
emamian
عباد الله الصالحين في القرآن الكريم
المُلاحظ على الصالحين في القرآن أنّهم (جماعة) وليسوا أفراداً، وقد يكون هناك بعض الصّلحاء ممّن يُمثِّلون مصاديق للصّلاح يمكن أن يُتأسّى بها، فتكون نواة لجماعات صالحة فيما بعد، ولكن صيغة الجمع بالنسبة للصالحين هي الملحوظة في مختلف السِّياقات القرآنيّة التي تحدّثت عن الفئة البارّة بدينها، المخلصة لربِّها، العاملة للصالحات في حياتها، الأمر الذي يمنح أيّ راغب بالصّلاح الثِّقة والطمأنينة أنه ينتمي لأُمّة، ويسلك في خطّ، وينتظم في جماعة سبقته إلى الصلاح، وسلّمته راية الصلاح، فالتحق بصالح مَنْ مضى وسعى لأن يكون من صالح مَن بقي.. وإليك هذه النماذج التي تلتقي بمجموعها في أنّ الإيمان شرطها الأوّل، والصلاح صفتها الأبرز، وإسعاد الناس – من خلال ما يُرضي الله – غايتها القُصوى.
1- المُتّقون:
(ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة/ 2-5).
- المُتّقون هم الذين يتّقون سخط الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويدفعون عذابه بطاعته، وهم الذين يتّقون الشِّرك في أعمالهم كما اتّقوه في عقيدتهم، ويعملون بطاعة الله ويؤدّون ما افترض عليهم. وهم المصدِّقون بالغيب مما لا تُدركه حواسّهم من بعث وجنّة ونار وصراط وحساب وغير ذلك. ويؤدّون الصلاة على الوجه الأكمل بشروطها وأركانها وأفراضها وآدابها. ويتصدّقون من أموالهم التي جعلهم الله مُستخلفين فيها في وجوه البرّ والإحسان، ويؤمنون بكلِّ ما جاء به النبي (ص) عن الله تعالى، وبما أنزل سبحانه من أنبياء ورُسل قبله، ولا يُفرِّقون بين كتب الله إلا المُحرّف منها، فهم ينبذونه كما نبذهُ كتابهم القرآن، وبالتالي فالمتّقون هم أهل النور والبيان والبصيرة، وهم الفائزون بالدرجات العالية الرفيعة في جنّات النعيم.
- قال سبحانه في وصفهم أيضاً: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) (الأنبياء/ 48-49).
ممّا يؤكِّد أنّ خطّ التقوى واحدٌ متّصلٌ موصولٌ في عهود جميع الأنبياء، وأنّ صفاتهم مشتركة، ومن تلك الصِّفات قول الحقّ عزّ وجلّ:
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات/ 15-19).
2- الصّابرون:
قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة/ 155-157).
الله تعالى يختبر عباده بألوان البلاء، خوفاً، وجوعاً، وذهاب أموال، وموت أحباب، وضياع ثروات، فإذا ما صبرَ المبتلى بالمصائب على البلاء والقضاء، وعرفَ أنّه بين (المُلك) لله وبين (الهُلك) في نهاية أمره في الدنيا، بُشِّرَ بنعيم الجنّة، ولا يتحقّق ذلك إلا للمهتدين إلى طريق السعادة والفلاح.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ...) (البقرة/ 153).
وقال جلّ جلاله: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر/ 10).
والصّبر هو القدرة على التحمّل، والمُمانعة، والمُقاومة، وعدم الجزع، لا الصبر السلبي القهري الذي يُفقد الإنسان إرادته.
3- البائعون أنفسهم لله (الشهداء):
قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة/ 207).
- هؤلاء هم الأخيار الأبرار وأهل الخير والصلاح الذين باعوا أنفسهم لله مضحِّين بها من أجل دينهم وإعلاء كلمة الله في الأرض، وطلباً لمرضاته ورغبةً في ثوابه، لا يتحرّون بعملهم إلا وجهه، وإلا إنقاذ المُضطهَدين من الأغلال التي عليهم.
يقول جلّ جلاله: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (آل عمران/ 169-170).
ورسالة هؤلاء الشهداء لِمَن يأتي على الأثر من المجاهدين تزفّ لهم البُشر بما سيكونون عليه بعد الإستشهاد. وقيمة هؤلاء الأبرار أنّهم يُعبِّدون الطريق لعبادة الله، وحرِّية العمل لأخوانهم في الدِّين، وإنقاذ شعوبهم المُضطهدة من نير الظالمين وجرائم المُفسدين.
4- المُسارعون إلى مغفرة الله (السّابقون):
قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران/ 133).
- المُسارعون إلى مغفرة الله، هم السابقون الأوّلون في الهجرة والنصرة والإنفاق قبل الفتح، بل وكلّ مَن يغتنم فرصة الحياة الدنيا لينال بها مرضاة الله ولا يضرّه مَن ضلّ إذا اهتدى، ولا مَن يبخل إذا تصدّق، ولا مَن يجبن أو يتخلّف إذا دعا داعي الجهاد، ولا مَن ينحرف إذا استقام، ولا مَن كفرَ طالما أنّ قلبه مطمئنّ بالإيمان.
قال سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ) (الواقعة/ 10-14).
- هم سابقون إلى الخيرات والحسنات والصالحات، وهم السابقون إلى القُربات وإلى الجنات، لا يحزنهم الفزع الأكبر، لأنّهم ملأوا الحياة أمناً وأماناً، وصنعوا منها جنّة مصغّرة، فاستحقوا الجنّة الكُبرى.
