emamian

emamian

الثلاثاء, 14 تشرين2/نوفمبر 2023 03:05

معنى أن يستبدل الله (عزّ وجل) قوماً بقوم آخرين!

المادّة الأصلية لمفهوم "الاستبدال" هي الحروف الثلاثة الآتية: الباء والدال واللام. وهي تعني في اللغة ترجيح شيء على شيء آخر. وقد ورد هذا المفهوم في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم، ومنها ما ورد في سياق الحديث عن بني إسرائيل في قوله تعالى: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾[1]. ومعنى هذه الآية كما هو واضحٌ أتتّخذون الذي هو أدنى وأقلّ قيمةً بديلًا عن الذي هو خيرٌ وأحسن قيمة. وهذا المعنى لمادّة بدل هو حاصل ما يتبنّاه أهل اللغة وعلماء التفسير، يقول المصطفوي: "أنّ الأصل في المادّة هو وقوع شيءٍ مقام غيره"[2]. وقد يوحي هذا التفسير بعدم الفرق بين الاستبدال والتداول، ولكن يكشف التدقيق في الكلمتين عن شيء من الفرق بينهما يتبيّن بعد البحث عن فلسفة الاستبدال.
 
فلسفة الاستبدال الإلهيّ
تستند فكرة الاستبدال إلى أنّ الإنسان خُلِق على هذه الأرض بإرادة الله سبحانه، ولمّا كان الله منزّهًا عن العبث واللغو: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾[3]، و﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾[4]. وإذا كان الأمر على هذا النحو فمن البديهيّ السؤال عن السبب وعن الحكمة التي اقتضت أن يخلق الله الإنسان على الأرض، بل أن يخلق له الأرض وغيرها من المخلوقات كما تفيده الآيات الدالّة على تسخير كثيرٍ من الأشياء للإنسان: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾[5].
 
وبالرجوع إلى كتاب الله عزّ وجلّ نجد أنّه يبيّن لنا الهدف من خلق الإنسان على الأرض بعبارات عدّة لا ندّعي أنّها تدلّ على معنًى واحدٍ بالضرورة ولكنّها على أيّ حال تفيد أنّ ثمّة هدفًا يريد الله تحقيقه على يد الإنسان، فمرّة يعبّر عن هذا الهدف باسم الخلافة والاستخلاف، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾[6].
 
وأخرى يعبّر عنه بالعبادة كما في قوله عزّ وجلّ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[7].
 
وثالثةً يعبّر عن هذا المعنى بقوله: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾[8].
 
وهذه الآية وغيرها ممّا يمكن العثور عليه بمزيد من البحث تفيد أنّ لله من وراء خلق الإنسان غرضًا وغايةً. وقد أرسل الله رسله تترى إلى البشريّة ليحفظوا مسيرة الإنسانيّة على هذا الخطّ الإلهيّ وكتب على نفسه أن ينصر رسله وأن يحقّق الأهداف التي أرسلهم من أجلها، كما كتب على نفسه أن يحقّق الأهداف التي من أجلها خلق الإنسان نفسه. فإذا أبى جيلٌ من الأجيال أو قرنٌ من القرون بحسب التعبير القرآنيّ عن تحقيق الأهداف التي يريد الله تحقيقها على يديه، جرت عليه سنّة الاستبدال وأحلّ قومًا آخرين محلّ القوم الذين فشلوا في تحقيق ما يراد منهم تحقيقه. وهذا هو الاستبدال أي هو نقل راية الله من يدٍ إلى يدٍ، وقد حصل هذا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرّات عدّة في معاركه. ومن أشهر هذه المرّات إعطاؤه الراية إلى أمير المؤمنين يوم خيبر بعد فشل عدد من أصحابه في فتح الحصن.
 
النصر الإلهي، سنن النصر في القرآن الكريم، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة البقرة، الآية 61.
[2] التحقيق في كلمات القرآن، ج 1، ص 251.
[3] سورة الأنعام، الآية 73.
[4] سورة الأنبياء، الآية 16.
[5] سورة لقمان، الآية 20.
[6] سورة البقرة، الآية 30.
[7] سورة الذاريات، الآية 56.
[8] سورة هود، الآية 61.

الثلاثاء, 14 تشرين2/نوفمبر 2023 03:02

دور المقاومة في حياة المجتمعات

إن مقاومة أي شعب هي التجسيد الأروع لإرادة الحياة الكريمة وهي الطريق الأمثل لتحقيق القيم الإنسانية من أجل رفع الأثقال والأغلال عن كاهل المظلومين والمضطهدين.. وهي في قاموس الشعوب الذخيرة الوجدانية والمرجع الصالح، والذاكرة لا تموت وتنطوي على أرفع المعاني التي توجب الافتخار والاعتزاز لتكون الحقيقة الممتدة في تاريخ الشعوب ولتغدو جزءاً من التكوين الثقافي الذي يستحق اهتمام الباحثين والمفكرين والمؤرخين والأدباء وأهل الفن والإعلام فيتناول كل صنفٍ من هؤلاء هذه الأمثولة بطريقته الخاصة في مساهمة فاعلة لترسيخ انتماء جامع لكل الأجيال التي تتغنى بتاريخها وبطولات قادتها وعظمائها والتي تطربُ لها الأحاسيس لمجرد ذكرها وتتفاعل مع كل تفاصيلها بكل زهو وشعور بالاعتزاز الذي يؤكد الصدق والجدارة ذلك لأن الأمة التي لا تضحي من أجل ذاتها وهويتها ليست جديرة بالحياة فضلاً عن البقاء.

واقع الأمّة
إن امتنا التي نفخر بعراقتها وحضارتها وإنجازاتها بين الشعوب والأمم قد طالها من الظلم والاعتداء على مدى قرنٍ كامل كل أنواع التعسف والاستعباد وواجهت كل المراحل الماضية بقوة وثبات وأنتجت الثورات والمقاومات تحت عناوين مختلفة وفي مناطق متعددة إلى أن وصلت إلى مرحلة تشبه الإنهاك ولم يكن هول ما أصابها كافياً لإسقاطها وهي التي تعودت بفكرها وتاريخها ورجالها أن تتحمل أصعب الظروف لكن المشكلة التي جعلتها في موقع الخطر الحقيقي والاستحقاق الأدهى هو أنها بدأت تُدفع باتجاه الخروج من الذات والانقلاب على الهوية، هذا الخطر هو أشد ما واجهها، فإن مراحل الاحتلال والانتداب والتقسيم إلى بلدان ودويلات وأعراق ومذاهب وصولاً إلى مرحلة زرع الكيان الصهيوني في قلب عالمنا الإسلامي والعربي كل هذا تمت مواجهته وقُدمت مئات الآلاف من الشهداء في سبيل ذلك ومن الصعب أن تجد مرحلة لم تكن حافلة بالمقاومة العسكرية والثقافية والاقتصادية.

لكن ما عسى هذه الأمة أن تفعل حيال هذا الحشد الطاغوتي المتتالي الذي سخر كل قوى العالم المادية والمعنوية والسياسية والمترافق مع سيلٍ من الدعاية الكاذبة ووسائل التأثير على الشخصية بغية إفراغها من كل مضامين القوة فيها حتى وجدنا أن بعض القادة وحتى بعض العلماء والمفكرين قد نالهم من هذا التأثير والضغط ما جعلهم في غير الموقع الصحيح.. إن حصول المجازر وعمليات التشريد والطرد من الأرض المقتطعة أو المحتلة وان وقوف القرارات الدولية والسياسات العالمية ومصالح ذوي النفوذ وراء هذه الهجمات المتتالية كان في كثير من الأحيان مبعثاً على اليأس والضعف والهوان. ولا ننسى الأثر السيئ للخيبات المتتالية على مدى عقود مع ما مرت فيه الأمة من مشاهد الخيانة والنكوص وبيع الكرامات من قبل بعض الحكام والمأجورين ـ كل هذه الأمور أوصلت الأمة إلى أسوأ حالاتها في الانحدار والسقوط حتى لقد أصبح الكلام عن منطق الحق في بعض المراحل كلاماً غير واقعي وخارج سياق الأحداث واضطررنا للقبول بقلب المعادلات وصولاً إلى الانقلاب على القيم وهذا أسوأ ما وصلنا إليه.

مهمتان أساسيتان
لا أريد أن أتحدث عن تاريخ معلوم ووقائع واضحة للجميع من أجل التوصيف أو التبرير أو التبرؤ من واقعنا.. لكن ما أردته هو أن اختصر عوامل الانهيار والتراجع التي فعلت فعلها في إنساننا وكادت أن تفرغ شخصيته من عوامل القدرة والانتماء حتى لقد أصبحت الثقافة البديلة الوافدة هي المعيار وهي المحرك وهي الفاعل في مجريات الأحداث ولأقول وبكل وضوح إن مقاومتنا الغالية والعزيزة في لبنان نشأت في مثل هذه الظروف وكان يقع على عاتقها تحقيق مهمتين أساسيتين:

1- مواجهة المحتل وإخراجه من أرضنا التي دُنست بفعل احتلاله.

2- مواجهة الواقع البائس من أجل تجاوز كل العقبات والموانع المثقلة بتراكمات مأساوية جعلت هويتنا الثقافية الأصيلة غريبة في مجتمعها وأمتها.

