emamian

emamian

الثلاثاء, 15 آب/أغسطس 2023 17:16

عشر نصائح لصحة جيدة

ما أكثر النصائح التي يقدمها لك الخبراء والمتخصصون، لتحظى بصحة جيِّدة ومن ثم بحياة سعيدة، حاولنا اختصار أهم هذه النصائح في الخطوات العشر التالية:

1-  تمشّ لفترة 10 دقائق إن كنت لا تمارس التمارين الرياضية بتاتاً، فإنّ المشي لفترة قصيرة أمر عظيم في البداية.

2-  مارس رفع الأثقال: إنّ رفع كتاب ثقيل وزنه كيلوجرام، عدة مرّات في اليوم، قد يساعد في تنشيط عضلات ذراعيك. ومتى أصبح هذا التمرين بسيطاً لديك، انتقل إلى رفع أشياء أكثر ثقلاً.

3-  تناول حصة إضافية من الفاكهة أو الخضراوات يومياً، فهي مفيدة للمخ والجهاز الهضمي.

4-  اهتم بالإفطار: ابدأ صباحك ببعض الفاكهة أو الحبوب الكاملة غير المقشرة، مثل: الشوفان، ورقائق نخالة الحنطة، أو قطعة من الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة.

5-  قلل المشروبات السكّرية كالمشروبات الغازية، أو القهوة الغنية بالسكر؛ لأن ذلك يقلل من عدد السعرات الحرارية المتتاولة ينحو 100 سعرة يومياً!

6-  تناول حفنة من المكسّرات: كالجوز، واللوز، والفول السوداني، وغيرها، فهي مفيدة للقلب؛ بدلاً من تناول رقائق المقرمشات أو الكعك الصغير.

7-  تناول ثمار البحر: بدلاً عن اللحوم الحمراء مرّة واحدة في الأسبوع، فهي مفيدة للقلب والمخ.

8-  حاول التنفس ببطء وبعمق لعدة دقائق في اليوم: فذلك يساعد على الإسترخاء، كما يساعد على خفض الضغط.

9-  اغسل يديك دوماً بالصابون والماء: فهو وسيلة عظيمة لحماية قلبك وصحتك من الأنفلونزا وأنواع العدوى الأخرى.

10- خصص لنفسك فترة يسيرة كلّ يوم لكي تتذكر النعمة التي حصلت عليها في حياتك.

الثلاثاء, 15 آب/أغسطس 2023 17:15

الكرامة الإنسانية

يقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ...) (النساء/ 1). النفس الواحدة - بما تُمثِّله من الذكر والأنثى - تجعل الإثنين اللذين هما في الأصل واحد، أمام حقوق موحّدة وواجبات موحّدة بحسب ما يُسِّر كل واحد له.

وإنّ أكبر حقّ تمتاز به هذه النفس الواحدة هو (حق الحياة)، الذي يقوم على مبدأ الكرامة الإنسانية، والتي يتفرّع منها حقّ المساواة وحقّ الحرِّية، كونهما حقّين طبيعيين مُلازمَين لطبيعة الإنسان. يقول د. وهبة الزحيلي: «الكرامة الإنسانية مصدر الحقوق الأساسية كلّها، فهي دليل إنسانية الإنسان الذي تُميِّزه عن سائر المخلوقات».

وجاء في مقدمة (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان): «الإعتراف بالكرامة المتأصِّلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية، وبحقوقهم المتساوية، هو أساس الحرِّية والعدل والسلام في العالم».

وفوق هذا وذاك، يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمنا بَني آدَم) (الإسراء/ 70). التكريم هنا ليس مجرّد لطف إلهي، بل هو خطّ تشريعي يؤسِّس لكلِّ ما يُعزِّز هذه الكرامة، ويرفض كلّ ما يؤدي إلى إهانتها.

ومن أروع ما تحت أيدينا من نصوص تُكرِّس أهميّة حقوق الإنسان في الإسلام، ما ورد عن الإمام عليّ (عليه السلام): «جعل الله سبحانه حقوق عباده مقدّمة لحقوقه، فمَن قام بحقوق عباد الله، كان ذلك مؤدِّياً إلى القيام بحقوق الله».

يمكن تعريف حقوق الإنسان تعريفاً عاماً بأنّها تلك الحقوق المتأصلة في طبيعتنا والتي لا يمكن بدونها أن نعيش كبشر. فحقوق الإنسان والحريات الأساسية تتيح لنا أن نطوّر بشكل كامل وأن نستخدم صفاتنا البشرية وذكاءنا ومواهبنا ووعينا، وأن نلبي احتياجاتنا الروحية وغيرها من الاحتياجات. وبذلك أشار الإسلام إلى أنَّ الإبداعات الكبرى للبشريّة، إنّما تنطلق على أساس احترام حريّة الإنسان في المعتقد والتّفكير والاقتناعات، لأنّ الإنسان الذي يملك الحرية في ما يفكّر وفيما يقتنع، فإنّه يستطيع أن يكتشف حقائق الأشياء بطريقة وبأخرى، وكذلك في إعطاء الإنسان حقّه وفرصته في التعلّم وفي الحياة الحرّة الكريمة، وفي احترام حقوق المرأة، وفي رفض استعباد البشر، والعمل على إنهاء مسألة الرقّ الّذي كان سائداً، واستطاع الإسلام بتشريعه أن يلغيه، من دون حاجة إلى ثورة لتحرير العبيد، وكذلك في رفض التَّضييق على البشر وتعذيبيهم وسجنهم دونما وجه حقّ: (وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)، وفي إفساح المجال للأفراد والجماعات لكي يعبّروا عن اقتناعاتهم ومواقفهم بالأساليب الحضاريّة، بعيداً من ضغط الضاغطين وتعسّف المتعسّفين. فللإنسان أن يدخل في حوار مع كلّ الأديان ومع كلّ الأفكار، والله ركّز على أن (لا إكراهَ في الدِّينِ قَدْ تبيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ)، (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ).

إذا كان الإمام السجاد (عليه السلام) قد ملأ الواقع بالغنى الروحيّ من جهة، فإنَّه من جهة أخرى أيضاً أوضح، وعلى قواعد روحية واجتماعية وتربوية وإنسانية، الحقوق التي فرضها الله تعالى على الناس، سواء في المستويات العامة أو الخاصة، كحقوق الحاكم والمحكوم، وحقوق الأب والأم والأولاد، وحقوق الجسد في كلِّ حواسه، وحقوق المجتمع في حركته الثقافية: كحقوق المعلم والمتعلّم والقاضي.. وما شاكل ذلك. وقد أراد (عليه السلام) أن يثقّف الأمة بالحقوق الشرعيّة التي تترتب على كلِّ إنسان تجاه الإنسان الآخر، حتى يتوازن الناس في علاقاتهم ببعضهم البعض، بحيث يعرف كلُّ إنسان حقوقه وحقوق الآخرين؛ مع نفسه وأمه وأبيه وزوجته وأولاده، والمحكوم مع الحاكم، والمعلّم والمتعلّم، ومع المسلمين كافة، ومع أهل الذمة، وما له وما عليه.

الثلاثاء, 15 آب/أغسطس 2023 17:11

من هم الأبرار والمقرّبين؟

ورد ذكر"الأبرار" والمقربين" كثيراً في القرآن الكريم، وما آُعدّ لهم من درجة رفيعة وثواب عظيم، حتى أنّ اُولي الألباب تمنوا أن تكون وفاتهم مع الأبرار، كما تقول الآية (193) من سورة آل عمران: (وتوفنا مع الأبرار).

وتناولت الآيات (5 ـ 22) من سورة الدهر ما اُعدّ لهم من ثواب جزيل، كما وتناولت الآية (13) من سورة الإنفطار، فمن هم يا تُرى؟

«الأبرار": هم أصحاب النفوس الزكية الأبية الطاهرة، ومعتنقي العقائد الصائبة، والذين لا يعملون إلاّ ما فيه الخير والصلاح.

و«المقربون": هم الذين لهم مقام القربة عند اللّه عزّوجلّ.

فبين الأبرار والمقربين عموم وخصوص مطلق، حيث كلّ المقرّبين أبرار، وليس كلّ الأبرار مقرّبين.

