيام لله مُجد في كافة ظروف الحياة الإنسانية، فمن دون القيام والحركة لا يتسنى بلوغ أيٍّ من الأهداف العليا. ودعا الرسول الأكرم البشرية إلى تزكية النفس وتربيتها ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ...﴾ التزكية شرط أول، فمن دون التزكية يتحول حتى العلم إلى أداة للفساد والانحطاط والضلال والسقوط البشري.

وكما تلاحظون اليوم فقد تحول العلم في الدنيا إلى وسيلة لسقوط الإنسان، حيث استخدم في أسر الشعوب وقلب الحقائق وتجويع البشر. كم من البشر في أنحاء العالم يحرمون من مصادرهم الحياتية ويعيشون ظروف الفقر والمسكنة والفاقة والبؤس بسبب هيمنة المستعمرين الذين صالوا وسيطروا عليهم بأدوات العلم.

وكذا الحال اليوم أيضاً، فالاستكبار العالمي - الاستعمار الحديث في العالم - يستخدم أدوات العلم ليتعس الناس ويأسرهم ويقتّلهم ويقضي عليهم. هذه نتائج العلم العاري من التزكية. الإسلام يدعو الناس للأخوة، والمساواة، وعدم التمييز بينهم، وعدم اتخاذ العنصر سبباً لتمييزهم عن بعض، وعدم تفضيل شعب على آخر تفضيلاً طبيعياً ذاتياً. الإسلام يدعو لتكريم التقاة. فملاك الأفضلية هو التقوى. والتقوى معناها مراقبة سلوك الذات، والنظر إلى موطئ الأقدام، والتخطيط للحياة في ضوء الحدود والتعاليم الإلهية. هذه قضية لا تختص بزمن معين، والبشرية اليوم بحاجة لهذه الأمور. كلما تقدمت علوم الإنسان وحضارته، تبقى تلك الأمور هي التي تبعث على سعادته. على الأمة الإسلامية الاهتمام بهذه الأمور وطلبها والسعي إليها.

وهذا ما يستدعي إرادة وعزماً راسخاً في الشعوب المسلمة ورؤساء البلاد ومسؤوليها ممن يمسكون بأيديهم زمام الأمور. جاء في دعاء اليوم »وقد علمت أنّ أفضل زاد الرّاحل إليك عزم إرادة يختارك بها«. هذا الطريق صعب طبعاً، لكنه يسهل بالعزيمة الإنسانية الراسخة. هذه هي الدروس التي يعلمناها الإسلام. إينما جربناها في حياتنا وجدناها عمليةً مجديةً، أي إن التجارب تعاضدها. في صدر الإسلام، تهيأ لجماعة قليلة العدد بعيدة عن التحضر والعلوم ومحرومة من كل خيرات الحياة أن تُطلق بفضل هذه الأصول وبالتمسك بهذه العرى الوثقى أعظم حضارة في العالم طوال عدة قرون.. حضارة انتهلت الإنسانية كلها من تحضّرها وعلومها وتقدمها. هذه هي تجربتنا القديمة.

ونحن في الجمهورية الإسلامية اليوم أيضاً حيثما توكأنا على الإرادة وعلى الله وأينما استخدمنا طاقاتنا واستبعدنا أهواءنا ونزعاتنا، وعددنا الأهداف كبيرةً مهمةً كانت خطواتنا موفقةً ناجحة. واضح أن صناعة المجتمع وصناعة الحضارة _ وهي من أكبر أهداف الإسلام _ غير متاحة من دون إثارة الأعداء. ففي صدر الإسلام أثار تشكيل النظام والمجتمع الإسلامي عداء البعض، وكذا الحال اليوم. الشعوب المسلمة اليوم تشعر في أنفسها بروح العزة الإسلامية، لكونها مسلمة. الصحوة الإسلامية ظاهرة حقيقية برزت إلى السطح شاء أعداء الأمة الإسلامية ذلك أم أبوا. وطي هذا الطريق يستدعي العزم الراسخ لدى مسؤولي البلدان... علينا أن نراقب أنفسنا ولا تنـزلق أقدامنا. لابد أن نحذر من أن تخدعنا بهارج الدنيا أو تؤثر فينا خدع الأعداء وحربهم النفسية. علينا تمتين وحدتنا باستمرار وتحاشي القضايا الفرعية الصغيرة. القضية الرئيسية اليوم هي صيانة هوية الجمهورية الإسلامية والهوية الإسلامية لهذا البلد. هذا ما ترنو إليه أعين العالم الإسلامي والأمة الإسلامية بقلق. لقد استطعتم عرض نموذج معين في العالم، ويحاول الأعداء نسف هذا النموذج. ولن تكون الهزيمة هنا هزيمة إيران فقط بل هزيمة العالم الإسلامي كله.

الأربعاء, 14 آب/أغسطس 2013 06:41

مسجد نيوجيه - بکین

مسجد نيوجيه

مسجد نيوجيه (بالصينية 牛街礼拜寺) هو من أقدم المساجد في شمالي الصين. وقد بني سنة 996م حسب ما جاء في تاريخ قانغشانغ. وتفيدنا المدونات التاريخية أن أحد العرب، ويدعى الشيخ قوام الدين، قد جاء من بلده إلى الصين. وكان معه ثلاثة أولاد: ابنه البكر صدر الدين، وابنه الثاني ناصر الدين، وابنه الثالث سعد الدين، وكلهم أذكياء وأكفاء فوق العادة. وكان من طبيعتهم أن عاشوا عيشة الاعتكاف، فلم يستسيغوا أبدا الوظائف التي منحهم إياها البلاط الإمبراطوري. ولذلك فقد أنعم على كل منهم بلقب إمام المسلمين حين استوطنوا الصين. أما صدر الدين فقد غادر مقره إلى أماكن أخرى لنشر الإسلام ولم يرجع. وقام سعد الدين ببناء مسجد في دونغقوه، الناحية الشرقية من بكي، كما قام ناصر الدين ببناء مسجد في ضاحية بكين الجنوبية (أي ناحية نيوجيه اليوم) بأمر من الإمبراطور. وهذا المسجد الأخير هو مسجد نيوجيه اليوم.

مسجد نيوجيه

وقد كان مسجد نيوجيه صغير الحجم في بادئ الأمر، ثم أصبح على الصورة التي نراها اليوم بعد توسيع بنائه مرارا في عهد أسرتي مينغ وتشينغ (1368-1911م). وفي سنة 1474م أطلق الإمبراطور عليه اسم لي باي سي الذي يعني (دار الصلاة). ولما تم ترميمه سنة 1696م على حساب البلاط الإمبراطوري منح لوحا مكتوبا عليه "دار الصلاة الإمبراطورية".

مسجد نيوجيه

القاعة الرئيسية

تبلغ مساحة هذا المسجد حوالي 6000 متر مربع. ومع أن مبانيه لا تختلف عن القصور الكلاسيكية الصينية شكلا وتوزيعا إلا أنها مميزة بالزخارف الإسلامية الطراز. أما قاعة الصلاة في المسجد فتواجه الشرق، وهي تشكل مع القاعة المقابلة لها وجناحي المسجد الجنوبي والشمالي دارا مربعة مثالية (أي دار تحيط بها المباني من الجهات الأربع وتتوسطها ساحة رحبة). وأما بوابة المسجد، فهي مفتوحة إلى الغرب، وأمامها حاجز من الطوب كبير، ووراءها برج لمشاهدة الهلال، سداسي الأضلاع مزدوج الأفاريز. وأمام قاعة الصلاة اثنتان من المقصورات الصخرية، تنتصب إحداهما في الجنوب والأخرى في الشمال. وتبدو مباني المسجد منسجمة متناسقة ومحكمة. فهي مجموعة كاملة من المباني الرائعة.

مسجد نيوجيه

أضرحة داخل مسجد نيوجيه

تتكون قاعة الصلاة من ثلاثة مبان متراصة طولاً، وخمسة فسح عرضا. وهي تغطي مساحة قدرها أكثر من ستمئة متر مربع، وتتسع لقرابة ألف مصلي في آن واحد. ولو ألقيت نظرة على القاعة من الخارج، لوجدتها مبنى كلاسيكيا صينيا نموذجيا بما تتميز به من الأفاريز المرفوعة والتركيبات الخشبية الزاهية الألوان، غير أن زخارفها الداخلية إسلامية الطراز تماما. ومحارب قاعة الصلاة مسقوف بمقصورة مسدسة الأضلاع مخروطية الشكل مميزة بالسقف الدائري الملون من عهد أسرة سونغ (960-1279م). وعلى جدرانها الجنوبية والشمالية نوافذ منقوشة بالكتابات العربية. وفي قاعة الصلاة ثماني عشرة دعامة وواحد وعشرون عقدا. وتظهر على عتبات العقود العليا نقوش من الآيات القرآنية والتسابيح الإلهية والمدائح النبوية. وعلى جنبات الدعامات القرمزية اللون نقوش لزهور مموهة بالذهب، مما يشكل مع الثريات المعلقة في القاعة منظرا فريدا من نوعه. وكان لهذه القاعة عيب متمثل في الحرارة الخانقة التي يعاني منها المصلون صيفا والبرد القارص شتاء لشدة قدمها، ولكن هذا العيب قد تم تفاديه بعد تزويدها بأجهزة التهوية منذ سنوات. ولو ذهبت إلى الركن الجنوبي الشرقي من المسجد لألفيت نفسك أما مرقدين للشيخ أحمد البرتاني المتوفي سنة 1280م والشيخ عماد الدين المتوفى سنة 1283م، وهما من علماء الإسلام العرب الذين جاءوا إلى الصين لنشر الإسلام. وتنتصب بجوار هذين الضريحين شاهدتان منقوشتان بكتابات عربية واضحة الخطوط حتى يومنا هذا. وهما في نظر المسلمين المحليين من روائع الآثار الإسلامية.

مسجد نيوجيه

ومن ضمن محفوظات المسجد لوح منقوش عليه أمر أعلنه الإمبراطور كانغشي سنة 1694م بخصوص المسلمين. إذ قيل أنه لما وجد الحاقدين على الإسلام المسجد مضاء بالأنوار المتألقة في ليالي رمضان، وشي بالمسلمين إلى الإمبراطور بدافع التقرب أليه، وزعم قائلا: "أن المسلمين يجتمعون ليلا، ويتفرقون نهار، فيبدو أنهم يستعدون للتمرد". فتوجه الإمبراطور في بزة مدنية إلى المسجد خفية للتحقق من الأمر. ولكن تبين له أن كل ما ورد في وعظ الإمام هو من التعليمات الإسلامية الداعية إلى الخير والناهية عن الشر، فما لبث أن أصدر أمرا جاء فيه: "ليكن في علم جميع المقاطعات أنه إذا افترى أحد الموظفين أو الرعايا على المسلمين بالتمرد، متذرعا بذريعة تافهة، فلا بد من معاقبته معاقبة شديدة قبل استشارة القيادة العليا. وليتمسك المسلمون بالإسلام دون السماح لهم بمخالفة أمري هذا."

مسجد نيوجيه

وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة 1949م خصصت الحكومة مبلغا لترميم مسجد نيوجيه ترميماً شاملاً. ولكنه عاني من التخريبات الخطيرة في هوس "الثورة الثقافية"، كما أغلقت أبوابه أكثر من عشر سنوات. وفي سنة 1979 أعيد ترميمه على نطاق واسع. وعبر أكثر من سنة من الإصلاحات الدقيقة تجددت ملامح هذا المسجد العريق كما كان عليه سابقا.

الثلاثاء, 15 كانون2/يناير 2013 09:41

الإسماعيلية

الإسماعيلية فرقة من الشيعة القائلة بأنّ الإمامة بالتنصيص من النبي أو الإمام القائم مقامه، غير أنّ هناك خلافاً بين الزيدية والإمامية والإسماعيلية في عدد الأئمة ومفهوم التنصيص.

 

فالأئمة المنصوصة خلافتهم وإمامتهم بعد النبي عند الزيدية لا يتجاوز عن الثلاثة: علي أمير المؤمنين (عليه السلام) ، والسبطين الكريمين: الحسن والحسين (عليهما السلام) ، وبشهادة الأخير غلقت دائرة التنصيص وجاءت مرحلة الانتخاب بالبيعة

 

كما تقدم.

 

وأمّا الأئمة المنصوصون عند الإمامية فاثنا عشر إماماً آخرهم غائبهم يظهره الله سبحانه عندما يشاء، وقد حول أمر الأُمّة ـ في زمان غيبته ـ إلى الفقيه العارف بالأحكام والسنن والواقف على مصالح المسلمين على النحو المقرر في كتبهم وتآليفهم.

 

وأمّا الإمامة عند الإسماعيلية فهي تنتقل عندهم من الآباء إلى الأبناء، ويكون انتقالها عن طريق الميلاد الطبيعي، فيكون ذلك بمثابة نصّ من الأب بتعيين الابن، وإذا كان للأب عدة أبناء فهو بما أُوتي من معرفة خارقة للعادة يستطيع أن يعرف من هو الإمام الّذي وقع عليه النص، فالقول بأنّ الإمامة عندهم بالوراثة أولى من القول بالتنصيص. وعلى كلّ حال فهذه الفرقة منشقة عن الشيعة معتقدة بإمامة إسماعيل بن جعفر بن الإمام الصادق (عليه السلام) ، وإليك نبذة مختصرة عن سيرة إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السلام) (110-145 هـ).

 

الإمام الأوّل للدعوة الإسماعيلية:

 

إنّ إسماعيل هو الإمام الأوّل والمؤسس للمذهب، فوالده الإمام الصادق (عليه السلام) غني عن التعريف وفضله أشهر من أن يذكر، وأُمّه فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين الّتي أنجبت أولاداً ثلاثة هم :

 

1-إسماعيل بن جعفر.

 

2-عبد الله بن جعفر .

 

3-أُم فروة.

 

وكان إسماعيل أكبرهم، وكان أبو عبد الله (عليه السلام) شديد المحبة له والبر به والإشفاق عليه، مات في حياة أبيه (عليه السلام) «بالعريض» وحمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة حتّى دفنه بالبقيع. ( [1])

 

استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) على موته:

 

كان الإمام الصادق حريصاً على إفهام الشيعة بأنّ الإمامة لم تكتب لإسماعيل، فليس هو من خلفاء الرسول الاثني عشر الذين كتبت لهم الخلافة والإمامة بأمر السماء وإبلاغ الرسول الأعظم. ومن الدواعي الّتي ساعدت على بث بذر الشبهة والشك في نفوس الشيعة في ذلك اليوم، هو ما اشتهر من أنّ الإمامة للولد الأكبر، وكان إسماعيل أكبر أولاده، فكانت أماني الشيعة معقودة عليه، ولأجل ذلك تركزت جهود الإمام الصادق (عليه السلام) على معالجة الوضع واجتثاث جذور تلك الشبهة وانّ الإمامة لغيره، فتراه تارة ينصّ على ذلك، بقوله وكلامه، وأُخرى بالاستشهاد على موت إسماعيل وانّه قد انتقل إلى رحمة الله ولن يصلح للقيادة والإمامة.

 

وإليك نموذجاً يؤيد النهج الّذي انتهجه الإمام لتحقيق غرضه في إزالة تلك الشبهة.

 

روى النعماني عن زرارة بن أعين، أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وعند يمينه سيّد ولده موسى (عليه السلام) وقدّامه مرقد مغطّى، فقال لي: «يا زرارة جئني بداود بن كثير الرقي وحمران وأبي بصير» ودخل عليه المفضل بن عمر، فخرجت فأحضرت من أمرني بإحضاره، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثر واحد حتّى صرنا في البيت ثلاثين رجلا.

