emamian

emamian

وقال مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد، في بيان على موقعه، إنه "بموجب المادة 7 من بروتوكوله، يكرر الإعراب عن قلقه العميق إزاء عودة الانقلابات العسكرية لأنها تقوض الديمقراطية والسلام والأمن والاستقرار، فضلا عن التنمية في القارة".

وكرّر "إدانته القاطعة للانقلاب العسكري الذي وقع في 26 يوليو (تموز) 2023 في النيجر، والذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد بازوم".

ورحب بالبيانين الختاميين الصادرين عن الاجتماعين الاستثنائيين لقادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) في 30 يوليو 2023 وفي 10 أغسطس.

وأكد أنه يتابع قرار إيكواس بنشر قوات احتياطية في النيجر، وطلب من مفوضية الاتحاد الإفريقي "إجراء تقييم للآثار الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لذلك وتقديم تقرير إلى المجلس".

وجدد التأكيد على "تضامنه الكامل مع جهود إيكواس في التزام الأخيرة المستمر باستعادة النظام الدستوري بالوسائل الدبلوماسية"، كما طلب من مفوضية الاتحاد الإفريقي "تعيين ونشر ممثل سامي لتعزيز جهود الوساطة التي تبذلها المجموعة".

وقرر الاتحاد أن "يعلق على الفور مشاركة جمهورية النيجر في جميع أنشطة الاتحاد الإفريقي وأجهزته ومؤسساته حتى الاستعادة الفعالة للنظام الدستوري في البلاد".

ودعا جميع الدول الأعضاء في الاتحاد والمجتمع الدولي، إلى "رفض هذا التغيير غير الدستوري للحكومة والامتناع عن أي إجراء من شأنه أن يمنح الشرعية للنظام غير القانوني في النيجر".

وكرر الاتحاد مطالبته "بالإفراج الفوري وغير المشروط عن بازوم وجميع المعتقلين، واحترام حقوقهم الإنسانية، بما في ذلك حماية سلامتهم الجسدية والنفسية".

وأيّد الاتحاد قرار إيكواس فرض إجراءات عقابية على النيجر، مع ضمان تطبيقه التدريجي وتقليل تأثيره غير المتناسب على المدنيين.

وطلب من مفوضية الاتحاد الإفريقي بالتعاون مع إيكواس، أن تجمع وتقدم بسرعة قائمة بأسماء أعضاء المجلس العسكري ومؤيديهم العسكريين والمدنيين، بما في ذلك المتورطون في انتهاك حقوق الإنسان، وتطبيق إجراءات عقابية فردية بحقهم".

ورفض الاتحاد "بشدة أي تدخل خارجي من قبل أي جهة فاعلة أو أي دولة خارج القارة في شؤون السلام والأمن في إفريقيا، بما في ذلك ارتباطات الشركات العسكرية الخاصة في القارة".

السعودية "واس" ان الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ترأس اليوم الثلاثاء جلسة مجلس الوزراء السعودي، في قصر السلام بجدة.

واشار مجلس الوزراء السعودي، الى الخطوات المتخذة تجاه تنفيذ اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض؛ بما في ذلك مباشرة سفيري البلدين مهام أعمالهما.

واعرب عن التطلع إلى بدء مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

وكان وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان زار المملكة العربية السعودية يوم 17 أغسطس على رأس وفد رفيع تلبية لدعوة نظيره السعودي وبحث خلال هذه الزيارة اجراءات استئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض.

كشفت دراسة أميركية عن مجموعة من الفوائد الصحية والغذائية لاستهلاك الهيل، بما في ذلك زيادة الشهية وفقدان الدهون وتقليل الالتهابات، مما يجعل هذه التوابل "طعاما ممتازا".

