emamian

emamian

قال قائد الثورة الإسلامية أية الله السيد "علي خامنئي"، إن مشكلة الاستكبار مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي ان تقدم وتطور وازدهار الجمهورية الإسلامية يجهض المنطق الليبرالي للديمقراطية في العالم الغربي.

واضاف سماحة القائد اليوم السبت خلال استقباله حشدا من اهالي اصفهان، ان منطق الليبرالي الديمقراطي ادى الى نهب العالم على مدى اكثر من قرنين بذريعة تحقيق الحرية والديمقراطية حيث اصبحت اوروبا التي كانت تعاني من الفقر غنية على حساب معاناة العديد من الدول الثرية مثل الهند والصين وفي ايران لم يتم استعمارها بشكل مباشر إلا ان الغرب فعل فيها ما يحلو له.

وصرح قائد الثورة الاسلامية ان افغانستان تعتبر نموذجا في هذا المجال حيث دخل الامريكان فيها وارتكبوا انواع الجرائم على مدى عشرين عاما وبعد مرور عشرين عاما سيطرت على افغانستان نفس الحكومة التي كانت تواجهها الولايات المتحدة الامريكية وشهدنا انسحاب امريكا المخزي من افغانستان.

وشدد بالقول ان الجمهورية الاسلامية الايرانية هي التي رفضت منطق الليبرالي للديمقراطية ومنحت الناس هوية حقيقية والوعي والاقتدار وصمدت امام الديمقراطية الليبرالية.

وتطرق سماحته الى فترة الدفاع المقدس (الحرب العراقية المفروضة على ايران 1980-1988) واضاف ان حلف شمال الاطلسي (الناتو) وامريكا والاتحاد السوفيتي وبعض الدول الاوروبية وقفوا الى جانب نظام صدام البائد في تلك الحرب حيث كان العالم في جانب والجمهورية الاسلامية الايرانية كانت في جانب اخر إلا ان الشعب الايراني انتصر وحققت ايران انتصارا كاملا وباهرا.

العالم بات يعترف بتقدم ايران الاسلامية

وتابع اية الله خامنئي ان الجمهورية الاسلامية الايرانية ماضية في التقدم وان العالم يشهد ذلك وبات يعترف به وهذا لا يتحمله الغرب مضيفا اذا ليس لدينا اقتدار في المنطقة وكنا نخاف من امريكا والاستكبار وكنا نخضع امام عنجهية الغرب لكانت تتراجع تلك الضغوطات المفروضة علينا غير انهم كانوا يسيطرون علينا .

واستطرد قائلا كلما كانت ايران اقوى كلما ازدادت مساعي العدو لتوجيه ضربة للجمهورية الاسلامية الايرانية.

وحول اعمال الشغب في البلاد قال قائد الثورة الاسلامية ان العناصر التي تقف وراء اعمال الشغب لم تتمكن من جر الناس بالخروج الى الشوارع والان تسعى الى استمرار هذه الاعمال للضغط على المسؤولين إلا ان هذه الاعمال ستنتهي وان كراهية ابناء لشعب ستزداد تجاه هذه العناصر و ان الشعب الايراني سيواصلون نشاطهم واعمالهم اكثر من قبل.

واشار الى غضب و استياء الولايات المتحدة الامريكية واوروبا من تقدم ايران واكد انهم لن يتمكنوا من تحقيق اي شيء كما باتوا عاجزين عن تحقيق اي شيء في الماضي .

وفيما اشار قائد الثورة الاسلامية الى ان اوروبا تتحرك خلف امريكا لفت الى ان جميع رؤساء امريكا من كارتر وكلينتون و اوباما وريغان وبوش و ترامب حتى الرئيس الحالي الذي يريد ان ينقذ الشعب الايراني، كلهم وقفوا بوجه ايران وطلبوا المساعدة من عدد من دول المنطقة ومن الكيان الصهيوني الكلب الذي يلهث.

العدو بات عاجزا عن وقف مسار تقدم الشعب الايراني

واضاف ان العدو ورغم كل هذه المساعي فشل ورغم انه سعى وراء خلق مشاكل لايران كفرض الحظر عليها واغتيال علمائها النوويين واللجوء الى كثير من الحيل السياسية والامنية بات عاجزا عن وقف تقدم الشعب الايراني.

وتسائل سماحته كيف يمكن تحقيق التقدم؟ واضاف ان التقدم بحاجة الى العديد من الوسائل اهمها هو الامل لذلك يعمل العدو على زرع اليأس بين الشعب.

واشار الى امكانيات العدو الواسعة في مجال الاعلام واضاف ان العدو يسعى من خلال استخدام القنوات الفضائية و التلفزيون لزرع الياس بين الشعب إلا ان الامل و النشاط مازال متوفران في المجتمع الايراني.

وفي جانب اخر من تصريحاته اشار سماحة قائد الثورة الاسلامية الى التقدم الذي حققته ايران خلال الاسابيع الاخيرة واضاف ان العلماء الايرانيون تمكنوا من الحصول على علاج جديد لمرض سرطان الدم و توطين احد اجهزة استخراج النفط والغاز و افتتاح خط سكك الحديد في سيستان وبلوشستان وازاحة الستار عن صاروخ جديد و غيرها من الانجازات واضاف كل هذه الانجازات يثبت ان ايران ماضية في التقدم رغم مساعي العدو لمنع هذه الحركة من خلال اثارة اعمال الشغب.

واضاف سماحته ان البعض في داخل ايران ينجرون خلف الدعاية الغربية ويقولون بان النظام الاسلامي يفتقد الحرية وسيادة الشعب، لكن ابداء هذا الكلام هو نفسه يدل على وجود الحرية، وان توالي حكومات تختلف افكارها السياسية عن بعضها البعض، على الحكم، يدل على وجود حق الانتخاب لدى الشعب وشعبية النظام الاسلامي.

ونوه سماحته انه اذا لو كانت الجمهورية الاسلامية اختارت التراجع امام اميركا والاستكبار العالمي والرضوخ لتنمرهم وغطرستهم لتراجعت الضغوطات، لكنهم كانوا يسيطرون على البلاد، واضاف " طوال هذه السنوات كلما تعالى صوت اقتدار الجمهورية الاسلامية ازدادت محاولات الاعداء لخدش وجه النظام الاسلامي.

وشدد سماحة قائد الثورة الاسلامية ان التحدي الماثل أمام ايران هو "التطور والتوقف والركود والرجعية" لان ايران تواصل التطور لكن القوى الاستكبارية تضطرب وتمتعض وتغتاظ من تقدم ايران الاسلامية ومن اجل هذا الامتعاض والغيظ ينزل الاميركيون والاوروبيون الساحة بكل قواهم لكنهم عاجزون عن ارتكاب اية حماقة كما عجزوا قبل الآن وسيعجزون ايضا في المستقبل .

آية الله خامنئي اكد بأنه في المواجهة الرئيسية بين ايران والاستكبار فان اميركا هي في الخط الامامي وتقف اوروبا خلفها واضاف " طوال السنين التي تلت انتصار الثورة الاسلامية فان جميع الرؤساء الاميركيين من كارتر الى الى كلينتون واوباما الديمقراطي وريغان وبوش وذلك (الرئيس) الأرعن الجمهوري السابق ، وصولا الى الرئيس الحالي الفاقد للوعي والسيطرة، والذي يريد انقاذ الشعب الايراني ، اصطفوا جميعهم امام الجمهورية الاسلامية الايرانية واستعانوا بكل من استطاعوا ومنهم الكيان الصهيوني، كلبهم المسعور، وبعض دول المنطقة، لكن ومع كل هذه المحاولات اصيب اعداء الشعب الايراني بالخيبة ، رغم انهم اوجدوا بعض المشاكل مثل الحظر واغتيال العلماء النوويين واستخدام كافة الحيل السياسية والامنية واعطاء الرشاوى للبعض في الداخل ليتفوه ضد الجمهورية الاسلامية ، لكنهم عجزوا عن ايقاف حركة الشعب الايراني ، والان ونحن امام هذه المواجهة والتحدي الراهن ، فان من واجب افراد الشعب والمسؤولين وكذلك المثقفين والنخب والشباب والاوساط العلمية والجامعية والحوزوية ، بذل الجهود لتحقيق التقدم في كافة الجوانب العلمية والفنية والاقتصادية والسياسية والاخلاقية والروحية.

واشار قائد الثورة الاسلامية ان هذه الاحداث والجرائم واعمال التخريب تتسبب بمشاكل للشعب واصحاب العمل، لكن هؤلاء المتواجدون في الساحة ومن يقف خلف الكواليس ايضا هم أحقر من ان يستطيعوا الاضرار بالنظام الاسلامي.

واعتبر ان القدرة على خلق الفرص من التهديدات هي من طباع أي شعب مؤمن ، مشيرا النماذج التاريخية غزوة الاحزاب والدفاع المقدس ، مضيفا " في غزوة الاحزاب التي قدم فيها كل قبائل المشركين ، لم تهتز قلوب المؤمنين بل تذكروا وعد الله تعالى وازدادوا ايمانا وخلقوا من هذا التهديد فرصة ، تماما كما فعل شعبنا ايضا في حرب الاحزاب التي شارك فيها كل العالم ودعموا المتعدي ، وقد بدل شعبنا التهديد الى فرصة واثبت للعالم اجمعه بأنه لن يهزم.

الشعب الايراني شعب لا يهزم

ونوه سماحة قائد الثورة الاسلامية انه بسبب هذه الانجازات التي حققها الشعب الايراني فان الاعداء كلما فكروا بورقة الخيار العسكري يتذكرون بان الشعب الايراني هو شعب لا يهزم، وقد اكد شعبنا مرارا وتكرار للاميركيين ولاعدائه بأن "قدومهم هو بيدهم لكن رحيلهم ليس كذلك" وفي حال شن الاعتداء فانهم سيتورطون وسيدمرون.