 

فلمّا حشد المجلس قال: «يا داود اكشف لي عن وجه إسماعيل»، فكشف عن وجهه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : «يا داود أحيٌّ هو أم ميت؟» قال داود: يا مولاي هو ميت، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل، حتّى أتى على آخر من في المجلس، وانتهى عليهم بأسرهم، وكل يقول: هو ميت يا مولاي، فقال: «اللّهم اشهد» ثم أمر بغسله وحنوطه، وإدراجه في أثوابه.

 

فلمّا فرغ منه قال للمفضّل: «يا مفضّل أحسر عن وجهه»، فحسر عن وجهه، فقال: «أحيُّ هو أم ميت؟» فقال: ميت، قال: «اللّهم اشهد عليهم» ثم حمل إلى قبره، فلمّا وضع في لحده، قال: «يا مفضّل اكشف عن وجهه»، وقال للجماعة: «أحيّ هو أم ميت؟» قلنا له: «ميت، فقال: «اللّهم اشهد، واشهدوا فانّه سيرتاب المبطلون، يريدون إطفاء نور الله بأفواههم ـ ثم أومأ إلى موسى ـ والله متم نوره ولو كره المشركون»، ثم حثونا عليه التراب، ثم أعاد علينا القول، فقال: «الميت، المحنّط، المكفّن المدفون في هذا اللحد من هو؟» قلنا: إسماعيل، قال: «اللّهم اشهد». ثم أخذ بيد موسى (عليه السلام) وقال: «هو حق، والحق منه، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها». ( [2])

 

هل كان عمل الإمام تغطية لستره ؟

 

إنّ الإسماعيلية تدّعي انّ ما قام به الإمام الصادق (عليه السلام) كان تغطية، لستره عن أعين العباسيّين، الذين كانوا يطاردونه بسبب نشاطه المتزايد في نشر التعاليم الّتي اعتبرتها الدولة العباسية منافية لقوانينها. والمعروف انّه توجه إلى سلمية ومنها إلى دمشق فعلم به عامل الخليفة، وهذا ما جعله يغادرها إلى البصرة ليعيش فيها متستراً بقية حياته.

 

مات في البصرة سنة 143 هـ ، وكان أخوه موسى بن جعفر الكاظم حجاباً عليه، أمّا ولي عهده محمد فكان له من العمر أربع عشرة سنة عند موته. ( [3])

 

ما ذكره أُسطورة حاكتها يدُ الخيال، ولم يكن الإمام الصادق (عليه السلام) ولا أصحابه الأجلاّء، ممّن تتلمذوا في مدرسة الحركات السرية، حتّى يفتعل موت ابنه بمرأى ومسمع من الناس وهو بعد حي يرزق، ولم يكن عامل الخليفة بالمدينة المنورة بليداً، يكتفي بالتمويه، حتّى يتسلّم المحضر ويبعث به إلى دار الخلافة العباسية.

 

والظاهر انّ إصرارهم بعدم موت إسماعيل في حياة أبيه جعفر الصادق (عليه السلام) ، لأجل تصحيح إمامة ابنه عبد الله بن إسماعيل حتّى يتسنّى له أخذ الإمامة من أبيه الحي بعد حياة الإمام الصادق (عليه السلام) .

 

لكن الحق انّه توفّي أيّام حياة أبيه، بشهادة الأخبار المتضافرة الّتي تعرّفت عليها، وهل يمكن إغفال أُمّة كبيرة وفيهم جواسيس الخليفة وعمّالها؟! وستر رحيل إسماعيل إلى البصرة بتمثيل جنازة بطريقة مسرحية يعلن بها موته فإنّه منهج وأُسلوب السياسيّين المخادعين، المعروفين بالتخطيط والمؤامرة، ومن يريد تفسير فعل الإمام عن هذا الطريق فهو من هؤلاء الجماعة «وكلّ إناء بالذي فيه ينضح». وأين هذا من وضع الجنازة مرّات وكشف وجهه والاستشهاد على موته وكتابة الشهادة على كفنه؟!

 

والتاريخ يشهد على أنّه لم يكن لإسماعيل ولا لولده الإمام الثاني، أيّة دعوة في زمان أبي جعفر المنصور ولا ولده المهدي العباسي، بشهادة انّ ابن المفضل كتب كتاباً ذكر فيه صنوف الفرق، ثم قرأ الكتاب على الناس، فلم يذكر فيه شيئاً من تلك الفرقة مع أنّه ذكر سائر الفرق الشيعية البائدة .

 

والحق إنّ إسماعيل كان رجلاً ثقة، محبوباً للوالد، وتوفّي في حياة والده وهو عنه راض، ولم تكن له أي دعوة للإمامة، ولم تظهر أي دعوة باسمه أيّام خلافة المهدي العباسي الّذي توفّي عام 169 هـ ، وقد مضى على وفاة الإمام الصادق (عليه السلام) إحدى وعشرون سنة .

 

الخطوط العريضة للمذهب الإسماعيلي

 

إنّ للمذهب الإسماعيلي آراء وعقائداً:

 

الأُولى: انتماؤهم إلى بيت الوحي والرسالة:

 

كانت الدعوة الإسماعيلية يوم نشوئها دعوة بسيطة لا تتبنّى سوى: إمامة المسلمين، وخلافة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واستلام الحكم من العباسيّين بحجة ظلمهم وتعسّفهم، غير أنّ دعوة بهذه السذاجة لا يكتب لها البقاء إلاّ باستخدام عوامل تضمن لها البقاء، وتستقطب أهواء الناس وميولهم.

 

ومن تلك العوامل الّتي لها رصيد شعبي كبير هو ادّعاء انتماء أئمتهم إلى بيت الوحي والرسالة وكونهم من ذرية الرسول وأبناء بنته الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وكان المسلمون منذ عهد الرسول يتعاطفون مع أهل بيت النبي، وقد كانت محبتهم وموالاتهم شعار كلّ مسلم واع.

 

وممّا يشير إلى ذلك انّ الثورات الّتي نشبت ضد الأُمويّين كانت تحمل شعار حب أهل البيت (عليهم السلام) والاقتداء بهم والتفاني دونهم، ومن هذا المنطلق صارت الإسماعيلية تفتخر بانتماء أئمتهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى إذا تسلموا مقاليد الحكم وقامت دولتهم اشتهروا بالفاطميّين، وكانت التسمية يومذاك تهز المشاعر وتجذب العواطف بحجة انّ الأبناء يرثون ما للآباء من الفضائل والمآثر، وانّ تكريم ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تكريم له (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فشتان ما بين بيت أُسس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه وبيت أُسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم.

 

الثانية: تأويل الظواهر:

 

إنّ تأويل الظواهر وإرجاعها إلى خلاف ما يتبادر منها في عرف المتشرّعة هي السمة البارزة الثانية للدعوة الإسماعيلية، وهي إحدى الدعائم الأساسية بحيث لو انسلخت الدعوة عن التأويل واكتفت بالظواهر لم تتميز عن سائر الفرق الشيعية إلاّ بصرف الإمامة عن الإمام الكاظم (عليه السلام) إلى أخيه إسماعيل بن جعفر، وقد بنوا على هذه الدعامة مذهبهم في مجالي العقيدة والشريعة وخصوصاً فيما يرجع إلى تفسير الإمامة وتصنيفها إلى أصناف .

 

إنّ تأويل الظواهر والتلاعب بآيات الذكر الحكيم وتفسيرها بالأهواء والميول جعل المذهب الإسماعيلي يتطوّر مع تطوّر الزمان، ويتكيّف بمكيّفاته، ولاترى الدعوة أمامها أي مانع من مماشاة المستجدات وإن كانت على خلاف الشارع أو الضرورة الدينية .

 

الثالثة: تطعيم مذهبهم بالمسائل الفلسفية:

 

إنّ ظاهرة الجمود على النصوص والظواهر ورفض العقل في مجالات العقائد، كانت من أهم ميزات العصر العباسي، هذه الظاهرة ولّدت رد فعل عند أئمة الإسماعيلية، فانجرفوا في تيارات المسائل الفلسفية وجعلوها من صميم الدين وجذوره، وانقلب المذهب إلى منهج فلسفي يتطوّر مع تطوّر الزمن، ويتبنّى أُصولاً لا تجد منها في الشريعة الإسلامية عيناً ولا أثراً.

 

يقول المؤرّخ الإسماعيلي المعاصر مصطفى غالب: إنّ كلمة «إسماعيلية» كانت في بادئ الأمر تدلّ على أنّها من إحدى الفرق الشيعية المعتدلة، لكنّها صارت مع تطوّر الزمن حركة عقلية تدلّ على أصحاب مذاهب دينية مختلفة، وأحزاب سياسية واجتماعية متعددة، وآراء فلسفية وعلمية متنوعة. ( [4])

 

الرابعة: تنظيم الدعوة:

 

ظهرت الدعوة الإسماعيلية في ظروف ساد فيها سلطان العباسيين شرق الأرض وغربها، ونشروا في كل بقعة جواسيس وعيوناً ينقلون الأخبار إلى مركز الخلافة الإسلامية، ففي مثل هذه الظروف العصيبة لا يكتب النجاح لكلّ دعوة تقوم ضد السلطة إلاّ إذا امتلكت تنظيماً وتخطيطاً متقناً يضمن استمرارها، ويصون دعاتها وأتباعها من حبائل النظام الحاكم وكشف أسرارهم.

 

وقد وقف الدعاة على خطورة الموقف وأحسّوا بلزوم إتقان التخطيط والتنظيم، وبلغوا فيه الذروة بحيث لو قورنت مع أحدث التنظيمات الحزبية العصرية، لفاقتها وكانت لهم القدح المعلى في هذا المضمار، وقد ابتكروا أساليب دقيقة يقف عليها من سبر تراجمهم وقرأ تاريخهم، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل جعلوا تنظيمات الدعوة من صميم العقيدة وفلسفتها.

 

الخامسة: تربية الفدائيّين للدفاع عن المذهب:

 

إنّ الأقلّية المعارضة من أجل الحفاظ على كيانها لا مناص لها من تربية فدائيّين مضحّين بأنفسهم في سبيل الدعوة لصيانة أئمتهم ودعاتهم من تعرّض الأعداء، فينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والإقدام، والشجاعة النادرة، والجرأة الخارقة ويكلّفون بالتضحيات الجسدية، وتنفيذ أوامر الإمام أو نائبه، وإليك هذا النموذج :

 

في سنة 500 هـ فكّر فخر الملك بن نظام وزير السلطان سنجر، أن يُهاجم قلاع الإسماعيلية، فأوفد إليه الحسن بن الصباح أحد فدائيّيه فقتله بطعنة خنجر، ولقد كانت قلاعه في حصار مستمر من قبل السلجوقيّين.

 

السادسة: كتمان الوثائق:

 

إنّ استعراض تاريخ الدعوات الباطنية السرية وتنظيماتها رهن الوقوف على وثائقها ومصادرها الّتي تنير الدرب لاستجلاء كنهها، وكشف حقيقتها وما غمض من رموزها ومصطلحاتها، ولكن للأسف الشديد انّ الإسماعيلية كتموا وثائقهم وكتاباتهم ومؤلّفاتهم وكلّ شيء يعود لهم ولم يبذلوها لأحد سواهم، فصار البحث عن الإسماعيلية بطوائفها أمراً مستعصياً إلاّ أن يستند الباحث إلى كتب خصومهم وما قيل فيهم، ومن المعلوم انّ القضاء في حق طائفة استناداً إلى كلمات مخالفيهم خارج عن أدب البحث النزيه .

 

السابعة: الأئمة المستورون والظاهرون:

 

إنّ الإسماعيلية أعطت للإمامة مركزاً شامخاً، وصنّفوا الإمامة إلى رتب ودرجات، وزوّدوها بصلاحيات واختصاصات واسعة، غير أنّ المهم هنا الإشارة إلى تصنيفهم الإمام إلى مستور دخل كهف الاستتار، وظاهر يملك جاهاً وسلطاناً في المجتمع، فالأئمة المستورون هم الذين نشروا الدعوة سراً وكتماناً، وهم:

 

1-إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السلام) (110-145 هـ) .

 

2-محمد بن إسماعيل الملقب بـ «الحبيب» (132 ـ 193 هـ) ولد في المدينة المنورة وتسلّم شؤون الإمامة واستتر عن الأنظار خشية وقوعه بيد الأعداء. ولقّب بالإمام المكتوم لأنّه لم يعلن دعوته وأخذ في بسطها خفية.

 

3-عبد الله بن محمد بن إسماعيل الملقّب بـ «الوفي» (179-212 هـ) ولد في مدينة محمد آباد، وتولّى الإمامة عام 193 هـ بعد وفاة أبيه، وسكن السلمية عام 194 هـ مصطحباً بعدد من أتباعه وهو الّذي نظم الدعوة تنظيماً دقيقاً.

 

4-أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل الملقّب بـ «التقي» (198-265 هـ) وتولّى الإمامة عام 212 هـ ، سكن السلمية سراً حيث أصبحت مركزاً لنشر الدعوة.

 

5-الحسين بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل الملقّب بـ «الرضي» (212-289 هـ) تولّى الإمامة عام 265 هـ ، ويقال انّه اتخذ عبد الله بن ميمون القداح حجة له وحجاباً عليه .

 

الأئمة الظاهرون:

 

6-عبيد الله المهدي (260-322 هـ) والمعروف بين الإسماعيلية ان عبيد الله المهدي الّذي هاجر إلى المغرب وأسس هناك الدولة الفاطمية كان ابتداءً لعهد الأئمة الظاهرين الذين جهروا بالدعوة وأخرجوها عن الاستتار.

 

7-محمد بن عبيد الله القائم بأمر الله (280 ـ 334 هـ) ولد بالسلمية وارتحل مع أبيه عبيد الله المهدي إلى المغرب وعهد إليه بالإمامة من بعده.

 

8-إسماعيل المنصور بالله (303-346 هـ) ولد بالقيروان، تسلم شؤون الإمامة بعد وفاة أبيه سنة 334 هـ .

 

9-معد بن إسماعيل المعز لدين الله (319-365 هـ) مؤسس الدولة الفاطمية في مصر .

 

10-نزار بن معد العزيز بالله (344-386 هـ) ولي العهد بمصر سنة 365 هـ ، واستقل بالأمر بعد وفاة أبيه، وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفاً .

 

11-منصور بن نزار الحاكم بأمر الله (375-411 هـ) بويع بالخلافة سنة 386 هـ وكان عمره أحد عشر عاماً ونصف العام، وهو من الشخصيات القليلة الّتي لم تتجل شخصيته بوضوح، وقام بأعمال إصلاحية زعم مناوئوه انّها من البدع .

 

وأمّا عن مصير الحاكم فمجمل القول فيه انّه فقد في سنة 411 هـ ، ولم يعلم مصيره، وحامت حول كيفية اغتياله أساطير لا تتلاءم مع الحاكم المقتدر. وبعد اختفائه انشقّت فرقة من الإسماعيلية ذهبت إلى إلوهية الحاكم وغيبته، وهم المعروفون اليوم بـ «الدروز» يقطنون لبنان.

 

12-علي بن منصور الظاهر لاعزاز دين الله (395 ـ 427 هـ) بويع بالخلافة وعمره ستة عشر عاماً، وشن حرباً على الدروز محاولاً إرجاعهم إلى العقيدة الفاطمية الأصيلة.