وأجرت الدراسة شركة "تكساس إيه. أند. أم. أغريلاف"، وقادتها الدكتورة لويس سيسنيروس زيفالوس، أستاذ البستنة وعلوم الأغذية في كلية الزراعة وعلوم الحياة في جامعة تكساس إيه. آند. إم.، ونشرت في المجلة الدولية للعلوم الجزيئية، وكتب عنها موقع "يوريك أليرت".

 

زيفالوس قالت إن الدراسة تظهر أن الهيل يمكن أن يكون خيارا غذائيا صحيا، وأن استهلاكه يمكن أن يساعد في الحفاظ على وزن الجسم النحيل وتقليل الدهون.

 

 

نكهة عشبية دافئة

ويعد الهيل نوعا من التوابل الشائعة في أجزاء كثيرة من العالم ويجب أن توسع نتائج الدراسة من شعبيتها، وتمتاز بنكهة عشبية دافئة ورائحة تمزج بين الكافور والنعناع والفلفل.

وقالت زيفالوس، "الهيل هو نوع من التوابل غير معروف كثيرا في الولايات المتحدة، لكنه شائع جدا في أجزاء أخرى من العالم. ما وجدناه هو أن هذه التوابل الصغيرة يمكن أن تحرق السعرات الحرارية وتحافظ على وزن الجسم مع زيادة الشهية واستهلاك الطعام".

وأجريت الدراسة على الحيوانات واستخدمت جرعات مختلفة من بذور الهيل في نظام غذائي منتظم، ووجد الباحثون أن الهيل يزيد الشهية ولكنه يزيد أيضا من استهلاك الطاقة وتقليل كتلة الدهون.

كما قدمت الدراسة جرعات تقديرية للإنسان – 77 ملليجراما على الأقل من المنشطات الحيوية للهيل لشخص بالغ يبلغ وزنه حوالي 60 كيلوغراما.

 

وذكرت أنه يمكن الحصول على هذه الجرعة المفيدة من تناول ما لا يقل عن العدد من 8 إلى 10 حبات هيل كل يوم.

وأكدت الدراسة أن الهيل يعدل الدوائر العصبية التي تنظم تحلل الدهون في الأنسجة الدهنية والتمثيل الغذائي التأكسدي للميتوكوندريا في الكبد والعضلات الهيكلية، فيما أشارت دراسات أخرى إلى أن للهيل خصائص مضادة للالتهابات.

 

وقالت زيفالوس، "اكتشف فريقنا فرصة رائعة لاستخدام الهيل كمحفز للصحة العامة".

وختمت الباحثة، "يمكن استخدام بذور الهيل في صناعات مختلفة، بما في ذلك صناعة الرياضة والأطعمة الوظيفية والمكملات الغذائية لتحسين إنتاج الأطعمة الصحية".

الأحد, 20 آب/أغسطس 2023 20:32

التبيين الزينبيّ

لقد حملت السيّدة زينب (عليها السلام) مهمّة الأنبياء ورسالتهم بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، المتمثّلة بالتبيين للناس، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾[1]. وبمراجعة أحداث كربلاء، ولا سيّما بعد الشهادة، وخلال مسير السبي، نلحظ مواقفَ متعدّدة للتبيين الزينبيّ، وقد ورد بأسلوبَين: الحوار أحياناً، والخطابة في أحيان أخرى.

عنصران أساسيّان لافتان في التبيين الزينبيّ، يشكّلان نقطة القوّة ونقطة القدوة في صناعة التبيين الجهاديّ في مواجهة الظلم والطغيان:

