emamian

emamian

يزيد الخبز الوزن عندما يتجاوز استهلاكه احتياجاتنا من الطاقة (بيكسابي)

يفضل الأطفال غالبا الأطباق الغنية بالألوان والنكهات رغم أنها ليست دائما صحية، وبدلا من ذلك يجب أن تكون الأطعمة الغنية بالمغذيات حاضرة في نظام طفلك الغذائي لضمان نموه وتطوره بشكل صحيح والحد من احتمال إصابته بالأمراض، ومن أجل اتباع الطفل وجميع أفراد العائلة نظاما غذائيا صحيا من المهم معرفة الأطعمة التي لا بد من تناولها يوميا.

يقول الكاتب ساول سانشيز أرياس في تقرير نشرته مجلة "إيريس ماما" (eresmama) الإسبانية إنه لضمان تمتع طفلك بصحة جيدة وحمايته من خطر الإصابة بالأمراض يجب التأكد من إدراج بعض الأطعمة في نظامه الغذائي.

ما هي ركائز طعام الأطفال الصحي؟

لا تختلف الاحتياجات الغذائية الخاصة بالأطفال (الكربوهيدرات والبروتينات والألياف والدهون والفيتامينات والمعادن) عن تلك الخاصة بالبالغين، وإنما ينبغي تكييفها مع المتطلبات المحددة لأعمارهم، ومن خلال تجنب السكر الزائد والسعرات الحرارية الفارغة الموجودة في بعض المنتجات (مثل المعجنات والأطعمة المصنعة ومشروبات الطاقة وما إلى ذلك) فإنك تحمي صحة الطفل الحالية والمستقبلية.

لضمان التوازن الغذائي الضروري يجب الحرص على تناول الفواكه والخضروات يوميا (مواقع التواصل الاجتماعي)

وتُظهر الأدلة العلمية عواقب سوء التغذية في مرحلة الطفولة، وإلى جانب التسبب في تسوس الأسنان يرتبط الإفراط في تناول السكر بمشاكل صحية أخرى مزمنة، مثل مرض السكري من النوع الثاني والسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية والكلى.

ولضمان التوازن الغذائي الضروري يجب الحرص على تناول الفواكه والخضروات يوميا مصحوبة بمصادر جيدة من البروتين (البقوليات والبيض واللحوم والأسماك ومنتجات الألبان)، والدهون (الزيت والمكسرات وغيرها)، وفي ما يلي بعض أهم هذه الأطعمة.

الخبز الكامل

هناك اعتقاد شائع بأن الخبز يتسبب في زيادة الوزن، ولكن كما هو الحال مع الأطعمة الأخرى فإن الخبز يزيد الوزن عندما يتجاوز استهلاكه احتياجاتنا من الطاقة.

يجب أن تعلم أن الخبز ضروري في نظام طفلك الغذائي، إذ توفر شريحتان من خبز القمح الكامل كمية الكربوهيدرات التي تحتاجها للحصول على الطاقة، ناهيك عن كونه خيارا مثاليا للاستغناء عن المعجنات الصناعية والبسكويت والوجبات الخفيفة.

البرتقال

يوصى بتناول 3 قطع من الفاكهة يوميا مع ضرورة إدراج الحمضيات أو أي فاكهة أخرى غنية بالفيتامين "سي" (C) ضمنها.

ويميل العديد من الآباء إلى تقديم كوب من عصير البرتقال مع وجبة الإفطار لأطفالهم، لكن العصير لا يقدم نفس فوائد تناول الفاكهة الكاملة بسبب احتوائه على كمية عالية من السكر سريع الامتصاص، فضلا عن كونه خاليا من الألياف، وبدلا من ذلك ينصح بأن يتناول الطفل برتقالة وقت الغداء أو في شكل وجبة خفيفة بعد الظهر، وبهذه الطريقة سيحصل على فيتامين "سي" مع كمية قليلة من السكر.

العصير لا يقدم نفس فوائد تناول الفاكهة الكاملة بسبب احتوائه على كمية عالية من السكر سريع الامتصاص (شترستوك)

البيض من الأطعمة التي توفر معظم البروتين

يطلق على البيض اسم ملك البروتينات، وهو من بين الأطعمة التي يجب تضمينها في نظام طفلك الغذائي، بالإضافة إلى أنه من السهل جدا طهيه ودمجه مع الأطعمة الأخرى، كما أن قيمة البروتين في البيض عالية، وهو غني بالأحماض الأمينية الأساسية.

المكسرات

تحتوي المكسرات على كمية قليلة من الماء، وهي غنية بالمغذيات التي تشمل البروتينات الأساسية، والمعادن مثل البوتاسيوم والزنك والكالسيوم والحديد والمغنيسيوم، والدهون الصحية للقلب، والفيتامينات.

وحسب مؤسسة التغذية الأسترالية، فإن تناول المكسرات بانتظام يساعد في تقليل مخاطر السمنة ومرض السكري وتحسين العبور المعوي وبناء عظام قوية، وإذا كان عمر طفلك أقل من 3 سنوات يستحسن أن تقدم له المكسرات مطحونة أو على شكل عجينة، وتتراوح الحصة المناسبة للطفل بين 20 و30 غراما حسب العمر، ومن الأفضل تجنب تقديمها له في الليل لأنها من الأطعمة المنشطة.

الملفوف

من المهم تضمين أي خضروات من عائلة الملفوف في نظام طفلك الغذائي، بما في ذلك البروكلي أو الملفوف الأحمر والملفوف الأخضر أو كرنب بروكسل أو القرنبيط، وتحتوي هذه الخضار على كميات عالية من مضادات الأكسدة والفيتامين "بي" (B) الذي يعرف بتأثيره المهدئ.

وتتمثل أفضل طريقة للاستفادة من هذه الخضار في تقديمها مسلوقة أو مطبوخة على البخار، أو تحميصها في الفرن، أما إذا كان أطفالك يجدون صعوبة في التعود على طعمها فحاولي مزجها مع خضروات أخرى، ويجب تضمين هذه الخضار في وجبتي الغداء والعشاء، إما في الطبق الرئيسي أو كطبق جانبي.

الزبادي

يعتبر الزبادي من الخيارات المفضلة للأطفال ضمن مجموعة الألبان، وهو غني ببكتيريا حمض اللاكتيك الحية المفيدة للجسم التي تعتبر ضرورية لتجنب آثار سوء التغذية والمرض.

وإذا كان طفلك يعاني من مشاكل مثل الإسهال والإمساك فإن الزبادي يساعده في حل هذه المشكلة الهضمية، وتأكدي من اختيار زبادي لا يحتوي على السكريات المضافة ويمكن خلطه في المنزل مع الفاكهة المقطعة والزبيب والفواكه المجففة.

إذا كان طفلك يعاني من مشاكل مثل الإسهال والإمساك فإن الزبادي يساعده في حل هذه المشكلة (بيكسابي)

زيت الزيتون

تعتبر الدهون مكونا مهما في النظام الغذائي، لذلك ينبغي اختيارها بعناية:

  • اختيار الزيوت النباتية مثل زيت الزيتون لطهي وتجهيز جميع أنواع الأطباق.
  • استخدام الزبدة من حين لآخر.
  • إضافة مصادر الدهون غير المشبعة في النظام الغذائي اليومي (الأسماك الزيتية والمكسرات والأفوكادو والزيتون) وتجنب الدهون المشبعة، خاصة اللحوم الحمراء والمعالجة.

البقوليات

البقوليات من أكثر الأطعمة التي غالبا ما يتم نسيانها على الرغم من أنها جزء من قائمة الأطعمة التي يجب أن تكون في نظام طفلك الغذائي، فهي توفر البروتين والألياف والمعادن وبعض الفيتامينات، ويوصى عادة بحوالي حصتين إلى 4 حصص في الأسبوع من البقوليات، ويمكن الجمع بين العدس والفول والحمص والبازلاء.

اللحوم والأسماك

إلى جانب البيض والبقوليات تعتبر اللحوم والأسماك من بين مصادر البروتين التي يجب تضمينها في تغذية الأطفال، وينبغي أن تكون هذه الأطعمة موجودة في جميع الوجبات الرئيسية ومكملة بكميات صغيرة من منتجات الألبان والمكسرات.

تعد اللحوم والأسماك الخالية من الدهون من الخيارات الصحية، وينصح بتناول الأسماك الزيتية (التي توفر دهون أوميغا 3) واللحوم الحمراء بمعدل يوم واحد في الأسبوع على الأقل نظرا لاحتوائها على الحديد والزنك والفيتامين "بي 12" (B12).

اختيار بدائل صحية مثالية لصحة طفلك ونموه

أوصى الكاتب بتجنب تناول الحلويات والبسكويت وأي طعام آخر غير صحي وتعويضه ببدائل أخرى صحية.

وعموما، لا يفضل الأطفال عادة تناول الأطعمة الصحية، لذلك من المهم خلق بيئة مريحة وإيجابية عند تناول الوجبات وليس استخدامها للعقاب، مع تجنب الإكراه والتحلي بالصبر.

وقبل فرض هذه الأطعمة على طفلك فكري في أنه يتعلم من خلال ما يراه، لذا اغتنمي الفرصة لتطبيق كل هذه التوصيات على جميع أفراد الأسرة.

المصدر : الصحافة الإسبانية

 

كان العبّاس عليه السلام منذ نعومة أظفاره من أهل العقل والمعرفة. ويُقال: إنّه لمّا كان صغيراً، أجلسه أمير المؤمنين عليه السلام في حجره ذات يوم، وقال له: قل: واحد. فقال: واحد، فقال: قل: اثنان، فسكت العبّاس ولم يُجب. فسأله أبوه عليه السلام عن سبب سكوته، فقال له: "أستحي أن أقول باللّسان الذي قلْت واحد اثنان. فقبّل أمير المؤمنين عليه السلام عينيه"[1].
 
ويقول الإمام زين العابدين عليه السلام واصفاً عمّه العبّاس: "رحم الله عمّي العبّاس - يعني: ابن عليّ - فلقد آثر وأبْلى وفدى أخاه بنفسه حتّى قُطعت يداه، فأبدله الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإنّ للعبّاس عند الله تبارك وتعالى لمنزلةً يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة"[2].
 
