
emamian
الزكاة.. ضرورة من ضرورات الحياة
كلمة زكاة أصلها زَكَا ومعناها الخلوص، ويقال لها: عشر الغلّات، أو الصدَقة، وهي واجبة بحسب الشريعة، ويُعتبَر أداءُ هذه الفريضة بمنزلة إشراك الفقراء والمحتاجين في قسم من النعم والمواهب الإلهية التي وهبها الله للإنسان، وهي وسيلة لتطهير تلك المواهب والنعم، ويتمّ عادة إعطاءُ أموال الزكاة إلى حساب بيت المال لصرفها في المنافع والمصالح العامة من بناء المدارس والمستشفيات ودُور الأيتام، وأمثال ذلك.
إنّ من يعرف الآدابَ والرسوم اليهودية والمسيحية يدرك جيداً الشَّبَهَ الواضح والكبير بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة (الإسلام والمسيحية واليهودية) في استفادتهم من عُشر الغلّات كلمة (tithe) التي تستعمل في المسيحية مأخوذة من كلمة إنكليزية قديمة بمعنى عشر، لكنّ هذه الرسوم ترجع إلى دين اليهودية في شريعة (mosaic) إذ يفرض عشر الغلّات لأجل دعم اللاويين ودوُرِ العبادة.
جاء في العهد القديم: (لقد أعطيتُ عُشْرَ مالِ إسرائيلَ لبني لاوي بدلاً عن الخدمة التي يُسدُونها).
وبعد ذلك أصبحَت الكنيسةُ الكاثوليكية تتبنّى هذا النوع من الرسوم، وتصرّفه في دعم الفقراء والشخصيات الروحية في الكنيسة، ففي القرن السادس الميلادي دخل هذا الرسم في قوانين الكنيسة وأصبح مؤيداً من قِبَلها.
إنّ أكثر ما كان يُصرف في القرون الوسطى من تزيين وترتيب للكنائس كان يؤمَّن من ذلك المورد، وكان مارتين لوثر مؤيداً لدفع عشر المال إلّا أنّ الثورة الفرنسية ألغَت ذلك، وفي أمريكا أيضاً لم يفعّل هذا الإجراء إلّا على يد (المُوْرمون)[1].
وعلى العموم إنّ من ينظر إلى المسيحية الغربية في دفع عشر المال يكتشف أنّ ذلك يناظر إلى حدّ ما الزكاة عند المسلمين، وإن كان مقدار ذلك يختلف في اليهودية والمسيحية والإسلام.
إنّ الشريعة وعلاوةً على دفعهم الزكاةً عندهم ضريبة دينية أخرى باسم الخُمْسِ، ومن جهة أخرى، فإنّ خيرات كثيرة أخرى اعتاد المسلمون على إعطائها ودفعها، من ضمنها الصدقة والفطرة، إلّا أنّه لا يجب الخلط هنا بينها وبين الزكاة الواجبة، الأمر الذي يُعدّ ركناً من أركان الإسلام.
إنّ الشريعة عموماً تشجّع على الإيثار والبذل في سبيل الله، والمسلمون متفقون مع حكم الأناجيل الذي يقول: (إنّ الإعطاء والبذل أيمنُ وأفضلُ من الأخذ).
في الواقع إنّ الكثير من نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الإسلامي تؤمَّن من المشاريع الخيرية المختلفة كالمؤسسات الوقفية ذات الأحكام الخاصة في الشريعة الإسلامية، وقد أدّى وجودُ مثل هكذا مؤسسات على مدى تاريخ الإسلام إلى إيجاد الدوائر التربوية والصحية كالمدارس والمستشفيات، واليوم، وإن كان الوقف بيدِ الحكومات الإسلامية إلّا أنّ استمرار هذا الوقف من ناحية تراثية كالصدقات في أمريكا جهة معيّنة خارج الحكومات مع وجود فارق، وهو أنّ الوقف في العالم الإسلامي ذو صبغة دينية دائماً.
الهامش:
[1]- أتباع فرقة دينية باسم (Mormonism) أسسها جوزيف سمث حوالي سنة 1830م.
المصدر: كتاب قلب الإسلام (قيم خالدة من أجل الإنسانية)
الرئيس الايراني: أكثر نشاطاتنا الدبلوماسية ستكون مع دول الجوار
اعتبر رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية آية الله ابراهيم رئيسي رفع مستوى العلاقات والتبادل التجاري والاقتصادي مع الدول الجارة من اولويات الحكومة، مؤكدا بان الدبلوماسية الاكثر فاعلية للحكومة ستكون مع دول الجوار.
وقال الرئيس رئيسي في تصريحه خلال اجتماع الحكومة الیوم الاربعاء: ان الدبلوماسية الاكثر فاعلية للحكومة يجب ان تكون مع الجيران ولابد من بذل كل الجهود لرفع مستوى التجارة والتعاون الاقتصادي معهم نظرا لتوفر ارضيات مناسبة لتعزيز هذه العلاقات وزيادة حصة ايران في التبادل على الصعيد الاقليمي.
وفي الاشارة الى الاحداث الاخيرة في افغانستان اعتبر آية الله رئيسي ما حدث فيها خلال العقدين الاخيرين على الاقل لوحة ناطقة للعدوان والانتهاك الصارخ لحقوق الانسان في العصر الراهن وقال: لو اخذنا بالاعتبار فقط عدد النساء والاطفال الذين قُتِلوا او جُرِحوا او اصيب بعاهات خلال هذه الاعوام في افغانستان سنرى عمق الكارثة التي مرت بها بصمت.
واكد رئيس الجمهورية بان تجربة التواجد الاميركي في مختلف دول ومناطق العالم تثبت بان هذا التواجد لم يخلق الامن اطلاقا بل كان على الدوام مخلا بالامن والاستقرار واضاف: ان الاميركيين بهذا الماضي والاداء وبدلا من ان يتحملوا المسؤولية في محكمة الراي العام العالمي يبادرون بذرائع مختلفة لاثارة الاجواء ضد الدول الاخرى.
واضاف: ان الاميركيين اليوم يثيرون الاجواء ضد بلادنا بذريعة بعض القضايا الا ان الردود عليها متاحة وانني هنا اطلب من الاجهزة المسؤولة ومنها الاذاعة والتلفزيون للرد بصورة مناسبة على هذه الاتهامات الفارغة.
وفي جانب اخر من تصريحه اشار الى الهواجس التي كانت موجودة بشان احتياطيات السلع الاساسية في البلاد وقال انه تم رفع هذه الهواجس من خلال المتابعات التي اجريت، مجددا التاكيد على الوزارات بالرصد الدقيق لاوضاع السوق وعدم السماح بوقوع اي تعد على حقوق المنتجين والمستهلكين في سلسلة توفير السلع من الانتاج حتى الاستهلاك.
وفيما يتعلق بقضية كورونا اعتبر رئيس الجمهورية زيادة التطعيم باللقاح ضد المرض بانها جديرة بالتقدير لكنها غير كافية وقال: ان الوصول الى المستوى المطلوب من التطعيم العام يعد احد التمهيدات الضرورية لازدهار الاعمال واعادة فتح المدارس والمراكز العلمية والجامعية في البلاد.
واكد رئيس الجمهورية قائلا: لقد تلقينا اخبارا جيدة حول زيادة واردات اللقاح والانتاج الداخلي للقاح بالتزامن معا وهو امر يبعث على السرور.
وصرح انه وفي ظل جهود وزارة الصحة وتعاون الاجهزة المعنية فقد تضاعف عدد مراكز التطعيم 2 او 3 اضعاف وقال: نامل من خلال توفير اللقاحات اللازمة عبر الواردات والانتاج الداخلي باعادة فتح المراكز التعليمية على وجه السرعة ولو تاخر الوصول الى الحد المطلوب فان اعادة فتح المدارس ستتاخر ايضا.
الاحترام في مدرسة القرآن
في مدرسة القرآن دروس كثيرة وغنيّة في تعليم التالي للكتاب (المتتلمِّذ على يديه) كيف يحترم الآخر (موالفاً) أم (مخالفاً).
ففي حين ينتقد القرآن أهل الكتاب الذين لا يحترمون بعضهم بعضاً، ويرى كلُّ أهل كتاب أنّهم أرقى وأفضل ديناً ومقاماً عند الله من غيرهم، وأنّهم (أي الطرف الآخر) ليس على شيء، كما في اتّهام اليهود للنصارى أنّهم ليسوا على شيء، وكما في اتّهام النصارى اليهود أنّهم ليسوا على شيء، وفي حين ينهى القرآن عن السخرية والاستخفاف بالآخر عسى أن يكون خيراً من الساخر عند الله، وأن لا ينظر نظرة دونية أو ازدرائية إلى مَن هم (بُسطاء) أو ما يصطلح عليهم وجهاء قوم نوح بــ(الأراذل)، وأن لا يرى أهل الأديان السابقة أن لا سبيل عليهم في الأُمّيين (أهل مكّة)، فيعمدون إلى انتهاك حقوقهم، أو يبيحون الاعتداء عليهم والسرقة منهم، أو التجاوز عليهم بأي نحو من أنحاء التجاوز والافتراء..
وفي حين يُحدِّثنا القرآن عن استغراب (شُعيب (ع)) احترام قومه لبعض الأشخاص الذين كانوا معه، من دون أن يحترموا موقعه كــ(نبيّ)، وشأنه باعتباره ممثلاً للسماء، ومقامَهُ بصفته داعيةً إلى الله وإلى ما ينفعهم..
وفي حين يُعلِّمنا القرآن أنّ مخاطبة النبيّ (ص) ومناداته، ومسارّته (مناجاته) يجب أن تكون بشكل لائق محترم يتناسب ومقام النبوّة، فلا يُنادى من وراء الحجرات، وأن تُحترَم خصوصيته البيتية، فلا يُطيل المدعوون إلى ضيافته الجلوس عنده، وأن لا يحادثوه في ما يجمل وما لا يجمل، وبما يستحقّ وما لا يستحقّ من أحاديث تشغله أو تصرفه عن اهتماماته وشؤونه النبويّة والمجتمعية والتعليمية الأُخرى.
