emamian

emamian

الخميس, 03 آب/أغسطس 2023 19:10

ما هي حدود حادثة عاشوراء؟

حقيقة عاشوراء بحسب ما ورد من أقوال الإمام الخميني قدس سره باعتبارها حدثاً يتخطّى حدود الزمان والمكان حيث إنّ مؤثّريّة شهادة الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه وتضحياتهم لا زالت تفعل فعلها بكلّ أرض وكلّ زمان مهما اختلفت الألسن والألوان والأعراق وحتّى الأديان. لذا فإنّ النهضة الحسينيّة في عاشوراء إلهيّة بكلّ تفاصيلها، وإنسانيّة بمحض شمول مفاعيلها وتأثيراتها لكلّ حرّ. وعن ذلك يقول الإمام قدس سره: "ينبغي لنا أن نُدرك أبعاد هذه الشهادة ونعي عمقها وتأثيرها في العالَم ونلتفت إلى أنّ تأثيرها ما زال مشهوداً اليوم أيضاً"([1]).
 
وبحسب قول الإمام الخميني قدس سره فبالإضافة إلى كون النهضة الحسينيّة قياماً لله ـ وأداءً للتكليف الإلهيّ ـ هي أيضاً حركة سياسيّة كبرى بكلّ تفاصيلها من أوّل خطوة فيها حتّى الشهادة وعن ذلك تحدّث قدس سره: "إنّ مجيء سيّد الشهداء عليه السلام إلى مكّة وخروجه منها بتلك الحال يعدّ حركة سياسيّة كبيرة، ففي الوقت الّذي كان فيه الحجيج يدخلون مكّة كان الحسين عليه السلام يُغادرها وهي حركة سياسيّة، فكلّ سلوكات الحسين عليه السلام وأعماله كانت سياسيّة إسلاميّة وهي الّتي قضت على بني أميّة ولولا ذلك الدم لكان سُحِق الإسلام وانتهى"([2]).
 
ويقول عن كون نهضة سيّد الشهداء قياماً للَّه: ليست أكثر من موعظة واحدة هي ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّه﴾([3]) قوموا لله عندما تشاهدون الخطر يحدق بدين الله.
 
قام أمير المؤمنين عليه السلام لله عندما شاهد دين الله في خطر وأنّ معاوية يُحرِّف دين الله ونفس الشيء بالنسبة لسيّد الشهداء فقد قام لله وهذا أمر لا يختص بزمن معيّن إنّ موعظة الله دائميّة..."([4]).
 
وهي تكليف إلهيّ يقول قدس سره: "عندما يرى سيّد الشهداء عليه السلام أنّ حاكماً ظالماً جائراً يحكم الناس فإنّه يُصرِّح ويقول إنّ من يُشاهد حاكماً جائراً يحكم بين الناس ويظلمهم فيجب عليه أن يقف بوجهه ويمنعه بقدر استطاعته. إنّ بضعة أنفار لم يكونوا شيئاً يُذكر أمام ذلك الجيش، ولكنّها المسؤوليّة والتكليف إذ كان يجب عليه أن ينتفض، ويُقدِّم دمه حتّى يُصلح هذه الأمّة وحتّى يقضي على راية يزيد، وهذا ما قام به فعلاً فقد قدّم دمه ودم أولاده، وكلّ ما يملك من أجل الإسلام"([5]).
 


([1]) نهضة عاشوراء، ص 27.
([2]) نهضة عاشوراء، ص 64.
([3]) سورة سبأ، الآية: 46.
([4]) منهجية الثورة الإسلامية، ص 469.
([5]) منهجية الثورة الإسلامية، ص 468.

وصى ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي (دام ظله) بالاهتمام بإحياء المجالس والشعائر، وكذلك نبّه على تصفيتها من الشوائب التي تعرضها أحياناً.

قال (دام ظله): ذكرى عاشوراء ليست مجرّد ذكر لبعض الخواطر والذكريات والأحداث فقط، وإنّما هي تبيان لحادثة في غاية الأهمّيّة، ولها عدد غير محدود من الأبعاد والجوانب التي تركت أعمق الآثار في حياة الأمّة الإسلاميّة على مرّ التاريخ.

إذاً فالتذكير بهذه الفاجعة هو موضوع يمكن أن يتبلور عنه كثير من الخيرات والبركات لأبناء الأمّة، لذا تلاحظون أنّ قضيّة البكاء والإبكاء على الإمام الحسين عليه السلام كانت تحتلّ مكانة متميّزة في زمن الأئمّة عليهم السلام. فلا يتصورنّ أحد أنّه مع وجود المنطق والاستدلال فما هي الحاجة للبكاء وما هي الحاجة للبحث في قضايا قديمة من هذا القبيل؟

إنّ هذا النوع من التفكير بيّن البطلان لأنّ لكلٍّ من هذه الأمور دوراً في بناء شخصيّة الإنسان وتكامله، فالعواطف لها دورها والمنطق والبرهان لهما دورهما المهمّ أيضاً. فالعاطفة لها دور في حلّ كثير من المشاكل والمعضلات التي يعجز المنطق والاستدلال عن حلّها...

طبعاً فإنّ كلّ مشاعر وأحاسيس صادقة تنطوي على برهان فلسفيّ واستدلال عقليّ..

وحادثة عاشوراء تنطوي في طبيعتها وذاتها على بحر زاخر من العواطف الصادقة، فهذه الفاجعة جاءت نتيجة لثورة إنسان عظيم ومعصوم، إنسان لا يمكن التشكيك بمقدار ذرّة في شخصيّته المتسامية، ويقرّ جميع المنصفين في العالم بتعالي هدفه وهو: إنقاذ المجتمع من براثن الظلم والاستعباد...

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الفائدة التي يجب أن تُجنى من هذه الذكرى ومن هذه المجالس؟ وما هو الطريق لشكر هذه النعمة؟

...هذه النعمة الكبيرة هي التي تربط القلوب بمنابع الإيمان بالله وبالغيب مباشرة، وهي التي جعلت الحكّام الطواغيت على طول التاريخ يرتجفون خوفاً وفزعاً من عاشوراء ومن قبر الإمام الحسين عليه السلام. فقد بدأ هذا الخوف منذ زمن بني أميّة وتواصل إلى يومنا هذا...

وقد عرف إمامنا الراحل رضوان الله عليه - ذلك الرجل وصاحب النظرة الثاقبة - كيف يستغلّ أيّام عاشوراء من أجل السعي إلى تحقيق أهداف الإمام الحسين عليه السلام العظيمة، فقد أعلن رضوان الله عليه بأنّ محرّم هو شهر انتصار الدم على السيف، وبهذا المنطق - وببركة شهر محرّم - انتصر الدم على السيف في إيران الإسلاميّة، وكما خطّط له الإمام الراحل رضوان الله عليه...

هناك أمور تقرّب الناس إلى الله وتعزّز تمسّكهم بتعاليم الدّين، ومن هذه الأمور هي مراسم العزاء التقليديّة، وأنّ ما أوصانا الإمام رضوان الله تعالى عليه بإقامة مراسم العزاء التقليديّة هو المشاركة في المجالس الحسينيّة ونعي الإمام الحسين عليه السلام، والبكاء عليه واللطم على الصدور في مواكب العزاء، وهي من الأمور التي تعزّز المشاعر الجيّاشة إزاء أهل البيت عليهم السلام .

أكّد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، اليوم الأربعاء، أنّ "المقاومة، عبر مختلف أُطرها، كانت عامل مفاجأة للأميركيين والإسرائيليين، والكل شهد تطورها وإنجازاتها". 

وفي كلمةٍ، في الحفل التأبيني لعالم الدين، الشيخ عفيف النابلسي، قال السيد نصر الله إنّ "المشكلة الرئيسة في المنطقة هي التدخل الأميركي الفاضح والفجّ في كل شيء". 

وأضاف أنّه "في مقابل التدخل الأميركي الفاضح والفج في كل شيء، نواجه ثقافة وسياسة قائمتين على الخضوع للإرادة الأميركية"، التي تنكث بوعودها. 

وعقّب قائلاً: "اليوم، تمر الذكرى السنوية الثانية للوعد الأميركي، وحتى الـآن الكهرباء لم تصل إلى لبنان بسبب المنع الأميركي للغاز المصري والكهرباء الأردنية". 

وأضاف: "إذا كان اللبنانيون يصبون جامّ غضبهم على وزير هنا أو وزير هناك، فهم يغرقون في التفاصيل، وعليهم أن يصبّوا غضبهم على أميركا، التي تستبد وتمنع الكهرباء عن الشعب اللبناني". 

وأشار السيد نصر الله إلى أنّ "هناك مصادر كثيرة يمكن أن تدرّ أموالاً على الخزينة اللبنانية، لكنّها ممنوعة بسبب فيتو من السفارة الأميركية". 

وشدّد، في هذا السياق، على وجوب الخروج من الهيمنة الأميركية لإيجاد حل للأزمة في لبنان، إذ إنّ الأميركيين "سيأخذوننا إلى واقع مؤلم وكارثي بسبب تدخلهم الكبير في بلادنا". 

وبشأن اشتباكات مخيم عين الحلوة في صيدا، جنوبي لبنان، بين حركة فتح وعناصر متطرفة، قال السيد نصر الله إنّ "هناك وسائل إعلامية لبنانية تصرّ زوراً على اتهام حزب الله بالوقوف وراء هذه الأحداث"، مناشداً جميع الأطراف المعنيين وقف الاقتتال في المخيم.

وبمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لانفجار مرفأ بيروت عام 2020، أوضح السيد نصر الله أنّ "من ضيّع الحقيقة في هذا التفجير هو الذي عمل على تسييس القضية منذ البداية، ولجوء البعض إلى ربط القضية بالأحداث الإقليمية". 

"دول المنطقة تعاني العقوبات الأميركية"

ومن لبنان إلى سوريا، شدّد السيد نصر الله على أنّ "كل المعاناة التي تعانيها سوريا هي بسبب العقوبات الأميركية وقانون قيصر"، مشدداً على أنّه "لولا قانون قيصر لما احتاجت سوريا إلى مساعدات من أي جهة لتخطّي آثار الحرب". 

 وأكّد أيضاً أنّ "الاحتلال الأميركي هو الذي يمنع الحكومة السورية من الوصول إلى حقول النفط والغاز شرقي الفرات، وينهبها". 

وقال إنّ "الولايات المتحدة الأميركية تمنع العراق من دفع ثمن الغاز إلى الحكومة الإيرانية كي تقوم إيران بقطع الكهرباء عن العراق"، مبيّناً أنّ "سبب المنع الأميركي للدفع هدفه أن توقف إيران ضخ الغاز عن العراق، وعندها يقولون للشعب العراقي انظروا إلى إيران ماذا تفعل بكم". 

وفي اليمن أيضاً، فإنّ العائق الأساسي أمام انتهاء الحرب، بحسب السيد نصر الله، هو الجانب الأميركي.

أمّا في فلسطين، فإنّ "إمكان حل الدولتين يتلاشى"، وفقاً للسيد نصر الله، الذي أكّد أنّ "من ينتظر أميركا في السياسة والاقتصاد والقيم، فسينتظر قيمها الشاذة". 

الشيخ عفيف النابلسي: المجاهد منذ اليوم الأول

وتكريماً للشيخ عفيف نابلسي، الذي وافته المنية بعد صراعٍ مع المرض، وعبر الحديث عن سيرته، قال السيد نصر الله إنّ الشيخ هو "العالِم والفقيه والمجاهد الحاضر، والشاعر الأديب المربي، والأستاذ في الحوزة، والمحقق الكاتب في كل العلوم الإنسانية، وأحد كبار المؤسسين في المسيرة الجهادية". 

وأشار السيد نصر الله أنّ "الشيخ النابلسي كان حاضراً في التأسيس والأنشطة والحضور واللقاءات والتعبئة والتثقيف والتنظيم لحزب الله منذ اليوم الأول". 

وأضاف أنّ "موقف الشيخ عفيف كان حاسماً في عدوان تموز/يوليو 2006، ودُمّر منزله والمجمع الذي عمّره في صيدا، لكن ذلك زاده تصميماً وعزماً"، مشيراً إلى أنّ موقفه أيضاً كان واضحاً وجلياً في الأحداث التي طرأت في المنطقة وسوريا واليمن. 

وأوضح السيد نصر الله أنّ "الشيخ عفيف كان ملماً بالأحداث في لبنان والمنطقة، وبمعرفة العدو الأساسي والمشروع القائم ومن يقف خلفه".  

وفي ختام كلمته، توجّه السيد نصر الله إلى الشيخ النابلسي قائلاً إن "إخوانك وأبناءك في حزب الله، كما أفراد عائلتك، سيحملون وصيتك مثلما حملوا وصايا كل الشهداء، وستشهد مقاومتك مزيداً من الانتصارات". 

في مياه تزدحم بالاساطيل الأجنبية والقطع الحربية من جانب، والملفات السياسية والإقتصادية والأمنية الشائكة التي ترج بها الأمواج من جانب آخر.

 

ترتأي ايران ان تجري مناورات عسكرية سمتها الدفاع القوي عن جزيرة الإيرانية.. فللتوقيت حساسيته وللظرف خصوصيته، والاهم من هذا وذلك للمكان رمزيته، فان جزيرة بو موسى واحدة من الجزر الإيرانية الثلاث في قلب الخليج الفارسي.