وقال فيه الإمام الصادق عليه السلام: "كان عمّنا العبّاس نافذ البصيرة، صلْب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله عليه السلام، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً"[3].
 
وقد كان للعبّاس بن أمير المؤمنين عليه السلام الكثير من الكرامات، وتحقّقت حوائج كثيرٍ من الناس ممّن توسّلوا به إلى الله تعالى، وهو أمر مشهور ومعروف بين الناس.
 
العبّاس في محضر ثلاثةٍ من أئمّة أهل البيت عليهم السلام
كان عمر العبّاس بن عليّ حين شهادته 34 عاماً[4]، ما يعني: أنّ ولادته كانت في سنة 26 من الهجرة النبويّة. ويمكن لنا أن نستنتج أنّ عمره حين شهادة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام كان 14 عاماً، وحين شهادة أخيه الإمام الحسن عليه السلام 24 عاماً، وهكذا يكون قد عاش عشر سنواتٍ بعد ذلك مع أخيه الحسين عليه السلام[5].
 
وقد اختلف المؤرّخون في أنّ العبّاس عليه السلام هل كان حاضراً في معركة صفّين أم لا؟ فذكر بعضهم أنّه عليه السلام كان من المشاركين في تلك الواقعة[6]. فيما ذهب بعض المحقّقين المعاصرين إلى أنّ العبّاس حضر بعض الحروب، ولكنّ أباه أمير المؤمنين عليه السلام لم يأذن له في النزال[7].

وذكر بعضهم أنّ العبّاس لم يكن حاضراً في صفّين فحسب، بل إنّه أيضاً كانت له مبارزات بطوليّة، وأنّ معاوية دعا برجلٍ من أصحابه يقال له: ابن شعثاء، وكان يعدّ بعشرة آلاف فارس، فطلب منه أن يخرج لمبارزة العبّاس، فبعث إليه بسبعةٍ من أولاده فقتلهم، فعند ذلك خرج ابن شعثاء، فقاتله العبّاس وألحقه بأولاده، وعجب الحاضرون من شجاعته[8].
 
لكنّ هذه الحادثة لم يرِد لها ذكر في المصادر القديمة. لذا ذهب المحدّث النوريّ إلى أنّ صاحب هذه الحادثة هو العبّاس بن ربيعة (بن الحارث بن عبد المطّلب)، حيث نُقل عنه حادثة مشابهة لهذه، وأنّ هذا ما أدّى إلى اشتباه بعض الباحثين، وإلّا، فإنّ العبّاس بن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن حاضراً أصلاً في صفّين[9].
 
وقد أجاب بعض الباحثين عن ذلك بأنّ هناك واقعتين جرتا لأمير المؤمنين عليه السلام، إحداهما مع ولده العبّاس، والأُخرى مع العبّاس بن الحارث، ذلك لأنّ الخوارزمي نقل كلتا الحادثتين في مناقبه، تفصل بينهما صفحات من كتابه، فيبعد أن يكون الخوارزمي قد اشتبه في النقل ونَقَل الحادثة الواحدة بخبرين مختلفين[10].
 
والحقيقة - بعد الإغضاء عن هذه الأقوال والمناقشات - أنّ العبّاس بن أمير المؤمنين عليه السلام إن كانت ولادته سنة 26 هـ، فإنّ عمره في وقعة صفّين، والتي حدثت في العام 37 هـ، لم يكن يتجاوز الـ 11 عاماً، ما يبعّد احتمال أن يكون عليه السلام قد شارك، وهو بهذه السنّ الصغيرة، في الحرب والنزال[11].
 
وقد كان العبّاس حاضراً حين الاقتصاص من قاتل أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، لكن لم يُسجّل أنّه كان له دور في تنفيذ حكم القصاص[12].
 
كما حضر العبّاس أيضاً غُسل الإمام الحسن عليه السلام وأعان - مع أخيه محمّد بن الحنيفة - أخاه الإمام الحسين عليه السلام على تغسيله[13].
 
ولم ينقل لنا التاريخ شيئاً عن أبي الفضل العبّاس في عصر إمامة الإمام الحسين عليه السلام حتّى ما قبل أحداث كربلاء، لكنّ الأمر المسلّم به أنّه كان حاضراً إلى جنب أخيه الإمام الحسين عليه السلام منذ اللّحظات الأُولى لإعلان قيام النهضة الحسينيّة، وأنّه خرج بصحبته ليلاً من المدينة باتّجاه مكّة[14].
 
 نهضة عاشوراء (3)، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

[1] الخوارزميّ، مقتل الحسين، ج1، ص122، المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج15، ص215.
[2] الشيخ الصدوق، الخصال، ص68، الحديث 101. وله أيضاً: الأمالي، المجلس 70، ص548، الحديث 731.
[3] أبو نصر البخاريّ، سرّ السلسلة العلويّة، ص89، ابن عنبة، عمدة الطالب، ص327.
[4] ابن عنبة، عمدة الطالب، ص327، التميميّ المغربيّ، شرح الأخبار، ح3، ص194. وينبغي أن يُذكر هنا أنّ المصادر المتقدّمة لم تُشر إلى التاريخ الدقيق لولادة العبّاس عليه السلام، وإنّما ذكرت عمره حين شهادته. غير أنّ بعض الرجاليّين المتأخّرين ذكروا أنّ ولادته كانت في الرابع من شهر شعبان سنة 26 للهجرة. (راجع: النمازيّ الشاهروديّ، مستدركات علم رجال الحديث، ج4، ص350، المقرّم، العبّاس، ص136).
[5] السيّد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج7، ص429، محمّد السماويّ، إبصار العين، ص57.
[6] الخوارزميّ، المناقب، ص227.
[7] راجع: السيّد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج7، ص429.
[8] راجع: البيرجندي الخراساني، الكبريت الأحمر في شرائط المنبر، ص385 386.
[9] راجع: المصدر نفسه، ص385.
[10] راجع: المقرّم، العبّاس، ص277 278.
[11] في بعض المصادر المتأخّرة غير المعتبرة أمور منقولة من حياة العبّاس عليه السلام، لكنّنا لم نعثر عليها في شيءٍ من المصادر المعتبرة، فمن ذلك ما ورد في كتاب معالي السبطين: أنّه لمّا كانت ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان عام أربعين للهجرة، أي: في ليلة استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وهي الليلة الأخيرة من عمر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، حيث أخذ الإمام يودّع فيها أهل بيته وخاصّته، ويوصيهم بوصاياه ومواعظه، وفيها التفت إلى ولده أبي الفضل العبّاس عليه السلام، وضمّه إلى صدره، وقال له: ولدي! ستقرّ عيني بك يوم القيامة. ولدي! إذا كان يوم عاشوراء ودخلت الماء وملكت المشرعة، فإيّاك أن تشرب الماء وأن تذوق منه قطرة وأخوك الحسين عليه السلام عطشان. (الحائري المازندراني، معالي السبطين، ج1، ص277). وهذه الحادثة لا وجود لها في أيٍّ من المصادر المتقدّمة المعتبرة، وقد نقلها في معالي السبطين بدون ذكر مستندها.
[12] ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج3، ص40، البلاذريّ، أنساب الأشراف، ج3، ص263.
[13] الديار بكري، تاريخ الخميس، ج2، ص293.
[14] الدينوريّ، الأخبار الطوال، ص337، الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص34. وقد أحال المصنف تفاصيل حياة العباس عليه السلام ومقتله إلى الجزء الأول من كتاب تاريخ وقيام ومقتل جامع سيّد الشهداء عليه السلام بالفارسيّة.

28-07-2022

 

الأربعاء, 03 آب/أغسطس 2022 11:14

مدرسة كربلاء وقيم العفاف والحجاب

تتحقّق الكرامة الإنسانيّة للمرأة في ظلّ عفافها، والحجاب أيضاً أحد الأحكام الدينيّة التي شرّعت من أجل أن تستعفف النساء وتطهر حجورهنّ، ومن أجل حفظ المجتمع من التلوّث بالرذائل والمفاسد.
 
ولقد قامت النهضة الحسينيّة من أجل إحياء القيم الدينيّة، وكان حجاب المرأة المسلمة وعفافها قد أخذ مكانته النفيسة في ظلّ هذه النهضة المقدّسة، وكان الإمام الحسين عليه السلام وزينب الكبرى عليها السلام وبقيّة أهل بيت الرسالة وحرم النبوّة يذكّرون بمنزلة هذه الجوهرة الأخلاقيّة سواء في أقوالهم أو في أسلوب تحرّكاتهم.
 
لقد كانت زينب الكبرى عليها السلام وباقي حرم الرسالة من أهل بيت الحسين عليه السلام قدوات للمرأة المسلمة في الحجاب والعفاف، إذ لم يغفلن عليهن السلام عن مراعاة كمال الحجاب ومتانة العفاف أثناء مشاركتهنّ في الملحمة العظيمة وأدائهنّ لدورهنّ الاجتماعيّ والتبليغيّ الحسّاس الخطير، فكنّ لذلك حقّاً أسوة لجميع النساء المسلمات.
 
لقد أوصى الإمام الحسين عليه السلام أختيه زينب وأمّ كلثوم وابنته فاطمة وزوجته الرباب قائلاً: "يا أختاه يا أمّ كلثوم، وأنت يا زينب، وأنت يا فاطمة، وأنت يا رباب، إذا أنا قتلت فلا تشققن عليَّ جيباً، ولا تخمشن عليَّ وجهاً، ولا تقلن هجراً"([1]).
 
خصوصاً وأنهنّ كنّ بمحضر أعين الأعداء التي كانت ترقب وترصد ما يصدر عنهن من قول وفعل.
 
ولمّا سمع الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء بكاء النسوة في الخيم، أرسل إليهنّ أخاه العبّاس وابنه عليّ الأكبر عليهما السلام  ليسكّتاهنّ ويصبّراهن([2]).
 
كان سلوك وتصرّف زينب الكبرى وأخواتها وأزواج وبنات الحسين وبقيّة نساء المعسكر الحسينيّ المقترن برعاية الحجاب وحفظ العفاف مثلاً عمليّاً أعلى لمتانة شخصيّة المرأة المسلمة.
 