وقد كان جلياً للمقاومة وأبنائها في البداية أن الانتصار في المواجهة الثانية هو الذي يؤسس للانتصار في المواجهة الأولى ولذا كانت المهمة شاقة ومكلفة.. المقاومة من هنا بدأت وقامت بدور عظيم وتاريخي لم تغادره على مدى أكثر من عشرين عام واجهت فيها الوحدة والغربة حتى لقد ألحقت بها النعوت المشينة وكان عليها أن تصمد ولا تسقط.. إن هذا الواقع فرض على المقاومة جهداً استثنائياً اصطلح عليه بالعود إلى الذات وإعادة ترميم الهوية الثقافية في الشخصية المنكسرة والتائهة والمتحيرة وقبلت هذا التحدي وكان عليها أن تكسر كل القيود وان تعمل ليل نهار من أجل إرساء قواعد جديدة في الصراع بعيداً عن كل الأساليب الممجوجة والتجارب الفاشلة.

المهمة الصعبة
في الظاهر كانت المقاومة تمارس عملاً عسكرياً وإعلامياً لكنها من ناحيةٍ أخرى كانت تعيش في داخلها ومجتمعها جهاداً مضنياً يهدف إلى إعادة الاعتبار للقدرة الفكرية والثقافية في إثباتٍ عملي تجريبي بات لا ينفع معه الكلام والنظرية والتغني بالأمجاد والركون إلى الاستدلالات العقلية والمنطقية والتاريخية فقط، كان المطلوب أن تعاد الثقة بالمعنى الفعلي إلى هذا الانتماء الحضاري الذي كادت أن تتقطع أوصاله وشرايينه بفعل الهزائم المتتالية، وعليكم أيها الأخوة الأعزاء أن تتصوروا حجم المهمة الصعبة التي يغفل عنها اغلب الناس عادة ولا يعيرونها الأهمية اللازمة لكنها هي الحقيقة والسند الخلفي والمدد الروحي الذي كان المنشأ الفعلي لكل النتائج الباهرة التي حصلنا عليها بفعل المقاومة ومجاهديها، من خلال هذه النظرة الفاحصة والثاقبة يمكننا أن ندرك المهمة التي قام بها ثلة من العلماء والأساتذة والمثقفين الذين كانوا يقومون بدور بث العقيدة وروح التضحية والثبات من الموقع الجهادي المباشر. وإن مجرد التدقيق في عطاءٍ جليل للشهيد السيد عباس الموسوي، والشيخ راغب حرب وغيرهم من استشهدوا أو لم يستشهدوا ممن عُرفوا أو لم يعرفوا يلفتنا إلى طبيعة المهمة الثقافية الشاقة في ظروف غير مؤاتية وبيئة غير مساعدة، فيا تُرى أية ثقافة ستقدم لهذا الجيل المحاصر والمتعب والمثقل بالنكبات دون أن يكون فعله ردة فعل فقط بل ليكون منسجماً في إطار مشروع متكامل، كيف ستقنعه والهزيمة والإحباط يلفان كل حياته وهو منذ أن فتح عينه على هذه الدنيا تطفأ في وجهه كل ملامح الأمل والطموح وهو يرى عدوه يتغطرس في كل شيء ويسيطر على كل شيء.. في مثل هذه الأوضاع لا يكفي أن تحدثه عن موسى والسحرة وعن إبراهيم والنمرود وعن عيسى واليهود وعن محمد بن عبد الله وحصار الشعب أو المدينة لأنه كان يعلم أن هذه المعارف كانت موجودة ولربما بشكل أفضل عند من سبقه في التجربة ولم يفلح، في مثل هذه الأوضاع كان المطلوب أن تقدم له نماذج فعلية تقتدي بموسى وإبراهيم وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم.. كان المطلوب أن تدفع في هذه التجربة بكل قوة الثقافة والتاريخ ودفع الروح من أجل إخراج الفكر والانتماء إلى حيز الواقع لتقدم تجربة حية مصحوبة بعلامات الصحة وشواهد الصدق.

نعم إن العمل الثقافي الذي اختارته المقاومة قد لا يكون مألوفاً في أسلوبه عند أهل الثقافة وبحسب الأعراف السائدة، وأحياناً كثيرة والى أيامنا هذه نسمع انتقادات توجه لهذه الثقافة التي تغاير المصطلحات والأنماط التقليدية الموجودة ونحن وإن كنا لا نلوم البعض لأننا نقدر حجم المؤثرات البيئية والمتغيرات الفاعلة والمتراكمة لكن كنا ندرك أيضاً أن الثقافة الأصيلة بمعنى الانتماء الحضاري الفعلي هي دور قبل أن تكون مصطلحاً وهي رسالة قبل أن تكون تقليداً وهي ذات غاية سلوكية وعملية قبل أن تكون نقاشاً ذاتياً أو ذهنياً.

الثلاثاء, 14 تشرين2/نوفمبر 2023 03:00

نسبة النصر إلى الله تحت ظلال التوحيد

النصر هو نعمة من النعم الإلهيّة التي يمكن أن تُنسب إلى الله تعالى، بناء على نسبة النعم إليه تعالى، ولكن لأجل خصوصيّة هذه النعمة نستعرض عددًا من الآيات التي تنسب هذه النعمة بخصوصها إلى الله عزّ وجلّ. بل إنّ بعض آيات القرآن الكريم يحصر هذه النعمة به عزّ وجلّ دون غيره من الناس أو المخلوقات.
 
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرً﴾[1]. بناء على أنّ المراد من النصر كما تقدّم هو العون والمدد الذي يمنّ الله به على المؤمنين لتتحقّق لهم النتيجة التي يرجونها منه تعالى.
 
ويقول تعالى في آية يحصر فيها النصر والعون به دون غيره من الوسائل والوسائط: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾[2].
 
ويقول عزّ وجلّ أيضًا: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[3].
 
الدعاء بالنصر وطلبه من الله
ولا يقف الأمر عند حدّ الإخبار عن فعل الله في القرآن، بل أدّبنا التراث الدعائي الصادر عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام على طلب النعم كلّها من الله، ومنها النصر. وتكتفي بذكر نصّين، هما:

1- دعاء الافتتاح: هذا الدعاء من الأدعية التي يواظب المسلمون على قراءتها في ليالي شهر رمضان وهو من مفاخر الأدعية الإماميّة. وفيه طلب كثير من النعم من الله تعالى، ومن هذه النعم النصر الذي تكرّر ذكره بأشكال مختلفة على النحو الآتي في الدعاء للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه: "اللهمّ أعزّه واعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصرًا عزيزًا، وافتح له فتحًا يسيرًا، واجعل له من لدنك سلطانًا نصيرًا... وانصرنا به على عدوّك وعدوّنا... وأعنّا على ذلك بفتح تعجّله... ونصرٍ تعزّه وسلطان حقٍّ تظهره...".
 
2- من الصحيفة السجاديّة: وفي الصحيفة السجاديّة الكثير ممّا له صلة بهذا المعنى، وعلى رأس ما يمكن الإشارة إليه من أدعية الصحيفة وممّا له صلة بمفهوم النصر وطلبه من الله، قوله عليه السلام: "وَأَلِّفْ جَمْعَهُمْ، وَدَبِّرْ أَمْرَهُمْ، وَوَاتِرْ بَيْنَ مِيَرِهِمْ، وَتَوَحَّدْ بِكِفَايَةِ مُؤَنِهِمْ، وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ، وَأَعِنْهُمْ بِالصَّبْرِ، وَالْطُفْ لَهُمْ فِي الْمَكْرِ"[4]. وليس هذا المورد الوحيد في هذه الصحيفة المباركة، بل ثمّة غيره كثير ممّا يدلّ على النصر من عند الله تعالى، وينبغي أن يُطلب منه.
 
التوحيد الأفعالي ونسبة النصر إلى الله
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "اكتب بقلم العقل على صفحة القلب: لا مؤثّر في الوجود سوى الله". كلمة رائعة تصدر عن شخص خبر انحصار التأثير في الوجود بالله سبحانه وتعالى، وعاشه معرفة وتجربة وسلوكًا. وهذه الكلمة الرائعة ليست مجرّد تجربة شخصيّة يعبّر عنها هذا العارف الكبير في لحظة وجدٍ وساعة كشف، بل هي جزء من عقيدة الإمامية في التوحيد. وتوضيح ذلك أنّ التوحيد بحسب الرؤية الإمامية ينقسم إلى أقسام عدّة هي:

1- التوحيد في مقابل التعدّد: ومعنى هذه المرتبة من التوحيد الإيمان بأنّ الله واحدٌ لا شريك له. وهو أدنى مراتب التوحيد. وهذه المرتبة يعبّر عنها بعض العلماء بأنّها توحيد العوامّ، لقدرة جميع الناس على فهمها وإدراكها والاعتقاد بها.
 
2- التوحيد في مقابل التركيب: ومعنى هذه المرتبة نفي تركّب الذات الإلهيّة من أجزاء، كالوجود والماهيّة وغير ذلك. ويستدلّ علماء العقيدة على هذه المرتبة من التوحيد بأنّ المركّب يحتاج إلى أجزائه والله سبحانه غنيّ عن كلّ شيء حتّى عن الأجزاء.
 
3- التوحيد في مقابل زيادة الصفات: والمراد من هذه المرتبة من مراتب التوحيد أنّ صفات الله تعالى ليست زائدة على الذات، لأنّها إن كانت حادثة فهذا يعني أنّ الله لم يكن متّصفًا بها ثمّ صار، وإن كانت قديمة فهذا يعني تعدّد القدماء، الأمر الذي لا ينسجم مع التوحيد بمعناه الأسمى الذي تقرّه العقيدة الإماميّة. وإن كان غير الإمامية يقبلون هذا المعنى ويؤمنون بما يسمّونه "القدماء الثمانية"[5].
 
