
emamian
تأثير مواقع التواصل على البنية الثقافيّة للفرد
هناك ثلاثة مستويات بين الاستقلال والانغماس الثقافيّ للأفراد على الشبكة:
الأوَّل: هو الأقل حجمًا والأكثر فكرًا وثقافةً وسيبقى محافظًا على وضعه أو قد يزداد تألّقًا إذا ما انخرط في منصَّات ووسائل التواصل الاجتماعيّ، وهذه المجموعة هي الأكثر إنتاجيَّة في الواقع والأكثر تأثيرًا على الشبكة ويسمّون بالمؤثّرين حسب مايكل زوكربرغ في رسالته الشهيرة للعالم وقدَّرهم بـ «100 مليون شخص مؤثّر في مجموعات مؤثّرة أي 100 مليون ناشط ومُحرك يوجِّه سائر المجموعات على الشبكة»[1]، فيما البقيَّة هم من المتلقين والمتفاعلين غير المنتجين للمحتوى الرقميّ بطبيعة الحال.
الثاني: هو أقل من المستوى الأوَّل ثقافيًّا ولكنَّه الأكثر حجمًا وسيبقى متأرجحًا بين المستوى الأوَّل والتزوّد منه والانخراط مع المستوى الثالث والاندماج معه، لكن بشكل عام هذا المستوى متّجه نحو الأعلى على الرغم من حثيث سيره.
الثالث: هو الأعمّ الشائع المنغمس مع شبكات التواصل الاجتماعيّ ويسير مع كل ما يُطرح لكن من دون تأمّل وتفحّص ويمكن القول عنه أنَّه «يسير مع الهواء» وهو بشكل عامّ لا يبشر بخير ومتّجه نحو الأسفل مع شديد الأسف[2].
وقد رصد بعض الخبراء والباحثين آثارًا سلبيَّة لشبكات التواصل الاجتماعيّ والإنترنت على البنية الثقافيّة للفرد، نورد بعضًا منها:
1. تسطيح الثقافة: إذ يمتلك كلّ فرد معلومات طفيفة عن الموضوعات والظواهر المهمَّة وذلك بسبب كثرة عرض المعلومات التي تقلِّل من التركيز على مادَّة معيَّنة.
2. ذوبان الثقافات المحلّيَّة وسط بحر الثقافات العالميَّة: وبالتالي غلبة الثقافة الغربيَّة المستوردة ذات المحتوى الهائل في ظل قلَّة وندرة المحتوى العربيّ والإسلاميّ الرصين على الإنترنت ووسائل التواصل؛ وهو ما أثبته عدد من الدراسات لمؤسَّسة الفكر العربي التي نُشرت في التقارير الثقافيّة السنوية[3] وتحوِّل الثقافات المحليَّة إلى مجرد شعارات وقشور.
3. الاغتراب: هي الحالة التي يشعر بها الفرد أنَّه غريب وسط العالم. ثقافته المحليَّة قديمة وعاجزة عن مسايرة التطور.. والثقافة المستوردة مستعجلة وليس من السهولة تطبيقها في مجتمعه.
4. عجز وسائل التنشئة والتعليم القديمة: أي نكوصها أمام قوَّة تأثير وسائل التواصل الاجتماعيّ التي باتت تشكل 85% من ثقافة الطلبة.
5. تراجع مكانة العائلة: أضعفت شبكات التواصل الاجتماعيّ مكانة ومقدرة الأب والأم على التربية السلوكيَّة، بسبب فقدان السيادة على العائلة (الأولاد) التي أصبحت تُربَّى من قبل شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ؛ مع وجود استثناءات من دون شك.
6. كثرة الأفكار المطروحة: تجعل شبكات التواصل الاجتماعيّ قيمة الأفكار الجديدة معدومة أو ضئيلة، بمعنى أنَّ الفرد لا يجد حاجة للتفكير ما دام كلّ شيء قد تمَّ طرحه ونشره بغزارة لا توصف.
7. موت الايديولوجيا: لأنَّ الأفكار قد تلاقحت واختلطت وباتت العقول الإنسانيَّة رقميَّة لغةً وتفكيرًا وهي متقاربة إلى حدٍّ كبير، وبالمقابل تولَّدت ايديولوجيَّات أو قناعات هجينة جرَّاء تيَّار شبكات الإنترنت ومواقع التواصل مكانها، كما سنبيِّن في فقرة مستقلَّة.
8. مخاطر الانتشاريَّة: هو ما يصطلح عليه في الغرب (Proliferation) أو الانتشاريَّة التي تحقق للمنتّج الثقافيّ الوصول إلى ملايين المشتركين حتى من غير المتابعين وهو ما يثير الفضول (Curiosity) لدى الكثير منهم. وهنا لا بدَّ من التمييز بين عالمين يختلفان في التلقي أوَّلهما راسخٌ وله تقاليد قديمة في المتابعة (الغرب) والثاني لديه فوضى في التلقّي لم ترسّخها التقاليد المجتمعيَّة (الشرق)، والدليل أنَّ السويد مثلًا وبقيَّة الدول الاسكندنافية توزِّع أجهزة iPad على جميع المراحل الدراسيَّة وتدخلهم دورات في صناعة البرامجيَّات وتقيم لهم المعارض النصف سنويَّة لإبراز انتاجاتهم، في حين أن قياس الحصيلة في العالم العربي يعطي نتائج سلبيَّة على مستوى إنتاج المحتوى.
9. إضعاف الذاكرة المؤقَّتة: يؤدِّي التعرّض الدائم لمواقع التواصل الاجتماعيّ إلى ضعف في الذاكرة المؤقَّتة للإنسان «short-term memory»، فالتعرّض للكلام المستمر على الفيسبوك والتغريدات السريعة على تويتر يضعف من قدرة الدماغ على تخزين المعلومات، ولا يسمح لها بالراحة من أجل المواصلة على تخزين كمّ كبير من المعلومات، فبالإضافة إلى التأثير المباشر على الذاكرة المؤقتة، تمنع مواقع التواصل الاجتماعيّ كذلك العقل من الدخول في حالة «الراحة» أو «Down Time»، وهو الوقت الذي يستغلُّه الدماغ لنقل وتخزين المعلومات التي تعرض لها الفرد طوال اليوم، لذا يقول الأطبَّاء إنَّ التحديق من نافذة الحافلات في الشارع أكثر صحيَّة للدماغ من التحديق المستمر في شاشة المحمول.
10. جعل الفرد أكثر عرضة للضغط العصبيّ: تُعرِّض مواقع التواصل الاجتماعيّ الفرد لآراء آلاف وعشرات آلاف بل ربما لملايين البشر في اللحظة نفسها، فإذا قرَّرت شراء أي منتج معيَّن من الإنترنت، ربما لن يعجبك المنتج في البداية، إلَّا أنك وبعد أن تقرأ تعليقات مختلف المستخدمين على المنتج، يمكنك أن تغيّر رأيك بمنتهى السهولة، حيث جاءت إحدى الدراسات الاجتماعيّة بنتيجة مفاجئة، أنَّه يمكن لبضعة نقرات على زر الإعجاب في الفيسبوك أن يغير رأي الكثير من الأفراد، ولا يحتاج الأمر لآلاف من الأعداد، هذا أيضًا ما يفسِّر طريقة تعامل الجيل الحديث مع ما ينشرونه على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعيّ، فإن لم تأت صورة لهم بعدد معين من نقرات الإعجاب، فإنَّهم سيقومون بحذفها من الصفحة، والعكس صحيح.
11. إفساد التفكير النقديّ: تدفع مواقع التواصل الاجتماعيّ إلى إعادة التغريد، وإعادة النشر، والإعجاب بما يفعله مشاهير مواقع التواصل الاجتماعيّ، كما تدفعك بدون وعي إلى أن تتبنَّى رأيهم، فتقلِّل من التفكير الذاتيّ والتفكير النقديّ، وتجعلك وسيلة لإعادة النشر فحسب، كما لا تسمح لك بالتعبير المفتوح عن آرائك مع تحديد عدد الكلمات المسموح لك بنشرها، وهنا تختصر كلامك وتبسّطه ليصل إلى أبسط المستويات، ولا يكون في الواقع ما تريد حقًا أن تعبِّر عنه.
12. أوهام نمط الحياة المثاليَّة: لم تعد وسائل التواصل الاجتماعيّ مجرَّد وسيلة لمشاركة الأفكار والأفعال بين الأقران، لكنَّها أصبحت وسيلة لتأسيس سمات ومشاركات لأنماط الحياة، ومع ذلك، فهذا النمط من الحياة قد يكون مختلقًا وملفَّقًا في أوقات كثيرة، وهؤلاء الأشخاص الذين يتابعون مشاهير وسائل التواصل الاجتماعيّ يعتقدون بصدق أن هؤلاء الناس يعيشون حياة مثيرة لا تشوبها شائبة. وبدرجةٍ ما، فهؤلاء الذين شحذوا مشاعر نمط حياتهم المهنيَّة يبدو كأنَّهم اكتشفوا الأمر برمَّته وحقَّقوا الحريَّة المطلقة، لذا أصبحت حياتهم هي مهنتهم وكلّ ما يقومون به في حياتهم غرضه العرض، لكن لا شيء منه أصيل حقًا[4]. وبلا شك أنَّ وسائل التواصل الاجتماعيّ لها العديد من المميِّزات، إعلانات مجانيَّة وفرص لا نهائيَّة من التواصل خاصَّة مع الأصدقاء القدامى، لكن هناك جانب شرير تزداد خطورته عند البقاء «متّصلًا» طول الوقت، فوسائل التواصل الاجتماعيّ غيَّرت بشكل سلبي من نظرتنا لأنفسنا وللآخرين، والأمر يزداد سوءًا.
الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ، مركز الحرب الناعمة
[1] الترجمة الكاملة لمانيفيستو زوكربرغ..رؤية مؤسس فيسبوك، نشرت بتاريخ 21/2/2017، موقع ساسة بوست.