ولم يألُ الإمام السجّاد عليه السلام جهده أيضاً في الحفاظ على حجاب مخدّرات بيت الرسالة ورعاية شؤونهنّ ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، بل لم يغفل عن هذا الأمر المهمّ حتّى في اللحظة التي رأى ابن زياد يهمُّ بقتله! إذ قال عليه السلام له: "يا ابن زياد! إنْ كانت بينك وبينهم قرابة فابعث معهنّ رجلاً تقيّاً يصحبهنَّ بصحبة الإسلام"([3]).
 
وينقل السيّد ابن طاووس (رضوان الله عليه) أنّ الإمام الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء قد أوصى عائلته برعاية الحجاب والعفاف وصون النفس([4]).
 
ولمّا سمعت زينب الكبرى أخاها الإمام الحسين عليه السلام ينعى نفسه بعد ما رأى رؤيا في غفوته، فقدت صبرها ولم تتمالك نفسها، فلطمت وجهها وصاحت وبكت، فقال لها الحسين عليه السلام:"مهلاً! لا تشمتي القوم بنا!"([5]).
 
وروي أنّ امرأة من بني بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد، فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليه السلام فسطاطهنّ وهم يسلبونهنّ أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط وقالت: يا آل بكر بن وائل! أتسلبُ بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !([6]).
 
وفي الطريق من الكوفة إلى الشام كان غاية حرص نساء بيت النبوّة في حال السبي أن يصان حجابهنّ وعفافهنّ "فلمّا قربوا من دمشق دنت أمّ كلثوم من شمر- وكان من جملتهم- فقالت له: لي إليك حاجة! فقال: ما حاجتك؟! قالت: إذا دخلتَ بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظّارة، وتقدّم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل، وينحّونا عنها، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في هذه الحال!"([7]).
 
وكان من الاعتراضات الشديدة التي وبّخت زينب الكبرى عليها السلام يزيد بن معاوية عليها في خطبتها أن قالت: "أمِنَ العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبايا قد هتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ، تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد والدنيّ والشريف..."([8]).
 
إنّ الغاية من نقل هذه الأمثلة والشواهد هي الإشارة إلى هذه الحقيقة وهي أنّ عائلة الإمام الحسين عليه السلام ومخدّرات بيت النبوّة وبقيّة نساء شهداء الطفّ كما كنّ يحرصن أشدّ الحرص على حجابهنّ وعفافهن، كنّ أيضاً ينكرن على الأعداء إنكاراً شديداً ويوبّخنهم بقوّة على معاملتهم المشينة مع حرم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهتكهم لحرمة عترته وعرضهنّ على أنظار النّاس.
 
ومع أنّ حرم النبوّة والرسالة كانت بيد الأعداء، يسوقونهنّ من منزل إلى منزل، ومن مدينة إلى أخرى، ومن سوق إلى بلاط، مفجوعات قد أحرقت قلوبهنّ نار المصيبة والرزيّة، إلّا أنهنَّ كنّ في غاية الحرص وشدّة المراقبة على حفظ شأن وكرامة ومقام المرأة التقيّة الطاهرة، وبرغم تلك الحال الشديدة التي لا توصف كنّ قد حرصن أيضاً على أداء تكليفهنّ في التبليغ بأهداف النهضة الحسينيّة المقدّسة والدفاع عن غاياتها وأهدافها من خلال الخطب البليغة المؤثّرة التي كشفت حقيقة الأعداء وفضحتهم.
 
إنّها الحركة الاجتماعيّة السياسيّة للمرأة المسلمة في ذات الوقت الذي تصون حجابها وعفافها، وهذا درس لجميع النساء المسلمات في كلّ الظروف وجميع العصور.
  
بلاغ عاشوراء، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

([1]) موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ، ص406.
([2]) راجع: وقعة الطفّ، ص206.
([3]) تاريخ الطبريّ، ج4، ص350، مؤسّسة الاعلميّ - بيروت.
([4]) راجع: الملهوف، على قتلى الطفوف، ص142.
([5]) نفس المصدر، ص151.
([6]) الملهوف على قتلى الطفوف، ص181.
([7]) الملهوف، ص74، الطبعة الحيدريّة - النجف.
([8]) نفس المصدر، ص79.

 

حوار سلوى النجار مع د. عمر عبدالكافي

 

رحلة الحج حيث المناسك عبادات محضة، والعبادات أسرار وعبر، إنما هي رحلة مغفرة وتذكرة وقد أفلح من وعي. وفي هذا الحوار مع الدكتور عمر عبدالكافي، مدير مركز الدراسات القرآنية بجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، عضو هيئة الحكماء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، نحاول أن نلقي الضوء على عدد من العِبَر والدروس والأسرار النفسية والفلسفية التي تزخَر بها مناسك الحج.
* نبدأ بسؤال عن مفهوم الحج في الديانات السماوية من ناحية تاريخه، وما العبر التي يمكن أن نخلص إليها من هذا الأمر؟
- من أوجه عَظَمَة الإسلام، أنه ينظر إلى الرسالة التي نزلت من السماء، على أنها دين واحد. يقول الله سبحانه وتعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا) (الشورى/ 13). إذن الدين واحد، لكن المذاهب والشرائع هي التي تختلف باختلاف النوعيات والثقافات وتبايُن الزمان والمكان.
وفي ما يتعلّق بالحج، نجد أنّ الله سبحانه وتعالى يقول في الآية الكريمة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران/ 96). والنبي(ص)، لمّا تكلّم عن قضية الحج، قال كما ورد في حديث ابن عباس، "إنّ رسول الله(ص) مَرّ بوادي الأزرق. فقال: "أي وادٍ هذا؟". فقالو: هذا وادي الأزرق. قال: "كأني أنظر إلى موسى (ع) هابطاً من الثنية، وله جؤار إلى الله بالتلبية". ثم أتَى على ثنية هرشى فقال: "أي ثنية هذه؟". قالوا: ثنية هرشى. قال: "كأنّي أنظُر إلى يونس بن متّى (ع) على ناقة حمراء جعدة، عليه جبّة من صوف، خطام ناقته خلبة، وهو يُلبّي". فالأنبياء حجّوا إلى هذا المكان. إذن الحج ليس بدعة إسلامية ولا شَعيرة تخصُّ أمّة محمد (ص)، إنّما الحج موجود منذ بداية أبينا آدم(ع).

- أسرار الحج:
* مَناسك الحج من اغتسال وطَواف وسعي وغيرها، لَيست أعمالاً مُجردة، بل هي عبادات لها من الأسرار وفيها من الآيات والعِبَر ما يختزل كثيراً من أوجه فلسفة الفكر الإسلامي، فَهَلاً تفضّلتُم ببيان جانب من ذلك؟
- العبادة في الإسلام لها أسرار، والنظر إلى عبادة الحج من زاوية فلسفية، يكشف عن جانب من أسراره، ومنها مثلاً أنه إذا جاء موسم الحج، فكأنّ المسلمين ينتدبون في كل عام وفداً منهم لتقديم فروض الولاء والطّاعة لله رب العالمين عند بيته المحرّم. هذا "الوفد"، كما تقول كُتب اللغة، هم عليه القوم، فهم وفد مكرمين عند الله تعالى، ومن ذلك قوله تعالى، في وصف أهل الجنة (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) (مريم/ 85).
هذا الوفد أول ما يبدأ به من مناسك الحج، بعد تحرّي المال الحلال في النفقة، هو الاغتسال والتطهُّر، ليس التطهّر البَدَني فقط، بل التطهّر الروحي أيضاً من الخطايا والذنوب. فالإنسان عندما يتوضأ للصلاة ربما تكون يده نظيفة، لكنه يغسلها ممّا يكون قد أتَى بها من إيذاء أو رشوة أو أخذ ما لا يحق له، وهكذا المضمضة، فهو يلفظ فيها ما اقترف من غيبة أو كذب أو فحش في القول، وجميع الأعضاء على هذا النحو، وهو من أسرار الوضوء والاغتسال.
فإذا اغتسل الحاج، فهو يلبس ما يشبه الكَفَن، ذلك الثوب الأبيض الذي لا جيب فيه ولا مخيط ولا محيط، وفيه تذكرة بحاله بعد مماته، فإذا ودّع أهله وركب الباخرة أو الطائرة، فيتمثّل عندما يأتي الموت، أنه أيضاً سوف يُحمَل ويُتركَ وهو ذاهب إلى حسابه مع رب العباد.
وإذا بلغ مكة المكرمة، زادها الله تشريفاً وتعظيماً، ودخل المسجد الحرام وطَالَع الكعبة المشرّفة أول بيت وُضِع للناس وقِبلَة المسلمين في كل بقاع الأرض، فله دعوة مستجابة، ونحن نطوف من هذا الرمز، حيث الصلاة عنده بمئة ألف صلاة، وحيث يُقسّم الله عزّوجلّ الرحَمات في هذا المكان المبارك. وإذا كان الناظر إلى الكعبة له ثواب، فما بالَك بالطائف حولها؟
وعندما يقضي الحاج الطّوَاف، يذهب إلى السعي بين الصفا والمروة، كما صَنَعَت أمُّنَا هاجَر، عندما كانت تبحث عن الماء لوليدها إسماعيل (ع)، ونحنُ نأخذ هذه الشّعيرة العظيمة عن امرأة نُقدّرها ونُجلّها على مَرّ التاريخ، وهذا دليل على مَكَانة المرأة في الإسلام. ويجب علينا نحنُ معشَر الرجال، أن نُسرع ما بين الميلين الأخضرين، ونهرول سريعاً، كما كانت أمّنا هاجر تصنع عند مهبط الوادي ومسيله. أما المرأة فلا تُهرول بين الصفا والمروة، بل تمشي على تَؤدَة، لأنّ أمّنا هاجر أنابَت عن كل بنات حواء في ألاّ يُسرعن، وكانت وكيلة لهنّ في ذلك.
بعد ذلك، نشرب من زمزم، ونتضلّع منه، حيث نتذكر هذا الوادي الذي لم يكن فيه زرع ولا ضَرع ولا ماء، حتى جاء جبريل (ع) وضرب الأرض بجناحه، فخرجت بئر زمزم طعام السّقاء وسِقَاء الشفاء الذي لا ينضَب أبداً.
بعد ذلك يأتي اليوم الثامن، وهو يوم التروية، وفيه يذهب الحجيج إلى منى، استعداداً لبدء مناسك الحج، ويأتي عليهم يوم عرفة، الذي يُشبه تماماً اليوم الآخر، فالكل في عرفة من مطلع الفجر حتى غروب الشمس، حاسر الرأس، يلبس زيّاً واحداً، وجميعهم في دعاء وإخبات نيّة، اللغات مختلفة والألسنة مختلفة والدعوات مختلفة ورب العباد سبحانه وتعالى ينظر إليهم ويُباهي بهم ملائكته.
فإذا أفاض الناس من عرفات إلى المزدلفة عند المشعر الحرام، فهم عندما يقومون بجمع الحصى إنما يجمعون أسباباً يقومون بها على ضرب إبليس وإيقاف الشر الذي يأتيهم من شياطين الإنس والجن، فإذا صلُّوا صلاة الفجر في المشعر الحرام، ذهبوا إلى جمرة العقَبَة الكبرى، وهناك نتذكّر الخليل إبراهيم (ع)، الذي لَمّا هَمّ بتنفيذ أمر الله بذبح ولده إسماعيل(ع)، أتَاه إبليس يعلو بصوته عليه يا إبراهيم: أتذبح ولدك؟ أتذبح وحيدك؟ فيرميه الخليل بحجارة سبعة عند الجمرة الصغرى والوسطى والكبرى. ونحن نأخذ هذا المنسك من خليل الله إبراهيم(ع)، وفي ذلك دليل على وحدة الدّين وأنه الدّين واحد، وأننا كما قال رب العباد عزّوجلّ: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) (الحج/ 78). وكما دعا سيدنا إبراهيم (ع)، (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (البقرة/ 129).
ثم يأتي ذبح الأُضحية، ليُذكّرنا بفداء إسماعيل (ع)، وقد قال (ص): "أنا ابن الذبيحين"، فأبوه عبدالله تعرّض للذبح وفُدي بمئة من الإبل، وسيدنا إسماعيل (ع) جَدُّه وجَدُّ العرب والمسلمين، تعرّض للذبح وفَداه رب العباد بكبش من الجنّة.
ثم بعد ذلك يذهب إلى الحلاقة، حيث الرجل يحلق والمرأة تُقصّر، ومعروف أنّ زينة كثير من الناس في شعورهم، وربما عندما يحلق الرجل وتُقصّر المرأة يستشعران خضوعهم وذلّتهم لله وائتمارهم بأمره سبحانه وتعالى.