 

13.معد بن علي المستنصر بالله (420-487 هـ) بويع بالخلافة عام 427 هـ ، وكان له من العمر سبعة أعوام، وقد ظل في الحكم ستين عاماً، وهي أطول مدة في تاريخ الخلافة الإسلامية .

 

إلى هنا تمت ترجمة الأئمة الثلاثة عشر الذين اتفقت كلمة الإسماعيلية على إمامتهم وخلافتهم، ولم يشذ منهم سوى الدروز الذين انشقوا عن الإسماعيلية في عهد خلافة الحاكم بأمر الله، وصار وفاة المستنصر بالله سبباً لانشقاق آخر وظهور طائفتين من الإسماعيلية بين مستعلية تقول بإمامة أحمد المستعلي بن المستنصر بالله، ونزارية تقول بإمامة نزار بن المستنصر.

 

وسيأتي الحديث عن الإسماعيلية المستعلية والنزارية فيما بعد .

 

الإسماعيلية المستعلية

 

صارت وفاة المستنصر بالله سبباً لانشقاق الإسماعيلية مرة ثانية ـ بعد انشقاق الدروز فى المرة الأُولى ـ فمنهم من ذهب إلى إمامة أحمد المستعلي بن المستنصر بالله، ومنهم من ذهب إلى إمامة نزار بن المستنصر بالله، وإليك الكلام في أئمة المستعلية في هذا الفصل مقتصرين على أسمائهم وتاريخ ولادتهم ووفاتهم:

 

1-الإمام أحمد بن معد بن علي المستعلي بالله (467-495 هـ).

 

2-الإمام منصور بن أحمد الآمر بأحكام الله (490 ـ 524 هـ).

 

قال ابن خلّكان: مات الآمر بأحكام الله ولم يعقب، وربّما يقال: انّ الآمر مات وامرأته حامل بالطيب. فلأجل ذلك عهد الآمر بأحكام الله الخلافة إلى الحافظ، الظافر، الفائز، ثم إلى العاضد، وبما انّ هؤلاء لم يكونوا من صلب الإمام السابق، بل كانوا من أبناء عمه صاروا دعاة حيث لم يكن في الساحة إمام، ودخلت الدعوة المستعلية بعد اختفاء الطيب بالستر، وماتزال تنتظر عودته، وتوقّفت عن السير وراء الركب الإمامي واتّبعت نظام الدعاة المطلقين .

 

3-الداعي عبد المجيد بن أبي القاسم محمد بن المستنصر الحافظ لدين الله (467-544 هـ) .

 

4-الداعي إسماعيل بن عبد المجيد الظافر بأمر الله (527-549 هـ). 5-الداعي عيسى بن إسماعيل الفائز بنصر الله (544-555 هـ).

 

6-عبد الله بن يوسف العاضد لدين الله (546 ـ 567 هـ).

 

ثم إنّ العاضد فوّض الوزارة إلى صلاح الدين الأيّوبي الّذي بذل الأموال على أصحابه وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من المال، فلم يزل أمره في ازدياد وأمر العاضد في نقصان، حتّى تلاشى العاضد وانحلّ أمره، ولم يبق له سوى إقامة ذكره في الخطبة، وتتبع صلاح الدين جند العاضد، وأخذ دور الأمراء وإقطاعاتهم فوهبها لأصحابه، وبعث إلى أبيه وإخوته وأهله، فقدموا من الشام عليه، وعزل قضاة مصر الشيعة، واختفى مذهب الشيعة إلى ان نسي من مصر، وقد زادت المضايقات على العاضد وأهل بيته، حتّى مرض ومات وعمره إحدى وعشرون سنة إلاّ عشرة أيام، وهو آخر الخلفاء الفاطميين بمصر، وكانت مدتهم بالمغرب ومصر منذ قام عبيد الله المهدي إلى أن مات العاضد 272 سنة، منها بالقاهرة 208 سنين. ( [5])

 

تتابع الدعاة عند المستعلية:

 

قد عرفت أنّ ركب الإمامة قد توقف عند المستعلية وانتهى الأمر

 

إلى الدعاة الذين تتابعوا إلى زمان 999 هـ ، وعند ذلك افترقت المستعلية

 

إلى فرقتين: داودية، وسليمانية، وذلك بعد وفاة الداعي المطلق داود بن

 

عجب شاه، انتخبت مستعلية كجرات داود بن قطب شاه خلفاً له،

 

ولكن اليمانيين عارضوا ذلك وانتخبوا داعياً آخر، يدعى سليمان بن الحسن، ويقولون: إنّ داود قد أوصى له بموجب وثيقة ما تزال محفوظة .

 

إنّ الداعي المطلق للفرقة الإسماعيلية المستعلية الداودية اليوم هو طاهر سيف الدين، ويقيم في بومباي الهند، أمّا الداعي المطلق للفرقة المستعلية السليمانية فهو علي بن الحسين ويقيم في مقاطعة نجران بالحجاز. ( [6])

 

جناية التاريخ على الفاطميّين:

 

لاشك انّ كلّ دولة يرأسها غير معصوم لا تخلو من أخطاء وهفوات، وربّما تنتابها بين آونة وأُخرى حوادث وفتن تضعضع كيانها وتشرفها على الانهيار.

 

والدولة الفاطمية غير مستثناة عن هذا الخط السائد، فقد كانت لديها زلاّت وعثرات، إلاّ أنّها قامت بأعمال ومشاريع كبيرة لا تقوم بها إلاّ الدولة المؤمنة بالله سبحانه وشريعته، كالجامع الأزهر الّذي ظل عبر الدهور ينير الدرب لأكثر من ألف سنة، كما أنّهم أنشأوا جوامع كبيرة ومدارس عظيمة مذكورة في تاريخهم، وبذلك رفعوا الثقافة الإسلامية إلى مرتبة عالية، وتلك الأعمال جعلت لهم في قلوب الناس مكانة عالية.

 

غير انّا نرى أنّ أكثر المؤرّخين يصوّرها بأنّها من أكثر العصور ظلاماً في التاريخ شأنها في ذلك شأن سائر الفراعنة، وليس هذا إلاّ حدسيات وتخمينات أخذها أصحاب أقلام السير والتاريخ من رماة القول على عواهنه دون أن

 

يمعنوا فيه . والّذي يدلّ على ذلك انّ الفقيه عمارة اليمني كتب إلى صلاح الدين الأيّوبي قصيدة سمّاها: «شكاية المتظلّم ونكاية المتألّم» وهي بديعة رثى فيها أصحاب القصر الفاطمي عند زوال ملكهم.

 

الإسماعيلية النزارية

 

قد عرفت أنّ الإسماعيلية افترقت فرقتين بين مستعلية ونزارية، أمّا الأُولى فقد مضى الكلام فيها، وأمّا الثانية فقد قالوا بإمامة نزار بن معد، وبذلك استمر الركب الإمامي بعد وفاة المستنصر بالله، واتفقت النزارية قبل الانشقاق على إمامة الأئمة الخمسة التالية:

 

1-المصطفى بالله نزار بن معد المستنصر.

 

2-الإمام جلال الدين حسن بن أعلى محمد.

 

3-الإمام علاء الدين بن الإمام جلال الدين.

 

4-الإمام ركن الدين فورشاه بن الإمام علاء الدين.

 

5-الإمام شمس الدين بن ركن الدين.

 

وبعد وفاة الإمام شمس الدين بن ركن الدين ظهر اختلاف من نوع جديد، فالمعلوم أنّه كان للإمام محمد شمس الدين ثلاثة أولاد، هم: مؤمن شاه، وقاسم شاه، وكياشاه.

 

فالمؤمنية اعترفت بإمامة مؤمن شاه وسارت وراءه، وولده من بعده حتّى آخرهم أمير محمد باقر سنة 1210 هـ ، والقاسمية سارت وراء قاسم شاه وولده الذين هم أُسرة آغا خان.

 

النزارية المؤمنية:

 

النزارية المؤمنية الّتي ذهبت إلى إمامة مؤمن بن محمد ثم توالت الإمامة في نسله عبر العصور إلى أن انتقلت إلى الإمام محمد بن حيدر (الأمير الباقر) (1179-1210 هـ) وهو آخر إمام من أُسرة مؤمن يحتفظ الإسماعيليون في سوريا بفرمان مرسل منه، من بلدة اورنك آباد بالهند إلى الإسماعيليين في سوريا، وفي عهده توقف الفرع المؤمني النزاري عن الركب الإمامي، ودخلت الإمامة في الستر خلافاً للفرع الآخر النزارية القاسمية الّتي ذهب إلى استمرار الإمامة إلى يومنا هذا، وبلغ قائمة الأئمة النزارية المؤمنية إلى محمد بن حيدر 22 إماماً .

 

النزارية القاسمية:

 

النزارية القاسمية فقد ذهبت إلى إمامة قاسم شاه، وتوالت الإمامة من عصره إلى يومنا هذا إلى أن وصلت النوبة إلى أُسرة آغا خان.

 

بلغ عدد الأئمة النزارية القاسمية من عصر نزار بن معد إلى يومنا هذا 31 إماماً.

 

وأمّا أئمة الأُسرة الآغا خانية الذين تحملوا عبء الإمامة، فهم:

 

1-حسن علي شاه (1219-1298 هـ) وهو أوّل من لقّب بآغا خان .

 

2-علي شاه (1246-1302 هـ) ولد في بلدة محلات. 3-سلطان بن محمد شاه (1294-1380 هـ) المعروف بآغا خان الثالث، ولد في محلة شهر العسل بكراتشي.

 

4-كريم بن علي بن محمد (1938-...) المعروف بآغا خان الرابع.

 

هؤلاء أئمة النزارية القاسمية الآغاخانية، وهم الفرقة المنحصرة باستمرار الإمامة في أولاد إسماعيل، وفق المذهب الإسماعيلي، فالله سبحانه يعلم هل تستمر الإمامة بعد رحيله أو تدخل في كهف الغيبة؟!

 

الإسماعيلية والأُصول الخمسة

 

الإسلام عقيدة وشريعة، والإسماعيلية كغيرها من المذاهب لها أُصول وفروع.

 

أمّا الفروع فلا يختلفون مع المسلمين في أُمّهاتها، وكفى في الوقوف عليها ما كتبه القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي (المتوفّى 363 هـ) باسم «دعائم الإسلام».

 

نعم انفردوا في الاعتقاد بأنّ لكلّ حكم فرعي ظاهراً وباطناً، وقد ألّف القاضي المذكور كتاباً باسم «تأويل الدعائم» وسيمر عليك شيئاً من تأويلاته .

 

إنّما الكلام في عقائدهم وأُصولهم، لأنّ العثور عليها أمر صعب للغاية وذلك لوجوه :

 

1-الظنّة بكتبهم والتستر عليها وإخفاؤها وعدم جعلها تحت متناول أيدي الآخرين .

 

2-اتّخاذ الفلسفة اليونانية عماداً وسنداً للمذهب فأدخلوا فيه أشياء كثيرة ممّا لا صلة لها بباب العقائد والأُصول، كالقول بالعقول العشرة والأفلاك التسعة ونفوسها، وانّ الصادر الأوّل هو العقل إلى، أن ينتهي الصدور إلى العقل العاشر.

 

3-انّ المذهب الإسماعيلي لم يكن في بدء ظهوره مذهباً متكاملاً، وانّما تكامل عبر الزمان نتيجة احتكاك الدعاة مع أصحاب الفلسفة اليونانية. واعتمدنا في عرض عقائدهم على كتابين:

 

1-«راحة العقل» تأليف الداعي في عهد الحاكم، أعني: أحمد بن عبد الله الكرماني (352-كان حياً سنة 411 هـ) الملقّب بحجة العراقين، وكبير دعاة الإسماعيلية في عصرالحاكم بالله .

 

2-«تاج العقائد ومعدن الفرائد» تأليف الداعي الإسماعيلي اليمني المطلق علي بن محمد الوليد (522-612 هـ). وهذا الكتاب أسهل فهماً من «راحة العقل» يتضمّن مائة مسألة في معتقدات مذهب الإسماعيلية .

 

1

 

عقيدتهم في التوحيد

 

1-عقيدتهم في توحيده سبحانه انّه واحد لا مثل له ولا ضد:

 

يقول الكرماني في المشرع الخامس: انّه تعالى لا ضد له ولا مثل. ( [7])

 

وفي تاج العقائد: انّه تعالى واحد لا من عدد، ولا يعتقد فيه كثرة، أو ازداوج أشكال المخلوقات، واختلاف البسائط والمركبات. ( [8])

 

2-انّه سبحانه ليس أيساً:

 

إنّ الأيس بمعنى الوجود، ولعلّ أوّل من استعمله هو الفليسوف الكندي .

 

وتستنكر الإسماعيلية وصفه سبحانه بالأيس، وجاء الدليل عليه في

 

كتاب «راحة العقل» وحاصله: انّه لو كان موصوفاً بالوجود، فبما أنّ

 

الصفة غيرالموصوف يحتاج في وصفه به إلى الغير، وهو تعالى غني عمّا

 

سواه. يلاحظ عليه: أنّ ما جاء به الكرماني يعرب عن عدم نضوج الفلسفة اليونانية في أوساطهم، فهم يتصوّرون انّ الوجود أمر عارض على الواجب، فيبحثون عن مسبب العروض، مع أنّه إذا كان ماهيته انيّته وكان تقدست أسماؤه عين الوجود، فالاستدلال ساقط من رأسه .

 

3-في نفي التسمية عنه :

 

والمراد من نفي التسمية عنه هو نفي الماهية عنه، وقد استدلّوا على ذلك بقولهم: إنّه تعالى ليس له صورة نفسانية ولا عقلية ولا طبيعية ولا صناعية، بل يتعالى بعظيم شأنه، وقوة سلطانه عن أن يوسم بما يوسم به أسباب خلقته وفنون بريته، وقد اتّفقت فحول العلماء على أنّه تعالى لم يزل ولا شيء معه، لا جوهراً ولا عرضاً. ( [9])

 

4-نفي الصفات عنه :

 

ذهبت الإسماعيلية إلى نفي الصفات عنه على الإطلاق، واكتفت في

 

مقام معرفته سبحانه بالقول بهويته وذاته دون وصفه بصفات حتّى الصفات الجمالية والكمالية. مع أنّه سبحانه يوصف نفسه في غير سورة من السور، بصفاته .

 

5-الصادر الأوّل هو الموصوف بالصفات العليا:

 

لمّا ذهبت الإسماعيلية إلى نفي الصفات عنه سبحانه، لم يكن لهم بد من إرجاع تلك الصفات إلى المبدع الأوّل، الّذي هو الموجود الأوّل، وإليه تنتهي الموجودات، وهو الصادر عنه سبحانه بالإبداع، لا بالفيض والإشراق، كما عليه إخوان الصفا.( [10])

 

قال الداعي الكرماني في هذا الصدد: فالإبداع هو الحق والحقيقة، وهو الوجود الأوّل، وهو الموجود الأوّل، وهو الوحدة، وهو الواحد، وهو الأزل، وهو الأزلي، وهو العقل الأوّل، وهو المعقول الأوّل، وهو العلم، وهو العالم الأوّل، وهو القدرة، وهو القادر الأوّل، وهو الحياة وهو الحيّ الأول، ذات واحدة، تلحقها هذه الصفات، يستحق بعضها لذاته، وبعضها بإضافة إلى غيره من غير أن تكون هناك كثرة بالذات. ( [11])

 

2

 

عقيدتهم في العدل

 

قد تعرّفت في البحث السابق على أنّهم لا يصفونه سبحانه بوصف، ويعتقدون انّه فوق الوصف، وان غاية التوحيد نفي الوصف، وإثبات الهوية، ولهذا لا تجد عنواناً لهذا الفصل في كتبهم حسب ما وصل بأيدينا، ولكن يمكن استكشاف عقيدتهم في عدله سبحانه من خلال دراستهم لفعل الإنسان، وهل هو إنسان مسيّر أو مخيّر ؟

 

1-الإنسان مخيّر لا مسيّر:

 

يقول الداعي علي بن محمد الوليد: الإنسان مخيّر غير مجبور فيما يعتقد لنفسه من علومه وصناعته، ومذاهبه ومعتقداته.

