
emamian
أبعاد حركة الإمام الحسين (عليه السلام) في كلمات قائد الثورة الاسلامية
الإمام الحسين (عليه السلام) لدى خروجه من المدينة كتب وصيته التاريخية لأخيه محمد بن الحنفية والتي قال فيها: «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي».
أهم أهداف الإمام الحسين (عليه السلام)
فأبو عبد الله (عليه السلام) قد أوصى أخاه محمداً بن الحنفية، مرّتين: الأولى عند خروجه من المدينة، والثانية عند خروجه من مكّة، وأتصوّر أنّ هذه الوصيّة كانت عند خروجه من مكّة في شهر ذي الحجّة ـ فبعد الشهادة بوحدانية الله ورسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و... يقول الإمام (عليه السلام): «وإنّي ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنّما خرجت أريد الإصلاح في أمّة جدّي» أي أريد الثورة لأجل الإصلاح لا للوصول إلى الحكم حتماً أو للشهادة حتماً، والإصلاح ليس بالأمر الهيّن، فقد تكون الظروف بصورة بحيث يصل الإنسان إلى سدّة الحكم ويمسك بزمام السلطة وقد لا يمكنه ذلك ويستشهد، وفي كلتا الحالتين فالثورة تكون لأجل الإصلاح. ثمّ يقول (عليه السلام): «أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي». والإصلاح يتمّ عن هذا الطريق، وهو ما قلنا إنّه مصداق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إنَّ الحسين بن علي (عليه السلام) لم يتوجه إلى كربلاء بهدف القتال؛ فالذي يذهب إلى ميدان القتال لابد له من الجنود؛ ولكن الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) كان قد حمل معه أهل بيته من النساء والأطفال، مما يعني أن حادثة ستقع في ذلك المكان وستدغدغ عواطف البشرية على طول التاريخ حتى تتضح عظمة ما قام به الإمام الحسين. لقد كان الإمام الحسين يدري أن أعداءه حقراء وسفهاء، وكان يرى أن الذين جاؤوا لقتاله ليسوا سوى شرذمة من أراذل وأوباش الكوفة طمعاً في الحصول على عطية تافهة وحقيرة هي التي دفعتهم إلى هذا المسلك وارتكاب مثل هذه الجريمة العظمى، وكان يعلم بما سيحلّ بنسائه وأبنائه. فالإمام الحسين لم يكن غافلاً عن كل هذا، ولكنه لم يكن مستعداً للاستسلام والعودة عن قراره، بل كان يحثّ على مواصلة الطريق مما يدل على أهمية هذا الطريق وعظمة هذا العمل.
لقد وردت عبارة في زيارة أربعين الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) تنطوي على مغزى عميق وهي جديرة بالتأمل والتدبر كسواها من العبارات الكثيرة الواردة في مثل هذه الزيارات والأدعية، وإنني أود اليوم وبمناسبة ذكرى تاسوعاء وعزاء سيد الشهداء التحدث قليلاً بشأن هذه العبارة في الخطبة الأولى، حيث إنها ناظرة إلى أهداف النهضة الحسينية. وهذه العبارة هي «وبذل مهجته فيك». وقد وردت في زيارة الأربعين التي تأتي فقراتها الأولى على صورة دعاء يناجي به المتكلم المولى سبحانه وتعالى فيقول «وبذل مهجته فيك» أي الحسين بن علي (عليهما السلام) «ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة». فهذا هو أحد جوانب القضية وهو المتعلق بصاحب النهضة أي الحسين بن علي (عليه السلام). وأما الجانب الآخر فيرد في الفقرة التالية التي تقول «وقد توازر عليه من غرّته الدنيا وباع حظه بالأرذل الأدنى» في وصف للواقفين على الجبهة المضادة، وهم الذين غرتهم الدنيا بالمطامع المادية والزخارف والشهوات والأهواء النفسية فباعوا حظهم من السعادة الدنيوية والأخروية بالأرذل الأدنى. وهذه هي خلاصة النهضة الحسينية.
أبعاد حركة الإمام الحسين (عليه السلام)
يدرك المرء أن بإمكانه النظر إلى النهضة الحسينية بمنظارين في الواقع، وكلاهما صحيح، سوى أن مجموعهما يكشف عن الأبعاد العظيمة لهذه النهضة؛ فالنظرة الأولى تكشف عن الحركة الظاهرية للحسين بن علي، والتي قام بها في مواجهة حكومة فاسدة ومنحرفة وظالمة وقمعية وهي حكومة يزيد. وأما باطن القضية وعمقها فتكشف عنه النظرة الثانية، وهي الحركة الأعظم والأعمق لأنها ضد جهل الإنسان وضلالته. فمع أن الإمام الحسين قام بمقارعة يزيد في الواقع، إلا أن هذه المقارعة الواسعة التاريخية لم تكن ضد يزيد الفرد الفاني الذي لا يساوي شيئاً، بل كانت ضد جهل الإنسان وانحطاطه وضلالته وذلّه، وهو ما يكافحه الإمام الحسين في الحقيقة.
ونهضة الإمام الحسين لها بعدان آخران يمكن أن يسفر كل منهما عن نتيجة طيبة؛ الأول: أن يستطيع الإمام الحسين (عليه السلام) التغلب على حكومة يزيد واسترداد السلطة من يد أولئك الذين يقمعون الناس ويتلاعبون بمصيرهم ووضع الأمور في نصابها الصحيح؛ فلو كان قد حدث ذلك لتغيرت مسيرة التاريخ. وأما الثاني فكان عدم تمكن الإمام الحسين من إحراز هذا النصر السياسي والعسكري لأي سبب من الأسباب، وعندئذ لم يكن أمامه سوى استبدال القول بالدم والمظلومية وتحمّل الخسارة التي لن ينساها التاريخ على مدى الزمان، لتبقى كلمته تياراً جارفاً لا ينقطع إلى أبد الدهر. وهذا هو ما فعله الإمام الحسين. وفي الحقيقة فلو كان الذين يدعون الإمام قد وقفوا موقفاً آخر غير الذي اتخذوه مع الإمام الحسين لتحقق البعد الأول للثورة ولاستطاع الإمام الحسين إصلاح الدنيا والآخرة في ذلك الوقت، ولكنهم قصروا في حقه! أما لماذا قصروا، وكيف قصروا، فإن ذلك من الأبحاث الطويلة والمريرة، وقد تحدثت عن بعض جوانبه منذ عدة سنوات تحت عنوان (الخواص والعوام)؛ أي من الذين قصروا، وعلى من يقع هذا التقصير، وكيف كان، وأين كان؟ وهو ما لا أريد الخوض فيه مرة أخرى. وعلى هذا الأساس فقد وقع التقصير من البعض وهو ما حال دون تحقق الهدف الأول، بينما تحقق الهدف الثاني، وهو ما لم يكن بوسع أية قوة كانت سلبه من الإمام الحسين، حيث إن قوة التوجه إلى ميدان الشهادة، والتضحية بالنفس والأعزة، هو ذلك الحدث العظيم الذي تضاءلت وتلاشت أمام عظمته قوة العدو وعظمته، وهو الذي يمنح الشمس المزيد من الازدهار والتألّق يوماً بعد آخر في عالم الإسلام ويحيط بكل البشرية.
خطر سلطة يزيد على الإسلام
إنَّ يزيد الحاكم لم يكن على علاقة مع الناس، ولم يكن من أهل العلم، ولم يكن تقياً ولا نقياً ولا حكيماً، كما لم تكن له سابقة في الجهاد في سبيل الله، ولم يكن يؤمن قدر ذرة بمعنويات الإسلام، ولم يكن يتصرف في سلوكه كالإنسان المؤمن، ولم يكن قوله كأقوال الحكماء؛ أي أنه كان عارياً عن أي شبه برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وفي مثل هذه الظروف سنحت الفرصة للإمام الحسين ليقوم بثورته، وهو الإمام الذي كان يجب أن يخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أداء مهمته.
خصائص واقعة كربلاء
علينا الإمعان والتأمّل قليلاً في قضية الإمام الحسين (عليه السلام).
لقد ثار الكثيرون في العالم وقتلوا وكان لهم قادة، وكان بينهم الكثير من أبناء الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، لكن سيد الشهداء (عليه السلام) فرد واحد، وواقعة كربلاء فريدة في نوعها، ومكانة شهداء كربلاء منحصرة بهم، لماذا؟
إن إحدى خصائص هذه الواقعة هي أنَّ خروج الإمام الحسين (عليه السلام) كان خالصاً للّه، ولإصلاح المجتمع الإسلامي، وهذه خصيصة هامّة. فعندما يقول الإمام (عليه السلام): «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً» فمعناه أن ثورتي لم تكن للرياء والغرور وليست فيها ذرّة من الظلم والفساد، بل «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي» أي أن هدفي هو الإصلاح فقط ولا غير.
إن القرآن الكريم حينـما يخـاطب المسلمـين في صدر الإسلام يقول: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس} ، وهنا الإمام (عليه السلام) يقول: «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً». تأمّلوا جيداً، فهنا نهجان وخطّان. فالقرآن يقول لا تكونوا مثل الذين خرجوا «بطراً» أي غروراً وتكبّراً، ولا أثر للإخلاص في تحرّكهم، وإنّما المطروح في هذا المنهج الفاسد هو «أنا» و«الذات»، و«رئاء الناس»، أي انّه تزيَّنَ ولبس الحلي وامتطى جواداً غالياً وخرج من مكّة وهو يرتجز، إلى أين؟ إلى الحرب، التي يهلك فيها أمثال هؤلاء أيضاً، فهذا خطّ .
وهناك خطّ ونهج آخر ومثاله ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، والتي لا وجود للـ«أنا» وللـ«ذات» والمصالح الشخصية والقومية والحزبية فيها أبداً، إذاً هذه أول خصّيصة من خصائص ثورة الحسين بن علي (عليه السلام).
فكلّما ازداد الإخلاص في أعمالنا كلّما ازدادت قيمتها، وكلّما ابتعدنا عن الإخلاص كلّما اقتربنا من الغرور والرياء والعمل للمصالح الشخصية والقومية، وكلّما ازدادت الشوائب في الشيء كلّما أسرع في الفساد، فلو كان نقيّاً وخالصاً لما فسد أبداً.
وإنْ أردنا إعطاء مثال بالأمور المحسوسة، نقول: إذا كان الذهب خالصاً ونقياً فلا يقبل الفساد والصدأ أبداً، وإنْ كان مخلوطاً بالنحاس والحديد وبقية المواد الرخيصة الثمن، احتمل الفساد أكثر، فهذا في المادّيات. أمّا في المعنويات فانّ هذه المعادلة أكثر دقّة، إنما نحن لا نفهمها بسبب نظرتنا المادية، لكن يدركها أهل الفن والبصيرة، وانّ اللّه تعالى هو الناقد في هذه الواقعة، «فانّ الناقد بصير»، فوجود شائبة بمقدار رأس إبرة في العمل يقلّل من قيمة العمل بالمقدار نفسه، وحركة الإمام الحسين (عليه السلام) من الأعمال التي ليست فيها شائبة ولو بمقدار رأس إبرة، لذا هو باقٍ إلى الآن وسيبقى خالداً إلى الأبد. فمن توقّع خلود اسم وذكر أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) وأنصاره في التاريخ؟ أولئك الذين قُتِلوا غرباء في تلك الصحراء وحيث دفنوا فيها رغم كلّ الإعلام المعادي في ذلك الوقت، وكيف أنهم أحرقوا المدينة بعد استشهاد هذا العظيم بسنة في واقعة الحرّة، أي أنهم نتفوا الورود بعد أن خرّبوا الروضة، فمن توقّع أن يفوح عطرها؟ وبأيّة قاعدة مادّية يُتصور بقاء وردة في هذه الروضة؟ لكن تلاحظون انّه كلما مرّ الزمان عليها كلّما أصبحت تلك الروضة أكثر عطراً.
فهناك أناس لا يعتقدون بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو جدّ الحسين (عليه السلام) والحسين سائر على نهجه، ولا يعتقدون بأبيه علي (عليه السلام) ولا يؤمنون بحرب الحسين (عليه السلام)، لكنهم يقبلون الحسين (عليه السلام) ويعظّمونه، فهذا هو الخلوص، وهذه هي النكتة الأولى.
وفي ثورتنا العظيمة كان الإخلاص سبباً لبقائها، ذلك الجوهر الخالص الذي كان الإمام مظهره. ارجعوا إلى تلك الذكريات وتلك التضحيات في سوح الحرب، ذلك الحر المهلك في الصحاري والبراري، ذلك الشتاء القارس في الجبال، ذلك الرعب والخوف والخطر المستمر في سوح القتال، تلك المحاصرة، قلة القوات التي كنّا نتحمّس كثيراً لإعداد عدد قليل منها، عدم امتلاك الأسلحة حيث كنا نركض وراء مسدس أو قذيفة. تذكّروا كلّ هذا واستشعروا تلك الأيام، لتدركوا لماذا كانت كلّ هذه المؤامرات ضدّ الثورة؟ ولماذا تستمر إلى الآن؟ لكن بقيت هذه الشجرة راسخة.
إن هذا الجوهر (الإخلاص) هو الذي حفظها، إن إخلاص الإمام (ره) والشعب خاصة إخلاص أولئك المقاتلين في سوح القتال ـ وانتم من أفضلهم وأمثلهم ـ هو الذي حفظ الثورة ودعم استمرارها، إذاً هذه نكتة يجب الاهتمام بها دائماً ، وأنا أحوج من غيري إلى هذا الاهتمام.