المناورات تهدف الی ارسال رسالة رادع مفادها ان ایران علی اتم الاستعداد للدفاع الراسخ عن الجزر الإيرانية في الخليج الفارسي تشتمل هذه المناورات على تدريباتٍ تكتيكية متنوعة، من بينها تدريبات الوحدات القتالية والصاروخية والطائرات المسيرة ووحدات الرد السريع.

اماطت طهران اللثام في هذه المناورات ولاول مرة عن طائرات مسيرة وعوامات مزودة بالذكاء الإصطناعي.

القطع الحربية المشاركة محملة برسائل الى من يهمه الامر.. لعل الاهم بالنسبة لطهران وفق مراقبين انها قوية اقليمياً يحسب لها حسابها.. وهي قادرة على امتطاء موجات الضغوط والبقاء قوية بفضل ماتمتلكه من امكانات.

الأربعاء, 02 آب/أغسطس 2023 07:35

الحكمة من مرض السجاد (ع) يوم عاشوراء

السؤال:

هل هناك سرّ في مرض الإمام السجّاد(عليه السلام) يوم كربلاء؟ ولماذا لم يأخذ الإمام الحسين(عليه السلام) ابنته فاطمة العليلة إلى كربلاء؟

الجواب:

شاءت الإرادة الإلهية أن يكون الإمام السجّاد(عليه السلام) عليلاً يوم عاشوراء، وذلك:

أوّلاً: حتّى لا يُقتل.

ثانياً: حتّى لا تخلو الأرض من حجّة لله تعالى.

ثالثاً: حتّى يستلم الإمامة بعد أبيه الإمام الحسين(عليه السلام).

رابعاً: يسقط عنه وجوب الدفاع عن إمام زمانه، إذ لو كان سليماً ويسمع استغاثة أبيه(عليه السلام)؛ لوجب عليه إغاثته والذبّ عنه.

وأمّا السبب في عدم أخذ الإمام الحسين(عليه السلام) ابنته فاطمة العليلة فلشدّة مرضها حين الخروج، بينما الإمام السجّاد(عليه السلام) لم يكن مريضاً يوم خروجه من المدينة المنوّرة.

حول هذا المحور نتحدّث عن نقطتين مهمّتين في موقف الإمام زين العابدين (ع) من حكومة بني أميّة وعمّالهم وأعوانهم في البلاد:

أ- موقف الإمام من الخروج والثورة المسلّحة ضدّ حكّام بني أميّة وعمّالهم في البلاد.

ب- إعلان المقاطعة السياسيّة والمعارضة لحكّام بني أميّة، ونفي شرعيّة حكومة بني أميّة، والنهي عن التعاون معهم. وسوف نتحدّث عن هاتين النقطتين بإيجاز إن شاء الله.

أ- موقف الإمام (ع) من الثورة المسلّحة

لقد علم بنو أميّة أن شيعة علي (ع) هم المعارضون السياسيّون الصلبون ضدّ حكمهم.. وبإمكان هذه المعارضة أن تستقطب ثقة الناس ودعمهم ومشاركتهم ما لا تستطيعه أيّة جماعة معارضة أخرى.

وكان الخوارج يومذاك يحسبون في عداد المعارضات السياسيّة القويّة لحكّام بني أميّة، إلا أنّ المعارضة الخارجيّة كانت حركة انتحارية، انفعالية، في التعامل مع الساحة السياسيّة والأحداث كما قلنا، وهذه الحالة الانفعاليّة وغير العقلانيّة في تكفير المسلمين وقتلهم بصورة عشوائية، أدّت إلى تصفيتها من قبل حكّام بني أميّة، وعمّالهم كالحجّاج بن يوسف الثقفي، وغابت هذه الحركة عن الساحة السياسيّة في أواسط العصر الأمويّ تقريباً، ولم تعد هذه الحركة تقلق حكّام بني أميّة.

ولم يكن أمر المعارضة الشيعيّة كذلك، فقد كانت هذه المعارضة تمتلك جماعة عريضة، وخطّة سياسيّة، وقابليّة على ترحيل العمل السياسيّ، والثورات المسلّحة، وقدرة كبيرة على الاختفاء والكتمان والعمل في السرّ.

لقد اهتزّت دولة بني أميّة من أقصاها إلى أقصاها بسبب خروج الحسين (ع) ومصرعه، ولم يعد لهذه الدولة الموقع الشرعيّ الذي كان يدّعيه بعنوان خلافة رسول الله (ص)، بعد مصرع الحسين (ع) وأنصاره، في نظر عامّة المسلمين، وكانوا يتعاملون معها، كما يتعاملون مع أيّ حكومة زمنيّة ظالمة ذات قوّة وبطش.. ورغم كلّ الإعلام الأمويّ الواسع فقد دفع آل أميّة ضريبة باهظة بسبب مصرع الإمام الحسين (ع) وأنصاره على أيديهم، ولم يعد بإمكانهم جبر الكسر الذي حدث في سلطانهم في حادث الطفّ.

ومع كلّ هذا الإرهاب والتصفيات الواسعة التي مارسها بنو أميّة تجاه شيعة أهل البيت (عليهم السلام) … بقى شيعة أهل البيت معارضة سياسيّة قويّة، ومسلّحة أحياناً في وجه بني أمية، يهدّدون سلطانهم وملكهم في كلّ حين، رغم كلّ القتل والسجن والمطاردة التي مارسها بنو أميّة بحقّ آل عليّ وشيعتهم.

ولذلك كان بنو أميّة يخطّطون للقيام بتصفيّة واسعة لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) في العراق والحجاز، والتضييق عليهم في أرزاقهم ومطاردتهم وحبسهم وقتلهم، ومن يقرأ ما حدث لشيعة الإمام علي (ع) في العراق في عهد معاوية، وبعد ذلك، وفي عهد عبد الملك وهشام، وفي ولايّة الحجّاج في العراق، لا يتردد في هذه الحقيقة، وقد قرأنا من قبل كلمة الإمام الباقر (ع) في سياسة بني أميّة في استئصال شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، وملاحقتهم، ومطاردتهم، والتضييق عليهم.

لقد عاش الإمام زين العابدين (ع) هذه الفترة الصعبة بعد مصرع أبيه (ع) وأنصاره (رضوان الله عليهم) بكربلاء.

فكان الإمام عليّ بن الحسين (ع) يعمل ما في وسعه لئلا يعطي ذريعة لبني أميّة وعمّالهم ليمارسوا هذه التصفيّة السياسيّة الواسعة التي كان يخطّط لها بنو أميّة لشيعته.

وكان الإمام (ع) هو رأس هذا الاستهداف.. وكان بنو أميّة يعلمون جيّداً أن الإمام عليّ بن الحسين (ع) وارث عاشوراء، حضر كربلاء يوم عاشوراء، وحفظه الله تعالى من بطش الظالمين يوم عاشوراء، ليحمل ميراث الحسين (ع) سيّد الشهداء، وأنصاره الشهداء من بعدهم للمسلمين، فكان زين العابدين (ع) يحمل خطاب الشهداء في كربلاء وخطاب سيد الشهداء إلى المسلمين، وكان يشعر بثقل هذه المسؤوليّة، وكان يسعى لأداء هذا الخطاب أوسع أداء إلى الأجيال، وكان بنو أميّة يعرفون ذلك كلّه.. وقد لمسوا تأثير هذا الخطاب في مسيرة أهل البيت (عليهم السلام)، على هيئة أسرى من كربلاء إلى الكوفة، ومن الكوفة إلى الشام.

الإمام زين العابدين يقيم أوّل مجلس عزاء للحسين (ع) عند مدخل المدينة:

روى بشير بن حذلم وقال: )لمّا قربنا من المدينة حطّ عليّ بن الحسين رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال: يا بشير رحم الله أباك لقد كان شاعراً فهل تقدر على شي ء منه؟ فقلت: بلى يا ابن رسول الله (ص) إنّي شاعر، فقال (ع): ادخل المدينة وانع أبا عبد الله. قال بشير: فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة، فلمّا بلغت مسجد النبيّ (ص) رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول:

يا أهلَ يثربَ لا مُقامَ لكم بها **  قُتِلَ الحسينُ فأدمعي مِدْرارُ

الجسمُ منهُ بكربلاءَ مضرَّج ** والرأسُ منهُ على القناةِ يدارُ

قال: ثمّ قلت: هذا عليّ بن الحسين (ع) مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم، وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه.

قال: فلم يبق في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلا برزن من خدورهن، وهنّ بين باكيّة ونائحة ولاطمة، فلم ير يوم أمرّ على أهل المدينة منه، وسألوه: من أنت؟ قال: فقلت: أنا بشير بن حذلم، وجّهني عليّ بن الحسين، وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله ونسائه.

قال: فتركوني مكاني وبادروني، فضربت فرسي حتى رجعت إليهم، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع، فنزلت عن فرسي، وتخطّيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط، وكان عليّ بن الحسين داخلًا فخرج وبيده خرقة يمسح بها دموعه وخادم معه كرسيّ، فوضعه وجلس وهو مغلوب على لوعته، فعزّاه الناس، فأوما إليهم أن اسكتوا، فسكنت فورتهم فقال:

الحمد لله ربّ العالمين مالك يوم الدين بارء الخلائق أجمعين، الذي بَعُدَ فارتفع في السماوات العلى، وقرب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الأمور وفجائع الدهور وجليل الرزء وعظيم المصائب.

أيّها القوم إنّ الله وله الحمد ابتلانا بمصيبة جليلة وثلمة في الإسلام عظيمة، قُتل أبو عبد الله وعترته، وسبي نساؤه وصبيته، وداروا برأسه في البلدان من فوق عالي السنان، أيّها الناس فأيّ رجالات يسرّون بعد قتله؟ أيّة عين تحبس دمعها وتضنّ عن إنهمالها، فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار والسماوات والأرض والأشجار والحيتان والملائكة المقرّبون وأهل السماوات أجمعون.

أيّها الناس أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟ أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟ أم أيّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلم في الإسلام؟

أيّها الناس أصبحنا مطرودين، مشرّدين، مذودين، شاسعين، كأنّا أولاد ترك أو كابل من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه. ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين. إن هذا إلا اختلاق، والله لو أنّ النبيّ تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاة بنا، لما زادوا على ما فعلوه، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

إضطهاد وارث كربلاء

لقد كان عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) وارث عاشوراء حقّاً، وكان يحمل تراث عاشوراء، وينشره أينما يحلّ … فقد كان شاهد عاشوراء ووارثه وحامل خطابه.

ولذلك كان يخافه بنو أميّة على ملكهم وسلطانهم ويرصدونه، ويتحيّنون الفرص به للقضاء عليه وأهل بيته وشيعته، لتخلو الساحة لبني أميّة من المعارضة الشيعيّة العلويّة.

وكان عليّ بن الحسين (ع) يعي كلّ ذلك، ويحرص ألا يعطي لبني أميّة هذه الفرصة في السنوات الثلاث الأولى، على الأقلّ، من عودته إلى المدينة.

فآثر (ع) في أوّل وهلة من عودته من الشام إلى المدينة أن يغيب عنها، ويسكن البادية، ويبتعد عن الناس، ليأمن بنو أميّة جانبه، وليرسخ في نفوسهم أنّ الإمام قد اعتزل )الحَضَر( و )السياسة( و )المعارضة (ولم يعدّ الإمام تهديداً فعلياً لحكومة بني أميّة.

يروي ابن أبي قرّة في )المزار( عن الإمام الباقر (ع)، قال: كان أبي عليّ بن الحسين (ع) قد اتخذ منزله بعد مقتل أبيه الحسين (ع) بيتاً من شعر، خارج المدينة، كراهيّة لمخالطة الناس.

وكان يسير في مقامه من الباديّة إلى العراق، زائراً لأبيه وجدّه (عليهماالسلام)، ولا يُشعر بذلك مِن فِعلِه  .

لقد أبعدت هذه السياسة أنظار بني أميّة فعلًا عن الإمام زين العابدين، وأمنوا جانبه، وحفظ الإمام (ع) بذلك نفسه وأهله وشيعته من بطش بني أميّة برهة من الزمان.

ولقد كانت تلك البرهة، بعد مصرع الحسين (ع) فترة صعبة من أصعب ما مرّ على أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، وأيّ موقف انفعاليّ في هذه الفترة كان كافياً لاستئصال أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم على يد جلاوزة بني أمية.

ولم يكن لأهل البيت (عليهم السلام) أنصار في تلك الفترة الصعبة في الحرمين الشريفين، يقفون معهم وينصرونهم … وعن هذه الغربة والانفراد في الحجاز، يقول زين العابدين (ع)، كما في روايّة ابن أبي الحديد (ما بمكّة والمدينة عشرون رجلًا يحبّنا).