العنصر الأوّل: قوّة الشخصيّة في التبيين: والتي تظهر في التغلّب على كلّ الظروف المحيطة؛ ليكون التبيين فاعلاً ومؤثّراً، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «خطبتُها التي لا تُنسى في أسواق الكوفة لم تكن كلاماً عاديّاً، ولم تكن موقفاً عاديّاً لشخصيّة كبرى... لاحظوا قوّة الشخصيّة، كم هي قويّة هذه الشخصيّة. فقدت في تلك الصحراء أخاها وقائدها وإمامها مع كلّ هؤلاء الأعزّاء والشباب والأبناء، وهذا الجمع المؤلَّف من بضع عشرات من النساء والأطفال، قد أُسروا وأُحضروا على مرأى من أعين الناس، وحُملوا على نياق الأسْر، وجاء الناس ينظرون إليهم، وكان بعضُهم يُهلِّل وبعضُهم كان يبكي، ففي مثل هذه المحنة، تسطع فجأةً شمسُ العظمة، فتستعمل اللهجةَ نفسَها التي كان يستعملها أبوها أميرُ المؤمنين وهو على منبر الخلافة مخاطباً أُمّته، تنطق بالطريقةِ نفسِها وباللهجةِ نفسِها، وبالفصاحة والبلاغة، وبذلك السموّ في المضمون والمعنى: «يا أهلَ الكوفة، يا أهل الغدر والختل!»[2]، أيّها المخادعون، أيّها المتظاهرون: لعلّكم صدّقتكم أنّكم أتباعُ الإسلام وأهلِ البيت، لقد سقطتم في الامتحان، وصرتم في الفتنة عُمْياً، «هل فيكم إلّا الصَّلف والعُجْب والشَّنف والكذب، ومَلَقُ الإماء، وغمز الأعداء»[3]، إنّ تصرّفكم وكلامكم لا ينسجمان مع قلوبكم. لقد غرّتكم أنفسكم، وظننتم أنّكم مؤمنون، وتصوّرتم أنّكم لا زلتم ثوريّين، ظننتم أنّكم لا زلتم أتباعَ أمير المؤمنين، في حين أنّ واقع الأمر لم يكن كذلك. لم تتمكّنوا من الصمود والنجاح في الفتنة، ولم تتمكّنوا من النجاة بأنفسكم ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾[4]، فقد أصبحتم كالتي بدّلت الحرير أو القطن إلى خيوط، ثمّ أرجعت تلك الخيوط ونقضتها إلى قطن أو حرير، فبدون بصيرة ووعيٍ للظروف، وبدون تمييز بين الحقّ والباطل، أبطلتم أعمالكم، وأحبطتم سوابقكم. الظاهر ظاهر الإيمان، واللسان مليء بالادّعاءات الجهاديّة، أمّا الباطن فهو باطنٌ أجوفُ خالٍ من المقاومة، مقابل العواصف المخالفة. فهذا ما يُعدّ تحديداً آفات تصيب المجتمع»[5].

العنصر الثاني: بيان الحقائق للناس: يقول سماحة الأمين العامّ (حفظه الله): «في جهاد التبيين، بيّنت [السيّدة زينب (عليها السلام)] الحقائق. نقلت ما حصل: الخلفيّات والأهداف، بطريقة واضحة وجريئة وشجاعة ومؤثّرة، وفضحت المجرمين، وزلزلت عروشهم، حتّى وصل يزيد إلى مرحلة يقول: ما قام به ابن زيادٍ جعلني مكروهاً لدى كلّ المسلمين. ما كان هذا ليحصل... لولا جهادُ التبيين. إنّ كل ما حصل بعد كربلاء من ثورات، ومن قيام، ومن فضح ليزيد، وإسقاط ليزيد، ولنظام آل أبي سفيان، وهذا الامتداد الهائل إلى اليوم لهذه الحادثة، هو ببركة جهاد التبيين الذي قادته زينب والسجّاد (عليهما السلام)، ومعهما هذه الثُلّة الطاهرة من نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبنات رسول الله (صلى الله عليه وآله)... وإلّا كيف كان يمكن التغلُّب على إجراءات يزيد وهو كان حاكماً مطلقاً لديه الولاة والعساكر، ووعّاظ السلاطين، والشعراء الذين كانوا ينظّمون له الشعر الذي يريد مقابل المال خوفاً أو طمعاً، ولديه الآلة الضخمة لنشر الإشاعات والأكاذيب والافتراءات على امتداد العالم الإسلاميّ. كان لديه إمكانات هائلة.