 

إلى أن قال: ولولا ذلك لما كانت لها منفعة بإرسال الرسل وقبول العلم، وتلقّي الفوائد والانصياع لأوامر الله تعالى، إذ لو كانت مجبورة لاستغنت عن كلّ شيء تستفيده، ثم استدلّ بآيات. ( [12])

 

2-القضاء والقدر لا يسلبان الاختيار:

 

الإسماعيلية تثبت القضاء والقدر حقيقة لا مجازاً، ولكنّها تنفي كونهما سالبين للاختيار .

 

يقول الداعي علي بن محمد الوليد: القضاء والقدر حقيقة لا مجاز، ولهما في الخلق أحوال على ما رتب الفاعل سبحانه، من غير جبر يلزم النفوس الآدمية الدخول إلى النار أو الجنة .

 

إلى أن قال: إذ لو كان كذلك لذهبت النبوات والأوامر المسطورات في الكتب المنزلة، في ذم قوم على ما اقترفوه ومدح قوم على ما فعلوه. ( [13])

 

3

 

عقيدتهم في النبوّة

 

1-النبوة أعلى مراتب البشر:

 

النبوة عبارة عن ارتقاء النفس إلى مرتبة تصلح لأن يتحمل الوحي.

 

يقول الداعي علي بن محمد الوليد: إنّ الرسول الحائز لرتبة الرسالة، لا ينبغي أن يكون كمالاً يفوق كماله ولا علماً يخرج عن علمه، وانّه الّذي به تكون سعادة أهل الدور من أوّله إلى آخره، وانّ السعادة الفلكية والأشخاص العالية والمؤثرات خدم له في زمانه. ( [14])

 

2-الرسالة الخاصّة والعامّة :

 

ثم إنّهم يقسّمون الرسالة إلى ضربين: عامّة وخاصّة.

 

والمراد من الرسالة العامّة هنا هو العقل الغريزي، وهو الرسول الأوّل المعد لقبول أمر الرسول الثاني.

 

وأمّا المراد من الرسالة الخاصّة فهو عبارة عن الرسول المبعوث إلى الناس. أقول: إنّ تسمية العقل الإنساني بالرسول لا يخلو من شيء، والأولى تسميته بالحجة الباطنة، في مقابل الحجة الظاهرة الّذي هو النبي.

 

3-في أنّ الأنبياء لا يولدون من سفاح:

 

يقول علي بن محمد الوليد: إنّ الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) لا يلدهم الكفّار، ولا يولدون من سفاح. ثم استدلّ ببعض الآيات. ( [15])

 

4-في صفات الأنبياء :

 

يقول الداعي الكرماني: المؤيد المبعوث مجمع الفضائل الطبيعية، الّتي هي أسباب في نيل السعادة الأبدية، وهو فيها على أمر يكون به على النهاية في جميعها من جودة الفهم والتصور لما يشار إليه ويومأ، إلى أن قال: ويكون عظيم النفس، كريماً، محباً للعدل، مبغضاً للظلم والجور، مؤثراً لما يعود على النفس منفعته من العبادة، مقداماً في الأُمور، جسوراً عليها، لا يروعه أمر في جنب ما يراه صواباً بجوهره. ( [16])

 

5-في المعجزات الّتي يأتي بها الرسل:

 

إنّ المعجزة عند الإسماعيلية عبارة عن خرق العادة في تكوين العالم بظهور ما يعجز العقل عن وجوده من الأُمور الطبيعية، من ردّ ما في الطبيعة عن قانونه المعهود لقهر العقول، ودخولها تحت أمر المعقولات، ومن أجله يعلم أنّه متّصل بالفاعل، الّذي لا يتعذر عليه متى أراد، إذ كلّما في العالم لا يتحرك إلاّ بمادته وتدبيره. ( [17])

 

6-في أنّ الرسول الخاتم أفضل الرسل :

 

يفضّل رسول الله على سائر الرسل والأنبياء في وجوه أفضلها الوجه التالي هو انّه سبحانه جعل شريعته مؤبدة لا تنسخ أبداً، وجعل الإمامة في ذريته إلى قيام الساعة، ولم يقدر ذلك لغيره. ( [18])

 

7-في أنّ الشريعة موافقة للحكمة:

 

إنّ الحكمة والفلسفة العقلية، هي والحكمة الشرعية سواء، لأنّ الله سبحانه خلق في عباده حكماء وعقلاء، ومحال أن يشرّع لهم شرعاً غير محكم وغير معقول، ولا يبعث برسالته وشرعه إلاّ حكيماً عاقلاً مدركاً مبيّناً لما تحتاجه العقول، ويكلّف لها بما يسعدها ويقوي نورها ويعظم خطرها. ( [19])

 

8-في أنّ الشريعة لها ظاهر وباطن:

 

يقول علي بن محمد الوليد: إنّ الشارع قد وضع أحكام شريعته وعباداتها من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك، مضمّنة للأُمور العقلية والأحكام والمعاني الإلهية، وما يتخصّص منها من الأُمور الظاهرة المشاكلة لظاهر الجسم، والأُمور الباطنة المشاكلة للعقل والنفس، وكلّ من حقّق ذلك كانت معتقداته سالمة. ( [20])

 

أقول: هذا المقام هو المزلقة الكبرى للإسماعيلية المؤوّلة، إذ كل إمام وداع، يسرح بخياله فيضع لكلّ ظاهر باطناً ولكلّ واجب حقيقة، يسمّي أحدهما بالشريعة الظاهرية والآخر بالباطنية، من دون أن يدلّ عليه بدليل من عقل أو نقل فكلّ ما يذكرونه من البواطن للشريعة ذوقيات، أشبه بذوقيات العرفاء في تأويل الأسماء والصفات وغير ذلك، وكأنّ الجميع فروع من شجرة واحدة.

 

4

 

عقيدتهم في المعاد وما يرتبط به

 

المعاد بمعنى عود الإنسان إلى الحياة الجديدة من أُسس الشرائع السماوية، وهي لا تنفصل عن الإيمان بالله، ولذا نرى أنّ أصحاب الشرائع اتّفقوا على المعاد بعد الموت، ولولا القول به لما قام للدين عمود ولا اخضرّ له عود.

 

1-في أنّ المعاد روحاني لا جسماني:

 

نعم اختلفوا في كونه جسمانياً أو روحانياً، وعلى فرض كونه جسمانياً، فهل الجسم المعاد جسم لطيف برزخي أو جسم عنصري؟ فالإسماعيلية على أنّ المعاد روحاني .

 

قال الكرماني بعد بيان النشأة الأُولى في الدنيا: ثم الله ينشأ النشأة الآخرة بقوله تعالى: ( وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ )( [21]) فهلا تتفكرون وتوازنون وتعلمون أنّ النظام في الخلق والبعث واحد، وأنّ النشأة الآخرة هي خلق الأرواح وإحياؤها بروح القدس على مثال النشأة الأُولى . وقال الداعي علي بن محمد الوليد: يعتقد انّ الله تعالى دعانا على ألسنة وسائطه بقبول أمره، إلى دار غير هذه الدار، فهذه الدار صورية وتلك مادية، وما بينهما صوري ومادي. ( [22])

 

2-في التناسخ :

 

وهو عود الروح بعد مفارقة البدن إلى الدنيا عن طريق تعلّقها ببدن آخر كتعلّقها بالجنين عند استعدادها لإفاضة الروح وله أقسام .

 

وربّما ينسب القول بالتناسخ إلى الإسماعيلية ولكن النسبة في غير محلّها.

 

3-في الحساب :

 

الحساب تابع للبعث، وهو فعل يحدث عنه من النفس للنفس الثواب الّذي هو الملاذ والمسار، والعقاب الّذي هو الألم والعذاب والغم، وينقسم هذا الفعل إلى ما يكون وجوده في الدنيا وإلى ما يكون وجوده في الآخرة.

 

4-في الجنة:

 

يقول الكرماني: إنّها موصوفة بالسرمد والأبد ووجود الملاذ فيها أجمع، وانّها لا تستحيل ولا تتغيّر ولا يطرأ عليها حال ولا تتبدّل. ( [23])

 

5-في الملائكة :

 

إنّ الملائكة على ضروب وكلّهم قد أُهّلوا لمنافع الخليقة، فلا يتعدّى أحد منهم بغير ما وكّل به، وانّما اختلفت أسماؤهم لأجل ما وكّلوا به، فمنهم من هو في العالم العقلي، ومنهم من هو في العالم الفلكي، ومنهم من هو في العالم الطبيعي.

 

وقد أخفى الله سبحانه ذوات الملائكة عن النظر وجعل المخلوق عن الطبائع محجوباً عنهم لا يراهم حتّى يصير إمّا في منزلة النبي أو يخلص القبول من النبي بقرب الدرجة منه.

 

6-في الجن :

 

ويعتقد الإسماعيلية انّ الجن ذوات أرواح نارية وهوائية ومائية وترابية، ويعتقد انّ الجن صحيح لا ريب فيه، وهم على ضروب في البقاع والمصالح والمنافع والفساد والضرر.

 

ومنهم من هو في أرجاء العالم ممنوع عن مخالطة بني آدم، ومنهم من هو مخالط لبني آدم في أماكنهم. ( [24])

 

5

 

عقيدتهم في الإمامة

 

تحتل الإمامة عند الإسماعيلية مركزاً مرموقاً حيث جعلوها على درجات ومقامات، وزوّدوا الأئمة بصلاحيات واختصاصات، ولتسليط الضوء على عقيدتهم فيها نبحث في مقامين:

 

المقام الأوّل: الإمامة المطلقة

 

إنّ درجات الأئمّة ورتبهم لا تتجاوز عن الخمسة من دون أن تختص بالشريعة الإسلامية، بل تعمّ الشرائع السماوية كلّها، وبما أنّ مذهب الإسماعيلية أُحيط بهالة من الغموض عبر القرون لم يكن من الممكن أن يقف أحد عليها إلاّطبقة خاصة من علمائهم، وكانوا يبخلون بآرائهم وكتبهم على الغير، غير أنّ الأحوال الحاضرة رفعت الستر عن كتبهم ومنشوراتهم، فقام المستشرقون وفي مقدّمتهم «ايفانوف» الروسي وتبعه عدد آخر من المحقّقين بنشر آثارهم، وعند ذلك تجلّت الحقيقة بوجهها الناصع، كما قام الكاتبان الإسماعيليان عارف تامر ومصطفى غالب ببذل الجهود الحثيثة في نشر آثار تلك الطائفة، فكشفا النقاب عن وجه العقيدة الإسماعيلية وبيّناها بوجه واضح خالياً من الغموض والتعقيد الموجودين في عامة كتب الإسماعيلية، وإن كان بين الكاتبين اختلاف في بعض الموارد، ونحن نعتمد في تفسير درجات الإمامة على كتاب «الإمامة في الإسلام» للكاتب عارف تامر، وإليك بيانه:

 

درجات الإمامة خمس وهي:

 

1.الإمام المقيم.

 

2.الإمام الأساس.

 

3.الإمام المتم.

 

4.الإمام المستقر.

 

5.الإمام المستودع.

 

وربّما يضاف إليها رتبتان: الإمام القائم بالقوة،و الإمام القائم بالفعل.

 

فالمهم هو الوقوف على هذه الدرجات.

 

يعتقد عارف تامر في كتابه «الإمامة في الإسلام» انّ هذه الدرجات ظلّت حقبة طويلة من الزمن مجهولة لدى الباحثين إلاّ طبقة خاصة من العلماء، أو لا أقلّ في التقية والاستتار و الكتمان.

 

1.الإمام المقيم:

 

هو الذي يقيم الرسول الناطق ويعلّمه ويربّيه ويدرجه في مراتب رسالة النطق، وينعم عليه بالإمدادات، وأحياناً يطلقون عليه اسم «رب الوقت» و«صاحب العصر»، وتعتبر هذه الرتبة أعلى مراتب الإمامة وأرفعها وأكثرها

 

دقة وسرية.

 

2. الإمام الأساس:

 

هو الذي يرافق الناطق في كافة مراحل حياته، ويكون ساعده الأيمن، وأمين سره، والقائم بأعمال الرسالة الكبرى، والمنفذ للأوامر العليا، فمنه تتسلسل الأئمة المستقرون في الأدوار الزمنية، وهو المسؤول عن شؤون الدعوة الباطنية القائمة على الطبقة الخاصة ممن عرفوا «التأويل» ووصلوا إلى العلوم الإلهية العليا.

 

3.الإمام المتم:

 

هو الذي يتم أداء الرسالة في نهاية الدور، والدور كما هو معروف أصلاً يقوم به سبعة من الأئمة، فالإمام المتم يكون سابعاً ومتمّاً لرسالة الدور، وانّ قوته تكون معادلة لقوة الأئمّة الستة الذين سبقوه في الدور نفسه بمجموعهم. ومن جهة ثانية يطلق عليه اسم ناطق الدور أيضاً، أي انّ وجوده يشبه وجود الناطق بالنسبة للأدوار. أمّا الإمام الذي يأتي بعده فيكون قائماً بدور جديد، ومؤسساً لبنيان حديث.

 

4.الإمام المستقر:

 

هو الذي يملك صلاحية توريث الإمامة لولده، كما أنّه صاحب النص على الإمام الذي يأتي بعده، ويسمّونه أيضاً الإمام بجوهر والمتسلم شؤون الإمامة بعد الناطق مباشرة، والقائم بأعباء الإمامة أصالة.

 

5.الإمام المستودع:

 

هو الذي يتسلّم شؤون الإمامة في الظروف والأدوار الاستثنائية، وهو الذي يقوم بمهماتها نيابة عن الإمام المستقر بنفس الصلاحيات المستقرة للإمام المستقر، ومن الواضح أنّه لا يستطيع أن يورث الإمامة لأحد من ولده، كما أنّهم يطلقون عليه (نائب غيبة). ( [25])

 

والعجب انّهم عندما بحثوا موضوع الإمامة لم يجعلوا تسلسلها من إسماعيل بن جعفر الصادق فحسب، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، وحجتهم انّ الإمامة إذا كانت قد بدأت من هذا العهد المبكر فتكون محدثة ولا يقوم وجودها على أساس ، فذهبوا إلى عهد بدء الخليقة المعروف بعهد آدم وسلسلة الإمامة من عصر آدم إلى يومنا هذا، ثمّ أضافوا إلى ذلك قولهم بالأدوار والأكوار، فقد جعلوا كلّ دور يتألف من إمام مقيم ورسول ناطق أو أساس له، ومن سبعة أئمة يكون سابعهم متم الدور، ويمكن أن يزيد عدد الأئمّة عن سبعة في ظروف أُخرى وفي فترات استثنائية، وهذه الزيادة تحصل في عداد الأئمّة المستودعين دون الأئمّة المستقرين، أمّا الدور فيكون عادة صغيراً وكبيراً، فالدور الصغير هو الفترة التي تقع بين كلّ ناطق وناطق يقوم فيها سبعة أئمّة. أمّا الدور الكبير فيبتدئ من عهد آدم إلى القائم المنتظر الذي يسمّى دوره الدور السابع، ويكون بالوقت ذاته متمّاً لعدد النطقاء الستة.