5- الربانيون:
قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران/ 146).
- (الرِّبيّون) هم العلماء الرّبانيون والعباد الصالحون الذين لا تضعف هممهم ولا يخافون لقاء العدوّ ولا يخضعون لقوّةٍ استكباريّة ولا يستسلمون لما يجمع الناس لهم من قوى ميدانيّة عسكرية وقوى معنويّة نفسيّة، فهم صابرون على مُقاساة الشدائد والأهوال، أعدّوا وهيأوا أنفسهم إلى النِّزال والقِتال في سبيلِ الله فيَقْتِلونَ ويُقتَلون، فلا يهابون فيه شيئاً بعدما باعوا أموالهم وأنفسهم له.
6- أنصار الله:
قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة/ 22).
- إنّهم أهل الإيمان الذين لا يوالون أعداء الله حتى لو كانوا أقرب الناس إليهم، فهم أحباب الله وخاصّته وأنصاره وأولياؤه، بهم ينتصر لدينه، وبهم ينتقم من عدوِّه، وبهم يحقِّق لخلافه الإنسان في الأرض أهدافها المنشودة.
7- حزب الله:
قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).
- إنهم اهل الإيمان الذين لا يوالون أعداء الله حتى لو كانوا أقرب الناس اليهم، فهم أحباب الله وخاصته وأنصاره وأولياؤه، بهم ينتصر لدينه، وبهم ينتقم من عدوه، وبهم يحقق لخلافة الإنسان في الأرض اهدافها المنشودة.
8- المُتوكِّلون على الله:
قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 173-175).
- المتوكِّلون هم الذين يقولون بثقةٍ مطلقة: الله كافينا، وحافظنا، وناصرنا، ومعيننا، ومتولِّي أمرنا، ونِعْمَ الملجأ ونِعْمَ المولى ونِعْمَ النّصير، فلا يزيدهم إرجاف المُرجفين وتخويف المخوِّفين إلا إيماناً وتصديقاً وإصراراً وثباتاً، لمعرفتهم اليقينيّة أنّ المثبِّطين إخوان الشياطين وأعوانهم من الكفّار الذين يزرعون الخوف في كلِّ مكان. إنّهم لعلى ثقةٍ من أنّ الله كافٍ عبده، وأنّه إذا كان معهم فَمَن عليهم!
9- المؤمنون الذين لم يُلبِسوا إيمانهم بظُلم:
قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام/ 82).
- إنّ المؤمنين الذين آمنوا وحسن إيمانهم هم الذين لم ينحرفوا عن خطِّ الإيمان لا بشكٍّ ولا بشرك، ولم ينحرفوا عن ولاية الحقّ إلى ولاية الباطل، ومن ولاية الله إلى ولاية الشيطان، ومن ولاية أئمّة العدل إلى ولاية أئمّة الجور، فمَنْ لم يخلط إيمانه بظُلم، أيّاً كان هذا الظّلم هو من الصالحين، وهو من المؤمنين حقّ الإيمان.
10- المُتطهِّرون:
قال تعالى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة/ 108).
الطّهارة طهارتان: مادِّية من الأقذار والأوساخ والنّجاسات، ومعنوية من الذنوب والمعاصي والآفات، والله تعالى يحبّ المُبالغين في الطهارة ظاهرية كانت أو باطنيّة.
يقول سبحانه: (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ * والرُّجْزَ فاهْجُرْ) (المُدّثر/ 4-5).
وقال عزّ وجلّ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة/ 222).
فالطهارة بشقّيها سمة مميّزة من سمات الصالحين، لأنّها تُمثِّل عمليّة تنظيف مستمرّة لأوساخ الداخل والخارج، وسعي دائم للعودة إلى سلامة الفطرة وطهارة الباطن.
11- العُقلاء:
قال تعالى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد/ 19-22).
العُقلاء من الناس هم الذين يحفظون عهد الله الذي وصّاهم به، وهو أوامره ونواهيه التي كلّف بها عباده، لا يخافون ما عاهدوا الله عليه وأوثقوا به أنفسهم من العهود المؤكّدة سواء بينهم وبين الله، أو بينهم وبين الناس. ويَصِلُونَ أرحامهم التي أمرَ الله بصلتها، ويهابون ربّهم إجلالاً وتعظيماً، ويرجونَ له وقاراً، ويخافون الحساب الذي يؤدي بهم إلى النار، فهم لرهبتهم جادون في طاعته، محافظون على حدوده، يصبرونَ على المكارهِ والمصائبِ والنكبات، رضاً بقضائه وطلباً لمرضاته، ويؤدّون الصلاة المفروضة بحدودها في أوقاتها. وينفقون أموالهم في الخفاء والعَلَن تحبّباً إلى الله وابتغاء التقرّب إليه. ويدفعون الجهل بالحلم، والأذى بالصبر، والسّيِئ من الأعمال بالأعمال الصالحة، أي أنّهم يفعلون الحسنات ليمحوا بها السيِّئات.
12- الثّابتون على الإيمان:
قال تعالى على لسان سحرة فرعون: (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه/ 72-73).
السحرةُ هنا نموذج لكلِّ الثابتين على المبدأ، الذين لا يتزلزلونَ ولا يتذبذبونَ ولا يزيفونَ عن جادّة الحقّ. لقد قالوا لفرعون حين هدّدهم بالقتل: لن نختاركَ ونُفضِّلكَ على الهُدى والإيمان الذي جاءنا من الله، ولو كان في ذلك هلاكنا وتلف أنفسنا، فاصْنَعْ ما أنتَ صانِع، فإنّما ينفذ أمرك في هذه الدنيا الفانية الزائلة، والله خيرٌ منك ثواباً، وأدْوَم بقاءً، وأشدّ قوّةً، لأنّه خالقنا وخالقكَ وبيده لا بيد غيره أمرنا وأمرك.