الحسين (عليه السلام) واجه بالإمكانات المتاحة، أقصى الإمكانات المتاحة. ما هي الإمكانات المتاحة؟ كانت الدم الذي يجري في عروق الحسين (عليه السلام) وصحبه، والصوت الذي يخرج من حنجرة زينب والسجّاد (عليهما السلام) والنساء. هنا انتصر الدم الحسينيّ والصوت الزينبيّ على السيف، وهذا ما بقي لنا إلى اليوم».



[1] سورة إبراهيم، الآية 4.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج45، ص109.
[3] المصدر نفسه.
[4] سورة النحل، الآية 92.
[5] من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 21/04/2010م.

الأحد, 20 آب/أغسطس 2023 20:30

الغِنى والتوكُّلِ

عَنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «ما استغنى أحدٌ باللهِ، إلَّا افتقرَ الناسُ إليه؛ ومَنِ اتَّكلَ على حُسْنِ اختيارِ اللهِ عزَّ وجلَّ لهُ، لمْ يتمنَّ أنَّهُ في غيرِ الحالِ التي اختارَها اللهُ تعالى له»[1].

يَحْمِلُ المؤمنُ في شخصيَّتِه صفاتٍ وملكاتٍ تؤهِّلُهُ لكي يقومَ بما أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ، ويؤدِّيَ التكاليفَ الملقاةَ عليه على المستويَينِ الفرديِّ والاجتماعيِّ.

ويجمعُ كلامُ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) صفتَينِ في غايةِ الأهمِّيَّة، مَنْ يَتَحَلَّ بهما يفُزْ بنتائجَ مهمَّةٍ في حياتِه، وتنعكِسُ في سلوكِه وتعامُلِه مَعَ الأمور:

الصفةُ الأولى: الغِنى باللهِ عزَّ وجلَّ: بأنْ تكونَ علاقةُ الإنسانِ باللهِ عزَّ وجلَّ علاقةَ العبوديَّةِ التامَّة، والتي تَبرزُ فيها صِفةُ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هو الذي يكفُلُ لَهُ كلَّ ما يحتاجُ إليهِ في هذه الدنيا؛ إيماناً بقولِه تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾[2].

والخطوةُ المهمَّةُ للوصولِ إلى ذلك، ما وردَ عَنْ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه): «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ، فَلْيَكُنْ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ»[3].

ثمَّ القناعةُ بمعنى أنْ يرى في ما يصِلُه كفايةً، فلا يطمعَ بالمزيد، فعَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «مَنْ قَنِعَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ، فَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ»[4].

ثمَّ عدمُ رجاءِ أحدٍ مِنَ الناس، فعَنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «الغنى الأكبرُ، اليأسُ عمَّا في أيدي الناس»[5].

الصفة الثانية: الاتّكالُ على اللهِ عزَّ وجلَّ: بأنْ يكونَ الاعتمادُ على اللهِ عزَّ وجلَّ وحدَهُ، مَعَ الاعتقادِ بأنَّ مقاليد الأمور بيدِه، وأنَّه يختارُ لعبادِه ما فيه مصالحُهُم. وتفسيرُ التوكُّلِ كما وردَ في حديثِ النبيِّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه) عَنْ جَبرائيل: «العِلمُ بأنَّ المَخلوقَ لا يَضُرُّ ولا يَنفَعُ، ولا يُعطي ولا يَمنَعُ، واستِعمالُ اليَأسِ مِنَ الخَلقِ؛ فإذا كانَ العَبدُ كذلكَ، لَم يَعمَلْ لأحَدٍ سِوَى اللَّهِ، ولَم يَرْجُ ولَم يَخَفْ سِوَى اللَّهِ، ولَم يَطمَعْ في أحَدٍ سِوَى اللَّهِ؛ فهذا هُو التَّوكُّلُ»[6].