كما اشار سماحته الى مراسم تشييع شهداء احداث الشغب الاخيرة قائلا ان هذه الاحداث اماطت اللثام عن وجه من يقفون خلف الكواليس ويدّعون الدفاع عن الشعب الايراني وان العداء لمطالب ومقدسات الشعب الايراني أي العداء للاسلام وحرق المصاحف والمساجد والعداء لايران وحرق علم البلاد واهانة النشيد الوطني قد كشف الوجه الحقيقي لمن هم خلف الكواليس.

واعتبر ان العدو قد تلقى الهزيمة حتى هذه اللحظة بفضل الله تعالى لكنه يأتي كل يوم بكيد ومكر جديد ، وبعد هزيمة اليوم يمكن ان يتوجه نحو تحريض فئة العمال والنساء لكن رفعة شأن نسائنا وعملانا هي اكبر بكثير من ان يرضخوا لضامري السوء وينخدعوا بهم .

واشار سماحته ايضا الى اساليب الاعداء مثل "التجييش الكاذب" و"سيل الاكاذيب" في وسائل العلام المعادية بهدف التأثير على المغفلين ، مؤكدا " ان الحقيقة هي الحضور المكثف للشعب في سوح الدفاع عن الثورة وصفعتهم لضامري السوء ".

كما أكد سماحته ان المحركين الاصليين لاحداث الشغب الاخيرة، والذين عجزوا عن جرّ الشعب خلفهم ، يريدون عبر اطالة شرورهم ، اتعاب المسؤولين لكن احداث الشغب ستطوى، وان الشعب سيواصل عمله وجهوده وتقدمه بمزيد من النفور والكره ازاء هؤلاء وبقوة مضاعفة ومعنويات جديدة.

واشار الى صمود الشعب الايراني خلال فترة الدفاع المقدس وقال ان العدو بات يدرك ان الشعب الايراني هو لا يقبل الفشل ولايستسلم وهذا ما يتذكره العدو عند اللجوء الى الخيار العسكري واضاف ان الشعب الايراني اعلنوا مرارا لامريكا انكم في حال العدوان علينا سيواجهون برد ساحق.

الحظر زاد من المشاكل الاقتصادية

وفي جانب اخر من كلمته اعتبر قائد الثورة وجود المشاكل الاقتصادية ، حقيقة، معتبرا العقد الماضي فترة غير جيدة على صعيد الاقتصاد بسبب تقاعس بعض المسؤولين عن العمل بالتوصيات والقيام بواجباتهم، مضيفا بان الحظر ايضا قد ترك تاثيرا في هذه المشاكل، لكن سماحته اكد بأن قيام المؤسسات المعنية ببذل المزيد من الجهود والتضامن والتآزر والتظافر بين الشعب والمسؤولين يمهد لحل المشاكل الموجودة وسيتم توجيه صفعة جديدة للاعداء في هذا المجال ايضا.

وحول مرتكبي الجرائم الأخيرة في البلاد قال سماحة قائد الثورة الاسلامية يجب معاقبة مرتكبي الجرائم والقتل والتدمير أو التهديد بإضرام النار في المحال وسيارات التجار والأشخاص، ومن أجبرهم على فعل هذه الأعمال حسب ذنوبهم والجرائم التي ارتكبوها .

وأشار قائد الثورة الاسلامية إلى استخدام خدعة "بناء جيش زائف" و "حشد الأكاذيب" في وسائل الإعلام المناهضة لإيران للتأثير على الجاهلين وقال: الحقيقة هي تواجد الشعب الايراني في مختلف الساحات دفاعا عن الثورة و ردا لمن يضمر الشر لايران.

 

كُلف نتنياهو رسميا بتشكيل الحكومة على وقع تورطه بملفات فساد وانتهاكات، ومطالبات بمحاكمته، وفي ظل أزمات داخلية يعيشها الكيان، تبدأ بالمخاطر الأمنية والإنقسامات ولا تنتهي بالقلق على المصير والوجود مرورا بتصاعد المقاومة الفلسطينية وتزايد قوة محور المقاومة.

ويؤكد مختصون بالشأن الاسرائيلي أن نتنياهو سيشكل حكومته رغم الواقع المتأزم الذي يسود كيان الاحتلال الاسرائيلي على كافة المستويات.

ويقول المختصون بالشأن الاسرائيلي، إن الشرخ بين شرائح وقطاعات المجتمع الصهيوني بات واضحا ويزاد سوءا يوما بعد يوم. ويضيف أن الانقسامات داخل المجتمع الصهيوني تنعكس بشكل مباشر على الطبقة السياسية، بحيث الجميع يحذر من مآلاتها على وجود الكيان.

ويوضح المختصون بالشأن الاسرائيلي، أن نتنياهو في تشكيل حكومته يستند الى ركيزتين وهما حزبين عنصريين يتمثلان بالتيار الديني الحريدي الذي حصل على 18 مقعدا، وحزب الصهيو دينية العنصري ونال 14 مقعدا، مشيرا الى أن حكومة نتنياهو سيشوبها التجاذب حول اربعة حقائب وزارية وهي القضاء والحرب والمالية، والامن الداخلي.

ويلفت المختصون بالشأن الاسرائيلي، الى أن حكومة نتنياهو المتطرفة اليمينة ستكون مستقرة ومستمرة اكثر من سابقاتها، لان نتنياهو يعتبر الفوز في الانتخابات بمثابة الخروج من نفق ضيق، لذا سيحاول أن ينقذ أجندته من خلال حكومة مستمرة يتعاظم فيها الخطر على الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة.

ويرى المختصون بالشأن الاسرائيلي، أن الشعب الفلسطيني أصبح مدركا أن التسوية مع كيان الاحتلال عبارة عن وهم ليس الا، لذا يلتف حول المقاومة المسلحة المتصاعدةـ ايمانا من الشعب الفلسطيني أن فوة البندقية هي الحل الوحيد لاسترجاع ارضهم المغتصبة وحقهم المشروع.

وعلى صعيد المنطقة يقول المختصون بالشأن الاسرائيلي، أن حكومة نتنياهو لن تقوم بارتكاب حماقات متهورة لان الحسابات على صعيد المنطقة لا تعود لخيارات حكومة نتنياهو فقط انما، هناك الجيش الاسرائيلي والولايات المتحدة الاميركية.

بدورهم يقول سياسيون فلسطينيون، إن المشاكل التي تواجه نتنياهو في تشكيل حكومة هي القضايا الداخلية التي تسودها التناقضات.

ويضيف، إن الخلافات في داخل المجتمع الصهيوني تتمحور حول القانون "الاسرائيلي"، وكيفية تجاوز الكنيست للمحكمة العليا، والقضايا الداخلية، مثل السماح بالاحزاب الدينيىة للستيلاء على الموازنات، وكذلك الخدمة في الجيش، مؤكدا أن المجتمع الصهيوني في القضايا الداخلية تسوده التناقضات والخلافات لكن حيال الامة العربية والاسلامية، وفلسطين فهو موحد كالصخر لانه أسس على مبدأ الاستيطان واغتصاب الارض من أهلها.

ويوضح السياسيون الفلسطينيون، أن نتائج الانتخابات في كيان الاحتلال اظهرت وحدة المجتمع الصهيوني في عنصريته المتطرفة، مشيرين الى أن كيان الاحتلال بعد تشكيل حكومة نتنياهو سيتحول من التطرف العنصري الى التطرف العنصري اليميني الاجرامي.

ويرى السياسيون الفلسطينيون، أن ليس هناك انقسام داخل المجتمع الصهيوني، انما هناك وحدة اجرامية ضد الشعب الفسطيني وشعوب المنطقة، تلتف حول تيار عنصري يميني متطرف يمعن في عنصريته، بحيث أعلن بكل وضوح أنه يرفض حل الدولتين، وسيستمر في تهويد المسجد الاقصى المبارك والاراضي الفلسطينية المحتلة.

ويشير السياسيون الفلسطينيون ان نتنياهو يشكل حكومته على فكرة تصفية القضية الفلسطينية، وبالتركيز حول المزيد من التطبيع مع الدول العربية وباستراتيجية الاستطيان وبناء الجدار العنصري والتطهير العرقي للفلسطينيين.

ويؤكد السياسيون الفلسطينيون أن الشعب الفلسطيني اصبح يؤمن ان لا حل مع كيان الاحتلال سوى المقاومة بقوة السلاح لهذا مع تشكيل نتنياهو حكومته المتطرفة الفاشية فأن عمليات المقاومة ستتصاعد، في من اجل الدفاع عن القدس والمسجد الاقصى واسترجاع الحق المغتصب من خلال الوحدة الوطنية ووحدة الجبهات.

ويرى السياسيون الفلسطينيون، أن نتنياهو سيقوم بمغامرات خطيرة في المنطقة، لان هدفه المركزي ليس فقط احتلال الاراضي الفلسطينية بل الاستيلاء على كافة ثروات المنطقة من خلال استهدافه القوى الرادعة فيها ، مؤكدا ان مخططات نتنياهو في الاراضي الفلسطينية المحتلة وفي المنطقة ستواجهها قوة محور المقاومة الرادعة والمتنامية على كافة الاصعدة ولهذا مسير مخططات نتنياهو هو الفشل الحتمي.

ما رأيكم ..