[2] مستقبل الثقافة والفكر في ظل هيمنة شبكات التواصل الاجتماعي، موقع النبأ، نشر الأحد 26 اذار 2018، رابط المقال : https://annabaa.org/arabic/informatics/14678
[3] التقرير العربي الرابع للتنمية الثقافية الصادر عام 2011 / الشباب العربي على الانتنرت مؤشرات ودلالات، ومشروع المحتوى الرقمي العربي
[4] كيف تؤثر السوشيال ميديا على تقديرنا لذواتنا؟، جينيفر بيتش، ترجمة حفصة جودة، نشر بتاريخ 22/5/2017 موقع نون بوست
السيد نصر الله: نكبة 15 ايار لم تكن نكبة فلسطين فقط بل نكبة كل العرب
استهل الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، كلمته في الاحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله عصر اليوم الجمعة بمناسبة الذكرى السنوية السادسة لاستشهاد القائد الجهادي الكبير، السيد مصطفى بدر الدين (ذو الفقار)، بتجديد تبريكاته وتعازيه لعائلة الشهيد، والترحييب بالأخوة والاخوات المشاركين في الاحتفال. وقال: الحمد لله وُفقنا هذا العام لاحياء ذكرى الأخ العزيز القائد الجهادي الشهيد مصطفى بدر الدين رضوان الله تعالى عليه.
وأضاف السيد نصر الله: "قبل أيام توفى الله تعالى أحد إخواننا سماحة الشيخ علي شحيمي وهو من إخواننا وأصدقائنا القدامى، وكان عالمًا مخلصًا وعاملًا ودودًا، دمث الأخلاق، يحمل روحًا استشهادية، وكان من الذين سجّلوا أسماءهم ضمن لوائح الاستشهاديين".
وتابع: "ونعزّي برحيل سماحة الشيخ علي شحرور وكان عاملًا جليلًا معروفًا وله تاريخ طويل في التبليغ الديني والمنبر الحسيني وفضله لا ينسى، كما نعزّي برحيل العالم المحقق المجاهد الشيخ حاتم اسماعيل".
ولفت سماحنه إلى أنه "خلال العامين الماضيين قضى الكثير من إخواننا وأخواتنا بسبب المرض وكورونا.. كل العائلات الكريمة تتوقع مني ذكر أسمائهم وأنا يشرّفني ذكر أسماء إخواني وأخواتي الذين يرحلون ويستشهدون أيضًا لكن اقتصرت هذه المرة على العلماء".
وتناول السيد نصر الله شخصية الشهيد القائد السيد ذو الفقار، معدّدًا مزاياه، وقال: "أصبح معروفًا من خلال كل التقارير الإضاءة على شخصية الشهيد القائد السيد بدر الدين والكثير من ملامح هذه الشخصية.. بعد شهادة القادة تُعلن أسماءهم الحقيقية وتنتشر صورهم وسيرهم ويبين حالهم للناس وأما الذين همّ على قيد الحياة، حالهم حال الوضع السابق".
وتابع: "الشهيد بدر الدين لديه شجاعة عالية وشهامة وهمّة كبيرة وإرادة وعزم وجدّية وغيرة وحماسة وذكاء وإبداع وبيان قوي وقدرة خطابية عالية، وكان شاعرًا ينظم القصائد للقدس وفلسطين والأئمة عليهم السلام..".
وأردف السيد نصر الله: "حمل الشهيد بدر الدين كلّ الأوسمة مجاهدًا وجريحًا، إلى أن استشهد وقضى عمره في مواجهة الصهاينة والتكفيريين.. الشهيد بدر الدين هو أحد رموز جيل بكامله، جيل مؤمن ومجاهد في لبنان والمنطقة، كما الحال بالنسبة لإخوة كثيرين مثل الشهيد القائد عماد مغنية، وهو الذي كان حاضرًا باسمه ذو الفقار في كل الساحات.. أي ساحة فلسطين ولبنان وسوريا".
وتطرق الأمين العام لحزب الله إلى ذكرى النكبة وقال: "لم تكن نكبة فلسطين فقط بل كانت نكبة كل العرب وهي حادثة لا تنتهي مصائبها ولا آلامها، منذ 74 سنة ما زالت هذه المنطقة وشعوبها يعانون من نتائج تلك النكبة التي أوجدها الكيان الصهيوني، والأهم الآن إزاء هذه النكبة هو موقف الشعب الفلسطيني خلال عقود وما يجري في الأسبايع الماضية و"سيف القدس".
وأكّد أنَّ الشعب الفلسطيني حسم خياره منذ وقت طويل وهو اليوم حاضر في الميادين والساحات، وقال: "أنا اعتقد أن إيمان الاغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني بخيار المقاومة الآن أقوى من أي زمن مضى، ولو قُدّر لهذا الاحتلال أن يستمر ولم تكن هناك مقاومة، ماذا يمكن أن يكون وضع لبنان خلال عشرات السنين الماضية وحاضر لبنان؟، أي نكبة يمكن أن يعيشها الشعب اللبناني؟
ورأى أنه "كما انتظر الشعب الفلسطيني والشعوب العربية من 1948 إلى 1967 إلى اليوم، كان المطلوب من الشعب اللبناني انتظار استراتيجية عربية موحدة من أجل تحرير لبنان من الاحتلال الصهيوني، وميزة جيل السيد مصطفى بدر الدين الذي لم ينتظر دولًا عربية ومنظمات إسلامية ومجتمعًا دوليًا ومجلس أمن دولي بل المقاومة في لبنان بدأت منذ الساعات الأولى للاجتياح.. من قلب المواجهة الأولى المباشرة مع العدو من الميدان خرجت المقاومة وحاربت العدو". لافتًا إلى أن عددًا من الذين قاتلوا في معركة خلدة، تولى المواقع القيادية والعسكرية الأساسية في المقاومة.
وقال السيد نصر الله: "لا يتوهمّن أحد أن العالم العربي قادر على حماية لبنان، فهو لم يستطع حماية فلسطين عندما كان موحدًا ومتماسكًا، وهو لم يستطع حتى الآن أن يحمي فلسطين ولم يحرر لبنان، ولم يساعد على تحريره.. الذي يحرر ويحمي هو شعبنا وإرادتنا ومقاومتنا ووعينا وثقتنا واتكالنا على الله وسواعدنا وهذا الجمهور الشريف والمبارك والمضحي".
وتناول السيد نصر الله في كلمته، اتفاقية 17 أيار/ مايو 1983 مع العدو الصهيوني، فلفت إلى أن الأغلبية الساحقة من النواب اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق وافقوا على هذه الاتفاقية، ما عدا نائبين اثنين هما زاهر الخطيب، ونجاح واكيم.
وأشار إلى أن اتفاقية 17 أيار كانت مدعومة من فريق لبناني طويل عريض ينادي اليوم بالسيادة!، إلا أنه "كان هناك رفض واسع من الشعب اللبناني ومن العلماء المسلمين ومن علمائنا، وسوريا كان لها موقف حاسم وإيران كذلك، وحصلت أحداث أدت فيما بعد الى اسقاطها". مؤكدًا أن المقاومة بكل فصائلها وقواها أسقطت اتفاقية 17 أيار.
وأضاف السيد نصر الله: "ماذا فعلت الدولة والسلطة لحماية لبنان في 17 أيار؟ ذهبوا إلى أسوأ خيار إلى التفاوض مع العدو، من موقع الضعف والاستسلام وفاوضوا ووقعوا اتفاقية مذلة للبنان تنتقص من سيادته وتنتقص من كرامته وحريته على أرضه".
وأوضح أنّ "السلطة التي كانت تدير هذه الدولة في الثمانينات، وقّعت اتفاقية 17 أيار.. الدولة عبارة عن مؤسسات وداخل الدولة هناك السلطة.. الدولة في الحقيقة هي الإطار الذي تتواجد فيه السلطة لإدارة البلد.. عندما تقول لي الدولة قل لي من هي السلطة التي تحكم الدولة؟".
وشدّد على أنَّ جيل الشهيد القائد مصطفى بدر الدين هو الذي أوصلنا إلى التحرير في عام 2000، وما ينعم به لبنان من سيادة وبركة وحرية هو ببركة هؤلاء الشهداء وهذه المقاومة.
وقال السيد نصر الله: إن "الشهيد بدر الدين كان المسؤول العسكري في مواجهة نيسان 1996 وأدار الكثير من العمليات النوعية والاستشهادية وفي مقدمها العملية النوعية في أنصارية.. المقاومة ساهمت في كشف وتفكيك الكثير من شبكات التجسس الصهيونية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، والسيد مصطفى بدر الدين كان مساهمًا إلى جانب الدولة في تفكيك الشبكات الصهيونية".
وأكَّد سماحته أنَّ الأجهزة الأمنية مصمّمة عى المضي في تفكيك شبكات التجسس، طالب كل القيادات بدعم هذا الاتجاه، كما طالب القضاء اللبناني بـ"حسم حقيقي لأنّ هناك قرارات صادمة للشعب اللبناني".
ولفت إلى أنه في ظل تصاعد قدرات المقاومة بات العدو "الإسرائيلي" محتاجًا للكثير من العملاء وبدأ التجنيد بطريقة غير متقنة وغير احترافية.
وأشار إلى أن الشهيد بدر الدين كان يدير المعركة في سوريا في المرحلة الأولى من داخل لبنان، ولكن عند اشتداد المرحلة أصبح يدير المعركة من الميدان في داخل سوريا".
وقال: "الأميركيون أنفسهم تفاجؤوا بدخول حزب الله في معركة القصير وأدت المعركة إلى تحولات استراتيجية في مسار الحرب... شبابنا واخواننا والجيش السوري ساهموا في تغيير الخط البياني للمعركة وبدأ التحول، ومعركة القصير هي التي أسّست لتحرير المناطق الحدودية..