وروي عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، أنّه قال:"كلما في كتاب اللّه عزّوجلّ من قوله:"إنّ الأبرار" فواللّه ما أراد به إلاّ عليّ بن أبي طالب وفاطمة وأنا والحسين 1.

وممّا لا يشوبه شك، أنّ الخمسة الطيبة، تلك الأنوار القدسيّة، وهي أفضل مصاديق الأبرار والمقربين 2.


1-نور الثقلين، ج5، ص533، الحديث 33.
2-الأمثل / الجزء العشرون / صفحة -40.

الثلاثاء, 15 آب/أغسطس 2023 17:10

الحياة المؤقّتة والحياة الدائمة

قال الله الحكيم في كتابه الكريم: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ1.

تشير الآية الأولى إلى أَنَّ للحياة الدنيا ظاهراً وباطناً، وأنّ ما يعلمه الناس عنها هو الظاهر فقط, بمعنى أنّهم يعلمون الأمور المادّية والقضايا المحسوسة التي لا تخرج عن دائرة الحواس والمدركات الظاهرية. وأمّا باطن هذه الحياة ـ التي هي الآخرة ـ فهم غافلون عنها كليّاً, لأنّهم أَنِسوا بالظاهر وانشغلوا بالمادة واطمأنوا بها، ولم يفكّروا بما وراء هذه الحياة الظاهرية. والحال أَنَّ الله تعالى يصف هذه الحياة في أكثر من آية بأنّها ليست بشيء أمام الآخرة، وليست هي الهدف والغاية من خلق الإنسان، بل ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ2.

في حين أَنَّ الآية الثانية تؤنّب الناس وتقرّعهم على اكتفائهم بالعلم الظاهري فقط، وتحثّهم على الخروج من دائرة الحسّ والمادّة، والتفكّر في أنفسهم وفي السبب الذي لأجله وُجدوا في هذه الحياة، وفي السبب الذي خلق الله لأجله السماوات والأرض وما بينهما، وبيّنت بأنّهم لم يفكروا بأيّ شيء وراء ما يرونه ويشاهدونه بحواسهم ويباشرونه بأنفسهم. حيث تعتبر أَنَّ عدم التفكّر في هذه الأمور تجعل الناس في غفلة عن لقاء الله تعالى، وفي غفلة عمّا وراء هذا العالم.

الله تعالى يبيّن بأنّه لم يخلق السماء والأرض وما بينهما إلا بالحق, فهو يقول في مكان آخر: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ3. إذاً، هناك غاية وحكمة من خلق السماوات والأرض وما بينهما، وعلينا أن نعيش في هذه الدنيا للوصول إليها، لا أن نمرّ عليها دون التفات ودون معرفة، فنكون من مصاديق الآية الكريمة: ﴿وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ4.

عالم المادّة محدود بأجل معيّن:

ومن جهة أخرى تبيّن هذه الآية أَنَّ خلق عالم المادّة له أجل معيّن ووقت محدّد لا يمكن أن يتجاوزه، وهذا حال جميع الموجودات المادّية والطبيعية التي تخضع لقانون المادة، فإنّها لا تستطيع أن تخرج على هذا القانون العام وتبدّل زوالها وفناءها ومحدوديّة أجلها ومدّة حياتها إلى حيثية البقاء والدوام والاستمرار والخلود، وهذه الحقيقة مستفادة من الكثير من الآيات، من قبيل: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى5، و ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى6.

والإنسان بصفته موجوداً مادّياً فهو غير خارج عن هذا القانون, إذ سوف ينتقل إلى عالم آخر، ولن يبقى في هذه الدنيا, حيث تشير هذه الآية إلى ذلك: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ7.

والإنسان مهما عمل لا يمكنه تغيير هذا الواقع أو الفرار منه, لذا يقول أمير المؤمنين عليه السلام بعدما ضُرب الضربة التي استشهد بها، ضمن خطبة له: "أيُّهَا النَّاسُ، كُلُّ امْرِئٍ لَاقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ في فِرَارِهِ، والأجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ إلَيْهِ، والْهَرَبُ مِنْهُ مُوافَاتُهُ"8.

لذا عليه أن يعمل لذاك اليوم الذي لا مفرّ منه، ولن ينجو منه أحد, حتى الأنبياء والرسل والمقربين من الله تعالى، ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ9.

قصّة النبي سليمان عليه السلام مع الرجل الخائف وملك الموت‏:
قيل إنّ رجلًا فزعاً جاء صباح يوم إلى النبي سليمان (على نبيّنا وآله‏ وعليه الصّلاة والسلام)، فلمّا شاهد سليمان اصفرار وجهه وازرقاق شفاهه من شدّة الخوف والهلع، سأله: ما بالك أيُّها المؤمن؟ وما علّة خوفك وفزعك؟!
أجاب الرجل: لقد نظر إليّ عزرائيل نظر غضب وعجب، فأفزعني ذلك كما ترى.
فقال سليمان: وما هي حاجتك الآن؟
قال: يا نبي الله، الريح طوع أمرك، فمُرها لتأخذني إلى الهند، لعلّني أنجو هناك من براثن عزرائيل.

فأمر النبي سليمان الريح لتحمله على وجه السرعة إلى الهند. وفي اليوم التالي، جلس سليمان في مجلسه، فجاء عزرائيل لرؤيته، فقال له: يا عزرائيل، لماذا نظرتَ إلى ذلك العبد المؤمن نظرة مغضب فدفعتَ بذلك المسكين الفزع إلى الفرار من أهله وبيته إلى ديار الغربة؟

فقال عزرائيل: لم أنظر إليه نظرة مغضب قطّ، ولقد أساء الظنّ بي، فقد كان الربّ ذو الجلال أمرني بقبض روحه في الهند في الساعة الفلانيّة، فوجدته هنا قريباً من تلك الساعة، فتعجّبت ودهشت من ذلك وتحيّرت في أمري، فخاف ذلك الرجل من تحيّري وظنّ خطأ أني أريد السوء به. لقد كان الاضّطراب من جهتي أنا، وكنتُ أحدّث نفسي: لو امتلك هذا الرجل ألف جناح لما أمكنه الطيران بها، والذهاب إلى الهند في هذا الزمن القصير، فكيف سأنجز هذه المهمّة التي أوكلها الله لي؟

ثم قلتُ لنفسي: فلأذهب كما أمرت, فليس ذلك من شأني. وهكذا فقد ذهبتُ بأمر الحقّ إلى الهند ففوجئتُ به هناك فقبضتُ روحه‏.

من خلال هذه القصّة نعرف مراد أمير المؤمنين عليه السلام بقوله المتقدّم: "أيُّهَا النَّاسُ، كُلُّ امْرِئٍ لَاقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ في فِرارِهِ".

حقيقة الموت وسبب خوف الناس منه:

لا شكّ في أَنَّ الموت ليس كما يتصوّر الناس بأنّه عبارة عن فناء وانعدام وانحلال، كما يحصل للجسم العضوي، بل هو انتقال من عالم إلى عالم أعلى وأسمى, لذا يعتبر الفلاسفة أَنَّ النفس الإنسانية لا تفنى بالموت، بل تترك علائق المادّة التي لحقت بها، وتتجرّد عنها، وتنتقل من عالم الطبع إلى عالم المثال. وفي هذا الصدد يقول ابن سينا: "وأمّا من يخاف من الموت، فلأنّه لا يعلم أين ستكون عودته ورجوعه، أو لأنّه يظنّ أنّ ذاته ستنحلّ، ونفسه وحقيقته ستبطل بانحلال بدنه وبطلان تركيبه، فهو يجهل بقاء نفسه، ولا يعلم كيفية المعاد، فهو في الواقع لا يخاف من الموت، بل يجهل أمراً كان حريّاً به أن يعلمه. وعلّة خوفه إنّما هي جهله، هذا الجهل الذي دفع بالعلماء إلى طلب العلم ومشقّة سبيله، وجعلهم يتركون لذّات الجسم وراحة البدن في سبيله".

وسُئل الإمام الحسن المجتبى عليه السلام فقيل له: "مَا بَالُنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ وَلَا نُحِبُّهُ؟ قَالَ فَقَالَ الْحَسَنُ عليه السلام: لِأَنَّكُمْ أَخْرَبْتُمْ آخِرَتَكُمْ وَعَمَّرْتُمْ دُنْيَاكُمْ، وأَنْتُمْ تَكْرَهُونَ النُّقْلَةَ مِنَ الْعُمْرَانِ إِلَى الْخَرَابِ"10.