 

يقول عارف تامر: إنّ هذا الموضوع من أدق المواضيع وأصعبها، بل هو بالحقيقة من الدعائم المتينة في عقائد الإسماعيلية، وقد يبدو لكلّ باحث فيها انّ دعاتها حافظوا على سريته التامة طيلة العصور الماضية، وجعلوا معرفته مقتصرة على طبقة خاصة من العلماء والدعاة. ( [26])

 

وها نحن نأتي في المقام بجدولين أحدهما يرجع إلى الدور الأوّل والآخر إلى الدور السادس الّذي لم يتم بعدُ.

 

شجرة الإمامة الإسماعيليّة

 

منذ أَقدم العصور

 

الدور الأوّل:

 

(و يبتدئ من وقت هبوط آدم حتى ابتداء الطوفان، ومدته ألفان وثمانون عاماً وأربعة أشهر وخمسة عشر يوماً).

 

العدد

الإمام المقيم

الرسول الناطق

أساس الدور

الإمام المتم

الإمام المستقر

1

هُنيد(1)

آدم

هابيل- 130

 

أنوش بن (2) شيث 435ـ 1385

2

 

 

225

 

قينان بن أنوش 625ـ 1535

3

 

 

شيث

 

مهليئل بن قينان 795ـ 1690

4

 

 

230ـ1144

 

يارد بن مهليئل 960ـ 1922

5

 

 

 

 

أخنوخ بن يارد 1122ـ 1487

6

 

 

 

 

متوشالح بن اخنوخ 1287ـ2242

7

 

 

 

لامك بن متوشالح

لامك بن متوشالح 1454ـ 2346

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.ان هُنيد مربي آدم وهو الإمام المقيم، فهل هو من جنس آدم أو ملك أو جن أو غيرهما؟! والعجب انّه لم يأت اسمه في الذكر الحكيم، ولو كان له ذلك المقام الشامخ فأولى أن يكون معلم الملائكة لا آدم!! فتدبر .

2.وفي المصدر بنت، وما أثبتناه لعلّه الصحيح .

الدور السادس:

« يبتدئ من تاريخ الهجرة المحمدية و ينتهي بظهور القائم المنتظر، ولا يمكن تحديد مدّته. إنّ الدور الكبير قد أصبح مقسماً إلى أدوار صغيرة».

 

العدد

الإمام المقيم

الرسول الناطق

أساس الدور

الإمام المتم

الإمام المستقر

1

عمران

محمد

علي بن أبي

 

علي بن أبي طالب

2

أبوطالب

م -571

طالب

 

الحسين بن علي

3

 

634

 

 

علي بن الحسين «زين العابدين»

4

 

 

 

 

محمد بن علي «الباقر»

5

 

 

 

 

جعفر بن محمد «الصادق»

6

 

 

 

 

اسماعيل بن جعفر

7

 

 

 

محمد بن اسماعيل

محمد بن اسماعيل

 

التعليقات:

في هذا الدور يظهر أنّ عمران أبا طالب، هو الإمام المقيم في عهد الرسول الناطق محمد، و أنّ الإمام محمد بن إسماعيل هو الإمام السابع المتم.و يلاحظ أنّ الإمام الحسن بن علي لم يذكر في شجرة النسب، لأنّه يعتبر إماماً مستودعاً لدى الإسماعيليّين، و هكذا محمد بن الحنفية، و موسى بن جعفر (الكاظم).

ولهم جداول للدور الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس أعرضنا عن ذكرها روماً للاختصار، كما أعرضنا عن ذكر تتمات الدور السادس الّتي تبتدأ من الإمام محمد بن إسماعيل وتنتهي إلى كريم علي خان (آغا خان الرابع).

المقام الثاني: الإمامة الخاصّة:

قد تعرفت على نظام الإمامة في مذهب الإسماعيلية، والمهم هو الوقوف على ملامح الإمامة الخاصة الّتي تصدى لذكرها الداعي اليمني علي بن محمد الوليد في كتابه «تاج العقائد»، ونحن ننقل منه ما يبيّن عقيدتهم في ذلك.

1-صاحب الوصية أفضل العالم بعد النبي في الدور:

إنّ صاحب الوصية هو من توجد عنده رموز شريعة النبي وأسرار ملّته وحقائق دينه ولا تتعداه ولا تؤخذ إلاّ منه، وإنّه المبرهن عن أغراضه، والمفصح لأقواله، المبيّن لأفعاله، القائم بالهداية بعده، والحافظ لشريعته من الآراء المختلفة، وبذلك كان وصياً ولا يوجد في الأصحاب من يقوم مقامه .

2-في أنّ الإمامة في آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :

يعتقد أنّ الإمامة في آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من نسل علي وفاطمة فرض من الله سبحانه أكمل به الدين، فلا يتم الدين إلاّ به، ولا يصحّ الإيمان بالله والرسول إلاّ بالإيمان بالإمام والحجة، ويدلّ على فرض الإمامة إجماع الأُمّة على أنّ الدين والشريعة لا يقومان ولا يصانان إلاّ بالإمام، وهذا حق، لأنّه سبحانه لا يترك الخلق سدى . وإنّ الرسول نصّ على ذلك نصّاً تشهد به الأُمّة كافة بقوله:

«الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا، وأبوهما خير منهما» ولم يحوج

الأُمّة إلى اختيارها في تنصيب الإمام، بل نص عليها بهذا، لأنّ بالإمامة

كمال الدين .

3-في أنّ الإمامة وارثة النبوة والوصاية :

الإمام يرث من النبوة الظواهر والأحكام وجري الأُمور على ما علمه من النظام، ويرث من صاحب الوصاية المعاني الّتي ورثها عن النبوة، ليكون الكمال موجوداً لقاصده، ومسلماً في شريعته الّتي جعلها عصمة لمن التجأ إليها، وطهارة لمن التزم قوانينها، وسار على محجّتها، فتسلم له دنياه ويفوز في عقباه بالتجائه إلى من عنده علم النجاة وحقيقة الشريعة.

أقول: ولا يذهب عليك انّ الإمام على هذا أفضل من النبي كما هو أفضل من الوحي، لأنّ الإمام جامع لظاهر الشريعة وباطنها، إلاّ إذا كان النبي رسولاً، ولا أدري من أين لهم هذه الضوابط والقواعد، وما هو الدليل على هذا التقسيم؟!

4-في انقطاع الوصاية بعد ذهاب الوصي:

يعتقد انّ الوصي انّما يوصيه الرسول على معالم شريعته، وأسرار ملّته، وعيون هدايته، وحقيقة أقواله، وحفظ أسراره، فإذا قام بها ومضى إلى دار كرامته استحال قيام وصي ثان بعده، لأنّ الشريعة لم تتغيّر ولا ذهبت فتأتي أوامر جديدة تحتاج إلى من يوصّى بحفظها.

5-في استمرار الإمامة في العالم دون النبوة والوصاية:

يعتقد انّ الإمامة مستمرة الوجود في الأدوار جميعها من أوّلها إلى آخرها، لأنّ الإمام هو الوارث لما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الشرع والوصي على البيان، لكونه حافظاً في الأُمّة على الهداية الّتي ورثها منهما، ولمّا كان أمر الرسول والوصي جارياً على أهل الدور من أوّله إلى آخره كان من ذلك حفظ درجة الإمامة على الدور بالاستمرار والتوالي، إذ لم يبق زيادة تستجد فتحتاج إلى منزلة مستجدة، فكانت هداية موروثة منسوبة إلى أصل الدور، ومعلم الشريعة والبيان، فلا تزال هذه الحالة مستمرة إلى حين تأذن الحكمة الإلهية بتجديد شريعة ثانية، ولما كانت شريعة محمد لا تنسخ ولا يفقد حكمها حتّى قيام الساعة بقيت الإمامة فيها موجودة ومحفوظة إلى حين قيام الساعة، فلهذا استمرت الإمامة في العالم دون النبوة والوصاية.

6-في أنّ الإمام لا تجوز غيبته من الأرض :

إنّ الإمام لا تجوز غيبته عن الأُمّة بوجه، ولا بسبب، وإن حدثت فترة فتكون خواص شيعته على اتّصال به ويعرفون مقامه، ويدلّون من خلصت نيّته إلى مقره .

7-في الوصية بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الوصي :

يعتقد بوصية الرسول إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) من اثني عشر وجهاً، منها:

1 - قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا يحل لامرئ مسلم أن يبيت ليلتين إلاّ ووصيّته مكتوبة عند رأسه».

2-إجماعنا على أنّ الرسول استخلف علياً في المدينة في غزوة تبوك مقتدياً باستخلاف موسى لأخيه هارون عند مضيه لميقات ربه، وفي هذا الاستخلاف، قال له: «يا علي أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي».

3-حديث الدار والإنذار، وقد ذكره المفسّرون في تفسير قوله سبحانه: ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ( [27]) . ( [28])

أقول: والعجب انّه لم يذكر حديث الغدير الّذي اتّفقت الأُمّة على نقله!!

8-في قعود علي عن الخلافة :

ويعتقد انّ قعود الوصي بعد الوصية لم يكن عن عجز ولا تفريط، وذلك لأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أعلمه عن دولة المتغلّبين ،وعقوبة الله عزوجل لهم في ذلك بقوله: «إنّ لك يا علي في أُمّتي من بعدي أمر، فإن ولّوك في عافية، وأجمعوا عليك في رضى، فقم بأُمورهم، وإن اختلفوا واتّبعوا غيرك، فدعهم وماهم فيه، فإنّ الله سيجعل لك مخرجاً» .

9-في فساد إمامة المفضول :

يعتقد في فساد إمامة المفضول وإبطال إمامة المشرك الناقض لقوله عزوجل: ( وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ( [29]) .

فجلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه بيّن أنّ عهد الإمامة وخلافة الله تعالى لا تلحق من أشرك بالله طرفة عين، وانّما يكون ميراثها في الطاهرين المصطفين، لقوله تعالى: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ( [30]) .

وقد ثبت انّ كلّ من دخل في الإسلام من الجاهلية فقد عبد الأصنام وتدنّس بالشرك مع ما كانوا يفعلون برسول الله أيام حياته ممّا هو مشهور غير خفي .

وتوقّف كلّ واحد منهم بعده وحاجتهم إلى علم علي مع طهارته واصطفائه عليهم في حالتي العلم والجسم، وكونه لم يسجد لصنم ولا توقّف عن أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا كانت له سابقة في الجاهلية ولا أشرك في الله طرفة عين، ولا تحمّل، ولا كذب، ولا داهن، ولا مال إلى مفضول بالرغم من ميل الغير عنه إلى كلّ مفضول، مع إقرار المفضول على نفسه، بقوله: «ولّيت عليكم ولست بخيركم»، وغير ذلك من قوله: «فإن غلطت فردّوني وإن اعوججت فقوّموني فإنّ لي شيطاناً يغريني». ( [31])

10-في إبطال اختيار الأُمّة للإمام:

ويعتقد انّ اختيار الأُمّة لنفسها الإمام غير جائز، لأنّ إقامة الحدود على الأُمّة هي للإمام، ففيها بعض رسوم الشريعة المبسوطة إلى الإمام، من دون الأُمّة، فإقامة الإمام الّذي تتعلّق به كلّ أُمور الشريعة، لأنّه صاحب المقام العظيم، والمستخلف أولى أن يكون بأمر الله، وإذا كان إقامة الإمام بأمر الله كان من ذلك الإيجاب بأنّ الاختيار من الأُمّة باطل. ( [32])

11-في أنّ كلّ متوثّب على مرتبة الإمام فهو طاغوت :

ويعتقد انّ كلّ من دفع الإمام عن مقامه ومنزلته وعانده بعد وصية النبي له في كل عصر وزمان، انّما هو المشار إليه باسم الطاغوت، وهو رئيس الجائرين الحائدين عن أمر الرسول، المعني بالظالم، الّذي توجهت إليه الإشارة وإلى أمثاله في كلّ دور: ( وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَني اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ) ( [33]). ( [34])

12-في أنّ الأرض لا تخلو من حجة لله فيها :

يعتقد انّ الأرض لا تخلو من حجة لله فيها: من نبي، أو وصي، أو إمام

يقوم المسائل، ويقيم الحدود، ويحفظ المراسيم، ويمنع الفساد في

الشرع، ويقبل الأعمال، ويزكّي الأفعال، وتقام به الحجة على الطالب، ويزيل المشكلات إذا حلّت على المتعلمين، ويركز الأُمّة بعد غيبة نبيها. ( [35])

أقول: إنّ ما ذكره من أنّ الأرض لا تخلو من حجة لله حق، ولكن السبب ليس ما جاء في كلامه من إقامة الحدود، وحفظ المراسم، ومنع الفساد، فإن ذلك يقوم به سائر الولاة أيضاً، وانّما الوجه انّه الإنسان الكامل وهو الغاية القصوى في الخلقة، ويترتّب على وجود ذلك الإنسان الكامل بقاء العالم بإذن الله سبحانه وآخره لحصول الغاية .

13-منع المبتدي عن الكلام :

ويعتقد انّ منع المبتدي عن الكلام في الدين، صفات، واقتداء بأفعال الله، وذلك انّ الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الطفل يتكلّم عند خروجه وولادته، وانّما تأخّر عن الكلام لحكمة أوجبها، لتكون لأبويه عنده فضيلة التنطيق والتعليم، وكذلك المبتدي يمنع من المجادلة والنطق بما يشق على غيره، ومتى تعلم من شيخه أو معلمه القائم له مقام الصورة فيعلّمه الأُصول الّتي يجب الاحتياط بها. ( [36])

14-في أنّ القرآن لا ينسخه إلاّ قرآن مثله :

ويعتقد انّ القرآن لا ينسخه إلاّ قرآن مثله، والدلالة على ذلك موافقة السنّة للكتاب، قال الله تعالى: ( وَ إِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَة وَ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَر بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) ( [37]) . وقال النبي في خطبة الوداع: «لا يقولنّ علي أحد منكم مالم أقله، فإنّي لم أُحلّل إلاّ ما أحلّه الله في كتابه، وكيف أُخالف كتاب الله وبه هداني؟ وكيف أُخالف كتاب الله وبه هداني وعليَّ أُنزل». ( [38])

15-في تخطئة القياس والاستحسان:

اتّفقت الإسماعيلية قاطبة على منع العمل بالقياس والاستحسان، والرأي غير المستنبط من الكتاب والسنّة .

قال الداعي علي بن محمد الوليد: أصل الشريعة ليس بقياس، لأنّه أخذ عن الله تعالى بتعليم الملك، وأخذ من الرسول بتعليم دون قياس، وأخذ من الوصي بتعليم النبي، وأخذ من الإمام بتعليم الوصي، وأخذ الرجال بتعليم الإمام دون رأي من يرى، وقياس من قاس، واجتهاد من اجتهد، بالظنون الكاذبة، والرأي، والآراء المتناقضة. ( [39])

تأويلات الإسماعيلية (نظرية المثل والممثول):

إنّ نظرية المثل والممثول تعدّ الحجر الأساس لعامّة عقائد الإسماعيلية الّتي جعلت لكلّ ظاهر باطناً، وسمّوا الأوّل مثلاً، والثاني ممثولاً، وعليها تبتني نظرية التأويل الدينية الفلسفية، فتذهب إلى أنّ الله تعالى جعل كلّ معاني الدين في الموجودات، لذا يجب أن يستدلّ بما في الطبيعة على إدراك حقيقة الدين، فما ظهر من أُمور الدين من العبادة العملية، الّتي بيّنها القرآن معاني يفهمها العامّة، ولكن لكلّ فريضة من فرائض الدين تأويلاً باطناً، لا يعلمه إلاّ الأئمة، وكبار حججهم وأبوابهم ودعاتهم.