وتابع السيد نصر الله: "في كل المعركة كان الشهيد بدر الدين قائدًا مركزيًا، وفي معركة السيارات المفخخة والذهاب إلى عقر دار الجماعات التي ترسل الانتحاريين كان السيد مصطفى بدر الدين القائد ورأس الحربة"، مؤكدًا أنه "بعد أربعين سنة خياراتنا وخيارات فريقنا السياسي هي التي انتصرت".
ولفت السيد نصرالله الى ان عملية انصارية كانت بقيادة مشتركة من الشهيدين القائدين مصطفى بدر الدين والحاج عماد مغنية، مشيراً الى ان ما ينعم به لبنان اليوم من امن وسيادة هو ببركة وفضل هذه المقاومة وهؤلاء الشهداء والمضحين، معتبراً ان جيل السيد ذو الفقار وعماد مغنية الذي التحق به اجيال هو الذي حمى لبنان الى اليوم، مشدداً على ان المقاومة ساهمت في كشف وتفكيك الكثير من شبكات التجسس الاسرائيلية بالتعاون مع الاجهزة الامنية، مطالباً كل القيادات والقوى السياسية في لبنان ان تدعم توجه القوى الامنية في تفكيك الشبكات التجسسية.
في المعركة الكونية على سوريا اكد السيد نصرالله ان القائد بدر الدين كان حاضرا، ومعركة القصير اسست لتحرير المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان، وفي معركة السيارات المفخخة والذهاب الى عمق الجماعات التي تفخخ وترسل السيارات كان السيد ذو الفقار هو القائد ورأس الحربة.
واعلن السيد نصرالله انه على مدى اربعين عاما كانت خياراتنا وخيارات فريقنا السياسي هي الصائبة وهي التي انتصرت، والذين ايدوا الجماعات المسلحة في سوريا ودعموها وارسلوا مقاتلين لم يكن لديهم جرأة الاعلان عن ذلك، مشيراً الى ان حزب الله من جملة القوى اللبنانية التي قدمت تضحيات جسام، ونحن ذاهبون في لبنان الى وضع فيه تحديات كبيرة جدا .
وتابع: الذين راهنوا على "إسرائيل" في الداخل اللبناني، والشريط الحدودي، وتحوّلوا إلى متاريس لحمايتها في المواقع الأمامية، هؤلاء ماذا حصّلوا غير الذلّ والهزيمة والفرار.. وفريق ثان انتظر الاستراتيجية العربية ولم يحصل على شيء.. فريق آخر هو المقاومة المنطلقة من إرادة الشعب اللبناني هو الذي انتصر.
وأردف: "للأسف الشديد بعد 40 عامًا ما زال هذا الانقسام حول الخيارات قائمًا لكن أقول بكل اعتزاز إن خياراتنا وخيارات فريقنا السياسي هي الصائبة وهي التي انتصرت".
وفي موضوع سوريا، قال السيد نصر الله: "كان هناك خيارات أيضًا، وهناك من وقف على التل؛ تصوّروا لو أنّ الحرب الكونية في سوريا انتصرت؟ هذا النزاع ما زال قائمًا.. نحن من جملة القوى اللبنانية التي قدّمت تضحيات جسام وعددًا كبيرًا من القادة الشهداء وآلاف الجرحى والآلاف من إخواننا دخلوا إلى السجون من أجل كرامة هذا البلد وعزته".
وخاطب سماحته أولائك الذين يناقشون بالانتماءات الوطنية بالقول: "نحن أكثر المعنيين بالحفاظ على البلد وهويته.."، لافتًا إلى أن الإنقسام في لبنان ما زال موجودًا، وهو اليوم انقسام حاد وبالتالي هناك تحديات كبيرة.. نحن ولدنا هنا وندفن هنا ولا يتوقعنّ أحد أننا سنضعف أو نتخلى عن بلدنا الذي دفعنا من أجله كل هذا الدم الغالي..".
ولفت سماحته إلى أننا "اليوم في لبنان أمام تحديات كبيرة وخطيرة جدًا.. مؤسسة الكهرباء تقول البلد إلى عتمة شاملة، وطحين لا يوجد، والدولار إلى ارتفاع، فقد وصل إلى حدود 31 ألف ليرة، وأدوية السرطان غير موجودة، وممكن أن تصل تنكة المازوت إلى المليون ليرة". مشدّدًا على أن التحدي الداهم هو الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وأزمة الخبز والدواء والكهرباء، وليس سلاح المقاومة.
وأضاف قائلًا: "إن أكثر من يعرف الفريق الذي ندعوه للشراكة اليوم هم الأميركيون، ومنهم ديفيد شينكر الذي وصفهم بأنهم شخصانيون، ولا يهمهم مصلحة البلد، بل همهم مصلحتهم الشخصية فهذا توصيفهم من العارف بهم".
وقال: "استمعت خلال اليومين الماضيين لبعض الخبراء الاقتصاديين العالميين يقولون إن 64 دولة متجهة إلى الانهيار من بينها لبنان ومن بينها دول مطبّعة مع "إسرائيل".. إحدى هذه الدول المطبّعة مع "إسرائيل" بدأت ببيع ممتلكات الدولة وأصولها.. هذا يتطلب حركة طوارئ للمجلس النيابي والحكومة الجديدة التي ستتشكل فهذه هي الأولويات".
وأكّد السيد نصر الله موضوع الانفتاح شرقًا وغربًا وعدم الخضوع لرضا وغضب أميركا وضرورة ترتيب وإعادة العلاقات مع سوريا بسرعة.. موضحًا ان أكثر بلد يمكن أن يستفيد من ترتيب العلاقات مع سوريا هو لبنان.
وخاطب سماحته اللبنانيين والقادة السياسيين والنخب في لبنان قائلًا: "لا يوجد ترف الوقت ونحن أمام استحقاقات داهمة وصادمة وخطيرة.. استخراج النفظ هو باب الأمل الأساسي للخروج من أزمتنا لا التسول وقروض البنك الدولي.. فلتباشروا بالعمل على البلوكات التي وافقتم كدولة عليها والزمتموها للشركات ونحن سنتابع هذا الموضوع..
وختم السيد نصر الله كلمته مؤكدًا جدية العمل على استخراج النفط والغاز خصوصًا في البلوكات الجنوبية.. معتبرًا ان "أوضح السبل وأهمها وأشرفها وأكرمها أن نمد يدنا إلى الكنز في بحرنا".
الرئيس التونسي يستبعد الأحزاب من لجنة مكلفة بصياغة دستور جديد
قالت الرئاسة التونسية يوم الجمعة إن الرئيس قيس سعيد كلف استاذ القانون الصادق بلعيد برئاسة لجنة استشارية مكلفة بصياغة مشروع دستور جديد لتونس لتأسيس "جمهورية جديدة" مستبعدا الأحزاب السياسية من إعادة هيكلة النظام السياسي.
وعزز سعيد حكم الرجل الواحد منذ سيطرته في الصيف الماضي على السلطة التنفيذية وحله البرلمان ليحكم بمراسيم في خطوات وصفها معارضوه بأنها انقلاب.
وقال سعيد بعد ذلك إنه سيستبدل دستور 2014 الديمقراطي بدستور جديد من خلال استفتاء في 25 يوليو تموز وإجراء انتخابات برلمانية جديدة في ديسمبر كانون الأول.
وتتكون اللجنة التي يرأسها أستاذ القانون صادق بلعيد من عمداء القانون والعلوم السياسية. وقالت الجريدة الرسمية إنه يتعين علي اللجنة تقديم تقريرها في 20 يونيو حزيران إلى رئيس البلاد.
وبالتوازي مع ذلك تم تشكيل لجنة أخرى تضم ست مؤسسات عامة من بينها الاتحاد العام التونسي للشغل القوي لتقديم مقترحات للإصلاحات. ولا تضم هذه اللجنة أيضا أي حزب سياسي.
وفي أول رد فعل على تعيين الرئيس هيئة استشارية لإعداد دستور جديد واقتراح إصلاحات اقتصادية وسياسية قال الاتحاد العام التونسي للشغل إنه يرفض المقترحات.
ويتهم المعارضون الرئيس التونسي بمحاولة تعزيز حكم الرجل الواحد كما واجهت اجراءاته انتقادات في الخارج أيضا. ويرفض سعيد هذه الاتهامات ويقول إنه ليس ديكتاتورا وإنه يريد تغيير تونس بعد "عقد من الخراب".
ودعت دول غربية إلى إجراء حوار تشارك فيه النقابات والأحزاب السياسية والمجتمع المدني لإعادة تونس إلى المسار الديمقراطي لمساعدتها ماليا مع معاناتها من أسوأ أزماتها المالية.
وتسارعت وتيرة تعزيز سعيد لسلطته هذا العام بعد حله المجلس الأعلى للقضاء وتهديده بفرض قيود على جماعات المجتمع المدني مما أعطى الرجل البالغ من العمر 64 عاما سيطرة شبه كاملة.
وعين سعيد أيضا هذا الشهر هيئة انتخابات جديدة مسيطرا على واحدة من آخر الهيئات المستقلة في تونس ومثيرا شكوكا بشأن نزاهة الانتخابات.
المصدر:رویترز
6 روايات إسرائيلية لاغتيال أبو عاقلة.. تزايد الضغوط على الاحتلال لكشف الملابسات وفلسطين تتهم إسرائيل بالتهرب
وقفة احتجاجية أمام القنصلية الإسرائيلية في إسطنبول تضامنا في أبو عاقلة
وصفت منظمة العفو الدولية قرار إسرائيل عدم التحقيق في اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة بأنه انتهاك للقانون الدولي، في حين بحث وزيرا الدفاع الأميركي والإسرائيلي ملف أبو عاقلة، وسط دعوات لإجراء تحقيق شفاف، ولا سيما في ظل 6 روايات لجيش الاحتلال.
وأشارت المنظمة الدولية إلى أن امتناع الاحتلال عن التحقيق في مقتل أبو عاقلة انتهاك إضافي لحق شيرين في الحياة، كما وصفت القرار الإسرائيلي بأنه انتهاك واضح لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي.