الأولياء والصالحون يتمنّون الموت:

لقد جعل القرآن المعيار في إيمان الإنسان أو عدم إيمانه هو حبّه للموت أو فراره منه, فقد ورد في خطاب الله تعالى لليهود: ﴿قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ11.

وفي مورد آخر يوجّه خطابه للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ12.

وأمّا الإنسان الذي علم حقيقة الموت، وأنّه تحرير لروحه ونفسه من قفص الدنيا والمادة، وعمل صالحاً، ولم يتجاوز على حقوق الآخرين، ولم ينحرف عن مقام عبوديّته لله سبحانه، فسوف تحصل لديه حالة ارتباط بالله ومعرفة له. وهذا الأنس والعلاقة سيوجبان محبّته ونزوعه إلى لقائه والنظر إليه عزّ وجل. وباعتبار أنّ الموت يمثّل جسر العبور للّقاء والوصال، فإنّ المؤمن ينبغي أن يكون عاشقاً للموت ومنتظراً له بفارغ الصبر, لأنّ عاشق الحبيب يعشق أيضاً الطريق الذي يقوده إليه، وهذا ما تشير إليه الآيتان المتقدمتان، ومن هنا ينقل عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان يقول: "وَاللهِ لَابْنُ أبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْي أمِّهِ"13.

وذكر الزُّهْرِيّ حكاية عن الإمام عليه السلام: "وَكَانَ أمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام يَسْتَبْطِئُ الْقَاتِلَ فَيَقُولُ: مَتَى يُبْعَثُ أشْقَاهَا"14.
وأورد ابن سعد في الطبقات عن محمّد، عن عبيدة، قال: قَالَ عَلِيٌّ: "مَا يَحْبِسُ أشْقَاكُمْ أنْ يَجِي‏ءَ فَيَقْتُلُنِي, اللَهُمَّ قَدْ سَئِمْتُهُمْ وَسَئِمْونِي، فَأرِحْهُمْ مِنِّي وَأرِحْنِي مِنْهُمْ"15.

لذا، فقد نادى حين هوى سيف ابن ملجم المرادي على رأسه الشريف: "بِسمِ اللهِ وَبِاللهِ، وَعلى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ"16.

وينقل عن الإمام الحسين عليه السلام أنّه قال يوم عاشوراء:
تَرَكْتُ الْخَلْقَ طُراً فِي هَواكَ وَأَيْتَمْتُ الْعِيَالَ لِكَي أَرَاكَ
فَلَوْ قَطَّعْتَنِي فِي الحُبِّ إِرَباً لَما حَنَّ الْفُؤادُ إِلَى سِوَاكَ


وهذا ما فعله أصحاب الإمام الحسين عليه السلام, عندما سُئِلوا عن الموت فداء لأبي عبد الله عليه السلام ، حيث أجاب كلٌّ منهم بجواب يكشف فيه عن رغبته في الموت واشتياقه إليه.

* كتاب محاسن الكلم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة الروم، الآيتان 7 – 8.
2- سورة الحديد، الآية 20.
3- سورة الدخان، الآيتان 38 – 39.
4- سورة يوسف، الآية 105.
5- سورة الضحى، الآية 4.
6- سورة الأعلى، الآية 17.
7- سورة الأعراف، الآية 34.
8- الكُلَيْني، مُحَمَّد بن يعقوب، الكافي، ج 1، ص 299، ح 6، تصحيح وتعليق على أكبر غفاري، الطَّبعة الثّالثة 1367ش، دار الكتب الإسلاميَّة، طهران.
9- سورة الرحمن، الآيتان 26 – 27.
10- الشَّيْخ الصدوق، مُحَمَّد بن علي، معاني الأخبار، ص 390، باب: معنى العروة الوثقى، تصحيح وتعليق: على أكبر غفاري، نشر: مؤسسة النّشر التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، 1379ه.
11- سورة البقرة، الآيتان 94 – 95.
12- سورة الجمعة، الآيتان 6 – 7.
13- الشريف الرضي، محمد بن الحسين الموسوي، نهج البلاغة، ص 19، تحقيق وتصحيح: عزيز الله العطاردي، نشر: مؤسّسة نهج البلاغة، الطبعة الأولى 1414هـ، قم المقدسة.
14- سبط ابن الجوي، تذكرة الخواص، ص 100، الطبعة الحجرية.
15- ابن سعد، مُحَمَّد، الطَّبقات الكبرى، ج 3، ص 34، دار صادر، بيروت.
16- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 41، ص 2.

الثلاثاء, 15 آب/أغسطس 2023 17:09

التوبة النـّصوح

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ1.

التوبة باب الله الآمن، الذي فتحه الله إلى ساحة عفوه "إلهي أنت الذي فتحت لعبادك باباً إلى عفوك سمّيته التوبة"2، والذي تركه الله تعالى مفتوحاً بالليل والنهار، ملجأً ومأوىً لعباده الهاربين من واقعهم المنحرف ليدخلوه متى أرادوا، بمجرّد أن يتولَّد عندهم رغبة مخلصة في التطهُّر من دنس الخطايا والذنوب والمعاصي.

والتوبة دعوة ربّانية مفتوحة وموجّهة لكل المذنبين في الأرض، والمذنبون جميعاً مدعوون لقبول هذه الضيافة الإلهية، من أجل أن يضعوا حدّاً لفسادهم وغيِّهم وتساقطهم وراء الملذّات الدنيوية الرخيصة، وأن لا ييأسوا من رحمة الله. يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ3.

ما هي التوبة النَّصوح:

تتضمّن الآية الكريمة - المذكورة في تصدير الموعظة - حثّ صريح على التوبة النصوح، والتوبة النصوح أعلى درجات التوبة أو التائبين، بعد الدرجات الأولى للتوبة من ترك الذنوب مدّة أو ترك الكبائر. ولهذا كان من الضروري توضيح معناها: فالنصح يأتي لغة بمعنى: "الإخلاص، نحو نصحت له الود أي أخلصته"4، فالتوبة النصوح هي التي تصرف صاحبها عن المعصية، وتخلِّصه من الرجوع إلى الذنب وذلك بتحرّي جميع الطرق التربوية التي تصدّه عن المعصية.

ومعناها حسب ما ورد في الروايات عن أهل البيت عليهم السلام هي التوبة التي لا يعود فيها التائب إلى الذنب الذي تاب عنه، على ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام .

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه خطب يوماً بالمسلمين فقال: "أيها الناس توبوا إلى الله توبة نصوحاً قبل أن تموتوا بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا..."5.

وعن أبي بصير قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحً قال: هو الذنب (أي التوبة من الذنوب) الذي لا يعود فيه أبداً، قلت وأيّنا لم يعد؟ فقال: يا أبا محمد إن الله يحبُّ من عباده المفتتن التوّاب"6.

وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام يَقُولُ: "إِذَا تَابَ الْعَبْدُ تَوْبَةً نَصُوحاً أَحَبَّهُ الله فَسَتَرَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ وَكَيْفَ يَسْتُرُ عَلَيْهِ قَالَ يُنْسِي مَلَكَيْهِ مَا كَانَا يَكْتُبَانِ عَلَيْهِ وَيُوحِي الله إِلَى جَوَارِحِهِ وَإِلَى بِقَاعِ الْأَرْضِ أَنِ اكْتُمِي عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ فَيَلْقَى الله عَزَّ وَجَلَّ حِينَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ شَيْ‌ءٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الذُّنُوبِ"7.

فحقيقة التوبة النصوح أرقى بدرجات من التوبة التي يعود فيها الإنسان إلى الذنوب، وبالتالي فإنّ أثرها يختلف عن آثار التوبة العادية، كما أَنَّ شروطها كذلك.

وهذا الأمر بقدر ما يستبطن من الصعوبات، فإنّه في الوقت نفسه له آثارٌ عظيمة في حياة الإنسان، خصوصاً الشباب.

فضل التوبة النصوح:

أولاً: إِنَّ أعظم فضل للتوبة أنّها سبب لمحبة الّربِّ للعبد التائب. وفرقٌ بين أنْ نقول: (إنَّها سببٌ لمحبة الرب للعبد) و (إِنَّها سبب لمحبة العبد للرب)، فمن أنا ليحبّني الملك الجبار؟!