وبابُ التوكُّلِ أيضاً هو الثقةُ باللهِ عزَّ وجلَّ، كما وردَ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «مَنْ وَثِقَ باللَّهِ، توكَّلَ عليه»[7].

وعلامَةُ التوكُّلِ هو ما وردَ في صِفَةِ النبيِّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه) على لسانِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «لمْ يكن رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه) يقولُ لشيءٍ قد مضى: لو كانَ غيرَه»[8].

وهذا يكشِفُ عَنِ امتلاكِ العبدِ مقامَ الرضا، وهو أعلى الطاعاتِ للهِ عزَّ وجلَّ؛ والطاعةُ هي قِوامُ العبوديَّة، فعَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «رأسُ طاعةِ اللهِ، الرضا بما صنعَ اللهُ فيما أحبَّ العبدُ وفيما كَرِه»[9].

ختاماً، نعزِّي صاحبَ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فَرَجَهُ الشريف)، ووليَّ أمرِ المسلمين، والمجاهدينَ جميعاً، بذكرى شهادةِ الإمامِ عليِّ بنِ الحسينِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) في الخامسِ والعشرينَ مِنْ شهرِ المحرَّمِ، سنةَ 95 هجريَّة.



[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج‏75، ص142.
[2] سورة هود، الآية 6.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج‏2، ص139.
[4] المصدر نفسه.
[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص534، الحكمة 342.
[6] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص261.
[7] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص432.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج‏2، ص63.
[9] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص197.

الأحد, 20 آب/أغسطس 2023 20:28

سيِّدُ شهداءِ الأوّلينَ والآخرين

عَنْ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ (عليه السلام) -في ختامِ كتابِه للأشترِ لمَّا ولَّاه مصرَ-: «وَأَنَا أَسْأَلُ اللهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَة، أَنْ يُوَفِّقَنِي وَإِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ... وَأَنْ يَخْتِمَ لِي وَلَكَ بِالسَّعَادَةِ وَالشَّهَادَةِ»[1].

إنَّ طلبَ الشهادةِ، والرغبةَ فيها كانتا القاعدةَ التي سارَ عليها أولياءُ اللهِ عزَّ وجلَّ، الذينَ كانوا يتوسَّلونَ إليهِ سبحانَه لينالوا شرفَها؛ إذ أفضلُ ما تُختَمُ به الحياةُ هو الشهادة.

ولقافلةِ الشهداءِ سيِّدٌ مِنَ الأوَّلينَ والآخِرينَ هوَ الإمامُ الحسينُ (عليه السلام)، فقدْ وردَ في كتابِ «كاملِ الزيارات» عَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام)، عَنْ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) عَنِ اللهِ عزَّ وجلَّ في الحسينِ بنِ عليٍّ (عليهما السلام): «بورِكَ مِن مَولودٍ، عَلَيهِ بَرَكاتي وصَلَواتي ورَحمَتي ورِضواني؛ ونَقِمَتي ولَعنَتي وسَخَطي وعَذابي وخِزيي ونَكالي  عَلى مَن قَتَلَهُ وناصَبَهُ وناواهُ ونازَعَهُ، أما إنَّهُ سَيِّدُ الشُّهَداءِ مِنَ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ، وسَيِّدُ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ مِنَ الخَلقِ أجمَعينَ، وأبوه أفضَلُ مِنهُ وخَيرٌ، فَأَقرِئهُ السَّلامَ، وبَشِّرهُ بِأَنَّهُ رايَةُ الهُدى، ومَنارُ أولِيائي، وحَفيظي وشَهيدي عَلى خَلقي، وخازِنُ عِلمي، وحُجَّتي عَلى أهلِ السَّماواتِ، وأهلِ الأَرَضينَ، وَالثَّقَلَينِ الجِنِّ وَالإِنسِ»[2].