موقف الإمام (ع) من ثورة أهل المدينة (الحرّة):

ونقطة أخرى تلفت النظر في سيرة الإمام زين العابدين (ع) في هذه الفترة، فهي أن الإمام (ع) لم يشترك في ثورة أهل المدينة المسلّحة على بني أميّة، لأن الإمام كان يعلم مآل هذه الثورة من انتهاك حرمة حرم رسول الله (ص)، والمذابح الواسعة التي جرت على يد مسلم )مسرف( بن عقبة )لعنه الله( للصحابة وأبناء الصحابة والتابعين، وانتهاك حرمات النساء في مدينة رسول الله (ص)، ولأن هذه الثورة كان ينقصها التخطيط، ولم يكن قادة الثورة قد خططوا لهذه الثورة وأعدّوا لها عدّتها بصورة عقلانيّة.

ولسبب آخر يعادل كلّ الأسباب المتقدّمة، وهو أن الإمام كان لا يريد أن يعطي لبني أميّة ذريعة لقتله وتصفيّة من تبقّى من شيعته وأهله بعد كربلاء… ولا يمنحهم الفرصة التي كانوا يطلبونها للانقضاض على المعارضة الشيعيّة وإمامهم عليّ بن الحسين (ع).

ملاحظات على ثورة المدينة:

نحن عندما نقرأ في التاريخ ثورة أهل المدينة على يزيد بن معاويّة تستوقفنا ملاحظات جديرة بالتوقّف. لا يسعنا دراستها في هذا الموضع من البحث وانّما نشير إليها ونتجاوزها.

لم يكن يخفى على الثائرين في المدينة أن يزيد بن معاويّة لا يقف موقف المتفرّج عن إعلان أهل المدينة للانفصال عن حكومة الشام، بعد أن طردوا عامله على المدينة، وأنّه سوف يبعث إليهم بجيش من الشام، لا يطيقون مقاومته.

وكان من المعقول جدّاً أن يفكّر الثائرون في المدينة بالاتصال بالأقطار الإسلاميّة الأخرى ليزودوهم بالرجال والمقاتلين والمال كما فعل الحسين (ع) في خروجه على يزيد، ولكنّهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك. وكان واضحاً لمن يتابع سير الأحداث يومئذ في المدينة … أن الثائرين سوف يعرضون مدينة رسول الله (ص) وحرمه وقبره وأهل المدينة ومن بقي من صحابة رسول الله (ص) وأبناء الصحابة التابعين لفتك ذريع واسع من قبل جيش الشام الذي يقوده (مسرف) بن عقبة، وكان الأمر كذلك.

ونحن نحتمل أن عبد الله بن الزبير كان وراء هذه الواقعة فقد بعث أخاه منذر بن الزبير إلى المدينة ليحرِّض أهل المدينة على خلع يزيد وطرد عامله .

يقول المسعوديّ في مروج الذهب: ( إن حركة أهل المدينة واخراجهم بني أميّة وعامل يزيد من المدينة كان عن إذن ابن الزبير ) .

ويقول ابن الأعثم في الفتوح: (… إنّ أهل المدينة لمّا بلغهم مبايعة الناس لابن الزبير في مكّة والطائف وسائر مدن الحجاز، أخرجوا عامل يزيد من المدينة وبايعوا عبد الله بن الزبير، وبلغ ذلك ابن الزبير، فأرسل إلى عبد الله بن حنظلة الغسيل فولاه المدينة) .

ومهما يكن من أمر فلم يصب عبد الله بن الزبير في اشعال نار الحرب في مكّة وتعريض الحرم المكي الشريف لانتهاكات جيش الشام، كما حدث، ولم يصب الثائرون في المدينة في تعريض مدينة رسول الله (ص) للانتهاك الواسع الذي قام به جيش الشام بقيادة (مسرف) بن عقبة في الحرم النبويّ الشريف في المدينة.

كما لم يصيبوا في إعلان الخروج على يزيد من غير الإعداد الكامل لهذه المعركة غير متكافئة بين الثائرين من أهل المدينة وجيش الشام، وبين ابن الزبير وأصحابه في مكّة وجيش الشام.

ولا نعلم كيف خفي هذه المدّة الطويلة فجور يزيد وفسقه وإعلانه على أهل المدينة، حتى رجع وفدهم من الشام من عند يزيد، فقالوا: (قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويضرب بالطنابير، ويعزف عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسمر عنده الخرابّ، فخلعوه من الخلافة) .

وكان عبد الله بن حنظلة الغسيل يقول: (جئتكم من عند رجل لو لم أجد إلا بَنيَّ هؤلاء لجاهدته بهم).

ويقول: (ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنّه رجل ينكح امّهات الأولاد والبنات، والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة) .

وكان الإمام الحسين (ع) قد كشف للمسلمين يزيد بن معاويّة وفساده وفجوره منذ حياة أبيه معاويّة عندما كان يسعى معاويّة ليأخذ البيعة من المسلمين ليزيد في حياته  .

روى ابن قتيبة الدينورىّ وغيره: لمّا قدم معاويّة المدينة حاجّاً، وأخذ البيعة ليزيد، وخطب ومدح يزيد، ووصفه بالعلم بالسنّة وقراءة القرآن والحلم الذي يرجح بالصم الصلاب. قام الحسين فحمد الله وصلى على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ثمّ قال: أما بعد: فلن يؤدّي القائل- وإن أطنب- في صفة الرسول (ص) من الجميع جزءا، هيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى، وبهرت الشمس أنوار السرج، ولقد فضلت حتى أفرطت، واستأثرت حتى أجحفت، ومنعت حتى بخلت، وجزت حتى جاوزت، ما بذلت لذي حقّ من أتم حقه بنصيب، حتى أخذ الشيطان حظّه الأوفر، ونصيبه الأكمل.

فهمت ما ذكرته عن يزيد من إكتماله وسياسته لأمّة محمّد (ص)، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوباً أو تنعت غائباً، أو تخبر عمّا كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المتهارشة عند التحارش، والحمام السبق لأترابهنّ، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده باصراً، ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق أكثر مما أنت لاقيه، فوالله ما برحت تقدّم باطلًا في جور، وحنقاً في ظلم، حتى ملأت الأسقية، وما بينك وبين الموت إلا غمضة، فتقدّم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص .

وقد كان حريّاً بأهل الحرمين الشريفين أن يقفوا مع ابن رسول الله (ص) حين أعلن الخروج على يزيد، ولكنّهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك حتى استشهد الحسين (ع) بكربلاء بتلك الصورة المفجعة … ولا نجد في خطاب الثائرين يومئذ في المدينة ذكراً للحسين (ع)، ومصرعه ومصرع أهل بيته وأنصاره الذين سبقوهم للخروج على يزيد.

وهذه وغيرها نقاط غامضة في ثورة أهل المدينة تحتاج إلى إجابة وبيان.

ومهما يكن من أمر، فقد كان من رأي الإمام زين العابدين (ع) ألا يدخل في هذه المواجهة المسلّحة لجيش الشام، وأن ينأى بنفسه وأهل بيته وشيعته عن هذه القضيّة، فهو يعلم أنّ بني أميّة كانوا يبحثون عن ذريعة يتمسّكون بها للقضاء على بقيّة السيف من آل محمّد (ص) وشيعتهم، ليتاح لهم القضاء الكامل على المعارضة العلويّة بعد وقعة الطف.

وكان عليّ بن الحسين (ع) يحرص ألا يعطي هو وأهل بيته وشيعته هذه الفرصة ليزيد، حتى تأتي الفرصة المناسبة للحركة الثقافيّة والسياسيّة الواسعة لأهل البيت بين المسلمين.

يقول الشيخ المفيد رحمه الله قدم (مسرف) بن عقبة المدينة، وكان يقال: (إنّه لا يريد غير عليّ بن الحسين).

ويقول المسعوديّ: نظر الناس إلى عليّ بن الحسين السجّاد، وقد لاذ بالقبر وهو يدعو، فأتي به إلى مسرف، وهو مغتاظ عليه، فتبرأ منه ومن آبائه، فلمّا رآه وقد أشرف عليه ارتعد، وقام له، وأقعده إلى جانبه، وقال له: سلني حوائجك، فلم يسأله في أحد ممن قدم إلى السيف إلا شفّعه فيه، ثمّ انصرف عنه. فقيل لعلي: رأيناك تحرك شفتيك، فما الذي قلت؟ قال: قلت: اللهم ربّ السماوات السبع وما أظللن، والأرضين وما أقللن، ربّ العرش العظيم، ربّ محمّد وآله الطاهرين، أعوذ بك من شرّه، وأدرأ بك في نحره، أسألك أن تؤتيني خيره، وتكفيني شرّه. وقيل لمسلم: رأيناك تسب هذا الغلام وسلفه، فلمّا أتى به إليك رفعت منزلته!؟ فقال: ما كان ذلك لرأي مني، لقد مُلئ قلبي منه رعبا.

الإمام السجّاد (ع) في ظروف الاضطهاد الأموي:

واستمر بنو أميّة وعمّالهم يبثّون عيونهم حول عليّ بن الحسين (ع) ليجدوا فرصة مناسبة وذريعة للقضاء عليه بعد واقعة الطفّ حتى سنتين أو ثلاث بعد هلاك يزيد، ولكن الإمام (ع)، كان يعي حساسيّة الظروف السياسيّة يومئذ بعد مصرع الإمام الحسين (ع) ويفوت عليهم الفرصة التي كانوا يتمنوّنها حتى تغيّرت الظروف السياسيّة ووجد الإمام (ع) أن الظرف مواتٍ للعمل والحركة السياسيّة والثقافيّة، فتغيّرت سياسة الإمام (ع) عندئذٍ.

يقول إسماعيل بن عليّ أبو سهل النونجتيّ عن فترة الاضطهاد السياسيّ هذه: (وقتل الحسين (ع) وخلف عليّ بن الحسين ثمّ انقبض عنه الناس فلم يلق أحداً، ولا كان يلقاه إلا خواصّ أصحابه. وكان في نهايّة العبادة، ولم يخرج عنه من العلم إلا يسير، لصعوبة الزمان وجور بني أميّة) .

أجل كان الإمام (ع) يعتزل الناس وينأى بنفسه عن عيون بني أميّة، ولذلك لم يكن يتصل به أحد خلال هذه الفترة، إلا القليل من خواصّه، ولهذا السبب لم يخرج عنه من العلم إلا اليسير، حتى إذا تجاوز ظروف الفتنة أخذ منه الناس علماً كثيراً جمّاً، وكان له مجلس في مسجد رسول الله (ص) يعظ الناس معه فيه  .

ورغم كلّ هذه الحيطة والحذر من جانب الإمام زين العابدين (ع) كان بنو أميّة وعمّالهم يسعون ويعملون للقضاء على زين العابدين (ع) بأيّة ذريعة ممكنة. وقد قرأنا قريباً كيف همَّ (مسرف) بن عقبة أن يقتل الإمام (ع) لولا أن الله حفظه من بطش هذا المسرف.

روى الراونديّ في كتابه (الخرائج والجرائح): أن الحجّاج بن يوسف كتب إلى عبد الملك بن مروان: (إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل عليّ بن الحسين (عليه السلام) .

وأمر عبد الملك عامله على المدينة بإحضار الإمام (ع) إليه في الشام، فأُثقل الإمام بالحديد، ووكل به حُفّاظاً يحفظونه ليدخلوه على عبد الملك في الشام.

لقد كان الإمام يعلم بهذا الاستهداف، ويعرف نيّة بني أميّة تجاهه وتجاه شيعته علم اليقين، ويسعى بكلّ جهده لتفويت هذه الفرصة على بني أميّة.

أجل لم يشترك الإمام (ع) في ثورة أهل المدينة، ولكنه بذل ما في وسعه لحمايّة من تمكّن من حمايتهم من النساء والأطفال والرواة أيّام ثورة أهل المدينة على يزيد.. وقد ذكر المؤرّخون: أن الإمام (ع) آوى زهاء أربعمائة من النساء والأطفال والرجال وحماهم من فتك بني أمية.

وفي هذه الظروف أرسل المختار الثقفي (رحمه الله) إليه (ع) برؤوس قتلة الحسين (ع) وأولاده وأصحابه، فَسُرَّ الإمام (ع) بذلك وخرّ ساجداً لله ودعا له، وجزّاه خيراً  .

واحتفل أهل البيت (عليهم السلام) بهذا الانتقام الإلهيّ العاجل من قتلة الحسين (ع) وأنصاره.

وقد ورد عن الإمام الصادق (ع): (ما اختضبت هاشميّة، ولا إدّهنت، ولا دخل مرود في عين هاشميّة حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد).

ومع أن الإمام (ع) دعا للمختار وجزّاه الخير، لم يقبل منه ما أرسله إليه من الهدايا.

وكان يقول (ع) لمحمّد بن الحنفيّة: ( يا عمّ، لو أن عبداً تعصّب لنا أهل البيت لوجب على الناس مؤازرته، وقد وليتك هذا الأمر، فاصنع) .

ب- سياسة المقاطعة والمعارضة لحُكّام بني أميّة

سياسة المقاطعة والمعارضة لحُكّام بني أميّة وعمّالهم كانت من الثوابت السياسيّة لعلي بن الحسين زين العابدين (ع)، ولا نعرف في حياته وسيرته أنه عدل عن هذه السياسة في وقت من الأوقات، حتى في الأيّام الأوائل من عودته من الشام إلى المدينة، حيث كان يسعى للتغيّب عن مجتمع المدينة لم يتخلّ عن هذه السياسة.