13- الأخصائيّون الخُبراء:
قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (الأنبياء/ 7).
العلماء العارفون بالكتاب هم نموذج لكل أخصائي خبير، يجيد التعامل مع اختصاصه من موقع الثقافة العالية والتجربة الغنيّة، والقدرة على التعاطي مع المشاكل والمُستجدات، بما يرفع الإلتباس والإبهام وخلط المفاهيم، ويُجنِّب الأُمّة أدعياء العلم وأصناف المُتعلِّمين والمُتطفِّلين على اختصاص غيرهم.
يقول الحق سبحانه في ضرورة ملء الاختصالات الشاغرة في المجتمع والعمل بالواجب الكفائي لتأمين احتياجاته من الأخصائيِّين في أيِّ حقلٍ من حقول الحياة:
(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة/ 122).
أي لا يصحّ خروج جميع أبناء المجتمع للجهاد وتعطيل مصالح البلاد والعباد، فلابدّ من وجود الأخصائيِّين الذين يُغطّون حاجات المجتمع في احتياجاته الأساسية وأن لا يُصاب بحالة شَلل في حال النّفير، بمعنى أنّ الحرب مهما طالت فهي مؤقّتة، ولكن الحياة – بجميع حقولها الحيويّة – يجب أن تستمرّ حتى مع قيام الحرب.
14- المُعظِّمون حُرمات الله وشعائره:
قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج/ 30-32).
المعظِّمون حُرُمات الله هم الذين يُعظِّمون ما شرّعه الله تعالى من أحكام الدِّين، فيلتزمون الواجبات ويبتعدون عن المُحرّمات، ويجتنبون (الأرجاس) وهي الأوثان، كما يجتنبون (الأنجاس) وهي القذارات، مثلما يجتنبون شهادة الزّور، أي أنهم الميّالون إلى الحقِّ وتعظيم كل عظيم عظمة الله سبحانه في دينه وشريعته سواء من أعمال ومناسك الحجّ أو غيرها من الطاعات والعبادات، فتعظيم ما عظّمه الله يعني إحترامه وإجراءه والعمل به إن كان حسناً، وتركه والإبتعاد عنه والنهي عنه إن كان سيِّئاً، وذلك من أفعال التقوى وشيمة المُتّقين وعباد الله الصالحين.
15- المُخبتون (المُطيعون، المتواضعون، الخاشعون):
قال تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الحج/ 34-35).
للمُخبتين أربع صفات: فإذا ذُكِرَ الله (في وعيده أو عقوباته أو في حكمٍ من أحكامه)، خافت وارتعشت لذكره قلوبهم، فكأنّهم بين يَدَيه واقفون ولجلاله وعظمته مشاهدون. وهم الصابرون في السراء والضراء والأمراض والمصائب والمِحَن وسائر المكاره والإبتلاءات. وهم المؤدُّون صلاتهم في أوقاتها بخشوع، والمقيمون لها بما تأمرهم به من صلاح وتنهاهم عنه من فساد. وهم المُنفقون ممّا رزقهم الله من فضله في وجوه البر والخير والإحسان.
16- المُهاجرون:
قال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحشر/ 8).
المهاجرون هم الذين ألجأهم الكفار الظالمون إلى تركِ أوطانهم وهجران ديارهم وأموالهم، ففرّوا بدينهم ابتغاء مرضاة الله، وعسى أن يجدوا فسحة في المَهْجَر ينطلقونَ من خلالها إلى ما يمكن لمجتمعات أخرى أن تستنهض به واقعها، وأن تثري به تجربتها.
الأمر الذي يدعونا إلى أن نستقرئ برامج السماء الإصلاحية حتى وإن تنكّبت لها المجتمعات، أو شرائح من المجتمعات الإنسانيّة، لتشكِّل بمجملها صورة للمجتمع الصالح في القرآن.
السودان: البرهان يعلن استعداداً مشروطاً للتفاوض مع حميدتي
أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، عن استعداده للتفاوض مع قائد "قوات الدعم السريع"، محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وأوضح البرهان في مقابلة مع "بي بي سي"، أنّه سيجري لقاءً مع حميدتي في حال التزام الأخير بحماية المدنيين، وهو ما تعهد به الطرفان خلال المحادثات التي عُقدت في مدينة جدة السعودية، في شهر مايو/ أيار الماضي.
وقال عبد الفتاح البرهان: "مستعدون للمشاركة في المفاوضات، وسوف نجلس مع أي أحد من قيادة هذه القوات المتمردة، إذا كانت ترغب في العودة إلى رشدها وسحب قواتها من المناطق السكنية والعودة إلى ثكناتها، والتزموا بما تم الاتفاق عليه في جدة".
لكن قائد الجيش السوداني شدد في المقابلة الصحفية، على أنه "واثق من النصر" ، بحسب تعبيره، وأوضح أنه اضطر إلى نقل مقر قيادته إلى بورتسودان، لأن القتال في العاصمة السودانية الخرطوم جعل من المستحيل على الحكومة الاستمرار.
وكان قائد "قوات الدعم السريع" في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قد أكد في كلمة مسجلة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الخميس الماضي، أنّ قواته على استعداد تام لوقف إطلاق النار، والدخول في محادثات سياسية شاملة لإنهاء الصراع مع الجيش.