- بين نقل وعقل:
* يقول الحاج بمناسك الحج من طواف وسعي ورجم بالجَمَرات، امتثالاً لأمر الله تعالى، ويفعلها بجسده، لكن قلبه وروحه متجهان إلى الله الواحد الأحد. لكن البعض من غير المسلمين، قد يسألون عن العلاقة بين الرمز والمدلول في هذه الأعمال.
- عندما ننظر إلى فريضة الحج، يجب أن نرى القضية بين نقل وعقل. النقل هو قوله تعالى (وَأتمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لله) (البقرة/ 196). أما العقل، فقد يأتي الشيطان ليقول: مبنى يُطاف حوله؟ أليست هذه صورة من صوَر الوثنية؟ ونحن نردُّ على ذلك بمثال بسيط، وهو العَلَم الذي تتخذه الدول رمزاً لها، فتحية هذا العَلَم، الذي هو قطعة مِن القماش الملوّن ترمُز إلى تقدير واحترام الدولة، في حين أن تمزيق العَلَم فيه إهانَة للدولة صاحبة العَلَم، ونحن عندما نذهب إلى الكعبة ونطوف حولها، فلأنها رمز للمكان الذي يتقرّب فيه العبد إلى رب العباد عزّوجلّ. ويُقال إنّ البيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألف مَلَك، لا يخرجون إلاّ يوم القيامة، لو وقع منه حجر لَوَقَع على سقف الكعبة، إذن نحن عندما نطوف ونصلي حول الكعبة المشرّفة، إنما نتشبّه بهؤلاء الملائكة الذين يعمرون ويتعبَّدون في البيت المعمور.
أما أن يُقال كيف تُقبّلون حجراً ترجمون آخر؟ فهذه قضية النقل، لأن حجراً يُقبَّل وحجراً يُرجم، فهذه هي الدفعات النفسية والطاقة الإيجابية التي نُقبّل من أجلها حجراً ونقذف آخر. وعمر يقول عند الحجر الأسود: والله أنا أعلَم أنّك حَجَر لا تنفَع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله (ص) يُقبّلك ما قبّلتك".
لكن ائتماراً بأمر الله، فرحلة الحج رحلة إذعان وتسليم لله سبحانه وتعالى، تبدأ بالاغتسال وتنتهي بغسل الذنوب، وما بينهما عبادة لله سبحانه وتعالى.
* لا شك في أنّ استحضار مثل هذه الدفعات النفسية والشحنات الإيجابية، يلزمه استعداد نفسي وروحي للحج، فما السبيل إلى بلوغ ذلك؟

- الاستعداد النفسي للحج لا يقل أهمية عن الاستعداد البدني والمادي للحج، ويبدأ الاستعداد النفسي للحج بتجهيز المال الحلال، فالإنسان إذا كان في ماله شُبهة أو حرام ويتجه إلى الحج، يقول (لبّيك اللهم لبّيك). يقول الله تعالى "لا لبّيك ولا سعديك وحجّك مردود عليك، مالك من حرام وملبسك من حرام ومشربك من حرام وغُذّيت بالحرام، فأنّى يُستَجاب لك".
* هناك بعض المسائل الحديثة، التي تُعرَض في الحج ومنها الحج المُريح والمُيسّر، الذي يُذلّل جانباً كبيراً من مشقّة الحج. فهل في ذلك نقصان للأجر؟
- يقول الله تعالى: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) (النساء/ 147). فإذا يُسّر للحاج وسيلة مواصلات مُريحة، ومكان طيب للإقامة، فلا أرى في هذا انقاصاً للثواب. بل على العكس إذا استطاع الإنسان أن يحج حَجّاً كهذا، فهو يتفرّغ للعبادة والدّعاء وإخلاص النيّة ولا تشغله المشقّة ولا المتاعب عن العبادة، بفضل من الله سبحانه وتعالى. فأنا لا أرى أبداً هذا إنقاصاً للثواب وربنا كريم ومُتفضّل. والحقيقة أنّ القائمين على أمر الحج في المملكة العربية السعودية، لا يُقصّرون، ويعملون على إراحة الحجيج قدر وسعهم.
* وماذا عن القادرين الذين يكررون الحج النافلة أكثر من مرة؟
- الحجيج الذين حجّوا مِن قبل، وأسقطوا الفريضة، عليهم أن يوجّهوا نفقات حج النافلة لتزويج الشباب المسلم، وسداد ديون المسلمين المعوزين، وإدخال السرور على الأسر المسلمة، فهذا خير لهم من حج النافلة، لأن إدخال السرور على المسلمين فرض، والحج الثاني إلى المئة نافلة. وقد يستشهد قائل بقول الرسول (ص): "تابعوا بين الحج والعمرة.."، نقول نعم. هذا عندما يستغني فقراء المسلمين ويتزوج الشاب غير القادرين، وتُسدّد ديون المدينين، وهذه للذين يكررون شعيرة الحج كل عام، وهم من الأثرياء.
* في المقابل، نجد مَن يعمَد إلى تأجيل حج الفريضة، على الرغم من القدرة والاستطاعة، فما قولكم ذلك؟
- الحج مرهون بالاستطاعة، ومَن لم يستطع فقد سقط عنه الحج. حتى إنّ بعض الناس، عندما يأتي ليستفتيني في أن يذهب ليحج عن أمه أو أبيه بعد وفاتهما، أقول له عندما كان أبوك أو أُمك على قيد الحياة، هل كانَا يستطيعان الحج؟ يقول لا، كانا فقيرين مثلاً. إذن فقط سقط عنهم الحج، أما إذا أراد أن يحج من باب البر بأبيه أو أمه، فهو خير، لكنه ليس مفروضاً عليه أن يحج، لأن غير القادر سقط عنه الحج تماماً.
لكن الأمر الخطير يتعلق بالقادر على الحج ولم يحج. إذ يقول رسول الله (ص): "مَن استطاع أن يحج ولم يحج، فليمُت إن شاء يهودياً أن نصرانياً أو مجوسياً". ويُقال إنّ عمر قال: مَن كان يستطيع أن يحج ولم يحج ومات، لا اُصلّي عليه صلاة الجنازة.
* وفي ختام هذا الحوار، ما الكلمة التي تتوجهون بها إلى مَن يَسّر الله تعالى لهم أداء فريضة الحج هذا العام؟
- أقول للذين سوف يَمُنّ الله عليهم هذا العام، بأداء هذه الشعيرة الكبير، أن يتقوا الله ربهم، وأن يُخلصوا نيتهم لله، وأن يعلموا أنّ الحج إنما هو نداء ربّاني. يقول سبحانه وتعالى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج/ 27). فإنّ الخليل إبراهيم (ع)، نادَى ورب العباد قدر أن تسمع الأرواح. فاعلم أيُّها الحاج، أنّ روحك قد استجابت لنداء الخليل، وهذا مِن فضل وكَرَم الله عليك، فتوكَّل على الله سبحانه وتعالى، بصدق نيّة، واعلم أنّ هذا نداء مِن الله، فاستجب لنداء الله، ولا تستجب بعد ذلك لنداء الشيطان.

 

التیار الصدر اعلن الاعتصام المفتوح داخل البرلمان العراقي بعد اقتحامه للمرة الثانية خلال 4 ايام، فيما دعا الاطار التنسيقي من جانبه الى التظاهر دفاعاً عن الدولة وشرعيتها ومؤسساتها مع اصراره على مرشحه لرئاسة الحكومة، لكنه لم ينفذه.

ويرى مراقبون، ان ما يجري في العراق ليس جديداً، فالفوضى السياسية اسس لها الغربي والامريكي تحديداً منذ العام 2003، وعندما سقط نظام صدام، كانت هناك قيادة لبول بريمر الذي اسس الى تقزيم العراق وتفتيته وأنشأ مجلس رئاسي وحلّ الجيش العراقي والتي كانت خطوة خطيرة جداً، فدولة بدون جيش يعني عملياً اصبحت دولة منهكة، وبالتالي قابلية التفتيت والاشتعال الداخلي قد تشتعل في أي منعطف سياسي وهذا ما يحصل الان.