ولم يكن من رأي الإمام (ع) أن المبرِّرات التي تبرّر عدم التصدّي للمقاومة المسلّحة تبرّر السكوت عن المعارضة والمقاطعة لحكومة بني أمية.

مع عبد الملك بن مروان:

وكان يعلن هذه المعارضة إعلاناً للناس، ويريد أن يظهر للناس أنّه لا يعترف لهذا النظام بشرعيّة واحترام.

روى المجلسيّ عن الخرائج والجرائح عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال: كان عبد الملك يطوف بالبيت، وعليّ بن الحسين يطوف بين يديه ولا يلتفت إليه، ولم يكن عبد الملك يعرفه بوجهه. فقال: من هذا الذي يطوف بين أيدينا، ولا يلتفت إلينا؟ فقيل: هذا عليّ بن الحسين (ع)، فجلس مكانه، وقال ردّوه إليّ. فقال له: يا عليّ بن الحسين! إنّي لست قاتل أبيك، فما يمنعك من المصير إليّ؟ فقال عليّ بن الحسين (ع): ( إن قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه، وأفسد أبي عليه بذلك آخرته، فإن أحببت أن تكون هو، فكن!

وكأنمّا استشعر الإمام من كلمة عبد الملك تهديداً له، فأجابه بهذا الجواب فإن أحببت أن تكون هو فكن).

وروى المجلسيّ في البحار عن البرقيّ في (المحاسن) قال: بلغ عبد الملك أن سيف رسول الله (ص) عنده- زين العابدين (ع)-، فبعث يستوهبه منه ويسأله الحاجة، فأبى عليه.

فكتب إليه عبد الملك يهدّده وأنّه يقطع رزقه من بيت المال، فأجابه (ع): (أمّا بعد فإن الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون، والرزق من حيث لا يحتسبون. وقال جلّ ذكره: ] إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ]. فانظر أيّنا أولى بهذه الآية).

يقول شهاب الزهريّ: شهدت عليّ بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام، فأثقله حديداً ووكل به حفاظا في عدّة وجمع، فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له، فأذنوا لي فدخلت عليه، وهو في قبّة والأقياد في رجليه والغلّ في يديه، فبكيت وقلت وددت أنيّ مكانك وأنت سالم.

فقال يا زهريّ! أتظنّ أنّ هذا مما ترى عليّ وفي عنقي يكربني؟ أما لو شئتُ ما كان، فإنّه وإن بلغ منك وبأمثالك، ليذكرني عذاب الله، ثمّ أخرج يديه من الغل ورجليه من القيد، ثمّ قال يا زهريّ لا جزت معهم على ذا منزلتين من المدينة.

قال فما لبثنا إلا أربع ليال حتى قدم الموكّلون به يطلبونه بالمدينة فما وجدوه فكنت فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضهم: إنّا لنراه متبوعاً إنّه لنازل ونحن حوله لا ننام نرصده إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديدة.

قال الزهريّ: فقدمت بعد ذلك على عبد الملك بن مروان فسألني عن عليّ ابن الحسين فأخبرته.

فقال لي: إنّه قد جاءني في يوم فَقَده الأعوان فدخل عليّ فقال ما أنا وأنت؟

فقلت: أقم عندي.

فقال: لا أحبّ.

ثمّ خرج، فوالله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة.

قال الزهريّ: فقلت يا أمير المؤمنين! ليس عليّ بن الحسين حيث تظنّ، إنّه مشغول بنفسه. فقال: حبّذا شغل مثله، فنعم ما شغل به.

قال وكان الزهريّ إذا ذكر عليّ بن الحسين يبكي ويقول زين العابدين .

ثمّ يقول ابن حجر: ( ومن ثمّ كتب عبد الملك للحجّاج أن يجتنب دماء بني عبد المطلب وأمره بكتم ذلك، فكوشف به زين العابدين، فكتب: إليه إنكّ كتبت للحجّاج، يوم كذا، سِرّاً به إليه، فلمّا وقف عليه وجد تاريخه موافقاً لتاريخ كتابه للحجّاج، ووجد مخرج الغلام موافقا لمخرج رسوله للحجّاج، فعلم أن زين العابدين كوشف بأمره، فسر به وأرسل إليه مع غلامه بوقر راحلته دراهم وكسوة، وسأله ألا يخليه من صالح دعائه(  .

الدعاء على الظالمين:

وكان (ع) يصوغ نقمته على الظالمين، وإعلانه لرفضهم على هيئة الدعاء.

ومنه هذا الدعاء الذي يرويه السيّد عليّ بن طاووس في الإقبال، وهو من أدعيّة الصحيفة السجّاديّة الخامسة:

)اللهم إن الظلمة جحدوا حقّك، وكفروا بكتابك، وكذّبوا رسلك، واستنكفوا عن عبادتك، ورغبوا عن ملّة خليلك، وبدّلوا ما جاء به رسولك، وشرعوا غير دينك، واقتدوا بغير هداك، واستنّوا بغير سنّتك، وتعدّوا حدودك، وسعوا معاجزين في آياتك، وتعاونوا على إطفاء نورك …( إلى أخر الدعاء.

التحذير عن التعاون مع الظالمين:

كان (ع) يحذّر علماء عصره من التعاون مع الظالمين والدخول في أعمّالهم وولاياتهم، ويقول: (العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاثة).

هؤلاء الثلاثة شركاء للظالم في كلّ ما يتحمّل الظالم من مسؤوليّات الظلم … وقد ورد هذا المعنى في زيارة الحسين (ع) المعروفة بـ(وارث): (لعن الله أمة قتلتك، ولعن الله أمّة ظلمتك، ولعن أمّة سَمعت بذلك فرضيت به).

لقد استحقّت الأمّة الأولى اللعن بقتل سيّد الشهداء (ع).

ولم تمارس الأمّة الثانيّة والثالثة )قتلًا ولا ظلماً( وإنّما استحقّت اللعن بالسكوت عن الظلم والرضا بالظلم.

خَطب الإمام الحسين (ع) بمنزل البيضة في طريقه إلى كربلاء، فقال:

(أيّها الناس، إن رسول الله (ص) قال:( من رأى سلطاناً جائراً، مستحلًا لحرام الله ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله (ص) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثُمّ لم يغيّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله ) .

ومما روي عنه (ع) في صحبة الظالمين والفاسقين: (لا يقول رجل في رجل من الخير ما لا يعلم، إلا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم، ولا اصطحب اثنان على غير طاعة الله، إلا أوشك أن يتفرّقا على غير طاعة الله).

وهي كلمة ذات شعبتين: في الشطر الأوّل منها يشير الإمام إلى الذين يمدحون أرباب المال والسلطة من غير علم، وبما لا يعلمون تزلفّاً إليهم،

فيذكّرهم الإمام (ع) بأن هذا التزلفّ سرعان ما يتحوّل إلى تباعد وتنافر، فيقولون فيهم يومئذٍ من الشرّ ما لا يعلمون، كما كانوا يقولون فيهم من قبل من الخير ما لا يعلمون.

وفي الشطر الثاني من الكلمة، ينذر الإمام الذين يصاحبون الظلمة والفاسقين بأنّهم كما اجتمعوا على معصيّة الله، فسوف يفترقون على معصيّة الله.

وكان (ع) يقول: (وإيّاكم وصحبة العاصين، ومعونة الظالمين، ومجاورة الفاسقين، احذروا فتنتهم، وتباعدوا من ساحتهم، واعلموا أنّه من خالف أولياء الله، ودان بغير دين الله، واستبدّ بأمره دون وليّ الله، كان في نار تلتهب).

مع الزهريّ:

كان محمّد بن مسلم الزهريّ من أبرز علماء البلاط الأمويّ في وقته، خدم بني أميّة طويلًا، وكان من أعوانهم، والذين يوطئون لهم الحكم.

قال ابن خلكان في ترجمته من وفيات الأعيان: )ولم يزل مع عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك، واستقضاه يزيد بن عبد الملك).

وقال ابن حجر: (أمره هشام أن يملي على أولاده أحاديث، فأملى لهم أربعمائة حديثٍ).

وقال ابن الحديد: (كان الزهريّ من المنحرفين عن عليّ (ع)).

وروى جرير بن عبد الحميد عن محمّد بن شيبة، قال: )شهدت مسجد المدينة، فإذا الزهريّ، وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليّاً (ع)، فنالا منه، فبلغ ذلك عليّ بن الحسين (ع)، فجاء حتى وقف عليهما، فقال: أمّا أنت يا عروة فإن أبي حاكم أباك إلى الله، فحكم لأبي على أبيك. وأنت يا زهريّ، فلو كنت بمكّة لأريتك كير أبيك( ..

وروى الذهبيّ في ترجمة خارجة بن مصعب، قال: )قدمت على الزهريّ، وهو صاحب شرطة بني أمية، فرأيته يركب، وفي يده حربة، وبين يديه الناس .. فقلت: قبح الله ذا من عالم، فلم أسمع منه ..

يقول ابن خلكان: (ولم يزل مع عبد الملك واولاده هشام وسليمان ويزيد. وقد استقضاه الأخير).

وقيل ليحيى بن معين: )الأعمش خير أم الزهريّ؟ فقال: برئت منه ان كان مثل الزهريّ، إنّه كان يعمل لبني أميّة، والأعمش مجانب للسلطان ورع).

رسالة الإمام عليه السلام الى محمد بن مسلم الزهري:

روى ابن شعبة الحرّاني في تحف العقول: إن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) كتب إلى محمّد بن مسلم الزهريّ.

(كفانا الله وإيّاك من الفتن، ورحمك من النار، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك، فقد أثقلتك نعم الله بما أصحّ من بدنك، وأطال من عمرك، وقامت عليك حجج الله بما حمّلك من كتابه، وفقّهك من دينه، وعرّفك من سنّة نبيّه محمّد (ص)، فرضي لك- في كلّ نعمة أنعم بها عليك، وفي كلّ حجة احتج بها عليك- الفرض بما قضى، فما قضى إلا ابتلى شكرك في ذلك،] وأبدى فيه فضله عليك، فقال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ].

فانظر: أيّ رجل تكون غداً إذا وقفت بين يدي الله! فيسألك عن نعمه عليك، كيف رعيتها؟ وعن حججه عليك، كيف قضيتها؟

ولا تحسبنّ الله قابلًا منك بالتعذير، ولا راضياً منك بالتقصير! هيهات هيهات، ليس كذلك أخذ على العلماء في كتابه إذ قال:] لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَه].

واعلم أن أدنى ما كتمت، وأخفّ ما احتملت أن آنست وحشة الظالم، وسهّلت له طريق الغيّ بدنوّك منه حين دنوت، وإجابتك له حين دُعيت. فما أخوفني أن تبوء بإثمك غداً مع الخونة، وأن تُسأل عمّا أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة.

إنّك أخذت ما ليس لك ممّن أعطاك، ودنوت ممن لم يردّ على أحد حقّاً، ولم ترد باطلًا حين أدناك، وأحببت من حادّ الله.

أوليس بدعائه إيّاك، حين دعاك، جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلّماً إلى ضلالتهم. داعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم، يُدخِلون بك الشكّ على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم؟

فلم يبلغ أخصّ وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصّة والعامّة إليهم. فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمّروا لك في جنب ما خرّبوا عليك. فانظر لنفسك، فإنّه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول.

وانظر كيف شكرك لمن غذّاك بنعمه صغيراً وكبيراً؟ فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه:( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا ).

إنك لست في دار مقام، أنت في دار آذنت برحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه؟

طوبى لمن كان في الدنيا على وجل. يا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده. إحذر فقد نُبِّئت، وبادر فقد اجّلت.

إنّك تعامل من لا يجهل، وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل. تجهّز فقد دنا منك سفر بعيد، وداوِ دينك فقد دخله سقم شديد.

ولا تحسب أنّي أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك، لكنّي أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك، ويردّ إليك ما عزب من دينك، وذكرت قول الله تعالى في كتابه: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِين.

أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك، وبقيت بعدهم كقرن أعضب.

انظر: هل ابتلوا بمثل ما ابتليت به؟ أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه؟ أم هل تراهم ذكرت خيراً أهملوه، وعلمت شيئاً جهلوه؟ بل حظيت بما حلّ من حالك في صدور العامّة، وكَلَفَهم بك، إذ صاروا يقتدون برأيك، ويعملون بأمرك، إن أحللت أحلّوا، وإن حرّمت حرّموا، وليس ذلك عندك، ولكن أظهرهم عليك رغّبتهم فيما لديك ذهاب علمائهم، وغلبة الجهل عليك وعليهم، وحبّ الرئاسة، وطلب الدنيا منك ومنهم.

أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرّة؟ وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟ قد ابتليتهم، وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا، فتاقت نفوسهم إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت، أو يدركوا به مثل الذي أدركت، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه، وفي بلاء لا يقدّر قدره. فالله لنا ولك، وهو المستعان.

أمّا بعد: فأعرض عن كلّ ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسمالهم، لاصقةً بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله حجاب، ولا تفتنهم الدنيا، ولا يفتنون بها.