في مقابل كلّ ذلك، يُلفت القرآن النظر إلى احترام المقام والشأن والدرجة، وتعظيم مَن حقّهُ التعظيم: ﴿مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلهِ وَقَارًا﴾ (نوح/ 13)، لا بمعنى التوقير البينيّ أي بين بني الإنسان نفسه، بل بما يستحقّه مقام الربوبية من تعظيم، وإجلال، واحترام، وإكبار، بحيث لا يعيش الإنسان المعصية في حضرة (الشاهد) و(الحاكم) معاً، ويجعل الله تعالى أهونَ الناظرين إليه، وأخفَّ المطّلعين عليه.
ويلفت الانتباه إلى احترام مقامات النبوّة كلّها، بل احترام وصايا الأنبياء في (المودّة في القربى)، واحترام مقام (الوصيّ) و(الوليّ)، كما احتُرِم مقامُ النبيّ.
بل، إنّ القرآن يُلفت العناية إلى احترام الحيوان،كما في احترام سليمان (ع) للنمل فلم يُحطِّم مساكنها، واحترام الكتاب (الرسالة) الواردة من شخص مرموق، كما في احترام (بلقيس) ملكة سبأ لرسالة سليمان (ع) واهتمامها البالغ بها، بالتعاطي معها على أنّها (كتابٌ كريم).
وكما في احترام الوقت والموسم والحال، قال تعالى في صيد المُحرِم: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ (المائدة/ 96)، وقال سبحانه في الهدنة: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا﴾ (التوبة/ 37)، وقال جلّ جلاله في الصوم: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ (البقرة/ 187)، وقال عزّوجلّ في حُرمة معاشرة النِّساء في المساجد لأنّها أماكن مخصوصة للعبادة: ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ (البقرة/ 187)، وفي احترام المال وعدم إعطائه للسفيه الذي لا يُحسِن التصرُّف به (أيّ إنّه لا يحترمه)، يقول تعالى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ (النِّساء/ 5).
وهكذا في عدم مقاربة النِّساء في المحيض، وفي كتابة الدَّين وتوثيقه، وفي أي حكم إلهيّ أو تشريعيّ.. وبمعنى آخر، فإنّ للحلال والحرام - كما في الكتاب الكريم - حرمتهما، وأي تجاوز عليهما يعدّ اعتداءً أو تعدّياً على حدود الله (شريعته)، والمراد بالحُرمة في أحد أهم معانيها الاحترام: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ (الحجّ/ 30).
وإذا كان القرآنُ - كما في خطاب الله تعالى – يُعلِّم موسى (ع) أن يخلع نعليه لأنّه في الوادي المقدّس (طوى) احتراماً للموقع الذي تجري فيه مكالمة الله، فإنّ في ذلك درساً لاحترام المواقع المقدّسة الأُخرى أيضاً في أن لا ندخلها منتعلين.
وكما أنّ من آداب احترام التلاوة لآيات الله في كتابه المجيد أن يتطهَّر الإنسان: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة/ 79)، فإنّ التزام الطهارة في عموم العبادات، وإن لم يكن واجباً في بعضها، فهو من باب احترام العمل الذي يُقبلُ الإنسان عليه، زيارةً للكعبة المشرَّفة، أو المسجد النبويّ، أو أي مرقد مُبجَّل ومُحترم عند المسلمين، أو لأي عمل صالح عبادياً كان أم غير عبادي.
وفي الجملة، فإنّ القرآن كتابُ الاحترام بامتياز، يدعو إلى احترام القيم والأخلاق والعلاقات البينية المبنية على رباط مقدّس، كالزوجية، والأخوّة الإيمانية، واحترام أصحاب الديانات الأُخرى ممّن لا يناهضون ويعادون ويضطهدون المسلمين، بل يدعو القرآن إلى التعامل بالبرّ والعدل معهم: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾ (الممتحنة/ 8).
ومن خلال هذا الاستعراض السريع وغير المستوفي لكلِّ إشارات القرآن للاحترام، نخلص إلى أنّ القرآن يعتبر (الاحترام)، وإن لم يرد فيه تعبيرٌ باللفظ، قيمةً من القيم الأساسية التي تُشادُ عليها الحضارات والمجتمعات الإنسانية الربّانية، والأمثلة التي استللناها من مدرسة القرآن ومنهجه العظيم، للدلالة لا للحصر، وبإمكان كلّ قارئ للقرآن أن يجد احترامات القرآن مبثوثة في كلّ مكان، سواء في خطاب الأنبياء لأقوامهم، أو خطاب الأبناء لآبائهم، أو خطاب الآباء لأبنائهم، أو في مخاطبة أهل الكتاب، أو المختلف والمخالف الآخر عموماً لاسيّما من خلال قاعدة الانطلاق من المساواة مع المُحاوَر أو المُخاطَب: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ (سبأ/ 24)، وليس بين أيدينا احترامٌ للمختَلِف أشدَّ من احترام القرآن لهما.
إلّا أنّ القرآن يُقرِّر أيضاً قواعد للخيرية والأفضلية واحترام الأكثر علماً وعملاً وتقوىً وأخلاقاً: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات/ 13)، وما دعوةُ القرآن المفتوحة لــ(التعارف) إلّا دليلٌ آخر على أنّ منطق القرآن هو احترام الاختلافات لما يترتَّب عليها من فوائد ومردودات طيِّبة على المجتمع الإنساني عموماً.
الإمام زين العابدين(ع).. ترسيخ لقيم سامية جاهد من اجلها الحسين (ع)
تمر اليوم 25 محرم الحرام ذكرى استشهاد رابع ائمة اهل البيت عليهم السلام الإمام علي بن الحسين زين العابدين على يد الخليفة الاموي الوليد بن عبدالملك حين دس اليه السم عام 95 للهجرة.
-الإمام علي بن الحسين عليه السلام، هو رابع ائمة اهل البيت (سلام الله عليهم) وجدَه الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب وصيِّ رسول الله صلی الله عليه وآله واول من اسلم وآمن برسالته وكان منه بمنزلة هارون من موسی كما صح في الحديث عنه، وجدته فاطمة الزهراء بنت رسول الله(صلی الله عليه وآله) وبضعته وفلذة كبده وسيدة نساء العالمين، كما كان ابوها يصفها، وابوه الامام الحسين(ع) احد سيدَي شباب اهل الجنة سبط الرسول وريحانته.
لحكمة الهية باللغة، بقي الامام علي بن الحسين(ع) حيا بعد المجزرة الدموية الاموية التي حلت ببيت الرسالة في كربلاء، في وضع مأساوي وصفه الامام السجاد(ع) ذاته في جوابه (للمنهال بن عمر) حين سأله، كيف امسيت يا أبن رسول الله؟ قال (سلام الله عليه): (أمسينا كمثل بني اسرائيل في آل فرعون، يذبَحون أبناءهم ويستحيون نساءهم). ولقد نجا عليه السلام بقدرة الله تعالی، في حين كان عمره يومها ثلاثا وعشرين سنة، فقد كان المرض الذي استبدَ به لاسقاط واجب الجهاد بالسيف عنه.
وقد قدر للإمام زين العابدين أن يتسلّم مسؤولياته القيادية والروحية بعد استشهاد أبيه عليه السلام، فمارسها خلال النصف الثاني من القرن الأول، في مرحلة من أدق المراحل التي مرّت بها الأمة وقتئذ، وهي المرحلة التي اعقبت مرحلة الفتوح الاولى، فقد امتدّت هذه المرحلة بزخمها الروحي وحماسها العسكري والعقائدي، فزلزت عروش الأكاسرة والقياصرة، وضمت شعوبا مختلفة وبلادا واسعة الى الدعوة الجديدة، واصبح المسلمون قادة الجزء الاعظم من العالم المتمدن وقتئذ خلال نصف قرن.
وجاء دور الإمام السجاد عليه السلام بعد استشهاد أبيه الامام الحسين (سلام الله عليه) مباشرة، ليقوم بما عليه في هذه المرحلة، والتي تمثلت بدوره الإعلامي من خلال إظهار الجانب المفجع والمأساوي لما حدث في كربلاء وما صنع الأعداء بأهل البيت (سلام الله عليهم) من ذبح وسبي، والإمام لم يقم بذلك من اجل العبرة فقط ولكن لكي يستطيع بعمله هذا ترسيخ الفاجعة في أذهان الناس ومن خلال ذلك يثير لدى الناس نتائج الطف السامية وترسيخ القيم الاسلامية التي جاهد من اجلها الامام الحسين عليه السلام.
لقد مر الامام السجاد(ع) بعد واقعة الطف الاليمة بفترة وصفت بالحرجة، حيث انه عاش حياة الحصار والتكتم الاعلامي من قبل الامويين، فكان لا مجال للإمام لإبلاغ رسالته والسير على النهج الذي خطّه جده النبي(ص) وآباؤه (سلام الله عليهم)، ولذلك قاد الامام السجاد(ع) وبعد حوادث الطف مباشرة، حركته الاصلاحية للأمة ويمكن المتتبع في هذا المجال، ان يلمح في قيادة الإمام عليه السلام ظاهرتين اثنتين، الاولى: استكمال الشوط الرسالي الذي بدأه الإمام الحسين(ع)، حيث ان كان بنو أمية والضالعون في ركابهم مدركين تماما ما للحسين عليه السلام وآل البيت من مكانة لاتضاهيها مكانة في نفوس المسلمين وكانوا يعلمون ان قتل الحسين(ع) واصحابه في كربلاء سيثير سخط المسلمين عليهم، ومن أجل ذلك خططوا للتعميمه وبذلوا كل وسعهم لاثارة الضباب، لكي يمتصوا ايَ ردَ فعل متوقع، لاسيما في بلاد الشام حصنهم القوي.
وهكذا سخروا اجهزة اعلامهم المتاحة يومذاك حتی اوصلوا الناس إلی حد القناعة بان الحسين(ع) وصحبه انما هم من الخوارج. وقد كان مقدرا لتلك الدعاية ان تنجح في الشام إلی اقصی حدَ ممكن، مما كان يفرض القيام بما من شأنه ان يفشل الدعاية الاموية واهدافها المسعورة ويكشف بحزم عن اهداف ثورة الحسين(ع) وعن مكانته بالذات في دنيا المسلمين وهكذا كان. بالتالي تبنی الامام السجاد(ع) وكرائم اهل البيت كزينب وام كلثوم وغيرهما، سياسة اسقاط الاقنعة التي يغطي الامويون وجوه سياستهم الكالحة الخطيرة بها وتحميل الامة كذلك مسؤوليتها التأريخية أمام الله والرسالة.