ودعا حميدتي إلى تأسيس جيش سوداني جديد "لبناء مؤسسة عسكرية مهنية تنأى بنفسها عن السياسة وتحمي الدستور والنظام الديمقراطي"، حسب تعبيره.
وأوضح أنّ الحرب سببت دماراً "لم يسبق لها مثيل" في السودان، لا سيما الخرطوم، وأحدثت أزمة إنسانية في دارفور، لافتاً إلى أنّ فريقه انخرط "بصدق" في المفاوضات التي استضافتها السعودية في جدة، وطرح رؤية لإيقاف الحرب.
القصور الوريدي.. عوامل الخطورة والأعراض
قال معهد الجودة والكفاءة الاقتصادية في القطاع الصحي الألماني إن القصور الوريدي هو اضطراب في عملية تدفق الدم، لا سيما من الساقين إلى القلب.
وأوضح المعهد أن عوامل الخطورة المؤدية إلى القصور الوريدي تتمثل في:
- السِّمنة.
- قلة الحركة.
- الحمل.
- التغذية غير الصحية.
- الوقوف أو الجلوس طويلا.
- الإصابات.
- العمليات الجراحية.
- العوامل الجينية.
- التقدم في العمر.
أعراض القصور الوريدي
وتتمثل الأعراض الدالة على القصور الوريدي في:
- دوالي الساقين.
- ظهور بقع زرقاء وحمراء على جلد الساق.
- الشعور بثقل وتعب في الساقين بعد الجلوس أو الوقوف لمدة طويلة.
- تورم الكاحلين.
- تقلصات ليلية بباطن الساق.
- الشعور بوخز وشد وخدر وألم في الساقين.
وتجب استشارة الطبيب فور ملاحظة هذه الأعراض للخضوع للعلاج في الوقت المناسب لتجنب حدوث مضاعفات خطيرة تتمثل في الإصابة بجلطة الساق.

تدابير بسيطة
ويمكن مواجهة الحالات الطفيفة من القصور الوريدي من خلال بعض التدابير البسيطة، مثل ممارسة الأنشطة الحركية، وإنقاص الوزن، والاستلقاء مع رفع الساقين أو ممارسة تمرين الدراجة في الهواء أثناء الاستلقاء، وارتداء الجوارب الضاغطة، والحمامات الباردة.
وفي الحالات الخطيرة يمكن اللجوء إلى الجراحة، مثل جراحة نزع الوريد والتصليب بالرغوة والعلاج بالموجات الراديوية بالحرارة.
الإفراط في البقوليات يهدد بنقص فيتامين "بي 12"
أفادت مجلة "هيلبراكسيسنت" الألمانية بأن الإفراط في تناول البقوليات يهدد بنقص فيتامين "بي 12" (B12) الهام للعمليات الحيوية للجسم.
ويؤدي الإفراط في تناول البقوليات -باعتبارها بديلا عن البروتين الحيواني في بعض الأنظمة النباتية- إلى نقص إمداد الجسم بفيتامين "بي 12".
وأوضحت الجمعية الألمانية للتغذية أن الأطعمة الحيوانية -مثل الأسماك واللحوم والبيض ومنتجات الألبان- هي التي توفر فيتامين "بي 12" مما يعني أن الأطعمة الحيوانية بكميات مناسبة هي الضمانة لإمدادات كافية بهذا الفيتامين.
وصحيح أن هناك أطعمة نباتية تحتوي على فيتامين "بي 12" -مثل الملفوف وفطر شيتاكي- إلا أنها لا تضمن إمداد الجسم بالكميات الكافية منه.
وفي مثل هذه الحالات، ينصح خبراء التغذية الألمان الأشخاص الذين يتبعون النظام النباتي بتناول كميات كافية من فيتامين "بي 12" عن طريق المكملات الغذائية، وذلك بعد استشارة الطبيب.
ويؤدي نقص فيتامين "بي 12" إلى زيادة التهيج والتعب والضعف الإدراكي والشعور بالضعف وآلام الأعصاب، ومع الحالات الشديدة يظهر على صورة ضيق في التنفس ودوخة وتلف في الأعصاب وفقدان الإحساس في اليدين والقدمين وضعف العضلات وضعف الاستجابة وصعوبة المشي والارتباك.
لافروف: نظام عالمي جديد يتشكل ووعود الغرب كاذبة
قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن هناك نظاما عالميا جديدا قيد التشكل ويتم ترسيم حدوده، متهما أميركا وأوروبا بعدم الوفاء بوعودهم.
وأضاف لافروف -في كلمة روسيا أمام الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة– أنه "إذا لم ترد واشنطن وحلفاؤها التفاوض معنا بشأن نظام عالمي أكثر عدالة فسيكون علينا خوض ذلك بأنفسنا".
وشدد وزير الخارجية الروسي على ضرورة "إصلاح منظمة الأمم المتحدة واعتماد آليات منصفة فيها"، مؤكدا أن هناك حاجة لإعادة النظر في آليات التصويت بمجلس الأمن.
وقال لافروف إن البشرية تقف الآن أمام مفترق طرق ويجب تجنب انهيار آليات التعاون الدولي التي أنشأها أجدادنا.
وتابع لافروف أن هناك منظمات مثل بريكس تحافظ على أمنها وتسعى لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، بينما تبذل الولايات المتحدة وحلفاؤها كل ما في وسعهم للحيلولة دون تشكل نظام دولي عادل.