إن النكتة الأخرى في ثورة الحسين (عليه السلام) ـ وهي مهمة أيضاً ـ وهذه النكتة وإنْ كانت ترجع إلى قوة الإخلاص، لكنها في نفسها مهمة نظراً لوضعنا اليوم، وهذه النكتة هي غربة الحسين (عليه السلام)، فلا يوجد في أيّة واقعة من الوقائع الدامية في صدر الإسلام غربة ووحدة كما في واقعة كربلاء، فمن رغب فليتأمل في تاريخ الإسلام. إنني أمعنت جيداً فلم أجد واقعة كواقعة كربلاء. ففي حوادث صدر الإسلام وغزوات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحروب أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت حكومة ودولة وجنود يشاركون في الحرب، ومن ورائهم أدعية الأمهات، آمال الأخوات، تقدير الحضور وتشجيع القيادة العظيمة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لأمير المؤمنين (عليه السلام)، كانوا يضحّون بأنفسهم أمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا ليس صعباً. فكم من شبابنا قدّموا أرواحهم لدى سماعهم نداءاً من الإمام، وكم منّا من يأمل في إشارة من الولي الغائب (عج) لنضحّي بأنفسنا. فعندما يرى الإنسان القائد بعينه ويشاهد تقدير وثناء من خلفه ويعلم انه يقاتل ليهزم العدو ويأمل بالنصر، فإنّه يقاتل براحة أكبر، وهكذا حرب ليست صعبة، طبعاً هناك حوادث في التاريخ فيها الغربة نسبياً كحوادث أبناء الأئمة والحسنيّون في عصر الأئمة عليهم السلام، لكن هؤلاء كانوا يعملون في ظلّ إمام كالإمام الصادق (عليه السلام)، والإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، وكالإمام الثامن (عليه السلام)، وقائدهم وسيّدهم حاضر يسندهم ويتفقّد عيالهم، فكان الإمام الصادق (عليه السلام) يأمرهم بقتال الحكام الفسدة ويقول «وعليّ نفقة عياله» وكان المجتمع الشيعي ظهراً لهم، وبالنهاية كان لهم أمل خلف ساحات الحرب، لكن في واقعة كربلاء، فانّ أس القضية ولب لُباب الإسلام المقبول من الجميع أي الإمام الحسين (عليه السلام) في ميدان الحرب، ويعلم هو وأصحابه انه سيستشهد ولا أمل له في أي أحد في هذا العالم الواسع وهو غريب ووحيد. ومن رجالات الإسلام ذلك اليوم من لا يغتمّ لقتل الحسين (عليه السلام) بل يعتبر وجوده مضراً بحاله، ومنهم من لا يبالي بالقضية وإن حزن لقتله (عليه السلام) (كعبد اللّه بن جعفر وعبد اللّه بن عباس وأمثالهم).
عظمة واقعة كربلاء
إنّ أس القضية ولب لُباب الإسلام المقبول من الجميع هو أنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه كانوا يعلمون انه سيستشهد ولا أمل له في أي أحد في هذا العالم الواسع وهو غريب ووحيد. ومن رجالات الإسلام ذلك اليوم من لا يغتمّ لقتل الحسين (عليه السلام) بل يعتبر وجوده مضراً بحاله، ومنهم من لا يبالي بالقضية وإن حزن لقتله (عليه السلام) (كعبد اللّه بن جعفر وعبد اللّه بن عباس وأمثالهم).
فلم يكن للإمام (عليه السلام) أدنى أمل بمن هم خارج ميدان القتال المليء بالمحن، فما كان موجوداً فهو في ميدان القتال فقط. والأمل مقتصر على هذا الجمع، والجمع مسلّم للشهادة، وبعد الاستشهاد لا يقام لهم مجلس فاتحة حسب الموازين الظاهرية، فيزيد متسلّط على كلّ شيء ، وتُساق نسائهم أسارا ولا يُرْحَم أطفالهم «لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه» فلولا الإيمان والإخلاص والنور الإلهي في قلب الحسين ابن علي (عليهما السلام) والذي بعث الحرارة في قلوب الصفوة المؤمنة حوله لما تحقّقت تلك الواقعة، فانظروا إلى عظمة هذه الواقعة.
منـزلة شهداء واقعة كربلاء
يمكن مقارنة شهدائنا بشهداء بدر وحنين واُحد وشهداء صفين والجمل، بل شهدائنا أرفع منـزلة من كثير من هؤلاء الشهداء، لكن بشهداء كربلاء، فلا. فلا يقارن أحد بشهداء كربلاء، لا اليوم ولا في الماضي، لا في صدر الإسلام ولا أبداً إلى أن يشاء اللّه . إنّ هؤلاء هم صفوة الشهداء، فلا نظير لعلي الأكبر ولحبيب بن مُظاهر. فهذه واقعة كربلاء ـ أعزّتي ـ وهذه هي القاعدة الراسخة والمتينة التي حفظت الإسلام على مدى ألف وثلاثمائة وعدّة سنوات رغم كلّ العداء له. فهل تتصورون أن الإسلام يبقى لولا تلك الشهادة وذلك اليوم وتلك الواقعة العظمي؟ بل تيقّنوا بمحو الإسلام في أتون الأحداث، نعم قد يبقى العنوان كدين تاريخي مع عدد قليل من الأتباع في زاوية من زوايا العالم، وقد يبقى اسم وذكر للإسلام لكن تمحى حقيقته. انظروا إلى الإسلام في هذا العصر كيف انّه حيّ وبنّاء. وكيف تتفاءل الشعوب بأنواره الساطعة بعد (1400) سنة، وكلّ هذا من بركات واقعة كربلاء ومن استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام).
عزّة وشموخ الإمام الحسين (عليه السلام)
إن سلوك الإمام الحسين منذ خروجه من المدينة وحتى يوم استشهاده في كربلاء كان منطوياً على المعنويات والعزة والشموخ وفي نفس الوقت مغموراً بالعبودية والتسليم المطلق لأمر الله، وهكذا كان دائماً وفي كل المراحل. ففي ذلك اليوم الذي جاءته مئات وربما آلاف الرسائل تحمل نداء القائلين بأنهم شيعته وأنصاره وأنهم في الكوفة والعراق بانتظار وصوله، فإنه لم يصب بالغرور. وعندما قال «خطَّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة» فإنه كان يتحدث عن الموت ولم يهدد الأعداء وينذرهم بالويل والثبور، كما أنه لم يقم بترغيب أصحابه ولم يقم بتقسيم مناصب الكوفة بينهم. لقد كانت حركته حركة إسلامية مفعمة بالعلم والمعرفة والعبودية والتواضع في ذلك اليوم الذي مد فيه الجميع إليه أيديهم وأظهروا له الود والإخلاص. وحتى في كربلاء عندما حاصره ثلاثون ألفاً من الأراذل والأوباش مع أصحابه الذين لم يبلغوا المائة وهددوه هو ومن معه من أعزائه بالموت كما هددوا نساءه وحرمه بالأسر، فإن هذا الرجل الإلهي والعبد الرباني العزيز في الإسلام لم تبدُ عليه ذرة من الاضطراب.
يقول ذلك الراوي الذي ينقل أحداث يوم عاشوراء التي تناقلتها الألسن والكتب «فو الله ما رأيت مكسوراً أربط جأشاً من الحسين». فالإنسان يلتقي الكثيرين في ميادين الحرب المختلفة وفي الساحات الاجتماعية والعرصات السياسية وسواها من المجالات الأخرى التي تضم ذوي الابتلاءات المختلفة؛ ولكن الراوي يحكي عن عدم مشاهدته لأحد مثل الحسين بن علي في موقفه هذا، حيث نـزلت عليه شتى المصائب غير أنه واجهها بوجه مستبشر قاطع، مما يدل على قوة العزيمة ورسوخ الإرادة والتوكل على الله. فهذه هي العزة الإلهية، وهذا هو الموقف الذي خطّه الإمام الحسين في سجل التاريخ.
إن الحسين (عليه السلام) مصباح الهدى وسفينة النجاة
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قـال: «حسين منّي وأنا مـن حسين». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة».
إنّني اليوم وبمناسبة يوم عاشوراء، سأتحدّث عن ثورة الحسين (عليه السلام)، وإنّه لشيء عجيب، إذ أنّ حياتنا مليئة بذكر الحسين (عليه السلام)، وإنّنا نشكر الله على ذلك.
لقد قيل الكثير عن نهضة هذا العظيم، لكنّ الإنسان كلّما فكّر وتدبّر في هذا الموضوع، كلّما اتّسع مجال التفكير والبحث والتحقيق والمطالعة عنده، فقد بقي الكثير ممّا لم يقال عن هذه الحادثة العظيمة والعجيبة الّتي لا نظير لها. فعلينا أن نتدبّر ونتفكّر فيه ثمّ نقوله للآخرين.
لو نظرنا الحادثة منذ أن خرج أبو عبد الله (عليه السلام) من المدينة وتوجّه نحو مكّة إلى أن استُشهد في كربلاء، لأمكننا أن نقول إنّ الإنسان يستطيع عدّ مائة درس مهمّ في هذا التحرّك الّذي استمرّ أشهر معدودة فقط. ولا أودّ القول آلاف الدروس وإن أمكن قول ذلك حيث تعتبر كلّ إشارة من ذلك الإمام العظيم درساً، لكن عندما نقول مائة درس أي لو أردنا أن ندقّق في هذه الأعمال لأمكننا استقصاء مائة عنوان وفصل، وكلّ فصل يعتبر درساً لأمة وتاريخ وبلد ولتربية النفس وإدارة المجتمع وللتقرّب إلى الله. هكذا هو الحسين بن علي (أرواحنا فداه وفداء اسمه وذكره) كالشمس الساطعة بين القديسين، أي إن كان الأنبياء والأئمّة والشهداء والصالحين كالأقمار والأنجم، فالحسين (عليه السلام) كالشمس الطالعة بينهم، كلّ ذلك لأجل هذه الأمور.
وإلى جانب المائة درس هذه، هناك درس رئيسي في هذا التحرّك، سأسعى لتوضيحه لكم وهو لماذا ثار الحسين (عليه السلام)؟ لماذا ثرت يا حسين رغم كونك شخصيّة لها احترامها في المدينة ومكّة، ولك شيعتك في اليمن، إذهب إلى مكان لا عليك بيزيد ولا ليزيد عليك شيء، تعيش وتعبد الله وتبلِّغ؟
هذا هو السؤال والدرس الرئيسي، ولا نقول إنّ أحداً لم يشر إلى هذا الأمر من قبل، فقد حقّقوا وتحدّثوا كثيراً في هذه القضيّة، وما نودّ قوله اليوم ـ وفي رأيي ـ هو استنتاج جامع ورؤية جديدة للقضيّة.
إنّ البعض القول: إنّ هدف ثورة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) هو إسقاط حكومة يزيد الفاسدة وإقامة حكومة بدلها.
هذا القول شبه صحيح وليس خطأ، لأنّه لو كان القصد من هذا الكلام هو أنّ الحسين (عليه السلام) ثار لأجل إقامة حكومة وعندما يرى عدم إمكانيّة ذلك، يقول لم نتمكّن من ذلك، فلنرجع.
إنّ من يثور لأجل إقامة حكومة، سيستمرّ مادام يرى إمكانية ذلك، فإن احتمل عدم الإمكان أو عدم وجود احتمال عقلائي، فوظيفته أن يرجع. فالّذي يقول إنّ هدف الإمام (عليه السلام) من هذه الثورة هو إقامة الحكومة العلويّة الحقّة، فهذا غير صحيح؛ لأنّ مجموع هذا التحرّك لا يدلّ على ذلك. وسأبين ذلك لاحقاً.
والبعض على العكس من ذلك، قالوا: ما الحكومة؟ إنّ الحسين كان يعلم بعدم تمكّنه من إقامة الحكومة، إنّه جاء لأجل أن يقتل ويستشهد. لقد شاع هذا الكلام على الألسن كثيراً فترةً من الزمن، وكان البعض يصنع ذلك بتعابير جميلة، ثمّ رأيت أنّ بعض كبار العلماء قد قالوا ذلك أيضاً، فهذا لا يعتبر كلاماً جديداً وهو أنّ الإمام (عليه السلام) ثار لأجل أن يستشهد، لأنّه رأى أنّه لا يمكنه عمل شيء بالبقاء، فقال يجب أن أعمل شيئاً بالشهادة.
هذا الرأي أيضاً لا يوجد في المصادر الشرعيّة الإسلاميّة ما يؤّيد حجّة إلقاء الإنسان نفسه للقتل. إنّ الشهادة الّتي نعرفها في الشرع المقدّس والآيات والروايات معناها أن يتحرّك الإنسان ويستقبل الموت لأجل هدف مقدّس واجب أو راجح، هذه هي الشهادة الإسلاميّة الصحيحة. أمّا أن يتحرّك الإنسان لأجل أن يقتل فلا، إذن هذا الأمر وإن كان فيه جانباً من الحقيقة لكن لم يكن هدف الحسين (عليه السلام).
إذن ـ باختصار ـ لا يمكننا القول: إنّ الحسين (عليه السلام) ثار لأجل إقامة الحكومة، ولا أن نقول: إنّه ثار لأجل أن يستشهد. وإنّني أتصوّر أنّ القائلين بأنّ الهدف هو الحكومة أو الهدف هو الشهادة قد خلطوا بين الهدف والنتيجة. فالهدف لم يكن ذلك، بل كان للإمام الحسين (عليه السلام) هدف آخر، كان الوصول إليه يتطلّب طريقاً وحركة تنتهي بإحدى النتيجتين: الحكومة أو الشهادة، وكان الإمام مستعدّاً لكلتا النتيجتين، فقد أعدّ مقدّمات الحكم وكذا مقدّمات الشهادة، فإذا تحقّق أيّ منهما، كان صحيحاً، لكن لم يكن أيّ منهما هدفاً، بل كانا نتيجتين.
إذن ما هو الهدف؟ أقول باختصار ثم أبداً بتوضيحه قليلاً.
لو أردنا بيان هدف الإمام الحسين (عليه السلام)، فينبغي أن نقول هكذا: إنّ هدف ذلك العظيم كان أداء واجب عظيم من واجبات الدين لم يؤّده أحد قبله، لا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، واجب يحتلّ مكاناً مهمّاً في البناء العام للنظام الفكري والقيمي والعملي للإسلام. ورغم أنّ هذا الواجب مهمّ وأساسي، لكنّه لماذا لم يُقَمْ بهذا الواجب حتّى عهد الإمام الحسين (عليه السلام)؟ كان ينبغي على الإمام الحسين (عليه السلام) القيام بهذا الواجب ليكون درساً على مرّ التاريخ، مثلما أنّ تأسيس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للحكومة الإسلاميّة أصبح درساً على مرّ تاريخ الإسلام، ومثلما أصبح جهاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سبيل الله درساً على مرّ تاريخ المسلمين وتاريخ البشريّة إلى الأبد. فكان ينبغي أن يُودّي الإمام الحسين (عليه السلام) هذا الواجب ليصبح درساً عمليّاً للمسلمين على مرّ التاريخ.
ولماذا قام الإمام الحسين (عليه السلام) بهذا الواجب؟ لأنّ أرضية هذا العمل قد مُهِّدت في زمن الإمام الحسين (عليه السلام)، فلو لم تمهّد هذه الأرضيّة في زمن الإمام الحسين (عليه السلام)، كأن مُهّدت ـ وعلى سبيل المثال ـ في زمن الإمام علي الهادي (عليه السلام) لقام الإمام علي الهادي (عليه السلام) بهذا الواجب، لصار هو ذبيح الإسلام العظيم، ولو اتّفق ذلك في زمن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) لقام به، أو اتّفق في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) لقام به الإمام الصادق (عليه السلام)، لكنّ لم يتّفق ذلك في زمن الأئمّة حتّى عصر الغيبة إلاّ في عصر الإمام الحسين (عليه السلام).