ويمكن في هذا الصدد مراجعة خطب وكلمات الامام السجاد وعمته العقيلة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب في الشام، ومن اجل كسر التعتيم الاعلامي الاموي وفضح جرائم يزيد، وقف الإمام السجاد(ع)، في الحكم الاموي وبحضور يزيد بن معاوية وكل معاونيه من رؤوس التحريف والضلال والقی ببيانه الخالد معريا سياسة الامويين الضالة الدموية ومبينا من هم السبايا واي مقام رفيع يمثلون في دنيا الاسلام وقد جاء في بيانه:
ايها الناس: اعطينا ستاً وفضلنا بسبع، اعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين. وفضلنا: بأن منا النبي المختار والصديق والطيار واسد الله واسد رسوله ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول وسبطا هذه الامة.
ايها الناس: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي.
ايها الناس: أنا ابن مكة ومنی، أنا أبن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء، أنا أبن خير من ائتزر وارتدی وخير من طاف وسعی وحج ولَبّی، أنا أبن من حُمل علی البراق وبلغ به جبريل سدرة المنتهی، فكان قاب قوسين أو أدنی، أنا من صلی بملائكة السماء، أنا ابن من أوحی اليه الجليل ما أوحی. أنا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء، وابن خديجة الكبری، انا ابن المرمل بالدماء أنا ابن ذبيح كربلاء.
وحين بلغ هذا الموضع من خطابه استولی الذعر علی الحاضرين وضج اغلبهم بالبكاء حين فوجئوا بالحقيقة مما اضطر يزيد ان يأمر المؤذن للصلاة ليقطع علی الإمام عليه السلام خطبته، غير ان الامام عليه السلام سكت حتی قال المؤذن (اشهد ان محمدا رسول لله) التفت الإمام السجاد عليه السلام إلی يزيد قائلا: (هذا الرسول العزيز الكريم جدك ام جدَي؟) فان قلت جدَك، علم الحاضرون والناس كلهم انك كاذب، وان قلت جدي، فلم قتلت أبي ظلما وعدوانا وانتهبت ماله وسبيت نساءه؟ فويل لك يوم القيامة إذا كان جدَي خصمك.
اما عقائل آل الرسول(ص) فقد مرَغن أنوف بني أمية في الوحل واسقطن كبرياءهم عمليا أمام الأمة التي يحكمونها، تجد ذلك بوضوح في خطبة العقيلة زينب الكبری، التي القتها في مجلس يزيد في دمشق وفي المناقشات الحادة التي دارت هناك.
الثانية: تبني منعطف جديد للحركة الاصلاحية في الأمة. ان المتتبع لطبيعة دور الإمام السجاد(ع) في الحياة الاسلامية بعد عودته، يلمح انه عليه السلام قد رسم منهجه العملي بناء علی دراسة الاوضاع العامة للامة بعد ثورة الإمام الحسين(ع)، وتشخيص نقاط ضعفها ومقومات نهوضها.
مارس الإمام عليه السلام، دوره من خلال العلم علی انماء التيار الإسلامي الرسالي الاصيل في الامة وتوسيع دائرته في الساحة وقد ساعد في انجاح عمله عاملان اساسيان هما: الاضطراب السياسي والاجتماعي الذي تفجر في اكثر مراكز العالم الاسلامي اهمية وتأثيرا بعد مأساة الطف مباشرة والثانية التجاوب مع اهل البيت عليهم السلام من قبل قطاعات واسعة من الامة وذلك نتيجة لشعور اسلامي عام بمظلومية أهل البيت عليهم السلام خصوصا بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.
كما واصل الإمام السجاد عليه السلام، حركته الاصلاحية للامة عن طريق الابلاغ والتبليغ بأسلوب الدعاء والتي جمعت بالصحيفة السجادية والتي عبّر عنها أهل البيت عليهم السلام، بإنجيل أهل البيت وزبور آل محمد عليهم السلام. فإن ما تمثّله هذه الأدعية من دور بنّاء ضروري في حياة الانسان وبناءه بناء انساني لما تحمله من أساليب ومعاني راقية في دعاء المولى سبحانه وبنفس الوقت هي دستور حياتي في المثل والأخلاق والفضائل يتربّى على مبادئها كل إنسان يريد الكمال وبلوغ الذروة في خط الإنسانية. فقد اعتبرت هذه الصحيفة المنهج الواضح لبيان الاسس الحقّة وطرق التقرب للمولى العزيز سبحانه وتعالى.
** قصيدة الفرزدق بحق الإمام زين العابدين (ع).. هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ
أنشد همّام بن غالب بن صعصعة، المكنّى بأبي فراس، والملقّب بالفرزدق قصيدة رائعة بحق الإمام علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالب عليهم السلام أمام الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.
وفيما يلي قصة القصيدة الشعرية :
حج هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الاستلام من الزحام ، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين وعليه إزار ورداء ، من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز ، فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس حتى يستلمه هيبة له ، فقال شامي : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال : لا أعرفه ، لئلا يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق وكان حاضرا : لكني أنا أعرفه ، فقال الشامي : من هو يا أبا فراس ؟ فأنشأ قصيدة ذكر بعضها في الأغاني ، والحلية ، والحماسة ، والقصيدة بتمامها هذه :
يا سائلي أين حل الجود والكرم ؟ عندي بيان إذا طلابه قدموا
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا الذي أحمد المختار والده صلى عليه إلهي ما جرى القلم
لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه لخر يلثم منه ما وطئ القدم
هذا علي رسول الله والده أمست بنور هداه تهتدي الأمم
هذا الذي عمه الطيار جعفر والمقتول حمزة ليث حبه قسم
هذا ابن سيدة النسوان فاطمة وابن الوصي الذي في سيفه نقم
إذا رأته قريش قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
وليس قولك : من هذا ؟ بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت عن نيلها عرب الاسلام والعجم
يغضي حياءا ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم
ينجاب نور الدجى عن نور غرته كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
بكفه خيزران ريحه عبق من كف أروع في عرنينه شمم
ما قال : " لا " قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم
مشتقه من رسول الله نبعته طابت عناصره والخيم والشيم
حمال أثقال أقوام إذا فدحوا حلو الشمائل تحلو عنده نعم
إن قال قال بما يهوى جميعهم وإن تكلم يوما زانه الكلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا
الله فضله قدما وشرفه جرى بذاك له في لوحه القلم
من جده دان فضل الأنبياء له وفضل أمته دانت لها الأمم
عم البرية بالاحسان وانقشعت عنها العماية والاملاق والظلم
كلتا يديه غياث عم نفعهما يستو كفان ولا يعروهما عدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره يزينه خصلتان : الحلم والكرم
لا يخلف الوعد ميمونا نقيبته رحب الفناء أريب حين يعترم
من معشر حبهم دين وبغضهم كفر وقربهم منجى ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم ويستزاد به الاحسان والنعم مقدم
بعد ذكر الله ذكرهم في كل فرض ومختوم به الكلم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم خيم كريم وأيد بالندى هضم
لا يقبض العسر بسطا من أكفهم سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا
أي القبائل ليست في رقابهم لأولية هذا أوله نعم ؟
من يعرف الله يعرف أولية ذا فالدين من بيت هذا ناله الأمم
بيوتهم في قريش يستضاء بها في النائبات وعند الحكم أن حكموا
فجده من قريش في أرومتها محمد وعلي بعده علم
بدر له شاهد والشعب من أحد والخندقان ويوم الفتح قد علموا
وخيبر وحنين يشهدان له وفي قريضة يوم صيلم قتم
مواطن قد علت في كل نائبة على الصحابة لم أكتم كما كتموا
فغضب هشام ومنع جائزته وقال : ألا قلت فينا مثلها ؟ قال : هات جدا كجده وأبا كأبيه واما كأمه حتى أقول فيكم مثلها ، فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة فبلغ ذلك علي بن الحسين فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال : اعذرنا يا أبا فراس ، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به ، فردها وقال : يا ابن رسول - الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله ، وما كنت لأرزأ عليه شيئا ، فردها إليه وقال : بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك ، فقبلها ، فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس ، فكان مما هجاه به قوله : أيحبسني بين المدينة والتي إليها قلوب الناس يهوي منيبها يقلب رأسا لم يكن رأس سيد وعينا له حولاء باد عيوبها فأخبر هشام بذلك فأطلقه ، وفي رواية أبي بكر العلاف أنه أخرجه إلى البصرة
اما في شأن استشهاد الإمام زين العابدين، فقد استشهد عليه السلام، في المدينة في الخامس والعشرين من شهر محرم للسنة الخامسة والتسعين للهجرة أو حسب روايات أُخرى في الثاني عشر من شهر محرم عن عمر يناهز السبعة والخمسين عاما ودُفن في جنة البقيع إلى جانب عمه الإمام الحسن عليه السلام.
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
مصادر تكشف لقناة العالم آخر التطورات في درعا البلد
كشفت مصادر خاصة عن آخر التطورات في منطقة درعا البلد جنوبي سوريا، والتي شهدت تصعيدا من قبل الارهابيين في الأيام الأخيرة بمواصلة اعتداءاتهم على الأحياء المدنية في البلدة ومواقع الجيش السوري ما أدى الى استشهاد وإصابة 19 من عناصر الجيش وإصابة عدد من المدنيين، مؤكدة أن قوات الجيش لم تبدأ بعملية عسكرية في درعا البلد الى الآن وما يحدث هو رد على خروقات الارهابيين.
واكدت هذه المصادر ان "الجيش السوري إلى الآن لم يبدأ بعملية عسكرية في درعا البلد وما يحدث هو رد على خروقات الارهابيين المنتشرين في أحياء درعا البلد وطريق السد والمخيم"، حيث تستمر الجماعات الإرهابية بالتصعيد بخرق وقف إطلاق النار وإستهداف الأحياء السكنية في مدينة درعا بالقذائف الصاروخية منها أحياء الكاشف والسبيل وشمال الخط والمنطقة الصناعية، ما ادى الى ارتقاء عدد من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين، وألحقت أضراراً بالممتلكات العامة والخاصة.
هذا التصعيد جاء بعدما أفشلت ما تسمى "اللجنة المركزية" في درعا البلد المفاوضات مع اللجنة الأمنية في المحافظة، برفضها الالتزام ببنود التسوية، حيث صعّد الدواعش المتحصنون في المنطقة من وتيرة اعتداءاتهم بالصواريخ وقذائف الهاون والأسلحة الرشاشة ورصاص القنص على الأحياء الآمنة وحواجز الجيش ما أدى إلى استشهاد 4 عناصر وإصابة 15 آخرين بجروح، إضافة إلى إصابة عدد من المدنيين.