  • أي مشاكل سيواجهها نتنياهو في تشكيله للحكومة في ظل الانقسامات؟
  • كيف سيتعامل نتنياهو مع التحديات الداخلية والأزمات التي تعصف بالكيان؟
  • هل يتمكن من تأليف حكومة مستقرة بعد حكومات مفككة متتالية؟
  • ما المخاطر التي تترصده مع توحد الفلسطينيين خلف المقاومة؟

 

أيمن الرفاتي

ما حدث من استهداف للحاضنة الشعبية في غزة هو نموذج مصغر كشفته المقاومة وواجهته، بالرغم من الصعوبات والحصار، إلا أن ما يحاك ضد محور المقاومة يعدّ أشد ضراوة خلال الفترة الحالية، وخاصة ما حدث في سوريا ولبنان، وأخيراً في إيران.

لم تترك "دولة" الاحتلال وسيلة إلا وحاربت بها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وقد كان استهداف الحاضنة الشعبية للمقاومة عنواناً بارزاً لطبيعة الصراع خلال السنوات الأخيرة، وهذا النموذج المتواصل والفاشل بات يتكرر كأحد مكونات استهداف محور المقاومة، وآخرها ما نسمع عنه في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. 

ويرتكز استهداف الحاضنة الشعبية وإثارة القلاقل الداخلية على عدد من الأساليب الأمنية والإعلامية، منها سياسة تشويه الصورة وقلب الحقائق وتكبير الأخطاء، ومحاولة إثارة نقمة على من يحملون همّ الأمة ومواجهة الاحتلال والتكبر في العالم.

وتقوم بهذا الفعل أجهزة استخبارية وأمنية عبر تجنيد العملاء والمتعاونين، لتشويه النضال ومواجهة الاحتلال، وتقديم نظريات انبطاحية للجمهور على سبيل تحسين الواقع الاقتصادي مقابل الدخول تحت عباءة النظام العالمي الظالم الذي تهيمن عليه الصهيونية العالمية.

أعداء الأمة بعدما عجزوا عن استخدام الوسائل العسكرية، ووجدوا أن تكلفة العمل العسكري كبيرة، لجأوا إلى الأساليب القذرة؛ لضرب مشروع المقاومة من الداخل، عبر افتعال القلاقل والأحداث الداخلية، وعملوا على تغذيتها عبر صفحات مشبوهة ووسائل إعلام موجّهة تهدف بالدرجة الأولى إلى إشغال المقاومة ووقف مشروعها بالأوضاع الداخلية، وهذا النموذج شاهدناه في قطاع غزة، وفي سوريا، وفي لبنان، وأخيراً نراه في إيران.

من يتابع تحركات الأعداء في هذا المضمار، خلال العقد الأخير، يدرك حجم الجهد والأموال التي تدفع لقلب الحقائق وتنفير الجماهير من حول برنامج مواجهة الاستكبار العالمي، والهدف الأساسي وقف نمو فكر المقاومة ومحاولة تحجيمها وإشغالها بعيداً عن مواجهة الأعداء.

في تجربة قطاع غزة، واجهت فصائل المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس التي تدير الشؤون العامة في قطاع غزة، هجمات متواصلة تجاه حاضنتها الشعبية، قادتها أجهزة أمن الاحتلال والأجهزة الأمنية المتعاونة معها، وقد جندت فرقاً من الفلسطينيين من داخل قطاع غزة وخارجه لتحريض الشارع الفلسطيني ضدها، مستغلة كل حادثة أو مشكلة اجتماعية أو اقتصادية، على أمل أن تتوقف مسيرة المقاومة وأن تقبل قيادة المقاومة بوقف مراكمة القوة مقابل تحسين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية.

وقد كان جلّ التحريض الذي تتعرض له المقاومة في قطاع غزة بأنها المسؤولة عن الوضع الاقتصادي المتردي (سببه الأساسي الحصار)، فيما كانت فكرة المقاومة مستهدفة، لدرجة أن التحريض وصل إلى القول (بدلاً من صناعة صاروخ، نصنع ما نحسن به وضعنا الاقتصادي)، وقد استهدفت المقاومة قيادة وأجهزة ووزارات خدمية، لكن أخطرها التحريض على القيم الدينية والمساجد والأئمة والخطباء.

ما حدث من استهداف للحاضنة الشعبية في غزة هو نموذج مصغر كشفته المقاومة وواجهته باقتدار، بالرغم من الصعوبات والحصار، إلا أن ما يحاك ضد محور المقاومة يعدّ أشد ضراوة خلال الفترة الحالية، وخاصة ما حدث في سوريا ولبنان، وأخيراً في إيران.

نموذج إيران

أما إيران، فما يجري فيها نموذج أكبر وأخطر تشارك فيه أجهزة استخبارات دولية وإقليمية، وقد تطور من تقليص صادراتها النفطية للتأثير في الاقتصاد الإيراني والمساس بالمواطن الإيراني، وصولاً إلى تحريك خلايا "داعش"، والاغتيالات، وتجنيد خلايا تعمل لمصلحة "الموساد" والتحريض المتواصل عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وتجنيد الخلايا لإثارة الشغب والقلاقل الداخلية.

لا أحد ينكر أنه منذ عهد رئيس الموساد مائير داغان (2002-2010) تعزز العمل الأمني الإسرائيلي ضد الجمهورية الإسلامية، وقد تشاركت فيه أجهزة أمن عديدة لتجنيد العملاء، وأخيراً تطور في ظل قيادة الرئيس السابق يوسي كوهين عبر سياسة تنفيذ الاغتيالات، وقد بلغ ذروته في عهد الرئيس الجديد دافيد برنياع، الذي أكد قبل ثلاثة أشهر أن عمليات الموساد في إيران ستستمر حتى بعد توقيع الاتفاق النووي.

حجم الصفحات وتقارير وسائل الإعلام وأخبارها الموجهة ضد إيران، خلال الفترة الحالية، هو أضعاف ما رصدته المقاومة الفلسطينية خلال السنوات الماضية من محاولات استهداف حاضنتها الشعبية، وهو ما يمكن تفسيره بأنه النموذج الأكبر لمحاولات التأثير في الجماهير عن بُعد، والتي تقوم بها الاستخبارات العالمية، إذ تشارك في هذا الأمر الولايات المتحدة ودول أوروبية و"دولة" الكيان وبعض الدول العربية.

والشغل الشاغل لهذا العمل الموجّه تضخيم الأحداث الداخلية، ومحاولة إدخال فئات جديدة ذات مطالب ذاتية في المواجهة الداخلية، إضافة إلى إثارة الحنق على القيادة والرئاسة والحكومة والأجهزة الأمنية التي تحمي الثورة، وصولاً إلى حرب أهلية تضعف الجمهورية الإسلامية، وتثنيها عن مشروع المقاومة والثورة.

باعتقادي، الولايات المتحدة والكيان بدآ استخدام الحلول الأخرى في التعامل مع إيران (الضغط الاقتصادي، والعمل الاستخباري، وإثارة القلاقل والحرب الداخلية)، وهو ما عبّر عنه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي ايال حالوتا في أيار/ مايو الماضي بأن "دولة" الكيان غير مهتمة حالياً بحل عسكري ضد البرنامج النووي، وهي تبحث عن خيارات أخرى للتعامل مع التهديد الذي تمثله الطموحات النووية الإيرانية.

وبقراءة ما صدر عن معهد دراسات الحرب الأميركي في 17 تشرين الثاني /نوفمبر الحالي حول ما يجري في إيران بأن حركة الاحتجاجات وصلت إلى العتبة المحددة في العقيدة العسكرية الأميركية للتمرد "الكامن والبادئ"، أي أنها على عتبة التحول إلى حالة أكثر تنظيماً، يمكن إدراك حجم التخطيط والدعم الأميركي لإحداث القلاقل داخل إيران، وكيف أن هناك سعياً لتضخيم ما يجري ورغبة في نقل حالة الخلايا الأمنية والعملاء إلى ما هو أشبه بالتنظيمات الكبيرة.

من يتابع الأحداث في إيران يدرك جيداً أن هناك محاولات لتطبيق نظريات للتأثير عن بُعد، بهدف تحريك الجماهير، وهي تدمج ما بين نظريات "غوستاف لوبون" مؤسس علم نفس الجماهير ونظريات حديثة أخرى، وهي تستخدم أسلوباً يطلق عليه "عكس الهرم، واستهداف القاعدة الشعبية المباشرة بالأدوات الحديثة"، بهدف إحداث تغيير كامل وكبير تنتج منه رموز وقادة رأي جدد بأفكار جديدة تسعى لتغيير النظام، والدخول في حرب داخلية لإضعاف المكونات الداخلية للدولة.

ما يجري في إيران بات مكشوفاً ومعروفاً لدى الشعب الإيراني بأنه مؤامرة خارجية، وهو ما صرح به علانية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال كلمة له الشهر الماضي بالقول:" هدف العدو تصميم مؤامرة جديدة لمنع البلاد من التقدم،.. عندما كانت الجمهورية الإسلامية تتغلب على المشاكل الاقتصادية وتصبح أكثر نشاطاً في المنطقة والعالم، دخل الأعداء إلى الميدان بقصد عزل البلاد، ولكنهم فشلوا في هذه المؤامرة أيضاً ".

كما فشل الاحتلال وأعوانه على مدار سنوات في إضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ولم يستطيعوا دفع الفلسطينيين إلى التفكير في الوضع الاقتصادي قبل التخلص من الاحتلال، فإن مصير مؤامراتهم على إيران إلى الفشل، لأنهم لن يستطيعوا ثني الشعب الإيراني عن إكمال مسيرة ثورته.

 

الأحد, 20 تشرين2/نوفمبر 2022 18:32

تعالوا ننشر ثقافة المحبّة والسلام

يعتبر السلام غايةً وهدفاً فوق كلّ الاعتبارات، وهو ما نادت به جميع الرسالات السماوية، والتقت حوله كقيمة تبرز أصالة الإنسان، وتسمح لإمكاناته بالإبداع والعطاء، بعيداً عن لغة الحسابات الضيِّقة.