رغبوا فطلبوا، فما لبثوا أن لحقوا. فإن كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ، مع كبر سنّك، ورسوخ علمك، وحضور أجلك، فكيف يسلم الحدث في سنّه، الجاهل في علمه، المأفون في رأيه، المدخول في عقله؟ إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

على من المعوّل؟ وعند من المستعتب؟ نشكو إلى الله بثّنا، وما نرى فيك، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك.

فانظر: كيف شكرك لمن غذّاك بنعمه صغيراً وكبيراً، وكيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلًا، وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيراً، وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريباً ذليلًا؟

ما لك لا تنتبه من نعستك؟ وتستقيل من عثرتك؟ فتقول: والله ما قمتُ لله مقاماً واحداً أحييتُ به له ديناً، أو أَمَتُ له فيه باطلًا، فهذا شكرك من استحملك؟! ما أخوفني أن تكون كما قال الله تعالى في كتابه : (أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ).

استحملك كتابه، واستودعك علمه، فأضعتهما! فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به. والسلام.

حوار مع الزهريّ:

وروي أن الزهري قال لعليّ بن الحسين (ع): كان معاويّة يسكته الحلم، وينطقه العلم.. فقال (ع): كذبت يا زهريّ، كان يسكته الحصر، وينطقه البطر.

حوار الإمام مع عباد البصريّ:

وفي طريق الحجّ يلقى عباد البصريّ الإمام زين العابدين (ع) وهو مقبل على الحجّ على طريق مكّة، فيقول للإمام: تركت الجهاد وصعوبته، وأقبلت على الحجّ ولينه؟ ثمّ قرأ عبّاد قوله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ ….).

فقال له الإمام (ع): اقرأ بعدها: فقرأ: )التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِين (.

فقال زين العابدين (ع): إذا ظهر هؤلاء لم نؤثر على الجهاد شيئاً  .

والإمام (ع) يُعرِّض بالقيادة الأمويّة الظالمة التي كانت تتصدى يومئذ للقيادة والخلافة في العالم الإسلاميّ … ويقول لعباد البصري: إنَّ القيادة الحاضرة المتصدّية لا تصلح للإمامة والقيادة، ولا يجوز الركون إليها، لقوله تعالى: (وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ).

وكيف يصلح لإمامة المسلمين (رجل، فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمه، معلن الفسق).

(رجل ينكح امّهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة).

وعلى هذا النهج كان عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) يُعرِّضُ بخلفاء بني أميّة الفاسدين ويطعن فيهم، وينفي صلاحيتهم لإمامة أمّة رسول الله (ص)، وينكر على المتعاونين معهم تعاونهم معهم وركونهم إليهم.

وقبل أن تدخل في الموضوعات الكونية والفلكية التي وردت في متن الصحيفة السجادية الكريمة، وهي موضوعات علمية وفكرية متينة لا يمتلكها أي فرد دون أن يمتلك مقومات العلم والفكر والمؤهلات اللازمة، لابد من أن نتحدث ولو باختصار عن أهمية الإمام السجاد وقدراته العلمية والفكرية وقابلياته الأدبية والبلاغية، ولابد أيضا أن نذكر أو نتحدث عن طبيعة وأهمية صحيفته السجادية الكريمة المليئة بالعطاء والعلم والفكر…

لذا سنتحدث باختصار عن نقطتين:

١- الإمام السجاد عليه السلام والعلم والمعرفة.

۲- الفكر العلمي والفلكي في الصحيفة السجادية.

١- الإمام السجاد عليه السلام والعلم والمعرفة.

الذي يقرأ عن الإمام السجاد عالية فهو يقرأ شخصية كبيرة ومهمة، كاملة متكاملة تجمع بين الدين والعلم والفكر والأدب ومميزات فريدة ومهمة ومتنوعة.

فهو إمام ابن إمام ابن إمام، وينتسب إلى أشرف بیت في الوجود، ينتسب إلى بيت النبي الأكرم محمد بن عبد الله رسول الله .

فأبوه الإمام أبو عبد الله الحسين بن علي سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة، وعمه الإمام الحسن المجتبی سبط رسول الله، وجده الإمام الهمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصي رسول الله، وجدته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين )سلام الله عليهم أجمعين).

إنه الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام جميعا) الملقب بالسجاد و زین العابدين، لكثرة سجوده وعبادته لربه تعالی.

ولد الإمام السجاد عالية في الكوفة وقيل في يثرب كما يرجح الشيخ باقر القرشي، ولد سنة 38 هجرية وتوفي سنة 94 هجرية ودفن في البقيع بالمدينة المنورة.

ولست هنا في صدد الحديث عن تفاصيل حياة هذا الإمام الكريم وسيرته العطرة، وإنما أردت أن استعرض أهمية الإمام العلمية والفكرية والاجتماعية والأدبية في عصره ومرحلته الزمنية الصعبة، وقدرته الكبيرة على أداء واجبه الديني والإنساني أكمل أداء، من خلال منهجه الفذ وقدرته الفائقة والناجحة في التعامل مع عصر ووضع صعبين للغاية.

وفي ظروفه الصعبة هذه اتجه الإمام السجاد عليه إلى القيام بشؤون الإمامة الروحية كالعبادة ونشر الأحكام والأخلاق وتفقد الفقراء والمساكين وما إلى ذلك، وأسس مدرسة الفقه والحديث التي كانت تضم الكثير من الموالي والتابعين، وقد أحصى الشيخ الطوسي في رجاله وغيره من المؤلفين في الرجال أكثر من مائة وستين شخصا من التابعين والموالي كانوا ينهلون من معينه ویروون عنه في مختلف المواضيع، وعدوا منهم سعيد بن المسيب وابن جبير وجبير بن مطعم والقاسم بن محمد بن أبي بكر وجابر بن عبد الله الأنصاري ويحيى بن أم الطويل وأمثال هذه الطبقة من أعلام التابعين .

وإذا أردنا أن نذكر الذين اثنوا عليه وذكروا علمه وفقهه وأهميته والأقوال الكثيرة في ذلك فسنخرج من الموضوع، ولكن يكفي أن نذكر:

– ابن سعد في طبقاته حيث قال: «وكان علي بن الحسين ثقة مأمونة كثير الحديث عالية رفيعة ورعا».

– حتی مخالفوه اعترفوا بدينه وعلمه، فهذا عبد الملك بن مروان المعاصر للإمام قال له بالحرف الواحد: «ولقد أوتيت من العلم والدين والورع مالم يؤته أحد مثلك قبلك إلا من مضى من سلفك».

ويمكن أن نعرف أهمية الإمام السجاد والقيمة الاجتماعية والشعبية والدينية له من خلال مناسبة حج الإمام وطوافه الذي صادف مع حج و طواف هشام بن عبد الملك، وكيف انفرجت الجماهير لاستلام الإمام الحجر الأسود، وعدم قدرة هشام بن عبد الملك على استلامه (الحجر) والقصيدة العصماء المعروفة التي قالها الشاعر الفرزدق في ذلك الموقف بحق الإمام السجاد، وهي:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته                  والبيت يعرفه والحل والحرم

والقصة مذكورة في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني .

ومن خلال تلك القصيدة العصماء نعرف الكثيرعن أهمية الإمام وقيمته العلمية والدينية والاجتماعية.

وحول أهمية الإمام السجاد علي وقيمته العلمية والدينية يقول الشهيد محمد باقر الصدر: «وعاش حوالي سبعة وخمسين عاما، قضي بضع سنين منها في كنف جده الإمام علي عليه ثم نشأ في مدرسة عمه الحسن وأبيه الحسين عن سبطي الرسول، و تغذى من نمیر علوم النبوة واستقى من مصادر آبائه الطاهرين.

وبرز على الصعيد العلمي والديني إماما في الدين ومنارة في العلم ومرجعا في الحلال والحرام ومثلا أعلى في الورع والعبادة والتقوى، وآمن المسلمون جميعا بعلمه واستقامته وأفضليته، وانقاد الواعون منهم إلى زعامته وفقهه ومرجعيته .

ومن كان منبع علمه النبوة والإمامة، فأي علم سيضم صدره»!

۲الفكر العلمي والفلكي في الصحيفة السجادية.

خلف لنا الإمام السجاد عالية تراثا كبيرة من خطب ورسائل ووصايا، وغيرها، ومن بين ما خلف أثرين مهمين وأساسيين هما (رسالة الحقوق) المشهورة، وقد ضمنها الحقوق المترتبة على المسلمين، وهي خمسون حقا، ورسالة أخرى هي الصحيفة السجادية) الشهيرة وهي مجموعة أدعية للإمام.

والذي يهمنا في موضوعنا هذا هو (الصحيفة السجادية) الكريمة.

لكن هذه الصحيفة ليست مجرد مجموعة أدعية إلهية تقرب بين الإنسان وربه، وإنما هي إضافة إلى ذلك: مادة علمية وفكرية قيمة.

أو هي مجموعة من العلوم والأفكار والمعارف والمعاني السامية، قل نظيرها في عالم الأدعية والنصوص العلمية والفكرية في التراث الإسلامي.

ومن يقرأ عناوين الصحيفة السجادية يجدها سلسلة من الأفكار والمعلومات القيمة والمتنوعة تشمل أفكار التوحيد والرسل والعرفان والمواعظ والأدب والعلم و مسائل دینية وحياتية متنوعة.

فمثلا هناك عناوین (التحمید لله عز وجل) و(الصلاة على محمد وآله) والصلاة على حملة العرش) و (الصلاة على مصدقي الرسل). وهناك : (الدعاء في طلب الحوائج) و(الدعاء في الظلامات) و(الدعاء عند المرض) و(الدعاء في الاستسقاء) و(الدعاء في مكارم الأخلاق). وهناك أيضا: (الدعاء إذا نظر إلى الهلال) و(الدعاء لدخول شهر رمضان) و(الدعاء لوداع شهر رمضان) و(الدعاء لعيد الفطر).

وهناك (الدعاء في يوم عرفة) و(الدعاء في يوم عيد الأضحى والجمعة) وهناك أخرى غيرها، راجع محتويات الصحيفة السجادية على اختلاف طبعاتها وفي كل تلك الأدعية والمعاني تجد مادة علمية وفكرية متنوعة قيمة جدا.

وعلى أساس القيمة الإلهية والدينية للصحيفة والتنوع في موضوعاتها والمادة العلمية والفكرية المختلفة، أكب العلماء والباحثون والأدباء والفقهاء على دراسة موضوعاتها بالبحث والشرح والتقصي لاستخراج مكنوناتها العلمية والفكرية المتنوعة.

ومن بين ما حملت الصحيفة السجادية الكريمة من مادة علمية ومعرفية حملت مادة كونية وفلكية وآفاقية ليست قليلة، حملتها بمعانيها العامة الإجمالية، وضمن الأسلوب الأدبي والبلاغي الذي نهجه الإمام السجاد عليه في أدعيته الإلهية المتنوعة.

وأول ما يطالعك من الصحيفة، هو الحديث عن الخالق المبدع الذي لا أول له ولا آخر، والذي خلق الكون ومعه كل شيء. أبدعه وأبدع كل شيء على غير مثال سابق.

وإذا تسلسلت مع الصحيفة السجادية ستجد الحديث عن السماء والسماوات وعن سكان السماوات، والحديث عن الأرض والأرضين والليل والنهار والقمر والهلال وما يتعلق بهذه الأمور من معان مناسبة.

إضافة إلى ذلك ستجد بين ثنايا الصحيفة . إضافة إلى المواد الكونية والفلكية المذكورة آنفا – مواد أو مصطلحات كونية وفلكية منها: محاق، سعد، نحس انسلاخ، شهور، أيام، هواء، فلك، منازل، طلوع، أفول، کسوف، جبال، برق، رعد، وغيرها مما يتعلق بالسماء والفلك والكون.

وعلى هذا الأساس سیکون بحثنا في الصحيفة، بالأخص البحث حول المواد الفلكية الأساسية الواردة في هذه الصحيفة الكريمة.

الامين العام لحزب الله تطرق في بداية كلمته بمناسبة ذكرى عاشوراء حول ما تعرض له القرآن الكريم من مهانة وطالب بالرد باعتباره تعدٍ على الاسلام نفسه.

 

ويرى المستشار في العلاقات الدولية د. قاسم حدرج، ان عاشوراء لم تعد مدرسة عزاء بل اصبحت مدرسة فداء. وقال:ان الشباب المؤمن خرج خلال الظروف المناخية القاسية، باعداد تفوق اعداد كل سنة، ليدل على ان الانتساب لهذه لمدرسة عاشوراء يزيد كل سنة، رغم شدة الحصار وتكاتف الاعداء وفتح كل الجبهات على هذه المدرسة، كالثقافية والاجتماعية والدينية وصولاً الى المساس بالمقدسات الاسلامية.

واوضح، ان ثورة الامام الحسين "عليه السلام" لم تكن ثورته دنيوية ولم تكن له مطالب، وانما كانت من اجل الاصلاح في امة جده، وقال "ألا ترون كتاب الله لا يعمل به" وبالتالي خرج دفاعاً عن القرآن، مشيراً الى ان الجموع التي خرجت في مسيرات عاشوراء ورفعت القرآن الكريم رداً على الاساءة اليه، جاءت لتؤكد للامام الحسين "عليه السلام" بانها مستعدة للدفاع عن الاساءة للقرآن، ولان وراء هذا الفعل المهين هي خلفية استكبارية "امريكية اسرائيلية" لزرع الشقاق مجدداً ما بين المسيحية والاسلام وادخال الدول في اتون صراعات كبرى.