إذن كان الهدف أداء هذا الواجب، فعندها تكون نتيجة أداء الواجب أحد الأمرين إمّا الوصول إلى الحكم والسلطة وكان الإمام الحسين (عليه السلام) مستعدّاً لذلك؛ ليعود المجتمع كما كان عليه في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، أو يصل إلى' الشهادة وكان الإمام الحسين مستعدّاً لها أيضاً.
فإنّ الله قد خلق الحسين والأئمة بحيث يتحمّلون مثل هذه الشهادة لمثل لهذا الأمر، وقد تحمّل الإمام الحسين (عليه السلام) ذلك. هذا خلاصة الأمر.
وأمّا توضيح هذا الأمر:
انظروا أيّها الإخوة والأخوات المصلّون الأعزّاء، إنّ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وكذا أيّ نبيّ ـ عندما بعث، أتى بمجموعة من الأحكام، بعضها فرديّة لإصلاح الفرد، وبعضها اجتماعية لبناء المجتمعات البشريّة وإدارة الحياة البشريّة. هذه المجموعة من الأحكام يقال لها النظام الإسلامي. فعندما نـزل الإسلام على القلب المقدّس للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجاء بالصلاة والصوم والزكاة والإنفاقات والحجّ والأحكام الأسرية والعلاقات الفرديّة، ثمّ جاء بالجهاد في سبيل الله وإقامة الحكومة والنظام الاقتصادي وعلاقات الحاكم بالرعيّة ووظائف الرعية تجاه الحاكم. هذه المجموعة من الأحكام عرضها الإسلام على البشر، وبيّنها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة ويبعدكم من النار إلاّ وقد أمرتكم به». ولم يبيّن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كلّ ما يسعد الإنسان والمجتمع الإنساني فحسب، بل طبّقها وعمل بها، فقد أقام الحكومة الإسلاميّة والمجتمع الإسلامي، وطبّق الاقتصاد الإسلامي، وأقيم الجهاد واستحصلت الزكاة، فشيّد نظاماً إسلاميّاً وأصبح النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وخليفته من بعده معمار وقائد هذا النظام. كان الطريق واضحاً وبيّناً، فوجب على الفرد وعلى المجتمع الإسلامي أن يسير في هذا الطريق وعلى هذا النهج، فإن كان كذلك بلغ الناس الكمال، أصبحوا صالحين كالملائكة، وذهب الظلم والشرّ والفساد والفرقة والفقر والجهل بين الناس، ووصل الناس إلى السعادة الكاملة ليصبحوا عباد الله الكُمّل.
حسناً، يبقى ـ هنا ـ سؤال وهو: لو صرفت يد أو حادثة القطار الّذي سيّره النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مسيره، فما هو التكليف؟؟ لو انحرف المجتمع الإسلامي وبلغ الانحراف درجةً بحيث خيف انحراف أصل الإسلام والمبادئ الإسلاميّة ـ لأنّ الانحراف على قسمين، فتارة ينحرف الناس، وهذا ما يقع كثيراً، لكن تبقى أحكام الإسلام سليمة، وتارة ينحرف الناس ويفسد الحكّام والعلماء ومبلّغو الدِّين، فيحرّفوا القرآن والحقائق، وتبدّل الحسنات سيّئات والسيّئات حسنات. ويصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، ويحرَّف الإسلام 180 درجة ـ فلو اُبتلي النظام والمجتمع الإسلامي بمثل هذا الأمر، فما هو التكليف حينئذ؟
لقد بيّن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحدّد القرآن التكليف ﴿من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم﴾. إضافة إلى آيات وروايات كثيرة أخرى.
لكن هل تمكّن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من العمل بهذا الحكم الإلهي؟ كلاّ، لأنّ هذا الحكم الإسلامي يُطبّق في عصر ينحرف فيه المجتمع الإسلامي ويبلغ حدّاً يخاف فيه من ضياع أصل الإسلام، والمجتمع الإسلامي لم ينحرف في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم ينحرف في عهد أمير المؤمنين بتلك الصورة، وكذا في عهد الإمام الحسن (عليه السلام) عندما كان معاوية على رأس السلطة، وإن ظهرت الكثير من علائم ذلك الانحراف، لكنّه لم يبلغ الحدّ الّذي يخاف فيه على أصل الإسلام. نعم، يمكن أن يقال إنّه بلغ في برهة من الزمن الحدّ، لكن في تلك الفترة لم تتاح الفرصة ولم يكن الوقت مناسباً للقيام بهذا الأمر.
إنّ هذا الحكم الّذي يعتبر من الأحكام الإسلاميّة لا يقلّ أهمّية عن الحكومة ذاتها، لأنّ الحكومة تعني إدارة المجتمع، فلو انحرف المجتمع وفسد، وتعطّل الحكم الإلهي، ولم يوجد عندنا حكم وجوب تغيير الوضع وتجديد الحياة أو بتعبير اليوم (الثورة)، فما الفائدة في الحكومة في الإسلام. فالحكم الّذي يرتبط بإرجاع المجتمع المنحرف إلى الخطّ الصحيح لا يقلّ أهمّية عن الحكومة ذاتها، ويمكن أن يقال إنّه أكثر أهمّية من جهاد الكفّار ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الطبيعيين في المجتمع الإسلامي، بل وحتّى من العبادات الإلهيّة العظيمة كالحج. لماذا؟ لأنّ هذا الحكم ـ في الحقيقة ـ يضمن إحياء الإسلام بعد أن أشرف على الموت أو مات وانتهى.
حسناً، مَنْ الّذي يجب عليه أداء هذا الحكم وهذا التكليف؟
الإمام الحسين (عليه السلام) عِبرة وعَبرة
هذا اليوم هو يوم عاشوراء وهـذه أيّام بكاء ونعي. إنّ كربلاء كلّها عزاء ومصائب، وحوادث عاشوراء كلّها بكاء وألم، منذ نـزول الحسين (عليه السلام) بأرض كربلاء، وخُطبه، أقواله، وأشعاره، وإخباره بقتله، مخاطبته لأخته زينب وإخوته وأعزّته، كلّها مصائب إلى ليلة عاشوراء ويوم عاشوراء. ولأجل أن أشرك نفسي في هذه الضيافة الحسينيّة العظيمة قليلاً سوف أنعى ببعض الكلمات. وبما أنّ شعبنا ضحّى بالكثير من الشباب في سبيل الله، وقد يتواجد بين جموع المصلّين الآلاف ممّن قدّموا شبابهم، فرأيت أن أذكر مصيبة شباب الحسين (عليه السلام).
حسناً إنّنا نوصي الجميع بقراءة النعي من متن الكتب.
ويوم عاشوراء وهو بالنسبة لأبناء الأمة في إيران إضافة إلى ما فيه من دروس، يوم شكر أيضاً، شكر للّه سبحانه وتعالى أن وُضع شرعة الجهاد الّتي سار عليها الحسين (عليه السلام) ليصون الأمة من الذلّ والهوان، الشكر له سبحانه وله المنّة أن جعل الأمة في إيران تقتدي بالإمام الحسين (عليه السلام)، وتستلهم من روح عاشوراء ما يُعينها على تسجيل ملحمة بطوليّة كبرى من ملاحم الثائرين الرساليين في التاريخ.
لقد قلت ذات مرّة حول العبر المستخلصة من قضية الإمام الحسين (عليه السلام) : إنّنا بالإضافة إلى استلهامنا الدروس من هذه الواقعة، فإنّنا نستخلص العبر منها، فالدروس تقول لنا ماذا يجب فعله، لكنّ العبر تقول أيّة حادثة وقعت وأيّها قد تقع..
والعبرة في قضية الإمام الحسين (عليه السلام) هي عندما يتأمّل الإنسان في تأريخ المجتمع الإسلامي، ذلك المجتمع الذي كان يرأسها شخص غير عادي كرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذا النبي الذي كان يتمتّع بقدرة تفوق إدراك البشر، والمرتبط بالوحي الأزلي والحكمة الفريدة اللامتناهية، والمجتمع الذي حكمه بعد ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، حيث أصبحت المدينة والكوفة مركَزَي هذه الحكومة العظيمة، فما الذي حدث بعد ذلك؟ وأيّة جرثومة دخلت بدن هذا المجتمع حتّى قتل الحسين بن علي (عليه السلام) في ذلك المجتمع وبين هؤلاء الناس وبتلك الصورة بعد مضي نصف قرن على وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعشرين سنة على شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فما الذي حدث، وكيف ؟! وما حدث ليس بحقّ ابن مجهول، بل بحقّ من كان يحتضنه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصغر، ويُصعده معه على المنبر ويخطب في الناس، بحقّ من قال في حقّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «حسين منّي وأنا من حسين»، كذا كانت العلاقة وثيقة بين الأب والابن، ذلك الابن الذي كان ركناً من أركان حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الحرب والصلح والسياسة، وكان كالشمس الساطعة.
إلاّ أنّ أمر ذلك المجتمع قد آل إلى أن يحاصر ابن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك الإنسان البارز العزيز صاحب العمل والتقوى والشخصية المفخرة، صاحب ذلك الدرس في المدينة والكثير الأصحاب والأنصار والمحبّين، وشيعته كثيرون في مختلف مناطق العالم الإسلامي، ثم يُقتل عطشاناً بتلك الصورة الفجيعة لا لوحده فقط، بل مع جميع رجاله حتّى الطفل البالغ من العمر ستة أشهر، وتُساق نساؤه وأطفاله أسارا يطاف بهم من مدينة إلى مدينة.
مواقف الوفاء والبصيرة في يوم عاشوراء
إن الذي يبدو من كافة الشواهد والأدلة هو أن أبا الفضل العباس كان آخر من استشهد قبل الإمام الحسين من المجاهدين، باستثناء الطفل البالغ ستة أشهر من عمره أو الصبي البالغ أحد عشر عاماً. وكانت تلك الشهادة فداءً لعمل عظيم أقدم عليه، ألا وهو جلب الماء للعطاشى في خيام أبي عبد الله الحسين. وبالنظر في تلك الزيارات والتمعن في تلك الكلمات الواردة عن الأئمة (عليهم السلام) بشأن أبي الفضل العباس، فإننا نكتشف أنه تم تأكيد خصلتين: الأولى البصيرة، والثانية الوفاء. فأين تكمن بصيرة أبي الفضل العباس؟ لقد كان أولئك جميعاً من أولي البصائر، إلاّ أنه كشف عن بصيرة أكبر؛ ففي يوم تاسوعاء، أي في عصر مثل هذا اليوم، عندما سنحت له الفرصة للخلاص من هذا البلاء حيث اقترحوا عليه الاستسلام في مقابل إعطائه الأمان، فانه كان شهماً لدرجة أفحمت الأعداء، وقال لهم: وهل أتخلى عن الحسين؟! الويل لكم! أفّ لكم ولأمانكم هذا! وثمة نموذج آخر لبصيرته، وذلك عندما أمر ثلاثة من إخوته الذين كانوا معهم بالتقدم قبله إلى ميدان الحرب والجهاد حتى بلوغ الشهادة. فإنكم على علم بأنهم كانوا أربعة إخوة من أم واحدة، وهم: أبو الفضل العباس ـ الأخ الأكبر ـ وجعفر وعبد الله وعثمان. فأن يضحي المرء بإخوته الثلاثة أمام عينيه من أجل الحسين بن علي دون التفكير في أمه المحزونة أو الاكتفاء بواحد منهم حفاظاً على مشاعر أمه والاهتمام بمصير إخوته الصغار ومن سيعولهم في المدينة المنورة، فهذه هي البصيرة.
وأما وفاء أبي الفضل العباس فقد تجسد لدى بلوغه شريعة الفرات دون أن يشرب قطرة من مائه؛ فالمشهور على كل الألسنة هو أن الإمام الحسين (عليه السلام) بعث بأبي الفضل لجلب الماء، إلاّ أن الذي شاهدته من الروايات المعتبرة الواردة في كتب مثل (الإرشاد) للمفيد، و(اللهوف) لابن طاووس فلقد جاء في هذه الكتب المعتبرة أن العطش كان قد اشتدّ بالصبية والصبايا وبلغ مبلغه من حرم آل البيت، فذهب الإمام الحسين وأبو الفضل معاً في طلب الماء، وتوجها إلى شريعة الفرات لعلّهما يحصلان على بعض الماء. فهذان الاثنان من الأخوة الشجعان والأقوياء كانا معاً دائماً في ساحة القتال، أي الإمام الحسين بعمره الذي يشرف على الستين عاماً ولكنه لا يشق له غبار في البسالة والقوة، وأخوه الشاب أبو الفضل العباس الذي جاوز الثلاثين بقليل من عمره بما يتميز به من خصال يعرفها الجميع. فهذان الأخوان لم يفارق أحدهما الآخر في ساحة الحرب، وكان كل منهما يحمي ظهر الآخر عند اشتداد القتال وتخلل صفوف الأعداء أملاً في الوصول إلى الفرات وجلب الماء. وخلال هذه الجولة من المعركة شعر الإمام الحسين فجأة بأن العدو قد فصل بينه وبين أخيه العباس لدى اشتداد القتال؛ وفي هذه المعمعة كان أبو الفضل قد اقترب من الماء ووصل إلى شريعة النهر. وكما جاء في الروايات، فإنه ملأ قربةً بالماء للعودة بها إلى الخيام؛ وفي مثل هذه الحالة يعطي كل واحد الحق لنفسه بأن يروي ظمأه، ولكن أبا الفضل العباس أظهر وفاءه في هذا الموقف الصعب. فعندما غرف غرفة من الماء ذكر عطش الحسين، وتذكر صيحات: العطش .. العطش .. التي أطلقها الصبية والصبايا، وربما تذكر بكاء علي الأصغر الظمآن، فلم يشرب وألقى الماء وغادر الشريعة. وحينئذ وقعت تلك الأحداث عندما سمع الإمام الحسين (عليه السلام) فجأة صوت أخيه قادماً من وسط جند الأعداء وهو يصيح: «يا أخاه أدرك أخاك».