جاء الدِّين ليبني علاقةً سليمةً بين الإنسان وربّه، وبينه وبين نفسه، ومع الناس ومع الحياة. وكلّ هذه العناوين لا تتمّ إلّا بالحبّ، فلا يمكن للإنسان أن يبنيَ علاقةً سليمةً بالله على أساس الخوف والرعب، فبدون استشعار الحبّ لله، لن يُعبَد الله حقّ عبادته، ولن يُطاع حقّ طاعته، ولن يخشى حقّ خشيته، ولن يكون مثالاً وغاية لعباده يتخلّقون بأخلاقه. والأمر نفسه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلولا الحبّ الذي غمر كيانه حتى انعكس رفقاً وحناناً على الناس، لما بلغ رسول الله هذا الموقع. وإلى ذلك أشار القرآن الكريم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159). والأمر نفسه يتعلّق بالنفس، فلأنّنا نحبّ أنفُسنا حبّ الإشفاق لا حبّ الأنانية، نسهر على راحتها وصحّتها وأمانها، ونعمل على وقايتها من كلّ ما يُسيء إليها. أمّا العلاقة بالناس، فهي لا تتحقّق بالعنف والقسوة والغلظة، وحده الحبّ الذي يبني مجتمعاً متوازناً متراصّاً وقويّاً. وحده المجتمع المتحابّ يتوحَّد ويقف سدّاً منيعاً في مواجهة التحدّيات، لأنّ كلَّ فرد فيه يشعر بقلبه بأنّ عليه أن يقف إلى جانب الآخرين؛ حبّ يوحّدنا دوماً، لأنّه نابعٌ من الروح والإيمان. ومن هنا تأتي كلمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَثلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطفِهم مَثلُ الجسدِ، إذا اشتكى شيئاً تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهر والحمى». كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «الساعي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة». 

إنّ الخطّ البياني للإسلام هو ما يعبّر عنه بالرِّفق، وهو ممارسة الأسلوب السلمي في معالجة كلِّ القضايا، حتى إنّ القرآن الكريم يؤكِّد مسألة معالجة الخلافات بين الناس، بالأسلوب الذي يتمكّن به الإنسان من أن يحوِّل عدوَّه إلى صديق: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصِّلت/ 34)، ما يعني أنّ الإسلام يدعو إلى أن نكون أصدقاء العالم، مع التزامنا بمبادئنا والتزام الآخر بمبادئه. وقد أكَّد القرآن الكريم مبدأ الحوار مع أهل الكتاب، والانطلاق في التحاور معهم من الكلمة السواء، ليكون الالتقاء على ما يجمعهم والمسلمين من أفكار مشتركة، والحوار في ما يختلفون فيه معهم بالوسائل الحضارية.

عندما ينتشر الفساد الاجتماعي والجريمة، ويتعاون الناس على مكافحته، سيتمكّن هؤلاء الناس من تطهير المجتمع من ظاهرة الفساد والانحراف. لذلك أمر القرآن بالعمل الجماعي لإصلاح المجتمع بقوله: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران/ 104). وعندما يُداهم المجتمع خطر، كالحوادث الطبيعية، مثل الزلازل والفيضانات والجفاف... إلخ، أو يهاجم البلاد عدو، أو تحدّيات ومخاطر، ويتعاون الناس على صدّها، بما يُقدِّمون من مال وخبرة ومعلومات، وجهد ومشاركة في الدفاع عن العقيدة والأوطان ومصالح المجتمع، فسيتمكّنون من دحر العدو ومواجهة التحدّيات وتحقيق الأمن والسلام.. أمّا المجتمع الذي تنتشر فيه الأنانية والتخاذل ولا يتعاون أفراده، سيكون مجتمعاً مُتخلِّفاً مُنحلاً خاضعاً للأزمات والتحدّيات.

وفي النهاية، إنّها مسؤولية كبيرة أن تزرع ثقافة السلام في المجتمعات المتعطّشة لها، وأهمّ من ذلك، صناعة جيلٍ واعٍ لأهميّة السلام وقيمته؛ جيل مسؤول ليكون هناك جيل يؤمن بأنّ التربية التي تربّي الجيل الصاعد على أهميّة السلام، لابدّ من أن تترك الأثر، ولو بعد حين، في إعادة رسم المشهد العام، وليس فقط المؤتمرات والندوات التي هي في كثير منها مجرّد بروتوكولات، سرعان ما تنتهي في لحظتها.

 

الأحد, 20 تشرين2/نوفمبر 2022 18:31

الكعبة الشريفة.. رمز العزّة

العزّة أصل مهم من أصول الدين، لأنها تساوي "الحياة" وكل الدين يتلخص في الدعوة إلى الحياة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24). الإنسان العزيز حيٌّ، وإذا ذلّ ماتَ، وأصبح يقبل كل هوان. من يهن يسهل الهوان عليه *** مالجرح بميّت إيلام لذلك حرصت الشريعة الإسلامية بكل تفاصيلها أن تحافظ على عزّة الإنسان المسلم، فالمسلم قد فوّضت إليه أموره كلها إلّا أن يكون ذليلاً، كما جاء في النصوص الدينيّة. حتى نجد في تفاصيل أحكام الحج ما يبعد الإنسان عن كل ما يسيء إلى عزّته. على سبيل المثال، لابدّ أن يسبغ الوضوء قبل الطواف، فإذا لم يجد الماء (وكان الماء في الماضي شحيحاً في مكة) فليطلبه، ويتوضأ، إلا إذا كان طلبه فيه وهنٌ، فلا يجوز أن يطلب الماء حينئذ، ويكفيه أن يتيمّم ويطوف!!! إلى هذا الحدّ بلغت دقّة الأحكام في المحافظة على عزّة الإنسان المسلم، وإلى هذه الدرجة اتجهت تفاصيل الشريعة لتحافظ على مقصد الإسلام الكبير، وهو العزّة. والعلاقة بين العزّة والحضارة واضح. فالعزّة كما ذكرنا هي "الحياة"، وليس المقصود الحياة البيولوجية الحيوانية، بل الحياة التي يتكامل فيها الإنسان، ويحقّق مهمّة "الاستخلاف" في الأرض، ويقيم الحياة الطيبة التي هي في الواقع الحياة الحضارية بالمعنى الإنساني للحضارة. الكعبة تضخّ في جسد العالم الإسلامي روح العزّة بقوّة لأنها: -        تربُط الإنسان بالعزيز المطلق سبحانه، فالله سبحانه مصدر العزّة: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) (فاطر/ 10)، والإنسان الصغير يشعر بعظمةٍ ما بعدها عظمة حين يرى نفسه ضيفاً لربّ السماوات والأرض، وحين يرى أنّه يطوف حول بيت ربّ العزّة والجلالة. -        تُذكّر الإنسان المؤمن بارتباطه بتاريخ النبوات، فهو ذو تاريخ ضارب في أعماق التاريخ، وهذا الاستشعار يمنح الإنسان نوعاً من الشخصية الرسالية. -        تُذكّر الإنسان بارتباطه بتاريخ الإسلام بكل ما لاقاه نبيّ الإسلام من عَنَتٍ قبل الهجرة، وبكل ما حظي به المسلمون من عزّة لدن فتح مكة، ودخول البيت، وتحطيم الأصنام، وتطهير البيت من الشرك والأوثان. -        تُذكّر الإنسان لدى الطواف مع الطائفين بعظمة الأُمّة الإسلامية، برقعتها الجغرافية وبشعوبها وبمصادرها الثرية وبموقعها الاستراتيجي، وبطاقاتها المادية والمعنوية. إنّ استشعار العزّة في كنف البيت الحرام كافٍ لوحده أن يجعل أمتنا عزيزة كريمة لا تعرف الهوان. إننا بحاجة حياتية لأن نعمّق مفهوم العزّة ومقومات العزّة في نفوس أمتنا وهي تواجه اليوم حرباً نفسية وإعلامية وعسكرية لإذلالها. لو أمعنّا النظر في معاول الهدم التي تستهدف الأُمّة الإسلامية لوجدنا على رأسها معول الإذلال وإفراغ الأمة من الشعور بالعزّة. ذلك لأنّ الإذلال هدم لحياة الأُمّة وصدّها عن الحركة وعن التوجّه نحو المسقبل.. الإذلال يجعل الأمة تتقبل كل ما ينزل بها من هوان وسيطرة وتمزيق. الإذلال يجعلها لا تفكّر إلا في شؤونها اليومية التافهة الصغيرة، وتبتعد عن الأهداف الكبرى.

 

الأحد, 20 تشرين2/نوفمبر 2022 18:30

الشباب بين تحديات العصر وضرورات العمر

أ. نعمة العبادي

◄إن الشاب واستمراراً لدور العائلة والمدرسة يتلقى مفاهيم تربوية معينة تحاول توجيه شخصيته إلى منحى معين، يتمثل في أغلب الأحيان بالاستقامة، والعقلانية، والتمسك بالموروث، وشرفية الانتماء العرقي والديني والجغرافي، ومفاهيم أخرى. وتتشكل عبر هذا البناء منظومة قيمية تمثل المسطرة المعيارية التي ترتسم على أساسها أحكام الشاب. ويتقابل مع هذه المدخلات روافد أخرى تتمثل بمختلف وسائل التوصيل والتلقين، كالتلفزيون والانترنت وجماعات اللعب واللهو وغيرها. وهذه المدخلات تغذي الشاب بمفاهيم مختلفة منها النزوع إلى التلبس بالعصرنة المظهرية، والانفتاح على الآخرين، وموافقة الموديل، والانغماس في السهر واللهو وغيرها من المظاهر.. وهذا التناقض (بين مدخلات تربيته) يؤدي إلى اضطراب في المنظومة القيمية للشاب بحيث يصبح من العسير عليه إعطاء أحكام مناسبة حول ما هو مقبول أو غير مقبول، وما هو جائز وغير جائز، وما هو مناسب وغير مناسب.