4- التوحيد الأفعاليّ: وحاصله أنّ الله تعالى لا يحتاج إلى أحد ليساعده على نيل ما يريد وتحقيق ما يشاء. وبحسب تعبير الشيخ جعفر سبحاني: التوحيد الأفعالي هو أن نعترف بأنّ العالم بما فيه من العلل والمعاليل، والأسباب والمسبّبات، ما هو إلا فعل الله سبحانه، وأنّ الآثار صادرة عن مؤثّراتها بإرادته ومشيئته. فكما أنّ المخلوقات غير مستقلّة في ذواتها بل هي قائمة به سبحانه فكذا هي غير مستقلّة في تأثيرها وعليّتها وسببيّتها. فيستنتج من ذلك أنّ الله كما لا شريك له في ذاته، كذلك لا شريك له في فاعليّته وسببيّته، وأنّ كلّ سبب وفاعل، بذاتهما وحقيقتهما وبتأثيرهما وفاعليّتهما، قائمٌ به "سبحانه وأنّه لا حول ولا قوّة إلا به"[6]. وتوجد مرتبة أخرى من التوحيد يحتاج التمييز بينها وبين هذه المرتبة إلى تدقيق ومزيد تفصيل ليس هذا محلّه وهو ما يسمّيه بعض العلماء بـ"التوحيد الاستقلاليّ"[7].
 
ويمكن إثبات هذه المرتبة من التوحيد بالاعتماد على العقل والدليل الفلسفيّ، كما يمكن إثباتها بالرجوع إلى القرآن الكريم. والدليل العقليّ الذي يستند إليه العلماء لإثبات هذه المرتبة من التوحيد يرتكز إلى تفسير طبيعة العلاقة بين الخالق والمخلوقين أو فلنقل بين العلّة الموجدة وبين الموجودات. فوجود الممكن وجود رابط غير مستقلٍّ، وما ليس مستقلًّا في أصل وجوده لا يمكن أن يكون مستقلًّا في تأثيره بل من الضروريّ أن تكون آثاره مرتبطة ومتوقّفة على العلّة الموجدة كأصل وجوده.
 
وأما من القرآن الكريم فتوجد آيات عدّة يمكن أن يُستفاد منها هذا المعنى، ومن هذه الآيات:

أ- قوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾[8]. ففي هذه الآية يبيّن الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ فاعل الرمي هو الله، والنتيجة المترتّبة على الرمي ينبغي أن تُنسب إلى الله، وليس إلى سواعد المجاهدين.
 
ب- كلّ الآيات التي تنسب بعض أفعال الإنسان إلى الله تعالى، كقوله عزّ وجلّ: ﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾[9]. ففي هذه الآية ينفي الله عزّ وجلّ الزرع عن الإنسان وينسبه إلى نفسه ولو بصيغة السؤال. وهذا يعني أنّه هو المؤثّر الأوحد في الوجود، على الرغم من اعتقاد الإنسان السطحيّ بأنّه هو الذي يزرع ويسقي الزرع ويرعاه لينمو ويحين وقت حصاده.
 
ج- قوله تعالى: ﴿وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[10]. يقول السيد الطباطبائي في تفسير مجموعة الآيات التي وردت هذه الآية في سياقها: وهذه الآيات تعلّل ذلك (أي أنّ الشرك يسوق الإنسان إلى الهلاك) بأنّ ربّ الجميع واحدٌ إليه تدبير الكلّ يجب عليهم أن يدعوه ويشكروا له وتؤكّد توحيد ربّ العالمين من جهتين: إحداهما: أنّه تعالى هو الذي خلق السماوات والأرض جميعًا ثمّ دبّر أمرها بالنظام الأحسن... والثانية: أنّه تعالى هو الذي يهيّئ لهم الأرزاق بإخراج أنواع الثمرات..."[11] ثمّ يتابع السيد الطباطبائي شرح مفهوم النظام الواحد الحاكم على الكون كلّه بجميع تفاصيله وجزئيّاته، ويقول أخيرًا: "والباحث عن النظام الكونيّ يجد أن الأمر فيه على هذه الشاكلة، فالحوادث الجزئية تنتهي إلى علل وأسباب جزئية، وتنتهي هي إلى أسباب أخرى كلية حتى تنتهي الجميع إلى الله سبحانه غير أن الله سبحانه مع كلّ شيء وهو محيط بكل شيء"[12].
 
إذًا هذه هي الرؤية الإسلامية إلى التوحيد، وعلى ضوء هذه الرؤية وانطلاقًا منها ينسب المسلمون النصر إلى الله كما ينسبون الرزق إليه على حدٍّ سواء. فالأمر بناء على هذه الرؤية ليس من باب التبرّك، ولا من باب المبالغة بل هذه النسبة من مقتضيات العقيدة الدينيّة الإسلامية، وجزء من الرؤية الكونية الإسلاميّة.
 
النصر الإلهي، سنن النصر في القرآن الكريم، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة الأحزاب، الآية 9.
[2] سورة آل عمران، الآية 126, وانظر: سورة الأنفال: الآية 10.
[3] سورة الصف، الآية 13.
[4] الإمام زين العابدين عليه السلام، الصحيفة السجاديّة، من دعائه لأهل الثغور.
[5] انظر: محمد تقي مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ترجمة هاشم محمد، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، قم، 1997م، ص 151 - 153.
[6] الشيخ جعفر سبحاني، مفاهيم القرآن، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، قم، ج 1، ص 15.
[7] لمزيد من التفصيل، انظر: الشيخ اليزدي، مصدر سابق، ص 155.
[8] سورة الأنفال: الآية 17.
[9] سورة الواقعة، الآيتان 63 و 64.
[10] سورة الأعراف، الآية 54.
[11] الميزان في تفسير القرآن، ج 8، ص 147.
[12] (م.ن)، ص 150.

الثلاثاء, 14 تشرين2/نوفمبر 2023 02:58

معرفة الإمام (عليه السلام) في عصر الغيبة

يمكننا تحديد الوظائف الملقاة على عاتق المنتظِر تجاه إمام العصر والزمان، وتجليات الولاية بالصورة العملية، وفق الأمور الآتية:

1- معرفة الإمام:
أشار الدعاء الملكوتيّ الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام إلى أوّل واجبٍ من واجبات أهل الانتظار والولاية: "اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك. اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك. اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني"[1].
 
إنَّ أوّل ما يجب على المؤمن من أهل الانتظار والولاية الالتزامُ به: معرفةُ الإمامة والإمام معرفةً ترتكز على أساس معرفة التوحيد ومعرفة النبوّة. إذ لو أدركنا أنّ النبي خليفة الله الذي يلزم علينا أن نعمل على أساس وحي كلامه، لزم علينا أن نعرف الإمام على ضوء معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإلّا قد ينتهي بنا القول إلى أنّ الإمامة يمكن أن تتشكّل تحت لواء السقيفة.
 
لو أحاط المؤمن علماً بهذه الحقيقة النوريّة، فسوف يرتبط بالتوحيد عبر مسار الإمامة والنبوة، ولن يتمسّك بغير الدين في الفكر والعمل. وإن استطاع الوصول إلى هذه المرتبة، استطاع حلّ مشاكله العلمية والعملية كلّها. ففي المجال الاجتماعيّ لن يتبنّى الأنظمة غير الدينيّة، بل سيلتزم بالقانون المتمحور حول أمر الله، لا أمر الناس، ومن هذا المنطلق لن يسلّم إلّا بالقانون الإلهيّ الذي يسعى مقامُ النبوّة والإمامة الشامخ إلى بيانه وتفسيره.
 
2- الثبات على الدين في عصر غيبته عليه السلام:
من أهم التكاليف الشرعية في عصر الغيبة هو الثبات على العقيدة الصحيحة بإمامة الأئمة الاثني عشر، وخصوصاً خاتمهم وقائمهم المهديّ عليه السلام، كما يتوجب علينا عدم التأثر بموجات التشكيك وتأثيرات المنحرفين مهما طال زمان الغيبة أو كثرت ضروب المشككين، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "والذي بعثني بالحق بشيراً، ليغيبنّ القائم من وُلدي بعهد معهود إليه مني، حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً يشكّكه فيزيله عن ملّتي، ويخرجه من ديني"[2].
 
3. تجديد البيعة والولاية له عليه السلام:
يعتبر دعاء العهد أحد أهم الأدعية المخصوصة بمنتظِري الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف والواردة عن الإمام الصادق عليه السلام. والدعاء يتضمن جملة من المعارف التوحيدية، ويؤكد على ضرورة الارتباط الدائم بإمام العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ولزوم الاستقامة والدفاع عنه، مع الإشارة إلى الخطوط العريضة لبرنامج حكومة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. والدعاء يصف حالات المنتظرين الحقيقيين، ويشير إلى عقد المؤمن العهد مع الإمام عليه السلام وإشهاد الله عليه، لغرض توكيد هذا العهد الذي على أساسه يكون الداعي في كلّ زمان ومكان من أنصار إمام العصر وأتباعه الذابين عنه والعاملين بسنتّه وسلوكه، سائلاً الله أن يسدده ليبذل مهجته في هذا الطريق: "اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا، وما عشت من أيامي، عهداً وعقداً، وبيعةً له في عنقي، لا أحول عنها ولا أزول أبداً …"[3].
 
4- الارتباط الروحيّ بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف:
إنّ ما هو مطلوبٌ ومقدورٌ لجميع المحبين والمنتظرين هو إيجاد وحفظ الارتباط الروحيّ والمعنويّ مع الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو ما يحصل إثر رعاية أدب الحضور والارتباط معه.