وبينّت المصادر، أن وحدات الجيش المنتشرة في محيط درعا البلد، ردّت على اعتداءات الإرهابيين، واستهدفت بضربات مركزة عبر سلاحي المدفعية والراجمات النقاط التي تنطلق منها قذائف الإرهابيين، وفي سياق متصل، وكشفت المصادر عن لقاء جرى بين عدد من وجهاء المحافظة، مع اللجنة الأمنية والعسكرية من أجل الوساطة وفرض التسوية، وتابعت المصادر "أن الوجهاء طالبوا بهدنة مدتها ما بين 48 و72 ساعة، إلا أن اللجنة الأمنية رفضت منح هذه المهلة"، مضيفة: "تم منحهم مهلة بضع ساعات لدخول درعا البلد والتوسط إلا أنهم رفضوا الأمر"، وقالت المصادر "المهلة الطويلة بكل تأكيد ليس هدفها الوساطة بل بناء مزيد من التحصينات وتنظيم صفوف تنظيم داعش داخل منطقة درعا البلد وخاصة بعد الضربات الموجعة التي وجهها الجيش السوري لهم في الساعات الأخيرة، وهذا أمر مرفوض".
وأوضحت المصادر أن هناك انقساما واضحا بين ما يسمى "اللجنة المركزية" لدرعا البلد والمجموعات الارهابية، وهو ما يفسر التناقض المستمر بين مايتم الاتفاق عليه خلال انعقاد الاجتماعات بين ما يسمى اللجنة المركزية مع اللجنة الأمنية بدرعا، وما يجري على أرض الواقع من القيام خروقات لوقف إطلاق النار من قبل الجماعات الارهابية، ورفضهم لتطبيق الاتفاق السلمي، وأنه تم إعطاء مهلة لنهاية يوم الثلاثاء، للالتزام ببنود الاتفاق السلمي، لاسيما أن يوم الثلاثاء آخر مهلة خارطة الطريق المحددة، وأن الجماعات الداعشية المتواجدة بأحياء درعا البلد بقيادة الأمير الداعشي أبو خالد الديري المنحدر من محافظة دير الزور وأبو إبراهيم العراقي الملقب "بالأعور" ويوسف النابلسي الملقب "يوسف الجحش"، والإرهابي محمدالمسالمة الملقب "هفو" ومؤيد الحرفوش الملقب "أبو طعجة" والإرهابي أبو طارق الصبيحي المرتكب العديد من الجرائم بحق عناصر الجيش السوري والشرطة هم أصحاب القرار لملف درعا البلد ليست كما تسمى باللجنة المركزية بتوجيهات من دول خارجية.
المصدر:العالم
مجاهد يتحدث لقناة العالم عن مستقبل طالبان وقضايا مهمة أخرى
أكد المتحدث الرسمي لحركة طالبان ذبيح الله مجاهد في لقاء خاص مع قناة العالم إن الأزمات التي خلقها الأميركيون في أفغانستان سبب كاف لخروجهم من البلاد في أسرع وقت، محذرا الولايات المتحدة من إبقاء قواتها في أفغانستان.
ملخص ما كشف عنه مجاهد في اللقاء:
- كنا في حالة حرب ولم نعرف من افتعل جريمة مزار شريف بحق الدبلوماسيين الإيرانيين
- إذا ارادت امیركا علاقة دبلوماسية معنا فهذا سيتم على اساس القانون الدولي
- "إسرائيل" غدة في جسم المسلمين والقضية الفلسطينية قضية اسلامية موحدة
- حاليا لا نرى أثراً لمسلحي القاعدة في أفغانستان ولم نتواصل معهم منذ زمن بعيد
- نريد ان تكون لدينا حكومة قوية ومرغوبة في افغانستان وان تكون خادمة للشعب
- سيتم سماع صوت الشعب الأفغاني عن طريق مجالس للشورى وعن طريق مؤسسات اخرى
***
واليكم نص اللقاء الخاص لقناة العالم مع المتحدث الرسمی لحرکة طالبان ذبيح الله مجاهد ضمن برنامج"لقاء خاص":
العالم : البعض يقول إن خطاب طالبان اليوم مختلف عن خطاب طالبان قبل 20 عام هل تقبلون ما يقال في هذا الصدد؟
ذبيح الله مجاهد : بسم الله الرحمن الرحيم اشكركم على زيارتكم وعلى هذه المقابلة، هذا التغيير هو نحو الكمال و الارتقاء هذا التغيير طبيعي وممكن في اي مجموعة او اي نظام واذا اخذنا التجربة والطريقة فبدون ادنى شك نرى أنه ازدادت تجاربنا أكثر في كيفية التعامل مع الناس وفي النظام أصبحنا منظمين اكثر من السابق، وإذا ما أردنا التعبير في هذا الصدد فهذا هو الصحيح ولكن اذا ما تحدثنا عن الأصول والمبادئ فأصولنا ومبادئنا كما هي لم تتغير فنحن من قبل كنا مسلمين وبعدها سنكون مسلمين. وكفاحنا كان لاهداف عالية لجلب الأمن لبلادنا وبناء حكومة اسلامية.
العالم: ماهي نوع الحكومة التي ستعتمدها طالبان مستقبلا؟
ذبيح الله مجاهد: اولا نحن نريد ان تكون لدينا في افغانستان حكومة مرغوبة، ثانيا ان تكون خادمة للشعب وان تكون حكومة قوية مركزية واسلامية هذه ثلاثة شروط يجب أن تكون هذه الحكومة قوية ولا تكون مشكلة من عدة أطراف ويختلفون فيما بينهم وان تكون اسلامية ولهذه الأهداف الأسلامية دخل الشعب في افغانستان قتال دام 40 عاما لذا يجب ان تكون القوانين اسلامية، ويجب أن تكون جامعة تجمع الشعب الأفغاني وتلبي كافة احتياجات البلاد.
العالم: هل تحدد لنا شكل الحكومة المقبلة، أي حكومة تشبه اذا ما شبهتها مع الحكومات الأخرى المتزامنة اوالحكومات التاريخية السابقة؟
الحكومة التي يتم تشكيلها في أي بلد يتم تشكيلها على أساس المصالح الوطنية للشعب في ذلك البلد وما يطلبه الشعب، في الأيام المقبلة سنرى جميعا هذه الحكومة ان شاء الله المناقشات مازالت مستمرة ولدينا اثنان او ثلاثة آلية للعمل في هذا الصدد، قادتنا سوف يقرروا اية آلية هي المناسبة لتشكيل الحكومة سننتظر بعض الأيام وتتبين للجميع هذه الحكومة.
العالم : ما هو دور الشعب في حكومتكم؟
ذبيح الله مجاهد: الشعب في حكومتنا سوف يكون لهم الحق سوف يتم سماع صوتهم عن طريق مجالس للشورى وعن طريق مؤسسات اخرى، الشعب سوف يكون مؤيدا للحكومة والنظام المقبل وبالتالي الحكومة سوف تكون مسؤولة امام الشعب.
العالم: كيف ستلعب الأعراق والمذاهب دورا في حكومتكم ؟
ذبيح الله مجاهد:الأقوام والمذاهب في أفغانستان هي من أجمل الأمور في بلادنا لدينا قوميات ومذاهب مختلفة جميعنا عشنا بطمأنينة لسنوات طويلة جنبا الى جنب كالأخوة نريد ان نبقى هكذا كالأخوة كأفغان مسلمين ان نتعايش مع بعضنا البعض وستكون لديهم دور موازي ومساوي وستكون حقوقهم مؤمنة.
العالم : إلى أي حد ستشارك النساء في الحكومة؟
ذبيح الله مجاهد: النظام المقبل سینظم على أساس قوانين وفي ما يتعلق بالنساء ستعطي الحكومة حقوقها طبق ما نص الإسلام، ونحن نقدر كل ماسمح لها الإسلام وسوف نمنحها اياه، وفيما يتعلق بدورها الى اية حد في الأجتماع الحكومة والسياسة فهذا سيتم درجه في قانون الأساسي الذي ستشكله بعد المناقشات بالبلاد.
العالم : ما الذي جرى في مدينة مزار شريف قبل 20 عام لدينا روايات مختلفة، ما هو واقع هذه القضية ويعتقد البعض أن طالبان هي التي افتعلها؟
ذبيح الله مجاهد: نحن لم نقبل بما حصل وقتها ورفضناه والان ايضا نحن ثابتين على راينا وما جرى لم يفعله مسلحينا عمدا، ولم يتم التعرف على من فعل هذا، كنا ندخل في مرحلة جديدة وقتها بعض المسلحين من المجاهدين اتوا من بلاد مختلفة اتوا الى افغانستان للجهاد وقفوا الى جانبنا بعض هؤلاء دخلوا في صفوفنا هذه الحادثة افتعلتها دائرة ضيقة استخباراتية لرمي الفتنة وزعزعة علاقاتنا مع الاخرين وقتها، وللأسف كنا في حالة حرب ولم نعرف من افتعل هذه الجريمة وكيف افتعلها، واقول هذا اليوم ان المسلحين في الإمارة الاسلامية سوف لن يتعرضوا للدبلوماسيين والمؤسسات الدولية الاخرى المتواجدة في أفغانستان، هذه المرة نرى أن السفارات هذه المرة كانت محمية دبلوماسييها في امان تام وهذا يؤكد ان سياستنا هي نفسها في ذلك الوقت ايضا، وما جرى وقتها كانت حالة استثنائية.
العالم : كيف تنظرون إلى أمريكا بعد 20عام من الحرب ؟
ذبيح الله مجاهد: ستكون لنا معاملة بالمثل فإذا ما ارادت امیركا ان تكون لها علاقة دبلوماسية معنا فهذا سيتم على اساس القانون الدولي في السلك الدبلوماسي فسيكون لنا معاملة معهم بالمثل أيضا، نأمل أن لا تكون لأية دولة عداوة مع أفغانستان. نريد أن نكون متعاونين في جميع المجالات الدبلوماسية الاقتصادية والتجارية مع المجتمع الدولي وعدم مواجهتنا ونحن ايضا لا نريد ان نواجه احد بعدالان.