روى الكليني بإسناده إِلَى حَمَّادِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: "مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّاً فَقَدْ أَرْصَدَ لِمُحَارَبَتِي وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدٌ بِشَيْ‌ءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّافِلَةِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا إِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْ‌ءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي عَنْ مَوْتِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ"8.

ماذا لو أحبّك الله؟!

فلنستمع إِلَى صوت الحقّ والحقيقة من خلال ما روي: "إذا أحبَّ اللهُ مؤمناً قال لجبرائيل: إنِّي أحببتُ فلاناً فأحبّه في حبّه ثمّ ينادي في السماء إِنَّ اللهَ يحبُّ فلاناً فأحبّوه، ثمّ يوضع له قبول في أهل الأرض"9.

بعض النّاس في هذه الحياة الدُّنيا يسعد لو كان محبوباً من قِبَلِ زعيمٍ أو مسؤول، فماذا ترى المؤمن يعمل لو كان محبوباً من قِبَل ربّ الأرض والسماء، فيا لها من سعادةٍ ما بعدها سعادة...

ثانياً: أنّها سببٌ لفرح الربّ بالعبد، وإِنَّه فرحٌ لا يلازم التشبيه ولا التجسيم ولا التمثيل...فعن عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ وَزَادَهُ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ فَوَجَدَهَا فَالله أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ حِينَ وَجَدَهَا"10.

ما أروع هذا التشبيه! تصوّروا لو أَنَّ رجلاً يركب دابةً، قد أودعها من صنوف الطعام والشراب والمؤونة التي يحتاج إليها في طريقه الطويل الموحش، وعندما نزل ليستريح في تلك الأرض القاحلة فقد الدابة وما عليها من زادٍ ومؤونة. وبعد بحث طويل قد أضناه واتبعه، استسلم لقدره ظمآنَ جائعاً، وعندما وصل للرمق الأخير، فإذا به يرى من بعيد تلك الدابة تعود إليه, لتعطيه الحياة ثانيةً. لا شكّ أَنَّ هذا التشبيه بأمرٍ حسّيٍّ يوصل إِلَى أذهاننا ما قصده الإِمام عليه السلام من بيان الفرح والسرور الرباني عند توبة عبده وإيابه إليه.

ثالثاً: أنّها سبب لنور القلب ومحو أثر الذنب، يا له من فضل!! التوبة سبب لنور القلب ومحو أثر الذنب، فلينتبه كلّ مؤمن وكل مؤمنة، فإنّه لا يستغنى عن هذا الموضوع عالم أو حاكم رجل أو امرأة شاب أو شابة، فكلّنا بحاجةٍ إلى التوبة وخصوصاً التوبة النصوح.

إنّ صدق التائب مع الله في توبته يطهّره من كلّ ذنبٍ مهما كَبُر أو صَغُر، فقد روى الديلمي في إرشاد القلوب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،أنّه قال: "إِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ كَانَ نُقْطَةً سَوْدَاءَ عَلَى قَلْبِهِ فَإِنْ هُوَ تَابَ وَأَقْلَعَ وَاسْتَغْفَرَ صَفَا قَلْبُهُ مِنْهَا وَإِنْ هُوَ لَمْ يَتُبْ وَلَمْ يَسْتَغْفِرْ كَانَ الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ وَالسَّوَادُ عَلَى السَّوَادِ حَتَّى يَغْمُرَ الْقَلْبَ فَيَمُوتُ بِكَثْرَةِ غِطَاءِ الذُّنُوبِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ"11.

فمثل الذُّنوب كمثل سحابةٍ كثيفةٍ مظلمةٍ، تحجب بمرورها ضوء القمر عن الأرض، فإذا انقشعت عاد النّور ساطعاً. فالذنوب كالسحابة، والاستغفار يمثّل حالة انقشاعها.

التوبة واجبة على الجميع:

إذا أقدم الإنسان على المعصية، وكان بالغاً عاقلاً عالماً بحرمة ما ارتكبه غير مضطّر إليها ولا مجبر عليها، يعتبر حينئذٍ عاصياً وتصبح التوبة واجبة عليه.  روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "التوبة حبل الله ومدد عنايته، ولا بد للعبد من مداومة التوبة على كل حال، وكل فرقة من العباد لهم توبة، فتوبة الأنبياء من اضطراب السر، وتوبة الأولياء من تلوين الخطرات، وتوبة الأصفياء من التنفيس، وتوبة الخاص من الاشتغال بغير الله تعالى، وتوبة العام من الذنوب، ولكل واحد منهم معرفة وعلم في أصل توبته ومنتهى أمره وذلك يطول شرحه ها هنا.."12.

أدلة وجوب التوبة:

وهو المستفاد من النصوص الشرعية، فقد جاء في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على وجوب التوبة على المذنبين، فقد تظاهرت وتضافرت أدلّة القرآن الكريم والسنة الشريفة على ضرورة التوبة لكلّ مكلّف لم يعصمه الله من الخطأ, لأنَّ المؤمن لا يخلو من معصية ظاهرة أو باطنة. ومن أجل ذلك وجب عليه أن يجدّد التوبة والأوبة إلى الله بعدد أنفاس حياته حتى يلقى الله عز وجل وهو على توبة ، قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ13.

وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ14.

فيظهر من هاتين الآيتين توجيه الخطاب إلى المذنبين من المؤمنين. أما المجرمون ونحوهم فإن الله سبحانه كثيراً ما كان يحذرهم في آياته عذاباً أليماً وينذرهم عاقبة أعمالهم السيئة، ثم يدعوهم إلى التوبة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ15.

ومما يدلّ على الوجوب أيضاً قوله جلّ وعلا: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ16.

فالأمر واضح الظهور في الوجوب، وقد ربط الله تعالى الفلاح بالتوبة وفي آيةٍ أخرى يقول جل وعلا: ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ17.

وفي مجمع البيان أَنَّه قد صحّ الحديث بالإسناد عن حذيفة بن اليمان، قال: "كنت رجلاً ذرب اللسان على أهلي فقلت: يا رسول الله إنّي لأخشى أن يُدخلني لساني النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فأين أنت من الاستغفار؟ إنّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"18. فانظر إِلَى نبيّنا وحبيبنا وهو المعصوم يستغفر الله في اليوم مائة مرّة.

إن كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر كلّ هذه المرات وهو من هو، فحريٌّ بالمسلم الَّذِي لا ينفك عن معصيةٍ صغرت أم كبرت، أنْ يحتاج إلى التوبة بعدد أنفاس حياته في هذه الدنيا.

يقول الشاعر:
دَعْ عَنْكَ مَا قَدْ فَاتَ فِي زَمَنِ الصِّبا**وَاذْكُرْ ذُنُوبَكَ وَابْكِها يَا مُذْنِبُ
لَمْ يَنْسَهَا الملكَانِ حِينَ نَسِيتَها **بَلْ أَثْبَتاها وَأَنْتَ لَاهٍ تَلْعَبُ
وَالرُّوحُ مِنْكَ وَدِيعَةٌ أُودِعْتَها**سَتَرُدُّهَا بِالرّغْمِ مِنْكَ وَتُسْلَبُ
وَغُرُورُ دُنْيَاكَ التي تَسْعَى لَهَا ** دَارٌ حَقِيقَتُها مَتَاعٌ يَذْهَبُ
الْلَّيْلُ فَاعْلَمْ والنَّهَارُ كِلَاهُما **أَنْفَاسُنَا فِيهِما تُعَدُّ وَتُحْسَبُ


قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ19.

وفي الخبر: "إِنَّ الله تَعَالَى أَنْزَلَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ الْمُنْزَلَةِ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ وَأَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا ذَكَرَنِي فَمَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً وَمَنْ أَتَانِي مَشْياً أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً وَمَنْ أَتَانِي بِقِرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً أَتَيْتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً مَا لَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئاً‌"20.

فيا أيها المؤمن! هيّا إلى هذا الفضل العظيم، فوالله لو عرفت فضل التوبة ما تركتها طرفة عين، فكيف بالتوبة النصوح؟!