وعليه، فالدعاء للإمام عليه السلام، والقيام بالمستحبّات، والتزوّد بالأعمال الصالحة نيابة عنه، وإهداء ثوابها إلى الأرواح الطيّبة للعترة الطاهرة عليهم السلام، من أفضل السبل لتعزيز الارتباط مع وجوده المبارك، كما أنّ أرقى سبيل لهذه النيابة أن لا يطلب من الإمام مقابل عمله أمراً لنفسه، لأنّ ذلك ينقص من قدر عمله. والوجه فيه: أنّ طلبنا بقدر إدراكنا، كما أنّ إدراكنا في أكثر الأحيان محجوبٌ بحجاب أُمنيّاتنا، ما يكون معه مطلوبنا المترقّب بذلك محدوداً. وعليه، فالأرجح من باب الأدب أن لا نطلب من ذلك الوجود المبارك أمراً خاصّاً، لوضوح أنّه من تلك السلالة التي سجيّتهم الكرم[4]. ومعه، فمن اللائق أن نوكل إليهم مسألة العطاء، نظراً إلى أنّ ما تقتضيه سجيّة الكريم في العطاء أن يكون عطاؤه مستمرّاً وافراً.
 
التربية الولائية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص 337.
[2] الشيخ الصدوق، كمال الدين، ج 1، ص 51، العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 68.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج53، ص96.
[4] حسبما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة التي ورد فيها أنّ الأئمّة عليهم السلام عادتهم الإحسان وسجيتهم الكرم البلد الأمين، ص 302، ومن لا يحضره الفقيه، ج2، ص 615-.

الثلاثاء, 14 تشرين2/نوفمبر 2023 02:52

البصر وأثره على القلب والعاقبة

النظرة تزرع في القلب الشهوة
ممّا تسالم عليه العقلاء في كلّ زمان أنّ النظر الحرام أصل كثير من المصائب التي يقع فيها الناس، وقد روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال: "عمى البصر خير من كثير النظر"[1].
 
وأنت تعلم أيّها القارئ الكريم أنّ أيّ معصية من اللمم قد يفعلها الإنسان، وينتهي أثرها، لكن النظرة الحرام ليست كذلك، فلا ينتهي أثرها، إذ ليست القضية أنّك عندما تنظر إلى تلك الفتاة أو عندما تنظر الفتاة إلى ذاك الشاب تكتب عليهما سيّئة وينتهي الأمر عند هذا الحد، نعم هي سيّئة تُكتب عليهما وسيُحاسبان عليها، فإنْ شاء الله عفا عنهما بكرمه، أو عاقبهما بعدله لكن هناك ثمّة سؤال يطرح نفسه، وهو: هل تقف القضية عند هذا الحد؟
 
الجواب لا، فإنّ هذه النظرة يعقبها ما بعدها، فأنت تنظر النظرة ويزول أمامك من قد نظرت إليه، وفيما بعد يبدأ الشيطان بتحريك هذه الصورة في الذهن ويُزيّن صورة المنظور، ويجعله صنماً يعكف عليه القلب، ثم يعِدهُ ويُمنِّيه، ويوقد على القلب نار الشهوات، ويُلقي حطب المعاصي التي لم يكن يتوصّل إليها بدون تلك الصورة، ومن ثم تتدرّج الحالة إلى التفكير الطويل الذي يأسر لُبّ هذا الشاب أو تلك الفتاة، فيوصلهم إلى مرحلة تستولي فيها عليهم الشهوات، فيبحثوا عن سُبل قضائها، فإنْ قضوها فيما حرّم الله، وقعوا في المعصية التي تُغضب الباري سبحانه وتعالى، ووقوعهم في هذه المعصية يُسهّل لهم ما بعدها، ثم بعد ذلك يتدرّج بهم الأمر أكثر من السابق حتى يهويان في وادٍ سحيق، كان بدء السقوط فيه تلك النظرة العابرة التي كانت باباً عريضاً لمعصية الله عزَّ وجلَّ، وأعمت القلب عن الإبصار الحقيقي، ولذا ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "العيون طلائع القلوب".
كلّ الحوادث مبداها من النَّظَرِ                ومعظمُ النار مِن مستصغَر الشَّرَرِ
كم نظرةٍ فَتَكَتْ في قلب صاحبها            فَتْكَ السهامِ بِلا قوسٍ ولا وَتَر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها                    في أعين الغيد موقوف على الخطرِ
يَسُرُّ مقلتَه ما ضَرَّ مهجتَه                       لا مرحباً بسرور جاء بالضَّرَرِ

 
كفى بها لصاحبها فتنة
إنّ غلبة الشهوة على عقل الإنسان، وقلبه تجعله يتخبّط في مستنقع آسن يصعب الخروج منه، وقد أطلق الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وصفاً غير محمود على ذلك الإنسان الذي حَمّلَ قلبه دوام الحسرات، وأتعب عقله إلى يوم الممات عندما أذن لتلك الصورة التي التقطتها النظرة الحرام أن تنطبع في عقله وقلبه، وبالتّالي أضحت فكرة - شهوة - تُبنى عليها جملة من الأفكار السلبية، وذلك من اللحظة التي جعلها صاحبها جزءاً من منظومته الفكرية. وقد نَبَّه الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى خطورة هذا الأمر، وذلك فيما روي عنه عليه السلام: "من أطلق ناظره أتعب حاضره، ومن تتابعت لحظاته دامت حسراته"[2].
 
ولأنّ العلاقة بين الشهوة والنظرة علاقة مترابطة متينة لا تنفكّ أبداً كان أخطر شيء على القلب إطلاق العنان للنظر؟! فالنظرة تُكلّم القلب كلماً بليغاً، وأكثر ما تدخل المعاصي على العبد من هذا الباب، وقد روي عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه جلّ وعزّ إيماناً يجد حلاوته في قلبه"[3]، والنكتة في إطلاق لفظ السهم على النظر هي تأثيره في قلب الناظر وإيمانه، كتأثير السهم الخارجي في الغرض، ومن هنا أُطلق عليه زنا العين[4].
 
فيا طرف قد حذّرتك النظرة التي     خلست فما راقبت نهياً ولا زجراً
ويا قلب قد أرداك طرفي مرة          فويحك لم طاوعته مرّة أخرى

 
ومن تأمّل كيف تزرع النظرة في القلب الشهوة، عَرف كيف ستُشغل القلب وتُنسيه مصالحه، فتُفسد الإيمان وتُنسي الآخرة والحساب، فينفرط على صاحب ذلك القلب أمرُه، ويقع في مرديات اتباع الهوى والغفلة، والحسرات، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾[5].
 
روي عن مولانا الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال: "إذا أبصرتْ العين الشهوة عمي القلب عن العاقبة"[6]، ولا يغيبنّ عنكم قول سيّدنا المسيح عليه السلام: "وإيّاكم والنظرة فإنّها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة، .."، ونختم هذا الفصل بما رواه الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد لم يره"[7].
 
طلائع القلوب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الآمدي التميمي، غرر الحكم ودرر الكلم، ص464، والعلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص284.
[2] محمد بن محمد الشعيري، جامع الأخبار، ص93، الفصل الحادي والخمسون في النظر.
[3] محمد بن محمد الشعيري، جامع الأخبار، ص145، الفصل السابع والمائة، والحاكم في المستدرك، ج4، ص249.
[4] السيد أبو القاسم الخوئي، مصباح الفقاهة، ج1، ص214، المطبعة الحيدرية، النجف.
[5] سورة الكهف، الآية 28.
[6] الآمدي التميمي، غرر الحكم ودرر الكلم، ص285.
[7] الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، الإختصاص، ص233.

الثلاثاء, 14 تشرين2/نوفمبر 2023 02:49

كيف وُجدت الحضارة الإسلاميّة؟

السؤال الرئيسيّ الآن هو، كيف وُجدت الحضارة الإسلاميّة؟ ذهب البعض إلى القول بأنّها مستقاة من حضارة الفرس، وذهب البعض الآخر إلى أنّها مستقاة من الحضارة الرومانيّة، لكنّ هذه الآراء آراء جاهلة وصبيانيّة. لنفرض أنّ عشرة كتب نُقلت في الحضارة الإسلاميّة من حضارات أخرى، فهل يمكن بهذه الكتب العشرة بناء حضارة؟! وهل الحضارة الإسلاميّة بُنيت من خلال ترجمة الآثار اليونانيّة والرومانيّة والهنديّة؟! لا، فجوهر الحضارة الإسلاميّة كان نابعًا من ذاتها. بالطبع، الحضارة الحيّة تستفيد أيضًا من الآخرين.

السؤال هو: من أين أتى هذا العالم العامر، هذا الاستخدام للعلم، هذا الكشف لحقائق من الدرجة الأولى في عالم الوجود، عالم المادّة نفسه ـ الذي تحقّق على أيدي المسلمين؟ من أين أتى هذا الاستخدام للأفكار والعقول والأذهان، والأنشطة العلميّة العظيمة، وتأسيس الجامعات الكبرى بالمقاييس العالميّة في ذلك الزمان، وتأسيس عشرات الدول الغنيّة والقويّة في ذلك الزمان، والسلطة السياسيّة التي لا نظير لها على امتداد التاريخ؟ إنّكم على امتداد التاريخ، لا تجدون سلطةً سوى السلطة السياسيّة للإسلام، أصبحت، من قلب أوروبا إلى عمق شبه القارّة الهنديّة، دولةً واحدةً، وحكمتها سلطةٌ خالدة. لقد كان عصر القرون الوسطى في أوروبا، عصر الجهل والتعاسة لأوروبا. والأوروبيّون يسمّون القرون الوسطى بـ "عصر الظلام". وهذه القرون الوسطى نفسها التي كانت في أوروبا عصور الظلام، كانت عصر تألّق العلم في البلدان الإسلاميّة، ومن جملتها إيران. ولقد أُلّفت أساسًا، الكتب حول القرن الرابع الهجريّ ـ الذي كان عصر تألّق العلم ـ وجرت حوله الأبحاث. ما الذي ولّد مثل سلطة سياسيّة كهذه، وقوّة علميّة كهذه، وعالم منظّم وحكم كهذا، واستخدام كهذا لكافّة الطاقات البشريّة الحيّة والبنّاءة والفعّالة؟ إنّ هذه الأمور كانت نتيجةً لتعاليم الإسلام. المسألة هي مجرّد هذا[1].
 