العالم : كيف تنظر الامارة الاسلامية الى "إسرائيل" ؟
ذبيح الله مجاهد: "إسرائيل" للأسف هي غدة في جسم المسلمين هذه قضية اسلامية ونتفق مع المجتمع الاسلامي بهذه النقطة المشتركة نعتبرها محتلة لفلسطين تستمر في احتلالها للاراضي الفلسطينية للاسف، ويستمر ظلم "الإسرائيليين" حتى الان ضد الفلسطينيين شهدنا قبل اشهر كارثة انسانية في غزة لم يقدر المسلمين على تحملها هذه قضية اسلامية موحدة ويجب على جميع المسلمين التوحد في هذه القضية.
العالم : بعض الدول الأوروبية استبقت الأمور وقالت انه لن نعترف بطالبان رسميا ولن نتعامل معها، كيف تتعاملون مع هذه الدول؟
ذبيح الله مجاهد:رسالتنا لجميع الدول انه نريد ان تكون لنا معهم علاقات دبلوماسية، فبدل مواجهتنا وعدم الاعتراف بنا بشكل رسمي وايجاد المشاكل معنا فالأفضل أن يتعاونوا معنا بدل كل ذلك، إذا كانو قلقين بشأن افغانستان او بشأنهم شخصيا أو بعض الأمور الإنسانية في أفغانستان، فليطرح قلقهم عبر الطرق الدبلوماسية لحلها، نستطيع حل جميع الأمور عن طريق الحوار الدبلوماسي مهما كان حجم هذه الملفات المواجهة والضغوطات الاحادية الجانب ليست طريق للحل، يجب على أوروبا والمجتمع الدولي أن يدرك انه بعد 20 عام من الحرب كانت النتيجة سلبية لهم، بلادنا تدمرت وانهارت يجب عليهم تغيير معاملتهم معنا بالطرق الدبلوماسية المعقولة، فليأتوا الينا بسفارتهم نستطيع ان نجيبهم على اسئلتهم وازالة التوترات التي لديهم.
العالم: ما هو رأيكم بتنظيم القاعدة؟
ذبيح الله مجاهد: بعد العام 2001 تعرضت افغانستان لهجوم من قبل امیركا، مسلحي تنظيم القاعدة الذين كانوا متواجدين في أفغانستان هربوا من أفغانستان بسبب الحرب وعدم وجود الأمن واختلاف القومية واللسان مع المجتمع الأفغاني، وبعد الاحداث التي ضربت البلاد العربية قبل عدة سنوات تمكن هؤلاء من العودة إلى اوطانهم ، حاليا لا نرى أثر لمسلحي القاعدة ولم نتواصل معهم منذ زمن بعيد، ولانرى القاعدة كمشكلة تواجه افغانستان.
العالم : داعش تبنت الانفجار الدامي يوم الخميس باستهداف احدى بوابات مطار كابول، التحقيق مستمر من قبلكم وان ثبت ان كانت داعش هي التي نفذت هذه العملية فكيف ستتعامل طالبان معها؟
ذبيح الله مجاهد: دعوني أوضح لكم الأمر ان داعش التي في أفغانستان هي ليست نفسها داعش المتواجدة في العراق وسوريا، هؤلاء من الأفغان اخذوا افكار داعش في العراق وسوريا، الان تغيرت الحالة السياسية في البلاد الاحتلال الامريكي ينتهي وسيتم انشاء حكومة اسلامية ولم تبق لأحد الحجة ان يتبنى افكار داعش او يقلدها وينفذ عمليتها هنا وهذا ما لا يقبله مجتمعنا، وبهذا ندعوهم ان يتخلو عن مثل هذه الاعمال ومن الممكن ان يكون بعض هؤلاء من الافغان ولكن يحملون افكار غريبة عن هذه الارض، واذا ما استمروا بهذه العمليات سوف يواجهون معارضة من قبل الأفغان وايقاف هم عند حدهم.
العالم : الخط الأحمر لطالبان 31من أغسطس موعد انسحاب الاحتلال الامريكي من افغانستان ما هو موقفكم اذا لم يحترم الأميركان هذا التاريخ ولم يخرجوا في الموعد المحدد؟
ذبيح الله مجاهد: لدينا معلومات بنسبة 60 % ان هؤلاء سيخرجون بالوقت المحدد من أفغانستان، الكوارث التي خلفوها في مطار كابول خلال الأيام الاخيرة تكفي الامیركان لعدم تواجدهم هنا وخروجهم باسرع وقت ممكن، وانهاء هذا النزاع سريعا، ثانيا اذا لم يخرجوا خلال الموعد المحدد وقرروا ابقاء قواتهم فسيكون لنا تصرف اخر وسيكون هذا التصرف بشكل جدي.
العالم : هل تكفرون الاخرين وماهو منطق طالبان في تكفير الآخرين؟
ذبيح الله مجاهد: لا نحن حنفي المذهب الامام ابو حنيفة رحمه الله لم تكن له نظرية تكفيرية للاخرين، خصوصا المسلمين ومن يعتقدون بأصول الأسلام نقول عنهم مسلمين وفيما يتعلق بالتكفير نحن نتحسس من هذا الموضوع الإمام أبو حنيفة هو قدوتنا في هذاالأمر وأوصى أنه اذا ما ثبت الكفر في شخص ما 99% وبقي درجة واحدة من الإسلام فيه فنقول عنه مسلم ولا نكفره ولهذا نظرية التكفير ليست من اعتقاداتنا وهذه ظاهرة خطيرة جدا في العالم الإسلامي ظهرت لدى بعض الافراطيين وهذه الظاهرة ليست موجودة لدينا.
العالم : سمعنا منكم تدعون المواطنين الأفغان الذين يريدون الخروج من البلاد البقاء في افغانستان وبناء البلد، ونرى انه تم تعيين البعض في وظائف حساسة كبيرة ببعض المؤسسات، ما هو ميزان الاختصاص لديكم لتسليمهم هذه الوظائف؟
ذبيح الله مجاهد: هذه التعيينات اتت بشكل عاجل وللضرورة وهي مؤقتة، الأمور تقتضي بقاء أحدهم لادارة الأمور خصوصا في المؤسسات الخدمية الحيوية، حاولنا ان نسلم بعض الأشخاص وكانت لهم تجارب في هذه الوظائف، الحكومة سوف تتشكل وفي الحكومة سيتم اخذ الاختصاص بعين الاعتبار.
العالم : قال احدهم انه في زمان الانتخابات رايكم في حملة أشرف غني الدعائية للانتخابات، هل اتيتم الى كابل قبل هذا ام كنتم في قطر او في الولايات الافغانية طيلة هذه المدة ؟
ذبيح الله مجاهد:لا انا كنت في الولايات ولم اكن في قطر ودخلت كابول بعد 14 عاما.
شكرا لكم.
المصدر:العالم
لماذا تسعى تركيا للوجود في أفغانستان؟ 4 أسباب تشرح لك
عمر الآغا
لا صوت يعلو في العالم حاليا على صوت أفغانستان وطالبان. فمع سيطرة الحركة على السلطة في كابول، انبرت الصحف ومراكز الأبحاث لتحليل التطورات الأخيرة وبيان تداعياتها، ومحاولة استشراف مستقبل الدولة الحبيسة في آسيا الوسطى، وأهم القوى الفاعلة على الأرض في البلاد بالتزامن سيطرة طالبان وانسحاب الولايات المتحدة وقوات الناتو عقب حرب استمرت 20 عاما.
من بين حشد متشابك من اللاعبين الإقليميين والدوليين البارزين، تظهر تركيا باعتبارها أحد أبرز اللاعبين المُحتمَلين على الساحة الأفغانية، وقد برز وجود تركيا في المشهد الأفغاني خاصة بعد أن أبدت أنقرة استعدادها تولّي مسؤولية تأمين مطار كابول في أعقاب الانسحاب الأميركي، ورغم أن طالبان رفضت على ما يبدو تولّي القوات التركية المهام الأمنية في المطار، فإنها عرضت على أنقرة تولّي تشغيل المطار وإدارته من الناحية اللوجيستية، وهو عرض تدرسه تركيا في الوقت الراهن.
تُثير هذه العروض والمداولات الكثير من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية لوجود أنقرة في أفغانستان في ظل احتدام الأزمة السياسية وضبابية المشهد، ومدى جدوى مسعاها الأساسي لإدارة مطار كابول وتشغيله، بوابة أفغانستان الرئيسية، وربما الوحيدة، إلى العالم. وللإجابة عن هذا التساؤل فإننا سنتطرَّق إلى 4 أسباب مباشرة تقود مساعي أنقرة لامتلاك موطئ قدم في كابول.
ورقة ضغط للتقارب مع واشنطن وأوروبا
فيما يبدو، يُعَدُّ أحد الدوافع الحقيقية لوجود أنقرة في أفغانستان هو حاجتها ورغبتها في امتلاك أدوات قوة وأوراق تفاوض فعّالة لتعزيز قدرتها على المستوى الإقليمي والدولي عموما، وترميم علاقاتها المتوترة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي خصوصا، مع الحرص على ضمان هامش أوسع من الاستقلالية في سياستها الخارجية.
شهدت السنوات الأخيرة توتُّرا متزايدا في العلاقة بين تركيا من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى، إذ مَثَّلت محاولة الانقلاب العسكري على الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان عام 2016 تحوُّلا في السياسة الخارجية التركية باتجاه سياسة أكثر حزما وتدخُّلا في المنطقة. وتمتلك أنقرة شكوكا عدّة بضلوع واشنطن في دعم شبكات فتح الله غولن لتقويض حكم أردوغان، كما أدَّى دعم الولايات المتحدة للمشروع الكردي على الحدود السورية إلى توتر حاد في العلاقات. وقد أدَّى مجموع هذه العوامل إلى اتجاه تركيا نحو بناء سياسة خارجية أكثر "استقلالا" وبراغماتية عوضا عن الاعتمادية العالية التي كانت تحكم علاقة أنقرة بواشنطن والحلفاء الغربيين.