ودعا لافروف لإعادة حقوق التصويت في الصندوق والبنك الدوليين والاعتراف بالثقل الذي تمثله بلدان الجنوب، معتبرا أن "دول الغرب ترفض مبدأ المساواة وهي عاجزة كليا عن التفاوض وتنظر باستعلاء إلى بقية العالم".
وعن الحرب التي تخوضها روسيا مع أوكرانيا، قال لافروف إن دول الغرب استمرت في تسليح أوكرانيا واستخدامها في الحرب ضد روسيا، وهو أمر غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة، كما رفضت منح روسيا ضمانات أمنية، متهما الغرب بنكث وعوده بعدم توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) نحو الشرق.
وقال إن ممرات مبادرة حبوب البحر الأسود استخدمت مرات عدة لإطلاق مسيّرات فوق المجال البحري وتنفيذ ضربات ضد السفن الروسية، مشيرا إلى أن السبب الرئيسي وراء انسحاب موسكو من المبادرة هو أن "كل ما وعدونا به تبين أنه كذب".
وأشار لافروف إلى أن دول الناتو نقلت المواجهة العسكرية مع روسيا إلى الفضاء الخارجي وكذلك ميدان المعلومات، قائلا إن أميركا وأوروبا تقدم كل أنواع الوعود ولكنهم لا يلتزمون بها.
وأكد لافروف أن الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات لبناء الثقة بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورني قره باغ، وأن هناك قوات روسية ستساعد في ذلك.
واتهم لافروف دول الغرب بمحاولة فرض نفسها كوسطاء بين البلدين، وهو ما قال إنه غير مطلوب، مضيفا "لقد قامت يريفان وباكو بتسوية الوضع بالفعل".
كما اتهم لافروف الغرب بتغذية "عدم التسامح وموجات كراهية الإسلام، وعدم الشعور بأي قلق إزاء حرق القرآن"، كما اتهم واشنطن وحلفاءها في آسيا بتعزيز "العسكرة في شبه الجزيرة الكورية".
وفي حين أكد وزير الخارجية الروسي دعم كل المبادرات التي تهدف إلى التوصل إلى حل للأزمة السودانية، قال إن تطبيع الوضع في الشرق الأوسط يتطلب حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
الإمام العسكري (عليه السلام) في سجون العباسيين
تعرّض الإمام العسكري (عليه السلام) خلال خلافة المعتز والمهتدي والمعتمد إلى السجن أكثر من مرة، وكانوا يوكلون به أشخاصاً من ذوي الغلظة على آل أبي طالب والعداء لأهل البيت (عليه السلام) من أمثال: علي بن اوتامش([1])، وأقتامش([2])، ونحرير([3])، وعلي بن جرين، وكان المعتمد يسأل علي بن جرين عن أخباره (عليه السلام) في كلّ مكان ووقت، فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل([4])، كما كان العباسيون يدخلون على بعض مسؤولي السجن ومنهم صالح بن وصيف، فيوصونه بأن يضيق عليه ويؤذيه([5]).
وكانوا لا يفارقونه حتى في الاعتقال حيث كانت الرقابة السرية تطارده وأصحابه بدسّ الجواسيس بين أصحابه في السجن، وكان أحدهم يدّعي أنه علوي وهو جُمحي، وقد هيّأ كتاباً جعله في طيات ثيابه كتبه إلى السلطان يخبره بما يقولون ويفعلون([6]).
ويصف أبو يعقوب إسحاق بن أبان طريقة حراسة السجن الذي يودع فيه الإمام (عليه السلام) ومراقبته الصارمة بقوله: «إن الموكلين به لا يفارقون باب الموضع الذي حبس فيه (عليه السلام) بالليل والنهار، وكان يُعزَل الموكلون ويولّى آخرون بعد أن تجدّد عليهم الوصية بحفظه والتوفّر على ملازمة بابه»([7]).
أما موقف الإمام (عليه السلام) من السجن والسجانين، فهو إقامة الحجة الواضحة عليهم عن طريق أفعاله وزهده وعبادته وصلاحه، وقد استطاع من خلال هذا الأسلوب أن يفرض هيبته على غالبيتهم، حتى أن بعضهم يرتعد خوفاً وفزعاً بمجرد أن ينظر إليه، قال بعض الأتراك الموكلون به حينما كان في سجن صالح بن وصيف: «ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كلّه، ولا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا»([8]).
وحينما حلّ في سجن علي بن أوتامش، وكان شديد العداوة لآل البيت: غليظاً على آل أبي طالب، فضلاً عن أنه اُوصي من قبل السلطة بأن يفعل به ويفعل على ما جاء في الرواية، لكنه تأثر بهدي الإمام (عليه السلام) ومكارم أخلاقه، فوضع خده على الأرض تواضعاً له، وكان لا يرفع بصره إليه اجلالاً وإعظاماً، وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة واحسنهم فيه قولاً([9]).
وحينما أوصى العباسيون صالح بن وصيف عندما حبس أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) عنده بأن يضيق عليه، قال لهم صالح وهو يعلن اعتذاره وعجزه عن هذا الأمر: «ما أصنع به وقد وكلت به رجلين من شرّ من قدرت عليه، فقد صاروا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم»([10]).
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) سيرة وتاريخ
([1]) في بعض المصادر: بارمش أو نارمش.
([2]) راجع: أصول الكافي / للشيخ الكليني 1: 508 / 8 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي من كتاب الحجة ـ دار الأضواء ـ بيروت ـ 1405 ه، الإرشاد للشيخ المفيد 2: 329 ـ مؤسسة آل البيت: ـ قم ـ 1413 ه، المناقب لابن شهر آشوب 4: 462.