ولنذكر في المقام بعض تأويلاتهم في الشريعة :

1-قال صاحب تأويل الدعائم في كتاب الطهارة: لا يجزي في الظاهر صلاة بغير طهارة، ومن صلّى بغير طهارة لم تجزه صلاته، وعليه ان يتطهّر، وكذلك في الباطن لا تجزي ولا تنفع دعوة مستجيب يدعى، ويؤخذ عليه عهد أولياء الله حتى يتطهّر من الذنوب ويتبرّأ من الباطل كلّه ومن جميع أهله، وإن تبرّأ من الباطل بلسانه، مقيم على ذلك، لم تنفعه الدعوة، ولم يكن من أهلها، حتّى يتوب ويتبرّأ ممّا تجب البراءة منه، فيكون طاهراً من ذلك، كما قال تعالى: ( وَ ذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَ بَاطِنَهُ ) ( [40]) . ( [41])

2-وحول التيمّم يقول صاحب تأويل الدعائم: التيمّم وضوء الضرورة، هذا من ظاهر الدين، وأمّا باطن التيمّم لمن عُدِم الماء وأنّه في التأويل طهارة من أحدث حدثاً في الدين من المستضعفين من المؤمنين الذين لا يجدون مفيداً للعلم، ممّا يحدّثونه عند ذوي العدالة من المؤمنين من ظاهر علم الأئمة الصادقين إلى أن يجد مفيداً من المطلقين.

3-وحول الصلاة يقول صاحب تأويل الدعائم: الصلاة في الظاهر ما تعبّد الله عباده المؤمنين به، ليثيبهم عليه، وذلك ممّا أنعم الله عزّوجلّ به عليهم، وقد أخبر تعالى أنّه ( أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَ بَاطِنَةً ) فظاهر النعمة في الصلاة إقامتها في الظاهر بتمام ركوعها وسجودها وفروضها ومسنونها، وباطن النعمة كذلك في إقامة دعوة الحق في كلّ عصر كما هو في ظاهر الصلاة. ( [42])

4-ويقول حول صلاة العيدين: ليس في العيدين أذان ولا إقامة، ولا نافلة، ويُبدأ فيهما بالصلاة قبل الخطبة، خلاف الجمعة، وصلاة العيدين ركعتان يجهر فيهما بالقراءة .

تأويل ذلك: أنّ مثل الخروج إلى العيدين مثل الخروج إلى جهاد الأعداء، وانّ مثل الأذان مثل الدعوة والخروج إلى العدو، وليست تقام له دعوة، إذ تقدّم في دعوة الحق الأمر به، وانّما يلزم الناس أن ينفروا ويخرجوا إليه، كما أوجب الله ذلك عليهم في كتابه .

هذه نماذج من تأويلات الإسماعيلية في مجال الأحكام الشرعية، ومن أراد الاستقصاء فعليه بالرجوع ـ مضافاً إلى كتاب «تأويل الدعائم» ـ إلى كتاب «وجه دين» للرحالة ناصر خسرو، فقد قام بتأويل ما جاء من الأحكام في غير واحد من الأبواب حتّى الحدود والديات والنكاح والسفاح .

[1] . إرشاد المفيد: 284 .

[2] . غيبة النعماني: 327، الحديث 8 ; ولاحظ بحار الأنوار: 48 / 21 .

[3] . عارف تامر: الإمامة في الإسلام: 180 .

[4] . تاريخ الدعوة الإسماعيلية: 14 .

[5] . انظر الخطط المقريزية: 1 / 358- 359 .

[6] . عارف تامر: الإمامة في الإسلام: 162 .

[7] . راحة العقل: 47 .

[8] . تاج العقائد ومعدن الفرائد: 21 .

[9] . تاج العقائد ومعدن الفوائد: 26، ولكن الجمع بين نفي الأيس عنه سبحانه ونفي التسمية انّ الماهية عنه أمر محال، لأنّ الواقع لا يخلو عن أحد الأمرين: فهو وجود محض، أو وجود ذو ماهية، فلاحظ .

[10] . رسائل إخوان الصفا: 3 / 189 .

[11] . راحة العقل: 83 .

[12] . تاج العقائد: 166- 168 .

[13] . تاج العقائد: 179 .

[14] . تاج العقائد: 57- 58 .

[15] . تاج العقائد: 51 .

[16] . راحة العقل: 421- 422 .

[17] . تاج العقائد: 97 .

[18] . تاج العقائد: 59- 60 .

[19] . تاج العقائد: 101 .

[20] . تاج العقائد: 101 .

[21] . الواقعة: 62 .

[22] . تاج العقائد: 165 .

[23] . راحة العقل: 379 .

[24] . تاج العقائد: 46 .

[25] . الإمامة في الإسلام: 143ـ144.

[26] . الإمامة في الإسلام:141.

[27] . الشعراء: 214 .

[28] . تاج العقائد: 60- 64 .

[29] . البقرة: 124 .

[30] . فاطر: 32 .

[31] . تاج العقائد: 75- 76 .

[32] . تاج العقائد: 76 .

[33] . الفرقان: 27 .

[34] . تاج العقائد: 78- 79 .

[35] . تاج العقائد: 181 .

[36] . تاج العقائد: 181 .

[37] . النحل: 101 .

[38] . تاج العقائد: 98 .

[39] . تاج العقائد : 82- 84 .

[40] . الأنعام: 120 .

[41] . تأويل الدعائم: 1 / 76 .

[42] . تأويل الدعائم: 1 / 177 .

الثلاثاء, 15 كانون2/يناير 2013 09:21

الظاهرية

وهذا المذهب منسوب إلى داود بن علي الاصفهاني الظاهري (200-270 هـ) .

وقد أسّس مذهباً في الفروع، فالمصدر الأصلي في الفقه عنده هو النصوص بلا رأي في حكم من أحكام الشرع، فهم يأخذون بالنصوص وحدها، فإذا لم يكن بالنص أخذوا بالإباحة الأصلية .

ما هو السبب لظهور هذا المذهب ؟

إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد يستلزم طرده عن ساحة الفقه بوجه أولى، لأنّ أساسه هو التعبد بالنصوص، وعدم الإفتاء بشيء لا يوجد له أصل في الكتاب والسنّة، لكن الجمود على حرفية النصوص شيء والتعبّد بالنصوص وعدم الإفتاء في مورد لا يوجد فيه أصل ودلالة في المصدرين الرئيسيّين شيء آخر، فالظاهرية على الأوّل، والفقهاء على الثاني، ولأجل إيضاح الحال نأتي بمثالين:

1-ان الشكّل الأوّل من الأشكال الأربعة ضروري الإنتاج من غير فرق بين الأُمور التكوينية أو الأحكام الشرعية، فكما أنّ الحكم بحدوث العالم نتيجة حتمية لقولنا: العالم متغير وكل متغير حادث، فهكذا الحكم بحرمة كل مسكر، نتيجة قطعية لقولنا: الفقاع مسكر، وكل مسكر حرام، فالفقاع حرام; لكنّ الظاهري يقبل المقدّمتين، ولكن لا يفتي بالنتيجة بحجة انّها غير مذكورة في النصوص.

2-ما يسمّيه الفقهاء بلحن الخطاب وإن كان شيئاً غير مذكور في نفس الخطاب، لكنّه من اللوازم البيّنة له، بحيث يتبادر إلى الذهن من سماعه، فإذا خاطبنا سبحانه بقوله: ( فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفّ ) ( [1]) يتوجه الذهن إلى حرمة ضربهما وشتمهما بطريق أولى، ولكن الفقيه الظاهري يأبى عن الأخذ به بحجة كونه غير منصوص.

قال سبحانه: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَ إِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ) ( [2]) .

فالموضوع للحكم «مغفرة ما سلف عند الانتهاء» وإن كان هو الكافر، لكن الذهن السليم يتبادر إلى فهم شيء آخر لازم لهذا الحكم بالضرورة، وهو تعميم الحكم إلى المسلم أيضاً بوجه آكد، ولكنّ الظاهري يتركه بحجة أنّه غير مذكور في النص . وهذا النوع من الجمود يجعل النصوص غير كافلة لاستخراج الفروع الكثيرة، وتصبح الشريعة ناقصة من حيث التشريع والتقنين، وغير صالحة لجميع الأجيال والعصور، وفاقدة للمرونة اللازمة الّتي عليها أساس خاتمية نبوة نبيناً محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتابه وسنّته.

ثم إنّ الاكتفاء بظاهر الشريعة وأخذ الأحكام من ظواهر النصوص

له تفسيران أحدهما صحيـح جداً، والآخـر باطل، فإن أُريد منه نفي الظنون الّتي

لم يدلّ على صحة الاحتجاج بها دليل، فهو نفس نص الكتاب العزيز،

قال سبحانه: ( قُلْ ءَأللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) ( [3]) ، فالشيعة الإمامية

بفضل النصوص الوافرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المتّصلة اسنادها إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) استطاعت أن تستخرج أحكام الحوادث والموضوعات الكثيرة منها، وامتنعت عن العمل بالقياس والاستحسان وغيرهما من الأدلّة الظنية

الّتي لم يقم الدليل القطعي على صحّة الاحتجاج بها، بل قام الدليل على حرمة العمل على بعضها كالقياس، وقد ورد في نصوص أئمتهم (عليهم السلام) : «إنّ السنّة إذا قيست محق الدين»( [4]).

وإن أُريد بها لوازم الخطاب، أي ما يكون في نظر العقلاء كالمذكور أخذاً بقولهم: «الكتابة أبلغ من التصريح» ويكون التفكيك بينهما أمراً غير صحيح، فليس ذلك عملاً بغير المنصوص. نعم ليس عملاً بالظاهر الحرفي، ولكنّه عمل بها بما يفهمه المخاطبون بها.

أُفول نجمه:

إنّ هذا المذهب لأجل حرفيته قد أفل نجمه بسرعة.

نعم قد تبعه فقيه آخر باسم ابن حزم (384-458 هـ) وأعاد هذا المذهب إلى الساحة وألّف حوله كتباً ورسائل، وخدمه بالتآليف التالية:

1-الإحكام في أُصول الأحكام: بيّن فيه أُصول المذهب الظاهري .

2-النبذ: وهو خلاصة ذلك الكتاب.

3-المحلى: وهو كتاب كبير انتشر في عشرة أجزاء، جمع أحاديث الأحكام وفقه علماء الأمصار، طبع في بيروت بتحقيق أحمد محمد شاكر، وله آراء شاذة ـ كبطلان الاجتهاد في استخراج الأحكام الفقهية، وجواز مس المصحف للمجنب، وقاتل الإمام علي كان مجتهداً ـ ذكرناها في موسوعتنا .( [5])

وقد ذكرنا هذا المذهب مع أنّه فقهي لأجل اشتراكه مع ما سبق في الرجعية وإقصاء العقل عن ساحة الاجتهاد الفقهي.

[1] . الإسراء: 23 .

[2] . الأنفال: 38 .

[3] . يونس: 59 .

[4] . الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10 .

[5] . بحوث في الملل والنحل: 3 / 141- 146 .

الثلاثاء, 15 كانون2/يناير 2013 08:28

سيرة جناب "سودة بنت زمعة"

هي السيدة سودة بنت زمعة بن قيس، ومن أهالي مكة المكرمة، واصولها من قبيلة قريش. ويعود نسبها الى "لؤي" جد رسول الله(ص). وكان ابوها زمعة بن قيس من اوائل الذين لبوا دعوة الرسول و آمنوا برسالته في الصدر الاول للاسلام.

وقد تزوجت السيدة سودة في البداية من ابن عمها، سكران بن عمرو بن عبد شمس و رُزقت منه ولدا سمي عبدالرحمان، ومع بزوغ فجر الاسلام، لبت دعوة رسول الله فتبعها زوجها، وما ان زاد إيذاء قريش وكفارها للنبي(ص)، هاجرت السيدة سودة مع زوجها وباقي المسلمين الى الحبشة.

وما ان مكثت السيدة سودة وزوجها في الحبشة مع عدد من المسلمين حتى بلغهم نبأ انتصار المسلمين في مكة واستسلام اهلها لرسالة النبي محمد(ص)، فما كان من بعض المسلمين ومن بينهم السيدة سودة و زوجها الا ان يغادرو الحبشة باتجاه مكة المكرمة، إلا ان الأجل حال بين وصول زوج سودة الى مكة حيث وافته المنية في الطريق، واضطرت زوجته لمواصلة الطريق وحدها. لكنها ما ان وصلت و المسلمين الى مكة، حتى وجدوا الامر عكس ما سمعوه، حيث زاد إيذاء قريش للنبي والمسلمين. الأمر الذي زاد هموما للسيدة سودة اضافة الى همها فقدان زوجها، خاصة وان قلقها ازداد من جهة ان اهلها وعشيرتها لم تكن تؤمن برسالة الرسول الاعظم حتى ذلك الحين.

على صعيد آخر بقاء السيدة سودة بنت زمعة وحيدة بعد زوجها ودون مدافع، كان يضاعف الاخطار عليها، ما حملها انتهاج السبل المتعبة آنذاك، حيث كان الغريب ينضوي تحت لواء عشيرة او قبيلة ما، لتحميه من الآخرين ويواصل حياته، ففعلت السيدة سودة كذلك.

اقتراحها الزواج من النبي الاكرم(ص):

تتابع الاحداث وبقاء السيدة سودة وحيدة بعد رحيل زوجها زاد من همومها ومتاعبها، خاصة وان ابي طالب عم الرسول واكبر حماته حتى ذلك الحين توفي والمسلمون مازالوا مقاطَعين من قبل قريش و مشركي مكة، ومحاصرون في شعب ابي طالب. وما فتئ الزمان حتى لبت ام المؤمنين خديجة بنت خويلد، نداء ربها بعيد فترة قصيرة من رحيل ابي طالب(رض)، حتى المّ الحزن بكل المسلمين وعلى رأسهم النبي الاكرم(ص) حيث اسمى ذلك العام عام الحزن، وظل حزينا ويصارع المشاكل والمتاعب التي تفتعلها امامه قريش وكفارها.

ويروي المؤرخون ان الرسول(ص) لم يتزوج حتى مضى عاما كاملا على رحيل السيدة خديجة(رض)، الامر الذي أقلق المسلمين خاصة وان الصحابة كانوا يعرفون مكانة السيدة خديجة لدى رسول الله، ومدى الاسى والحزن الذي لحق به اثر رحيلها، ففكروا بتخفيف الحزن عن رسول الله. فما كان منهم الا ان ارسلوا اليه السيدة خولة بنت حكيم زوجة الصحابي عثمان بن مظعون التي كانت امرأة مؤمنة صالحة، وترفد النبي بحنانها ورأفتها. فما ان التقته السيدة خولة قالت له يارسول الله، أرى أن رحيل السيدة خديجة أخذ مأخذه منك والبسك لباس الحزن طويلا. فقال لها النبي(ص) نعم يا خولة انها كانت ام ابنائي وربة بيتي.

فقالت خولة: يا رسول الله فلماذا لم تتزوج بعدها؟ فأطرق الرسول الاعظم برأسه متأملا، حتى اغرورقت عيناه بالدموع، ثم قال لها: وهل من امرأة يمكن ان تحل محل السيدة خديجة؟!!!...