واوضح هؤلاء المراقبون، ان هناك اصابع امريكية والطابور الخامس في هذه ازمات العراق، وان الامريكي منذ وجوده في المنطقة هو مبعث قلق وتشتيت وتفتيت لقوى المنطقة، داعين العراقيين الى البحث عن مخارج للمآزق والتوحد لمواجهة الخطر الامريكي الذي يسعى الى قضم وتفتيت العراق وسحب خيراته وثرواته، وهذه سياسة الامريكان في كل المنطقة.

من جانبهم، اعتبر محللون سياسيون عراقيون، ان التجربة السياسية العراقية وليدة العهد، ولدت وكبرت في ظل الاحتلال الاجنبي والتدخلات الخارجية، لذلك لم تنمو بشكل جيد.

واوضحوا، ان هناك ربما عجز حتى في الفكر السياسي العربي بشكل عام والعراق واحد من هذه التجليات، ولو نظرنا اليه نرى ان هذاالبلد محتل اجنبياً، يعاني مشاكل الارهاب ومشاكل بالبنية التحتية وضعف الخدمات وارتفاع منسوب البطالة، حيث كان على الطبقة السياسية ان تتوجه الى مثل هذه المشاكل على الاقل لكسب رضى المواطن العراقي وتظهر قدر المسؤولية في هذا المجال.

واكد هؤلاء المحللون، ان كل الاحتمالات واردة بوقوع اقتتال داخلي، خاصة بعد اقتحام انصار التيار الصدري المنطقة الخضراء واحتلوا مؤسسات حكومية تحوي الكثير من الوثائق المهمة واقتحامهم مبنى البرلمان لتعطيل عملية ترشيح محمد شياع السوداني.

واضافوا، ان التيار الصدري استخدم كل آلياته الديمقراطية في العملية السياسية وانسحب منها ديمقراطياً والجميع وافق على ذلك، فلماذا ينسحب ويتوجه الى الشارع؟ فيما استخدم خصمه الاطار التنسيقي نفس الآليات الديمقراطية في الوقوف امام مشروع التيار الصدري، واعتبروا انه مادامت هناك لعبة سياسية، فلا يمكن الذهاب الى الاقتتال الداخلي وتهديد السلم الاهلي.

فيما اعتبر آخرون، ان الاطار التنسيقي تمكن من اخراج الصدريين من البرلمان العراقي، فيما الصدريون تمكنوا من جلب الشعب الى البرلمان، ولذلك لابد من البحث عن الحل لدرء اخطر شيء يحدث للعراق وهو الاقتتال الداخلي المرفوض من قبل الجميع وعلى عقلاء القوم درء الفتنة المتربصة بهم.

واكدوا، ان البعض يرى ان هناك اياد خارجية او مؤامرة تتربص بالعراق، ويجب على العراقيين الحذر من ذلك، بعدما وصلت الامور الى مرحلة خطيرة جداً ويجب تغليب العقل والحوار وعدم القاء اللائمة على الاخرين.

المصدر:العالم

بعد ساعات من الترقب والتخمين، حطت طائرة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في مطار تايبيه لتصبح الطائرة الأكثر تعقباً في العالم.

تصعيد سياسي وعسكري يشهده المحيط الهادئ، واضعاً العلاقات بين بكين وواشنطن على كف عفريت.

الخارجية الصينية نددت بالزيارة واعتبرتها انتهاكا خطيرا لسيادة ووحدة الاراضي الصينية وتمثل انتهاكا خطيرا لمبدأ "صين واحدة" والبيانات الثلاثة المشتركة بين الصين والولايات المتحدة التي وقعت عام 1972.

وقالت الناطقة باسم الخارجية الصينية، هوا تشونيينغ:"نحن علی استعداد لمواجهة التحدي واذا کان الجانب الاميرکي يتمسک بعناد بسوء سلوکه فإن الصين ملزمة باتخاذ اجراءات حازمة وقوية لحماية سيادتها الوطنية".

البيت الابيض سارع الى القول ان زيارة بيلوسي ليست تهديدا للسيادة الصينية، ورد على تهديدات بكين، بأنها لا تخيفه وعلى الصين اذا اتبعت نهجا خاطئا ان تتحمل مسؤولية عواقبه.

وكان البيت الابيض اعتبر ان الزيارة لن تمس بالعقيدة الامريكية تجاه الصين واحدة.

وقال الناطق باسم البيت الأبيض جون كيربي:"إن لبيلوسي الحقّ في زيارة تايوان ما من سبب لتقوم بكين بتأزيم هذه الزيارة التي لا تخلّ بالعقيدة الأميركية العائدة إلى زمن طويل".

الرئيس الصيني شي جي بينغ نظيره الامريكي جو بايدن قبل ايام من ان اللعب القضية التايوانية هو لعب بالنار، وترجمة ذلك، قيام الجيش الصيني بنشر سلاح فريد من نوعه وهو أول مركبة انزلاقية تفوق سرعتها سرعة الصوت في العالم يتم إطلاقها من الأرض ومصممة للمهام المضادة للسفن مع فئة جديدة من صواريخ "DF-17" وإلى جانب تحليق الطائرات وإبحار السفن الحربية الصينية قرب خط الوسط في الممر المائي ذي الحساسية الشديد تجري المقاتلات الصينية ومنذ أيام مناورات تكتيكية في مضيق تايوان. هذا الاستنفار الصيني ترافق مع تمركز أربع سفن حربية أمريكية، بينها حاملة طائرات، في المياه شرقي الجزيرة واعلان البحرية الأمريكية أنها عمليات انتشار اعتيادية لكنها قادرة على التعامل مع أي احتمال.

الدب الروسي لم يقف مكتوف الأيدي واتهم الولايات المتحدة بـزعزعة العالم ووصف زيارة بيلوسي بالاستفزازية التي ستضع واشنطن في مسار تصادمي بكين.

بدروها اكدت الخارجية الايرانية ان سلوك اميركا الاستفزازي المتمثل بالتدخل في شؤون الصين الداخلية وانتهاك سيادتها، يمثل انموذجا لتدخلها بشؤون دول العالم، مشددة على احترام سيادة الدول وهو احد المبادئ الاساسية لميثاق الامم المتحدة.

 

أكد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله انه “لا يمكن التفكيك بين المقاومة الإسلامية وبين كربلاء وبين عاشوراء وبين الإمام الحسين عليه السلام وبين السيدة زينب عليها السلام ومن معهما في كربلاء، واوضح “عندما نتحدث عن المقاومة الإسلامية في لبنان خلال 40 عام من عمل وجهاد وصبر وتضحيات وثبات وانتصارات وإنجازات أن كل ما عندنا هو من عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام”.

وقال السيد نصر الله في المجلس العاشورائي المركزي في الضاحية الجنوبية مساء الجمعة “من خلال إحياء عاشوراء وعيشها والتواصل معها كانت دائما تمد مسيرتنا والناس بالقوة والعنفوان والحماسة والصبر والثبات والاستعداد للتضحية وبالأمل والثقة بالله”، واوضح “هذا ما شهدناه ونشهده حتى اليوم وعلى مدى 40 عاما وخصوصا في المحطات القاسية والصعبة والحادة”.

واضاف السيد نصر الله “لا بد من التبريك للمسلمين جميعا بقدوم عام هجري جديد”، وتابع “نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل العام الجديد أفضل عليكم جميعا وعلى المسلمين وعلى اللبنانيين جميعا وعلى شعوب المنطقة”.

وتابع السيد نصر الله “شهدنا في الأربعين عاما الماضية أي منذ عام 1982 تطورًا كبيرًا نوعًا وكمّا في الاحياءات”، وقال السيد نصر الله “اليوم أيضا نبقى مع الحسين عليه السلام في هذا الشكل من أشكال البقاء وهو إحياء المناسبة”، وتابع “أسأل الله أن نوفق جميعا وفي كل المناطق وبكل الوسائل والإمكانيات المتاحة لإحياء هذه المناسبة بشكل أفضل وأنفع وأجدى وبما يرضي الله سبحانه وتعالى”، وأوضح “أنا بالعادة بعاشوراء أركز على الموضوعات ذات الطابع الديني والثقافي والتعبوي ولا أتناول الموضوعات السياسية التي نتركها لليوم العاشر، فإذا جد جديد خلال هذه الليالي واحتجنا إلى تعليق ما على حدث ما يستحق التعليق نحكي إن شاء الله لكن الأصل هو هذا النمط من الكلمات التي أكون في خدمتكم من خلالها”.

وقال “العزاء لكل العائلات التي فقدت أعزاء خلال الأسابيع القليلة الماضية من إخوة وأخوات وآباء وأمهات”، واضاف “أقتصر على ذكر السادة العلماء سماحة السيد محمد علي الأمين وسماحة الشيخ محمد أمين باقر وسماحة السيد علي السيد عبد اللطيف فضل الله وسماحة السيد علي الحسيني، وأتقدم إلى عائلاتهم الشريفة والكريمة والى أحبائهم وأعزائهم بأحر التعازي”.

 

الأربعاء, 03 آب/أغسطس 2022 11:03

الحسين عليه السلام ثورة لم تكتمل

أ. د. خالد عليوي العرداوي

قد يستغرب البعض من العنوان أعلاه، متسائلا كيف يمكن لثورة حصلت قبل 1380 سنة ان تكون غير مكتملة لحد الان، بعد هذا التاريخ الطويل من انطلاقها الاول؟

قطعا، لهذا التساؤل وجاهته ومبرراته إذا كنا نفهم ما جرى في العاشر من محرم الحرام سنة 61 للهجرة النبوية بمقاييس الثورات الاعتيادية التي ألفها البشر في علاقاتهم فيما بينهم من جهة، او بينهم وبين حكامهم من جهة أخرى، والتي تقترن بتحولات سريعة وتقلبات عنيفة غالبا ما تنتهي الى نتائج تخالف الأهداف النبيلة التي انطلقت منها. اما عندما نقف إزاء ثورة وثائر بوزن الحسين عليه السلام الروحي والاجتماعي، وفي زمن حرج من تاريخ ظهور الإسلام، فالأمر بحاجة الى دراسة وتأمل بطريقة اخرى. لا نريد الخوض طويلا في الحديث عن شخصية الحسين عليه السلام وظروف خروجه على السلطة؛ لأن هذا الامر بات معلوما للقاصي والداني، وقد ملئ الحديث فيه ملايين الصفحات من الكتب عبر التاريخ، ولكن طالما ذكرنا ان الثورة الحسينية لم تكتمل، فمن حق القارئ ان يحصل على تفسير لذلك ولو بشكل مختصر.