لقدْ خصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ الحسينَ بنَ عليٍّ (عليهما السلام) بلقبِ سيِّدِ الشهداءِ مِنَ الأوَّلينَ والآخِرين، وكلُّ مَنِ التحقَ بركْبِ الشهداءِ فقدْ أصبحَ في قافلةِ سيِّدِها الحسينِ بنِ عليٍّ (عليهما السلام)، الذينَ خصَّهُمُ اللهُ عزَّ وجلَّ بعظيمِ المقامِ الذي يعجزُ عنْ وصفِه الإنسان. وقدْ أشارَ إمامُنا الخمينيُّ (قُدِّسَ سرُّه) إلى هذا الأمرِ بشكلٍ واضحٍ في كلماتِه؛ كقولُه: «ما الذي بوسعِ إنسانٍ قاصرٍ مثلي أنْ يقولَ عَنِ الشهداءِ الأعزّاءِ الذينَ قالَ اللهُ تعالى في شأنِهم تلكَ الكلمةَ العظيمة: ﴿أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[3]، وهل يُمكنُ بالقلمِ والبيانِ والكلامِ التعبيرُ عَنِ الالتحاقِ باللهِ واستضافةِ مقامِ الربوبيّةِ للشهداء؟ أليسَ هذا مقامَ: ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾[4] الذي رأى الحديثُ الشريفُ مصداقَه في سيِّدِ الشهداءِ والمظلومين؟ وهلْ هذهِ الجنَّةُ هيَ التي يدخُلُها المؤمنونَ أمْ لطيفتُها الإلهيّة؟ هلِ الالتحاقُ والارتزاقُ عندَ ربِّ الأربابِ هوَ هذا المعنى البشريّ، أم أنَّهُ رمزٌ إلهيٌّ أسمى وفوقَ تصوُّرِ البشرِ الترابيّ؟»[5].

إنّ عَظَمةَ الشهيدِ تتجلَّى في الإيثارِ العظيمِ؛ كونُه يبذلُ روحَهُ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، يقولُ الإمامُ السيِّدُ عليٌّ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) في معنى الشهيدِ وحقيقتِه: «الشهيدُ هوَ الإنسانُ الذي يُقتَلُ في سبيلِ الأهدافِ المعنويّة، ويضحّي بروحِه -التي هي الجوهرُ الأصليُّ لكلِّ إنسان- لأجلِ الهدفِ والمقصدِ الإلهيّ. واللهُ المتعالي يردُّ على هذا الإيثارِ والتضحيةِ العظيمةِ بأنْ يجعلَ ذكرَ ذلكَ الشخصِ وفكرَه حاضرَينِ دائماً في أُمَّتِه، ويبقى هدفُه السامي حيّاً. هذه هي خاصيَّةُ القتلِ في سبيلِ الله. فالأشخاصُ الذين يُقتَلونَ في سبيلِه يحيَون، أجسادُهم تموتُ، ولكنَّ وجودَهُمُ الحقيقيُّ يبقى حيّاً».

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص445، الكتاب 53.
[2] ابن قولويه القمّيّ، كامل الزيارات، ص70.
[3] سورة آل عمران، الآية 169.
[4] سورة الفجر، الآيتان 29 و30.
[5] الإمام الخمينيّ (قدس سره)، صحيفة الإمام (الترجمة العربيّة)، ج‏17، ص116.

قائد الثورة الإسلامية، وصف خلال لقاء أعضاء المؤتمر الوطني لتكريم شهداء محافظة أردبيل، أردبيل بأنها من المناطق التي لعبت دورًا بارزًا في تاريخنا وجاء ذلك خلال .