تأمُّل النبي ونُطقه بهذه الكلمات كانت فرصة مناسبة تتحينها السيدة خولة، فبادرته بالقول: أتسمح لي يا رسول الله لأتقدم نيابة عنك للخطوبة؟

واستمر الحديث حتى اتفق الجانبان على خطبة السيدة سودة بنت زمعة، التي كانت امرأة رزينة زادتها سنين عمرها حكمة وتجربة ووقارا. فما كان من السيدة خولة حتى ذهبت الى السيدة سودة وقالت لها بُشراك يا سودة، لیکُن الیوم اسعد ايامك مذ ولدتك امك حتى اليوم.

فسألتها سودة قائلة: فماذا حدث حتى يكون كذلك؟

فأجابتها خولة: ان رسول الله بعثنی لاطلب يدك له.

فاستغربت سودة وقالت: رسول الله يطلب يدي؟!!!

فقالت لها خولة: نعم انه ذكر اسمك، وطلب مني ان افاتحك بالامر.

اما السيدة سودة ورغم تقدمها في السنة واستقلالها في اتخاذ القرار، وانها كانت متزوجة سابقا، الا انها آثرت إلا أن تحترم الاعراف السائدة وقالت اسمحي لي لأستأذن ابي بالامر.

وتقول خولة: فأسرعتُ بالذهاب الى والد سودة وقلت له: ان محمد بن عبدالله يطلب يد ابنتك سودة ويريد ان يتقدم لخطبتها.

فقال والد السيدة سودة: ان محمدا رجل كريم وعظيم، ولكن اطرحي الامر على سودة نفسها لنرى ماذا تقول؟

وما ان اعلنت السيدة سودة رضاها الكامل عن الامر، حتى قال والدها: قولي لمحمد فليتقدم، على الرحب والسعة.

وكان هذا القران حدث في شهر رمضان العام العاشر للبعثة النبوية المباركة، ومكث الرسول الاكرم مع السيدة سودة قرابة الثلاثة اعوام ولم يتزوج غيرها.

هذا القِران بين النبي والسيدة سودة التي كانت متقدمة في العمر على النبي(ص) اثار دهشة ابناء مكة ما حملهم على ان يخجلوا ويقللوا من إيذائهم للرسول(ص).

بحيث ان شقيق السيدة سودة، عبد بن زمعة بعد ما اسلم كان يقول عندما تزوجت شقيقته من النبي(ص) كان يأسف لفعلتها ويعتبرها عملا غير مقبول، ويضيف انه كان يُهيل التراب على رأسه كالمجنون، لأن شقيقته تزوجت من الرسول (ص).

وما ان تم زواج النبي من السيدة سودة حتى زاد حُب النبي الاعظم(ص) بين عشيرتها، وأُعجبوا بأخلاقه التي تفوق اخلاق كل بني الانسان، حتى اقبلوا يعتنقون الدين الاسلامي الحنيف زرافات زرافات.

هذا الزواج الميمون، كان عاما واحدا قبل الهجرة وقد أبدعت السيدة سودة خلاله في إحتظان السيدة فاطمة الزهراء واختها ام كلثوم وخِدمة النبي(ص).

ويؤكد المؤرخون ان النبي(ص) اختار لنفسهثلاث أزواج في مكة المكرمة، وهن السيدة خديجة، والسيدة سودة والسيدة عائشة، فيما كانت باقي زوجات الرسول التحقن به بعد الهجرة وفي المدينة المنورة.

سعي السيدة سودة لإراحة النبي(ص):

تؤكدبعض كتب السِيَر، أن فارق العمر بين ام المؤمنين السيدة سودة ورسول الله (ص) كان كثيرا، فقد كانت امرأة مؤمنة وقورة ورؤوفة بالنبي(ص). وكانت دائما تسعى ليكون تعاملها وكلامها مع الرسول الاكرم(ص)بشكل يريح النبي ويفرحه،و كانت بالرغم من تقدمها في السن ازاء رسول الله، الا انها كانت كثيرة المزاح معه. فعلى سبيل المثال، كانت غالبا ما تكون منفتحة الوجه ومبتسمة امام النبي الاكرم، وتطرح قضايا مختلفة ومتنوعة، حتى ان المواضيع التي كانت تطرحها، كانت تبعث الفرح والسرور في نفس رسول الله.

وما ان هاجر النبي(ص) من مكة الى المدينة واستقر فيها، حتى بعث زيد بن الحارثة وغلامه ابا رافع مع ناقتين وخمسمائة درهم الى مكة، ليأتي بفاطمة الزهراء وام كلثوم والسيدة سودة والسيدة ام ايمن الحبشية(زوجة زيد بن الحارث واسامة بن زيد)الى المدينة المنورة. وما كان من زيد بن الحارثة الا ان يُنجِز المهمة ويُوصل الركب الى المدينة ويُسكنه في دار الحارثة بن النعمان.

ويقول الذهبي ان النبي (ص) بنى اول دار له في المدينة المنورة وكانت لأم المؤمنين السيدةسودة ومكث معها فيها لثلاث سنوات ولم يتزوج غيرهافي تلك الفترة.

وتؤكدبعض الروايات ان السيدة سودة كانت اكثر زوجات الرسول(ص)سخاء بعد السيدة خديجة(رض).

ويروي ابن سعد في كتابه "الطبقات الكبرى" عن "ابن سِيرين"ان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بعث بقارورة مليئة بالاموال والدراهم لام المؤمنين سودة، فقالت ماهذه؟ فقيل لها: انها اموال ودراهم، فقامت بتوزيعها على المعوزين من المسلمين فوراً.

مواكبة السيدة سودة للنبي في بعض الغزوات والسرايا:

تؤكد بعض الروايات ان السيدة سودة كانت تواكب النبي(ص) في الغزوات والسرايا مثل غزوة خيبر، ويروي ابن سعد في طبقاته ان الرسول اعطى السيدة سودة سبعين رطلا من التمور وعشرين رطلا من القمح. وهذا ما يؤكد ان السيدة سودة كانت حاضرة في غزوة خيبر.

ظهور الخلافات:

عندما انزعجت ازواج النبي(ص) من كيفية توزيعه النفقة عليهن وطالبت بعضهن بزيادتها، ما كان منه الا ان يخيرهن بين البقاء معه وقبول القسمة التي حددها لهن من النفقة او اختيارهن الطلاق والانفصال عنه، فسدده الله سبحانه وتعالى بالآيتين المحكمتين الثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين من سورة الاحزاب حيث خاطبه الله سبحانه وتعالى:

« يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا«.

فقد اكدت هاتان الايتان لأزواج النبي(ص)إن كُنَّ يُردن الحياة الدنيا والظهور بمظهر الجمال والزينة الظاهرية، فهذا لايليق بالنبي وشخصيته، وعليهن ان يخترن بين البقاء معه في تلك الحالة، والإعراض عن التبرج الجاهلي، وبين الانفصال عن الرسول الاكرم، لكن إن أردن البقاء مع الرسول والقبول بتعاليم الله ورسوله، فإن الله سيجزيهن يوم القيامة اجرا عظيما.

وما ان سمعت السيدة سودة بنزول الآيتين الشريفتين حتى سارعت الى رسول الله(ص) لتقول له: يا رسول الله انا لم اطالب بشيئ.

ویروى عن السيدة عائشة، انها كانت تقول: "ان سودة كان يساورها القلق دائما، بأن محمدا قد يطلقها لكبر سنها".

وكانت سودة كالجدة بالنسبة لأم المؤمنين عائشة، وطالما كانت تقول احب ان يختارني الله سبحانه و تعالى يوم القيامة زوجة للرسول (ص).

ويروي بعض المؤرخين ان ذات يوم حدثت بعض القضايا بين السيدة سودة والرسول الاكرم(ص)، ما حمل السيدة سودة لتتصور ان النبي سيُطلقها، فبادرته بالقول يارسول الله، ارجو ان لا تُطلقني لكي اكون في زمرة ازواجك يوم القيامة، ما حمل الرسول الاكرم(ص) على ان لايُطلقها.

السيدة سودة في حجة الوداع:

رافقت السيدة سودة باقي ازواج النبي، رسول الله(ص) في حجة الوداع الى بيت الله الحرام، لكن ما رحل النبي الاكرم الى بارئه سبحانه وتعالى حتى استقرت في بيتها كما امرها الله ولم تذهب حتى لزيارة بيت الله الحرام، حتى توفيت رضوان الله تعالى عليها.

ومما هو مؤكد ان الحاج المحرم بعد إفاضته من عرفات، عليه الذهاب الى المزدلفة والمكوث فيها حتى طلوع الفجر، كما عليه ان يقف في المشعر الحرام حتى طلوع الشمس، ومن ثم عليه ان يتحرك باتجاه منى ومن ثم الجمرات ليرمي الجمرة الكبرى. فعندما كانت السيدة سودة مع النبي(ص) في حجة الوداع، فكان من الصعب عليها التحرك كثيرا لكِبَر سِنها، فقالت للنبي، يارسول الله، لا اتمكن من البقاء في المشعر حتى الصباح. فأجاز لها النبي الذهاب، واصبحت هذه الرخصة جوازا لكبار السن، ليتمكنوا من المكوث قليلا في المشعر الحرام، ومن ثم يتحركوا باتجاه رمي الجمرة ليلا، ومن ثم اداء ما تبقى من مناسك الحج(من طواف وصلاة طواف وسعي وطواف النساء وصلاته خلف مقام النبي ابراهيم)لقلة الزحام.

وما ان وصل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الى الخلافة حتى انه ذات مرة اجاز لكل ازواج النبي ان يذهبن الى حج بيت الله الحرام، فقُمن بذلك سوى السيدتين سودة وزينب بنت جحش، اللتين قالتا اننا لن نركب اي راحلة بعد النبي(ص). فيما اكدت السيدة سودة انها ستبقى في منزلها كما امرها رب العزة جل وعلى.

طاعتها لله والرسول(ص):

يروي الراوية والمحدث الكبير الشيخ جلال الدين السيوطي ان بعد نزول الآية الكريمة:

«وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الأولى؛...»، عندما كانوا يسألون السيدة سودة عن سبب عدم ذهابها الى الحج، فكانت تقول: لقد اديت الحج والعمرة لله، والله امرني ان ابقى في منزلي، ومن اجل ذلك ان لا اغادر المنزل.

ويروي المؤرخون واصحاب السِيَر انها رضوان الله تعالى، عليها لم تخرج من بيتها حتى وافاتها المنية واُخرجت جنازتها من الدار.

وفاة السيدة سودة:

يقال ان ام المؤمنين السيدة سودة توفيت اثناء خلافة عمر بن الخطاب، وتم تشييعُها ودفنها في جنة البقيع الغرقد بالقرب من المسجد النبوي بالمدينة المنورة.

الثلاثاء, 15 كانون2/يناير 2013 08:21

سيرة جناب "زينب بنت خزيمة"

هي السيدة زينب بنت خزيمة بن حارث بن عبدالله بن عمرو بن عبدالله بن هلال بن عامر بن صعصعة العامري والزوجة الخامسة للرسول الاكرم (ص) حسب تزوجه من امهات المؤمنين وهي احدى زوجاته القرشيات(1). ويروي ابن عبدالبر عن ابي الحسن الجرجاني نسب هذه السيدة الكريمة ويقول انها شقيقة ميمونهة بنت الحارث بزوجة الرسول الاعظم (ص)(2) الا ان ابن حبيب البغدادي يذكر اخوة واخوات السيدة زينب لامها كالتالي: ام الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث زوجة العباس عم رسول الله (ص) وهي ام عبدالله بن عباس، ولبابة الصغرى هي زوجة الوليد بن المغيرة ووالدة خالد بن الوليد، وعزة بنت الحارث. ثم يذكر اخوات السيدة زينب بنت خزيمة لامها ويقول: ان ميمونة بنت الحارث، وأسماء بنت عميس زوجة جعفر بن ابيطالب وسلاّمة(سلمى) بنت عميس زوجة حمزة بن عبدالمطلب عم الرسول الاعظم(ص)،هن اخوات السيدة زينب بنت خزيمة لامها(3(.

حياة السيدة زينب قبل زواجها من النبي الاعظم (ص):

ولدت السيدة زينب بنت خزيمة ثلاثة عشر عاما قبل البعثة النبوية المباركة. وقد ذكر المؤرخون انها قبل زواجها من نبي الرحمة(ص) كانت قد تزوجت من عبدالله بن جحش، لكن الاخير استشهد في غزوة احد عندما كان يقاتل في رحاب رسول الله(ص).

لكن مؤرخين آخرين قالوا انها كانت قد تزوجت من الطفيل بن الحارث، الا ان الطفيل طلقها، فتزوجها اخوه عبيدة بن الحارث المطلبي، وقد استشهد الاخير في غزوة بدر او احد.

ولما ثُكلت السيدة زينب بزوجها، اعتلاها الحزن والاسى وكان استشهاد زوجها مصيبة عظمى في حياتها، لانها تركت اهلها وعشيرتها وهاجرت معه من مكة الى المدينة، فظلت تشعر بالوحدة فيها.

زواج السيدة زينب من الرسول الاكرم(ص):

وبعد فترة من استشهاد زوج السيدة زينب تقدم رسول الله(ص) لخطبتها. فما كان منها الا ان اوكلت امرها لرسول الله(4)، لانها لم يكن اي قريب او رحم لها في المدينة ليصبح ولي امرها، فرأت في شخصية خاتم الانبياء والمرسلين افضل شخصية ليكون ولي امرها في دار الغربة. فما كان من النبي الاعظم الا ان دعا عدد من الوجهاء وكبارالشخصيات الاسلامية(5)واشهدهم على عقد قرانه معها، لتصبح زوجته بعد ذلك الحين(6)، وجعل لها مهرا قدر اربعمئة درهم، وخص لها حجرة من حجراته كباقي ازواجه اللواتي كن معه ذلك الحين. ومنذ ذلك الحين اصبحت السيدة زينب بنت خزيمة احدى زوجات النبي(ص) وبدأت حياتها الزوجية معه.

وكان هذا الزواج حدث بعد عشرين يوما من زواج الرسول الاكرم(ص) من ام المؤمنين حفصة بنت عمربن الخطاب(7)في شهر رمضان المبارك من العام الثالث للهجرة النبوية الشريفة وبالتحديد في الشهر الحادي والثلاثين للهجرة النبوية(8). ألا ان بعض المؤرخين يرى ان زواج الرسول الاكرم(ص) من السيدة زينب بنت خزيمة كان في السنة السابعة بعد وفاة السيدة خديجة (رض)(9).

سخاء ام المؤمنين زينب بنت خزيمة واشتهارها بـ "ام المساكين":

كانت ام المؤمنين السيدة زينب بنت خزيمة كثيرة العطف والحنان على المساكين والفقراء حتى لُقِّبت بـ "ام المساكين"، لأنها كلما كانت تتفقد الفقراء والمساكين دائما.(10) ويذكر ان السيدة زينب بنت خزيمة حتى في فترة العصر الجاهلي كانت على نفس الفطرة الانسانية السليمة في تفقدها للمساكين والفقراء وتسميتها بـ "أم المساكين" كانت منذ ذلك الحين ايضا(11) وما بزغت شمس دين الرحمة، واظهر مساعدة الفقراء والمساكين كوازع انساني واخلاقي تمسكت السيدة زينب بنت خزيمة بهذه الخصلة اكثر من ذي قبل.

يقول احد المؤرخين: لقد كانت دائمة الاحسان مع الناس وخاصة الفقراء والمساكين. وكانت تكثر من الصدقات والإحسان الى الفقراء والمعوزين. وبما انها كانت تكثر تقديم المساعدات والمأكولات للفقراء عرفت منذها بـ "ام الفقراء والمساكين".