السير على نهج الإمام الحسين (عليه السلام)
أيها الإخوة والأعزاء! فلو حافظنا على رسالة الإمام الحسين حيّةً ونابضة، ولو أدركنا العظمة الكامنة في اسم الإمام الحسين، ولو تطلعنا لهذه النهضة واعتبرناها حدثاً إنسانياً عظيماً على مدى التاريخ، لأعاننا كل ذلك على مواصلة الطريق والتقدم إلى الإمام وعلى ألاّ نحيد عن درب الإمام الحسين وعلى تحقيق ما رسمناه من أهداف بلطف الله، وسيبلغ الشعب الإيراني آماله إن شاء الله. لقد جعل الله تعالى اسم الإمام الحسين (عليه السلام) مجلّلاً بالعظمة وحافظ على واقعة كربلاء حيّة في التاريخ. وإن ما قلته لا يعني أننا نعمل على جعل اسم الإمام الحسين عظيماً، كلاّ، فهذا الحدث أعظم من أن تغطي عليه كافة أحداث الزمان أو أن تمحو رسمه من صفحات التاريخ.
خلود واقعة كربلاء
بلغ الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه ـ الذين نلطم على صدورنا ونبكي لأجلهم ونحبّهم أكثر من أبنائنا ـ قمة الغربة، وكانت نتيجة بقاء وحيوية الإسلام الى اليوم. إذاً واقعة كربلاء حيّة وباقية ليس في مجرد قطعة أرض صغيرة فقط وإنّما في منطقة مترامية الأطراف في محيط الحياة البشرية.
إنّ كربلاء موجودة في كلّ شيء؛ في الأدب، في الثقافة، في السنن والآثار، في الاعتقادات، في القلوب.
التأكيد على إعلاء كلمة الإمام الحسين (عليه السلام)
إنّ اجتماعكم اجتماع أثير لدي، إذ بإمكانه إعلاء الكلمة الحسينية وأن يعبّد هذا الطريق المبارك إن شاء اللّه، طبعاً إنّ طريق الحسين (عليه السلام) لم يُغلق أبداً في بلادنا واُمّتنا طوال القرون، ولم يتمكّن المخالفون والمعاندون من فعل شيء.
إنَّ هذا الطريق مليء بالبركات، ولو أنّ علماء الدين والمبلغين والخطباء سعوا في هذا الطريق بما يليق بشهر محرم وأبدعوا وابتكروا وقاموا بجهود مخلصة مصحوبة بالأعمال الفكرية والعلمية القيّمة لازدادت البركات على ما كانت عليه بأضعاف مضاعفة. لذا فعلينا جهد إمكاننا أن نسعى جميعاً في هذا المجال.
المصدر : دار الولاية للثقافة والإعلام
قائد الثورة يؤكد اهمية صلاة الجمعة في حشد ورص الصفوف
الإمارات تكشفت حقيقة تعهدها ببناء ملعب في كفر قاسم بالاراضي المحتلة
كشفت دولة الإمارات، حقيقة تعهدها ببناء ملعب في كفر قاسم أو في أي ناد آخر في كيان الاحتلال الاسرائيلي.
وقالت السفارة الإماراتية في "إسرائيل"، عبر حسابها على "تويتر"، إن "الإمارات لم تتعهد ببناء ملعب في كفر قاسم أو في أي نادٍ آخر في إسرائيل".
وأكدت السفارة التزامها بالتواصل مع كافة أطياف المستوطنين في هذا الكيان المحتل.
وشددت السفارة الإماراتية، على أنها "هي المعنية بالإعلان عن النشاطات أو الفعاليات ذات الصلة"، وذلك بعد انتشار تقارير صحفية افادت أن الإمارات تعتزم إقامة ملعب في مدينة كفر قاسم.
ووقع حكومة الاحتلال الاسرائيلي والإمارات في أيلول/سبتمبر 2020 اتفاق تسوية برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تبعه التوقيع على العديد من الاتفاقيات في مجالات مختلفة بينها الطيران والسياحة والاستثمار والتجارة والرياضة وغيرها.
المصدر العالم:
اقبال دول الخليج الفارسي على ايران وفرص النهوض بالمنطقة
لم تهدر أي منطقة من العالم طاقاتها وامكانياتها وثرواتها وقرارها وكنوزها الانسانية مثل منطقة الخليج الفارسي خلال العقود الماضية، ولولا هذا التفريط لكانت هذه المنطقة الآن القلب النابض للعالم وأنموذجا للتطور والرقي امتدت اعناق الأمم الاخرى اليها.
حروب وغزوات واراقة أنهر من الدماء واصطفافات وشراء مئات المليارات من الدولارات من الاسلحة بل الآلاف، وتكديسها والاستعانة بقوى اجنبية كبرى ضد الشقيق والصديق والجار، شهدتها هذه المنطقة منذ ان قرر النظام البعثي العراقي المجرم ان يلطخ يده بيد الشرفاء والاحرار من ابناء الشعب العراقي ومن ثم الشعب الايراني مدعوما بمن دعمه، والحبل على الجرار الى يومنا هذا حيث ارتوت ارض هذه المنطقة بدماء الكويتيين والبحرانيين واليمنيين و...
هاجرت عقول هذه المنطقة للخارج وأصبحت مليئة بالقواعد العسكرية الاجنبية وهؤلاء الاسياد الاطلسيون فعلوا كل شيء لمنع تطور دول هذه المنطقة علميا واقتصاديا وسياسيا وتنمية بشرية فقط لكي تبقى دولها تحت السيطرة وسهلة الحلب لثرواتها التي أسمنت بنوك اميركا وبريطانيا والدول الغربية فيما تحتضن المنطقة افقر دولة عربية وافقر شعب واسوأ مجاعة ومأساة انسانية و...
ما نذكره ليس نبشا للماضي، لكن من الضروري ادراك حجم وعمق هذه الكارثة لكي يشتد العزم على طي صفحة الماضي وعدم العودة اليها بعد المتغيرات العالمية التي حتمت على دول المنطقة ان تبحث عن مصالحها الحقيقية على وجه السرعة قبل ان يفوتها القطار في زمن، لا يدري أحد ما تخبئه المرحلة القادمة.
خلال الايام الماضية صدرت اشارات لا يمكن وصفها الا بالايجابية من قبل دول عربية في الخليج الفارسي ومنها السعودية والامارات والكويت تجاه الجمهورية الاسلامية الايرانية حيث ابلغ السعوديون الحكومة العراقية برغبتهم في الحوار السياسي العلني مع ايران وطلبوا من العراق استضافة وترتيب لقاء مباشر بين وزيري الخارجية الايراني والسعودي في بغداد وذلك بعد 5 جولات من المفاوضات غير العلنية والتي عقدت على المستوى الامني.
ويوم امس الثلاثاء أكد وزير الخارجية الكويتي احمد ناصر الصباح ، أن القيادة السياسية في الكويت تريد طي صفحة الماضي وتعزيز العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. واعرب الوزير الكويتي في اتصال هاتفي مع نظيره الايراني عن تقديره لمبادرة ايران لتطوير العلاقات مع دول المنطقة، مفندا التكهنات التي اُطلقت قبيل القمة والزاعمة أنها موجهة ضد إيران، مشددا على أن تصريحات زعماء المنطقة أكدت دوما على ضرورة إقامة العلاقات الجيدة مع إيران والحفاظ عليها.
وفي الامارات أعرب وزير الخارجية يوم أمس الثلاثاء ايضا، عن الامل باتخاذ خطوات كبرى لتنمية العلاقات مع ايران.
وفي محادثات هاتفية مع نظيره الايراني، أشار الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي إلى المصالح المشتركة لدى البلدين في تنمية العلاقات بينهما، معتبرا رفع مستوى التمثيل السياسي بأنه يأتي في إطار أهمية تطوير العلاقات بين البلدين الجارين ورغبة الشعبين الشقيقين وإرادة كبار .
وأردف الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان: إن سلام إيران واستقرارها وخيرها وشرفها باعتبارها جارة وشقيقة لنا، هو أمر مهم للغاية بالنسبة لنا، لأنه كذلك يترك أثرا إيجابيا على بلادنا، معربا عن أمله باتخاذ خطوات كبرى في المستقبل لتنمية العلاقات بين الجانبين.
اما سلطنة عمان فقد سعت منذ أمد بعيد الى التوسط لحل الخلافات والازمات، كما ان دولة قطر تلعب ايضا دورا ايجابيا للتوسط لحل الخلافات والأزمات، والعراق ايضا ورغم مشاكله الداخلية يسعى الى القيام بالوساطات للتقريب وتجاوز الازمات، وقد شكر وزير الخارجية الايراني المساعي الحميدة هذه.
لقد بات واضحا ان قادة دول المنطقة ادركوا اهمية دور ايران واهمية بناء علاقات ايجابية معها بسبب عدة عوامل ومنها تطور ايران في مختلف المجالات السياسية والاستراتيجية والعلمية والعسكرية واستحالة احتوائها كما كان يريد الاميركيون.
ولا نظن بأن اعادة الامور الى مجاريها ستحدث بين ليلة وضحاها ولكن ان تأتي متأخرة أفضل من لا تأتي ابدا، وحرصا على نجاح الخطوات التقاربية الايجابية ينبغي الوقوف عند النقاط التالية:
- الشؤون الثنائية بين ايران وبين كل دولة من الدول التي تريد التقارب معها شأن يخص أصحاب الشأن، لكن بقاء اليمن نازفا و سوريا مدمرة ولبنان محاصرا والشعب البحريني مهضوما والعراق غارقا في مشاكل سياسية تغذيها التدخلات الاجنبية، هي عقد ينبغي حلها لانها شئنا ام أبينا ستمنع الحل الحقيقي في المنطقة.
- لقد سبقتنا تل أبيب وقامت بتفخيخ مسار التقارب الايراني الخليجي، بمد خيوط التعاون الامني التطبيعي مع بعض الدول في المنطقة وزرع مكاتب امنية، لتفجر الازمات بين هذه الدول وايران حينما شاءت وبكبسة زر من بعيد، وقد قالها وزير الامن الايراني يوم أمس الثلاثاء بأن "اية دولة تحوي وكرا يعمل ضد امننا لن يكون بمأمن عن الرد الايراني".
- لن يصمت الكيان الصهيوني ولا اميركا حيال هذا التقارب، وهم الذين جاؤوا الى جدة السعودية من اجل خطة تباعد ونسج احلاف عسكرية وامنية، وسيقوم هؤلاء بهجمة عكسية، وما الاجتماع العسكري الاميركي القطري قبل أيام في الدوحة واعلان الاميركيين من هناك بأنهم درسوا مع القطريين الطائرات المسيرة الايرانية وان مهمتم هي التصدي لقوة الطائرات المسيرة الايرانية الا خطوة من خطوات الهجوم العكسي هذا لاعادة عقارب الساعة الى الوراء.
- اعتبار التعاون الاقتصادي والتجاري والمالي بين دول المنطقة هو رمز نجاح خطة التقارب السياسي، وقيام المعنيين بأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار ، خاصة وسط التطورات على الساحة الدولية التي اظهرت بان منطقة الخليج الفارسي هي مفتاح الفوز في المواجهة العالمية المحتدمة، فمهما قيل فان مجيء قادة قطبي المواجهة العالمية في آن واحد الى هذه المنطقة له معنى واضح.
- ضرورة اعتبار القضية الفلسطينية والاقصى الشريف القضية الاولى والاهم لكافة المسلمين والتوجه نحو اسناد الشعب الفلسطيني في مقاومته وصموده، لأن شرف الامة رهن بهذه القضية ومن دون الشرف لا معنى للاقتصاد والرقي والتطور ورغد العيش و ما شابه، ولايقيم الآخرون شأنا لأمة لاتصون شرفها.
واخيرا نقول ان سياسة الحكومة الايرانية الجديدة لتعزيز العلاقات مع الجوار يبدو انها تسجل نجاحا ملحوظا، واليد الايرانية الممدوة نحو دول المنطقة يمكن اعتبارها حبل انقاذ لمصلحة الجميع، وخير البرّ عاجله.