([3]) راجع: أصول الكافي 1: 513 / 26 من الباب السابق، الإرشاد 2: 334.
([4]) إثبات الوصية / المسعودي: 253 ـ انصاريان ـ قم ـ 1417 ه، مهج الدعوات / السيد ابن طاووس: 343، بحار الأنوار 50: 314.
([5]) أصول الكافي 1: 512 / 23 من الباب السابق، الإرشاد 2: 334، المناقب لابن شهر آشوب 4: 462.
([6]) المناقب لابن شهر آشوب 4: 470، إعلام الورى 2: 141، الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 2: 682 / 1 و 2 ـ مدرسة الإمام المهدي 7 ـ قم، بحار الأنوار 50: 54 / 10 و 312 / 10.
([7]) بحار الأنوار 50: 304 / 80 عن عيون المعجزات.
([8]) الكافي 1: 512 / 23 من الباب السابق، الإرشاد 2: 334.
([9]) الكافي 1: 508 / 8 من الباب المتقدم، الإرشاد 2: 329.
([10]) الكافي 1: 512 / 23 من الباب المتقدم، الإرشاد 2: 334.
الصلاة رحلة إلى اللّه عز وجل
ما هي الغاية من الصلاة؟ وكيف نصلي؟
إن (الذكر) هو الغاية من الصلاة. يقول تعالى: ﴿إِنّنِي أنا اللّهُ لا إِله إِلّا أنا فاعْبُدْنِي وأقِمِ الصّلاة لِذِكْرِي﴾([1]).
فالصلاة إذن ذكر، والغاية من الصلاة الذكر ولا يتأتى للإنسان الذكر من دون "حضور القلب" في الصلاة، فإن الذكر هو الحضور، والغفلة الغياب، ولكي يحقق الانسان في صلاته حالة الذكر لابد له من تحضير القلب.
ولا قيمة للصلاة إلا بمقدار حضور القلب، وليس للمصلي من صلاته الا ما أقبل عليها بقلبه. وقد دلت الروايات على ذلك. فعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله: "كم من قائم حظه من صلاته النصب والتعب"([2]).
وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: "إذا أقمت للصلاة فعليك بالإقبال على الله، فإنما لك من الصلاة ما أقبلت عليه بقلبك"([3]).
وقد تكون الصلاة فارغة تماما من ذكر وإقبال على اللّه، وليس فيها من الصلاة الا الشكل والمظهر.. فيضرب بها وجه صاحبها.
الخشوع في الصلاة
فمِنْ علامةِ أحدِهِمْ أنّك ترى لهُ.... خُشُوعا فِي عِبادة.
فما هو الخشوع وكيف يمكن تحصيل هذه الحالة من القرب الى الله؟
الخشوع في اللغة :هو الخضوع والسكون. قال: ﴿وخشعت الْأصْواتُ لِلرّحْمنِ فلا تسْمعُ إِلّا همْسا﴾([4]). أي سكنت.
والخشوع في الاصطلاح: لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه،فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء،لأنها تابعة له فالخشوع محله القلب ولسانه المعبر هو الجوارح.
إن الخشوع في الصلاة، هو توفيق من الله جل وعلا، يوفق إليه الصادقين في عبادته، المخلصين المخبتين له، العاملين بأمره والمنتهين بنهيه. فمن لم يخشع قلبه بالخضوع لأوامر الله خارج الصلاة، لا يتذوق لذة الخشوع ولا تذرف عيناه الدموع لقسوة قلبه وبعده عن الله.قال تعالى: "إنّ الصّلاة تنْهى عنِ الْفحْشاء والْمُنكرِ"([5])، فالذي لم تنهه صلاته عن المنكر لا يعرف إلى الخشوع سبيلاُ، ومن كان حاله كذلك، فإنه وإن صلى لا يقيم الصلاة كما أمر الله جل وعلا، قال تعالى: ﴿اسْتعِينُواْ بِالصّبْرِ والصّلاةِ وإِنّها لكبِيرةٌ إِلاّ على الْخاشِعِين﴾([6]).
المتقون، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) طه: 14.
([2]) الرازي- وفاة 206- التفسير الكبير ج23 ص77.
([3]) المجلسي- محمد باقر- بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة- ج81 ص260.
([4]) طه: 108 .
([5]) العنكبوت: 45.
([6]) البقرة:45.
التضحية والفداء في شخصية أمير المؤمنين (عليه السلام)
وقف عليّ بن أبي طالب عليه السلام لمدّة ثلاث عشرة سنة إلى جانب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وفي أصعب المواطن. صحيحٌ أنّ هجرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كانت اضطراريّة وتحت الضّغط المتواصل لقريش وأهل مكّة، لكنّها كانت ذات مستقبلٍ مشرق. فالجميع كان يعلم أنّ هذه الهجرة هي مقدّمة النّجاحات والانتصارات. هناك عندما تتجاوز أيّ نهضةٍ مرحلة المحنة لتدخل في مرحلة الرّاحة والعزّة، هناك عندما يكون الجميع منشغلًا، بحسب العادة، لكي يصلوا أسرع من غيرهم، علّهم يأخذون من المناصب الاجتماعيّة شيئًا، وينالون الموقعيّةً، في تلك اللحظة بالذّات، كان أمير المؤمنين عليه السلام مستعدًّا لأن ينام مكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في فراشه، في تلك الليلة المظلمة الحالكة، حتّى يتمكّن الرّسول من الخروج من منزله ومن هذه المدينة. في تلك الليلة، كان مقتل من ينام على ذاك الفراش أمرًا شبه قطعيّ، ومسلّمًا به.