على سبيل المثال، اشترت تركيا منظومة الدفاع الصاروخية الروسية "S-400" رغم أن هذه الخطوة تسبَّبت في تصاعد حِدَّة التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة، التي تحرَّكت باتجاه فرض عقوبات قاسية على أنقرة للضغط عليها لتعطيل وإبطال هذه الصفقة التي أدَّت إلى امتلاك أحد الأعضاء الرئيسيين في حلف الناتو منظومة دفاعية تتعارض مع البروتوكولات الأمنية للحلف، مع تخوُّفات متزايدة من قدرة موسكو على جمع معلومات حساسة حول الأنظمة العسكرية لحلف الشمال الأطلسي. وبالتزامن، أدَّت الدفعة الهائلة في الصناعات الدفاعية التركية إلى تعزيز الشكوك حول مستقبل السياسة التركية في المنطقة والعالم، ومدى التزامها بدورها في حلف الناتو.
ولكن مع انتهاء حقبة دونالد ترامب وصعود الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن لإدارة الولايات المتحدة، تجد أنقرة نفسها في حاجة إلى مساعٍ جادّة لإعادة بناء العلاقة مع الولايات المتحدة، عبر إبراز فائدتها بوصفها حليفا، عوضا عن تقديم تنازلات جوهرية في سياساتها، وهي تأمل على ما يبدو أن إدارتها لمطار كابول سوف تُعزِّز من أسهمها لدى الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين.
بعبارة أكثر وضوحا؛ تأمل تركيا أن حماية بوابة اتصال أفغانستان الوحيدة مع العالم عبر إدارة مطار حامد كرزاي في كابول وتشغيله، في ظل حاجة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى جهة تُدير الأزمة هناك، سيُعيد ترميم علاقاتها المتوترة مع الغرب. ويُقدِّر المسؤولون في واشنطن أنه في ظل عدم قدرة أي دولة غربية على البقاء، فإن وجود تركيا يُعَدُّ الخيار الأفضل لتأمين المطار وتشغيله وطمأنة السفارات والمنظمات الدولية التي تدرس الإغلاق ومغادرة أفغانستان. على الجانب الآخر، يمكن أن يكون وجود تركيا في أفغانستان أقل إزعاجا لحركة طالبان مقارنة بأي قوة أخرى، بسبب الميول الإسلامية للحكومة التركية. لذا تأمل أنقرة أن وجودها الفاعل في أفغانستان سيُعزِّز من دورها بوصفها بديلا إقليميا قويا لعلاج الأزمات الناجمة عن الانسحاب الأميركي المستمر من المنطقة، في ظل ميل السياسة الخارجية والأمنية الأميركية للتركيز على التحديات المتفاقمة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
استثمار العلاقات الجيدة مع الجميع.. وطالبان تحديدا
كما أشرنا، تمتلك تركيا فرصا جيدة مقارنة بسائر دول الناتو للبقاء في أفغانستان. بداية، تُعَدُّ القوات التركية هي العناصر "المُسْلِمة" الوحيدة ضمن بعثة الناتو بأفغانستان، ما جعلها محل ترحيب؛ إذ طالما ارتبطت أنقرة بعلاقات طيِّبة مع الحكومة الأفغانية السابقة وحركة طالبان وحتى بعض الجماعات المسلحة الأخرى.
ونتيجة لذلك، ورغم وجود بعض التوترات مؤخرا بين تركيا وطالبان بسبب رفض الحركة وجود قوات عسكرية تركية لإدارة مطار كابول وتشغيله باعتباره "استمرارا للاحتلال الأجنبي"، لا يزال الطرفان يمتلكان فرصا جيدة للتفاهم. من جانبه، أكَّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداده لاستقبال قادة طالبان في أنقرة، كما أعلنت أنقرة بوضوح استعدادها للاستمرار في تقديم التشغيل الفني للمطار "إذا طلبت طالبان ذلك"، وهي بادرة يبدو أن حُكام أفغانستان الجدد قد تلقوها بإيجابية، إذ أعربت طالبان عن استعدادها لإسناد المهام الفنية واللوجستية في المطار للأتراك، على أن تتولَّى الحركة بنفسها المهام الأمنية.
في سياق التقارب ذاته، وصف المتحدث باسم حركة طالبان سهيل شاهين تركيا بأنها شريك رئيس في إعادة إعمار أفغانستان بعد الحرب، مؤكِّدا أن الحركة تُعوِّل على التعاون مع تركيا في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وإعادة إعمار البنى التحتية التي تعرَّضت للدمار جرَّاء الحرب.
من الواضح إذن أن طالبان تحتاج إلى تركيا بقدر ما تحتاج تركيا نفسها إلى البقاء في أفغانستان، حيث ترغب الحركة في تأمين قدر من الرعاية من قِبَل قوة تحظى بمشروعية في المجتمع الدولي مثل تركيا، وبالتأكيد فإنها لا ترغب في استهلال عهدها بعُزلة، وهي التي سعت بصورة واضحة إلى تقديم رسائل طمأنة داخلية وخارجية تمثَّلت بإعلان عفو عام، والدعوة للسلام والمصالحة، وضمان حقوق المرأة والأقليات.
تُدرِك طالبان مدى حاجتها إلى علاقات جوار وتفاعل على الساحة الدولية، والأهم مدى حاجة الحكومة التي ستُشكِّلها إلى الحصول على اعتراف دولي لتجنُّب ما حصل معها خلال مدة حكمها الأول بين عامَيْ 1996-2001 عندما أدَّى خطابها وسياساتها المتشدِّدة إلى عزلها وعدم الاعتراف بها. وفيما يبدو، فإن الرئيس التركي أردوغان كان يُدرِك بوضوح هذه الحقيقة حين صرَّح مؤكِّدا أن الوجود العسكري التركي في أفغانستان سيُقوِّي يد الإدارة الجديدة في الساحة الدولية ويُسهِّل عملها.
الحضور الإقليمي: دواعي الجغرافيا والاقتصاد
لا تتعلَّق حسابات تركيا في القضية الأفغانية بأفغانستان وحدها على ما يبدو، فمن الواضح أن أنقرة أدركت خلال السنوات الأخيرة أنه لا مفر من مزج القوة العسكرية بالسياسة الخارجية، وأنه إذا ما أرادت تركيا أن تتفاوض فيما يخص أمنها القومي والإقليمي المباشر، فإنها يجب أن تمتلك أوراق قوة أخرى تُعزِّز من موقعها التفاوضي، وأن ذلك لن يحدث بالانكفاء على الذات، لكنه يتطلَّب سياسة أكثر نشاطا وتدخُّلا في المنطقة.
جغرافيًّا، تحتل أفغانستان مساحة جيوسياسية مهمة تربط الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وشبه القارة الهندية، ما جعلها موضع تنافس بين قوى مختلفة تصارعت من أجل الوصول إلى أراضيها. تُدرِك تركيا هذه الأهمية للأراضي الأفغانية، حيث وصف وزير الدفاع التركي خلوصي آكار أفغانستان بأنها "قلب آسيا"، إشارة إلى أن وجود تركيا في البلاد سيفتح لها آفاقا لتوسيع نفوذها السياسي وزيادة فرصها الاستثمارية في الدول المجاورة. وفي هذا السياق، تتطلَّع تركيا خاصة إلى مشروع ممر اللازورد (Lapis Lazuli corridor)، الذي يربط أفغانستان بتركيا عبر تركمانستان وأذربيجان وجورجيا، متجاوزا إيران وروسيا والصين، ما سيرفع من قيمة تركيا الجيوسياسية باعتبارها ممرًّا مهما للطاقة.
بخلاف ذلك، يخدم الوجود في أفغانستان أحد أهم أهداف الرئيس التركي أردوغان المُتمثِّل في تحويل تركيا إلى المركز السياسي للعالم الإسلامي، عبر وضعها على أعتاب آسيا الوسطى، موطن الكثير من الشعوب المُسلمة الناطقة بالتركية. كما يُعَدُّ توسيع النفوذ التركي في أفغانستان وآسيا الوسطى إحدى طرق المواجهة الجيوسياسية مع روسيا، خصم أنقرة التاريخي.
مخاوف من أزمة لاجئين جديدة
وكما تسعى أنقرة في تقاربها مع أفغانستان لاغتنام الفرص، فإنها تتحوَّط للمخاطر أيضا. وعلى الرغم من أن تركيا لا ترتبط بحدود مباشرة مع أفغانستان، فإن أنقرة تُعَدُّ أحد أكبر المتأثرين من أي أزمة سياسية أو اقتصادية في البلاد، التي قد تدفع موجات جديدة من اللاجئين عبر حدودها الشرقية مع إيران، ضمن مساعي هؤلاء اللاجئين إما للاستقرار في تركيا، وإما اتخاذها بوابة للاتجاه نحو أوروبا.
تُعَدُّ هذه المسألة تحديدا ورقة تفاوض مهمة في العلاقة بين أنقرة وأوروبا، وهو ما دفع الرئيس التركي لتجديد دعوته لأوروبا لتحمُّل مسؤولية مساعدة تركيا في هذه الأزمة، وتأكيده أن تركيا لن تكون وحدة تخزين للاجئين نحو أوروبا. وفي السياق ذاته، نقلت وكالة الأناضول الرسمية رفض تركيا تنفيذ برنامج الولايات المتحدة الخاص بنقل لاجئين أفغان إلى أراضيها عبر دول ثالثة، في إطار ما يُعرف باسم "برنامج قبول المهاجرين الأفغان العاملين مع الولايات المتحدة وعائلاتهم" الذي أعلنته واشنطن مؤخرا. وفي مسعاها لإيقاف هذا التدفُّق، فإن أنقرة تعمل على بناء سياج حدودي يمتد على طول مئات الكيلومترات على الحدود مع إيران والعراق، ويتضمَّن جدارا أسمنتيا مرتفعا وأسلاكا شائكة وطريقا للمراقبة وكاميرات متطورة وأبراج مراقبة ومخافر حدودية.
تُدرِك الحكومة التركية على ما يبدو أن تصاعد أعداد النازحين من الأراضي الأفغانية، خاصة بعد سيطرة طالبان وانسحاب واشنطن، سوف يضعها في مواجهة سلسلة من الأزمات الداخلية، التي قد لا تستطيع مواجهتها إلا إذا امتلكت يدا للتفاعل مع الأزمة الأفغانية من الداخل. ويحتل اللاجئون الأفغان في تركيا المرتبة الثانية مباشرة بعد الجالية السورية، وهو وضع يُقلِق أنقرة بشدة، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي تجاه اللاجئين نتيجة الضغوطات المتزايدة على الاقتصاد التركي.