إنّ هذين الصوتين يصرخان، كلّ منهما في أذن من أذني الشاب، وكل منهما يقول له: (إننا لك من الناصحين)، و(اتبعنا نهدك إلى طريق السعادة والرفاه). وأكيداً يلتحق بهذا الصراع الخارجي صراع داخلي يتمثل بين العقل والشهوات، بين الضمير والغرائز، فيقع الشاب فريسة هذا الصراع المقيت، وقلما يستطيع أن يفرز الأشياء بشكل دقيق، ويحصل على صورة حسنة متكاملة منتقاة من مختلف الروافد التي تصب في شخصيته.

أن صراع القديم والحديث، وأفكار الماضي والحاضر، والموديل القديم والموضة العصرية، هو تحدي حقيقي وفاعل، ولا أعتقد أن هناك شابا واحداً مستثنى من دائرة هذا الصراع والتحدي. ويدخل ضمن هذا التحدي التقابل بين منهجية الدين التربوية والمنظومات المناهضة له بكل أشكالها. أكتفي بهذه التحديات الرئيسية والتي تتضمن في طياتها الكثير من التحديات الفرعية، لأنتقل إلى الفقرة الأخرى من دراستنا الموجزة التي تتعلق بالحاجات الضرورية للشباب، وسنسلسلها في النقاط التالية:

    

- الحاجات الضرورية للشباب:

    1- الاستقرار النفسي: تتفتح آفاق الإنسان في هذه المرحلة المهمة والحرجة من حياته، ويتفاعل فيها مع جميع المؤثرات التي تحيطه بقوة وإثارة، الأمر الذي يعكس ردود أفعال متعددة ومتباينة في أغلب الأحيان. ومن جهة أخرى تمثل هذه المرحلة البيئة الخصبة للأسئلة التي تتوجه إلى الأعماق والتي تناقش الكينونة، والمستقبل، والمصير، والقيم، وغيرها من الموضوعات الشائكة. كلّ ذلك من شأنه أن يخلق حالة من القلق والتوتر والاهتزاز المستمر، لذا يبرز (الاستقرار النفسي) كأهم حاجة للذات في جانبيها المادي والمعنوي. فالشاب بحاجة إلى منظومة تربوية توازن بين ضروراته وقدراته وخصوصيات الواقع والمرحلة، وتغذي كل جانب منه (الروح والقلب والبدن والعقل) بما يحتاجه. ويبرز الإيمان (بمثل أعلى مطلق)، كأهم الروافد التي تخلق حالة الاستقرار والسكينة، وتوجه حياة المرء إلى حركة تصاعدية فاعلة ومنتجة، يقول (وليم جيمس) الأستاذ في جامعة هارفارد: "إنّ الإيمان من القوى التي تساعد الإنسان على الحياة، والتي يعدُّ فقدانها بمثابة الموت والفناء". ولذلك ألتفت الغرب إلى هذه الحقيقة ولكن متأخراً. ففي أمريكا يجري الاهتمام اليوم كثيراً بدرس الدين، وتعويد الطلاب بمختلف مراحلهم وخصوصاً (اليافعين)، على الوقوف للصلاة، والتأمل في الكون، ومناجاة الرب.

إنّ الضغط النفسي الذي تشكله مدخلات متعددة، كالحاجة الجنسية، وقلق المصير، والعوز، والتضارب التربوي، وغيرها من المدخلات، يمثل أعظم المعاول التي تهدم كيان الشباب. وفي الصور التي يطول فيها هذا الضغط دون أن يجد ما يبدده، قد ينتهي بالإنتحار، وهذا ما تسجله الإحصاءات في البلدان المرتفعة الأعداد في قضايا الانتحار.

إنّ الإستقرار هو السكون والطمأنينة والرضى والتعاطي الإيجابي مع التحديات والضغوطات، وهو أهم من الغذاء البايولوجي. فما أكثر الحالات التي يعزف فيها الإنسان عن الطعام عندما يتعرض للقلق والاهتزاز النفسي. ولا يتحقق هذا الاستقرار من خلال مجموعة نصائح وتوصيات، وإنّما يحتاج إلى (منظومة تربوية)، تشكل ذات الشباب في (أعماقه وظاهره)، وتوافق فطرته وهواجسه الذاتية. ويمثل (بناء اعتقاداته)، بشكل سليم خالي من (التطرف والغلو والانحراف)، أهم الركائز في هذه العملية التربوية الخالقة للاستقرار والطمأنينة.

    2- الإشباع الجنسي والعاطفي المتوازن: قد يحاول البعض التقليل من أهمية هذه الحاجة أو التعالي عليها وتصويرها، بأنّها غير ضرورية ولا تحتل مرتبة متقدمة في حياة الإنسان عموماً. واعتقد إن هذا الرأي إما صادر عن غير دراية ووعي لجوهر الإنسان وما ينطوي عليه كنهه من أسرار وضرورات، أو محاولة وعظية تجافي الواقع وتغتال الحقائق.

    الشباب، هو عمر الاندفاع للغرائز والاستثارة السريعة، ومع التحديات الصارخة التي يطوقه بها الواقع من خلال قنواته المتعددة، كلّ ذلك يجعل من الإرضاء المتوازن المشروع هو الحاجة الملحة. وقد التفتت الأديان عموماً والإسلام خصوصاً إلى هذه الحقيقة، لأنّها عالمة بحقيقة الإنسان وكنهه، إلى هذه الحاجة وأمرت بإرضائها بأسرع وقت ممكن وبسبل متعددة تكفل تحقق حالة الرضى التي يتبعها حالة الاستقرار والتوازن، الضروريان لفاعلية الإنسان الإيجابية ويدخل في هذه الفقرة مسألة حصول فرصة مناسبة للاقتران المشروع (للفتى والفتاة)، بحيث تجد عواطفهما متنفساً مناسباً لبنائها وفضاءات مقبولة تتحرك من خلالها. وأنبه في خاتمة هذه الفقرة إلى إن هذه الحاجة إذا لم تجد المسارب الصحيحة لتلبيتها، فإنّها تأخذ أحد طريقين سيئين: إما أن تنعكس إلى حرمان يشل ذات الشاب ويعصف بمحتواها، أو تأخذ مسارب غير مشروعة لإرضائها وهو الذي يحمل الشاب والمجتمع تركة باهضة من آثار الفساد والإفساد.

    3- فرصة مناسبة للتعليم: تمثل هذه المرحلة من حياة الإنسان، الأهم في تشكيل مستقبله والتوجه الذي ستتجه إليه مسيرته الحياتية بعمومها. ولا شك في إنّ التعليم (كماً ونوعاً) أهم العوامل المؤثرة في رسم ملامح الشخصية ونوع المهنة أو العمل الذي تتجه إليه.►

 

الحجّ بما هو عبادة وفريضة على الناس يهدف فيما يهدف إليه إلى تأكيد حقيقة الإيمان بالله تعالى في قلوب عباده وتجديد لحركة المشاعر في النفوس لجهة معايشة هذا الإيمان وتعميقه في القلوب وتركيزه في العقول.

ومن انعكاسات هذا التأكيد والتجسيد تعزيز روح الأُمّة في اجتماعها ووحدتها، وترسيخ معاني المحبّة والرحمة والأخوّة بين أفرادها ومذاهبها وطوائفها، والسعي إلى إصلاح ذات البين والتعاون على رفض الفتن والعصبيات والإثم والعدوان والبغث.

والحجّ يعلِّم الناس أن يتلاقوا وينتفعوا من كلّ الغِنى والتنوّع الذي أودعه الله تعالى في الأُمّة، وأن يتعالوا على كلّ الفروقات والحواجز بينهم، والتي تعقّد حياتهم، فإذا ساروا في خطّ الإيمان فلن يكون لأي فروقات من معنى واعتبار. وعندما يجتمع الناس في الحجّ يجب أن تسقط كلّ الحواجز المادّية والنفسية التي تضعها الفواصل العرقية واللونية والقومية بين الناس، ليلقوا على صعيد واحد هو الإيمان بالله والسير على نهجه والالتزام بدينه والجهاد في سبيله طلباً لرضاه، ممّا يوفّر لهم الخروج من الدوائر الضيِّقة التي يحبسون حياتهم فيها لينطلقوا إلى الدائرة الكبيرة التي تحتويهم جميعاً، والتي تؤسّس لقضاياهم الإسلامية وارتباطها بالهدف الكبير الذي يتحرّك فيه الإسلام في الحياة.

فالحجّ إلزام إلهيّ للمؤمنين المخلصين بما عاهدوا عليه الله من الانقياد لطاعته والانتفاع من اجتماعهم بما يقوّي وحدتهم ويؤسّس لعلاقات وروابط جديدة على مستوى التعاون والتعارف والتشاور في حل مشاكلهم، فتتحوّل النداءات في طقوس الحجّ إلى امتثالات والتزامات تنعكس بتجلياتها على الواقع برمّته، لتضخّ به الحياة في عروق المجتمع لتبعده عن الرتابة.