من جانبه، اكد الخبير في الشؤون الاسرائيلية نهاد ابوغوش، ان كيان الاحتلال الاسرائيلي بطبيعته العنصرية معادي للانسانية وللآخر ان كان مختلفاً قومياً او دينياً او عرقياً، ولذا فهو لا يتورع عن تدنيس مقدساته

وقال: ان الاسرائيليين خلال مسيراتهم كانوا يسبون النبي "صلى الله عليه وآله" ويدنسون المسجد الاقصى، ولذلك كان هذا الرد الخلاّق الذي اوجده سماحة السيد حسن نصرالله بان الرد يجب ان يكون وطنيا وقوميا واسلاميا وحتى انسانيا ايضاً بمعنى ان المساس بمقدسات المسلمين سواء القرآن الكريم او ذكر النبي او تدنيس المسجد الاقصى، هذا يمس مشاعر ووجدان وعقيدة ملياري مسلم على مستوى العالم، وان هذا ليس شأناً فردياً خاصاً كي يصنف تحت خانة التعبير.

واوضح، ان الجميع يعلم ان بعض الدول الاوروبية تحاكم من ينتقد "اسرائيل" باعتباره معادياً للسامية وتقول ان هذا لا يندرج تحت حرية التعبير وهي جريمة ضد السامية، فعلى سبيل المثال يحاكمون من يعيد النظر في موضوع المحرقة او يشكك بها واسبابها، ولذلك وضع سماحة السيد نصرالله الامور في نصابها ورد خلال كلمته في ذكرى عاشوراء على الاساءة للقرآن الكريم، ودعا دول منظمة التعاون الاسلامية لاتخاذ الموقف الحاسم، واذا لم تقوم بواجباتها والرد بمستوى الاعتداء، فليقم الشباب المسلم بمسؤوليته ويعاقب المعتدين.

ووصف ابوغوش، ربط السيد نصرالله ما بين استفزاز مشاعر المسلمين وبين استفزاز وجودهم وكرامتهم ومقدساتهم وحتى حقوقهم الانسانية، بانه مبدع.

بدوره، اشار الباحث والاكاديمي الدكتور حامد الكعبي، الى ان الجماهير في مسيراتها العاشورائية ان كانت العراق او في ايران او في لبنان او في البحرين عبرت عن تعبير ورسالة واضحة للامام الحسين "عليه السلام" بأنها سائرة على خط نهجه.

واوضح، انه رغم ارتفاع درجة الحرارة الشديد في العراق، الا انه لم يكن عائقاً امام خروج الجماهير في المسيرات العاشورائية واعلان الولاء المطلق للامام الحسين "عليه السلام" واستعدادها التام والجهوزية الرائعة من اجل الاستشهاد على نفس المنهج الذي سار عليه الامام الحسين "عليه السلام" ولخط اهل البيت "عليهم السلام" من اجل تحقيق العدل وازالة الظلم.

أنهى الرئيس التونسي، قيس سعيّد، قُبيل منتصف ليل الثلاثاء مهمّات رئيسة الوزراء نجلاء بودن وعيّن خلفاً لها مسؤولاً سابقاً في البنك المركزي هو أحمد الحشاني، طالباً منه مواجهة "تحدّيات كبيرة".

ولم يُعطِ أيّ سبب رسمي لقرار سعيّد إنهاء مهمّات بودن، لكنّ عدداً من وسائل الإعلام المحلية سلّط الضوء على استياء سعيّد من نقص في عدد من المواد في البلاد، ولا سيّما نقص الخبز في المخابز المدعومة من الدولة.

وجاء في مقطع فيديو وبيان نشرتهما الرئاسة أنّ سعيّد "قرّر مساء اليوم.. إنهاء مهام السيّدة نجلاء بودن رمضان" التي كانت أوّل امرأة تقود حكومة في تونس.

وكان الحشاني يعمل في البنك المركزي التونسي ودرس في كلّية الحقوق في جامعة تونس حيث كان سعيّد مدرّساً، حسبما قال رئيس الحكومة الجديد في صفحته بموقع "فيسبوك".

وعلى الفور، أدّى رئيس الحكومة الجديد، اليمين الدستوريّة أمام سعيّد، حسبما أظهر مقطع الفيديو الذي نشرته الرئاسة.

 وفي أعقاب تأديته اليمين، تمنّى له سعيّد "التوفيق في هذه المسؤوليّة التي سيتحمّلها في هذا الظرف بالذّات".

وقال سعيّد إنّ هناك "تحدّيات كبيرة لا بدّ أن نرفعها بعزيمة صلبة وبإرادة قويّة للحفاظ على وطننا وعلى دولتنا وعلى السلم الأهلي". 

في الأيام الأخيرة، عُقِدت اجتماعات عدّة داخل الحكومة، وبين الرئيس والوزراء، بشأن مشاكل نقص الخبز المدعوم في مناطق عدّة.

وذكرت وسائل إعلام أنّ سعيّد قال في الآونة الأخيرة إنّ "الخبز خطّ أحمر بالنسبة إلى التونسيّين"، وأنه يخشى تكرار أحداث الخبز التي أودت بحياة 150 شخصاً عام 1984 في عهد الحبيب بورقيبة.

يشار إلى أنّ الرئيس كلّف نجلاء بودن، في 29 أيلول/سبتمبر 2021، بتشكيل الحكومة الجديدة، لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب الرفيع في تاريخ تونس الحديث.

لقد تنازل الحسن بن علي لمعاوية وسالمه ، في وقت كان يجتمع عنده من الأنصار والجيوش ما يمكنه من مواصلة القتال. وفي المقابل خرج أخوه الحسين ـ رضي الله عنه ـ على يزيد في قلة من أصحابه، في وقت كان يمكنه فيه الموادعة والمسالمة.

فلا يخلو أن يكون أحدهما على حق، والآخر على باطل؛ لأنه إن كان تنازل الحسن مع تمكنه من الحرب (حقاً) كان خروج الحسين مجرداً من القوة مع تمكنه من المسالمة (باطلاً)، وإن كان خروج الحسين مع ضعفه (حقاً) كان تنازل الحسن مع ( قوته) باطلاً!

وهذا يضع الشيعة في موقف لا يحسدون عليه؛ لأنهم إن قالوا : إنهما جميعا على حق، جمعوا بين النقيضين، وهذا القول يهدم أصولهم. وإن قالوا ببطلان فعل الحسن لزمهم أن يقولوا ببطلان إمامته، وبطلان إمامته يبطل إمامة أبيه وعصمته؛ لأنه أوصى إليه، والإمام المعصوم لا يوصي إلا إلى إمام معصوم مثله حسب مذهبهم.

وإن قالوا ببطلان فعل الحسين لزمهم أن يقولوا ببطلان إمامته وعصمته، وبطلان إمامته وعصمته يبطل إمامة وعصمة جميع أبنائه وذريته؛ لأنه أصل إمامتهم وعن طريقه تسلسلت الإمامة، وإذا بطل الأصل بطل ما يتفرع عنه(۱).

والجواب عن هذا الكلام من خلال المراجعة والقراءة لما دار بين الامام الحسن عليه السلام وبين معاوية.

واول شيء يرد في الكلام أن معاوية بن ابي سفيان ليس خليفة حتى يبايعه الحسن عليه السلام او يتنازل له عن الخلافة بل هو ملك بنص حديث النبي صلى الله عليه واله وسلم حيث قال:” الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون بعد ذلك الملك” يقول سفينة راوي الحديث:” أمسك خلافة أبي بكر سنتين وخلافة عمر عشر سنين وخلافة عثمان اثنتي عشر سنة وخلافة علي ست سنين”(۲).

وفي حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه قال:” تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها ثم تكون ملكا عاضا..”(۳).

وفي حديث اخر عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال:” خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك أو ملكه من يشاء”(۴).

قال الزمخشري:” الملك العضوض: الذي فيه عسف وظلم للرعية كأنه يعضهم عضا. ومنه قولهم: عضتهم الحرب وعضهم السلاح”(۵).

وقال ابن منظور :” ملك عضوض: شديد فيه عسف وعنف. وفي الحديث: ثم يكون ملك عضوض ، اي يصيب الرعية فيه عسف وظلم ، كأنهم يعضون فيه عضا.

والعضوض من ابنية المبالغة. وفي رواية: ثم يكون ملك عضوض ، وهوجمع عض بالكسر ، وهو الخبيث الشرس. وفي حديث أبي بكر: وسترون بعدي ملكا عضوضا”(۶).

وقد ذكر العلماء أن بني أمية ملوك وأن أول الملوك معاوية بن أبي سفيان، ففي مسند الطيالسي عن سفينة قال:” فمعاوية كان أول الملوك”(۷).

وفي مصنف ابن أبي شيبة:” قال معاوية: أنا أول الملوك”(۸).

وفي البداية والنهاية:” حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن أبي عتيبه عن شيخ من أهل المدينة قال: قال معاوية: أنا أول الملوك.

وقال ابن ابي خيثمة: حدثنا هارون. . عن ابن شوذب قال: كان معاوية يقول: أنا أول الملوك واخر خليفة.

قلت والسنة أن يقال لمعاوية ملك ولا يقال له خليفة لحديث سفينة”(۹).

وفي مصنف ابن ابي شيبة عن سعيد بن جمهان قلت لسفينة:” ان بني امية يزعمون أن الخلافة فيهم.

قال: كذب بنو الزرقاء بل هم ملوك من شر الملوك ، وأول الملوك معاوية”(۱۰).

وقالوا:” كان عمر اذا نظر الى معاوية قال: هذا كسرى العرب”(۱۱).

ومن جانب اخر نرى أن الخلافة لا تصح في الطلقاء كما أخبر بذلك عمر بن الخطاب وقرره حيث قال:” هذا الامر في اهل بدر ما بقي منهم احد ثم في اهل احد ما بقي منهم احد ثم في كذا وكذا وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شيء”(۱۲).

وعن عمر أنه قال لاهل الشورى:” لا تختلفوا فانكم ان اختلفتم جاءكم معاوية من الشام وعبد الله بن أبي ربيعة من اليمن فلا يريان لكم فضلا لسابقتكم ، وان الامر هذا لا يصلح للطلقاء ولا لابناء الطلقاء”(۱۳).

فالخلاصة فيما قدمناه هي:

۱- ان النبي صلى الله عليه واله وسلم حدد خلافة النبوة بثلاثين سنة وما بعدها يكون الملك.

۲- ان الملك الذي يحكم الامة بعد الثلاثين هو ملك عضوض.

۳- ان الملك العضوض هو الملك الذي تسفك فيه الدماء وتهتك فيه الاعراض ويتعدى فيه على حدود الله تعالى.

۴- ان معاوية بن ابي سفيان من الطلقاء ، والطلقاء لا تحل لهم الخلافة كما شهد بذلك الصحابة وعلى راسهم عمر بن الخطاب.

۵- ان معاوية بن ابي سفيان شهد على نفسه انه ما قاتلهم على الصيام والصلاة واقامتها وانما قاتل من اجل ان يتامر عليهم حيث خطب فقال:” ما قاتلنا لتصوموا ولا

تصلوا ولا لتحجوا او تزكوا قد عرفت انكم تفعلون ذلك ، ولكن انما قاتلناكم لاتامر عليكم ، وقد اعطاني الله ذلك وانتم كارهون”(۱۴).

وفي هذا الساق يقول ابو الاعلى المودودي:” كان امتلاك معاوية لاعنة الحكم مرحلة انتقالية على طريق تحول الدولة الاسلامية من الخلافة الى الملك ، ولقد فهم أهل البصيرة تلك المرحلة فقالوا: نحن على ابواب الملك ، لذلك نجد سعد بن أبي وقاص يخاطب معاوية بعد البيعة فيقول له:” السلام عليك ايها الملك.

قال: وما عليك ان قلت يا امير المؤمنين؟

قال: والله ما احب اني وليتها بما وليتها به”(۱۵).

وكان معاوية نفسه يفهم هذه الحقيقة فقال ذات مرة: انا اول الملوك. بل ان ابن كثير يقول: انها لسنة ان يلقب بالملك بدل تلقيبه بالخليفة ، لان النبي صلى الله عليه واله وسلم تنبا بذلك فقال:” الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا”. وهذه المدة انتهت في ربيع الاول عام ۴۱ هجرية حين تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية.

هنا بقيت الفرصة الاخيرة امام عودة الخلافة على منهاج النبوة مرهونة بطريقة تعيين من سياتي بعد معاوية ، فاما أن يترك معاوية للناس اختيار من يرونه بتشاورهم ورضاهم فيما بينهم ، واما ان يرى أن تعيين خليفته في حياته امرا ضروريا لسد باب النزاع ، فيجمه أهل العلم والخير من المسلمين ليقرروا أن معاوية عهد لابنه يزيد بولاية العهد…

وأول من هذا على معاوية المغيرة بن شعبة ، وكان معاوية يريد عزله من على الكوفة ، فلما علم بذلك سافر الى دمشق وقابل يزيد وقال له:” انه قد ذهب أعيان أصحاب النبي صلى الله عليه واله وسلم وكبراء قريش وذووا اسنانهم ، وانما بقي ابناؤهم ، وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأيا واعلمهم بالسنة والسياسة ، ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين من ان يعقد لك البيعة”.