وأضاف، لأردبيل حق كبير علي  إيران  وقد قلت لإخواني وأخواتي خلال اللقاء مع أهالي أردبيل قبل سنوات قليلة  أن أهالي أردبيل قد فعلوا شيئين عظيمين لإيران. واحد هو عمل وطني والآخر عمل ديني. المهمة الوطنية هي خلق وحدة في البلاد وهذا يعني أن هذه الوحدة والتلاحم الذي تشاهدونها اليوم في إيران هو عمل قامت به الحكومة الصفوية. كما إن نشر وترويج مذهب أهل البيت (ع) كان عملهم الديني.

وتابع، من المهم الحفاظ على طريق الشهداء ونقل سيرتهم العملية إلى جيل الشباب وعلى كل من العلماء والمفكرين والأكاديميين والمسؤولين الحكوميين أن يضطلعوا بدورهم في هذا المجال.

وأضاف، ان طريقة المواجهة مع الحرب المعرفية والاقتصادية والسياسية والأمنية لجبهة العدو هي الاستمرار في طريق الشهداء والعمل على دروسهم المتمثلة في المجاهدة والصمود والمقاومة.

واعتبر قائد الثورة الاسلامية، الماضي الأكاديمي والجهادي والاستشهادي والتواجد في المجالات التي تجددت فيها الحياة الوطنية فيها سواء كانت الحياة السياسية والعلمية أو الجهاد أو الاستقلال هوية أردبيل.

وأضاف، ان ثماني سنوات من الدفاع المقدس. تكشف دور مقاتلينا ومناضلاتنا وشهدائنا في فك العقد وحل المشاكل وبعد فترة الدفاع المقدس التي دامت ثماني سنوات، انتهت الحرب العسكرية ضدنا ، لكن الحرب المعرفية، والاقتصادية ، والسياسية ، والأمنية اشتدت يومًا بعد يوم، واستمرت حتى اليوم.

وتابع، تم تحييد وإحباط كل هذه الحروب  بفضل الصمود  وبركات المقاومة والشهداء  لذا ، فإن الطريق واضح لنا. الطريق هو طريق النضال، والمقاومة  والمثابرة.

ويعتقد قائد الثورة الاسلامية أن حب الإمام الحسين (ع) لا يختص المسلمين فقط  ولفت الى ان اليوم الطوائف من المسلمين وغير المسلمين ، مثل المسيحيين والزرادشتيين والهندوس يعبرون عن حبهم للإمام الحسين عليه السلام. واعتبر مسيرة  الأربعين مؤشرا على القيمة التي أعطاها الله تعالى لدماء الشهداء وطريق الشهداء ، داعيا إلي الحفاظ عليها.

وصول هذه القوات، التي ستنضم الى أكثر من 30 ألف جندي أميركي يتمركزون في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، تزامن مع "تحذيرات" اطلقتها القوات الامريكية، للسفن التجارية والناقلات، من الاقتراب من المياه الإيرانية، في محاولة مفضوحة لتعكير صفو الامن في منطقة الخليج الفارسي ومضيق هرمز، من دون وجود اي مبرر لكل هذه الضجة المفتعلة.

اللافت اكثر هو ما اعلنه مسؤول أميركي في بداية آب/أغسطس، من ان بلاده "تستعد لوضع أفراد من مشاة البحرية على متن ناقلات تجارية عابرة للخليج الفارسي في إطار خطة دفاعية إضافية"، الامر الذي اعتبره المراقبون، اجراء استعراضي، لاثبات ان امريكا لن تترك المنطقة، بعد التقارب الايراني السعودي، وتوثيق الصين لعلاقاتها مع دول منطقة الخليج الفارسي، التي كانت تعتبرها امريكا منطقة نفوذ لها دون منازع.

ان امريكا تعلم قبل غيرها ان خطة وضع "فزاعات" المارينز على سفن تجارية، لا يمنح امريكا اي امتياز عسكري، بل سيزيد من نقاط ضعفها، الامر الذي يعكس احباطها وقلة حيلتها في التعامل مع التطورات التي شهدتها منطقة الخليج الفارسي، وانفتاحها دولها على الصين وتقاربها مع ايران.