وكانت وكالة "أسوشيتد برس" (Associated Press) نقلت عن مصدر عسكري أن الجيش الإسرائيلي حدّد البندقية التي يحتمل أن تكون قد أطلقت منها الرصاصة التي قتلت مراسلة الجزيرة، الزميلة شيرين أبو عاقلة.
ولكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي قال إنه لا مجال في الوقت الراهن لفتح تحقيق بشأن ظروف مقتل أبو عاقلة.
وقال مراسل الجزيرة إن تحقيق النيابة العامة ومعهد الطب العدلي الفلسطيني كشف أن الرصاصة التي قتلت الزميلة أبو عاقلة تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي فقط.
وأظهرت مقاطع فيديو ما يؤكد شهادة الزميل مجاهد السعدي الذي كان أحد المرافقين للزميلة شيرين أبو عاقلة.
وكان السعدي قد تحدث عن استهداف قوات الاحتلال المتعمّد لفريق الصحفيين، الأمر الذي أدى إلى اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة، ولم يكن هناك في التسجيل أي مظاهر لاشتباكات في حين كان فريق الصحفيين يسير بشكل اعتيادي.
من جهته، قال أحمد الديك المستشار السياسي لوزير الخارجية الفلسطيني إن إسرائيل تحاول التهرب من تحمل المسؤولية عن إعدام الشهيدة شرين أبو عاقلة، وقال الديك -في مقابلة سابقة مع الجزيرة- إن السلطة الفلسطينية لن تسلّم جيش الاحتلال أي دليل يتعلق بإثبات أنهم ارتكبوا هذه الجريمة البشعة، حسب وصفه.
وتساءلت بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة في تغريدة على تويتر عن من سيحاسَب على مقتل شيرين أبو عاقلة مع قرار الجيش الإسرائيلي عدم التحقيق في مقتلها.
مواقف دولية
في السياق، وقع 56 نائبا في مجلس النواب الأميركي رسالة تطالب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) بإجراء تحقيق في مقتل أبو عاقلة.
من جهته قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي إن اللقاء بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره الإسرائيلي بيني غانتس تطرق إلى مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة.
وأضاف كيربي ردا على سؤال لمراسل شبكة الجزيرة أن أوستن رحب بإعلان إسرائيل نيتها إجراء التحقيق، مشيرا إلى أن واشنطن تريد أن يكون هذا التحقيق شاملا وشفافا.
من جهتها، أيدت الصين إجراء تحقيق شامل وشفاف في قضية اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة على يد جنود الاحتلال الإسرائيلي. وفي رده على سؤال الجزيرة عن موقف الصين من إعلان الجيش الإسرائيلي رفضه إجراء التحقيق، قال المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ وِن بين إن بلاده تأمل أن يكون التعامل مع الحادثة عادلا ومنصفا.
بدوره، أكد ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن المنظمة الدولية لا تزال تدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وشفاف في مقتل مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، وذلك عقب إعلان الشرطة العسكرية الإسرائيلية عدم فتح تحقيق جنائي في مقتلها.
وأوضح دوجاريك أن الأمانة العامة للأمم المتحدة تحتاج تقليديا إلى تفويض من هيئة تشريعية أممية كي تشارك في أي تحقيق بشأن الحادثة.
من جهته، قال الرئيس السابق للاتحاد الدولي للصحفيين فيليب لوروث إن القوات الإسرائيلية اغتالت مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة لأنها كانت صحفية شاهدة على أحداث أرادت كشفها للعالم.
وأضاف أن إسرائيل تروّج لنفسها على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، لكن قتل الصحفيين هو أخطر انتهاك لمبادئ الديمقراطية.
روايات إسرائيلية
تعددت روايات جيش الاحتلال الإسرائيلي بخصوص اغتيال الزميلة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، خصوصا في اليوم الأول للاغتيال؛ إذ صدرت 6 روايات إسرائيلية.
الرواية الأولى
في 11 مايو/أيار (يوم اغتيال أبو عاقلة) جاءت الرواية الأولى التي نقلتها وسائل إعلام ومواقع إسرائيلية، ونسبتها لمصدر عسكري، بأن الجيش "حيّدَ إرهابيين في مخيم جنين"، لكنها سارعت إلى شطبها من مواقعها، بعد أن تبيّن أن صحفيين أصيبا، هما علي السمودي الذي أصيب بجراح، و شيرين أبو عاقلة التي قتلت بهذه النيران.
الرواية الثانية
وفي اليوم ذاته أشارت رواية للجيش الإسرائيلي إلى أن التقديرات الأولية، خلافا لما ينشر في وسائل الإعلام العربية، هي أن مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة قتلت نتيجة نيران مسلحين فلسطينيين في مخيم جنين أثناء تغطيتها الإخبارية.
الرواية الثالثة
وفي وقت لاحق من اليوم ذاته جاءت الراوية الثالثة على لسان رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي الذي قال إنه في هذه المرحلة لا يمكن تحديد مصدر إطلاق النار عليها، وإن فريقا خاصا شُكّل لتوضيح الحقائق وتقديمها كاملة، وفي أسرع وقت ممكن.
الرواية الرابعة
وفي اليوم نفسه أيضا أفادت الرواية الرابعة للجيش الإسرائيلي بأنه باشر بالتحقيق، وشكّل فريقا مهنيا لبحث ظروف مقتل شيرين أبو عاقلة، وسيصل إلى الحقيقة.
الرواية الخامسة
وفي 15 مايو/أيار كشف في الرواية الخامسة مسؤول إسرائيلي أن جنديا إسرائيليا كان يحمل بندقية مجهزة بعدسة تلسكوبية أطلق النار على بعد نحو 190 مترا من الزميلة أبو عاقلة، وقد يكون هو من أصابها.
الرواية السادسة
وأمس الخميس أعلن الجيش الإسرائيلي رفضه فتح تحقيق جنائي في ظروف اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة.
المصدر : الجزيرة + وكالات
هل أنت مقتنع بإختياراتك؟
د. فوزية الدريع
قف لمدة دقيقة.. نعم، دقيقة واحدة، لا أكثر، واسأل نفسك هذا السؤال المهم: في هذا الأمر الذي أريد شراءه أو اتباعه أو قوله، هل أنا فعلاً مقتنع بذلك؟ الإجابة قد تُنقذ حياتك، أو على أقل تقدير تُقلل الخطأ في حياتك. والدراسات العلمية الجديدة والقديمة تؤكد لنا أن كثيراً من الأمور التي نقوم بها هي ليست ناجمة عن قناعة شخصية، لكنها بفعل غسل دماغ أجري لنا. ويأتي السؤال المهم، مَن الذي أجرى لنا غسل الدماغ هذا؟ الإجابة باختصار: كل الدنيا، وكل ما حولنا ومَن حولنا، بشكل مُتعمّد أو غير متعمّد. إنّ الأمر كله يعود إلى حقيقة، هي قابلية دماغنا في أن يُصدّق ما يُقال له. لو فكرنا بتلقائيّة لوجدنا، على سبيل المثال، أنّ الطفل يُخزن في دماغه كل الذي يتعلمه منذ ولادته. ومَن يقوم بتزويده بهذه المعلومات؟ نحنُ وكل الذين حوله. ولكننا حين نكبر ويصبح لدينا فعلياً قرار، فإننا في معظم الأحيان نقول "نعم" أو نقول "لا". لكن، علميّاً، ثبت أن مسألة التفكير والإرادة ليست حقيقة بهذه القوة، وأن معظمنا يقول "نعم" وينساق لا شعورياً إلى ما يُقال، خاصة إلى أعيد عليه ما يُقال له. أوَلم يقولوا: "كثر الدّق يفك اللحام"؟ في تجربة قديمة جدّاً، قام رجل أميركي له هوَس بتجارب التجابات الإعلانات والشراء على مُخّنا، في عام 1960، واسمه Vicary، بشراء وقت في السينما، فكان يأخذ نحو خمس ثوانٍ بين استراحات عديدة خلال عرض الفيلم، يعرض من خلالها دعاية لأحد المشروبات الغازية ودعاية "البوب كورن". ووجد أنّه خلال أيام ازداد بيع المشروب الغازي في صالة السينما إلى قُرابة 29%، وازداد بيع "البوب كورن" بمعدّل 60%. إذن، كل الحكاية أنّ المخ، في اعتقادي، يحاول جاهداً الانسياق، ويكون له رأيه. لكن تكرار أي كلمات عليه يجعله يخضع وينصاع، حتى لو كان الأمر لغير مصلحته. بالطبع، كلنا الآن ندرك أنّ الدعايات تؤثر فينا، ولولا هذا الأمر لَمَا صرفت الشركات الملايين على الدعايات. لكن الأمر في مسألة غسل الدماغ يتعدّى مسألة الدعايات. فحياتنا كلها فيها أشخاص يكررون علينا أمراً قد لا يكون لمصلحتنا، بل قد يكون مضرّاً لنا، لكننا نستسلم له. كم طفلاً جلس وهو ناضج على الكرسي في عيادتي، مُحطّماً، فاقداً الشخصية المتزنة، فاقداً القدرة على الوصول إلى حقيقته.. والسبب، أنّ هناك تكرار غسل دماغ حصل له من قِبَل أحد والديه أو كليهما، بأن يكرّرا عليه كلمة: "غبي" أو "مُتعِب"، أو "لا يفهم". وحين أرى الحقيقة أجدها عكس ذلك. أي أجد أمامي شخصاً ذكياً. ولكن كل الذي حصل مع هذا الطفل هو عملية غسل دماغ طويلة. لكن هناك ناضجين قد يتعرضون لحالة غسل الدماغ، على الرغم من مشوار النضج والثقة، مثل زوجة يُكرّر عليها زوجها أنها غير جميلة، أو غير مدبِّرة، حتى تصل بعد مقاومة إلى الاقتناع بذلك، أو موظفة يوصل لها رئيسها رسالة بأنها غبية، وقد يكون غسل الدماغ في الاتجاه المعاكس، أي أن نجد شخصاً يقول له أصدقاؤه إنّه عظيم، فيُصدّق ذلك. ولذلك، قِف أمام ما يُملى عليك من وسائل الإعلام ومن الأصدقاء، ومن الأقرباء، وفكر: هل استطاعوا بهذا التكرار زرع قناعة داخلك أنت لا تريدها؟
المصدر:البلاغ
ما الذي يستنزف طاقاتك؟
الافتقار إلى النوم ليس السبب الوحيد لذلك الإحساس بالتعب والخمول الذي يعانيه الكثيرون، خاصة في فصل الشتاء.