فحدث يزيد اباه بذلك فدعا المغيرة وسأله ما هذا الذي قلت ليزيد؟

قال: يا امير المؤمنين قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان وفي يزيد منك خلف فاعقد له فان حدث بك حادث كان كهفا للناس وخلفا منك ولا تسفك الدماء ولا تكون هناك فتنة.

فسأله معاوية: ومن لي بهذا؟

قال: اكفيك أهل الكوفة ويكفيك زياد أهل البصرة وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك.

ثم رجع المغيرة الى الكوفة واسترضى عشرة رجال بثلاثين الف درهم على ان يذهبوا في شكل وفد يكلم معاوية في امر يزيد ، وذهب هذا الوفد وعلى رأسه موسى بن المغيرة بن شعبة الى دمشق وادى مهمته على خير وجه ، فاستدعى معاوية موسى بعد ذلك وسأله: بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟

قال: بثلاثين الف درهم.

قال معاوية: لقد هان عليهم دينهم”(۱۶).

وعلى هذا فلا يمكن ان نقول بان معاوية خليفة لان الحسن عليه السلام صالحه وتنازل له عن الخلافة ، لانه ليس بخليفة كما دل على ذلك حديث سفينة من ان الخلافة ثلاثون سنة ، بل معاوية ممن اخرج الخلافة من كونها خلافة الى ملك عضوض كما يدل عليه حديث سفينة ايضا ، ومعاوية طليق لايمكن ان يكون خليفة كما شهد بذلك الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب ، ومعاوية لم ينازع الامام علي عليه السلام والحسن عليه السلام من اجل احقاق الحق واقامة شعائر الدي بل نازعهم من اجل الملك والتسلط على رقاب المسلمين كما اقر واعترف بذلك معاوية نفسه.

فلا يمكن بعد هذا ان نقول ان الحسن عليه السلام تنازل له عن الخلافة واصبح خليفة للمسلمين.

على ان الحسن عليه السلام هو الخليفة كما دل على ذلك حديث سفينة وكما شهد له الموافق والمخالف انه الذي بويع بالخلافة بعد ابيه علي بن ابي طالب عليه السلام ، فمن ينازعه بعد ذلك يكون معاندا مخالفا باغيا يجب عليه الرجوع الى الحق ، وان لم يرجع قوتل حتى يجبر على الحق ، فلايمكن بعد ذلك ان نحكم بان هذا الباغي الواجب المقاتلة هو الخليفة.

واذا رجعنا الى شروط المصالحة بين الحسن عليه السلام ومعاوية ونظرنا فيها نلاحظ الامور التالية.

۱- ان يسلم اليه ولاية امير المؤمنين على ان يعمل فيه بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم وسيرة الخلفاء الصالحين.

۲- وليس لمعاوية بن ابي سفيان ان يعهد لاحد من بعده عهدا ، بل يكون الامر من بعده شورى بين المسلمين.

۳- وعلى ان الناس امنون حيث كانوا من ارض الله في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم.

۴- وعلى ان اصحاب علي وشيعته امنون على انفسهم واموالهم ونسائهم واولادهم.

وعلى معاوية بن ابي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه وما اخذ على احد من خلقه بالوفاء بما اعطى الله من نفسه.

۵- وعلى انه لا يبغي للحسن بن علي ولا لاخيه الحسين ولا لاحد من اهل بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم غائلة سرا وعلانية ولا يخيف احدا منهم في افق من الافاق(۱۷) .

وفي رواية ابن المطهر المقدسي قال:” فكتب اليه معاوية: اما بعد فانت اولى بهذا الامر واحق به لقرابتك وكذا وكذا ، ولو علمت انك اضبط له واحوط على حريم هذه الامة واكيد للعدو لبايعتك ، فاسال ما شئت. وبعث اليه بصحيفة بيضاء مختومة في اسفلها ان اكتب فيها ما شئت ، فكتب الحسن اموالا وضياعا وامانا لشيعة علي ، واشهد على ذلك شهودا من الصحابة.

وكتب في تسلم الامر كتابا على ان يعمل بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخلفاء الماضين ، وان لا يعهد بعده الى احد ويكون الامر شورى واصحاب علي امنين حيثما كانوا” (۱۸) .

واذا رجعنا الى الشرط الاول نرى معاوية خارج منه اصلا لان كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه واله وسلم وسيرة الخلفاء ترفض الخلافة ان تكون عند الطلقاء ، بل راينا النبي صلى الله عليه واله وسلم يحكم بان معاوية من الملوك وليس من الخلفاء وشهد بذلك معاوية نفسه.

فالشرط الاول منتف اصلا ولا يمكن لمعاوية تطبيقه لانه لا تحل له الخلافة حسب ما تقدم.

وبالنسبة للتعرض للحسن عليه السلام ، فقد ذكر المؤرخون والمحدثون ان:” سبب موته ان زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس سقته السم”(۱۹).

وقال العظيم ابادي:” وكان وفاة الحسن رضي الله عنه مسموما ، سمته زوجته باشارة يزيد بن معاوية سنة تسع واربعين أو خمسين”(۲۰).

وقال ابن كثير:” وقد سمعت بعض من يقول: وكان معاوية قد تلطف لبعض خدمه ان يسقيه سما… وروى بعضهم ان يزيد ين معاوية بعث الى جعدة بنت الاشعث ان سمي حسنا وأنا بعده ، ففعلت”(۲۱).

ومن هنا هيا معاوية بن ابي سفيان الارضية لاستخلاف ابنه يزيد شارب الخمور واللاعب بالقرود والمبيح لدماء المسلمين قال ابن سعد:”قال ابو وائل: أترى معاوية يرى أنه يرجع الى يزيد بعد الموت فيراه في ملكه”(۲۲).

وعند ابن اعثم:” فارسل مروان الى وجوه اهل المدينة فجمعهم في المسجد الاعظم ، ثم صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وذكر الطاعة وحض عليها وذكر الفتنة وحذر منها.

ثم قال في بعض كلامه: ايها الناس ان امير المؤمنين قد كبر سنه ، ورق جللده وعظمه ، وخشي الفتنة من بعده ، وقد أراه الله رأيا حسنا ، وقد أراد أن يختار لكم ولي عهد يكون من بعده لكم مفزعا ، يجمع به الالفة ويحقن به الدماء ، وأراد أن ذلك من مشورة منكم وتراض فماذا تقولون؟

فقال الناس من كل جانب: انا لا نكره ذلك اذا كان لله فيه رضا.

فقال مروان: انه قد اختار لكم الرضا الذي يسير فيكم بسيرة الخلفاء الراشدين المهديين وهو ابنه يزيد.

قال: فسكت الناس وتكلم عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وقال: كذبت والله يا مروان وكذب من أمرك بهذا ، والله ما يزيد برضا ولكن يزيد ورأيه هرقلية”(۲۳).

وقال يزيد الكندي:” ايها الناس ان امير المؤمنين هذا ، واشار بيده الى معاوية ، قاد الملك ، فاذا مات فوارث الملك هذا واشار بيده الى يزيد فمن ابى فهذا واشار بيده الى السيف.

فقال له: اجلس فأنت سيد الخطباء.

ثم قام الحصين بن نمير السكوني فقال: يا معاوية والله لئن لقيت الله ولم تبايع ليزيد لتكونن مضيعا للامة.

فالتفت الى الاحنف بن قيس معاوية وقال: يا ابا بحر ما يمنعك من الكلام؟

فقال: يا امير المؤمنين أنت أعلمنا بيزيد في ليله ونهاره ومدخله وخرجه وسره وعلانيته ، فان كنت تعلمه لله عز وجل ولهذه الامة رضا فلا تشاور فيه أحدا من الناس ، وان كنت تعلم لله غير ذلك فلا تزوده الدنيا وأنت ماض الى الاخرة ، فان قلنا ما علينا أن نقول وسمعنا وأطعنا..”(۲۴).

واما ابند الاخر وهو الامان لشيعة علي بن ابي طالب فايضا لم يلتز به معاوية بن ابي سفيان كما هو مسطور في التاريخ فقد قتل حجر بن عدي واصحابه (۲۵) ، وقتل عمرو بن الحمق الخزاعي(۲۶) ، وقتل عبد الرحمن بن عديس البلوي ، والحضرميين(۲۷).

فصدق كلام النبي صلى الله عليه واله وسلم في معاوية حينما قال:” ويل لهذه الامة من معاوية ذي الاستاة”(۲۸).

فالحسن عليه السلام تنازل لمعاوية عن الخلافة ، لكنه لم يرض به خليفة لانه لا تصح فيه الخلافة ولا تجوز، وشرط عليه شروط المصالحة التي لم يف معاوية بواحد منها البته ، بل ضرب بها عرض الجدارپف واخذ يحكم امة الاسلام بالحديد والنار، من قتل الصحابة الاخيار وتتبع شيعة علي الكرار، وقطع الارزاق واموال بيت المال عن اهلها وبذلها لانصاره من أهل الشام.

بل اخذ يدفع الاموال الى الروم قال سعيد بن عبد العزيز:” ان الروم صالحت معاوية على ان يؤدي اليهم مالا..”(۲۹).

فهو يقاتل الامام علي والحسن عليهما السلام ، وينازعهم امرا ليس له ، وفي مقابل ذلك يدفع للروم الاموال والجزية.

ومن جانب اخر استطاع معاوية أن يجمع حوله طلاب الدنيا والمرتزقة وجيرهم في خدمته وطاعته قال الذهبي:” وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه ويفضلون ، اما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء ، واما قد ولدوا في الشام على حبه ، وتربى أولادهم على ذلك . وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة وعدد كثير من التابعين والفضلاء ، وحاربوا معه أهل العراق ، ونشاوا على النصب ، نعوذ بالله من الهوى”(۳۰).

وجيش الحسن عليه السلام لم يكن بتلك الالفة والاجتماع ، قال الشيخ المفيد:” وورد على الحسن عليه السلام كتاب قيس بن سعد يخبره بما صنع عبيد الله بن العباس ، فازدادت بصيرة الحسن عليه السلام بخذلان القوم له ، وفساد نيات المحكمة فيه بما اظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ، ولم يبق معه من يأمن غوائله الا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ، وهم جماعة لا تقوم لاجناد الشام. فكتب اليه معاوية في الهدنة والصلح ، وأنفذ اليه بكتاب أصحابه التي ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه اليه ، واشترط على نفسه في اجابته الى صلحه شروطا كثيرة وعقد له عقودا كان الوفاء بها مصالح شاملة ، فلم يثق به الحسن عليه السلام وعلم احتياله بذلك واغتياله ، غير أنه لم يجد بدا من اجابته الى ما التمس من ترك الحرب وانفاذ الهدنة ، لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له ، وما انطوى كثير منهم عليه في استحلال دمه وتسليمه الى خصمه ، وما كان في خذلان ابن عمه له ومصيره الى عدوه ، وميل الجمهور منهم الى العاجلة وزهدهم في الاجلة”(۳۱).

وذكر ابن الاثير عن ابن دريد قال:” قام الحسن بعد موت أبيه أمير المؤمنين فقال بعد حمد الله عز وجل: انا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم وانما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر ، فسلبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتم في منتدبكم الى صفين ودينكم أمام دنياكم فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم ، ألا وانا لكم كما كنا ولستم لنا كما كنتم ألا وقد أصبحتم بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون له ، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره ، فأما الباقي فخاذل ، وأما الباكي فثائر ألا وان معاوية دعانا الى أمر ليس فيه عز ولا نصفه ، فان أردتم الموت رددناه عليه ، وحاكمناه الى الله عز وجل بظباء السيوف ، وان أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضاء. فناده القوم من كل جانب: البقية البقية ، فلما أفردوه أمضى الصلح”(۳۲).

وقال سبط بن الجوزي:” لم يصالح الحسن معاوية رغبة في الدنيا وانما صالحه لما رأى أهل العراق يريدون الغدر به ، وفعلوا معه ما فعلوا ، فخاف منهم أن يسلموه الى معاوية.

والدليل على أنه خطب بالنخيلة قبل الصلح فقال: أيها الناس ان هذا الامر الذي اختلفت فيه انا ومعاوية انما هو حق أتركه ارادة لاصلاح الامة ، وحقنا لدمائها ، وان أدري لعله فتنة لكم ومتاع الى حين”(۳۳).

وصرح الامام الحسن عليه السلام برأيه مرات عدة أمام أهل الكوفة قبل الصلح فقال من جملة كلام له عليه السلام:” والله ما سلمت الامر اليه الا أني لم أجد أنصارا ، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ، ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا ، وانهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل ، انهم لمختلفون ويقولون لنا ان قلوبهم معنا ، وان سيوفهم لمشهورة علينا”(۳۴).