بقلم: فريد عبدالله
هل يحق للأبناء منع والدهم المسن من الزواج؟
تحقيق: ثناء عبدالعظيم
الجليس والأنيس والرعاية والاهتمامات، من أهم مبررات زواج المسن. فالزواج حق شرّعه رب العالمين لكل إنسان. لكن، متى يصبح زواج الأب المسن غير مرغوب فيه من جانب الأبناء؟ وهل من حقهم أن يمنعوه. الأب المسن يحتاج إلى الرعاية والاهتمام. لذا، فهو قد يفكر في الزواج حتى يجد شريكة تؤنس وحدته وتشاركه ما تبقى من عمره. إلا أن هذا الأمر لا يلقى قبولاً من جانب الأبناء. فمنهم من يقف في وجه والده رافضاً أن يمارس حقه في الزواج، ومنهم من يلجأ إلى القضاء مطالباً بالحجر على والده مُشككاً في أهليته وكفاءته العقلية، ومنهم من يذهب إلى أبعد من ذلك، فيهدد والده بالاعتداء عليه. فهل يحق للأبناء منع والدهم المسن من الزواج؟ وما الاعتبارات التي تدعوهم إلى رفض تلك الزيجة والتوجس منها؟ وهل صحيح أن موافقة أبناء على زواج والدهم المسن تخضع لأعراف وتقاليد لا تحيد عنها، كأن تكون زوجته مريضة وعاجزة، أو متوفاة، أو مطلقة؟ - زواج مصلحة: الخبير في شؤون التراث، فالح حنظل يبلغ من العمر 65 عاماً، وهو يرفض أن يتزوج بعد هذه السن، مبرراً ذلك بقوله: "إن على المسن أن يراعي شعور أبنائه وبيته والمجتمع ككل"، ويشير حنظل إلى "أن ثمة تغيراً طرأ على نظرة الفرد والمجتمع إلى زواج المسن. ففي حين كان هذا الزواج يعد مقبولاً في الزمن الماضي، حيث لم يكن يحق للأبناء حرمان والدهم من الزواج، كما لم يكن يحق لهم مجرد الاعتراض على ذلك، حتى وإن كانت العروس شابة صغيرة في السن". ويضيف متابعاً: "نجد حالياً أنّ الثقافة المجتمعية المعاصرة والأعراف الحديثة، لم تعد ترتاح إلى زواج المسن، وما يتراوح بين 75 و80 في المئة من الأبناء في البيوت العربية، يعارضون زواج الأب المسن، حتى ولو كانت أمهم مطلقة، ويحاولون أن يصرفوه عن فكرة الزواج مرة أخرى". ينفي فالح حنظل "وجود أي أساس شرعي أو قانوني يستند إليه الأبناء في رفضهم زواج والدهم المسن، حيث يمنح الشرع والقانون الرجل حرية الزواج بأكثر من امرأة". لكنه يضيف معقباً: "من الأفضل للرجل المسمن أن يصرف نظره عن موضوع الزواج إذا تأكد من رفض أبنائه للأمر وتيقن من عدم موافقتهم. وحتى في حالة موافقتهم، فإنه يتعين عليه أن يختار للزواج مَن تناسبه في السن، فمن غير المعقول لرجل بلغ الستين أن يتزوج بشابة صغيرة ليبدأ معها الحياة. فمن المؤكد أنّ الأبناء سوف ينظرون إلى هذا الزواج على أنّه زواج مصلحة، والتجارب الواقعية أثبتت فشل الأغلبية العظمى من هذه الزيجات بعد الاستيلاء على أموال الأب". - الخوف على الميراث: "رفض الأبناء لهذا الزواج يرتبط بخوفهم على الميراث". وجهة نظر يتبناها محمد المعيني (موظف)، الذي يتابع موضحاً: "أنّ الأبناء يخشون من زوجة الأب التي قد تكون من خارج إطار العائلة أو من جنسية مختلفة. لذا، فإن تفكير الأبناء يتجه نحو احتمالات عديدة تتعلق بممتلكات والدهم. فمن الممكن أن تنجب زوجة الأب الصغيرة تلك، أخاً لهم، يشاركهم في الميراث. ومن الممكن أن تحكم سيطرتها على الأب وتجبره على التنازل لها عن ممتلكاته، لترحل بعدها تاركة إياه فقيراً معدماً في حاجة إلى من يرعاه". ويؤكد المعيني "أن مثل هذه السيناريوهات السلبية تقف وراء الموقف المعارض، الذي يتخذه معظم الأبناء تجاه والدهم المسن". - السماح بالزواج: من وجهة نظر أخرى، يكشف عباس فرض الله (موظف علاقات عامة) أنّه لن يعارض رغبة والده المسن متى أراد الزواج، إلا أنّه يضع شرطاً وحيداً لذلك، يقول: "شرطي الوحيد هو أن أطمئن إلى اختيار والدي في ما يتعلق بالإنسانية التي يرغب في الزواج بها، وأتأكد من أنها تتزوجه من أجل رعايته والعناية به وليس طعماً في أمواله". - الحاجة إلى الرعاية: بينما يقول محمد إبراهيم (عضو "منتدى الشارقة للتطوير"): "إنّ الأب المسن في حاجة إلى اهتمام ورعاية خاصة، وراحة نفسية، وشعور بالاستقلالية، فضلاً عن حاجته إلى الوجود بقرب إنسان يشعر براحة حقيقية تجاهه، فإذا وقع اختيار الأب على سيدة جديرة بالثقة، وقادرة على رعايته والعناية به، فلا يصح أن يمانع الأبناء مثل هذا الزواج". ويضيف موضحاً: "أنّ التوجس من زوجة الأب الجديدة ومن تأثيرها في العلاقة بين الأب وأبنائه، إضافة إلى الخوف على الميراث، والقلق بشأن عدم حصول والدهم على الرعاية والعناية اللازمة، ثلاثة أسباب رئيسية تفسر الموقف المعارض الذي يبادر الأبناء إلى اتخاذه بمجرد أن يعلن والدهم المسن عن رغبته في الزواج. ويُضاف إلى تلك الأسباب سبب رابع في حال كانت والدتهم لا تزال على قيد الحياة، وهو يتمثل في إشفاقهم على والدتهم من الضرر النفسي والمادي الذي قد يلحق بها من جراء زواج والدهم عليها". - الحجر على حرِّية الأب: إذا كان الرجل يرى أن من حق والده المسن أن يتزوج، فهل للمرأة رأي آخر في المقابل؟ تقول منى الحاج (ربة بيت): "ليس من حق الأبناء الحجر على حرِّية والدهم المسمن متى أراد الزواج، فمن حق كل إنسان أن يعيش ويختار شريك حياته، ومن الطبيعي أن يشعر الرجل الذي فقد زوجته بالوحدة والفراغ، وأن يحتاج إلى من يؤنس وحدته، خاصة بعد زواج الأبناء". وتضيف: "إنّ الأبناء يرفضون هذا الزواج، إما خوفاً من إنجاب والدهم لوريث جديد يشاركهم في الميراث، أو خوفاً من المسؤولية المادية المضاعفة التي يمكن أن تُلقى على عاتقهم في حالة كانوا هم الذين يقومون بإعالة والدهم". - شعور أناني: من جهتها، تؤكد كوثر غطاس (موظفة) "أن رفض الأبناء زواج والدهم المسن ينم عن شعور بالأنانية"، لافتة إلى أنّ "الأب الذي تعب من أجل تربية أبنائه، من حقه أن يعيش حياته بالطريقة التي يراها مناسبة، ولا يحق لهؤلاء الأبناء أن يمنعوه، خصوصاً أنّ الدين والعرف يكفلان للرجل حرية الزواج، خاصة بعد وفاة زوجته أو طلاقها أو عجزها". وتؤكد غطاس "أنّ الأبناء مهما اجتهدوا في خدمة والدهم ورعايته، إلا أنهم قد يعجزون عن الوفاء باحتياجاته وتعويضه عن أشياء هو في حاجة إليها". - أنيس وجليس: ليس لدى رحاب محمد (ربة بيت) "أي مشكلة" في زواج والدها المسن، "شرط أن يختار إنسانة تحافظ على ماله وتهتم به"، حيث تقول: "أنا الابنة الوحيدة لوالدي، وقد تزوجت، وسافرت مع زوجي إلى مكان آخر، وأصبح والدي يعيش بمفرده في بلد آخر، ومن حقه أن يحظى بشريك يؤنسه". وترى رحاب "أن لدى الآباء الوعي الكافي، وهم يعرفون مخاطر الزواج في سن متقدمة. لذا، يجب عدم التشكيك في قدرتهم على اتخاذ القرار الصحيح. ولذلك، يتعين على الأبناء ألا يحرموا والدهم المسن من ممارسة حقه الطبيعي في الزواج، وحتى إذا شعروا بأي خطورة أو أمر غير مريح بشأن اختيار الأب، فمن واجبهم فقط أن ينصحوه، وذلك من منطلق خوفهم عليه وحرصهم على راحته وسعادته، على أن يتركوا له بعد ذلك حرية اتخاذ القرار بنفسه". - شروط: بدورها، تلتمس أنوار كمال (ربة بيت) مزيداً من المبررات التي تجعلها تؤيد فكرة زواج الأب المسن، فهي ترى أنّ "الأب تعب على تربية أبنائه حتى كبروا، وأصبح لدى كل منهم حياته الخاصة ومشاغله والتزاماته التي يتفهمها الأب جيِّداً، لكن هذه المشاغل والالتزامات التي يتفهمها الأب جيِّداً، قد تحول بينهم وبين رعاية والدهم والعناية به بالشكل الأمثل". وتشير إلى أنّه "في هذه الحالة، يعطيه الشرع الحق في الزواج، شرط أن تكون هناك أسباب تستدعي ذلك". وتلفت أنوار إلى أنّ "السبب الرئيسي وراء ممانعة الأبناء زواج والدهم المسن، يعود إلى أسباب مادية بحتة، ترتبط بخوفهم على الميراث". - حق طبيعي: في حين تعتبر بشرى الكندي (ربة بيت) "أن من حق المسن أن يمارس حياته الطبيعية، لأن زوجات الأبناء يرفضون رعاية الأب المسن إذا كان مريضاً". لذا، تؤكد بشرى "من الأفضل للأطراف كافة، أن يتزوج الأب، شرط أن يرتبط بسيدة في سن مناسبة ومن عائلة معروفة لدى الأبناء". - المنع بالقوة: في المقابل تعترض داليا نشأت (ربة بيت) على فكرة زواج الأب المسن، وتقول: "يمكن له أن يتزوج في حال وفاة الأُم أو طلاقها، فمن غير المقبول أن يتزوج أبي بينما أمي لا تزال على قيد الحياة وتقوم بواجباتها نحوه". وتضيف: "من حقي أن أمنع والدي من الزواج بكل الوسائل، سواء بالنصح، أم بالتهديد، أم القانون إذا أقدم على الزواج". - أرفض زوجة الأب: من ناحيتها، تقول ديما عزام: "أنا ضد زواج أبي المسمن حتى لو كانت أمي غير موجودة في حياته، مادمت أقوم بواجباتي نحوه وأرعاه وأقوم بخدمته". وتضيف: "أرفض أن تدخل امرأة أخرى حياة والدي، وأن تحتل مكان أمي في قلبه. أما إذا أصر على الزواج، فيمكن أن أسدي إليه النصح، لكن الأمر لا يمكن أن يصل إلى حد أن أقاطعه أو أتخذ ضده موقفاً معادياً إذا أصر على الزواج، لأنّه في النهاية يبقى والدي الذي أنجبني ورباني". - المنع بقوة القانون: "يحق للأبناء منع والدهم المسن من الزواج بالقانون في حالة واحدة فقط"، هذه الحالة، توضحها حنان قابل (ربة بيت) بقولها: "يحق للأبناء أن يلجأوا إلى حكماء العائلة لمنع الأب من الزواج إذا كان قد بلغ من الكبر عتياً، بحيث أصبح غير واعٍ لتصرفاته وقراراته، وإذا لم تفلح هذه الخطوة فيمكن منعه بالقانون. أما إذا كان الأب يتمتع بكامل قواه العقلية، ويستطيع القيام بكل واجباته الزوجية، والإنفاق على بيتين، إذا كان عنده زوجة أولى، فمن حقه الزواج". - لا يحق لهم منعه: حول أسباب رفض الأبناء زواج والدهم المسن، يقول رئيس قسم الإصلاح والتوجيه الأسري جاسم المكي: "إنّ الأبناء لا يمكنهم منع والدهم من الزواج متى أراد ذلك، لكن إذا شعر الأبناء بالخوف وعدم الطمأنينة من هذه الزيجة، فعليهم أن ينصحوه، فإن لم يستجب يمكن مراجعة الجهات المختصة". ويضيف المكي لافتاً إلى أنّه "لا يوجد نص في القانون يمنع الرجل من الزواج، كما أنّ الإبن لا يستطيع منع والده من الزواج إذا كان في كامل قواه العقلية، لأنّ الأب مسؤول عن الابن وليس العكس، وهنا لن تأخذ المحكمة بالحجر، كما أنّ العادات والتقاليد والشرع ترفض جميعها أن يتقدم الابن إلى المحكمة لطلب الحجر على الأب أو التحكم في حرِّيته بينما هو يتمتع بكامل أهليته". ويضيف المكي موضحاً أن "مواد القانون، مستمدة من الشريعة الإسلامية، والقانون لم يأت بما يخالف الشريعة، والشرع يدعو إلى حفظ الأعراض والأموال والدماء، ولا يجوز أن يغتصب شخص أموال شخص آخر". ويؤكد المكي "أنّ الشرع أعطى الابن الحق في الحفاظ على أموال والده، كما أوجب عليهاحترامه، فلا يستطيع أن يحجر عليه وهو في كامل أهليته وقواه العقلية، إلا إذا كان الأب يستعمل ما يذهب هذه الأهلية كالمسكرات والمخدرات، وبهذه التصرفات يسهل على الآخرين الاحتيال عليه بأخذ توقيعات منه على توكيلات وعقود من دون أي يدري". ويقول: "يمكن للابن في هذه الحالة أن يمنعه من الزواج بامرأة تحتال عليه". ويضيف: "إن قرار الحجر على الأب من تخصص المحكمة، ويصدر بعد إقرار اللجنة الطبية المعتمدة في الدولة". - الهدف من الزواج: وينتقل جاسم المكي إلى نقطة أخرى من الموضوع موضحاً أنّ "النسب يعتبر من الأمور المهمة، وعندما يختار الأب زوجة من عائلة لا تليق بمستواه الاجتماعي، وربما يرزق منها بأبناء سيصبحون إخواناً لأبنائه، فمن حق الأبناء أن ينصحوا والدهم بالحفاظ على العائلة، لأن ذلك يؤذي الأسرة. كما أن فارق السن من الأمور التي يعترض عليها الأبناء، كأن يتزوج والدهم بمن تصغره بفارق كبير في السن، فلا يصح أن يتزوج أب عمره 70 سنة بامرأة شابه في العشرين". ويؤكد "أنّ القاضي أو المأذون الشرعي لا يسمحان بإجراء العقد في هذه الحالة، لأنّ الزواج غير متكافئ، وغير مبني على الديمومة"، ويختم موضحاً: "أنّ الزواج ليس رعاية وعناية فقط، ولكن فيه حق الفراش أيضاً، وأن تقبل شابة صغيرة الزواج برجل مسن، ربما بسبب ظروف قاهرة أجبرتها على ذلك". - الرحمة سمة العلاقة الأبوية: "زواج المسن له شروط"، تقول مديرة إدارة التنمية الأسرية في وزارة الشؤون الاجتماعية، فوزية طارش، وإذ تعدد تلك الشروط، تقول: "قد يكون الأب في سن تسمح له بالزواج، ويحتاج إلى وجود رفيقة في حياته تؤنس وحدته ولا تجعله يشعر بالفراغ". وتضيف: "إنّ الأبناء يتمنون لوالدهم طول العمر والصحة، ولكنهم يفكرون في المستقبل ويخشون أن تدخل حياته امرأة أخرى تأخذ مكان والدتهم، خاصة إذا كانت صغيرة في السن". وتذكر حالة رجل مسن تزوج بامرأة آسوية، كانت تذهب به إلى أبنائه عندما كان يمرض، وتتركه لديهم حتى يشفى". وتؤكد طارش "أن صفة الزواج في هذه الحالة انتهت لأنّ العلاقة قائمة على المصلحة الشخصية لتلك المرأة وطمعها في أموال الأب". وتتابع موضحة أنه "في مثل هذه الحالات يقع صدام بين الأب والأبناء نتيجة تأكدهم من حدوث استغلال للأب ونية مسبقة من جانب الزوج على الاستيلاء على أمواله، ولكن يبقى أنّ المجتمع الإسلامي فيه عادات وتقاليد لا تسمح بمثل هذا الصدام، ومهما تبلغ شدة الرفض من جانب الأبناء، إلا أنه لا يصل إلى تلك القسوة التي نشهدها في المجتمعات الغربية، فالرحمة لاتزال موجودة بين الآباء والأبناء". - حق المسن في الزواج: "القانون لا يمنع زواج الرجل المسن إلا إذا كان فاقداً للأهلية"، تقول المحامية مريم الحنطوبي، لافتة إلى أنّه "ليس من حق الأبناء أن يمنعوا والدهم المسن من الزواج، لأن من حقه شرعاً أن يتزوج ويختار شريكة حياته". وتوضح "أن هناك أسباباً تدعو الرجل المسن إلى الزواج، كأن تكون زوجته متوفاة أو عاجزة، أو أن يكون مريضاً ويحتاج إلى من يرعاه". وتؤكد الحنطوبي "أن هناك زوجات صغيرات يشترطن على الرجل المسن أن يشتري لهنّ بيتاً وسيارة وأن يؤمن حياتهنّ، خوفاً من أبنائه الكبار. فيكتشف الأبناء بعد وفاته أنه باع كل أملاكه من أجلها، وإن ميراثه آل بالكامل لها". وتضيف: "إنّ الأبناء يمكن أن ينصحوا الأب إذا اتضح أن من يريد الزواج بها احتالت على آخرين قبله، أو أنها ليست من عائلة تناسبهم. أما إذا كانت مناسبة للأب في العمر، فليس من حقهم أن يمنعوه، فالقانون لا يمنع الرجل من الزواج حتى ولو كان على سرير المرض".