يدل تاريخ الثورات على اختلاف اشكالها ومنطلقاتها على ان أي ثورة لا توصف بكونها ثورة ما لم تقود الى احداث تغيير جذري في المجتمع الذي تحصل فيه، حتى تكون الأمور بعد الثورة مختلفة تماما عما كانت عليه قبلها، على مستوى السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة. هكذا فعلت الثورة الفرنسية 1789م ، والثورة الامريكية 1775م ، والثورة البلشفية 1917م ... وعندما نتحدث عن ثورة قام بها الحسين عليه السلام قد نوصف من قبل بعض المختصين في علم الاجتماع والسياسة بكوننا مغالين او مبالغين، بحجة أن الحدث اقرب الى تمرد منه الى ثورة، لأن مظاهر الثورة لم تتحقق فيه، فالسلطة الظالمة لم تتغير واستمرت بالوجود لأكثر من ثمانين سنة لاحقة، وحتى السلطة التي اعقبتها لم تختلف عنها كثيرا في سيرتها واستمرت بالوجود لأكثر من 500 سنة اخرى، ونفس الحجة سيتم ايرادها بشكل أو آخر عن تأثير الثورة في مجالات الحياة الأخرى المرتبطة بالثقافة والاجتماع والاقتصاد... وانكار هذه الحجج من قبل المحبين للحسين عليه السلام  والتمادي بالقول انها ثورة حصلت وحققت أهدافها في الزمان والمكان الذي جرت فيه لن يسلم من الطعن. اما الزعم ان الحدث هو نهضة او حركة او قضية فذلك سيبعده عن مراميه الصحيحة ويضعف قوة زخمه وتأثيره، حتى لو جادل أصحاب هذا الرأي بالقول: ان المفردات الأخيرة لها بعد أوسع وأعمق من بعد الثورة، وذلك لأسباب كثيرة يعرفها المختصون بعلم السياسة، وقد يناصرهم في ذلك زملاء لهم من علم الاجتماع.

إذا، البديل الأنسب هو ان نطلق على ما جرى وبثقة تامة انه ثورة. ثورة استطاعت في وقتها ان تحرك جمود المجتمع وتعصف بسلبيته، وتنزع عن السلطة شرعيتها وتضليلها، وتلهم اخرين للخروج عليها ومقارعتها والصراخ في وجهها. ولكن فهم حدود ثورة الامام الحسين عليه السلام بهذا الشكل فقط فيه ظلم كبير لها، لأن حدودها ابعد من ذلك، وأكثر أهمية، وعدم بلوغ الحدود الاخيرة يجعلها مستمرة وغير مكتملة. والسؤال هو كيف؟

الحسين عليه السلام كفكرة

لم يكن الحسين عليه السلام مجرد حدث مأساوي تعرض له انسان برئ وشريف وعظيم الشأن نتيجة حماقة واستبداد وسوء السلطة الحاكمة، بل هو فكرة شعارها الحرية وهدفها السلام والكرامة للبشر في ظل حكومة عادلة لا بغي فيها ولا تجاوز على الحقوق والحريات. وكانت هذه الفكرة ولا زالت حلم الفلاسفة، ولحن الشعراء والادباء، وطموح بني البشر بصرف النظر عن اديانهم ومذاهبهم واعراقهم وتوجهاتهم الفكرية. ولكن ليس كل البشر مستعدين للتضحية من اجل هذه الفكرة؛ لأسباب كثيرة اما جهلا او طمعا او خوفا ... فأراد الحسين عليه السلام أن يضرب للناس مثلا، قل نظيره، في التضحية من اجل ما يؤمن به. فكان الموت في سبيل الحرية كرامة وسعادة، والعيش مع الظلم والعبودية برما وشقاء لا يقوى على تحمله الانسان الحر. نعم كان الحسين الانسان حرا تماما وغير مستعد للتنازل عن حريته، لذا لم يستجب الى الإغراء او التهديد المنتج للعبودية والممهد للطغيان. ولأن الثورة الحسينية تحمل هذه الفكرة فلا يمكن ان تكون قد حققت أهدافها في ظل تاريخ طويل من العبودية والظلم في بلاد المسلمين وغيرهم، بل ومع وجود هذا الكم الهائل من العنف الذي نراه اليوم بين البشر اتجاه بعضهم البعض لأسباب مختلفة. 

ان بقاء حالة الظلم والعنف بين الناس، مع وجود بشر مستعدين للتنازل عن حريتهم والعيش حياة الذل في نير الاستبداد والفساد، يعني بقاء الثورة الحسينية غير مكتملة، وبقاء ثوارها يستصرخون الناس لينتصروا لكرامتهم المهانة، وحقوقهم المسلوبة.

الحسين عليه السلام وفهم الدين

عادة يعمد البعض الى انتقاد المسلمين لأنهم تأخروا كثيرا في القيام بحركة اصلاح ديني، كما حصل في حركة الإصلاح البروتستانتي المسيحي في القرن الخامس عشر وما تلاه، ويعدون هذا الامر سببا في تأخر المسلمين في الوقت الحاضر. الا ان الحقيقة المسكوت عنها او التي يجري تجاهلها واغفالها ان المسلمين سبقوا غيرهم كثيرا في اجراء حركة الإصلاح الديني من خلال ثورة الحسين عليه السلام، والتي نرى انها مكملة للجهد الجبار الذي قام به من قبل والده الامام علي وأخيه الامام الحسن عليهما السلام، وقد حدث كل ذلك في أقل من خمسين سنة بعد ظهور الإسلام كدين ودولة، مما يعد أمرا لافتا تماما ومذهلا لم يحصل بهذه السرعة والعمق والتأثير في تاريخ اية ديانة أخرى. وذهب الكثير من المسلمين الى تسمية ما حصل بالفتنة الكبرى ولا يسميها بتسميتها الصحيحة كحركة وثورة إصلاحية، وربما انخداع بعضهم بالتسمية الأولى كان بحسن نية لغرض عدم المس بقدسية بعض الصحابة، لأن عقله الطيب غير قادر على امتلاك الجرأة التامة لنقد من يراه مقدسا، او لعدم ادراكه لهدف السلطة الظالمة –آنذاك-ورغبتها في تصوير الامر كفتنة يحتمل كلا طرفيها الصواب والخطأ، او لكونه جزءا من البناء الضال الذي تمت الثورة عليه. 

على أي حال، ولأجل عدم تكرار أخطاء الماضين او قلة جرأتهم، علينا التركيز على ما أراد الحسين عليه السلام ان يقوله لنا ولم نفهمه بدقة؟

 ان من يفهم حركة الاحداث في زمن الامام الحسين عليه السلام يدرك تماما ان السلطة الظالمة –آنذاك-قد لبست لباس الدين لتشريع وجودها واستمرار حكمها، وان من اعطى لهذه السلطة القدرة على فعل ذلك لم يكن عامة الناس وبسطائهم، بل رجال دين كبار داخل المؤسسة الدينية نفسها-ان جاز لنا هذا التعبير-، مما يعني أن لبس عمامة الدين لم يكن كافيا لمنع انحراف صاحبها. لذا، يمكن القول: ان من قتل الحسين عليه السلام تشريعا كان رجال دين فاسدين، اما من قتله تنفيذا بعد ذلك فقد كان سلطة سياسية منحرفة وفاسدة توظف الدين حسب اهوائها ومصالحها.

إذا فهمنا الامر بهذا الشكل، سنجد ان الثورة الحسينية سعت الى نزع القدسية عن المقدس المنحرف مهما كانت درجته، فضلا عن نزع الشرعية عن السلطة السياسية المستبدة مهما كانت شعاراتها الدينية، وجعلت أمثال هؤلاء اهداف مشروعة للخروج عليهم بقوة اليد والكلمة. ان فهم ما جرى على انه ثورة الدين الصالح، على دين الانحراف والهوى، وثورة الانسان على الظلم مهما علا رمزه وخدع بشعاره، يجعلنا عند التأمل في تاريخ المسلمين الماضي والحاضر نجد انهم عاشوا ويعيشون خدعة مستمرة وتضليلا لا انعتاق منه بسبب حكومات توظف الدين لمصلحتها بطريقة ظالمة ملعونة، ورجال لبسوا عمامة الدين (مقدسين)  ليشرعنوا حالة الظلم وانعدام العدل التي يعيشها الناس، بحجج شتى منها: ان الخروج على الحاكم وولي الامر فتنة عمياء ومفسدة مرة، او ان من اشتدت وطأته وجبت طاعته مرة ثانية، او لكون ولي الامر ظل الله على الأرض مرة ثالثة... متناسين ان هدف أي دين سماوي بعد توحيد الله سبحانه وتعالى هو أسعاد البشر وعيشهم برفاه وحرية وكرامة على سطح الأرض، وان أي ادعاء ديني يجلب الشقاء والذل وامتهان الكرامة يكون صاحبه متهما والسلطة الناجمة عنه باغية مهما كانت مسوغاتها والقائمين عليها.

ان الثورة الحسينية هي اصلاح ديني قبل ان تكون اصلاح اجتماعي وسياسي، وعدم إدراك حقيقة هذا الإصلاح والعمل عليه سيبقيها ثورة مستمرة وغير مكتملة الا بتأسيس فهم جديد للدين يربط بلوغ الايمان الصحيح بتحقيق السعادة والعدالة والقيم الإنسانية بين الناس، لتغدو الأرض جنة حقيقية، ولا يبقى حلم الجنة معلقا لما بعد موت الانسان، في حين يحيا حياة ظالمة يعيش جحيمها وبؤسها مع كل نفس من أنفاسه.