ماذا نتوقَّع؟
يظهر من خلال التصريحات المتبادلة بين طالبان وأنقرة أن هناك مساعي جادّة لنزع فتيل التوتر الذي شهدته أيام ما قبل سيطرة طالبان على مقاليد السُّلطة في أفغانستان ومساعي تركيا لإبقاء جنودها لتشغيل مطار كابول وإدارته. من جانبها، تسعى أنقرة إلى استثمار علاقتها "الطيِّبة" مع طالبان خلال السنوات الماضية لتحقيق عدة أهداف، منها استثمار وجودها في أفغانستان باعتباره ورقة تفاوض تُعزِّز مكانتها بوصفها حليفا للولايات المتحدة وأوروبا، وترسيخ حضورها في آسيا الوسطى وزيادة نفوذها الإقليمي والدولي، ووقف تدفُّق اللاجئين الأفغان، بالإضافة إلى تحقيق مكاسب اقتصادية عدة.
على الجانب الآخر، ستحرص طالبان على تعزيز علاقاتها مع أنقرة، باعتبارها قوة سُنية إقليمية ذات شرعية دولية يمكن أن تفتح أمامها أبواب الاعتراف الدولي، كما تنظر طالبان إلى أنقرة باعتبارها قوة اقتصادية ستُسهم في تسريع عجلة التنمية المحلية.
وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في زيارة لأفغانستان العام الماضي
ورغم ذلك، يبقى التنبؤ بتفاصيل العلاقة وحدودها وتطوراتها مرهونا بمدى جديّة الطرفين وقدرتهما على إدارة الخلافات الناشئة، خاصة في ظل مساعي قوى إقليمية ودولية عديدة لاستثمار الانسحاب الأميركي بهدف تعزيز حضورها في "قلب آسيا"، لذلك، من المتوقَّع أن تشهد الأسابيع والأشهر القادمة جولات من الشد والجذب، تسعى خلالها كل قوة لحيازة أفضل وضع ممكن في أفغانستان الجديدة العائدة إلى أحضان طالبان بعد 20 عاما من الاحتلال.
المصدر : الجزيرة
لا تملّوا الدعاء..!
يقول تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾([1])، وهذه الآية الكريمة تأكد على حقيقة أن الدعاء هو من مصاديق عبادة الله سبحانه وتعالى، فهما يشتركان في حقيقة واحدة، هي إظهار الخشوع والخضوع لله تعالى، وهو هدف الخلق وعلته، قال تعالى:"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"([2])، وهذا ما تشير إليه الروايات أيضاً، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "الدعاء مخّ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد"([3])، وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الدعاء هو العبادة"([4])، وفي رواية أخرى أن شخصاً سأل الإمام الباقر عليه السلام: أي العبادة أفضل؟ فقال عليه السلام: "ما من شيء أفضل عند الله عز وجل من أن يسأل ويطلب مما عنده"([5]).
وإذا كان الدعاء عبادة فهذا يعني أنّه مطلوب ومحبوب عند الله تعالى في جميع الحالات، وأنّه هدف بنفسه، ومصداق لأهم الأهداف الإلهية، كما هو واضح في الآية التي أشرنا إليها سابقاً ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.
وهذا يفسر الروايات التي تحدثت عن التأخر في استجابة الدعاء بعض الأحيان، حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله ليتعهّد عبده المؤمن بأنواع البلاء، كما يتعهّد أهل البيت سيّدهم بطرف الطعام، قال الله تعالى: "وعزتي وجلالي وعظمتي وبهائي إنّي لأحمي وليّي أن أعطيه في دار الدنيا شيئاً يشغله عن ذكري حتى يدعوني فأسمع صوته، وإنّي لأعطي الكافر منيته حتى لا يدعوني فأسمع صوته بغضاً له"([6]). وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إنّ المؤمن ليدعو الله عز وجل في حاجته، فيقول الله عز وجل: أخّروا إجابته شوقاً إلى صوته ودعائه، فإذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل: عبدي، دعوتني فأخّرت إجابتك، وثوابك كذا وكذا، ودعوتني في كذا وكذا فأخّرت إجابتك وثوابك كذا وكذا، قال: فيتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا مما يرى من حسن الثواب"([7]). وعن الإمام الرضا عليه السلام: "إن الله يؤخّر إجابة المؤمن شوقاً إلى دعائه، ويقول: صوت أحبّ أن أسمعه..."([8]). وهذا كله يؤكد على أنّ الدعاء نفسه غاية، ولعل بركته في كثير من الأحيان أهمّ من بركة استجابة مضمونه.
الافتقار إلى الله تعالى
﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامً﴾([9])، إن الدعاء والعبادة يعكسان الإحساس بالخضوع والفقر والرغبة فيما عنده تعالى، هذا الإحساس المتأصّل في وجدان الإنسان. والذي يظهر حتى عند الغافلين في بعض الظروف التي تستثير هذا الإحساس، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورً﴾([10])، ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾([11])، ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾([12]). وهذا كله يشير إلى حقيقة واحدة تشير إليها الآية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾([13]).
فالإنسان فقير محتاج لفيض الله ورحمته تعالى بشكل دائم ومستمر، وفي كل الظروف والأحوال، وعلى هذا القلب أن يكون خاشعاً متوجّهاً لله تعالى، شاعراً بهذا الفقر وهذه الحاجة، ملتمساً لذلك الفيض وتلك الرحمة في جميع الظروف والحالات، في الشدة والرخاء، وقد ورد عن رسول الله ص موصياً الفضل بن العباس: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة "([14])، وعن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه كان يقول: "ما من أحد ابتلي وإن عظمت بلواه أحقّ بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء"([15]). وعن الإمام أبي الحسن عليه السلام: "إن أبا جعفر عليه السلام كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة، ليس إذا أعطي فتر، فلا تملّ الدعاء، فإنّه من الله عز وجل بمكان"([16]).
الدعاء، جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
([1]) غافر:60
([2]) الذاريات:56
([3]) المجلسي-محمّد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة – ج90 – ص 300.
([4]) الحر العاملي - محمّد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 هـ.ق..- ج 7 – ص 23.
([5]) الحر العاملي - محمّد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 هـ.ق..- ج7 – ص30.
([6]) المجلسي-محمّد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة - ج90 – ص 371.
([7]) الحر العاملي - محمّد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 هـ.ق..- ج7 – ص62.
([8]) المجلسي-محمّد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة - ج 90 – ص370.
([9]) الفرقان:77.
([10]) الإسراء: 67.
([11]) يونس: 12.
([12]) الروم: 33.
([13]) فاطر: 15.
([14]) الحر العاملي - محمّد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 هـ.ق..- ج 7 – ص42.
([15]) المصدر السابق
([16]) الحر العاملي - محمّد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 هـ.ق..- ج7 – ص61.
حرب أميركا القادمة.. أين؟ ومتى؟
محمد المنشاوي
منذ تأسيسها بوصفها دولة جديدة مستقلة في الرابع من يوليو/تموز 1776، لم تتوقف الولايات المتحدة عن خوض الحروب والقتال في معارك بصورة لا تكاد تتوقف في مختلف أقاليم العالم.
حصلت أميركا على استقلالها عن بريطانيا بعد حرب معها انتهت رسميا عام 1783، ثم عادت الدولة الوليدة للتوسع لتضمّ أقاليم في الشرق والشمال والجنوب، وفي سبيل ذلك خاضت حروبا مع بريطانيا وإسبانيا والمكسيك.
تصور كثير من منظّري السياسة الدولية أن هزيمة أميركا في فيتنام كفيلة بكبح لجام مغامراتها العسكرية في الخارج، لكن باعثا آخر كان يسود بين العسكريين الأميركيين مفاده ضرورة البحث عن حرب جديدة والانتصار فيها لإثبات حيوية القوة العسكرية الأميركية التي اهتزت كثيرا وشكك فيها العالم وكثير من الأميركيين بسبب هزيمة فيتنام.
بعد انتهاء الحرب الأهلية الأميركية عام 1865، شرعت في خوض الحروب في مختلف أقاليم العالم تحت ذريعة حماية المصالح التجارية والتجار الأميركيين، فحاربت في شرق آسيا؛ في الصين وكوريا واليابان والفلبين مرورا بليبيا والجزائر في البحر المتوسط، وانتهاء بأغلب جزر البحر الكاريبي، بخاصة كوبا وهاييتي، ثم حاربت في هندوراس ونيكاراغوا وبنما وكولومبيا، وذلك قبل دخولها الحرب العالمية الأولى رسميا عام 1917.
وعقب الحرب العالمية الثانية التي دخلتها أميركا رسميا عام 1941، لم تتوقف مغامرات أميركا وحروبها في أصقاع العالم، فشاركت في حربين كبيرتين في الشرق الأسيوي؛ الحرب الكورية (انتهت عام 1953) والحرب الفيتنامية (انتهت 1975)، ولم يتحقق لها الانتصار في الحربين على الرغم من امتلاكها قوة عسكرية ومادية لا يمكن مقارنتها بالأطراف الأخرى.
وتصور كثير من منظّري السياسة الدولية أن هزيمة أميركا في فيتنام كفيلة بكبح لجام مغامراتها العسكرية في الخارج، لكن باعثا آخر كان يسود بين العسكريين الأميركيين مفاده ضرورة البحث عن حرب جديدة والانتصار فيها لإثبات حيوية القوة العسكرية الأميركية التي اهتزت كثيرا وشكك فيها العالم وكثير من الأميركيين بسبب هزيمة فيتنام.
ودخلت أميركا في مغامرات عسكرية موحدة في كثير من الدول، منها غرينادا ولبنان وإيران وكوسوفو وهاييتي، ثم خاضت أميركا حروبا في منطقة الخليج(الفارسی) منذ تسعينيات القرن الماضي ضد العراق، ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وقُتل 3 آلاف أميركي داخل الأراضي الأميركية، فما كان من الولايات المتحدة إلا بدء فاصل جديد من حروبها يختلف عما سبق، إذ كانت "الحرب الأميركية على الإرهاب" غير محددة بنطاق زمني أو حدود جغرافية، وبقيت أميركا متورطة في أفغانستان والعراق طوال عقدين من الزمان، من دون تحقيق النصر المطلوب.
وتشير دراسة عسكرية حديثة إلى أن انفتاح شهية الدولة الأميركية على الحروب منذ نشأتها أدّى إلى وجود 17 عاما فقط على مدار التاريخ الأميركي، غاب فيها تورط الجيش الأميركي في مغامرات عسكرية بالخارج.