الفتح، ليس بالسيف بل بسلاح الرحمة
تنتهي الحروب، لكنّ التجارب تبقى. في الحوادث الكبرى دروس للشعوب. هذا الدرس سوف يبقى في نفوس البشريّة وذاكرتها الخالدة، حيث: حضارة مع كلّ هذا الزهو، ومع كلّ هذا الادّعاء- تخرج مخفقة من شبّاك الامتحان. في الأعمال التي يمارسونها: إشعال الحروب والظلم والجور، والغرور والنشوة، التصرّفات غير العقلانيّة. البدء بالحروب، تهديد السلام، قتل الناس الأبرياء، إنفاق رؤوس الأموال الكثيرة لإشعال نار الحروب، وذلك أيضًا بذرائع واهية، هذه تجارب حضارة ما. قارنوا هذا بالحضارة الإسلاميّة، في عهد الخلفاء الراشدين: عندما فتح المسلمون مناطق غرب العالم الإسلاميّ، أي: مناطق بلاد الروم وسوريا الحاليّة، عاملوا اليهود والمسيحيّين في تلك المناطق معاملة، أدّت إلى اعتناق الكثير منهم الإسلام. في بلدنا إيران، استسلم الكثير من الناس من دون مقاومة، ذلك لأنّهم شاهدوا مروءة المسلمين ورحمتهم ومداراتهم للأعداء، لذا جاؤوا واعتنقوا الإسلام. في بلاد الروم، عندما جاء المسلمون، قال اليهود إنّنا طوال عمرنا لم نرَ يومًا جيّدًا كما اليوم. كان الحكم مسيحيًّا وكان يحلّل الظلم لهم، عندما جاء الإسلام، شعروا بالرحمة الإسلاميّة[2].
 
تأسيس الحضارة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي دام ظله، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] خطاب القائد في لقاء قادة حرس الثورة الإسلاميّة (20/9/1994).
[2] خطاب القائد في لقاء الموظّفين الرسميّين (15/10/2001).

وأدان البيان، "العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ‫ترتكبها حكومة الاحتلال الاستعماري خلاله وضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة؛ بما فيها القدس الشرقية والمطالبة بضرورة وقفه فورًا، ورفض توصيف هذه الحرب الانتقامية دفاعًا عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة".

وقرر البيان، "‫كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية ‪ ،تشمل الغذاء ‫والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ‪ ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل ‪ ودعم ‫وكالة الأمم المتحدة لدعم وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ودعم كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة‪ ،وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري .

وطالب القرار، من "المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية" استكمال التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة.

كما طالب قادة الدول الاسلامية والعربية في بيانهم، "إنشاء وحدتي رصد قانونيتين متخصصتين لتوثق الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وإعداد مرافعات قانونية حول جميع انتهاكات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني التي ترتكبها "إسرائيل" السلطة القائمة بالاحتلال، ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ بما فيها القدس الشرقية، على أن تقدم الوحدة تقريرها بعد 15 يوما من إنشائها لعرضها على مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية وعلى مجلس وزراء خارجية المنظمة، وبعد ذلك بشكل شهري".

وفي كلمته امام قمة الرياض اليوم، قال رئيس الجمهورية الاسلامية "اية الله السيد ابراهيم رئيسي" : إنّ كل مشاكلنا ستحل بالوحدة، ونريد أن نتخذ قراراً تاريخياً وحاسماً بشأن ما يحدث داخل الأراضي الفلسطينية؛ واصفا التطورات في غزة بانها "تجسيد للمواجهة بين محوري الشرف والشر.

كما اعرب "رئيسي" عن تقديره للسعودية التي تتولى الرئاسة الدورية الـ 14 لقمة دول منظمة التعاون الاسلامي، "لقاء استضافتها الاجتماع الاستثنائي في ظل المرحلة الحساسة الراهنة والتطورات والظروف الاقليمية الخطيرة بفعل الكيان الصهيوني وجرائمه داخل الاراضي المحتلة؛ مشيراً إلى أنّ "من شأن منظمة التعاون الإسلامي أداء دور صحيح يجسد معاني الوحدة والانسجام".

صورة تذكارية تعكس القوة العربية والاسلامية التي اجتمعت بشكل استثنائي وطارئ في الرياض لبحث العدوان الاسرائيلي على غزة.

قوة ما إن توحدت على كلمة لتزلزل العالم، فما بالك بالكيان الاسرائيلي... لكنّ الأمر يحتاج إلى افعال وليس أقوالاً هكذا يقول مراقبون.

زعماء العالم الاسلامي والعربي استعرضوا في خطاباتهم خطورة الوضع في قطاع غزة، واكدوا وجوب التحرك لوقف حمام الدم والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.

الأضواء سلطت على الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي، الذي يزور السعودية للمرة الأولى بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض، ومن منبر القمة قدّم رئيسي وهو واضع الكوفية عدة مقترحات لاتخاذ إجراءات عملية.

وقال الرئيس رئيسي:"يجب مقاطعة التجارة والتعاون مع الكيان الصهيوني ومقاطعة البضائع الإسرائيلية، وفي حال استمرت الجرائم الصهيوينة واستمرت الإدارة الاميركية بهذه الحرب غير العادلة فإنّ على الدول الإسلامية أن تساعد في تسليح الشعب الفلسطيني لمواجهة الكيان الصهيوني".

موقف الرئيس السوري بشار الأسد جاء متماهياً مع رؤية طهران لدعم الشعب الفلسيطيني، مشدداً على ضرورة ايقاف أي مسار تطبيعي مع الاحتلال.

وقال الرئيس الأسد:"الحد الادنی الذي نتملکه هو الادوات السياسية الفعلية لا البيانية وفي مقدمتها ايقاف أي مسار سياسي مع الکيان الصهيوني".

أمّا السعودية المستضيفة للقمة فطالبت على لسان ولي عهدها بالوقف الفوري للعدوان الاسرائيلي وبتوفير ممرات إنسانية.

وقال محمد بن سلمان:"هذا الامر يتطلب منا جميعاً جهداً جماعياً منسقاً للقيام بتحرک فعال لمواجهة هذا الوضع المؤسف وندعوا الی العمل معاً لفک الحصار لإدخال المساعدات الانسانية والاغاثية وتأمين المستلزمات الطبية للمرضی والمصابين في غزة".

أسلحة الكيان الإسرائيلي النووية طرحت كذلك في هذه القمة، فطالب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالكشف عنها، مشيراً الى أنّ هذه المسألة لا يمكن المرور عليها مرور الكرام.

بينما تركز خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الوقف الفوري لإطلاق النار ومنع تهجير الفلسطينيين إلى خارج أرضهم.

وفي ظل غياب لأي تمثيل للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة في هذه القمة، والتي تعتبر المعني الأول، خرج رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليعبّر عن رفضه للحلول العسكرية والأمنية بعد أن فشلت جميعها، مطالباً مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته.

وبالرغم من التكتل العربي والاسلامي الواسع، إلا أنّ مراقبين تحدثوا عن خلافات طفت على السطح بشأن شكل وطبيعة مخرجات هذه القمة، تجلّت بشكل واضح في تخفيض بعض الدول مستوى تمثيلها كالجزائر وتونس.

الأحد, 05 تشرين2/نوفمبر 2023 15:26

التيار الإسلامي بعد "طوفان الأقصى"

د. إسماعيل النجم

المتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة في بيان مصور عن مجريات "طوفان الأقصى" (الجزيرة)

لم يكنْ صباح السَّابع من أكتوبر لسنة 2023 كغيره من الصباحات التي مرّت على هذه الأمّة، في ذلك اليوم تنفَّس الصبح عبق بساتين وأراضٍ تمّ وطؤُها من قِبل المقاومين لأوّل مرّة بعد أكثر من خمسة وسبعين عامًا من القهر والترحيل والإذلال والاحتلال، في هذا اليوم ملحمةٌ بطوليةٌ سطرتْها كتائب القسام الجناح العسكريّ لحركة حماس.

‎عقودٌ مرّت ونحن نقرأ قوله تعالى: (الّذي خَلَقَ الموْتَ والحياةَ َليبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، وهكذا علّمونا في الصغرِ أيام الكتاتيب ودورات تحفيظ القرآن الكريم، وأخبرونا أنّ الله- عزّ وجلّ- ذكرَ  لنا الأحسن، ولم يذكر الأكثر؛ لأنّ أقرب الأعمال إليه هو أخلصُها وأصوبها.

في هذا التّاريخ المجيد كانت ملحمة (طوفان الأقصى) ضدّ عدوّ الأمةِ الأصيل في أرض المسرى، وباستنهاض القوى الحيّة في الأمة ودعمها بكلّ ما أُوتيت من أشكال الدعم.

‎هذه الملحمة لم تكن حربًا أهليةً بين مسلمين، لا فخر فيها ولا نصر، كما أنّها لم تكن عدوانًا على أبرياء أو مستضعفين، ولم تخرق الأعراف والمبادئ الإسلامية، والتي هي مبادئ وأعرافٌ إنسانيّة بالدرجة الأساس في الحروب والصراعات.