قال أمير المؤمنين عليه السلام: "مَنْ أُعْطِيَ أَرْبَعاً لَمْ يُحْرَمْ أَرْبَعاً مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ وَمَنْ أُعْطِيَ التَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ الْقَبُولَ وَمَنْ أُعْطِيَ الِاسْتِغْفَارَ لَمْ يُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ"21.

فتوى الفقهاء:

قال لإمام الخميني قدس سره: "من الواجبات التوبة من الذنب، فلو ارتكب حراماً أو ترك واجباً تجب التوبة فوراً، ومع عدم ظهورها منه أمره بها، وكذا لو شك في توبته، وهذا غير الأمر والنهي بالنسبة إلى سائر المعاصي، فلو شك في كونه مقصِّراً أو علم بعدمه لا يجب الإنكار بالنسبة إلى تلك المعصية، لكن يجب بالنسبة إلى ترك التوبة"22.

شرائط التوبة النَّصوح:

للتوبة النَّصوح مجموعة من الشرائط لا تتحقّق التوبة دونها:

الشرط الأوّل: الإخلاص، فلا ينبغي للتائب أنْ يتوب لمجرّد الخوف من العذاب والعقوبة، أو مذمّة الناس وخوف الفضيحة، وإنّما يتوب لله تعالى، قال جلّ عزّه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ23، وقال أيضاً ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدً24.

الشرط الثاني: الإقلاع عن المعاصي والذنوب، فإنّ حقيقة التوبة الرجوع عن الذنب ـ لقبحه ـ إلى الطاعة، فلا يمكن للتوبة أنْ تحصل مع كون المذنب مواظباً على ارتكاب المعاصي واقتراف السيّئات، فعن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "إِنَّ النَّدَمَ عَلَى الشَّرِّ يَدْعُو إِلَى تَرْكِه"25.

الشرط الثالث: المداومة على العمل الصالح، فإنّ مَنْ أقلع عن الذنوب والمعاصي من الطبيعي أن يهوى العمل الصالح ويميل إليه، ويداوم عليه. ولنعتبر بالمثال التالي: إنَّ مَنْ يجمع القمح لوقت الحاجة، لو وضعه في مستودعٍ ملوّثٍ بالحشرات والرطوبة المفسدة، فإنّه إذا جاء وقت الحاجة للاستفادة من القمح المجموع سوف يجده فاسداً, لأنّه لمن ينظّف المخزن. وهكذا الحال بالنسبة لأعمال الخير والفضيلة فإنّها لا تستقرّ في أنفسنا إِلَّا بعد تطهيرها وتنظيفها من رين الذُّنوب السابقة والمواظبة على ملئها بالأعمال الصالحة.

الشرط الرابع: ردّ المظالم: فإن كان الذنب متعلّقاً بحقّ عبد من عباد الله فلا بدّ من التحلُّل منه بالكيفية الممكنة.

الشرط الخامس: الإكثار من الاستغفار, لما فيه من الخير الكثير والبركة العميمة قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ26، فجعلها الله عِدل الوجود المبارك لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فكما أَنَّ لوجود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الحياة الدُّنيا من الخير العميم ورفع العذاب، فإنّ للاستغفار كذلك من الفضل. وكلمة ﴿يَسْتَغْفِرُونَ تدلُّ على المداومة والاستمرار في العمل لا فعله دفعة واحدة والانتهاء.

الشرط السادس: عدم اليأس من قبول التوبة ورجاء الغفران دائماً،
الأمر الذي يحفّز المذنب على مداومة الاستغفار، ورجاء الإجابة.

كيفية التوبة النُّصوح:

روي أن علياً عليه السلام سمع رجلاً يقول: "أستغفر الله"، فقال عليه السلام له:

"ثكلتك أمك أو تدري ما معنى الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ست معان:
- الندم على ما مضى.
- العزم على ترك العود إليه أبداً.
- أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة.
- أن تعمد إلى كل فريضة ضيّعتها فتؤدّي حقها.
- أن تعمد إلى اللحم الذي نبت عليه السحت والمعاصي فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد.
- أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية.

- عند ذلك تقول: أستغفر الله"
27.

دعوة رسول الله المفتوحة للتوبة:

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه، ثم قال إنّ السنة لكثير، من تاب قبل أن يموت بشهر تاب الله عليه، ثم قال وإنّ الشهر لكثير، ومن تاب قبل موته بجمعة تاب الله عليه، ثم قال وجمعة كثير، من تاب قبل أن يموت بيوم تاب الله عليه، ثم قال واليوم كثير، من تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه، ثم قال من تاب وقد بلغت نفسه هذه وأومأ بيده إلى حلقه تاب الله عليه"28.

* كتاب محاسن الكلم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة التحريم، الآية 8.
2- الإمام زين العابدين عليه السلام ، الصحيفة السجادية، مناجاة التائبين.
3- سورة الزمر، الآية 53.
4- الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص 808، مادة نصح تحقيق صفوان عدنان داوودي، الناشر طليعة النور، مطبعة سليمان زادة، ط 2، 1427ه.
5- الديلمي، إرشاد القلوب، ج 1، ص 45.
6- الشيخ الكليني، أصول الكافي / ج 2، ص 432.
7- الكُلَيْني، مُحَمَّد بن يعقوب، الكافي، ج 2، ص 436، باب: بناء التوبة، ح 12، تصحيح وتعليق على أكبر غفاري، الطَّبعة الثّالثة 1367ش، دار الكتب الإسلاميَّة، طهران.
8- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 352.
9- العاملي الناباطي، علي بن يونس، الصّراط المستقيم إِلَى مستحقي التقديم، ج 2، ص 67، تصحيح: مُحَمَّد باقر البهبودي، الطبعة الأُولى 1384، نشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.
10- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 435.
11- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج 11، ص 333.
12- مصباح الشريعة. منسوب للإمام الصادق عليه السلام ص 97.
13- سورة النور، الآية 31.
14- سورة التحريم، الآية 8.
15- سورة البروج، الآية 10.
16- سورة النور، الآية 31.
17- سورة الحجرات، الآية 11.
18- أمين الإسلام الطّبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 9، ص 171، الطبعة الأُولى 1415، نشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
19- سورة الزمر، الآية 53.
20- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج 5، ص 298.
21- الشريف الرضي، محمد بن الحسين الموسوي، نهج البلاغة، ص 431، تحقيق وتصحيح: عزيز الله العطاردي، نشر: مؤسّسة نهج البلاغة، الطبعة الأولى 1414هـ، قم المقدسة.
22- روح الله الموسوي الخميني، تحرير الوسيلة، ج 1، مسألة (5).
23- سورة البينة، الآية 5.
24- سورة الكهف، الآية 110.
25- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 427.
26- سورة الأنفال، الآية 33.
27- الشريف الرضي، نهج البلاغة، ج 4، ص 98.
28- الشيخ الكليني، أصول الكافي، ج 2، ص 440.

الثلاثاء, 15 آب/أغسطس 2023 17:07

الخوف والرجاء

عنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَوْ أَبِيه، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام, قَالَ: قُلْتُ لَه مَا كَانَ فِي وَصِيَّةِ لُقْمَانَ، قَالَ عليه السلام: "كَانَ فِيهَا الأَعَاجِيبُ، وكَانَ أَعْجَبَ مَا كَانَ فِيهَا أَنْ قَالَ لِابْنِه: خَفِ الله عَزَّ وجَلَّ خِيفَةً لَوْ جِئْتَه بِبِرِّ الثَّقَلَيْنِ لَعَذَّبَكَ وارْجُ الله رَجَاءً لَوْ جِئْتَه بِذُنُوبِ الثَّقَلَيْنِ لَرَحِمَكَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام, كَانَ أَبِي يَقُولُ إِنَّه لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَفِي قَلْبِه نُورَانِ نُورُ خِيفَةٍ ونُورُ رَجَاءٍ لَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا ولَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا"1.

التوازن بين الخوف والرجاء في قلب المؤمن:
ذكرت الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام أَنَّ أمر العبد لا يمكن أن يستقيم إلا إذا تردّد بين الخوف والرجاء، وكانا متوازيين في قلبه وسلوكه العملي، ولا ينبغي أن يغلب أحدهما الأخر، بل لا بدّ أنْ يكونا على وزان واحد, لأنّه لو رَجُح جانب الخوف وقع العبد في اليأس والقنوت من رحمة الله تعالى وهما من كبائر الذنوب، وإنْ رَجُح جانب الرجاء وقع في محذور أخر وهو الأمن من مكر الله تعالى،الَّذِي هو أيضاً من الكبائر.