كوننا نحن نعلم ما حدث، ونعلم أنّ أمير المؤمنين لم يُقتل في تلك الحادثة، هذا لا يعني أنّ الجميع في تلك الأثناء كان يعلم ذلك، كلّا، فالقضيّة كانت أنّه في ليلةٍ حالكة، وفي لحظة معيّنة، كان من المقرّر أن يُقتل شخصٌ حتمّا. كان يُقال إنّه، ومن أجل أن يخرج هذا السيّد من هنا، ينبغي أن يكون هناك شخصٌ آخر مكانه حتّى يشعر الجواسيس، الّذين يُراقبون، بأنّه ما زال هناك، فمن هو المستعدّ لذلك؟ هذا هو إيثار أمير المؤمنين عليه السلام الّذي يُعدّ بذاته حادثةً استثنائية من حيث الأهمّية. لكنّ توقيت هذا الإيثار يزيد من أهميّته. ففي أيّ وقتٍ كان ذلك؟ في الوقت الذي كان متوقّعًا أنّ تصل فيه هذه المحنة إلى نهايتها، وأن يذهبوا لتشكيل الحكومة، وأن يكونوا مرتاحين، وأهل يثرب قد آمنوا وينتظرون النبيّ. الكلّ كان يعلم ذلك. في مثل هذه اللحظة، يقوم أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الإيثار، فلا ينبغي أن يكون هناك أيّ دافعٍ شخصيّ في مثل هذا الإنسان، حتّى يقدم على مثل هذه الحركة العظيمة.
أمير المؤمنين (عليه السلم) في المعارك والحروب:
قدِم الإمام علي عليه السلام إلى المدينة مع بدأ المعارك والقتال المتواصل لحكومة النبيّ الفتيّة. فالمعارك والحروب كانت دائمة، هكذا كانت خاصيّة تلك الحكومة. كان هناك مواجهات دائمة، بدأت قبل معركة بدر، واستمرّت على مدى السنوات العشر تلك، وإلى آخر حياة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، خاض فيها النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عشرات المعارك والمواجهات مع الكفّار، على مختلف أنواعهم وأقسامهم وشُعَبِهِم. وفي كلّ هذه المراحل، كان أمير المؤمنين عليه السلام حاضرًا ليكون أوّل من يتصدّى، وأكثر النّاس تضحيةً وفداءً، واستعدادًا للموت بين يديّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، كما بيّنه أمير المؤمنين عليه السلام نفسه، وأظهره التاريخ في جميع هذه المراحل والميادين المهولة: "ولقد واسيته بنفسي في المواطن الّتي تنكص فيها الأبطال وتتأخّر فيها الأقدام"[1]. وقف أمير المؤمنين عليه السلام إلى جانب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أشدّ اللحظات حرجًا، بينما كان بعض النّاس يُفكّر في نفسه وفي كيفية الحفاظ عليها، بحجّة أن يكون مفيدًا للإسلام فيما بعد. ولم يخدع أمير المؤمنين عليه السلام نفسه أبدًا بمثل هذه الحجج، ولم تكن نفسه السّامية لتُخدع. ففي جميع مراحل الخطر، كان أمير المؤمنين عليه السلام حاضرًا في الخطوط الأماميّة.
تاريخ النبي وأهل البيت عليهم السلام، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] نهج البلاغة، ص 311.
كيف نعالج الكبر في نفوسنا وسلوكنا؟
إذا أراد المرء أن يعالج نفسه من داء الكِبْر فعليه اليقظة من الغفلة، ومن ثمّ تطهير القلب بنار الندامة، وهي بمثابة الخطوة الأولى لاستئصال هذه الرذيلة من جذورها، وأمّا الدواء والعلاج فهو على قسمين:
أ- العلاج العلمي: وهو بأن يتفكّر الإنسان المتكبّر بحال نفسه، وبمفاسد الكِبْر وآثاره السلبية. فمن المفيد للتخلّص من آفة الكِبْر أن يتفكّر الإنسان أولاً في حقيقة نفسه وفقره، كيف خُلق من نطفةٍ مهينة يستقذرها الناس، ومن ثمّ أصبح طفلاً ضعيفاً لا يقوى على شيء، وحتى عندما أصبح بالغاً وقويّاً فإنّ قواه ليست تحت تصرّفه، فلا يمكنه المحافظة على شبابه وجماله وصحّته، أو دفع المرض أو البلايا عنه... وتستمرّ مسيرته إلى أن يبلغ سنّ الشيخوخة، فيكون ضعيفاً عاجزاً لا يستطيع السير خطواتٍ معدودة بمفرده، إلى أن توافيه المنيّة، فيصبح جيفةً نتنة رائحتها تزكم الأنوف، وثرواته يتناقلها الورثة، وعن الإمام الباقر عليه السلام: "عجباً للمختال الفخور! وإنّما خلق من نطفة، ثمّ جيفة، وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يُصنع به"[1].
وإذا ما انتقل إلى العالم الآخر ولم يتخلّص من رذيلة الكِبْر واستحكمت به آثارها المهلكة، فإنّه سيلاقي من أنواع العذاب ما لا يمكن وصفه.