الحسين عليه السلام وقضية السلطة

لا اعرف لماذا حاول الكثير من المحبين والمتحيزين للحسين عليه السلام الفصل بينه وبين السلطة، فكرروا ولا زالوا القول ان الرجل ليس طالب سلطة ولم يخرج من اجلها، طبعا لا أنكر حسن النية وراء هذه المواقف، ولكن لو جردنا الثورة الحسينية من سعيها وراء السلطة فما الذي يبقيها ثورة؟ وسيكون الأمر وكأن الحسين عليه السلام خرج من المدينة الى الكوفة لرحلة استجمام حاشاه؟ او للهرب من السلطة الظالمة؟ او ان الاف الكتب التي وصلته من اهل الكوفة كانت تطلب الإفتاء منه ولم تكن تدعوه لقيادة الناس وإدارة امورهم العامة؟

لقد كانت السلطة ولا زالت محورا جوهريا ومهما في الثورة الحسينية، خرج ثوارها على سلطة ظالمة ليقيموا بدلها سلطة عادلة، وكانت كتب اهل الكوفة تدور حول نزع سلطة يزيد وامثاله لإقامة سلطة جديدة يكون على رأسها الحسين عليه السلام.

ان مشكلة المسلمين التاريخية والحاضرة هي ان حكامهم فاسدين، وسلطاتهم مستبدة، واي اصلاح اجتماعي او ثقافي او اقتصادي لا يمكن الامل بتحقيقه مع بقاء هؤلاء الحكام في مناصبهم، وبقاء هذا السلطات على طبيعتها المستبدة، لذا من الطبيعي ان يكون هدف أي مصلح انساني كبير هو السلطة شاء ام ابى. ثم ان انكار طلب السلطة على الحسين عليه السلام وعلى أي طالب اصلاح يعني تجريده من أمضى أسلحته وأكثرها تأثيرا وقوة، واعطاء الارجحية لأعدائه قطعا، فضلا عن كون هذا الرأي من أكثر الآراء اسعادا للحكام الفاسدين، فماذا يعنيهم من شأن المصلحين طالما ان السلطة التي يمسكونها آمنة ولا تواجه تهديدا جديا.

وعليه، فمن المفيد جدا للكتاب والمثقفين أي يعيدوا النظر في هذا الموضوع، وان يعملوا على الربط ربطا محكما بين الثورة الحسينية وسعي ثوارها الى اسقاط السلطة الظالمة لإقامة سلطة عادلة يديرونها عن جدارة. وهذا المنطلق، بالتأكيد سيجعل بقاء مئات الملايين من البشر خاضعين ومستكينين لحكام فاسدين وسلطات فرعونية يعني ان الثورة لم تكتمل، وان هدفها لن يتحقق الا بإسقاط كل الحكومات الفاسدة وإقامة حكومات عادلة رشيدة تدار من أناس شرفاء يعملون لخير الشعوب التي يحكمونها بإخلاص وقوة وأمانة.

الحسين عليه السلام والثقافة الجنائزية

اجدني في هذه الفقرة مضطرا الى الاقتباس من عالم النفس المشهور الدكتور (كارل يونغ) قوله: " لو كان الانسان مدركا لعيبه، لكانت لديه دائما فرصة لتنقية نفسه منه ... بينما لو كبت عيبه وعزله عن الواعية (الشعور)، لم يصحح ابدا، فضلا عن انه يظل عرضة للانفجار في لحظة غفلة. وفي جميع الأحوال، يشكل عقبة خفية تفسد علينا أكثر مساعينا قصدا" (يونغ، الدين في ضوء علم النفس، ص 93-94).

 ويبدو ان ما جذبني الى هذا الاقتباس رغبتي في عدم التغافل عن العيب الذي تتركه الثقافة الجنائزية على فعل التغيير في الثورة الحسينية، وهو عيب يجب تلافيه او إعادة تنظيمه بطريقة صحيحة. فمشكلة الثقافات الجنائزية انها ثقافات حسية بدائية، منفعلة غير فاعلة، تركز على حدث المصيبة أكثر من التركيز على أسباب حصولها، تذرف الدموع كثيرا على موت المصلح بعد ان تكون قد أسلمته رغبة ام رهبة الى سيوف اعدائه. وواجهت الثورة الحسينية هذه الثقافة البائسة منذ اليوم الأول لها عندما دخلت رؤوس الثوار الى الكوفة وبدأت أصوات أهلها تعلو بالعويل والبكاء، وكأن أصحابها لم يقترفوا ذنبا، ولم يقصروا في نصر من رفع راية الإصلاح والثورة. بل، ربما ظنوا ان البكاء يكفي لغسل العار، او محو الذنوب.

ومن الوجوه السلبية الأخرى للثقافة الجنائزية، هي وبحكم بدائيتها تركز على الأشخاص أكثر من تركيزها على المبادئ، فتبدأ بتقديس المصلحين وتفخيمهم بطريقة تجعل هذا الامر هدفا بحد ذاته، لا كونه غاية مطلوبة تماما، ولكن بالتوازي مع العمل بالمبادئ التي حملها المصلح وضحى بنفسه في سبيلها، وعندها لن يكون للتقديس والتفخيم أي فائدة طالما ان النتيجة ان المبادئ بقت معطلة. ووجدنا عند النظر في تاريخ القبائل والأمم والشعوب التي تسود فيها ثقافة الجنائز انه مع مرور الزمن يصبح الالتفاف حول الضحية المقدسة مجرد رمز لهويتها، حتى لو كان فعل الناس مخالفا تماما للمبادئ التي حصلت التضحية في سبيلها. وهذا الامر طبيعي جدا، فذرف الدموع وإعلان الانتماء للمقدس بالكلام أيسر كثيرا واقل تكلفة نفسية وعملية من حمل مبادئه وتحويلها الى منهج عملي. لذا ليس غريبا ان تجد حكومات، وافرادا ينادون بحب الحسين عليه السلام فيما سلوكهم على الأرض يضعهم في صف اعدائه. ومع التأكيد على انه ليس الهدف هنا نزع العاطفة من الثورة الحسينية، كون وجود العاطفة مهم جدا في بقاء جذوتها متقدة وملهمة ومحفزة، الا أن الهدف كشف القناع عن العاطفة العمياء المنافقة، تلك العاطفة التي تعمل على تجريد الثورة من قدرتها العملية على التغيير، وبقاء مبادئها مجرد شعارات شفاهية لا تقوم بدورها الحقيقي في بناء الانسان والعمران في مجتمعاتنا، وتحرير الثورة من سطوة الثقافة الجنائزية سيكون عاملا مهما في تحقيق أهدافها التي قامت من اجلها.

أخيرا، نقول: ان الحسين عليه السلام هو ثائر عالمي قبل ان يكون ثائرا إسلاميا، وان استيعاب ثورته بشكل صحيح وبلوغها اهدافها، سيجلب الخير لكل البشرية، وسيوقظ الضمير الإنساني بشكل فاعل يسمح بتحرير الانسان من قيود عبوديته، ليعيش حرا كريما وبسعادة وسلام مع أخيه الانسان.

 

الأربعاء, 03 آب/أغسطس 2022 10:59

أعلى مقامات التسليم

جسّد الإمام الحسين (عليه السلام) أعلى درجات الارتباط بالله، فقد كان المثل الأعلى لمقامات التوكّل والتفويض والرضا والتسليم.

وفي أعظم موقف، وطفله الرضيع بين يديه، رماه حرملة بن كاهل الأسديّ بسهم فذبحه في حجر الحسين، فتلقّى الحسين (عليه السلام) دمه حتّى امتلأت كفّه منه، ثمّ رمى به إلى السماء، ثمّ قال: «هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله»، قال الإمام الباقر (عليه السلام): «فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض»[1].

فالإمام الحسين (عليه السلام) وصل إلى مرتبة التسليم، وإلى درجة لا يرى فيها نفسه، بل لا يرى إلّا الله، يقول (عليه السلام) في دعاء عرفة: «متى غبتَ حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟... عميت عينٌ لا تراك عليها رقيبًا»[2].

وهو ملقًى في آخر لحظات عمره الشريف، وقد أضعفته كثرة الجراح، وتفتّت كبده من حرارة الشمس ولهيب التراب، يناجي ربّه: «اللّهمّ، متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غنيّ عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دُعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادرٌ على ما أردت، ومدركُ ما طلبت، وشكورٌ إذا شُكرت، وذكورٌ إذا ذُكرت، أدعوك محتاجًا، وأرغب إليك فقيرًا، وأفزع إليك خائفًا، وأبكي إليك مكروبًا، وأستعين بك ضعيفًا، وأتوكّل عليك كافيًا، احكم بيننا وبين قومنا، فإنّهم غرّونا وخدعونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا، ونحن عترة نبيّك، وولد حبيبك محمّد بن عبد الله، الذي اصطفيته بالرسالة، وائتمنته على وحيك، فاجعل لنا من أمرنا فرجًا ومخرجًا، برحمتك يا أرحم الراحمين»[3].

قال أبو مخنف: وبقي الحسين ثلاث ساعات من النهار ملطّخًا بدمه، رامقًا بطرفه إلى السماء، وينادي: «يا إلهي، صبرًا على قضائك، ولا معبود سواك، يا غياث المستغيثين»[4].
 
زاد عاشوراء للمحاضر الحسينيّ - الإصدار الثامن عشر، مركز المعارف للتأليف والتحقيق

[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج45، ص46. (ينقله عن ابن طاووس، السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى الحسينيّ، اللهوف في قتلى الطفوف، أنوار الهدى، إيران - قم، 1417ه، ط1، ص69).
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج64، ص142.
[3] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، مصدر سابق، ص827-828.
[4] القندوزيّ، الشيخ سليمان بن إبراهيم الحنفيّ، ينابيع المودّة لذوي القربى، تحقيق السيّد عليّ جمال أشرف الحسينيّ، دار الأسوة للطباعة والنشر، إيران - قم، 1416ه، ط1، ج3، ص82.

 

معظم الأشخاص في العشرينيات من عمرهم يميلون إلى إنفاق أموالهم على كل ما يرغبون فيه (غيتي)

إن أفضل ما يمكن لشخص أن يفعله في العشرينيات من عمره هو التعامل بجدّية مع شؤونه المالية.

وفي تقرير نشره موقع "إنفستد والت" (Invested wallet)، يستعرض الكاتب تيد كونسمان عددا من النصائح التي من شأنها أن تساعدك على إدارة أموالك الشخصية في العشرينيات من عمرك.