محمد شياع السوداني.. المرشح لرئاسة مجلس الوزراء العراقي
السوداني من قيادات الصف الثاني من الساسة العراقيين (مواقع التواصل)
محمد شياع السوداني سياسي عراقي بارز، بدأ نشاطه السياسي مع حزب الدعوة الإسلامية عضوًا لمجلس محافظة ميسان، ثم أسس تيار الفراتين السياسي عام 2019، وتقلد مناصب عدة إلى أن رُشّح لرئاسة مجلس الوزراء العراقي في يوليو/تموز 2022.
المولد والنشأة
ولد محمد شياع صبار حاتم السوداني في العاصمة العراقية (بغداد) عام 1970 لأسرة متوسطة تنحدر من محافظة ميسان الواقعة جنوب شرقي العراق.
والده شياع كان موظفا في المصرف الزراعي، وجده الشيخ صبار حاتم الصيهود أحد الشيوخ المعروفين في محافظة ميسان.
في العاشرة من عمره واجهت عائلته مشكلة مع النظام العراقي السابق بسبب انتماء والده لحزب الدعوة الإسلامية الذي كان محظورا حينئذ.
ألقت الحكومة العراقية القبض على شياع ثم أعدم مع 5 من أفراد عائلته عام 1980 فور عودته من العلاج في فرنسا.
الدراسة والتكوين
نال شهادة البكالوريوس من جامعة بغداد وتخرج مهندسا زراعيا من كلية الزراعة عام 1992، ثم عمل بتخصصه في القطاع الخاص بعد تخرجه 5 سنوات.
التجربة السياسية
بدأت الحياة السياسية لمحمد شياع السوداني مع حزب الدعوة الإسلامية بعد أن انتخب عضوا لمجلس محافظة ميسان بين عامي 2005 و2009.
وبعد فوز ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس حزب الدعوة نوري المالكي عام 2009 في الانتخابات المحلية لمحافظة ميسان، انتخب السوداني محافظا لميسان في 21 أبريل/نيسان 2009.
عُيّن السوداني وزيرا لحقوق الإنسان بعد تشكيل حكومة نوري المالكي الثانية في 22 ديسمبر/كانون الأول 2010.
وفي منتصف 2011 كُلِّف بمهام رئيس الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة حتى أكتوبر/تشرين الأول 2012.
في 2013 كُلّف بمهام وزير الزراعة في حكومة المالكي الثانية، ثم وزيرا للهجرة والمهجرين عام 2014، ثم تولى إدارة مؤسسة السجناء السياسيين.
وانتهت مهامه في منصب مدير مؤسسة السجناء السياسيين في يناير/كانون الثاني 2015.
شارك في الانتخابات التشريعية عام 2014 لأول مرة ممثلا لمحافظة بغداد ضمن "ائتلاف دولة القانون" عن حزب الدعوة، وفاز بمقعد نيابي.
تولى منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية في الثامن من سبتمبر/أيلول في عهد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عام 2014، واستمر في منصبه 4 سنوات حتى انتهاء ولاية حكومة العبادي.
انتدبه العبادي وزيرا للمالية بين عامي 2014 و2015 لمدة محدودة، ثم تولى منصب رئيس هيئة رعاية الطفولة في البلاد، ثم عُيّن وزيرًا للتجارة للفترة الممتدة بين أكتوبر/تشرين الأول 2015 حتى 28 أبريل/نيسان 2016.
كُلّف بمهام وزير الصناعة في 14 أغسطس/آب 2016 بضعة أشهر.
انتُخب رئيسا لمجلس إدارة منظمة العمل العربية بالإجماع في العاصمة المصرية (القاهرة) بين عامي 2017 و2018.
وفي عام 2018 انتخب للمرة الثانية عضوا في البرلمان العراقي ممثلا "ائتلاف دولة القانون"، وشارك خلالها في العديد من اللجان البرلمانية، ثم أعيد انتخابه في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021 نائبا في البرلمان العراقي للمرة الثالثة على التوالي.
في يوليو/تموز 2022 قرر الإطار التنسيقي ترشيحه لرئاسة الوزراء في العراق.
التوجه الفكري
ينتمي السوداني إلى حزب الدعوة الإسلامية، وشارك مع الأحزاب المناهضة في "الانتفاضة الشعبانية" عام 1991، وهي مظاهرات واحتجاجات خرجت للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، عقب حرب الخليج (الفارسي)الثانية، وقد استطاعت السلطات العراقية آنذاك استعادة السيطرة على المدن التي شهدت هذه الاحتجاجات.
بعد عام 2003 استمر السوداني في العمل ضمن تنظيمات حزب الدعوة، ثم أصبح مقربا من رئيس الحزب نوري المالكي، الذي شكّل فيما بعد ائتلاف دولة القانون، ليتسلم خلالها العديد من المناصب في الوزارات والمسؤوليات.
بعد المظاهرات الشعبية التي انطلقت بالعراق في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019 قدم السوداني استقالته من حزب الدعوة الإسلامية ليشكل بعدئذ تيار "الفراتين السياسي"، وتولى منصب الأمين العام للحزب الجديد.
وفي 25 يوليو/تموز 2022 أجمعت قيادات الإطار التنسيقي (التكتل السياسي الذي يضم جميع الأحزاب العراقية الشيعية باستثناء التيار الصدري)، على ترشيحه لمنصب رئاسة الوزراء.
يعدّ السوداني من قيادات الصف الثاني من بين الساسة العراقيين، وينظر إليه الإطار التنسيقي على أنه من أكثر الشخصيات التي تتمتع بالخبرة في العمل التنفيذي نظرا لتوليه العديد من الوزارات والمسؤوليات بين عامي 2003 و2022.
الوظائف والمسؤوليات
في السنوات الست التي سبقت الغزو الأميركي للعراق عام 2003، عمل في مديرية الزراعة بمحافظة ميسان، وتسلّم مسؤوليات عديدة منها رئاسة شعبة زراعة منطقة كميت، ومنطقة علي الشرقي، وقسم الإنتاج النباتي.
كان المهندس المشرف على البرنامج الوطني العراقي للبحوث مع منظمة "الفاو" التابعة للأمم المتحدة قبل الغزو.
بعد عام 2003 عمل منسقا بين الهيئة المشرفة على إدارة محافظة ميسان وسلطة الائتلاف للقوات الأميركية عام 2003.
تولى بعد ذلك إدارة مسؤولية قائمقامية (عاصمة الدوائر الإدارية) في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان عام 2004.
تولى العديد من المناصب الوزارية (وزير حقوق الإنسان، وزير الزراعة، وزير العمل والشؤون الاجتماعية، وزير المالية، وزير الصناعة) والمسؤوليات بين عامي 2003 و2022.
الإنجازات
دخل العراق موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية عام 2014 باعتباره "أكبر رمز للسلام في العالم"، وكرّمت الدولة محمد الشياع السوداني لجهوده في تحقيق هذا الإنجاز.
المصدر : وكالات + مواقع التواصل الاجتماعي
لتكن لغة العاطفة في علاقتنا مع أبنائنا
د. عمرو خالد
في هذا الموضوع نتحدث عن علاقة الآباء بالأبناء، فنتحدث عن الأب والأُم، ونتحدث عن الشاب والفتاة، وعن أصل العلاقة، وعما يجمعهم، وعن اللغة التي نتحدث بها مع بعضنا البعض، وهل اللغة التي نتحدث بها مع أولادنا هي لغة المنطق؟ بالطبع، يجب أن نتطرق إلى هذا الأمر، وإذا لم يقلها الأب فمن يقولها؟ وإذا لم يوجه الأب أبناءه فمن يوجههم؟ الهدف الأساسي من هذا الموضوع إرساء قاعدة أنّ اللغة الأساسية التي يجب أن نبدأ بها هي لغة العاطفة، ثمّ بعدها أي شيء آخر تريده: لغة العقل، لغة المنطق، لغة المصلحة.. إلخ. لكن الذي نبدأ به هو لغة القلب، ففي القلب شيء يحدث، فيساعد العقل على الاستيعاب. وعلى الرغم من أنّ هذا المقال موجّه إلى الآباء والأُمّهات، إلا أنّه يخاطب الشباب أيضاً، ونسأله: أين هي عاطفتك لأبيك وأمك؟ ولماذا أغلقت قلبك تجاههما ووضعت سدّاً بينكم؟ فلتذهب إلى أمك ولتحتضنها وتقبّل رأسها، وتدللها بكلمات حلوة. لماذا يا إخوتي نكبت عواطفنا، وكأننا قذفناها منذ زمن في بئر عميقة؟ نحن اليوم نريد أن نقول إن أكثر ما يحرك العلاقات الإنسانية هو العاطفة. ولو أنك حاولت استخدام العقل والمنطق والمصلحة فقط، فلن تنجح. والدليل أن هذه الطرق لم تأتِ بنتائج مع أولادنا. فحاول يا أخي استخدام العاطفة. حاول ولو مئة مرة، فمن دون "الطبطَبة"، ومن دون عبارة "أنا أحبك يا بني"، ومن دون عبارة "أنا أحبك يا أبي"، ينقصنا الكثير. سبحان الله، فكأن الحضارة تتقدم والعاطفة تتراجع، كأنّ العاطفة لا تصلح إلا للحبيبة، أو العشيقة، ونسينا أنّ الله سبحانه وتعالى خلق الأسرة لتكون مكاناً لتفريغ هذه العواطف. فالهدف الذي خلقنا الله من أجله هو إصلاح الأرض. والله كريم رحيم، يعلم أن مهمة الأرض شاقة للغاية، والسماوات والأرض أشفقن منها، ففيها الخير والشر وإبليس، فأنشأ الله لنا شيئاً ليكون سكناً لنا وطمأنينة فقال سبحانه: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا..) (النحل/ 80). وطالما غرسنا في قلوبنا حب بعضنا البعض، وأنشأنا عاطفة رباعية: زوجان يحبان بعضهما البعض، أم تحب أولادها، أبٌ يحب أولاده، أولاد يحبون آباءهم فستتوافر لنا الراحة في مواجهة متاعب الحياة. وهذه قاعدة مدروسة منذ أيام آدم وحتى تقوم الساعة. وهذه المشاعر الأربعة مغروسة في الكائن البشري مادامت الشمس تطلع من المشرق وتغرب من المغرب. أضرب لكم مثلاً بشاب عمره ثمانية عشر عاماً، لديه قدر كبير من المشاعر والعواطف. ولظروف معينة لا يستطيع أن يتزوج. فلولا وجود الكيان المسمى الأسرة لاتجهت هذه المشاعر إلى الحرام. فبوجود الأسرة يستشعر دفئاً عاطفياً حتى يحين ميعاد زواجه. فبعض هذه المشاعر وليس كلها بالطبع، تكون موجهة داخل الأسرة، جزء منها للأُم، وجزء للأب والأخت والعم والخال. ولنتدارس معاً بعض الحوارات التي تدور بين الآباء والأبناء، حيث يقول الأب لابنه: "عندما كنا في مثل عمرك لن نكن نتصرف تصرفاتك هذه، كنا ندرك أين هي مصلحتنا. بالتالي نهتم بدروسنا، بينما أنت لا تستذكر دروسك لأنك لا تعي مصلحتك. وعلى فكرة، إذا نجحت فستنجح لنفسك، وأنا لن أستفيد من مذاكرتك شيئاً. فأنت الذي سيذاكر، وأنت الذي سيستفيد". وها هم الشباب يضحكون بينما كل كلمة قالها الأب صحيحة. فهو هنا تحدث مع ابنه بلغة المصلحة، ويجب عليه أن ينصح ابنه وإلا من سيفعل غيره؟ يقول الله عزّ وجلّ: (.. قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا...) (التحريم/ 6). فالكائن الوحيد الذي تمتد فترة تربيته إلى أكثر من عشر سنوات هو الإنسان. وانظر معي إلى بقية المخلوقات: شبل الأسد مثلاً يصبح قادراً على الصيد بعد سنة واحدة فقط، يصبح بعدها حرّاً، بينما الإنسان يستغرق عاماً ليتعلم الحبو، وآخر ليتعلم المشي، وهكذا. والسبب وراء مدة التربية الطويلة هذه احتياجه إلى شريط من الذكريات التي يعيشها مع الأسرة، التي ستمده بالحنان والعطف وعدم القسوة، لأنّه المخلوق المكلف بإصلاح الأرض. أمّا الابن فلن يرد على أبيه، لكنه سيحادث نفسه قائلاً: "ومن أخبرك أنني أريد أن أنجح؟ لا فرق عندي بين النجاح والرسوب". إذن، هناك شيء مفقود، فهذا النصح يجب أن يقال للابن حتى وإن لم يعجبه. لكن النقطة التي نتحدث عنها: كيف نقول هذا النصح؟ وبأي ترتيب؟ لذا يجب أن ننتبه للغة العاطفة في كلامنا. فإذا كنا نرفض من الابن حين نصحه أبوه بأن يقول حتى في نفسه: "أف، سيعطيني أبي محاضرة الآن"، فنحن أيضاً نرفض من الأب اللغة التي استعملها في حواره مع ابنه. مثال آخر للحوال: يقول أب لابنه: "أنا حريص على أن أمدك بالكثير من الخيرات التي لديّ، ولديك فرصة ذهبية لتستفيد منها، لكنك للأسف لا تفعل بل تلهو". إن كل كلمة قالها الأب صحيحة، لكنها أيضاً لغة العقل والمنطق والمصلحة، والمطلوب هذه الكلمات نفسها، لكن مغلفة بالعاطفة. مثال آخر للحوار: أم تقول لابنتها: "أنا لا يعجبني التصاقكِ ببصديقاتكِ هؤلاء، وأراهنكِ أنكِ لن تنجحي وأنتِ مستمرة في صداقتكِ مع فلانة". كل كلمة قالتها الأُم صحيحة. فهذه صديقة ستضيع ابنتها. لكن الفكرة: كيف تبدأ الحديث؟ وكيف تتحدث في هذا الأمر مع ابنتها التي ردت: "أصحابي ويعجبونني"، أو قد تكون قالت في نفسها: "ومن كنتِ يا أمي تصادقين وأنت في مثل سني؟" حتى هذا الكلام مع النفس حرام. لذا، ضع يدك في يد أبيك، وادعم كل صور العاطفة مع والديك. فلو جعلنا لغة العاطفة الرقم واحد في علاقاتنا مع أبنائنا، ستحل لنا مئات المشاكل، وتذيب الخلافات، فتبدأ الفضفضة، ويظهر الأب الصديق، ويصبح الاحترام والتقدير متبادلين، ويزيد الحب، وتصبح البيوت كما خلقها الله لتكون الجنة في بيوتنا فعلاً. فلنتفق جميعاً، على أن نغير المفتاح، وأن نبدأ بالعاطفة، والشباب أقدر مني على إصلاح هذه النقطة. أقول لكل شاب: مدّ يدك إلى أمك وأبيك، قبّلهما، قبّل أيديهما، اعرض عليهما الخروج للمشي معاً في يوم من الأيام. قل لهما: منذ زمن أريد أن أصحبكما معي، اعبد ربنا لعلّه يغفر لك بتقبيلك يد أم أو أب، بفتحك قلبك لهما. وفي النهاية، نلخّص ما سبق كله بتوجيه كلمة للآباء والأُمّهات في التعامل مع الشباب: إن قاعدة اليوم ليعود التآلف الأسري، هي لغة العاطفة قبل لغة العقل.