غزة هي درة تّاج المشروع الإسلامي الحضاري، وتمثل الإلهام لحركاتِ التغيير، وتقدر أن تعود بشباب الأمة إلى نموذجهم الحضاري والثوري رغم التوجهات والمؤامرات التي تسعى لتحطيم طموحهم وتطلّعاتهم المشروعة

‎قَدح "طوفانُ الأقصى" روحَ المقاومة مجددًا في الأمّة، وكانت هذه المرّة ليست كسابقاتها!، فالنموذج الحمساويّ امتاز بـ(العقلانية القتالية)، وهو أشدّ نموذجٍ يخشاه الكيان الصهيونيّ، ومن خلفه الغرب وأمريكا وصهاينة العرب. إنّها عقلانيةٌ هدفها واضحٌ، وقيادتها معروفةٌ، وتاريخها ناصع بالبياض وبالشهداء، لها رؤيةٌ إستراتيجيةٌ، وتعرف دائرة الصراع وحدوده، تمتلك تحالفاتٍ إقليميةً وعلاقاتٍ دوليةً، والأهم من ذلك جميعه هو  أنّها تحظى بتأييد الشعوب العربية والمسلمة لها بوصفها حركة تحرر من الظلم والطغيان والاستبداد.

‎إنّ "حماس" تمتلك رصيدًا من دعم وتأييد النُخبة القائدة في الأمة من حركاتٍ وأحزابٍ وجمعياتٍ ومنظماتٍ، وكلّها تنظر إليها على أنّها النموذج الناجح في إدارة السياسة والسلاح معًا، لذلك يمكن تفسير ما حصل في صبيحة السابع من أكتوبر على أنه ثأر  من كلّ الانتهاكات والجرائم  الصهيونيّة التي تُدنّس بها أرضنا العربية الإسلاميّة، وهي ردّة فعل على الديمقراطيّة التي جاءَ بها الغرب، ثم انقلبوا وتآمروا عليها، ذلك لأنّ مخرجاتها كانت على غير ما كانوا يتمنّون من ظهور نخبةٍ جديدةٍ تكون مواليةً لهم ولمشاريعهم على ساحات الأمة.

‎         جاء الربيع العربيّ ليزيل الطغاةَ وأدوات الاستعمار في بلداننا، حتى إذا فرحت الشعوب بربيعها انقلبوا عليه، وأحالوا الربيع خريفًا، وزجّوا بالشباب والنخبة من المجتمع في السجون، وأحرقوا الآخرين في الساحات، ونالت البعضَ الآخر رصاصات الغدر، وأحالوا الثورة إلى ذكريات مؤلمة.

غزة.. درة التاج

‎         إنّ غزة هي درة التّاج للمشروع الإسلامي الحضاري، وتمثل الإلهام لحركاتِ التغيير، والقدرة على العودة بشباب الأمة إلى نموذجهم الحضاري والثوري على كلّ التوجهات والمؤامرات التي تسعى لتحطيم طموحهم وتطلّعهم المشروع، ولا عجبَ من محاولاتهم طمس هذا النموذج والتشكيك به، فهم يقصفون غزّة بعنفٍ وقوةٍ، وبلا رحمةٍ ولا إنسانيةٍ، وهم اليوم يتمنّون أن تنكسر غزة؛ لأنّهم يعلمون أن انتصار غزة يعني دخولَ الشّعوب إلى طور تغيير الخونة والمتخاذلين، وبداية العودة الثانية للمشروع الإسلامي بعد محاولات وأده وتدميره.

‎         إنّ العدو اليومَ يعدّ العدة للقضاء على هذا النموذج العقلانيّ، وتحويله إلى رماد، مثلما فعلوا مع ربيعنا، إنهم في ورطة كبيرة، فنجاح "حماس" يعني أن يشتعل الربيع العربي من جديد ويعيدُ السياسيين الإسلاميين ليكونوا أملَ الشعوب المتعطشة للحرية؛ لأنه المشروع الذي سينجح فيما فشلت فيه كلّ الحكومات التي تحكم الشعوب بفتاوى السلاطين أو بتحالفات العِلمانيين معها.

‎يريدون حربًا برية يجتاحون فيها القطاع، ويحيلون الأمر إلى سلطة عميلة مرةً أخرى، فماذا نحن فاعلون؟!

‎         لقد أثبت مسار هذه المعركة أنّ جيش المنافقين لا يقلّ عن العدو الخارجي، ومعالجته والتفكير بإزالته هي الخطوة الأولى في طريق النصر، ولا يكون ذلك إلا بوجود قيادات شابة وجريئة تبادر فتنفذ، لأنّ الأداء القيادي هو الشرارة القادحة لزناد العمل الإسلامي الواسع. لابدّ للشعوب والدول العربية والمسلمة والتنظيمات الإسلامية على وجه الخصوص أن تعي اللحظة التاريخية، وأن تحدد مفترق الطرق الذي تمرّ به الأمة، إنّ العالم قد تغير فعلًا، وإن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا وتنهض لمهمة كمهمتنا وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها، هذه الأمّة لا ينفعها أن تتسلّى بالمسكنات أو تتعلّل بالآمال والأماني، وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل، وصراع قوي شديد بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع وبين صاحب الحق وبين غاصبيه، وبين سالك الطريق وناكبه، وبين الغيورين المخلصين والأدعياء المزيفين، فلا مناص من الدعم الكامل لصمود غزة، وتثبيت مقاوميها، والتخفيف عن سكانها المدنيين، وتحشيد الجهود وجمع الطاقات ونبذ الخلافات، وعدم إثارة النعرات الطائفية والقومية، وكلّ ذلك موازاةً مع التصعيد المدروس في الساحات كافة. هذه الأمور مجتمعة هي خريطة طريقٍ لكل من يريد أن ينصر هذه القضيّة، ويأمل أن تستعيد الأمة مجدها وعزها.

‎جاء (طوفان الأقصى) ليُثبت لنا مرة أخرى أن أخلاقيات الدول لا وجود لها في الصراع الوجودي والحضاري. ولذلك يقومون بخلط الأوراق ويُلبِسون الأمر على الشعوب، ويسعون إلى جعل ذلك هو العلاج الأنجع للحالة الميؤوس منها التي تمرّ بها الأمة اليوم من ضعف وهزيمة روحية ونفسية وهرولة نحو التطبيع مع العدوّ المجرم، ورغم هذا التلبيس والخلط فإنه ليس صعبًا إيجادُ الطريق الموصل للحلّ الناجع، من النهضة والاستدراك، عندها سينشأ جيلٌ قادرٌ على إحداث هذا التغيير كما يقول الجواهري.

‎                                               سينهض من صميم اليأس جيلٌ    مريـدُ البـأسِ جبـارٌ عنيد

                                               يقـايضُ ما يكون بما يُـرَجَّى       ويَعطفُ مـا يُراد لما يُريد

‎         إنّ واجب الأمة في هذه الأوقات هو الحرص على توسيع دائرة الصراع، وهو الذي يتجنّبه العدوّ ويحذر منه ويخاف، وهذا التوسيع هدفُه بالحدّ الأدنى مشاغلة واستنزاف العدوّ، ولابدّ من الأفكار الإبداعية، والتكتيكات المتنوعة، من أجل زيادة هذا الضغط على العدوّ وأزلامه في الساحات كافة، وليس للأمة عُدَّة في هذا السبيل الموحشة إلا النفس المؤمنة، والعزيمة القوية الصادقة، والسخاء والتضحيات والإقدام عند المُلمات.

إنّنا نأسف لأنّ بيننا نفوسًا كثيرةً منا لا تزال هي تلك النفوس الناعمة اللينة المترفة  التي تجرح خدَّيها نسماتُ الهواء، ولا تزالُ جموعُ فتياتنا وفتياننا -وهم عدة المستقبل ومعقد الأمل- حظها في هذه الحياة مظهرٌ فاخرٌ، أو حُلة أنيقة، أو مركبٌ فارهٌ أو لقبٌ أجوفُ، هذه النفوس اليوم  بحاجة إلى علاج وتقويم وإصلاح، يوقظُ فيها الشعور الخامد ويغيّر الخلق الفاسد ويُبعِد الشحّ المقيم، وإن الآمال الكبيرة التي تطوف برؤوس المصلحين من رجالات هذه الأمة تطالبنا بإلحاح بضرورة تجديد نفوسنا وبناء أرواحنا، حتى لا نرى دون المعالي مركبًا. إننا في حاجة -والخطاب للشباب خاصةً- إلى إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة من الرجال النابهين، أقوياء النفوس والإرادات، فكلّ رجل بهذه المواصفات يستطيع أن ينهض بأمة إن صحتْ نيّتُه واستقامتْ رجولته.

‎         فالدعاة والشباب عليهم واجب وقتٍ عظيم؛ وهو أن يُديموا زخم المعركة ويحذّروا من تحوّل الحرب على غزة إلى حربٍ محدودةٍ منسيةٍ بمرور الأيام، ولْتَكُن جذوة النصرة والدعم متقدةً دائمًا، ولتكن أيامنا وساعاتنا كلها جُــمَعًا، ولتكن كلها في نصرة فلسطين إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، فلا عودة لعقارب الساعة إلى الوراء، وما بعد السابع مِنْ أكتوبر ليس كما قبله، وهذا الذي ينبغي أن نجعلَه عنوانًا في قادم أيامنا التي ستزهو ببشائر النصر والتمكين بإذن الله..

‎(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

المصدر:الجزیره

جاء ذلك في كلمته الامين العام لحزب الله لبنان السيد حسن نصر الله، خلال الاحتفال التكريمي الذي ينظمه حزب الله لشهداء طريق القدس، مساء اليوم الجمعة، وفي اول تصريح له بعد انطلاق عملية طوفان الاقصى البطولية في السابع من اكتوبر الماضي.