أسباب تراجُع مستويات الطاقة لدينا كثيرة وتختلف باختلاف الأشخاص وأنماط حياتهم. فهناك مَن يتبع نظاماً غذائياً صحياً غنياً بالفيتامينات، خاصة فيتامين (C) المعروف بقدرته على تعزيز الطاقة والنشاط، وعلى الرغم من ذلك يسيطر عليه شعور بالخمول والتعب. وهناك مَن يحصل على قدر وافر من ساعات النوم، لكنه لا يتمتع بالنشاط والحيوية. ما الأسباب الرئيسية وراء استنزاف طاقاتنا، وكيف السبيل إلى تبديد الخمول ورفع مستويات الطاقة والنشاط.
1- وجبة الإفطار: يؤدي تفويت وجبة الصباح إلى تباطؤ عملية الأيض وحرمان الجسم من الوقود الذي يحتاج إليه للقيام بوظائفه بشكل جيد. تقول اختصاصية التغذية الأميركية جوي باور، إن تأثير نوعية الطعام الذي نتناوله صباحاً في طاقتنا، لا يقل أهمية عن تأثير تفويت الوجبة أو تناولها. فالكربوهيدرات المصنّعة التي نأكلها في المعجنات مثلاً (الكرواسان، المافينز) تحث الدماغ على إفراز السروتونين، وهي ناقلات عصبية تجعلنا نشعر بالارتياح والاسترخاء، في الوقت الذي نكون فيه في أمس الحاجة إلى التيقُّظ والاندفاع. فضلاً عن ذلك فإن الجسم يهضم هذه الكربوهيدرات المصنّعة بسرعة، ما يؤدي إلى ارتفاع كبير في مستويات سكر الدم، يليه انخفاض سريع مماثل، ما يؤدّي إلى هبوط حاد في مستويات الطاقة لدينا.
- الحل: يجب أن نبدأ يومنا بتناول وجبة إفطار تحتوي على 5 غرامات من البروتين على الأقل. فالبروتين يحث الجسم على إفراد نوريبينفرين، وهي مادة كيميائية تنشط إيقاع نبض القلب وتعزز درجة التيقُّظ. وخلافاً للكربوهيدرات، فإن هضم البروتين يتم ببطء، ما يساعد على استقرار مستويات سكر الدم الكاملة (3 غرامات من الألياف الغذائية، و120 وحدة حرارية) مع الحليب منزوع الدسم ونصف كوب من ثمار العلّيق، وملعقة طعام من الجوز المقطع (تحتوي كل حصة منها على 10 غرامات من البروتين). ويمكن للأشخاص الذين يفضّلون تناول الأطعمة المالحة، أن يختاروا طبقاً من العجّة المؤلفة من بياض 4 بيضات، نصف كوب من البروكولي المقطع، ربع كوب من البصل المقطع، 30 غراماً من الجبن المبشور خفيف الدسم (تحتوي كل حصة على 22 غراماً من البروتين).
2- ملابس العمل: الملابس الضيقة والأحذية ذات الكعوب العالية التي ترتديها النساء في المكتب أثناء العمل، تؤثر سلباً في مستويات الطاقة لديهنّ. وكانت الدراسات التي أجرتها الرابطة الأميركية للنشاط البدني في سان دييغو، قد أظهرت أن عدد الخطوات الذي تمشيه النساء يومياً، ينخفض بمعدل 490 خطوة في الأيام التي ترتدي فيها ملابس سميكة، مقارنة بالأيام التي تختار فيها ملابس عادية مريحة. ويعلق الاختصاصي الأميركي البروفيسور سيدريك براينت، فيقول إنه مع تراجع مستوى النشاط البدني الذي تقوم به النساء، تنخفض مستويات الطاقة لديهنّ. والجلوس خلف المكتب طوال النهار يؤدي إلى تباطؤ الدورة الدموية، ما يخفف من كمية الأوكسجين المنشط الذي يصل إلى مختلف خلايا الجسم.
- الحل: يجب اختيار الملابس التي تسمح لنا بالحركة، والأحذية المريحة التي تزيد من احتمال إقدامنا على المشي، خلال النهار، أما إذا تعذّر ذلك، فيمكننا الاحتفاظ بحذاء خفيف في المكتب ننتعله في فترة الغداء ونخرج في نزهة سيراً على الأقدام.
3- الفوضى التي تعم المكتب: إنّ البحث في أكوام غير مرتبة من الأوراق والملفات على المكتب، أمر يستنزف الوقت والطاقة في حدِّ ذاته، غير أن مجرد النظر إلى هذه الأكوام، يمكن أن يُسبِّب التوتر، تقول البروفيسورة كارول لاندو، أستاذة علم النفس العيادي في كلية براون الأميركية للطب، إن النظر إلى الأشياء التي تعمُّها الفوضى، لا يؤدي إلى التوتر فحسب، بل إنه يُسبِّب تراجعاً في مستويات الأداء والفاعلية، كما يستنزف طاقات الدماغ.
- الحل: قليل من الفوضى أمر مقبول، لكن يجب الحرص على ترتيب المكتب، بحيث لا تتراكم عليه أشياء لا نستخدمها. تقول الاختصاصية الأميركية لورا ستاك، إننا يجب ألّا نضع على مكاتبنا إلّا الأشياء التي نستخدمها باستمرار. أما الأشياء الأخرى، فيجب أن نضعها داخل الأدراج. وللحفاظ على ترتيب المكتب، يمكن تخصيص 5 دقائق عند نهاية كل يوم عمل، لوضع الوثائق التي يتم العمل عليها في ملف خاص، وترتيب الوثائق الأخرى المنجَزَة في أمكنتها. يقول الاختصاصي الأميركي البروفيسور ستيفن بيرغلاس، إنّ تحضير المكتب لاستقبال اليوم التالي، يمنحنا شعوراً بإنجاز العمل وإتمامه، ما يؤدّي فوراً إلى تخفيف التوتر الذي يؤثر سلباً في مستويات الطاقة.
4- عادة احتساء القهوة: إن احتساء فنجان من القهوة في الساعة الثالثة بعد الظهر، يساعد على تنشيطنا في فترة بعد الظهر، غير أن تأثيره يستمر للأسف، حتى أثناء الليل. تقول باور، إن الكافيين يمكن أن يبقَى في الجسم مدة تصل إلى أكثر من 8 ساعات. وهذا يعني أن تناول القهوة في وقت متأخر بعد الظهر، يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في النوم، ما يحرمنا من الراحة الضرورية للتمتع بالنشاط في اليوم التالي.
- الحل: يجب حصر استهلاكنا القهوة في فنجانين أو ثلاثة فناجين يومياً (تحتوي على ما يتراوح بين 200 و300 ملغ من الكافيين)، مع الحرص على تناول الفنجان الأخير قبل 8 ساعات من موعد النوم. وفي حالة الإحساس بالخمول في فترة بعد الظهر، يمكن الاستعاضة عن القوة بوجبة خفيفة غنية بالبروتين، مثل حفنة من اللوز.
5- التوتر والقلق: تقول الدكتورة نيسا غولدبيرغ، مديرة المركز الطبي الخاص بصحة القلب، التابع لجامعة نيويورك، إن التوتر المزمن يزيد من سرعة نبض القلب ويرفع ضغط الدم، ما يجبر الجسم على بذل مجهود إضافي لأداء وظائفه. إضافة إلى ذلك، فإن التوتر والقلق يجعلاننا نميل إلى شد عضلاتنا، ما يُسبِّب آلاماً وتعباً. كذلك فإن الأشخاص القلقين، غالباً ما يتنفسون بشكل سطحي، فلا يحصلون على كمية كافية من الأوكسجين. وتُعلّق غولدبيرغ قائلة، إن هذا التنفس السطحي يزيد من تراكُم ثاني أوكسيد الكربون في الدم، ما يجعلنا نشعر بالتعب والترنّح.
- الحل: أفضل ما يمكننا أن نقوم به عندما نشعر بالقلق، التنفس بعمق وببطء ثلاث مرات، فمن شأن ذلك أن يمنح الجسم جرعة كبيرة من الأوكسجين المنشط، ويسهم في إبطاء نبض القلب السريع. وما إن يتوافر لدينا بعض الوقت، علينا القيام بنشاط مريح يخفف من تأثير الضغوط مثل مشاهدة فيلم فكاهي، أو الخروج مع الأصدقاء.
6- تأخير موعد الاستيقاظ في عطلة نهاية الأسبوع: إنّ الإفراط في النوم خلال عطلة نهاية الأسبوع كتعويض عن ساعات النوم الضائعة خلال أيام الأسبوع، ليس بالأمر المفيد للصحة. وتعلق اختصاصية النوم الأميركية البروفيسورة آمي ولفسون، فتقول إن ذلك يؤدي إلى اضطرابات في إيقاع ساعة الجسم البيولوجية التي تتحكم في دورة النوم واليقظة. كذلك فإن النوم لساعة متأخرة صباحاً، سيؤدي بالضرورة إلى النوم في ساعة متآخرة ليلاً، ما يزيد من صعوبة التأقلم من جديد مع روتين العمل الأسبوعي.