يقول تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) (الحجّ/ 27)، وأعلن ذلك في نداءاتك كتشريع تقرره، لا مجرّد صوت تطلقه ليشعروا من خلال ذلك بأنّ هناك إلزاماً إلهيّاً يدفعهم إلى الامتثال ويقودهم إلى الطاعة يأتوك سائرين على أقدامهم أو على بعير مهزول من شدّة التعب من أي طريق بعيد ليحصلوا على منافع الحجّ الدنيوية التي يحقّقها لهم اجتماعهم على مستوى التعارف والتبادل والتعاون والتشاور في حلّ المشاكل التي يعيشونها.

إنّ كلمة (لبيك) تعني إنّنا ـ يا رب ـ نلتزم في موقفنا هذا بكل نداءاتك بالإسلام كلّه، في عباداته وفي أخلاقه وفي جهاده، وفي سياسته واقتصاده، وفي مواجهة كلّ التحدّيات التي يواجهها الإنسان من الشيطان الداخلي في عمق نفسه أو من الشيطان الخارجي في عمق واقعه وفيما يحيط بحياته.

إنّها الحركة الصارخة في النداء الذي تنطلق به كلّ حناجر الحجّاج لتؤكّد موقفهم الذي يريد أن يلتزم بالإسلام من جديد، في مسيرتهم إلى مركز الدعوة الإسلامية في مكّة، لتكون مسيرة الحجّاج من سائر أقطار العالم هي مسيرة الإسلام التي تقول ـ من خلال تلك الكلمات الخاضعة الهادرة ـ يا رب إذا كان الناس قد تركوا الإسلام فلم يؤمنوا به ولم يرتبطوا به، وإذا كان المسلمون قد انحرفوا عن خطّه وتركوا الكثير من تعاليمه وانتموا إلى الاتجاهات الأُخرى التي تختلف عن خطّه المستقيم.

إذا كان الواقع هو ذلك، فها نحن قادمون إلى بيتك المحرّم لنقول من كلّ قلوبنا ومن كلّ عقولنا ومن كلّ مواقعنا ومواقفنا وتطلّعاتنا «لبيك اللّهُمّ لبيك» فقد جعلت الإسلام لنا بكلّ عمقه وامتداده رسالة الحياة، ونحن نريد أن ننطلق إلى الحياة من خلاله. ولا يمكن للإيمان أن يتأكد أن يخرج إلى العلن فعلاً وممارسة إلّا إذا خرج من دائرة الاستغراق بالغيب في حالة وجدانية ملتهبة معزولة عن إدارة وتحريك شؤون الحياة بما ينفع الفرد والجماعة، وهنا تأخذ العلاقة بالله أبعاداً أصيلة ومعيوشة.

وفي جولة في آفاق الحجّ وما يتصل بذلك، فإنّ القيمة الكبرى للعبادات الإسلامية أنّها لا تمثّل مجرّد حالة وجدانية ذاتية غارقة في ضباب المحبّة وغيبوبة الخشوع ليبقى الإنسان بعيداً عن حركة الحياة عندما يقف بين يدي الله، بل هو تعبير عن الخطّ الإسلامي العملي في علاقة العبد بربّه، حيث يلتقي الجانب الروحي بالحياة في أوسع مجالاتها وأرحب آفاقها، ليتصوّر معها حياته التي تضجّ فيها الحركة، فنجد في الصلاة.. التصوّر الإسلامي لله في صفاته المتصلة بحركة الحياة في مخلوقاته من التربية والرعاية والرحمة، وبطبيعة العلاقة التي تشدّ الإنسان إلى الله وبالتوجه إليه في مجال الصراع الذي تزدحم فيه التيارات الضالة والجاحدة في مقابل الخطّ المستقيم.

فإذا التقينا بالحجّ، فإنّنا نلتقي بالعبادة الزاخرة بأكثر من معنى، فهي تلتقي بالصلاة في أجواء الطواف والسعي، والوقوف بعرفات والمزدلفة والمبيت بمنى، حيث يعيش الإنسان أعمق حالات التأمّل وأصفى مشاعره وأرفع درجاته.

أمّا الإحرام، فإنّه يمثّل الالتقاء بالصوم، حيث يفرض على الإنسان الالتزام الطوعي الاختياري بكثير من الأشياء التي تتّصل بشهواته وعاداته وأخلاقه، فتمثل مرحلة تدريبية صعبة يتعلّم فيها الصبر والخشونة واحترام مشاعر الآخرين، واحترام كلّ شيء محترم حوله حتى الحيوان والنبات.. إلى جانب دقّة الملاحظة عندما يراقب كلّ حركة من ركاته حتى سقوط الشعر وحلّ البدن والنظر في المرآة، أمّا رمي الجمار فإنّه يمثّل الرمز العملي للصراع مع الشيطان في ما تمثّله الجمرات من رمز.

وهكذا يتحرّك الإنسان من عمل إلى عمل ليحقّق لنفسه البناء الروحي والفكري والعملي في أجواء العبادة التي يعيش في داخلها اللقاء بالله، وبذلك لا تشارك العبادة في عزل الإنسان عن الحياة، بل هي على العكس من ذلك، تدفعه دفعاً إليها بكلّ قوّة من موقع الروحية التي تعطي المادّة معناها دون أن تفقدها صفاتها المادّية، وقد لا يكتفي الإسلام في تحقيق معنى العبادة بما افترضه وشرّعه من أشكالها، بل يمتد بها حتى يجعل كلّ عمل محبوب لله عبادة إذا قام به الإنسان لوجه الله.

وفي ضوء ذلك كلّه نجد في كلمة: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ) (البقرة/ 196) إيحاءً بالإتمام من الناحية الروحية التي يعيش الإنسان فيها أجواء الحجّ، بالمستوى الذي يرتفع فيه إلى الآفاق العالية التي تمثّلها هذه الفريضة، ويتحرّك معها بأخلاقية إسلامية كاملة، فلا يكتفي بالشكل ويبتعد عن المضمون، لأنّه يمثّل ـ في هذه الحالة ـ الإتمام الشكلي إلى جانب النقص الواقعي المضموني، ممّا يجعل العمل غير مقرّب لله وغير مقبول عنده، لأنّ الله لا يقبل من الأعمال إلّا ما أقبل الإنسان فيها بكلّ كيانه وروحيته.

فالحجّ تجربة عبادة ترفع من إحساس المؤمن بمسؤولياته في الحياة، فعندما يعود إلى موطنه ومجتمعه عليه واجب العمل بهذا الإحساس، وعندما نريد أن نحدّق بالحجّ في إيحاءاته وفيما يرمز إليه لنخرج من الاستغراق في ذاتية الأعمال إلى الانفتاح على الآفاق الواسعة التي بلور فيها شخصية الإنسان المسلم ليعود من حجّه إنساناً منفتحاً على كلّ مسؤوليته إنساناً منفتحاً على كلّ مسؤوليته في الحياة منطلقاً من الساحات الواسعة التي كلّما عاش فيها مسؤوليته كلّما اتّسعت أكثر.

وأخيراً وليس آخراً، إنّ الإنسان في الحجّ يقف بين يدي ربّه عارياً من كلّ شكليات الواقع الفردي والاجتماعي ليؤكّد أنّه لن يستجيب له استجابة واحدة، ولكن إجابة ممّا يوحي أنّ الإجابة تظل تتحرّك في خطّ الحياة، فكلّ الإجابات تؤكّد أن يكون كلّه في حركة مع الله يتحوّل الإنسان إلى تجسيد لاستجابة الله من خلال دعوته سبحانه وتعالى للناس (اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24).

 

الأحد, 20 تشرين2/نوفمبر 2022 18:26

الحج.. الاجتماع الرائع

    ◄يشهد البيت الحرام، ومكّة المشرّفة جموعاً بشريةً كبيرةً متلاحقة لا تنقطع، فهي محط الرحال وموضع الآمال وإن البيت ليموج بحركة الناس وازدحامهم في الطواف حول الكعبة، أو في السعي بين الصفا والمروة، أو في غير ذلك من شعائر الحج أو العمرة.

    الكعبة حجر يتحوّل، في الوعي إلى معراج للروح، والبيت بيت للعبادة والتسليم والتعظيم، فيه الأمن والأمان وإليه شرّع سبحانه الحج.

    (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) (آل عمران/ 96-97).

    (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة/ 125).

    (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (الحج/ 26).

    (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج/ 27-30).

    (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (المائدة/ 97).

    

    - ما نتعلّمه من هذه الآيات الشريفة:

    1- أنّ الرب سبحانه هو الذي دلّ نبيه إبراهيم (ع) على مكان البيت، حين أمره بإنزال إسماعيل وأمّه عنده، في هجرتهما القديمة. وكان آدم (ع) قد وضع مِن قبل، قواعد بيت الله بأمر من الله عزّ وجلّ.

    استأهل بيت الله عزّ وجلّ لما له من دلالات إيمانية عميقة، ورموز روحية شاخصة، ومن أثر في توحيد وجهة الموحدين، حرمةً خاصة، واحتراماً يناسب وظيفته ويلائم نهمته: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ).

    2- شرع إبراهيم وإسماعيل برفع القواعد والأسس القديمة وإعلائها، حتى استوت بُنية حجرية مكتملة. وكان الرجلان – وهما يزاولان العمل البنائي العظيم – يشعران بضآلتهما إزاء عظمة الله تعالى، ويتطامنان رهبةً ورغبة وخشوعاً، ويمتلئان مناجاة ودعاة: ربّنا تقبّل منّا إنّك أنتَ السميع العليم.

    3- الكعبة أساس راسخ لعقيدة التوحيد. ومركز إشعاع لهذه العقيدة، ومناجاة من أشراك الوثنية والضلالة والجهالة، ففي علاقة الموحّد بالكعبة تتجلّى مظاهر وحدانية الله في الطاعة والعبادة، وحدة في الغاية، ووحدة في الطريق إلى الغاية: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا).