وفاة ام المؤمنين السيدة زينب بنت خزيمة وتوديعها الحياة الزوجية مع الرسول:

رحيل السيدة ام المؤمنين زينب بنت خزيمة زوجة رسول الله(ص) جعل التاريخ مفتقرا للمعلومات الكافية عن حياتها. وبما ان فترة حياتها المشتركة في رحاب رسول الانسانية كانت قصيرة، ظلت الكثير من شؤون حياتها مع النبي الاعظم(ص) مجهولة، ما حمل المؤرخين و كتّاب وشارحي السيرة النبوية يختارون الصمت امام حياة هذه السيدة الجليلة لتبقى في طيات الكتمان والضبابية.

وقد قال البعض ان وفاة السيدة زينب بنت خزيمة كانت لثمانية اشهر بعد زواجها من النبي الاعظم(ص) وفي شهر ربيع الثاني للعام الرابع للهجرة النبوية الشريفة(12)، الا ان آخرين لا يذكرون لها حياة زوجية مشتركة مع الرسول الاكرم(ص) لاكثر من شهرين او ثلاثة اشهر(13)، وهذا ما جعلها من زوجات النبي التي لم يرو عنهن اي حديث عن رسول الله(ص) في كتب الاحاديث ولم يتطرق اليها المحدثون.

ويقال ان ام المؤمنين زينب بنت خزيمة توفيت في عنفوان شبابها اي لم تبلغ الثلاثين عاما وكانت وفاتها رضوان الله عليها في المدينة المنورة.(14)

وكان النبي(ص) تكفل غسلها وتكفينها وتجهيزها وصلى عليها وحملها الى مثواها الاخير في جنة "البقيع الغرقد"(15).

واضافة الى انها والسيدة خديجة كانتا الزوجتان الوحيدتان اللتان توفيتا في حياة الرسول(ص)، يقول المؤرخون انها اول زوجات الرسول اللواتي توفين في المدينة المنورة.

________________________________________

الهوامش:

(1)- ابن عبد البر؛ في كتابه الاستیعاب، تحقیق علي محمد البجاوي، طبعة بیروت، الطبعة الاولي،عام 1992،ج4، ص1853

(2)- الاستیعاب، ج4، ص1853

(3)- ابن حبیب البغدادی؛ المحبر، تحقیق ایلزه لیختن شتیتر، بیروت، دار الافاق الجدیدة، بیتا، ص106- 109

(4) - تاریخ الطبري، المصدر السابق،ج11، ص596 و ابن عساکر؛ في كتابه تاریخ دمشق، طبعة بیروت، دار نشر دارالفکر، الطبعة الاولى، 1415،ج3، ص206

(5) - الطبقات الکبری لابن سعد، ص91

(6) - السیرة النبویة، ج2، ص648

(7) - ابن قتیبة؛ مطبعة المعارف، تحقیق ثروت عکاشة، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، الطبعة الثانية، 1993، ص158

(8) - الطبقات الکبری لابن سعد، المصدر السابق، ص91 و الذهبی في كتابه تاریخ الاسلام

(9) - الاستيعاب لابن عبد البر، ج1، ص46

(10) - ابن هشام؛ السیرة النبویه، تحقیق مصطفی السقا ، بیروت، بی تا،ج2، ص648

(11) - الطبقات الکبری، المصدر السابق، ص91

(12) - نهایة الإرَب، المصدر السابق، ص178

(13) - تاریخ الخلیفة، تحقیق فواز، طبعة بیروت، دارالکتب العلمیة، الطبعة الاولى، 1995، ص27

(14) - المنتظم، ص210 و الطبقات الکبری، المصدر السابق، ص92

(15) - تاریخ الطبری، ج11، ص596

ادعى تقرير أميركي رسمي أنّ إيران أقامت، في سياق محاولاتها توسيع قدراتها الاستخبارية في المنطقة العربية وحوض البحر الأبيض المتوسط، محطتي تجسّس في سوريا تستهدفان بالدرجة الأولى إسرائيل. وقال التقرير، الذي أعدّه قسم الأبحاث الفدرالي بمكتبة الكونغرس الأميركي ومكتب مكافحة الإرهاب، إنّ تلك المحطّات أنشأها الحرس الثوري الإيراني جنباً إلى جنباً مع سوريا، أكبر حلفاء إيران في المنطقة.

وأوضح التقرير، الذي يقع في 64 صفحة بعنوان «لمحة عن وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية»، أنّ «محطتين للاشارات الاستخباراتية تابعتين لإيران وسوريا، بناهما الحرس الثوري الإيراني ــ وتعملان منذ عام 2006 ــ، إحداهما في منطقة الجزيرة في شمال سوريا، والأخرى فوق مرتفعات الجولان».

وأضاف التقرير، الذي صدر في الشهر الماضي، أنّ الحرس الثوري الإيراني يعتزم بناء محطات تنصّت إضافية في شمال سوريا، وتقوم تلك المحطات بتقديم معلومات لحزب الله عن إسرائيل. ويبدو أنّ إيران ــ طبقاً للتقرير ــ تمكّنت من تطوير قدرات استخبارية من خلال رصد الإشارات (سيغنت) SIGINT.

وأشار التقرير إلى أنّ هذا النوع من المحطات يشمل جمع معلومات استخبارية من خلال إشارات الاتصال، بما فيها الصوتية والشيفرات وغيرها من البيانات، والإشارات من أنظمة الأسلحة والملاحة.

ويذكر أنّ تقارير صحافية أميركية أوردت الأسبوع الماضي أنّ المسؤولين الأميركيين والباحثين الأمنيين يعتقدون بأنّ إيران وراء سلسلة الهجمات الكبيرة عبر الإنترنت التي استهدفت البنوك الأميركية في الأسابيع الأخيرة، ويرى مسؤولون أميركيون أنّ الأمر متعلّق بالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن ضدّ طهران.

وزعم تقرير مكتبة الكونغرس، أيضاً، أنّ إيران خطّطت لإقامة محطتين أخريين من ذات النوع في شمال سوريا ليبدأ تشغيلهما بحلول شهر كانون الثاني من عام 2007، ولكن لا توجد معلومات تفيد بأنّهما تعملان حالياً.

وذكر التقرير أنّ التكنولوجيا المستخدمة في المحطتين تشير إلى أنّ قدرات إيران لا تزال محدودة، ويبدو أنها تركز على جمع المعلومات لتزويد حزب الله بها. كما ذكر التقرير أنّ طهران تمتلك القدرة على جمع المعلومات الاستخبارية بواسطة طائرات استطلاع، ولكن هذه القدرات محدودة في إطار عمليات عسكرية صغيرة تستخدم بضع طائرات.

الثلاثاء, 15 كانون2/يناير 2013 08:05

البحث عن مجد ضائع فـــي المستنقع الأفريقي

قوات فرنسية تستعد للبدء بمهامها في العاصمة باماكو

 

«نواجه ظروفاً صعبة من مجموعات جيدة التسليح». بهذه العبارات حاول وزير الدفاع الفرنسي، جان _ إيف لودريان، تبرير بعض من إخفاقات باريس في المستنقع الأفريقي الجديد الذي أوحلتها فيه واشنطن، ضمن ما يسمى الحرب على الإرهاب، في مسعى فرنسي جديد للبحث عن مجد ضائع.

 

باريس تعرف تمام المعرفة ما يعنيه أن تواجه جماعات مسلحة في ما يشبه حرب العصابات، وهي التي فشلت فشلاً ذريعاً عدة مرات في تدخل تلو آخر في القارة السمراء، كان آخرها ما تجرعته من علقم كوماندوس الصومال السبت الماضي.

وبعد تنظيم عدة انقلابات عسكرية ضد أحرار أفريقيا الذين رفضوا الانصياع لباريس طيلة النصف الثاني من القرن العشرين، وبعد تراجع حدة الفرنسيين وفشلهم في سياسة خارجية قضى عليها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في بلد أوروبي يعتمد في جل معاشاته على شباب من العرب والأفارقة، ومع تنامي الأزمة المالية والخسارة المتواصلة للاقتصاد الفرنسي، زعمت باريس أنها ستدعم ضمن أمور أخرى ثوار ليبيا في ما سمّي الربيع العربي، وهي التي ظلت إلى وقت قريب أكثر الدول الأوروبية دعماً للعقيد الراحل معمر القذافي وسمحت له ببناء خيمته في الإليزيه بالرغم من كل شيء.

وفي بنغازي وطرابلس وغيرهما من المدن الليبية، دخلت فرنسا الحرب الى جانب «الثوار»، واعتبرت القذافي عدوّها الأول بعد أن كانت إلى وقت قريب تقدّسه كملك لملوك أفريقيا، بل وذهبت أبعد من ذلك الى التقارب بين القذافي والقطريين في طريق تقارب من نوع آخر مع الغرب وتدمير الأسلحة. وعمل الفرنسيون بكل ترسانتهم العسكرية على تدمير البنى التحتية في ليبيا أملاً بالحصول على بعض الكعكة والفوز بمشاريع اقتصادية في البلد الجريح.

لكن الحلم الفرنسي سرعان ما تعثر بسبب المشاكل مع قطر، وتهديدات بعض أنصار القذافي بتسريب بعض الاتفاقيات المشبوهة بين القذافي والإليزيه وفتح ملفات من بينها كيفية تمويل الحملة الرئاسية الفرنسية لساركوزي.

وعانت باريس من مشاكل متفاقمة، من أبرزها قتلها للعقيد الليبي، وهو الملف الذي لا يزال شائكاً وغامضاً إلى هذه الساعة. وفي مناطق متفرقة من القارة السمراء، فشل الفرنسيون في سياسة خارجية لم يكتب لها النجاح منذ عقود. وباتت باريس غريبة في محيط ظلت الى وقت قريب الآمر الناهي فيه. ومع تطور العلاقات الأفريقية الصينية والأفريقية الروسية، ها هي فرنسا تفشل مرة تلو أخرى في استخراج مناجم أو تشييد مشاريع هنا أو هناك. بعد ليبيا تورطت باريس في حماقات أخرى وظّفت لها آلة البطش العسكرية. ولولا تراجع المدّ الفرنكوفوني بسبب السياسة الخارجية الفرنسية، شأنه في ذلك شأن التراجع في المجال العسكري، لعانت القارة السمراء ما لا تطيق. وفيما ظل الفرنسيون يتحدثون عن تعاون عسكري مع مستعمراتهم السابقة ضمن شبكة من المعاهدات تنظم التعاون العسكري، وتعطي للقوات الفرنسية امتيازات واسعة تصل إلى حدّ استغلال قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية، فضلاً عن أنها تقرر إمكانية تدخل القوات الفرنسية لمواجهة أي خطر داخلي أو خارجي يهدد أمن هذه البلاد، وذلك بناءً على طلب من حكومات، إلا أن هذا الوجود العسكري الفرنسي أصبح اليوم مقتصراً على مئات من العسكريين في تشاد وساحل العاج. وشنّت فرنسا عدة عمليات كوماندوس فاشلة من أبرزها عملية لتحرير جرمانو، وهو رهينة فرنسي لقي حتفه في مالي العام الماضي بعد تدخل كوماندوس فرنسي بشكل متهور في وقت كان فيه خاطفوه يستعدون لتسليمه مقابل معتقلين في سجن جزائري. ويسعى الفرنسيون بشكل متهور إلى تحرير رهائنهم المنتشرين في أفريقيا مستخدمين الأسلحة، فيما ينجح أوروبيون في دفع الفدية كأسلوب أثبت نجاحه في موضوع الرهائن.

وباتت فرنسا عزيزة الأمس ذليلة في أفريقيا بعد عقود من الأمر والنهي بسبب سوء التسيير والتعالي حسب مراقبين. وأصبح الفرنسيون غير مرحّب بهم في بلدان ظلت إلى وقت قريب تعتبر باريس المثل الأعلى والقبلة التي يتوجهون إليها في كل مشاكلهم.

ويرى مراقبون أن فشل باريس في إعادة النظر في مستعمراتها السابقة كان الضربة القاضية التي أنهت الحلم الفرنسي الباحث عن المجد الضائع في بلاد أصبح أبناؤها مثقفين ومسيّسين وبشراً من نوع آخر، ليس كما كان عليه الوضع سابقاً أيام كانت باريس تنظر إلى الأفارقة كقطيع غنم، وهي اليوم تتعالى على بعضهم بالترسانة العسكرية، في وقت يخطب الصينيون فيه ودّ الأفارقة وكذلك يفعل الروس واليابانيون. ويتباكى الفرنسيون على غربة جديدة فرضتها عليهم سياسات حكوماتهم المتكررة، في وقت تتقوى فيه أفريقيا ببلدان أصبح لها وزنها، كما هي الحال في جنوب أفريقيا وغيرها، وتتراجع حدة الرغبة في المشروع الفرنكوفوني الذي يوجد اليوم في موقف لا يحسد عليه.

وكانت آخر الحماقات الفرنسية فشل كوماندوس فرنسي هذا الأسبوع في تحرير عميل الاستخبارات الفرنسي، دوني أليكس، المخطوف في الصومال. وأسفرت العملية عن مقتل ثمانية مدنيين، بينهم أمرأتان وطفلان، وقتل جندي فرنسي على الأقلّ وأسر آخر، في حين لا يزال الغموض يلف العملية الفاشلة التي ينتظر أن تعلن الحركة الصومالية قريباً بعضاً ممّا رفض الفرنسيّون البوح به.

قال الرئيس الافغاني حميد كرزاي الاثنين ان الوجهاء الافغان سيقررون بشان القضية المهمة المتعلقة بمنح جنود الاحتلال الاميركيين الذين سيبقون في البلاد بعد 2014 حصانة من المقاضاة. وكان الرئيس الاميركي باراك اوباما حذر الاسبوع الماضي من انه لن يبقي على اية قوات اميركية في افغانستان بعد انسحاب قوات الاحتلال الدولية التابعة لحلف الاطلسي في 2014 الا اذا تم منحهم حصانة من المقاضاة امام المحاكم الافغانية.

وصرح كرزاي في مؤتمر صحافي لدى عودته من واشنطن بعد اجراء محادثات مع اوباما الجمعة ان "الولايات المتحدة مصرة على طلب الحصانة لجنودها". وقال ان "الحكومة الافغانية لا يمكنها اتخاذ قرار بهذا الشان، فهذا القرار يعود الى الشعب الافغاني، واللويا جيرغا (مجلس الوجهاء) هو الذي سيقرر".

وقال اوباما الذي يعتزم سحب معظم قوات الاحتلال الاميركية في افغانستان وعددها 66 الف جندي، انه بعد 2014 ستتولى قوات اميركية مهمة "محدودة جدا" لتدريب القوات الافغانية ومنع عودة طالبان. الا انه قال ان على كرزاي قبول اتفاق امني تجري مناقشته يمنح جنود الاحتلال الاميركيين المتبقين في افغانستان الحصانة القضائية. وقال "لن يكون من الممكن بالنسبة لنا ان نبقي على اي نوع من التواجد للقوات الاميركية دون ضمانات بان نساءنا ورجالنا العاملين هناك لن يتعرضوا للمقاضاة في بلد اخر".

وقال كرزاي انه بعد 2014 ستتواجد القوات الاميركية في افغانستان "باعداد قليلة جدا مثل اعدادها في المانيا وتركيا وكوريا الجنوبية واليابان". واضاف ان تواجد تلك القوات سيستند الى اتفاق يمكن ان يستغرق التوصل اليه ثمانية الى تسعة اشهر، مضيفا ان الاقتراحات الاميركية لم يتم قبولها بعد.