وها هو الإمام الصادق عليه السلام يذكر أَنَّ أحسن ما كان في وصية لقمان الحكيم أنْ يكون العبد على صفة الخوف والرجاء, إذ إنّهما جناحا الإنسان اللذان يحّلق بهما ليصل إِلَى ربّ العزة بقلب سليم، ولا يمكن له الوصول إلا بهما، وقد أضاف عليه السلام مطلباً عن أبيه عليه السلام يدلُّ على لزوم تعادلهما، وقد جاء هذا التأكيد بتلك الصورة المفصّلة ليدلّل على أهمية هذا التوازن، وأنّه هو المصحح لرؤية العبد في مجال نظرته إِلَى خالقه.

العلاقة بين الخوف والرجاء:
ذكر الإمام عليه السلام في الرواية المتقدّمة ضابطة عامة للخوف والرجاء، وهي: "إِنَّ مَنْ رَجَا شَيْئاً طَلَبَه"، بمعنى أَنَّ من يرجو رحمة الله تعالى وغفرانه عليه أن لا يشتغل بالمعاصي والموبقات، بل عليه أن يعمل على صلاح نفسه، ويشتغل في تحصيل رضا الله تعالى بامتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه. نعم، باب الرجاء مفتوح لكلّ العباد، خصوصاً إذا لاحظنا أَنَّ الله هو التواب الغفار لكن يحتاج إِلَى عمل على وفق ما يرجوه العبد.

ورجاء كلّ شيء يلازم الخوف من فواته, فلذا قال الإمام عليه السلام: "مَنْ خَافَ مِنْ شَيْءٍ هَرَبَ مِنْه"، فإذا كنت ترجو رحمة الله تعالى وفضله وتحسن الظن به فعليك أن تهرب من المعاصي ومن الأمور التي تؤدّي إِلَى الأمن من مكره وسخطه.

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لعبد الله بن جندب: "يَا ابْنَ جُنْدَبٍ يَهْلِكُ الْمُتَّكِلُ عَلَى عَمَلِهِ وَلَا يَنْجُو الْمُجْتَرِئُ عَلَى الذُّنُوبِ الْوَاثِقُ بِرَحْمَةِ الله، قُلْتُ: فَمَنْ يَنْجُو، قَالَ: الَّذِينَ هُمْ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ فِي مِخْلَبِ طَائِرٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَخَوْفاً مِنَ الْعَذَابِ‌"2.

حقيقة الخوف والرجاء وأثرهما في النفس:

1- حقيقة الخوف:
الخوف حالة من حالات القلب مسبّبة عن انتظار المكروه وسوء العاقبة, والخوف من الله تعالى نوع من الخضوع والخشية والتألّم أمام عظمة الله تعالى، وهو من خصائص المؤمنين وسمات المتقين، روي عن الإمام علي عليه السلام: "الخشية من عذاب الله شيمة المتقين"3.

ويجب أن يربي المؤمن نفسه على الخوف من الله تعالى ليكون باعثاً له على الطاعة ومنفّراً له من الذنب والمعصية، روي عن الإمام الصادق عليه السلام "ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفاً كأنّه يشرف على النار..."4.

وينبغي أن يتّسم بالقصد والاعتدال فلا إفراط ولا تفريط في الخوف، لأنّ الإفراط يؤذي النفس ويجعلها في حالة اليأس من الرجاء والأمل، والتفريط باعث على الإهمال والتقصير والتمرّد على طاعة الله تعالى، روي عن الإمام علي عليه السلام: "خير الأعمال اعتدال الرجاء والخوف"5.

وعليه ينبغي للعبد أن ينظر إِلَى ضعفه وفقره الذاتي واحتياجه بكلّ حركاته وسكناته، ويتوجّه إِلَى الفيض الإلهي ويتأمّل في صفاته تعالى التي منها القهّار الجبّار القوي المتعال شديد المحال، ويتبصّر بأهوال يوم القيامة وأحواله، ويستذكر ما ارتكب من المعاصي والموبقات، ليتولّد عنده حالة خوف من الله تعالى تبعث في قلبه الخشية منه.

وقد مدحت النصوص الشرعية الخوف والخشية من الله تعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ6، ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ7.. ويعتبر الخوف من الله تعالى صفة الأنبياء والأوصياء والمقربين والأبرار الذين خافوا الله واتقوه في جميع حالاتهم، وهو صفة العلماء، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء8، وخير الناس عند الله تعالى هم الأشدُّ خوفاً منه، وهو رأس الحكمة، وأصل خير الدنيا والآخرة، ومصدر حب الله تعالى للعبد، وسجن النفس عن المعاصي، وينفي العجب عن الطَّاعة، وأمان من النار، ولا ينبغي للمؤمن أن يخاف مخافة حقيقية إلا من الله تعالى، وأنّه إذا خاف الله تعالى أخاف الله منه كلّ شيء9.

عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام, قَالَ: "الْمُؤْمِنُ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا صَنَعَ الله فِيه وعُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا يَكْتَسِبُ فِيه مِنَ الْمَهَالِكِ فَهُوَ لَا يُصْبِحُ إِلَّا خَائِفاً ولَا يُصْلِحُه إِلَّا الْخَوْفُ"10.

وعنه عليه السلام: "يَا إِسْحَاقُ خَفِ الله كَأَنَّكَ تَرَاه وإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاه فَإِنَّه يَرَاكَ"11.

وعن الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام يَقُولُ: "مَنْ خَافَ اللهَ أَخَافَ اللهُ مِنْه كُلَّ شَيْءٍ ومَنْ لَمْ يَخَفِ اللهَ أَخَافَه اللهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ"12.

هذه الروايات وغيرها تنبّه العبد على حقيقته وهي الفقر إِلَى الله تعالى، وتذكّره بأنّ الدنيا محفوفة بالمخاطر والمزالق واتّباع الشهوات والمهالك ووساوس الشياطين, فلذا عليه أن يكون في حذر ويقظة مستمرة حتى كأنّه يرى الله تعالى، ويستحضر ساحة قدسه وعظمته، فيمتنع عن المعاصي والغفلة، وما أجمل تعبير الإمام الصادق عليه السلام حينما قال في الرواية المتقدمة: "ولَا يُصْلِحُه إِلَّا الْخَوْفُ"!!

2- حقيقة الرجاء:
المقصود من الرجاء أَنَّ من صدر منه تقصير في جنب الله تعالى فعليه أن يحسن الظن بربّه ويرجو أن يغفر له ويرحمه، وكذا من قام بفعل الطاعات عليه أن يرجو من الله تعالى القبول فالرّجاء: هو الفرح لانتظار محبوب بخلاف الخوف، باعتبار أَنَّ الأمور المستقبلية التي تخطر ببال العبد إن كان قد مهّد مقدماتها وحصّل أسبابها فعندئذ يسمى انتظاره لها رجاء، وأمّا من انهمك بالمعاصي والشهوات ووقع في شباك الشيطان وعبد هواه وهو مع ذلك يرجو عدم المؤاخذة والتبعة من غير ترك للذنب ولا توبة وندم على ما سلف منه، فهذا يسمّى غروراً بالله تعالى وتمنياً لرحمته.

يذكر الإمام الخميني قدس سره في الأربعون حديثاً، "قال بعضهم: "إنّ مَثَلَ من لا يعمل وينتظر رحمة ربه ويرجو رضوانه مَثَلُ من يرجو المسبِّب دون أن يُعِدَّ الأسباب، وَمَثَلُ الفلاّح الذي ينتظر الزرع من دون أن يبذر الأرض أو يهتم بها وبإروائها أو يقضي على موانع الزرع. إن مثل هذا الانتظار لا يسمى بالرجاء، بل هو بله وحماقة. وإن مَثَل من لم يُصلح أخلاقه أو لم يبتعد عن المعاصي فينهض بأعمال راجياً تزكية نفسه، مَثَلُ من يودع البذر في أراضي سبخة، ومن الواضح أن هذا الزرع لا يثمر النتيجة المتوخاة".