وغير ذلك الكثير المسطور في صحفات التاريخ ، فهؤلاء الذين سرقوا متاع الحسن عليه السلام الذي يعد بدراهم معدودة كيف يكون حالهم اذا وضع الذهب في طريقهم ، وأذن لهم أن يأخذوه ، نظير خدمة ما يقدمونها الى جهاز معين.

والحسن عليه السلام حينما بويع بالخلافة اشترط عليهم ان يسمعوا ويطيعوا ، فيحاربوا اذا حارب ويسالموا اذا سالم ، لكنهم سالموا قبل ان تبدأ الحرب وخذلوه حينما اراد النهوض الى قتال معاوية.

والصلح جائز ومباح مع الكفار فضلا عن البغاة الذين شهدوا الشهادتين لكنهم يحاربون اولياء الله تعالى من أجل دنيا يردونها.

واما نهضة الحسين عليه السلام فهي لاتعارض صلح الامام الحسن عليه السلام ، لان معاوية نقض شروط الصلح فيمكن للحسين القيام ومنابذة معاوية بن ابي سفيان. هذا من جانب ، ومن جانب اخر فان الظروف التي اكتنفت الحسين عليه السلام تختلف عما اكتنفت الحسن عليه السلام ، حيث رأينا فيما تقدم أن معاوية عرض الصلح على الحسن عليه السلام فاختبر الحسن اصحابه فراهم ليسوا أهل حرب وناجزة ، فرضي بعرض معاوية ، لانه الاحسن من الدخول في امر لا فائدة منه الا انتصار معاوية ومقتل خلص صحابة الامام علي عليه السلام والشيعة.

وهذا ما يدل عليه كلام الامام الحسين عليه السلام حينما قدم عليه المسيب بن عتبة الفزاري في جماعة بعد وفاة الحسن ودعوه الى خلع معاوية وقالوا له:” قد علمنا رأيك ورأي أخيك فقال: اني لارجو أن يعطي الله أخي على نيته في حبه الكف ، وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين.

وكتب مروان الى معاوية: اني لست امن أن يكون حسين مرصدا للفتنة ، واظن يومكم من حسين طويلا.

فكتب معاوية الى الحسين: ان من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء ، وقد أنبئت أن قوما من أهل الكوفة قد دعوك الى الشقاق ، وأهل العراق من قد جربت قد أفسدوا على أبيك واخيك ، فاتق الله واذكر الميثاق ، فانك متى تكدني أكدك. فكتب اليه الحسن: أتاني كتابك وأنا بغير الذي بلغك عني جدير ، والحسنات لا يهدي لها الا الله ، وما أردت محاربة ولا عليك خلافا ، وما أظن لي عند الله عذرا في ترك جهادك ، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الامة”(۳۵).

بينما في نهضة الحسين عليه السلام فان يزيد اراد من الحسين عليه السلام البيعة وان يتبعه ويؤمن بخلافته ، فقد أرسل يزيد كتابا الى والي المدينة يذكر فيه:” اما بعد فان معاوية كان عبد الله من عباده أكرمه الله واستخلفه وخوله ومكن له ثم قبضه الى روحه وريحانه ورحمته وغفرانه ،عاش بقدر ومات بأجل.. وقد كان عهد الي عهدا وجعلني له خليفة من بعده ، وأوصاني أن أحدث ال ابي تراب بال ابي سفيان ، لانهم أنصار الحق وطلاب العدل ، فأذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة على أهل المدينة.

ثم كتب في صحيفة صغيرة كأنها أذن فأرة: أما بعد فخذ الحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب أخذا عنيفا ليست فيه رخصة ، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث الي برأسه.

فلما ورد كتاب يزيد على الوليد بن عتبة وقرأه قال: انا لله وانا اليه راجعون ، يا ويح الوليد بن عتبة من أدخله في هذه الامارة ، ما لي وللحسين بن فاطمة. ثم بعث الى مروان بن الحكم فأراه الكتاب فقرأه واسترجع ، ثم قال: يرحم الله أمير المؤمنين معاوية ، فقال الوليد: أشر علي برأيك في هؤلاء القوم كيف ترى أن أصنع؟

فقال مروان: ابعث اليهم في هذه الساعة فتدعوهم الى البيعة والدخول في طاعة يزيد ، فان فعلوا قبلت ذلك منهم ، وان أبوا قدمهم واضرب أعناقهم قبل أن يدروا بموت معاوية فانهم ان علموا ذلك وثب كل رجل منهم فأظهر الخلاف ودعا الى نفسه ، فعند ذلك أخاف أن يأتيك من قبلهم ما لا قبل لك به وما لا يقوم له الا عبد الله بن عمر ، فاني لا أراه ينازع في هذا الامر أحدا الا أن تأتيه الخلافة فيأخذها عفوا ، فذر عنك ابن عمر وابعث الى الحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير فادعهم الى البيعة مع أني لأعلم أن الحسين بن علي خاصة لا يجيبك الى بيعة يزيد أبدا ولا يرى له عليه طاعة ، ووالله لو كنت في موضعك لم أراجع الحسين بكلمة واحدة حتى أرضرب رقبته كائنا في ذلك ما كان.

قال: فأطرق الوليد بن عتبة الى الارض ساعة ثم رفع رأسه وقال: يا ليت الوليد لم يولد ولم يكن شيئا مذكورا.

قال: ثم دمعت عيناه فقال له عدو الله مروان: أوه أيها الامير لا تجزع مما قلت لك فان ال ابي تراب هم الاعداء في الدهر لم يزالوا ، وهم الذين قتلوا الخليفة عثمان بن عفان ، ثم سار الى أمير المؤمنين فحاربوه ، وبعد فاني لست امن يا امير المؤمنين انك ان لم تعاجل الحسين بن علي خاصة ان تسقط منزلتك عند أمير المؤمنين يزيد..”(۳۶).

فالحسن عليه السلام لم يكن عنده انصارا واعوانا والا فما توانا عن جهاد معاوية كما صرح بذلك فيما قدمناه ، بينما الحسين عليه السلام وجد انصارا واعوانا على حرب يزيد فلذلك قام باحياء شعيرة الجهاد ومقارعة الظالمين.

والنقطة الاخرى أن يزيد يختلف عن معاوية من ناحيتين:

الناحية الاولى: وجود الصحابة في عصر معاوية وهم حملة الدين والمحافظين على السيرة الصحيحة للامة ، فلا يستطيع معاوية اظهار الزيغ والانحراف بشكل علني بل كانت يده مبسوطة في الشام اما المدينة والعراق فلا يستطيع التغيير فيهما لوجود بعض الصحابة الاخيار. اما في زمن يزيد فالصحابة قد قل وجودهم اما بسبب القتل أو الموت ، ودخلنا في عصر جديد كثر فيه التابعين.

الناحية الثانية: أن يزيد مستهترا تماما خصوصا وأنه تربى عند المسيحين أخواله ، وكان يتحامل على اتباع علي بن أبي طالب كثيرا بحيث طلب من كعب بن جعيل ان يهجو الانصار ، لان الانصار كان اغلبهم يميلون الى علي بن ابي طالب عليه السلام ، وخرجوا معه لحرب معاوية في صفين ، فرفض كعب وارشده الى الاخطل الشاعر النصراني ، فاغدق عليه بالاموال وأخذ يهجو الانصار(۳۷).

وكان مشتهرا بالفجور والفسوق كما قدمناه حتى ان ابيه اوصاه بالتستر فلم يستطع.

والشهادة الاخرى هي شهادة الصحابة من أهل المدينة الذين خرجوا على يزيد حيث قال عبد بن حنظلة الذي بايعوه اهل المدينة على خلع وحرب يزيد قال:” فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ان رجلا ينكح الامهات والبنات والاخوات ، ويشرب الخمر ويدع الصلاة. والله لو لم يكن معي أحد من الناس لابليت لله فيه بلاء حسنا ، فتولاثب الناس يومئذ يبايعون من كل النواحي..”(۳۸).

وقال البلاذري في وصف مجون يزيد:” كان يزيد بن معاوية اول من أظهر شرب الشراب والاستهتار بالغناء والصيد واتخاذ القيان والغلمان ، والتفكه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة”(۳۹).

وقال المسعودي:” وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب ، وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد ، وذلك بعد قتل الحسين فأقبل على ساقيه فقال:

اسقني شربة تسقي مشاشي ثم مل فاسق فاسق مثلها ابن زياد.

صاحب السر والامانة عندي ولتسديد مغنمي وجهادي.

ثم أمر المغنين فغنوا به. وغلب على أصحا بيزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق.

وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة ، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب. وكان له قرد يكنى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته ويطرح له متكئا ، وكان قردا خبيثا وكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت وذللت لذلك بسرج ولجام ، ويسابق بها الخيل يوم الحلبة. .”(۴۰).

فالحسن والحسين عليهما السلام كلاهما ينبعان من منبع واحد ، ومتربان على قواعد الدين والسرع الحنيف ، واخذا من جدهم الرسول الاكرم وامهم فاطمة الصديقة وابيهم الفارق علي عليهما السلام ، ونهجهم رافض للظلم والبغي بشتى أنواعه ، الا ان الظروف لم توات الحسن عليه السلام واتت الحسين عليه السلام.

لكن الذين اشريوا حب الامويين لابد لهم من ان يناقشوا حتى في الواضحات ، بل وابده البديهات.

وعجبا لامة تدافع عن معاوية الذي حارب عليا والحسن عليهما السلام ، وتبكي على يزيد الذي قتل الحسين عليه السلام.

__________________

۱- الشبهة منقولة من كتاب( اسئلة قادت شباب الشيعة الى الحق) رقم الشبهة ۸۴٫

۲ – راجع الحديث في المصادر التالية: مسند احمد۲۲۰:۵ ،كتاب السنة:۵۴۹ ، صحيح ابن حبان۳۶:۱۵٫

۳ – مسند احمد۲۷۳:۴ ، وعنه الهيثمي في مجمع الزوائد۱۸۹:۵ وقال:” رواه احمد في ترجمة النعمان والبزار اتم منه والطبراني ببعضه في الاوسط ورجاله ثقات”.

۴ – سنن ابي داود۴۰۱:۲ ، كتاب السنة: ۵۵۰ وصححه محقق الكتاب الشيخ الالباني.

۵ – الفائق في غريب الحديث۳۷۴:۲٫

۶ – لسان العرب۱۹۱:۷ فصل العين المهملة.

۷ – مسند الطيالسي:۱۵۱

۸ – المصنف لابن ابي شيبة ۲۸۰:۷ ، الاستيعاب ۱۴۲۰:۳ ، سير أعلام النبلاء ۱۵۷:۳٫

۹ – البداية والنهاية۱۴۴:۸٫

۱۰ – المصنف لابن أبي شيبة ۳۵۵:۸٫

۱۱ – راجع الاستيعاب۳۸۶:۴ ، سير أعلام النبلاء۱۳۴:۳ ، تاريخ الاسلام۳۱۱:۴٫

۱۲ – أسد الغابة۳۸۸:۴ ، الطبقات الكبرى۳۴۲:۳ ، فتح الباري۱۷۸:۱۳٫

۱۳ – الاصابة في تمييز الصحابة۷۰:۴٫

۱۴ – سير اعلام النبلاء۱۴۶:۳ ، البداية والنهاية۱۳۱:۸٫

۱۵ – الكامل في التاريخ۴۰۹:۳٫

۱۶ – الخلافة والملك: ۹۳-۹۴٫

۱۷ – كتاب الفتوح۲۹۱:۴٫

۱۸ – البدء والتاريخ ۲۳۶:۵٫

۱۹ – الاستيعاب ۱۴:۲٫

۲۰ – عون المعبود ۱۲۷:۱۱٫

۲۱ – البداية والنهاية ۴۷:۸٫

۲۲ – الطبقات الكبرى ۹۷:۶٫

۲۳ – كتاب الفتوح ۳۳۵:۴٫

۲۴ – كتاب الفتوح۳۳۴:۴ ، الكامل في التاريخ۵۰۸:۳٫

۲۵ – المصنف لابن ابي شيبة ۴۱۱:۲٫

۲۶ – الطبقات الكبرى ۲۵:۶٫

۲۷ – كتاب المحبر:۴۷۹٫

۲۸ – المعجم الكبير۱۷۶:۱۷٫

۲۹ – فتوح البلدان ۱۸۸:۱٫

۳۰ – سير أعلام النبلاء۱۲۸:۳٫

۳۱ – الارشاد۱۴:۳٫

۳۲ – أسد الغابة۱۳:۲ ، الكامل في التاريخ۴۰۶:۳٫

۳۳ – أعيان الشيعة ۵۷۰:۱٫

۳۴ – الاحتجاج ۱۳:۲٫

۳۵ – البداية والنهاية ۱۷۴:۸ ، تهذيب الكمال ۴۱۳:۶٫

۳۶ – كتاب الفتوح ۱۱:۵٫

۳۷ – أسد الغابة ۲۸۶:۳٫

۳۸ – الطبقات الكبرى ۶۶:۵٫

۳۹ – انساب الاشراف: ۱۲۷۷٫

۴۰ – مروج الذهب ۶۷:۳٫ ۲۰۱۰-۰۵-۰۱ ۱۴:۱۸:۰۲٫