- الحل: يجب الحرص على عدم تأخير موعد النوم المعتاد لأكثر من ساعة خلال عطلة نهاية الأسبوع. كذلك فإن النوم مدة ساعة إضافية يؤدي إلى اضطراب الإيقاعات البيولوجية. وفي حال استمرار الشعور بالترنح صباحاً بعد رنين جرس المنبه، يجب فتح ستائر غرفة النوم، فضوء الشمس يبعث برسائل إلى الدماغ يعلن له فيها أن وقت الاستيقاظ قد حان.
7- الافتقار إلى فيتامين (C): الكثيرون منا لا يحصلون على ما يكفي من فيتامين C، والمعروف أن انخفاض مستويات هذا الفيتامين يؤدي إلى الخمول. أما سبب ذلك فيعود إلى أن فيتامين C يساعد الجسم على إنتاج الكارنيتين، وهي جزئية تحمل الأحماض الدهنية إلى داخل الخلايا، حيث يتم حرقها لإنتاج الطاقة. تقول البروفيسورة كارول جونستون، أستاذة علوم التغذية في جامعة أريزونا الأميركية، إن نقص الكارنيتين يجبر الجسم على استخدام الكربوهيدرات أو البروتين كبدائل لإنتاج الطاقة. ويمكن لهذا يُسبِّب إفراز الجسم حامض اللاكتيك، وهو مادة لا فائدة لها، تتراكم في الأنسجة وتُضعف العضلات.
- الحل: يجب الحصول على الكمية المنصوح بتناولها يومياً من هذا الفيتامين، وهي 75 ملغ، وذلك عن طريق تناول المنتجات الطبيعية الغنية به مثل البرتقال والكيوي (تحتوي كل ثمرة منهما على 70 ملغ)، البروكولي (يحتوي فنجان من البروكولي المقطع على 74 ملغ)، أو الفراولة (يحتوي الفنجان من الفراولة على 89 ملغ).
فيض الرّحمة الإلهيّة
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأنعام/ 54). وقال تعالى: (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَالْمُحْسِنِينَ) (الأعراف/ 56).
يريد الله تعالى في هاتين الآيتين، أن يؤكّد أنّ العنوان الأساس الذي ينبغي أن يتصوّر الإنسان به ربَّه هو عنوان الرّحمة، فهو الرّحمن الرّحيم الذي كان الوجود كلّه مظهراً من مظاهر رحمته، ليشعر الإنسان ـ دائماً ـ بقربه من الله، من خلال حركة الرّحمة التي وسعت كلّ شيء، وبأنّ رحمة الله قريبةٌ من جراحه لتضمّدها، ومن آلامه لتخفّفها، ومن همومه لتكشفها، ومن جوعه لتُشبعه، ومن عطشه لترويه، ومن ذنوبه لتغفرها، ومن طموحاته لتحقّقها، ومن خطواته لتسدّدها، ومن مسيرته لتصوّبها، ومن كلّ مصيره لتفتحه على مواقع الرّضوان في الدُّنيا والآخرة.
وهكذا تقترب رحمة الله من صلاة الإنسان لترفعها، ومن دعائه لتسمعه وتجيبه، ومن عمله لتتقبّله، بما يشعر معه الإنسان بأنّه لا يستقلّ بعملٍ من دون رحمة الله تعالى، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أما إنّه لا ينجي إلّا عملٌ مع رحمة». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما خلق الله من شيء إلّا وقد خلق له ما يغلبه، وخلق رحمته تغلبُ غضبه»
وهكذا كانت الرّحمة هي العنوان الّذي أراده الله تعالى لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال عزّ وجلّ: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 128)، وهو الّذي امتدَّت رحمته لتتوجّه إلى الإنسان كلّه، فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/ 107).
وهكذا نستوحي من كلّ ذلك، أنّ على المسلم أن يعيش أفق الرّحمة في حياته للنّاس من حوله، وهي التي تمثّل الوصيّة التي يتواصى بها المجتمع الإسلامي، وهذا ما نقرأه في قوله تعالى: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (البلد/ 17). وهو ما أكّده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لمّا قال له رجل: أحبّ أن يرحمني ربّي، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «ارحم نفسك وارحم خلق الله يرحمْك الله». وعن الإمام عليّ (عليه السلام): «من لم يرحم الناس، منعه الله رحمته».
وهكذا ينطلق الإنسان المسلم في حياته بالرّحمة، ويتحرّك معها بالحكمة التي تضع الرّحمة في مواضعها؛ لأنّ في الناس من يضرّهم اللّين، فتكون الرّحمة بهم أن نقسو عليهم ليستقيموا، وأن نشتدّ عليهم ليرجعوا، وهذا ما أشار إليه الإمام عليّ (عليه السلام) بقوله: «رحمة من لا يرحم تمنع الرّحمة، واستبقاء من لا يُبقي يُهلك الأمّة».
أهمية العدل في بناء المجتمع المسلم
د. محمد نجيب أحمد
◄إمتاز القرآن الكريم في تربيته للمجتمع بأنّه منهج عملي وواقعي، يواجه الحياة بما يصلحها ويقومها، ويمدها بعناصر القوة والبقاء، فعاش هذا المنهج في مكة يربي صحابة رسول الله (ص) على الإيمان والثبات والصبر والأخلاق الطاهرة... إلخ، ولم تكن للثلة المؤمنة من دولة وحماية تحميهم، فأنتقلوا بالهجرة إلى يثرب، حتى تكون من هذا المجتمع دولة سارت على درب النور الإلهي، وكان لابدّ لهذا المجتمع الجديد من مبادئ ثابتة، يسير على خطاها أفراد المجتمع في حياتهم، ومن ضمن هذه المبادئ والدعائم العدل، الذي كان له الدور الهام في بناء هذا المجتمع الفتي.
إنّ المتتبع لآيات الله في كتابه، يرى أنّ الله سبحانه وتعالى أمر بالعدل في آيات كثيرة، وذلك لما فيه من أهمية عظمى، فإنّ كلَّ علاقة في الإسلام لابدّ وأن تقوم على العدالة، واعتبار الناس جميعاً سواسية، وإن كان هنالك ثمة تفاضل بين الناس في العمل والجزاء.
وإن كان هنالك لكلِّ دين سمة يتسم بها، فسمة الإسلام هي العدالة، والبعد عن الظلم. (فالعدالة تحدد كلّ علاقة بين الناس في السلم والحرب، في كلِّ زمان ومكان، ففي السلم يكون حسن الجوار، وفي الحرب يكون الباعث لها ليس للعدوان وإجحاف حقوق الغير، وإنما تكون قائمة أوّلاً وأخيراً على العدالة).
والعدالة في الإسلام وشريعته فريضة واجبة، فرضها الله على الجميع دون استثناء، ففرضها على الرسول (ص) وأمره بها، قال تعالى: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ...) (الشورى/ 15)، قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: (وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ)، وأمرت لأعدل بينكم في تبليغ الشرائع والحكومات، وهذا إشارة إلى كمال القوة العملية.
وإقتضت الضرورة في إقامة العدل وتطبيقه وعدم التواني فيه، كما تقتضي المصلحة والحكمة إشاعته والوقوف بجانبه والتمسك به، إذ العدل ظل الله في أرضه ورحمته في خلقه، والحارس للعقيدة والمال والنفس والعرض، والعدل خصب البلاد وأمن العباد، به قامت السماوات والأرض. فإلى العدل يأوي الضعفاء، ويلوذ إليه الفقراء، وفي العدل إنصاف للمظلوم، ورزق للمحروم، به يجتمع الشمل، وتتحد الكلمة وتدوم الرابطة، وتقوي الأواصر بين الناس وبفضل العدل قويت الأمم ودامت دولة العدل إلى قيام الساعة، ودولة الظلم ساعة، وقتها قصير وإن يبدو للبعض أنها تطول، ولكن مآلها إلى الزوال، وبالعدل أخذت الأمم أسباب السعة في الرزق، وعزت بعد ذل وهوان، وبه استيقظت بعد الغفلة، فالعدل سيف الحقِّ المسلط على الباطل وأعوانه، وعلى الشيطان وحزبه، وعلى الشرك وجنده، فبالعدل يُظهر الله دينه ويقوي حجته، وينصر أولياءه والصالحين من عباده، فالعدل ملاك الأمر كلّه، وجماع الخير ورأس الفضائل.
والعدل تتوقف عليه سعادة وطمأنينة المجتمع، فمن أتصف بالعدل كان محبوباً عند الناس آمناً على نفسه وماله وعرضه، فإذا ما أمن الناس وسعد المجتمع بالعدل، عمل الفرد فيه بحرية ونشاط فيزداد الإنتاج ويستقر الأفراد.
ولقد نعم المسلمون بهذا العدل، عندما وضعت فلسفته في التطبيق على عهد رسول الله (ص).
والعدل في المجتمع الإسلامي يبني جسور الثقة بين الحاكم والمحكوم فينعم الحاكم بالإطمئنان من قبل المحكوم، وتستقيم شؤون المجتمع بإستقامة الأفراد، ويأخذ الجميع حقوقهم، فلا يُهضم حقّ إنسان على حساب الآخر، فيتساوى الجميع ويتناصف الكل، فترجع الحقوق لأصحابها، ويُقضي على الظلم الذي هو سبب لهلاك الأُمم والمجتمعات. فالمجتمع إذا ما ساد فيه العدل تنتزع رغبات الميل والهوى من النفوس، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء/ 135). وسبب نزول الآية الكريمة أنها نزلت في النبي (ص)، إختصم إليه غني وفقير وكان ضلعه مع الفقير، رأى أنّ الفقير لا يظلم الغني، فأبى الله تعالى أن يقوم بالقسط بين الغني والفقير. فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ).
جاء في الظلال أنّ هذه الآية درساً للجماعة المؤمنة بندائهم إلى النهوض في إقامة العدل بين الناس، على النحو الفريد الذي لم يقم إلا على يد هذه الجماعة، والعدل الذي تتعامل فيه الجماعة مع الله مباشرة خالصاً من كلِّ عاطفة، أو هوى أو مصلحة، سواء كانت على مستوى الفرد أو المجتمع أو الدولة أو الأُمّة، متجردة من كلِّ العواطف والاعتبارات الأخرى، غير تقوى الله ومرضاته.