ب- العلاج العملي: بعد أن يرى الإنسان خطورة بقاء هذه الرذيلة الأخلاقية على إيمانه ومصيره في الآخرة، لا بدّ له من السعي بجدّ للتخلّص منها. وأفضل سبيلٍ هو أن يعمل بما يضادّها، أي كلّما دعته نفسه ليتكبّر على الآخرين، يقمعها ويخالف أوامرها بأن يتواضع لهم، فعن الإمام علي عليه السلام: "ضادّوا الكِبْر بالتواضع"[2]. فإذا رأى أنّ سبب تكبّره ارتداء الملابس الفاخرة أو اقتناء الحاجيّات الفخمة، فعليه أن يبادر إلى ارتداء الملابس البسيطة، وإن لاحظ في نفسه نفوراً من مجالسة الفقراء، فيصرّ على مجالستهم ومساعدتهم. وإن كان يحب أن يتقدّم القوم، فليعمد إلى تقديمهم على نفسه، وإن كان لا يصغي إلى كلام الآخرين، أو لا يقضي حوائجه بنفسه دون الاعتماد على الآخرين، فعليه العمل بخلاف ذلك. وإذا حدّثته نفسه بالتعالي على غيره والسعي لإذلالهم أو الاعتداء على حقوقهم، فليتذكّر ما أعدّه الله من عذابٍ للمتكبّرين الظالمين: ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾[3].
أنوار الحياة، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مؤسّسة الوفاء - بيروت - لبنان، 1403 - 1983م، ط 2،باب الكبر،ج70، ص229،ح22.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 329.
[3] سورة الزمر، الآية 72.
جانب من الظروف السياسية في عصر الإمام العسكريّ (عليه السلام)
واصل الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام مهامّ الإمامة بعد والده الإمام الهادي عليه السلام. وعاصر في فترة إمامته القصيرة (ست سنوات) حكومة ثلاثة حكّام من العباسيين هم المعتزّ والمهتدي والمعتمد. وكانت المعاناة مع الدولة العبّاسية ما زالت شديدة، ففي غضون حكم المعتزّ قُتل الكثير من الأبرياء وسُجن من العلويّين أكثر من سبعين شخصاً من آل جعفر وآل عقيل. وبعد المعتزّ تسلَّم المهتدي الخلافة، وسجن الإمام عليه السلام، بل وحتّى اتّخذ قراراً بقتله إلّا أنّ الأجل لم يمهله فمات.
وحدّث عليّ بن جعفر عن الحلبيّ: اجتمعنا في العسكر وترصّدنا لأبي محمّد عليه السلام يوم ركوبه، فخرج توقيعه: "ألا لا يسلّمنّ عليّ أحد، ولا يُشز إليّ بيده، ولا يومئ، فإنّكم لا تؤمَنون على أنفسكم"[1].
يقول أحمد بن محمّد: كتبت إلى أبي محمّد (الإمام العسكريّ) حين أخذ المهتدي في قتل الموالي: يا سيّدي الحمد لله الذي شغله عنّا، فقد بلغني أنّه يتهدّدك، ويقول والله لأجلينّهم عن جديد الأرض، فوقّع أبو محمّد عليه السلام بخطّه: "ذلك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة أيام ويُقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به"، فكان كما قال عليه السلام[2].
وقد بلغت درجة الضغط والمضايقة في عهد الإمام العسكريّ عليه السلام على الإمام والشيعة إلى درجة اضطرّ الإمام عليه السلام إلى أن يتصرف بطريقة أمنية، وكانت تلك المضايقة تعود لسببين:
الأول: أنّ الشيعة قد تحوّلت في عصر الإمام العسكريّ عليه السلام إلى قوّة ضخمة في العراق تعارض وتخالف الخلفاء والحكّام، بل وصل الأمر إلى أنّهم كانوا لا يعترفون بشرعية أيّ واحد من الخلفاء العباسيين، ويعتقدون بأنّ الإمامة في أولاد الإمام عليّ عليه السلام. ومن الشواهد التاريخية على ذلك هو اعتراف عبيد الله وزير المعتمد بذلك، فقد ذهب جعفر الكذّاب أخو الإمام العسكريّ عليه السلام بعد استشهاده إلى عبيد الله وقال: اجعل لي مرتبة أخي وأنا أوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار، ...(فزجره) وقال: يا أحمق، إنّ السلطان جرّد سيفه في الذين زعموا أنّ أباك وأخاك أئمة ليردّهم عن ذلك فلم يتهيّأ له، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى مرتّب"[3].
الثاني: أنّ العباسيين وغيرهم كانوا يعلمون وطبقاً للروايات المتواترة أن المهديّ المنتظر الذي سيتحقّق على يديه العدل والحرية من جهة، ومن جهة أخرى سوف يبيد كلّ الحكومات الظالمة أنه من أبناء الحسن العسكريّ، ولهذا شدّدوا الرقابة على الإمام العسكريّ عليه السلام في كلّ صغيرة وكبيرة، فقد أخضعوه للمراقبة الشديدة، ووضعوه تحت أعينهم[4].
وبعد خلافة المهتدي تسلَّم المعتزّ زمام السلطة، وفي عهده استشهد الإمام العسكريّ عليه السلام، وقُتِل مجموعة من العلويّين في هذه الأحداث. وتذكر بعض المصادر التاريخيّة أنّه قد تمّ قتل بعضهم بأفجع صورة وحتّى بعد القتل مثّلوا بأجسادهم[5].
دروس تمهيدية في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم والأئمة المعصومين عليهم السلام، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 50، ص 269.
[2] الشيخ المفيد، محمد بن النعمان، الإرشاد، ص324.
[3] الأربلي، علي بن عيسى بن أبي الفتح،كشف الغمة، ج3، ص197.
[4] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص434.
[5] أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين، مقاتل الطالبيين، ص 685- 690.