قصة لكل مرحلة عمرية.. أيّ حكاية ستحكيها لطفلك؟
شاكر بن الهاشمي بن حمودة
اهتمّ الانسان، منذ القدم، بالحكاية، فافتُتن بعالمها السِّحري الجذّاب وبشخوصها الأبطال، ومن ثمة أخذ يرويها للكبار والصغار في البيوت والساحات.
ومع اختراع الطباعة وانتشار الكتب ووسائل الاتصال الحديثة بشكل واسع، تعددت أشكال الحكاية وتنوعت طرق إخراجها، فاقتحمت حياتنا المعاصرة بقوّة، حتى أصبحت ضرورة ملحّة وحاجة نفسية تشبع رغباتنا وتُلهب خيالنا.
وانكبّت البحوث السيكولوجية الحديثة على دراسة محتوى الحكاية ومدى تأثيرها النفسي وقدرتها على إنماء شخصية الطفل وتغذية مكتسباته الذهنية ومهاراته اللغوية.
من أجل هذا صنّف علماء النفس مضامينها وأنواعها، ووضعوا لكلّ مرحلة عمرية قصة تناسب نموّه العقلي وتطوره النفسي.
مزايا قراءة الحكايات للأطفال:
عندما يحكي الأب أو الأُمّ قصة لطفلهما، تغدو عملية التواصل بينهما قويّة، فتتولد علاقات إيجابية تنعكس بصورة فعّالة على شخصية الطفل فيما بعد، ويمكن أن يغرسا فيه حبّ التعلق بالكتاب مستقبلاً، ومن بين تلك الفوائد نذكر:
- تحفيز الحواسّ:
يجب على الوالدين أن يُعوِّدا طفلهما منذ الصغر على ملامسة الكتاب وتقليب صفحاته، حتى وإن مزَّقه، فهذا ضروري لتنمية قدراته الحسّية والحركية. كما على الأبوين عند الشروع في القراءة أن يتفاعلا إيجابياً مع الحكاية من خلال تغيير نبرات الصوت أو محاكاة بعض الأحداث بالإشارات لإيقاظ حواسّ الطفل وجعله يتعايش فعلياً مع عالم الحكاية المثير.
- القدرة على الانتباه:
القارئ الذكي هو الذي يشدّ إنتباه الطفل ويسلب عقله الصغير، فيتركه حالماً ومجنّحاً في عالم القصّ، فيستعمل تقاسيم وجهه ونبرات صوته لتمثيل بعض الأدوار، حتى يندمج الطفل ويغوص كلياً في أحداث القصة.
- مهارة التواصل مع الكبار:
يستطيع قارئ القصة أن يشارك الطفل في تمثيل بعض المشاهد. كما يمكن أن يغنِّي له بعض الأناشيد المتعلقة بالحكاية.
- تعلُّم اللغة:
يمكن أن نلقي بعض الأسئلة على الطفل حتى نحفِّزه على التفاعل مع القصة، ونرسِّخ في ذهنه عبارات ومفردات تبقى عالقة في ذاكرته، مما يساعده على تقبل اللغة بسلاسة.
أصناف الحكايات لكل مرحلة عمرية:
- من الولادة إلى 18 شهراً:
في هذه المرحلة، يوفِّر الوالد لطفله كتباً مصنوعة من البلاستيك يستعملها وقت الاستحمام. كما توجد أنواع مختلفة من الكتب تساهم في إيقاظ أعضائه الحسّية الحركية، مثل الكتب الكرتونية ذات الصور الجذابة، أو الكتب التي تصدر أصواتاً موسيقية، فتخلق في نفسيته جوّاً من المرح عند سماع تلك الأغاني.
- من سنة ونصف إلى 3 سنوات:
يرغب الطفل في تمثيل حكاية بسيطة عبر استنطاق صورها، فيُعبِّر عنها بصفة عفوية غير متسلسلة. ولكي نحفزه على التعبير التلقائي، نلقي عليه بعض الأسئلة المتعلقة بالصور. ننصح الآباء بتقديم قصص ذات ورق عادي غير كرتوني، تحتوي على جُمل قصيرة وصور جذابة كبيرة الحجم. كما نركز أيضاً على القصص ذات الإيقاع الموسيقي المتصلة بمحيطه الأسري، وندرِّبه على أداء تلك الأغاني، مستعملاً اليدين (أغانٍ متصلة بالحيوانات الأليفة، أو بأعياد الميلاد).
- من 3 إلى 5 سنوات:
يُحبِّذ الطفل الحكايات الممتعة ذات الأحداث المشوقة، والتي لها نهاية سعيدة، حتى لا تشعره بالإحباط، مثل الحكايات الشعبية المحلية والعالمية (سندريلا، بياض الثلج و...). كما ننصح الوالد بأن يحتضن ابنه ويقرأ له قصة قصيرة، واضعاً إصبعه على المفردات، حتى يعي الطفل أنّ هناك تطابقاً بين الشفوي والكتابي. نوفِّر له قصصاً ذات معانٍ مشوقة وطريفة، أو قصصاً تاريخية مصوَّرة، كما يحبّ الطفل المجلات المصورة والحكايات الخرافية، أو القصص المتضمنة لحيوانات أو نباتات تتكلَّم.
- من 5 إلى 7 سنوات:
في هذه المرحلة يتمكَّن الطفل من قراءة قصة قصيرة، أو إعادة بعض مقاطعها بصفة سليمة. ونهدي له حكاية ذات جُمل قصيرة يمكن أن يطالعها بمفرده. ونشجِّعه على الاطلاع على المجلات المصورة، ونكافئه إذا روى لنا حكاية بأسلوبه الخاص. نقدِّم له حكايات خرافية وخيالية، أو قصصاً تعرِّف ببعض الحيوانات أو بوسائل النقل.
- من 7 سنوات فأكثر:
يتمكَّن الطفل من اكتساب مهارة القراءة عبر تعلُّمها في المدرسة، فيصبح قادراً على قراءة نصوص طويلة تتضمن مفردات صعبة، ونلاحظ أنّ تفكيره الإحيائي (الاعتقاد بوجود أرواح في الأشياء الجامدة) بدأ يتلاشى، فيصبح أكثر قُرباً وتمثُّلاً للواقع. ويرغب في الحكايات الخيالية ذات العالم السِّحري المليء بالمفاجآت. كما يمكن أن نقدِّم له قصصاً تعرِّف بعالم المهن أو الحيوانات أو السيارات، أو كتباً تكشف حياة الأرض أو الإنسان عبر التاريخ.
ومع تقدُّم الطفل في العمر وبالتحصيل الدراسي، يمكن أن يشغف أكثر بالكتب والحكايات، فيتضاعف زاده اللغوي ويتنوَّع منتوجه الأدبي، ويكون إتقانه لمهارة الكتابة أكثر نضجاً وتفتُّحاً فيصبح قادراً على تأليف بعض القصص بمفرده من خلال تخيل أحداثها وشخوصها، أو محاكاة بعض ما علِقَ في ذاكرته، إلى أن تتفتَّق موهبته كلياً في المستقبل، مما يخوِّل له أن يكون قارئاً متميزاً أو كاتباً مرموقاً يوماً ما.
* كاتب من تونس
أمن وسلامة أطفالنا وحمايتهم من الإرهاب
الأمن مبدأ مهم في حياة الإنسان، وهو أساس من أسس وجوده، ولا يتوافر الأمن للإنسان بمجرد ضمانه أمنه على حياته فحسب، فهو كذلك يحتاج إلى الأمن لعقيدته التي يؤمن بها ولهويته الفكرية والثقافية ولموارد حياته المادية، واستقراره وسعادته وأولاده، كما أنّ الشعوب تحتاج إلى الأمن الداخلي والخارجي لضمان الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فالأمن سواء كان داخلياً أو خارجياً ضروري للفرد وللمجتمع.
أصبح الإرهاب، وما يرتبط به من عنف وتطرف وترويع وجريمة منظمة، وما يستتبعه من خوف ورعب ومقاومة مسلحة واختطاف رهائن وطائرات وقتل وتدمير، أصبح من أهم سمات العالم المعاصر الذي نعيش فيه.. ففي كل يوم نجد أخبار الإرهاب تملأ الصحف والمجلات ونشرات الأخبار، وفي كل مكان على سطح الكرة الأرضية نجد حوادث الاختطاف واحتجاز الرهائن وقتلهم تجري وأصوات المفرقعات تدوي، وأصبح ضحايا الإرهاب في كل مكان بالمئات والآلاف، ولِمَ لا؟! فالإرهاب لا قلب له، ولا وطن يسكن ويستقر فيه، ولا وقت محدداً له، لأنك تجد بين الضحايا الغني والفقير، والمسيحي والمسلم واليهودي واللّاديني وعابد البقر، والطفل والشاب والرجل والشيخ العجوز والفتاة والمرأة، وقد يحدث الإرهاب والناس نيام لا حول لهم ولا قوّة، وقد يحدث في وضح النهار، لا تفرقة بين الآمنين والمسلحين، ولا تفرقة بين الهدف والضحية، الكل أمام خندق وميدان الإرهاب سواء بسواء.
وإذا كان الإرهاب قد استقرّ في وجدان الإنسانية منذ قديم الزمن، فقد واجهته البشرية منذ ظهوره، ومازالت تواجهه حتى الآن، إلّا أنّ هناك بعض الدول قد اكتوت أكثر من غيرها بنيران الإرهاب، وهناك من المجتمعات مَن وجَّه قوّته ووضع أولوياته لمواجهة الإرهاب، فإنّ هناك مجتمعات لم تحسّ بالإرهاب إلّا أخيراً، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التي ظنّت أنها بمعزل عن العالم ببُعدها عنه وبقوّتها الجبّارة وبأمنها المستتب، إلّا أنها صعقت يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001، بأنها في وسط المعركة، وأنّ نيران الإرهاب تجتاحها، فاستيقظت، وحاولت أخذ زمام المبادرة من جديد، وبدأت تقود حملة دولية لمكافحة الإرهاب بمفهومها هي، وهاهي مازالت تبدأ أولى خطواتها لمحاربة الإرهاب ومواجهته على المستوى الدولي.
وقبل أن نبدأ مقالنا هذا عن حماية أطفالنا من الإرهاب، يستحب أن نتعرف على بعض مفاهيم الإرهاب، وما تجسده من وضوح الرؤية:
- الإرهاب هو كل استخدام أو تهديد باستخدام عنف غير مشروع يتسبب في حالة من الخوف أو الرعب بقصد تحقيق تأثير أو السيطرة على فرد أو مجموعة من الأفراد أو حتى المجتمع بأسره وصولاً إلى هدف معيَّن يسعى الفاعل (الفرد أو الجماعة الإرهابية) إلى تحقيقه، كما أنّ العمل الإرهابي يتكوَّن من عناصر رئيسية لابدّ من توافرها، مثل: استخدام أو تهديد باستخدام العنف على وجه غير مشروع أو غير مألوف ويقوم به فرد أو مجموعة من الأفراد أو من الدولة ذاتها، ويوجه ضد فرد أو مجموعة من الأفراد أو ضدّ المجتمع بأسره ويهدف إلى خلق حالة من الرعب والفزع، ويبث رسالة ما ويخلق تأثيراً نفسياً معيناً يسمح بالتأثير على المستهدفين من العمل الإرهابي، وعادة ما يتجاوز العمل الإرهابي حدود الهدف المباشر الذي لا يكون له أدنى علاقة بقضية الإرهابيين.
- الإرهاب أحد مظاهر العنف الإجتماعي، وعليه فهو ظاهرة مركبة ومتعددة الأبعاد، يختلط فيها العنصر النفسي بالعناصر الإجتماعية والمادية والثقافية والسياسية والتاريخية، ولذلك نميل لتعريف الإرهاب بأنّه "التهديد باستخدام أو استخدام منهج منظم لكل ما من شأنه الإضرار البدني والفكري والنفسي والفسيولوجي والاجتماعي لبعض الأفراد أو لجسم المجتمع ولا يتطلب الإرهاب تحديداً دقيقاً للأهداف، حيث إنّ الآثار النفسية للعمليات الإرهابية غالباً ما تفوق الآثار المادية التي قد لا تكون مرتبطة بالقضية الأساسية، وعليه فإنّ الهدف التكتيكي للعمل الإرهابي هو خلق مناخ من الخوف والرعب يمكن القائمين على العمل أو التنظيمات التابعين لها من تحقيق أهداف استراتيجية يكون طابعها الابتزاز السياسي الذي قد يصل لمحاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة، وحينئذ يصعب التفريق بين مفهوم الإرهاب وبعض أشكال العنف السياسي".
- وإذا بحثنا عن معنى الإرهاب في القواميس اللغوية والمعاجم والموسوعات من أجل تكامل البحث عن هذا المفهوم، سنجد أنّ الإرهاب شملته أغلب هذه الموسوعات والمعاجم والقواميس، وأشارت إليه على النحو التالي:
- ففي المعجم الوجيز، أرهب فلاناً أي خوفه وفزعه، و"الإرهابيون" وصف يطلق على الذين يسلكون سبل العنف والإرهاب لتحقيق مطامعهم وأهدافهم السياسية.