ورحّب نصر الله بالحضور الكبير والمهيب المشارك بهذا الاحتفال تكريما للشهداء وتجديدا للبيعة معهم؛ متوجها إلى عوائل الشهداء بالتبريك لنيل أعزائهم وأحبائهم هذا الوسام الإلهي، سائلا الله أن يتقبل من الجميع.

وأضاف : يمتد تبريكنا وعزاؤنا إلى كل عوائل الشهداء في كل مكان ارتقى فيه شهداء في معركة طوفان الأقصى، التي أصبحت ممتدة في أكثر من جبهة وساحة"؛ مشيرًا إلى أن "الشهداء هم الأحياء المستبشرون فهنيئًا لكل الشهداء للشهداء المقاتلين والمظلومين من الرجال والنساء والأطفال".

واضاف : لو أردنا أن نبحث عن معركة كاملة الشرعية من الناحية الإنسانية والأخلاقية والدينية، لن نجد معركة كمعركة القتال مع هؤلاء الصهاينة المحتلين لفلسطين؛ منوهًا الى أن "قوتنا الحقيقية في الإيمان والبصيرة والوعي والالتزام العميق بالقضية والاستعداد العظيم للتضحية لدى عوائل الشهداء".

وتابع السيد نصر الله : التحية كل التحية للشعب الاسطوري والذي لا نظير له في هذا العالم لأهل غزة، يعجز اللسان والبيان عن التعبير عن عظمة وجبروت وصمود شعب غزة وكذلك عن شعب الضفة الغربية.

كما وجه الامين العام لحزب الله لبنان، التحية إلى "كل الذين تضامنوا وساندوا ودعموا على مستوى العالم من دول عربية وإسلامية وأميركا اللاتينية، ونخص بالذكر السواعد العراقية واليمنية التي دخلت إلى قلب هذه المعركة المباركة".

واستطرد : انه معروف لكم وللعالم معاناة الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 75 عاما، لكن أوضاع السنوات الأخيرة في فلسطين كانت قاسية جدًا وخصوصًا مع هذه الحكومة الحمقاء والغبية والمتوحشة، وهذه الحكومة المتطرفة قامت بالتشديد على الأسرى مما جعل الوضع الانساني سيئ جدًا.

وصرح : قرابة العشرين عامًا هناك أكثر من مليوني إنسان يعيشون في غزة في ظروف معيشية صعبة دون أن يحرّك أحد ساكنًا، وكانت سياسة العدو تزداد صلافة وطغيانا وقهرا، فلذلك كان لا بد من حدث كبير يهزّ الكيان الغاصب المستعلي وداعميه المستكبرين وخصوصًا في واشنطن ولندن"، مشسيرًا إلى "مخاطر عديدة تتهدد الضفة الغربية في ظل مشاريع الاستيطان الجديدة".

ولفت السيد نصر الله إلى، أن "عملية طوفان الأقصى العظيمة والمباركة كان قرارها وتنفيذها فلسطينيا مئة بالمئة، وأخفاها أصحابها عن الجميع حتى عن فصائل المقاومة في غزة، وأن سرّية العملية المطلقة هي التي ضمنت نجاحها الباهر من خلال عامل المفاجأة".

وأكد فضيلته، أن "هذا الإخفاء لم يزعج أحدًا في فصائل المقاومة على الإطلاق، بل أثنينا عليه جميعا وليس له أي تأثير سلبي على أي قرار يتخذه فريق أو حركة مقاومة في محور المقاومة"، كما أن "هذا الأداء من الإخوة في حماس ثبّت الهوية الحقيقية للمعركة والأهداف وقطع الطريق على الأعداء أن يزيفوا وخصوصًا عندما يتحدثون عن علاقات فصائل المقاومة الإقليمية".

ومضى الامين العام لحزب الله قائلا : معركة طوفان الأقصى وعدم علم أحد فيها تثبت أن هذه المعركة فلسطينية بالكامل من أجل شعب فلسطين وقضاياه وليس لها علاقة بأي ملف إقليمي ودولي.

كما شدد على، أن "ما حصل في طوفان الأقصى يؤكد أن إيران لا تمارس أي وصاية على الإطلاق على فصائل المقاومة، وأن أصحاب القرار الحقيقيين هم قيادات المقاومة ومجاهدوها".

ولفت إلى أن "العمل الكبير والعظيم في طوفان الأقصى أدى إلى حدوث زلزال على مستوى الكيان الصهيوني أمني وسياسي ونفسي ومعنوي، وكانت له تداعيات وجودية واستراتيجية وستترك آثارها على حاضر ومستقبل هذا الكيان"، مشيرًا إلى أنه "مهما فعلت حكومة العدو خلال الشهر الذي مضى وخلال الأسابيع المقبلة فلن تستطيع على الاطلاق أن تغير من آثار طوفان الاقصى الاستراتيجية على هذا الكيان".

كما رأى السيد نصر الله، أن عملية طوفان الأقصى كشفت عن الوهن والضعف في الكيان وأنها بحق أوهن من بيت العنكبوت.

وتابع سماحته "سارعت الإدارة الأميركية برئيسها ووزرائها وجنرالاتها لتمسك بهذا الكيان الذي كان يهتز ويتزلزل، من أجل ان يستعيد بعض وعيه ويقف على قدميه من جديد، وهو لم يتمكن حتى الآن من استعادة زمام المبادرة"، معتبرًا أن هذه السرعة الأميركية لاحتضان "اسرائيل" ومساندتها كشف وهن وضعف هذا الكيان.

وقال، "أن يأتي الجنرالات الأميركيون إلى الكيان وفتح المخازن الأميركية للجيش الاسرائيلي وطلب اسرائيل من اليوم الأول 10 مليارات دولار، فهل هذه دولة قوية وتملك قدرة الوقوف على قدميها؟".

وشدد الأمين العام لحزب الله على، أن "هذه النتائج يجب أن تُشرح وتُبيّن لنعرف أن التضحيات القائمة الآن في غزة والضفة وفي كل مكان أنها تضحيات مستحقة، وأن هذه النتائج أسست لمرحلة تاريخية جديدة لمصير دول المنطقة ولم يكن هناك خيار آخر، لذلك كان الخيار صائبًا وحكيمًا ومطلوبًا وفي وقته الصحيح ويستحق كل هذه التضحيات".

ونوّه إلى أنه كان واضحًا من الساعات الأولى لمعركة طوفان الأقصى أن العدو كان تائهًا وضائعًا، وأنه "أمام غزة والحادث المهول الذي تعرّض له العدو يبدو أن حكومات العدو لا تستفيد من تجاربها على الإطلاق".
 
السيد نصر الله، أشار إلى أن ما يجري اليوم جرى في السابق في لبنان عام 2006 وفي حروب متكررة في غزة مع فارق كمّي ونوعي ولكن من نفس الطبيعة، وأن من أهم الأخطاء التي ارتكبها "الإسرائيليون" ولا يزالون هو طرح أهداف عالية لا يمكنهم أن يحققوها أو يصلوا إليها.

ولفت السيد نصر إلى أن العالم سيكتشف أن أغلب من يقولون بأنهم مدنيون قتلهم الفلسطينيون قد قتلوا بسلاح الجيش الإسرائيلي الذي كان يتصرف بغضب وجنون، مشيرًا إلى أن حكومات العدو لا تستفيد من تجاربها على الإطلاق خصوصا مع في حروبهم مع المقاومة في فلسطين ولبنان، وأن من أهم الأخطاء التي ارتكبها العدو وترتكبها الآن هي طرح أهداف عالية لا يمكنهم أن يحققوها.

وأضاف "العدو الإسرائيلي لن يتمكن على الإطلاق من تحرير أسراه بدون علميات تبادل، والعدو الإسرائيلي أجبر على التوقف في حرب تموز والتنازل عن سقف أهدافه"، وتابع "قرابة شهر كامل منذ عدوانه على غزة لم يستطع العدو الإسرائيلي أن يقدم إنجازا واحدا".

وأشار سماحته إلى، أنه في عام 2006 وضعوا هدفًا يتمثل بسحق المقاومة في لبنان واستعادة الأسيرين من دون تفاوض وتبادل، ولمدة 33 يومًا لم يحققوا أهدافهم، واليوم في غزة الوضع نفسه لكن مع حجم الجرائم والمجازر.

كما أشار إلى أن ما يقوم به "الإسرائيلي" هو قتل الناس في غزة، فأغلب الشهداء هم من الأطفال والنساء من المدنيين ولا توجد حرمة لشيء، فالاسرائيلي يدمّر أحياء بكاملها، "وكلنا شاهدنا بأمّ العين بطولات المقاومين في غزة، فعندما يتقدم المقاوم ويضع العبوة على سطح الدبابة كيف سيتعامل العدو الاسرائيلي مع مقاتلين من هذا النوع؟".

ولفت سماحته إلى أن "المشاهد الآتية كل يوم وساعة من غزة تقول لهؤلاء الصهاينة مشاهد الرجال والنساء والأطفال الخارجين من تحت الأنقاض الصارخين لنصرة المقاومة بأنك لن تستطيع من خلال القتل والمجازر أن تصل إلى أي نتيجة".

وأكد السيد نصر الله أن "شهداء غزة وأطفالها والنساء اليوم يكشفون كل هذه الأقنعة الكاذبة التي ساهمت وسائل إعلام عالمية ودولية للتغطية عن هذا الكيان، وما يحصل في غزة يكشف المسؤولية الأميركية المباشرة عن كل هذا القتل والنفاق الأميركي".