فالرجاء المستحسن والمحبوب هو تهيأة كافة الأسباب التي يمتلكها الإنسان كما أمر الله بها واستغلالها حسب القدرة التي زوّده بها الحق المتعال بعنايته الكاملة، وحسب هدايته عز وجل إيّاه إلى طرق الصلاح والفساد، ثم ينتظر ويرجو الحق المتعال أن يتمّ عنايته السابقة تجاه الأسباب التي وفّرها من قبل، ويحقق الأسباب التي لا تدخل تحت إرادته واختياره من بعد، ويزيل الموانع والمفاسد.

فإذا نظّف العبد قلبه من أشواك الأخلاق الفاسدة وأحجار الموبقات وسباختها، وبذر فيها بذور الأعمال، وسقاها بماء العلم الصافي النافع والإيمان الخالص، وخلّصها من المفسدات والموانع مثل العجب والرياء وأمثالها التي تعد بمثابة الأعشاب الضارة العائقة لنمو الزرع، ثم انتظر ربه المتعالي ورجاه أن يثبّته على الحق، ويجعل عاقبة أمره إلى خير، كان هذا الرجاء مستحسناً. كما يقول الحق المتعالي: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ13.

الغاية المرجوّة من الرجاء:
لا بد للعبد أن ينظر إِلَى كمال الله تعالى وسعة رحمته التي وسعت كلّ شيء، ولطفه ومحبته لعباده وشفقته عليهم، وأن يلاحظ صفات الله تعالى الدالة على الرحمة واللطف، ويلاحظ الأبواب التي فتحها الله تعالى لعباده كالدعاء والتوبة والمناجاة وقبول الأعمال، كما أَنَّ العبد إذا وقف على حقيقة العبودية التي هي الثناء والشكر لله تعالى فعليه أن يقرّ بأنّه لم يصل إِلَى تلك الذات المقدسة حتى يقوم بعبادتها الحقيقية, حتى أَنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو سيّد الأنبياء والرسل وحبيب الله تعالى، وهو الذي وصل إِلَى قاب قوسين أو أدنى من ساحة القدس الإلهية يقول: "ما عبدناك حق عبادتك، وما عرفناك حق معرفتك"14.

فبعد ملاحظة كلّ ما تقدم، وحتى لا يقع العبد باليأس من روح الله تعالى وبالقنوط من رحمته، خصوصاً مع ملاحظة الروايات الدالة على الخوف والخشية، يأتي دور الرجاء والتعلُّق برحمة الله ومغفرته وعفوه.

وإن النصوص الشرعية قد أكّدت على حسن الظن بالله تعالى والوثوق برحمته ورجاء مغفرته ولطفه، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ15.

وعنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: قَالَ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى: "لَا يَتَّكِلِ الْعَامِلُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِثَوَابِي فَإِنَّهُمْ لَوِ اجْتَهَدُوا وأَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ وأَعْمَارَهُمْ فِي عِبَادَتِي كَانُوا مُقَصِّرِينَ غَيْرَ بَالِغِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ كُنْه عِبَادَتِي فِيمَا يَطْلُبُونَ عِنْدِي مِنْ كَرَامَتِي والنَّعِيمِ فِي جَنَّاتِي ورَفِيعِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي جِوَارِي ولَكِنْ بِرَحْمَتِي فَلْيَثِقُوا وفَضْلِي فَلْيَرْجُوا وإِلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِي فَلْيَطْمَئِنُّوا فَإِنَّ رَحْمَتِي عِنْدَ ذَلِكَ تُدْرِكُهُمْ ومَنِّي يُبَلِّغُهُمْ رِضْوَانِي ومَغْفِرَتِي تُلْبِسُهُمْ عَفْوِي فَإِنِّي أَنَا الله الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وبِذَلِكَ تَسَمَّيْتُ"16.

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أيضاً، قَالَ: "وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عليه السلام أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ وهُوَ عَلَى مِنْبَرِه: والَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا أُعْطِيَ مُؤْمِنٌ قَطُّ خَيْرَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ إِلَّا بِحُسْنِ ظَنِّه بِالله ورَجَائِه لَه وحُسْنِ خُلُقِه والْكَفِّ عَنِ اغْتِيَابِ الْمُؤْمِنِينَ والَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَا يُعَذِّبُ الله مُؤْمِناً بَعْدَ التَّوْبَةِ والِاسْتِغْفَارِ إِلَّا بِسُوءِ ظَنِّه بِالله وتَقْصِيرِه مِنْ رَجَائِه وسُوءِ خُلُقِه واغْتِيَابِه لِلْمُؤْمِنِينَ والَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَا يَحْسُنُ ظَنُّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ بِالله إِلَّا كَانَ الله عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِه الْمُؤْمِنِ لأَنَّ الله كَرِيمٌ بِيَدِه الْخَيْرَاتُ يَسْتَحْيِي أَنْ يَكُونَ عَبْدُه الْمُؤْمِنُ قَدْ أَحْسَنَ بِه الظَّنَّ ثُمَّ يُخْلِفَ ظَنَّه ورَجَاءَه فَأَحْسِنُوا بِالله الظَّنَّ وارْغَبُوا إِلَيْه"17.

الفرق بين الرجاء والغرور:
إِنَّ مورد الرجاء هو تهيئة المقدمات وانتظار النتيجة، كمن بذر الأرض الصالحة للزرع وهيّأ أسباب الإنبات كالفلاحة والتسميد والسقي، وبعد ذلك يرجو من الله تعالى أن ينبت هذا الزرع.

وأمّا الغرور فهو الانتظار من دون تهيئة المقدمات والأسباب، كمن ألقى البذر في أرض غير صالحة للزرع بالمرة ولم يهيأ أسباب الإنبات فهو مغرور، وأمّا من ألقى البذر في الأرض الصالحة للزرع ولم يهيأ أسباب الإنبات فهو المتمني.

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ18. فإنّ هذه الآية الكريمة تدلّ على بعض صفات الراجي حتى لا يقع العبد في الغرور والتمني.

عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَمَّنْ ذَكَرَه عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "قُلْتُ لَه عليه السلام قَوْمٌ يَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي ويَقُولُونَ نَرْجُو فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمُ الْمَوْتُ؟ فَقَالَ عليه السلام هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَتَرَجَّحُونَ فِي الأَمَانِيِّ كَذَبُوا لَيْسُوا بِرَاجِينَ إِنَّ مَنْ رَجَا شَيْئاً طَلَبَه ومَنْ خَافَ مِنْ شَيْءٍ هَرَبَ مِنْه"19.

والمقصود من هذه الرواية واضحٌ، وهي رواية جامعة تدلُّ على الفرق بين الرجاء والغرور, حيث إِنَّ الإمام عليه السلام عبّر عن الذين يعملون المعاصي ويموتون على هذه الصفة ـ من دون توبة وتدارك لما فاتهم من العبادات والطاعات والمسامحة من الناس وإرجاع الحقوق إِلَى أهلها ومع ذلك يقولون نرجو فضل الله تعالى، ـ بالمترجحين في الأماني. والترجح تذبذب الشيء المعلّق في الهواء والتمايل من جانب إلى جانب, وترجحت به الأرجوحة مالت، وهي حبل يعلّق ويركبه الصبيان، فكأنّه عليه السلام شبّه أمانيهم بأرجوحة يركبها الصبيان تتحرّك بهم بأدنى نسيم وحركة، فكذا هؤلاء يميلون بسبب الأماني من الخوف إلى الرجاء من دون عمل.

خاتمة:
وفي الختام يمكن أن نقول: إِنَّ الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق، وإنّ أبواب رحمة الله تعالى مفتوحة لمن أراد دخولها، وإنَّ الله تعالى لم يحجب عن خلقه سبل رحمته، بل مهّد لهم كلّ أسباب الهداية والرشاد، وبقي على العبد أن يسلك سبل الهداية ويستضيء بنور العلم الواصل إلينا عن أهل بيت العصمة عليه السلام، وها هي رواياتهم قد ذكرنا شطراً منها الحاكية عن الخوف والرجاء والمؤكدة على لا بدية اتصاف العبد بهذين الوصفين باعتبارهما المصحّحان لرؤيته الأخروية والآخذان به إِلَى باب الاجتهاد في العمل ورجاء القبول حتى لا يتأرجح في الأماني كما عبّرت رواية الإمام الصادق عليه السلام المتقدمة، خصوصاً إذا لاحظنا أَنَّ بعض الناس يحاول أن يروّج لفكرة الرجاء بشكل مغلوط، ويوقع الناس بالغرور والتمنّي المذمومين، ويعتمد غالباً على روايات إمّا معارضة بروايات أخرى، وإمّا أَنَّ مضمونها لا ينسجم مع مسلّمات الدين والمذهب.
 