- وفي معجم "مختار الصحاح"، نجد أنّ رهب أي خاف، ويقال رهبوت خير من رحموت، أي لأن ترهب خير من أن ترحم، وأرهبه واسترهبه أي أخافه.
- وفي موسوعة السياسة، يتضمن معنى الإرهاب "استخدام العنف غير المقنن أو التهديد باستخدامه بمختلف أشكاله وصورة كالاغتيال أو التشويه أو التعذيب أو التخريب أو النسف، وذلك بغية تحقيق هدف سياسي معين، وهو بشكل عام وسيلة من وسائل الحصول على السلطة أو المعلومات أو المال واستخدام الإكراه للوصول لإخضاع الآخرين".
- وفي القاموس السياسي، يشار إلى معنى الإرهاب بأنه "محاولة نشر الذعر والفزع لأغراض سياسية، كما أنّ الإرهاب وسيلة تستخدمها حكومة استبدادية لإرغام الشعب على الخضوع والاستسلام لها كحكومة الإرهاب إبان الثورة الفرنسية عام 1793".
- وفي قاموس العلوم الاجتماعية، يتضمن معنى الإرهاب ما يلي: "هو نوع خاص من الإستبداد غير المقيد بقانون أو قاعدة ولا يعير اهتماماً بمسألة أمن ضحاياه، وهو يوجه قوّته إلى أهدافه المقصودة بقصد خلق جو من الرعب والخوف وتقليل فعالية الضحايا ومقاومتها".
- وفي المعجم العربي الحديث، نجد أنّ كلمة إرهاب تعني "الأخذ بالتعسف والتهديد"، كما أنّ الحكم الإرهابي هو "الحكم القائم على أعمال العنف".
- بينما تشير كلمة إرهاب في قاموس إكسفورد إلى "أي شخص يحاول أن يدعم آراءه بالإكراه أو التهديد أو الترويع".
ومن هنا، نتبع أهمية حماية أطفالنا من الإرهاب وضمان أمنهم وسلامتهم، ولِمَ لا؟! فالأطفال هم الأمل وفلذات الأكباد ولابدّ أن نضعهم في منظورنا، من أجل حمايتهم من كل أنواع العنف والإرهاب والترويع والتطرف: فحماية أطفالنا من الإرهاب وضمان أمنهم وسلامتهم مسؤولية تقع على الجميع، لأن حماية الأطفال من الإرهاب تعني حماية المستقبل وحماية الأمل، وحماية الأطفال من الإرهاب هي حماية مزدوجة، أي وقاية وأمان من العمليات الإرهابية، وعلى الأسرة دور كبير في حماية أطفالهم من الإرهاب؛ ولكن هناك دوراً أيضاً للكبار والأُمّهات والمعلِّمات والمشرفات، لأنّ الجميع مسؤول مسؤولية كاملة عن أمن الأطفال وحمايتهم ضد أي إرهاب محتمل، وذلك بتأمينهم وإزالة الخوف عنهم وتحفيزهم للدفاع عن أنفسهم وغير ذلك من طرق حماية الطفل وأمنه، ومنها:
- لابدّ أن تعلم الأُم ويعلم الأب أنه مهما كان المكان الذي يعيشان فيه، فإنهما مسؤولان عن أمن أطفالهما، لأنهم مجرد أطفال والكبار مسؤولون عن تأمين كل الأنشطة التي يقومون بها، ولابدّ أن يعلم الجميع أنّ الأب أو الأُم لن يكونا مع الأطفال طوال الوقت، وبالتالي عليهما تعريف الأطفال بكيفية التصرف في مختلف المواقف، خاصة تلك المواقف التي تتطلب منهم اتخاذ قرار ما، من هنا ينبغي عدم إخفاء الحقائق عن الأطفال، كما ينبغي أن نناقش معهم الأمور المتعلقة بأمنهم وأمن الأسرة عامّة، ولابدّ من التأكد من أنهم يتفهَّمون ويقدِّرون الحاجة إلى برنامج الأمن الشخصي، ومن ثمّ فإنّ تأمين ومتابعة نشاط الأطفال عند الانتقال للمعيشة أو العمل في بلد آخر لا يمثل شيئاً جديداً أو غريباً، وكل ما هنالك أنّ الأب والأُم مطالبان بزيادة الحذر عندما تكون الأسرة في بيئة بها نشاط إرهابي.
- وقد يتطلب الأمر الحد من بعض الأنشطة التي يقوم بها الأطفال، والنصيحة تكون بمعاملة الأطفال كأنهم كبار في كل ما يتعلق بأمن الأسرة، فيمكن شرح أسباب الحد من أنشطة معينة يودّ الأطفال القيام بها، لأنهم إذا تفهَّموا الأمر فسينفذون التعليمات. أمّا إذا حدث العكس، فقد يراودهم إحساس بأنهم يتعرضون لظلم أو تعسف أو قيود غير ضرورية، أو قد يرون في تلك القيود مجرد عقاب يوقع عليهم. ومن هنا، تأتي الكوارث. وعلى ذلك، فإنه من الضروري أن يفهم كل فرد من أفراد الأسرة أنّ الحياة في بيئة إرهابية، أو قريبة من موطن إرهابي، ستكون مختلفة عنها في بيئة عادية، وأنها تتطلب تضحيات من كل منهم بمن فيهم الأطفال.
- وحيث إنّ الأطفال يمضون معظم وقتهم في المدارس، فإنّ علينا أن نجد لهم مدرسة لا تقدم التربية الجيدة فحسب، وإنما توفر لهم أمناً جيداً كذلك، وينبغي الاتفاق مع إدارة المدرسة على عدم السماح للتلميذ بمغادرتها إلّا بعد الاتصال بوالديه أو الشخص الذي يحدده الوالدان لتسلم التلميذ من المدرسة خلال ساعات الدراسة، وعلى إدارة المدرسة أن تتأكد من شخصية أي إنسان يطلب من خلال التليفون السماح لتلميذ معين بالخروج قبل انتهاء اليوم الدراسي. وإذا راود الإدارة أي شك، فعليها ألّا تسمح بخروج التلميذ بأي حال من الأحوال. وإذا خرج التلاميذ في رحلة أو غيرها، فينبغي أن تقوم إدارة المدرسة بمراقبة الأشخاص، الذين يتسكعون حول المدرسة أو بالقرب منها، فإذا اشتبهت في أي منهم، فينبغي إبلاغ الشرطة فوراً، على أن تزودهم بأوصاف الشخص المشتبه فيه.
- عليكم أن تنصحوا أطفالكم باتخاذ خطّ السير الذي ترونه أكثر أمناً من وإلى البيت والمدرسة، وأكثر خطوط السير أمناً هو ذلك الذي يمر بشوارع مليئة بالناس والأطفال الآخرين.
- ينبغي التعرُّف على أصدقاء الأطفال ومراجعة خلفياتهم وأسرهم وعائلاتهم، كما ينبغي أن تخضع أنشطة الأطفال خارج المنزل للضوابط نفسها التي يخضع لها نشاط الكبار خارج المنزل، إذ يتعين على الأطفال أن يحذروا الذهاب إلى أماكن ومناطق مجهولة بالنسبة إليهم، خاصة في أوقات معينة من النهار أو الليل، وكل ذلك يوفر لهم قدراً من الحماية إزاء الهجمات الإرهابية العشوائية ضدّ الأطفال أو الفتيان، ومرّة أخرى ننصح بمراجعة نشاط أطفالهم خارج البيت، وأن تعمل بقوّة وحزم على الحد من الأنشطة التي تنطوي على أخطار مختلفة على حياتهم.
- ونلاحظ أنّ الأطفال يملكون ذكاء وقدرة على التصرف أكبر مما يراه آباؤهم وأُمّهاتهم فيهم، فالأطفال في بعض الأحيان يستطيعون اتخاذ القرار السليم في الوقت السليم، ويكتسب الأطفال، بمرور الوقت، مهارات جديدة تمكِّنهم من النجاة مما قد يتعرضون له من أخطار؛ ولكنّ المشكلة تكمن في قلة الخبرة وعدم القدرة على التصرف إزاء موقف يواجههم لأوّل مرّة، ولذلك، فهناك ضرورة لتزويدهم بما هو ضروري وملائم من المعلومات، ولابدّ من منحهم الثقة وجعلهم يثقون في قدرتهم على التصرف السليم.
- لابدّ من العلم بأنك إذا نجحت في تنفيذ برنامج الأمن الشخصي، فإنّ أطفالك سوف ينعمون بإقامة طيبة أينما كانوا، وبطفولة سعيدة أيضاً.
- عليك أن تشجع أطفالك على التحدث إليك عن أي مشكلات أو أُمور تتعلق بالأمن، ولابدّ من تحذيرهم من الاقتراب من أي سيارة غريبة أو الدخول فيها، بل يجب تحذيرهم من الخروج مع أي شخص يدّعي أنه جاء من طرف الأبوين ليأخذهم من المدرسة أو من عند الأصدقاء.
- لابدّ من تحذير الأطفال من عدم اللعب في أماكن خالية أو مهجورة، ولابدّ من تشجيعهم على اللعب مع أطفال آخرين.
- بالنسبة للأطفال الأكبر سناً، قد يتركون المنزل وحدهم ولو لفترة وجيزة، فلابدّ من متابعة سيرهم ومواعيدهم بدقة للاطمئنان.
- يتم تنبيه الأطفال بعدم تزويد أي متحدث على التليفون بأي معلومات خاصة عن أسمائهم وعناوين سكنهم، وعليهم في كلّ الحالات ألّا يخبروا المتحدث بأنهم وحدهم في المنزل، ومن الأفضل عدم قيام الأطفال بالرد على الهواتف إلّا إذا كان هناك اتفاق على مكالمة معينة في وقت محدد.
- ابتداء من سن الرابعة أو الخامسة ينبغي أن يعرف الأطفال كيفية طلب الشرطة تليفونياً لطلب النجدة، والتأكد من وجود أرقام الطوارئ قريبة من جهاز التليفون في مكان واضح، ولا يترك الأطفال بمفردهم دون تحديد الشخص الذي يمكنهم الاتصال به في حالات الطوارئ، اترك لهم رقم تليفونك وتليفون مَن تثق بهم.
- لابدّ أن يعرف الأطفال الأشخاص المسموح لهم بدخول البيت أثناء غياب الأب أو الأُم، والتأكيد عليهم بعدم دخول الغرباء المنزل لأي أمر كان.
- ضرورة إعداد خطة لمواجهة أي أمر لا يطيب للإنسان التفكير فيه، مثل اختفاء الطفل أو الطفلة، ولابدّ من التنبيه على المدرسة بإخطارك فوراً في حال عدم حضور طفلك للمدرسة أو تأخره لأي سبب كان.
- وهناك العديد من الإرشادات لحماية الأطفال من الإرهاب، ومنها: ترك أبواب غرف الأطفال مفتوحة حتى يمكن سماع أي صوت غير عادي يحدث فيها، عدم ترك الأطفال الصغار بمفردهم في المنزل، التنبيه على الأطفال بغلق الأبواب والنوافذ وعدم السماح لأي غريب أو غير معروف لديهم بدخول المنزل نهائياً بأي حجة مثل فحص الكهرباء أو المياه أو الهاتف إلّا بعد موافقة الأب أو الأُم، وتعريف الأطفال كيفية الاتصال بالشرطة في حال وجود أشخاص يحاولون اقتحام المنزل أو وجود غرباء يحومون حول المنزل، وضرورة الإضاءة الجيدة للمنزل، والتنبيه على الخدم بعدم السماح للغرباء أياً كانوا بدخول المنزل، والإشراف الكافي من المشرفين على كل الأنشطة المدرسية، وتنقل الأطفال في مجموعات أو أفواج أثناء الرحلات والزيارات، ورفض مرافقة أي غريب أثناء هذه الرحلات، واستخدام المناطق المخصصة للعب لحماية الأطفال، والإبلاغ عن الأشخاص الذين يضايقون الأطفال وتوفير تليفونات محمولة للاطمئنان الدائم على الأطفال أثناء الرحلات، والبُعد عن أماكن المشاجرات والصراعات والمشاحنات والعصابات والمظاهرات والعنف والاضطرابات بأي صورة من الصور، وغيرها من الوسائل.
تعاطي القرآن مع البُعد الإعلامي
في نظرة عامّة على تعاطي القرآن مع البُعد الإعلامي، يمكن إستخلاص المبادئ أو المعايير الحاكمة للإعلام الموثوق، في ظل انتشار وسائل الإعلام المُضللة والمتلاعبة بالعقول، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان/ 6).
والإنصاف يقتضينا أن نفرز (الخبيث) من (الطيِّب)، فالإعلام اليوم يلعب دوراً مزدوجاً (تخريبياً) بإفساد الأخلاق وتمييع القيم وهدر الكرامات، و(بنائياً) بما يسهمُ في رفد العقل والذوق والثقافة الإنسانية.
إنّ أهم ما يُطالعنا على شاشة القرآن من معايير إعلامية:
1- تقصّي الخبر من مصادره:
مثاله، قصة مرافقة أُخت موسى ومتابعتها لمآل الصندوق الذي أودعت أُمّها فيه أخاها، فلقد تَقصَّت أثره من حين إنطلاقه وإلى حين عودته إلى أُمّه، فكانت مراسلاً صحفياً وإعلامياً مُطّلعاً وعليماً وموثوقاً، قال عزّوجلّ: (قَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) (القصص/ 11).
2- الصِّدق والدقّة في نقل الخبر:
مثاله، قصة ذهاب الهُدهد إلى سبأ وإطلاعه عن كثب على أُمور المملكة وعبادة الناس للشمس هناك، وأنّ امرأة تحكمهم ولها قدرات هائلة وعرش عظيم، ونقل الخبر بحذافيره إلى سيِّده سليمان (عليه السلام)، قال تعالى على لسان الهُدهد: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (النمل/ 22).
3- التبنِّي والتحرِّي من صحّة الخبر:
قال تعالى على لسان سليمان (عليه السلام) عندما سمع خبر المملكة السبأية: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (النمل( 27
وفي معيار عام، يقول جلّ جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات/ 6)
4- السعي لنشر فضيلة الخير والصلاح والهداية:
ومثاله (حبيب النجّار) الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، قال تعالى: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) (يس/ 20-27)
5- التحرُّز والتحرُّج من كتمان الحقائق وبترها:
قال تعالى عن اليهود الذين كانوا على علم واطلاع بأنّ نبيّاً سيظهر بمواصفات محدودة في كتابهم، وكانوا يستفتحون به، وينتظرونه حتى إذا جاءهم لم يُكذِّبوه فقط، بل أخفوا كلّ تلك الأدلّة والبراهين التي كانوا يُروِّجون لها قبل بعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة/ 174)
المصدر:البلاغ