ويمثل ذلك نسبة 7% من التاريخ الأميركي، أي إن أميركا كانت في صراعات عسكرية خارجية مدة 93% من تاريخها.
ومع تركيز كل الأنظار في الأيام الماضية على النهاية المخزية لوجود أميركا العسكري في أفغانستان، يبدو الظرف مناسبا لطرح سؤال عن حرب أميركا القادمة؛ أين؟ ومتى؟
ولا تضيع المؤسسة الدفاعية الأميركية، بشبكتها المعقدة والمخترقة لمراكز الأبحاث وكبريات الشركات التكنولوجية والعسكرية، كثيرا من جهودها من دون بحث عن حرب جديدة. ويبدو أن ضباط البنتاغون وحلفاءهم المدنيين والمتعاقدين العسكريين منشغلون بالبحث عن هدف أخر بعد انتهاء "حرب أميركا على الإرهاب" في ساحتها الأولى بأفغانستان، بعدما تم إنفاق ما يزيد على تريليوني دولار، فضلا عن مبلغ أكبر في الساحة الثانية بالعراق.
وبإلقاء نظرة سريعة على إصدارات كبريات مراكز الأبحاث المنتشرة بالعاصمة واشنطن، يظهر وجود رصيد لا بأس به يمكن من خلاله توجيه الدفة باتجاه نزاع عسكري مع إيران على خلفية التطوير المستمر في برنامجها النووي، أو الصين التي تمثل تهديدا طور التشكيل يهدد الريادة الأميركية العسكرية والتكنولوجية والمالية في آن معا، وهناك كوريا الشمالية التي يوفر برنامجها النووي ذرائع كافية لصقور البنتاغون لتسويغ شن عدوان عليها.
وعلى الرغم من ارتفاع درجة الاستقطاب في النظام السياسي الأميركي حاليا بصورة غير مسبوقة، فإن هناك قدرا لا بأس به من الإجماع على ضرورة مواجهة سياسات الصين بين الديمقراطيين والجمهوريين. ومنذ سنوات تتضمن إستراتيجيات الأمن القومي للإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة دلائل على أن بيروقراطية الأمن القومي داخل واشنطن تتحرك بصورة منتظمة لتوفير بيئة متقبلة لفكرة مواجهة التحدي المتنامي للصين، وتدعو آخر تلك الإستراتيجيات الصادرة في مارس/آذار الماضي إلى ضرورة التأهب لمواجهة تهديدات الصين، إذ أصبحت هي المنافس الوحيد القادر على الجمع بين القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية، وتحدي القدرات الأميركية.
أنفقت الولايات المتحدة 19 تريليون دولار على جيشها منذ نهاية الحرب الباردة في بداية تسعينيات القرن الماضي، وهذا يزيد بنحو 16 تريليون دولار على إنفاق الصين، وهو يعادل تقريبا ما أنفقته بقية العالم مجتمعة خلال المدة نفسها. وتمتلك أميركا مئات القواعد العسكرية في جميع أنحاء العالم، من هندوراس إلى أستراليا واليابان والعراق وقطر إلى ألمانيا وإيطاليا، وتغطي معها جميع القارات.
ووفقا لديفيد فاين عالم الأنثروبولوجيا في الجامعة الأميركية الذي ألف كتابا عن القواعد الأميركية، فإن الولايات المتحدة لها نحو 800 قاعدة عسكرية في أكثر من 70 دولة وإقليما.
وهذا الانتشار ليس له مثيل في العالم، فقد أكد البروفيسور فين أن القوى العسكرية الكبرى الأخرى -مثل الصين وبريطانيا وفرنسا وروسيا- لديها معا 31 قاعدة أجنبية فقط، تنتشر في أنحاء العالم.
تُبقي واشنطن ما بين 150 و200 ألف جندي في الخارج، ويتغير هذه الرقم طبقا لتورط الولايات المتحدة في نزاعات عسكرية خارجية، كما تختلف أعداد القوات الأميركية من وقت إلى آخر تبعا للتغيرات في مواقفها من قضايا مختلفة، ولا تسمح الطبيعة السرية لبيانات نشر القوات الأميركية في بعض المناطق بوجود أرقام دقيقة لأعداد هذه القوات الإجمالية، ولا تعرف في كثير من الحالات طبيعة مهامها
ويجري البنتاغون كثيرا من المناورات العسكرية التي تحاكي القتال مع الصين، بخاصة مع إيمان أغلب المحللين والباحثين في واشنطن أن غزو الصين لتايوان ما هو إلا مسألة وقت، ويترك ذلك التحرك حال حدوثه متخذ القرار في البيت الأبيض أمام خيارات مصيرية، فقد تعهدت واشنطن بدخول الحرب إذا أقدمت الصين على ضمّ تايوان بالقوة المسلحة.
وستثبت الأيام والسنوات القادمة إذا ما كانت شهية أميركا للقتال قد انضبطت بعد إخفاقها في حربي أفغانستان والعراق، أم إننا نقترب من حرب لم تعرف لها البشرية مثيلا من قبل
تكريم الوالدين
يقول إمامنا السجّاد زين العابدين (عليه السلام) في رسالة الحقوق: "وأمّا حقّ ولدك فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته به من حسن الأدب والدلالة على ربّه عزّ وجلّ والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه".
لقد وقف الشارع موقفاً حاسماً من التعاطي بأيّ شكل من أشكال السلبيّة مع الوالدين، بل إنّ الله تعالى قرن طاعتهما بطاعته ونهى نهياً شديداً في آياته عن التعرّض لهما إذ يقول في محكم آياته: ﴿وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾([1])، ويقول في آية أخرى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ ألّا تَعْبُدُوا ْإلّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾([2]).
إنّ تكريم الوالدين فضلاً عن ترك أذاهما من أقلّ ما يمكن أن يقوم به الإنسان تجاه من بذل الغالي والنفيس في سبيل تربيته، وتعب في ليله ونهاره كي يقوده إلى أن يكون عنصراً ناجحا في أمّته، ولا يحتاج الإنسان ليستبين هذه الحقيقة إلى أن يقرأها في القرآن أو يستفيدها من أيّ حديث شريف، فالبرّ بالوالدين من الأمور التي تدعو إليها الفطرة السليمة النقيّة، وإنّ حقّ الوالدين هذا إنسانيّ بامتياز، قبل أن يكّون حقاً إجتماعيّاً أو شرعيّاً.
ولكن لننظر قليلاً لما أولاه الشرع من تأكيد على هذا البرّ، ولننظر كيف أشار الإمام السجاد عليه السلام في هذه الحقوق إذ يقول بعد أن يعدّد ما لفضل الأم على الولد من حيث تقديمها له على نفسها، إذ كانت تجوع ويشبع، وتسهر عليه لينام، جاعلاً مكافأة هذا الصنيع ممّا يحتاج إلى توفيق من الله تعالى يقول عليه السلام:
"وأمّا حقّ أمّك فأن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداّ، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً، ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحي وتظلّك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحرّ والبرد، لتكون لها، فإنّك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه".
فإذا كان مقدار التأكيد على طاعتهما والبرّ بهما بهذه الدرجة من الأهميّة فما بالك بمن لا يتورّع عن جلب الأذى لهما في كبرهما، وهذا ما سنسلّط الضوء عليه وعلى عواقبه.
المجازاة بسوء الصنيع
في مقابل كلّ هذا التفاني والتضحية التي يقدّمها الوالدان للإبن، فإنّ أدنى ما يقال في أذاهما أنّه مجازاة لحسن الصنيع بعمل قبيح، على أنّ جزاء الإحسان إنمّا يكون بإحسان مقابل، يقول الله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾([3]). وحينما نتحدّث عن سوء الصنيع والأذى، يكون الكلام عن كلّ أشكال الأذيّة التي يمكن أن يستشعر بها الوالدان، فالأب والأمّ يتوّقعان من الولد أن يكون:
1– معيلاً لهما في كبرهما:
فيساعدهما على تخطّي العجز الجسديّ، ولا سيّما الأب الذي قد يصل لمرحلة لا يستطيع أن يعمل بها، بسبب العجز وعدم القدرة على تحمّل المشقّات. ومعيلاً لهما من الجهة المعنويّة، بحيث يشعران بوجود من يمكنهما الاعتماد عليه، والدفاع عنهما إن ألمّ بهما أيّ سوء، وهذه حاجة نفسيّة في غاية الأهميّة لكبار السنّ.
2– مطيعاً لهما:
بمعنى أن يستفيد من تجربتهما في الحياة، وهي تجربة طويلة، وحينما يقدّمها الأهل للولد مجّاناً، فإنّها تكون قد حدثت لهما بعد تحمّل الكثير من الشقاء والتعب.
3– مكرماً لهما:
بمعنى أن يحافظ على مكانتهما التي احتلّوها بما بذلاً لأجله، فيرفع من قدرهما، ويبيّن بين الناس محاسنهما، ويحفظ لهما حسن صنيعهما معه.
4– خلفاً صالحاً:
لأنّ من سعادة المرء في الدارين أن يخلفه ولد صالح، بحيث يكرمه في حياته، ولا يهينه في مرحلة الشيخوخة والكبر، ويجرّ إليه الذكر الطيّب والرحمات بعد وفاته، من خلال الأعمال التي يرسلها الحيّ إلى أهل البرزخ، ومن خلال عمله الذي يذكّر الناس بطيب أصله وحسن تربيته.
فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ثلاثة من السعادة: الزوجة المؤاتية، والأولاد البارّون، والرجل يرزق معيشته ببلده، يغدو إلى أهله و يروح"([4]).
وعن عليّ بن الحسين عليهما السلام أنّه قال: "من سعادة المرء أن يكون متجره في بلده، ويكون خلطاؤه صالحين، ويكون له ولد يستعين بهم"([5]).
إنّ أيّ تخلّف عن تحقيق هذه الآمال التي ذكرناها، يعتبر نوعاً من العقوق المنهيّ عنه في الشريعة، وهو أيضاً سلوكٌ لا يتناسب والفطرة السليمة، الداعية لشكر المنعم والمحسن، وسلوكاً منحرفاً في نظر الضمير الإنسانيّ العامّ.
كفّ الأذى، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) النساء: 36.
([2]) الإسراء: 23.
([3]) الرحمن: 60.
([4]) الكافي-الكليني- ج 5 ص258.
([5]) م. ن. ج 5 ص258.