    4- والكعبة، بهذا المعنى الإيماني العظيم أوّل بنية شهدتها البشرية، أنشئت لهذا الهدف، وأوّل بيت وُضع للناس من أجل العبادة، فقصدُ زيارته والحج إليه تزكية للنفس، وتطهير للقلب، وهو درب يهدى إلى الصراط المستقيم، ويغترف المرء من حجّه وقصد زيارته عظيمَ الأجر والثواب: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ).

    سأل رجل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) عن البيت الحرام: - أهو أوّل بيت؟ قال: - "لا، قد كان قبله بيوت، ولكنه أوّل بيت وضع للناس مباركاً، فيه الهدى والرحمة والبركة". وقال (ع) أيضاً: "كانت البيوت قبله، ولكنه كان أوّل بيت وضع لعبادة الله".

    5- ومن ملامح الاقتداء بإبراهيم (ع) والائتمام به وهو يخطو أمامنا في الطريق إلى الله، أن أمرنا ربّنا سبحانه أن نتخذ من مقام خليله إبراهيم – إذ كان يبني الكعبة – مصلّى لنا، نتوجّه فيه بالطاعة والذكر والشكر، فنشعر بجهود الخليل (ع) إذ كان يتعب وينصب، فنشكر الله أن هيّأ لنا رجلاً نأتم به كإبراهيم. وربّما أراد ربّنا تبارك وتعالى أن يزيد من منزلة إبراهيم عنده ومن ثوابه لديه، بما يناله من الأجر في كلّ صلاة يصلّيها مصلّ في مقام إبراهيم. وفي الحديث عن الرسول الكريم (ص) وهو يقرّر هذه الفكرة العامّة: "مَن سنَّ سنّةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".

    6- واستأهل بيت الله عزّ وجل لما له من دلالات إيمانية عميقة، ورموز روحية شاخصة، ومن أثر في توحيد وجهة الموحدين، حرمةً خاصة، واحتراماً يناسب وظيفته ويلائم مهمته: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ).

    فالبيت له في النفوس تعظيم وقداسة، وجعل الله سبحانه من الناحية الزمنية أشهراً حُرماً، ووصل بين حرمة المكان وحرمة الزمان بصلة وثيقة، كالحج في شهر ذي الحجّة الحرام، وشرّع قضايا تناسب الحرمة كالهَدي والقلائد.

    وتتعدّد مصاديق احترام البيت الحرام وتعظيمه فيما نفعله من التوجّه في الصلوات شطر الكعبة المشرّفة، وفيما نصنعه من توجيه الذّبائح وتوجيه الأموات وجهة البيت الحرام، وكذلك فيما نتجنّب فيه استقبال القبلة واستدبارها من سيّئ حالاتنا، وفيما يخدش توقيرنا وتكريمنا لهذه البقعة المطهّرة الكريمة.

    7- ويرتبط بتعظيم البيت وتوقيره واحترامه ما يشيع فيه من أمن تشريعي ومن سلامة الإنسان فيه وطمأنينته على دمه وعرضه وماله: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا) (البقرة/ 125)، (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) (آل عمران/ 96-97).

    إنّ المرء ليشعر – وهو يعيش حالة الاحترام وحالة الأمن في البيت الحرام – بمعان من الجلال ومن الطمأنينة الشاملة، ويحس أنّ بيت الله تبارك وتعالى ملاذ الطريد، وملجأ الشريد، وحصن المضطهَد، وأمان الخائف، وهناءة المرعوب، فهنا في بيت الله ينبع السلام الدائم، وهنا في بيت الله يتحدّر الجلال الدائم.

    8- وإذ يفرغ إبراهيم (ع) هو وابنه إسماعيل من إقامة الكعبة الشريفة، يبدأ التكليف الإلهي للناس أن يقصدوا بيت الله ويشدّوا الرحال إلى حجّه وزيارته، فيُسمَع صوت النبي إبراهيم (ع) مؤذّناً في الناس بفريضة الحج: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا).

    إنّ الله عزّ وجلّ إله البشرية ورب البشرية، وقد انبثق الناس جميعاً من يد القدرة الإلهية الخالقة العظيمة؛ من أجل أن يبدؤا رحلة الحياة في السير نحو الله تعالى، وفي التوجّه نحو المصدر الذي انبثقوا منه، بنمط خاصّ من التعبّد، وطراز فريد من الطاعة والتسليم: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات/ 56-58). وهاهو ذات صوت النبي إبراهيم (ع) ينادي بالناس كافّة بالحجّ، فالحجّ مظهر راقٍ من مظاهر الطاعة، والبشر ما خُلقوا إلا ليخطوا في طريق الطاعة.

    9- وآية الأذان بالحج: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ). تدلّ على أنّ أذان الرسول في الناس بالحج سيُقابَل بالإجابة، وأنّ صوته الذي يجهر بالدعوة إلى قصد البيت وزيارته سيجد آذاناً صاغية وقلوباً واعية، تتخطّى المسافات، وتتجاوز المفاوز والعقبات والسبل البعيدة الشائكة، لتلبّي دعوة الله التي جرت على لسان رسوله الكريم. فالقادرون من الموحّدين – كانوا وما يزالون وسيظلون – يسمعون أذان الخليل ونداءه بالحجّ، ويلبّون هذا النداء ويُيمّمون وجوههم شطر المسجد الحرام، ماشين على أقدامهم، رغم بُعد الشقة، ورغم الفراسخ والأميال، أو يقصدون البيت راكبين نياقاً قد أرهقها السفر، وأضناها المسير، حتى وصلت إلى مكّة متعبة مكدودة مهزولة ضامرة.

    وجموع الحجيج هذه من القبائل والعشائر والأفراد المنقطعين تتطلّع كلّها إلى مكّة المشرّفة، تلبّي النداء الشريف، وتجيب بنبرة تتكسّر، وترقّ، وتسمو، وتشفّ عمّا بها من تخشّع، وهيبة، وسكينة، وعبودية نقية صافية: "لبّيكَ اللّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك. إنّ الحمد والنعمة لكَ والمُلك. لا شريكَ لك لبّيك".

    10- ويشهد البيت الحرام، ومكّة المشرّفة جموعاً بشريةً كبيرةً متلاحقة لا تنقطع، فهي محط الرحال وموضع الآمال، ولا تكاد تخلو كعبة الله جلّ وعلا لحظة من قاصد للحجّ أو للزيارة، ومن أجل هذه الكثافة البشرية الهائلة التي تتجمّع في أرض مكّة ومن أجل هذه الحركة العبادية الدائمة، كان لمكّة اسم آخر، ينبثق من هذا المعنى هو "بكّة": (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ).

    يقول الإمام الصادق (ع) وهو يفسّر لفظة "بكّة": "سُمّيت بكّة؛ لأنّ الناس يبكّون فيها، أن يزدحمون". وتشهد بصدق ذلك حقائق التاريخ، كما يشهد الواقع الحي الذي نعيشه كلّ عام في موسم الحجّ ومواسم الاعتمار.

    إنّ في البيت لآيات وعلامات، وأنّها لبيّنات في الوقت نفسه، توصل إلى الله من أقرب طريق صادق، وتُفضي إلى الحق من أيسر وجهة صحيحة: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا).

    11- ومن أجل تحقّق النقاء الكامل، والنظافة الشاملة، أمر الله سبحانه نبيّه بالتطهير: تطهير البيت من الأقذار المادية والأنجاس المعنويّة، ليتسنّى لمواكب الحجيج التي لا تنقطع أن تتقدّم إلى بارئها بمراسم العبودية ومظاهر التوحيد والتأليه بقصد القرب منه والزُلفى لديه: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).

    (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ). وتطهير البيت إنّما يتحقّق بجعله بيتاً للتوحيد الصافي من لوثة الوثنية وأرجاس الجاهلية، بأن يعلّم إبراهيم (ع) الناس الطريق إلى العبودية الطاهرة، فالعبادة فيه عبادة خالصة لوجه الله لا تشويها شائبة شرك أو دنس أو انحراف، كما حدث فيما بعد أيّام الجاهلية الأولية. وتطهير البيت كذلك تطهيره من كلّ ما لا يليق بحرمة هذا البيت الشريف وقداسته.

    12- بناء الكعبة، ومظاهر العبادة الخاصّة التي تُزاوَل فيها، والمناسك التي تأتيها الألوف بعد الألوف من الناس، والملايين بعد الملايين، والمعاني والأسرار المتصلة بالحج والبيت الشريف وبمكّة عامّة، كلّ ذلك علامات دالة وإشارات معبّرة، توصل – في نهاية المطاف، أو في أوّل المطاف ونهايته – إلى الله جلّ وعلا، وتحكي جليل مقامه سبحانه وعظيم سلطانه، إنّها آيات وعلامات تكون لذوي البصائر بمثابة البوّابات إلى الصراط: موقف إبراهيم (ع)، حرم آمن يأمن مَن دخله، مناسك وعبادات على نمط فريد، الاستمرار على مدى الليالي والأيّام، الألوف عقب الألوف، والملايين بعد الملايين، ما يحسّه المرء من هيمنة روحية مدهشة. أي شيء من هذه الأمور الرائعة لا يكون علامة تدل على الله سبحانه؟! وأي شيء من هذه المظاهر لا تذكّر بجلال الله وتفرده بالألوهيّة والربوبيّة؟!

    إنّ في البيت لآيات وعلامات، وإنّها لبيِّنات في الوقت نفسه، توصل إلى الله من أقرب طريق صادق، وتُفضي إلى الحقّ من أيسر وجهة صحيحة: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا). ►

 

نجحت مقاطعة الانتخابات البحرينية التشريعية، واعلنت جمعية الوفاق المعارضة ان نسبة المشاركة كانت بحدود 35 بالمئة، ما اضطرت السلطات البحرينية لأول مرة بألا تعلن عن نسبة المشاركين فيها.