وشدد على أن "ما يجري في غزة يعكس الطبيعة المتوحشة والهمجية للكيان الغاصب الذي زرعوه في منطقتنا"، وأن "مشاهد المجازر الآتية من قطاع غزة تقول لهؤلاء الصهاينة إن نهاية المعركة ستكون انتصار غزة وهزيمة العدو".

ولفت إلى أن "أميركا هي المسؤولة بالكامل عن الحرب الدائرة في غزة و"اسرائيل" هي أداة، فأميركا هي التي تمنع وقف العدوان على غزة وترفض أي قرار لوقف إطلاق النار، والأميركي هو الذي يدير الحرب في غزة، لذلك أتى قرار المقاومة الإسلامية في العراق بمهاجمة قواعد الاحتلال الأميركية في العراق وسوريا، وهو قرار حكيم وشجاع".

ورأى أن "واجب كل حرّ وشريف في هذا العالم أن يبيّن هذه الحقائق التي تحدثنا عنها في معركة الرأي العام والرأي العام العالمي بدأ ينقلب على هؤلاء الطغاة المجرمين الذين يقتلون الأطفال والنساء والرأي العام العالمي يرى ذلك.. ويجب أن يتحمل الكل مسؤوليته".
 
وأضاف نصر الله، "في العام 1948 عندما تخلى العالم عن الشعب الفلسطيني قام هذا الكيان ودفع الشعب الفلسطيني وكل شعوب المنطقة تداعيات وآثار قيام هذا القيام، ولبنان من أكثر الدول التي عانت من وجود هذا الكيان الغاصب".

وأكد، بأن "ما بعد عملية طوفان الأقصى ليس كما قبلها وهذا ما يحتم على الجميع تحمل المسؤولية، منوهًا إلى أن "هناك هدفان يجب العمل عليهما هما وقف العدوان على غزة والهدف الثاني أن تنتصر حماس في غزة".

كما راى بأن "انتصار غزة يعني انتصار الشعب الفلسطيني وانتصار الأسرى في فلسطين وكل فلسطين والقدس وكنيسة القيامة وشعوب المنطقة وخصوصًا دول الجوار"، كما أن "انتصار غزة هو مصلحة وطنية مصرية وأردنية وسورية وأولًا وقبل كل الدول هو مصلحة وطنية لبنانية".

ولفت الأمين العام لحزب الله، إلى أن "العدو يغرق في رمال غزة ولكنه يستقوي ويتهدد الشعب اللبناني بدماء الأطفال والنساء في غزة والمساجد والكنائس فيها".

وأكد سماحته، أن "المسؤولية على الجميع في كل العالم، وعلى الدول العربية والإسلامية أن تعمل على وقف العدوان على غزة"، مشيرًا إلى أن "البيانات والتنديدات لا تكفي وفي الوقت نفسه يتم إرسال النفط والغذاء إلى إسرائيل"، لافتًا إلى أن "على الحكومات العربية والإسلامية العمل من أجل وقف إطلاق النار وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل".

وتابع سماحته "عليكم العمل من أجل وقف العدوان على غزة ولا يكفي التنديد، بل اقطعوا العلاقات واسحبوا السفراء.. للأسف كان الخطاب في السابق اقطعوا النفط عن أميركا واليوم نطلب بوقف التصدير إلى اسرائيل"، متسائلًا "أليس فيكم بعض القوة حتى تفتحوا معبر رفح؟".

وأشار إلى أنه "بالرغم من كل التهديدات قام الشعب اليمني بعدة مبادرات وأرسل صواريخه ومسيّراته حتى لو أسقطوها، لكن في نهاية المطاف ستصل هذه الصواريخ والمسيّرات إلى إيلات وإلى القواعد العسكرية الاسرائيلية في جنوب فلسطين".
 
وقال الامين العام لحزب الله لبنان : لقد دخلنا معركة "طوفان الأقصى" منذ 8 تشرين الأول؛ مضيفًا "أخذنا علماً بعملية طوفان الأقصى، كما كل العالم، وسريعاً انتقلنا من مرحلة إلى مرحلة"، ولفت إلى أن "ما يجري على جبهتنا مهم ومؤثر جداً وهو غير مسبوق في تاريخ الكيان، ولن يتم الاكتفاء بما يجري على جبهتنا على كل حال".

وأضاف سماحته "المقاومة الاسلامية في لبنان منذ 8 تشرين الأول تخوض معركة حقيقية لا يشعر بها الا من هو موجود بالفعل في المنطقة الحدودية وهي معركة مختلفة في ظروفها وأهدافها واجراءاتها واستهدافاتها".

كما لفت سماحته إلى أن "الجبهة اللبنانية خففت جزءا كبيرا من القوات التي كانت ستسخر للهجوم على غزة وأخذتها باتجاهنا"، مضيفًا "لو كان موقفنا التضامن سياسيا والتظاهر لكان الإسرائيلي مرتاحًا عند الحدود الشمالية وكانت قواته ستذهب إلى غزة".
 
السيد نصر الله، قال : إن جبهة لبنان استطاعت أن تجلب ثلث الجيش الاسرائيلي إلى الحدود مع لبنان، وأن جزءًا مهمًا من القوات الصهيونية التي ذهبت إلى الجبهة الشمالية هي قوات نخبة، ونصف القدرات البحرية الإسرائيلية موجودة في البحر المتوسط مقابلنا ومقابل حيفا.

وتابع : ربع القوات الجوية مسخّرة باتجاه لبنان وما يقارب نصف الدفاع الصاروخي موجة باتجاه جبهة لبنان ونزوح عشرات الآلاف من سكان المستعمرات، وهذه العمليات على الحدود أوجدت حالة من القلق والتوتر والذعر لدى قيادة العدو وأيضًا لدى الأميركيين.

ونوّه سماحته إلى أن "العدو يقلق من إمكانية أن تذهب هذه الجبهة إلى تصعيد إضافي أو تتدحرج هذه الجبهة إلى حرب واسعة، وهذا احتمال واقعي ويمكن أن يحصل وعلى العدو أن يحسب له الحساب".

ولفت، إلى أن "هذا الحضور في الجبهة وهذا العمل اليومي يجعل العدو مردوعًا"، مشيرًا إلى أن "عمليات المقاومة في الجنوب تقول لهذا العدو الذي قد يفكر بالاعتداء على لبنان أو بعملية استباقية أنك سترتكب أكبر حماقة في تاريخ وجودك".

وأردف القول : هذه المشاهد في غزة ستجعلنا أكثر إيمانًا وقناعة بوجوب التحدي وعدم الاستسلام مهما كانت التحديات والتضحيات، يتحمل العدو اليوم كل عمليات المقاومة ويضبط إيقاعه لأن لديه خشية حقيقية من ذهاب الأمور إلى ما يخاف؛ مضيفًا "هذه العمليات على الحدود هي تعبير عن تضامننا مع غزة لتخفيف الضغط عنهم".

وتابع سماحته، "قيل لنا منذ اليوم الأول إذا فتحتم جبهة في الجنوب فالطيران الأميركي سوف يقصفكم، لكن هذا التهديد لم يغيّر من موقفنا أبدا".
وصرح الامين العام لحزب الله، "بدأنا العمل بهذه الجبهة وتصاعدها وتطورها مرهون بأحد أمرين أساسيين، الأمر الأول هو مسار وتطور الأحداث في غزة، والأمر الثاني هو سلوك العدو الصهيوني تجاه لبنان"، محذّرًا "العدو الصهيوني من التمادي الذي طال بعض المدنيين في لبنان وهذا سيعيدنا إلى المدني مقابل المدني".

وأضاف "أقول بكل شفافية وغموض بنّاء أن كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة وأن كل الخيارات مطروحة ويمكن أن نذهب إليها في أي وقت من الأوقات، ويجب أن نكون جميعا جاهزين لكل الفرضيات المقبلة".
 
وتوجّه للأمريكيين بالقول "أساطليكم في البحر المتوسط لا تخيفنا ولن تخيفنا في يوم من الأيام، وأقول لكم إن أساطيلكم التي تهددون بها لقد أعددنا لها عدتها أيضًا"، وأضاف "الذين هزموكم في بداية الثمانينيات ما زالوا على قيد الحياة ومعهم اليوم أولادهم وأحفادهم".

وتابع، "من يريد منع قيام حرب أميركية يجب أن يسارع إلى وقف العدوان على غزة، وإذا حصلت الحرب في المنطقة فلا أساطيلكم تنفع ولا القتال من الجو ينفع"، وأضاف متوجهًا للأميركيين "في حال أي حرب إقليمية ستكون مصالحكم وجنودكم الضحية والخاسر الأكبر".

كما توجّه للشعب الفلسطيني ولكل المقاومين الشرفاء في المنطقة بالقول "ما زلنا نحتاج إلى وقت ولكننا ننتصر بالنقاط وهكذا انتصرنا في عام 2006 وفي غزة وهكذا حققت المقاومة في الضفة إنجازات".

وأردف، ان "المعركة هي معركة الصمود والصبر والتحمل وتراكم الإنجازات ومنع العدو من تحقيق أهدافه، ونحن جميعًا يجب أن نعمل لوقف العدوان على غزة وتنتصر المقاومة في غزة.. وأنا شخصيًا ومن موقع التجربة الشخصية مع الإمام الخامنئي الذي كرّر يقينه وإيمانه أن غزة ستنتصر وأن فلسطين ستنتصر، وهو الذي قال لنا ذلك في الأيام الأولى في عدوان تموز".

وختم بالقول : غزة ستنتصر وفلسطين ستنتصر وسنلتقي قريبًا للاحتفال بذلك.