وإذا ما انعدم العدل في المجتمع، تسود الفوضى ويتفشى الظلم والعدوان، وتضطرب الأُمّة وتهلك، قال الماوردي: "وأما القاعدة الثالثة. أي من القواعد التي تصلح بها الدنيا حتى تصير أحوالها منتظمة وأمورها ملتئمة، فهي عدل شامل يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطاعة، وتعمر به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكثر النسل ويأمن به السلطان، ونخلص من ذلك في أهمية العدل وأثره على المجتمع، أنّ العدل يؤدي إلى الطمأنينة بين أفراد المجتمع، وسلامة الأُمّة، ويرضى الفرد بما يحكمه الحكام، والعدل في المجتمع ينتصف به من الظالمين. ويعني هذا أن يظل المجتمع متماسكاً متحاباً قوياً متضامناً، فإذا أمن الإنسان على نفسه وماله وحقه واطمأن إلى عدالة الحكام، عمل في حرية ونشاط، فيزداد الإنتاج ويدر هذا بالخير على المجتمع، وبالعدل يمتنع الفساد، لأنّ الفاسد إن علم أنّه سيلقى الجزاء، ولم يجد إهمالاً أو محاباة في المعاقبة، امتنع عن إفساده، ولو عكس الأمر لسادت الفوضى في انتشار الظلم، وعم القلق ربوع المجتمع، ولقل الإنتاج، لأنّ ظلم الأداة الحاكمة السياسية يؤدي بالتأكيد إلى قلة واضطراب الإنتاج. ►
المصدر: كتاب المجتمع الإسلامي (دعائمه وآداب في ضوء القرآن الكريم)
المقاومة اللبنانية تحتفل بالإنتصار الإنتخابي
تتواصل الاحتفالات بمختلف المناطق اللبنانية بفوز لوائح الأمل والوفاء، وافادت مصادر اعلامية في البقاع ان هناك اجواء احتفالية في مدينة بعلبك وسائر مدن المنطقة والقضاء بالفوز الكبير للائحة الامل والوفاء بـ٩ مقاعد.
كما افادت المصادر في الجنوب ان” الاجواء الاحتفالية مستمرة منذ الأمس وهناك الكثير من المسيرات المحتفلة بانجاز مرشحي المقاومة الانتخابي”.
وأكد المرشح الفائز في دائرة جبل لبنان الأولى (جبيل – كسروان) رائد برو أن نجاح مرشح المقاومة في جبيل وكسروان له دلالة كبيرة ان المقاومة في نسيج المنطقة وعند كل الطوائف، متوجها بالشكر لله وجمهور المقاومة والثنائي وعوائل الشهداء والفعاليات.
وقال برو إن “مرشح المقاومة هو مرشح جبيل وكسروان وسيحمل هم اهل جبيل وكسروان ومعاناتهم”، مضيفا “كنا شركاء مع التيار الوطني الحر في المسيرة والانتخابات ونجاحنا هو للكل”.
وأشار إلى أن “هذا الاصبع لا ينكسر وهو جزء من اليد الممدودة لكل اهالي جبيل وكسروان وللمسيحيين قبل المسلمين، وهو استمرار لدم الشهداء وكل الطيبين وجزء من السواعد التي حمت لبنان وثرواته وسيكسر ثقافة الانعزال”.
بدوره توجه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب الحاج محمد رعد بالشكر الخالص الى كل شعبنا الوفي.
واضاف:”الشعب عبر بحماسة عن تاييده لنهج المقاومة وخطها السياسي وثقته بقيادته الحكيمة والشجاعة وعبر عن التاييد في كل الدوائر التي تواجد فيها مرشحون لكتلة الوفاء للمقاومة”.
وشكر عوائل الشهداء والجرحى والاسرى المحررين وكل الفعاليات واهلنا الذين شاركوا بحماسة في الاستحقاق ليعبروا عن تاييدهم الحازم للمقاومة وقيادتها ونهجها ونوابها.
واضاف”اهلنا هم من يستحقون التهنئة وسنواصل جولاتنا ونلقاهم في بلداتهم”.
واشار الى انه “المطلوب الان ان نتوجه الى العمل فامامنا مجال ضاغط يتطلب الكثير من الجهد”.
وتابع”نستحضر الوقفات الوطنية للحلفاء وستثبت المقاومة انها الرقم الصعب في البلد والمنطقة”.
من جهته قال عضو كتلة الوفاء للمقاومة علي فياض انه “مهما فعلنا لهذا الشعب بطينته المعطاءة نبقى مقصرين”.
واضاف أنه”بالامس انتخاب وغدا عمل، ويجب ان ندرك اننا مقبلون مرحلة صعبة والمؤامرات لن تقف وبالمعنى السياسي والتشريعي مرحلة دقيقة وحساسة”.
وتابع”نشعر بكثير من الثقة والطمانينة اننا قادرون مجددا على تجاوز هذه التحديات”.
وأردف قائلا:”ما حصل تسونامي شعبي بكل معنى الكلمة وادعو مجتمع المقاومة الى عدم القلق والمناخ الشعبي ذو ولاء مطلق لهذه المقاومة”.
الشباب.. مزايا ومسؤوليات
الشيخ حسين الخشن
◄تمتاز مرحلة الشباب بأنّها مرحلة الحيوية والنشاط، فالشباب طاقة، والطاقة لابدّ من أن تُستثمر. وكما أنّ الشباب طاقة فهو أيضاً نِعمة، والنِّعمة تواجه بالشُّكر لا بالكفر، وشُكرُها يعني أن نؤدِّي حقَّها، فلا يكون ذلك بالقول فقط، بل بالفعل أيضاً، بأن نستثمرها فيما خُلقت له، فنِعمة المال يكون شُكرها بأداء حقّه إلى الفقراء والمساكين، ونِعمة الصحّة وكذا الشباب، تُشكران بأن تُبذل كلّ منهما في خير الإنسانية.
الطاقة والحيوية
ولأنّ الشباب طاقة، فسوف يُسأل المرء عنه يوم القيامة، ففي الحديث الشريف: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع... وعن شبابه فيما أبلاه». ولأنّه نِعمة فسوف يُسأل عنه ـ أيضاً ـ يوم القيامة كما يُسأل عن كلِّ النِّعَم، قال تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر/ 8).
ومن خصائص نِعمة الشباب، أنّها إذا فُقدت لا تُعوّض، فالمال إذا تلف أو سرق فبالإمكان تعويضه، والجاه أيضاً يمكن تعويضه، ولكنّ الشباب لا يمكن تعويضه، ولا يمكن أن يعود، كما قال الشاعر:
ألا ليت الشبابَ يعودُ يوماً فأخبرُه بما فعلَ المشيبُ
وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع): «شيئان لا يعرف فضلهما إلّا مَن فقدهما: الشباب والعافية».
فطرة سليمة
وعندما يُولد الإنسان، فإنّه يُولد نقي الفطرة، بعيداً من كلّ أشكال الانحراف، وتستمر حالة الصفاء والنقاء هذه إلى حين بلوغه، ولذا نرى الشباب متحفّزاً لكلّ خير، ومتطلّعاً للتغيير، بدافع فطرته البعيدة عن الملوّثات، وهكذا نراه أقرب إلى الصلاح، وأكثر اندفاعاً إليه، فالشاب يُرجى إصلاحه أكثر من الكهل، لأنّ الكبير قد يقسو قلبه بفعل المؤثّرات السلبية، ويصبح من الصعب تغييره، بينما الشاب، حيث إنّه أقرب إلى الفطرة، فإنّه أبعد عن العادات السيِّئة. يقول مولانا الإمام الصادق (ع) لأحد أصحابه المعروف بالأحول: «أتيت البصرة؟ قال: نعم، قال (ع): كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟ فقال: والله إنّهم لقليل، ولقد فعلوا، وإنّ ذلك لقليل، فقال (ع): عليكم بالأحداث فإنّهم أسرع إلى كلّ خير». فالشباب ـ إذاً ـ أسرع إلى كلّ خير، لأنّ فطرتهم سليمة لم تتلوّث، وتنبض بالخير والحبّ.
مرحلة تحديد المسارات
هذه الميزة تتفرّع على سابقتها، فالشباب مفترق طُرق، وهو الأرضية الصالحة لتلقّي الأفكار البنّاءة أو الهدامة، يقول الإمام عليّ (ع): «إنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك».
ويمكننا القول إنّ الشباب كالصفحة البيضاء تتلقّى كلّ ما يكتب فيها، أو قل إنّها من هذه الجهة كالإسفنجة الخالية التي تمتص كلّ ما أُلقي فيها. كما يمتاز الشباب بقوّة الإحساسات العاطفية، فالإحساس بالجمال والكمال حاضر لدى الشباب أكثر من غيره.
مسؤوليات الشباب: عِلم... وعمل
ويمكننا أن نلخّص هذه المسؤوليات بكلمتين: العِلم والعمل، فالمسؤولية الأساس التي تقع على عاتق الشباب بما أنّهم أمل الأُمّة ومستقبلها، أن يتعلّموا ويأخذوا بأسباب العِلم، فالمستقبل لا يُبنى إلّا بالعِلم، وهل تتخلف الأُمم إلّا عندما يبتعد أبناؤها عن الأخذ بأسباب العِلم؟ يقول الإمام الصادق (ع) فيما رُوِي عنه: «لست أحبّ أن أرى الشاب منكم إلّا غادياً في حالتين: إمّا عَالماً أو مُتعلِّماً، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، وإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمّداً بالحقِّ».