ويرى اعضاء في جمعية الوفاق المعارضة، ان الشعب البحريني اثبت انه على قدر المسؤولية بعد مقاطعة الانتخابات التشريعية حيث وصلت نسبة المشاركة فيها 35 بالمئة بحسب الاحصاءات الرسمية وهي نسبة متدنية جداً.

واكدوا ان هناك بعض الجهات تم ترهيبها اضافة الى اجبار العسكريين الذين تم استخدامهم في انتخابات 2006 و2010. ولفتوا بان النظام البحريني يخفي وراء اجراء انتخابات تشريعية، بانه ليس نظاماً بحرينياً او عربياً، وانما هو نظام صاغه الاستعمار البريطاني خدمة لاهدافه، وهو نظام وظيفي يعمل لصالح لمن وظفه، ولذلك يسعى هذا النظام لانشاء برلمان صوري فقط لتحسين صورته امام الرأي العام الدولي.

وشدد هؤلاء على ان الاستعمار حينما اقام هكذا انظمة في المنطقة، انما هي مقدمة لغرس كيان صهيوني في قلب الامة، ولهذا فان هذه الانظمة لا تمثل شعوبها، مشيرين الى تأكيد سماحة الشيخ عيسى احمد قاسم بان المواطن اذا صوّت في هذه الانتخابات فهو يصوّت على التطبيع مع الكيان الصهيوني واعتبرها خيانة.

مراقبون من جهتهم، اعتبروا الانتخابات البحرينية التشريعية بانها فاشلة، بعد مقاطعة المعارضة لها، واشاروا الى ان الانتخابات ليست صناديق اقتراع، وانما هي برامج ومشاريع انتخابية، هي رأي والرأي الاخر وتبادل سلمي للسلطة، وهي محاولة قياس قدرات النظام ومدى تأييده والشرعية التي يتمتع بها.

ونبهوا الى نقطة مهمة وهي انه اذا لم يتخلل الانتخابات صراع سياسي بين السلطة والمعارضة، فهي ليست انتخابات، ولذا تصبح انتخابات البحرين مسرحية لا معنى لها من حيث المبدأ لعدم وجود معارضة حقيقية في هذه الانتخابات، وهذا يعني سقوطها شرعياً، اضافة الى انه ليس هناك مراقبة دولية من قبل الامم المتحدة لهذه الانتخابات بحسب ما اعلنت منظمة العفو الدولية، وهذا ما يؤكد ان البحرين امام مهزلة حقيقية لان الملك لا يعترف اصلا بشعبه ويتفرد بديكتاتورية قمعية فريدة من نوعها.

وهذا ما اكده ايضاً محللون بعدما وصفوا انتخابات البحرين بانها صورية ومزورة بدون شك، ويجب على العالم بألا يعترف بها.

وقالوا: انه لطالما رموز المعارضة البحرينية مغيبة في السجون نتيجة ملفات مفبركة قامت بها الاجهزة الامنية، ولطالما ان معايير العدالة والقصاص مفقودة في هذا البلد، وغياب المراقبة الدولية، وسط مقاطعة شعبية بما يزيد عن 80 بالمئة، فان هذه الانتخابات تكون ساقطة شرعياً.

واوضح هؤلاء، ان ما يجري في البحرين اكبر من مسألة اجراء انتخابات تشريعية، بل هو مشروع سياسي يريده النظام بتوجيه ودعم خارجي كي يستمر في الحكم.

المصدر :العالم

رسول آل حائي

العقوبات الدولية التي اعترفت إيران أكثر من مرة بتأثيرها على معيشة المواطن من جهة، وعلى طموحاتها الخارجية بأن تكون قوة إقليمية فاعلة، من جهة أخرى.

فقد رسمت طهران عام 2003، في وثيقتها العشرينية الموسومة بـ"إيران في أفق 2025″، موقع البلاد وملامحها بحلول 2025؛ طامحة أن تتحول إلى قوة دولية، وأن تحتل المرتبة الأولى في منطقة جنوب غربي آسيا في المجالات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، وأن تصبح نموذجا ملهما ولاعبا فاعلا ومؤثرا في العالم الإسلامي.

صدقيان: النهج الذي تبنّته إيران فرض عليها تحديات كثيرة لكنها تمتلك مصادر قوة داخلية وخارجية (الصحافة الإيرانية)

نهج فرض تحدّيات

ولدى توضيحه مرتكزات قوة إيران الناعمة والخشنة على المستويين الداخلي والخارجي، يعزو مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان التحديات التي اعترضت إيران إلى النهج الذي اتبعته الجمهورية الإسلامية منذ قيامها عام 1979.

ويشير صدقيان إلى صمود طهران أمام التحديات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية الرامية إلى إعادة "إيران الثورة" إلى سياق السياسة المتفق عليها في المنطقة، مؤكدا أن طهران تمتلك مصادر قوة حقيقية على المستويين الداخلي والخارجي مكنتها من الحفاظ على تماسكها، "وردع الخطط الأجنبية، وظهورها بحجم قوة إقليمية لا يستهان بها".

وأضاف صدقيان أن القوة العسكرية الإيرانية تبرز على رأس سلم عناصر قوتها الداخلية، يليها بناء اقتصاد يعتمد على المصادر الذاتية، إلى جانب مصادر القوة الأمنية والعلمية والاجتماعية، مستدركا أن بلاده ما زالت تدفع ضريبة عناصر قوتها والأجندة التي تعمل من أجل تنفيذها.

ورأى مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية أن مصادر قوة طهران الخارجية تستند إلى تطلعاتها خارج الحدود "التي ترمي إلى سد الفراغ السياسي والأمني والعسكري الذي خلفته الحرب الباردة في المنطقة"، مبينا أن طهران تعتقد بضرورة خروج القوات الأميركية من المنطقة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي وبناء نظام أمني إقليمي بمشاركة دول المنطقة.

الجغرافيا السياسية

ويعدّ صدقيان موقع إيران الجغرافي أحد أبرز مرتكزات قوتها؛ حيث تطل على بحر قزوين من الجهة الشمالية وعلى المياه الخليجية من الجنوب. ويعتقد أن موقعها الجيوسياسي يؤهلها للعب دور مهم في المنطقة وضمان مكتسباتها ومواجهة العقوبات التي تريد النيل منها.

ولحلفاء إيران في الخارج والمنظمات التي انضمت طهران إليها -مثل منظمتي شنغهاي للتعاون وأوراسيا- وعزمها الانضمام إلى مجموعة بريكس؛ دور في تعزيز مرتكزات قوتها الاقتصادية والالتفاف على العقوبات الدولية، وفق صدقيان.

وانطلاقا من موقعها الجيوستراتيجي، تُهدد إيران باستمرار بقدرتها على إغلاق مضيق هرمز، وهو ممر مائي ضيق يعبره ثلث إمدادات النفط في العالم، ويصفه المراقبون بأنه من عناصر قوة البلاد الخشنة، إلى جانب قوتها العسكرية.

ولمواجهة التحديات الغربية، لا سيما في الأوساط الدولية، عملت إيران منذ سنوات على إيجاد بدائل شرقية؛ فوقّعت تفاهمات إستراتيجية طويلة المدى مع كل من الصين وروسيا -من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن- لإحباط ما تصفه طهران بالمشاريع الأممية ضدها.

طهران تستند في قوتها الخشنة إلى ترسانة من الصواريخ والتكنولوجيا العسكرية المتطورة أبرزها مؤخرا الطائرات المسيّرة (رويترز)

القوة الناعمة

من ناحيته، يصف الباحث في الجغرافيا السياسية فرزاد أحمدي حركات المقاومة المتحالفة مع إيران بأنها أبرز حلقات القوة في سياسة طهران الخارجية، مستدركا أن الجانب التكنولوجي في إيران يشكل ركيزة كبيرة في مصادر قوتها الردعية، وعلى رأسه البرنامجان النووي والفضائي.

ورأى أحمدي -في حديثه للجزيرة نت- أن قوة بلاده الثقافية المتمثلة في نفوذها الأيديولوجي في بعض مناطق العالم لا تقل عن قوتها العلمية، مؤكدا أن طهران تمتلك مخزونا عظيما لتوليد القوة الناعمة؛ لعل أبرزها اللغة الفارسية وتاريخ البلاد الحضاري والديني.

ووصف القيم السياسية الداخلية، كالنظام السياسي الديني والديمقراطية والانتخابات والحقوق المدنية، بأنها من أبرز مرتكزات القوة الناعمة في إيران، إلى جانب السياسة الخارجية التي تعدّ المصدر الأكثر تأثيرا في عناصر قوة البلاد الناعمة.

ويتطرق البند 16 من المادة الثالثة في الفصل الأول بالدستور الإيراني بشكل مباشر إلى السياسة الخارجية للبلاد، وينص على أن "تنظّم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية، والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين، والحماية الكاملة لمستضعفي العالم".

وعدّ أحمدي ما وصفه بـ"التفاف الشعب حول نظام إيران الإسلامي" قوة ناعمة أخرى تأخذها القوى الخارجية دائما في الحسبان، مستدركا أن الالتفاف الشعبي لا يعني عدم وجود أصوات مناوئة للنظام.

وأشار أحمدي إلى قوة إيران العسكرية ومنظوماتها المتطورة، ولا سيما برنامجي الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، باعتبارها من عوامل الردع في وجه التهديدات الخارجية، مشددا على ضرورة توظيف عناصر القوة الخشنة ضمن إستراتيجية القوة الناعمة لتكون أكثر فاعلية في خدمة المصالح الوطنية الكبرى.