وتطرّق الكاتب إلى الأسباب التي يمكن أن تحول دون تحقيق أهدافك المالية في هذه المرحلة العمرية، مثل الديون الطلابية الكبيرة، ونقص المعرفة المالية، والعمل في وظيفة منخفضة الأجر.

تأجيل إشباع الرغبات الشرائية

إن معظم الأشخاص في العشرينيات من عمرهم يميلون إلى إنفاق أموالهم على كل ما يرغبون فيه. وفي الواقع، عندما تكون أصغر سنًّا، فإن الإشباع الفوري عادة ما يسيطر عليك.

ونبّه الكاتب إلى أن الإنفاق غير المدروس والعشوائي للأموال يمكن أن يوقعك في بعض المشاكل المالية التي يمكن أن تؤثر في مستقبلك المالي، وذكر أن من شأن التدرب على تأخير إشباع الرغبة في الشراء أن يغير طريقة إنفاقك للمال.

يمكنك تدريب نفسك على ذلك من خلال:

  • الانتظار ما بين 24 و48 ساعة قبل إجراء عمليات الشراء الكبيرة المحتملة، لأنك يمكن أن تُغيّر رأيك في هذه المدة.
  • حساب الأموال التي تنفقها.
  • تحديد كيف يمكن أن يؤثر ما تشتريه على حياتك أم إنه يحقق مجرد سعادة وقتية.

وفي الواقع، إن التحكم في الرغبة في الحصول على كل شيء تريده ليست معركة سهلة. وإذا تمكنت من تحسين قراراتك المالية في وقت مبكر، سيبدأ صافي ثروتك يتزايد.

التركيز على الدخل والادّخار والاستثمار والمصاريف

البعض محظوظون بالحصول على رواتب كبيرة في وقت مبكر من حياتهم، لكن هذا ليس القاعدة. وفي ما يأتي المجالات الأربعة التي يجب التركيز عليها في هذه المرحلة العمريّة:

  • الدخل: وفقا لـ "سمارت أسيت" (SmartAsset)، يبلغ متوسط رواتب الأشخاص في الولايات المتحدة الذين تراوح أعمارهم بين 20 و24 سنة 29 ألفا و770 دولارًا، إلى 41 ألفا و951 دولارا لمن أعمارهم بين 25 و34 سنة. هذا الرقم ليس سيئًا، ولكن إذا كنت ترغب أن تحسّن وضعك المالي فأنت بحاجة إلى التركيز على زيادة دخلك.
  • المدّخرات: إلى جانب تحسين دخلك، يجب أن تركز على الادّخار أيضًا. يمكنك إنشاء صندوق طوارئ لتغطية أي نفقات غير متوقعة أو فواتير مفاجئة أو فقدان وظيفة. إنها واحدة من أهم النصائح المالية في عشرينياتك.
  • الاستثمار: ابدأ الاستثمار مبكرا في شركتك، أو افتح حساب تقاعد فردي، وكلما بكّرت في استثمار جزء من أموالك في العمل، كانت مدخرات التقاعد أكثر. قد يكون من الصعب تخصيص بعض الأموال للتقاعد عندما يكون راتبك قليلا ولديك ديون وتدرك أن الأعوام لا تزال طويلة أمامك، ولكن حتى لو بدأت باستثمار جزء صغير في سوق الأسهم، سيؤثر ذلك بشكل كبير على عائداتك المالية.
  • النفقات: عليك أن تشرع في الاهتمام بنفقاتك. ما فواتيرك الشهرية؟ علام  تنفق أموالك أكثر؟ كيف يمكنك تقليص النفقات لتوفير المزيد؟ بناء على ذلك، يتعين عليك استخدام جدول بيانات بسيط لتدوين نفقاتك ومراقبتها باستمرار.

ابدأ التعلم

نصح الكاتب بتثقيف نفسك ماليا في العشرينيات من عمرك ومعرفة كيفية إدارة الشؤون المالية ووضع الميزانية، بتخصيص ساعة أو ساعتين كل أسبوع للتعلم. ويمكن أن يشمل ذلك قراءة كتاب أو بعض المجلات المالية أو الاستماع إلى المدونات الصوتية المالية وغيرها. واحرص على جعل تعلم مهارات التمويل أولوية، حتى لو لم تكن ممتعة لك.

وإذا واظبت على التعلم، فإن مهاراتك المالية سوف تتحسن وهذا يجب أن يكون دافعا لك. ومن أبرز المواضيع المالية التي يتعين عليك الاطلاع عليها:

  • إدارة الأموال
  • الاستثمار للمبتدئين
  • بناء الثروة
  • تغيير طريقة تفكيرك

توقف عن الاهتمام بما يمتلكه أصدقاؤك

على الرغم من أن الحياة الاجتماعية تعدّ جزءا مهما من حياتك خاصة في العشرينيات من عمرك، فإنها قد تؤدي أيضًا إلى تبنّي عادات مالية سيئة. فقد يخرج أصدقاؤك لتناول الطعام أو يطلبون منك مرافقتهم، ويتجاذبون أطراف الحديث عن أحدث التقنيات، وشراء سيارة جديدة، والسفر، وما إلى ذلك.

لكن مهما كان ما يفعله أصدقاؤك جذابًا لا تحاول مجاراتهم، لأنهم سيغرقون أنفسهم في الديون من أجل مواكبة العصر غير مبالين باحتياجاتهم المالية المستقبلية، فلا تكن مثلهم. وتعدّ منصات التواصل الاجتماعي من أبرز العوامل المسهمة في هذا الوضع فضلا عن الضغط الاجتماعي.

التخطيط المالي في العشرينيات من العمر

من أجل إنشاء خطة مالية في العشرينيات من العمر، عليك البدء في التفكير في الأهداف المالية القصيرة والطويلة المدى. وهذا من شأنه أن يساعدك على اتخاذ قرارات فعالة تساعدك في تعزيز مدخراتك، وإنشاء خطة تقاعد، واعتماد إستراتيجيات استثمار للمساعدة على تنمية محفظتك.

سوف تتغير أهدافك المالية على مرّ السنين، لكن التخطيط منذ العشرينيات من العمر من شأنه أن يساعدك على تصور المسار الصحيح لتحقيق أهدافك.

افهم قيمة الفائدة المركبة مبكرا

عندما تشرع في استثمار الأموال وبناء محفظة استثمارية، قد يبدو لك أنك لا تربح الكثير، والتفكير المفرط في ضرورة ادّخار الكثير من الأموال من أجل التقاعد أمر منهك. بدلًا من ذلك، عليك أن تفهم كيف تعمل الفائدة المركبة وسبب أهميتها.

كلما بدأت استثمار أموالك في وقت مبكر زادت الفائدة المركبة. فعلى سبيل المثال، إذا قمت باستثمار ألف دولار سنويا بمتوسط عائد 7%، ستجني 43 ألفا و865 دولارًا في غضون 20 عامًا. أي إنه بحلول 40 عامًا، سيكون لديك أكثر من 213 ألف دولار.

إتقان فن دفع الفواتير في الوقت المحدد

إذا كانت هناك مهارة مالية يجب أن تتقنها في العشرينيات، فهي كيفية دفع الفواتير في الوقت المحدد باستمرار. في هذه المرحلة، يجب أن تكون مسؤولًا عن تغذية تكاليف وضروريات حياتك الشخصية، ومن المهم تنظيم نفقاتك وتحديد جدول لسداد فواتيرك.

يمكن أن تؤثر المدفوعات أو الفواتير المتأخرة تأثيرا كبيرا في درجة الائتمان الخاصة بك لمدة طويلة، وهو ما يعني مواجهة صعوبات في الحصول على القروض وبطاقات الائتمان والرهون العقارية.

انتبه إلى درجة ائتمانك

إن تدنّي درجة الائتمان من شأنه أن يعيق الحصول على أفضل معدلات الفائدة على القروض، أو التقدم بطلب للحصول على بطاقات الائتمان، أو الحصول على شقة. لذلك من المهم جدا الحفاظ على درجات ائتمانية جيدة، لكنك تحتاج إلى بناء سجل ائتماني أيضًا، وإلا فستجد صعوبة في تنفيذ بعض الأمور.

ابحث عن نشاط جانبي

بغض النظر عن مدى أهمية وظيفتك أو مهاراتك في سوق العمل، فإن احتمال خسارة عملك يظل واردًا. والتمتع بنشاط جانبي يدرّ دخلا إضافيا من شأنه مساعدتك على سداد الديون في وقت أسرع، وتوفير مزيد من المال، وزيادة الاستثمار، ومن المرجح أن يصبح عملًا مربحًا جدًّا لك، فلا تتردد في البحث عن طريقة جديدة لكسب مزيد من المال واستخدام مهاراتك للحصول على وظيفة إضافية.

كن خبيرًا في "أساسيات المال"

في العشرينيات من العمر، لا تحتاج إلى أن تكون خبيرًا ماليًّا في كل شيء، لكن هناك "أساسيات" من الضروري أن تكون على معرفة واسعة بها عندما يتعلق الأمر بالمال.

وعلى الرغم من أن بعض هذه العناصر قد تبدو مألوفة، فإننا غالبًا ما نغفل عنها وعن أهميتها، ومن بينها:

  • كيفية فتح حساب جار.
  •  كيفية فتح حساب ادّخار.
  •  بطاقة الائتمان مقابل بطاقة السحب المباشر من الرصيد.

إن إتقان هذه المجالات سيساعدك على اتخاذ خيارات أفضل في ما يتعلق بأموالك، في حين تنمّي معرفتك بأساسيات المال. وحتى إذا كنت متمكنا منها، لن تضرّك المراجعة أبدا.

أفضل نصيحة مالية لعشرينياتك

إن أفضل نصيحة ماليّة لشخص في العشرينيات من العمر هي بدء الاستثمار في نفسه. ربما تكون قد فعلت ذلك بالفعل من خلال الالتحاق بكلية التجارة، لكن لا تتوقف عند هذا الحد؛ خصص وقتًا وطاقة للتعلم وارتكاب بعض الأخطاء وتحمل بعض المخاطر الصغيرة. سيعود عليك الاستثمار في نفسك بالعديد من الفوائد لبقية حياتك.