من هنا، فإنّ على الشاب أن يعيش هم العِلم وقلق المعرفة، ليفكّر على الدوام ليس فقط في نفسه وهمومه الشخصية، بل عليه أن يفكّر كيف يخرج الأُمّة من حالة الجهل، وكيف يُساهم في تقدّم أُمّته لترقى إلى مستواها اللائق بها كأُمّة شاهدة على الأُمم.
وإنّ ذلك لن يحصل بالتأكيد إلّا إذا اعتبرنا الجهل هو أعدى أعدائنا، كما هو بالفعل، وإنّ ضريبة الجهل هي التخلُّف، ونتيجته هي العنف والإفراط، يقول الإمام عليّ (ع): «لا ترى الجاهلَ إلّا مُفرِطاً أو مُفَرِّطاً». وكذلك، فإنّ ثمرة الجهل هي انتشار العداوة والبغضاء بين الناس، لأنّ «الناس أعداء ما جهلوا»، وإذا اقترن الجهل بالتدين فتلك المصيبة الكبرى، لأنّه يزيده تشدداً وتزمتاً، ولذا قال عليّ (ع): «ما قصم ظهري إلّا رجلان: عَالم مُتهتك وجاهل مُتنسك»، وقد نظّم بعضهم هذا المعنى، فقال:
فسادٌ كبير: عَالم مُتهتك وأكبر منه جاهل مُتنسك
هما فتنة للعالمين عظيمة لمن يَهن في دينه بتمسّك
إذاً، يرى الإسلام أنّ المدخل إلى الإيمان يكون من باب العِلم، لأنّ الإنسان كلّما ازداد عِلماً ازداد إيماناً، وكلّما ازداد جهلاً ازداد تزمتاً وبُعداً عن الله سبحانه وتعالى، ومن هنا نعرف السرّ في اعتماد القرآن الكريم على الشواهد الآفاقية، كأهم دليل على وجود الله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت/ 53).
العقل آلة العِلم
وعندما نتحدّث عن العِلم فلا يمكننا أن نغفل آلة العِلم ووسيلة المعرفة الأساسية وهي العقل، فالعقل هو وسيلة الإبداع، وهو دليل الإنسان ومُرشده إلى ربّه وخالقه، كما هو وسيلة اكتشاف الكون، والمفروض بالإنسان أن يُبقي عقله على الدوام يقظاً وفي حالة حركة، لأنّ سكون العقل يعني سكون الحياة. عن الإمام الرضا (ع): «صديق كلّ امرء عقله وعدوه جهله»، وما يريده الإسلام للشاب أن يعمل دائماً على تنمية عقله وتغذيته بكلّ جديد نافع، ولا سيّما أنّ عقل الشاب هو بطبيعته عقل متحفّز للمعرفة، ومتطلّع إلى الحقيقة، فعلى الشاب أن لا يكون ممّن يؤجِّرون عقولهم وتتحكّم بهم عواطفهم وانفعالاتهم، فيميلون مع كلّ ريح، ويُساقون مع كلّ موضة جديدة، إنّ عقولنا أمانة الله عندنا، ولا يجوز لنا أن نبدّد هذه النِّعمة، ففي الحديث عن الإمام الكاظم (ع): «قل خيراً وأبلغ خيراً ولا تكن أمعة، قال: وما الأمعة؟ قال تقول: أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس، إنّ رسول الله (ص) قال: يا أيّها الناس إنّما هما نجدان؛ نجد خير ونجد شرّ، فلا يكن نجد الشرّ أحب إليكم من نجد الخير».
وعلينا أن نعلم أنّ سبباً أساسياً لدخول جهنم هو عدم إعمال العقول، (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك/ 10).
إنّ قوّة الشاب ليس فقط في عضلاته، بل في عقله أيضاً، وقد كان أمير المؤمنين (ع) يقول: «رأي الشيخ أحبّ إليّ من جلد الغلام»، أي إنّ المعركة لا تُقاد بالعضلات فحسب، بل بالتخطيط والرأي الصائب.
العمل سرّ النجاح
المهمّة الثانية المُلقاة على عاتق الشباب هي مهمّة العمل، لكنّ ما الذي نقصده بالعمل؟ إنّ ما نقصده هو العمل على خطّين؛ العمل في سبيل المعاش، والعمل في سبيل المعاد، «اعمل لدُنياك كأنّك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً».
أمّا العمل في سبيل المعاش فهو أمر ضروري، والأُمّة التي لا تعمل هي أُمّة فاشلة ومحكومة بالتخلُّف وبالسقوط في مجال التنافس الحضاري، وستبقى عالة على الآخرين، والحقيقة أنّ العمل ليس خياراً من خيارات الأُمّة، بل هو ضرورة لا مفر لها من الأخذ بها وواجب من واجباتها.
الإسلام ومحاربة الكسل
وإدراكاً منه لأهمّية العمل في تقدّم الأُمم، فقد حثّ الإسلام عليه، وشنّ حملة على الكسل والتكاسل والبطالة والدعة، ففي الحديث: «كان رسول الله (ص) إذا نظر إلى الرجل فأعجبه قال: هل له حرفة؟ فإن قالوا لا، قال: سقط من عيني، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله (ص)؟ قال: لأنّ المؤمن إذا لم يكن له حرفة يعيش بدينه»، أي أنّه يحوّل دينه إلى دكان للإتجار به.
إنّ السعادة لا تنال بالأماني، بل بالكد والعمل، عن عليّ (ع): «هيهات من نيل السعادة السكون إلى الهوينا والبطالة»، وعنه (ع): «إنّ الأشياء لما ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتجا بينهما الفقر»، وعن الباقر (ع): «الكسل يضر بالدِّين والدُّنيا»، ومن الطريف أنّ الإمام الصادق (ع) كان يشكو من الكسل المستشري في زمانه، يقول: «لا تكسلوا في طلب معايشكم فإنّ أباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها»، ولست أدري ماذا يقول مولانا الإمام الصادق (ع) في أهل زماننا هذا الذين زحف إليهم الكسل، وتراخوا واستراحوا للترف واللهو والدعة؟!
الخصومة المفتعلة بين الدِّين والدُّنيا
والأمر الأخطر من مجرد استشراء الكسل هو في اختلال النظرة إلى مفهوم العمل، وتشوّه المفهوم الديني إزاءه لدى قطاعات من أبناء الأُمّة، وتمثّل هذا التشوّه في إيجاد خصومة مفتعلة بين الزُّهد والعمل، أو بين الدُّنيا والآخرة، حيث يتخيّل البعض أنّ الانغماس في العمل يُنافي الزُّهد، وهذه النظرة هي نظرة خاطئة بالتأكيد، فإنّ الإسلام نظر نظرةً متوازنة إلى الدُّنيا والآخرة، «اعمل لدُنياك... واعمل لآخرتك»، بل إنّه اعتبر أنّ العمل في سبيل المعاش ورفع مستوى الأُمّة والتخلُّص من مشكلة الفقر هو من أوجب الواجبات، ومن أهم العبادات، ولذا ترى أنّ الإمام الصادق (ع) سأل عن رجل أصابته الحاجة قال: «فماذا يصنع؟ قالوا في البيت يعبدُ ربّه، قال: فمن أين قوته؟ قالوا: من عند بعض إخوانه، قال: والله، للذي يقوته أشدُّ عبادة منه».
الشباب والتسوّل
وثمة مفهوم إسلامي آخر طاله التشوّه، وهو مفهوم التوكّل، حيث غدا مساوياً للتواكل، فإنّك عندما تطالب البعض وتقول له: لِمَ لا تعمل؟ يجيبك: «أنا متوكل على الله»، أو «الرزق على الله»، وهو في الحقيقة يبرّر كسله وتخاذله بهذه الكلمات التي هي كلمات حقّ يُراد بها باطل. فشعار «الرزق على الله» ليس للكُسالى، وإنّما يرفعه الإنسان وهو داخل ساحة العمل يخوض غماره. والتوكّل على الله أيضاً لا يعني الجلوس في البيوت وانتظار الرزق أو مدّ اليد للآخرين. ألا ترون اليوم أنّ ثمة حالة غريبة في مجتمعاتنا، وهي أنّ بعض الشباب أصبح يمدّ يده للتسوّل، إنّنا نفهم أن يمدّ عجوزاً أو أرملة أو يتيماً يده، أمّا أن ترى شاباً يمدّ يده فتلك مصيبة وحالة مرضية لابدّ من معالجتها.
إنّ الإسلام يرفض إعطاء الزكاة لمن يمتلك القوّة البدنية، ولا سيّما أنّ إعطاءه مرّة تلو الأُخرى يجعله يمتهن التسوّل ويبذل ماء الوجه للآخرين ويعرِّض نفسه لمهانة والمذلة، ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع): «إياكم وسؤال الناس، فإنّه ذل في الدُّنيا وفقر تعجلونه وحساب طويل يوم القيامة».
بالعمل نواجه سياسة الإفقار
إنّ ما نواجهه اليوم من سياسة تعمل على إفقار شعوبنا، هي سياسة لم يسبق لها مثيل، وتهدف إلى تفريغ أُمّتنا من الطاقات ليتمّ استدراج العقول فيها إلى بلاد الغرب، بالرغم من وُفرة الثروات والطاقات التي تملكها هذه الأُمّة بما يجعلها من أغنى الأُمم، ولكنّ السياسة الاستكبارية اعتمدت خطّة تهدف إلى إفقار الشعوب الإسلامية وإشغالها بلقمة العيش، حتى لا تترك لها مجالاً للتفكير في كيفية نهوض هذه الأُمّة.
وأعتقد أنّ الخطوة الأولى التي يجب اتّخاذها في وجه هذه السياسة الإفقارية، هي في أن ننصرف إلى العمل، وأن نخلق فرص العمل، فبذلك نواجه سياسة الإفقار التي تريد إشغالنا بلقمة العيش كما قلت، وتريد أن تنشر في أوساطنا الجريمة والفاحشة، لأنّ أقرب وسيلة لنشر الجرائم وتفكيك المجتمعات خُلقياً واجتماعياً، هي في إفقار هذه المجتمعات.►