* كتاب محاسن الكلم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- الكُلَيْني، مُحَمَّد بن يعقوب، الكافي، ج 2، ص 67، باب: الخوف والرجاء، الحديث: (1)، تصحيح وتعليق على أكبر غفاري، الطَّبعة الثّالثة 1367ش، دار الكتب الإسلاميَّة، طهران.
2- المحدث النوري، الميرزا حسين، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج 11، ص 226، نشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، الطبعة الأُولى 1408، بيروت.
3- ميزان الحكمة، ج 1، ص 824.
4- بحار الأنوار، ج 7، ص 311.
5- ميزان الحكمة، ج 1، ص 826.
6- سورة آل عمران، الآية 175.
7- سورة المائدة، الآية 3.
8- سورة فاطر، الآية 28.
9- أكثر هذه المضامين مقتبسة من أخبار أهل البيت عليهم السلام، راجع: مستدرك الوسائل، ج 11، ص 229.
10- الكافي، ج 2، ص 71، مرجعٌ سابق.
11- المصدر نفسه.
12- المصدر نفسه، ج 2، ص 67.
13- سورة البقرة، الآية 218.
14- المجلسي، محّمَّد باقر، بحار الأنوار، ج 68، ص 23، الطَّبعة الثَّالثة 1403، دار إحياء التُّراث، بيروت.
15- سورة يوسف، الآية: 87.
16- الكافي، ج 2، ص 61، مرجعٌ سابق.
17- المصدر نفسه، ج 2، ص 72.
18- سورة البقرة، الآية 218.
19- المصدر نفسه، ج 2، ص 68.

السبت, 12 آب/أغسطس 2023 19:54

جفاف العينين.. الأسباب والوقاية

يعتبر جفاف العين  مرضاً شائعاً يحدث عندما لا تستطيع الدموع توفير الترطيب الكافي لعينيك، ويمكن أن تكون الدموع غير كافية وغير مستقرة لأسباب عديدة. 

وعند الإصابة بمرض جفاف العين، تشعر بحَرق في عينيك، وألم عند القيام بحركات معينة كركوب الطائرة، أو وجودك في غرفة مكيّفة، أو  ركوب الدراجة، أو بعد الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر لبضع ساعات.

ويقتصر علاج جفاف العين عبر  إدخال تغييرات على نمط الحياة واستخدام قطرات العين، إضافة إلى اتخاذ تدابير لازمة للسيطرة على أعراض هذا المرض.

وتعود أسبابه إلى خلل بأداء الغشاء الدمعي الطبيعي، المكوّن من ثلاث طبقات: الطبقة الزيتية الخارجية، والسائل المائي، والطبقة المخاطية، ويحدث جفاف العينين عند وجود خلل في أي من هذه الطبقات، إضافة إلى تغيّرات هرمونية، أو أمراض المناعة الذاتية، أو التهاب غدد الجفن الدهنية، وأحياناً يكون ناتجاً عن عدم إفراز العين لقدر كاف من الدموع.

يمكن تفادي التعرّض لجفاف العين عبر تفادي العديد من الأمور:

1- تجنّب توجيه الهواء مباشرة إلى عينيك.

2- استخدم مرطبات الهواء.

3- ارتداء النظارات الشمسية.

4- ترييح العينين أثناء القيام بمهام تستغرق وقتاً طويلاً.

5- الانتباه إلى أجواء البيئة المحيطة كالهواء في المناطق المرتفعة والصحراوية.

6- وضع شاشة الكمبيوتر في وضعية منخفضة عن مستوى العين.

7- تجنّب التدخين.

8- استخدام  قطرات لترطيب العين.

التقى وفد من لجنة السياسة الخارجية والأمن في مجلس الشورى الإسلامي، الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله.

واستقبل الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله وفدًا من لجنة السياسة الخارجية والأمن في مجلس الشورى الإسلامي في إيران برئاسة مسؤول اللجنة الدكتور جلال زاده وعدد من السادة النواب في هذه اللجنة وبحضور السفير الايراني في بيروت السيد مجتبى أماني حيث جرى استعراض آخر المستجدات والأوضاع في لبنان وفلسطين والمنطقة.

وفقًا لهذا التقرير فانه من المقرر في هذه العملية أن يتم تحويل أموال إيران في كوريا الجنوبية من الوون (عملة كوريا الجنوبية) إلى اليورو ، وهو ما تم القيام به ومن ثم من المقرر  ايداعها  في حساب مصرفي في قطر ليكون متاحا لإيران.

ويبلغ حجم الأموال الإيرانية في كوريا الجنوبية المقرر الافراج عنها  6 مليارات دولار  وبعد إيداع هذه الأموال في حساب مصرفي في قطر ، تجري ايضا عملية  تبادل  السجناء.

في هذه عملية التبادل يتم إطلاق سراح أربعة من الرعايا الامريكيين (سيامك نمازي وعماد شرقي ومراد طهباز وسجين آخر) مقابل إطلاق سراح نفس العدد أو أكثر من الإيرانيين السجناء في امريكا .

وقالت مصادر مطلعة لـ "تسنيم" السجناء الأمريكيين لن يتم الإفراج عنهم حتى يتم تحويل الاموال الايرانية بالكامل إلى قطر.

الحكومة الايرانية الى جانب متابعتها الحلول الدبلوماسية للإفراج عن الاموال الايرانية في كوريا الجنوبية قد بدأت منذ نحو شهر العملية القانونية ضد كوريا الجنوبية ،وسيؤدي هذان المساران في النهاية إلى الإفراج عن جميع الاموال الايرانية المحتجزة.

ولفت محمد شمص إلى أن: الأميركي يرفض الحديث أمام وسائل الإعلام الأميركية عن تبادل أموال أو تحرير أموال مجمدة مقابل الأسرى، لأنه سيكون محرجا أمام الرأي العام، لكن هذا الأمر حصل، واليوم هناك مفاوضات حدثت مع كوريا الجنوبية وأيضا مع العراق على كيفية استلام هذه المبالغ وطريقة إيصالها للإيرانيين.

وخلص إلى القول: في موضوع التصرف بهذه الأموال تعتقد إيران بشكل واضح وصريح أن هذا الأمر أمر سيادي ولا يحق للأميركي أن يشترط كيفية استخدام هذه الأموال.

من جانبه اتهم مدير التحالف شرق أوسطي للديموقراطية توم حرب إدارة الرئيس بايدن بأنها إدارة ضبابية، ومن ضمن ذلك موقفها تجاه إيران، مؤكداً أن الاتفاق الأميركي مع إيران حول الأموال المجمدة إنما هو اتفاق رئاسي من قبل إدارة بايدن ولم يعرف أحد ما إذا كان بايدن قد قدم ضمانات لإيران لا يوافق عليها الكونغرس.

وأوضح أن التفاق الأميركي مع إيران حول الأموال المجمدة إنما هو اتفاق رئاسي من قبل إدارة الرئيس بايدن وهي غير ملزمة أن تذهب به إلى الكونغرس ليوافق عليه وعلى ضمانات لإيران.

وأكد أن: هناك ضبابية الموقف الأميركي، الإدارة تقول ليس هناك تبادل أسرى بالأموال وانما تبادل أسرى من الطرفين، ولكن نحن لم نعرف من هم الأسرى الإيرانيين والأميركيين.

فما رأيكم؟

كيف يقرأ الإعلان الإيراني عن التوصل لاتفاق مع أميركا للإفراج عن أموال مجمدة مقابل تبادل سجناء؟

هل حصلت طهران على الضمانات الكافية لتنفيذ الاتفاق ولتصرف الأموال بحسب احتياجات البلاد؟

ماذا يعني وصف البيت الأبيض الخطة بالمشجعة، مع الأمل بتحقيق تقدم في مباحثات النووي؟

ما انعكاسات الاتفاق على استمرار إجراءات الحظر كما ادعى بلينكن بسبب سياسات إيران في المنطقة؟