ليس امام امريكا من خيار، يغنيها عن كل هذا الضجيج والصخب الاعلامي ، والاستعراض المضحك للقوة، سوى الكف عن التعرض للناقلات التي تنقل النفط الايراني، بذريعة تطبيق قوانينها الاحادية الجانب، المفروضة على الشعب الايراني، وهذا الخيار فقط هو الذي يحول دون ان تقع "فزاعاتها" الموجودة على سفنها التجارية في قبضة القوات المسلحة الايرانية، وعندها عليها ان تدفع ثمنا باهظا من سمعتها وهيبتها التي باتت لا تخيف احدا.

اخيرا نذكر امريكا، في حال تجرأت على اعتراض ناقلة ما في اعالي المحيطات، تنقل نفطا ايرانيا بهدف سرقته، بالناقلة سويز راجان التي تحمل نفطا ايرانيا، والمتوقفة بالقرب من جالفستون الواقعة على بعد نحو 80 كيلومترا من هيوستون منذ 30 مايو أيار، دون تتجرأ شركات الشحن من الاقتراب منها وافراغ حمولتها، رغم محاولات مشرعين امريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حث الرئيس جو بايدن وإدارته على إيجاد حل للتأخير المستمر منذ شهور في تفريغ شحنة النفط الايراني.

وجاء في خطاب السناتور الجمهوري جوني إرنست والسناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتال ومشرعون آخرون في مجلس الشيوخ ومجلس النواب، الى بايدن وكبار مسؤولي الإدارة "إن تطبيق عقوبات النفط سيصبح بلا معنى إذا ظل المواطنون الأمريكيون والشركات الأمريكية ذات الصلة خائفين دوما من رد الفعل الإيراني"!!.

كل هذا الخوف الامريكي جاء بعد تحذير ايران من مغبة الاقتراب من شحنة نفطها المسروقة، لذلك على امريكا ان تعيد النفط لاصحابه ، ولا تكرر حماقة الاقتراب من ناقلات النفط الايرانية مرة اخرى، فمثل هذه العنتريات ستضع امريكا في موقف لا تحسد عليه امام العالم، الذي تأكد له ان ايران بلد يرد بالمثل حتى على امريكا، التي تعتبر الدولة الوحيدة في العالم، الى جانب الكيان الاسرائيلي، التي تهدد الملاحة البحرية في العالم، دون ان تحسب حسابا لردود فعل الاخرين.

من أهمّ الأرصدة المعنوية الماضية التي يمتلكها أتباع مذهب آل البيت عليهم السلام هو وجود إمام ثائر عندهم، كانت وما زالت ثورته نبراس الثورات، وتضحيته أُمُّ التضحيات، وحرارة مقتله من أشدّ المهيِّجات، فتولَّد لديهم ببركة ثورته ما لم يتولَّد عند غيرهم، وهو عنصـر الإصلاح لا لمصلحة دنيوية ولو كلَّف ذلك الحياة، وإنَّ الذلَّة لا وجود لها في صفحة الحياة...، إيماناً منهم بتضحياته وبكلماته...، والتي منها: "ما خرجت أشراً ولا بطراً وإنَّما لطلب الإصلاح[1]"، وايضا"...هيهاتَ منّا الذلَّة"[2]

وكذلك "...لا أُعطي بيدي إعطاء الذليل ولا أقرُّ لكم إقرار العبيد"[3]، "...مثلي لا يبايع لمثله"[4] .

ومن الأرصدة المعنوية المستقبلية التي يمتلكها أتباع مذهب آل البيت عليهم السلام الإيمان بالإمام الغائب المنقذ الذي يملؤها قسطاً وعدلاً بعد ما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وأنَّه إمامهم الثاني عشـر. وهذا الإيمان هو ممَّا يُحفِّزهم على العمل الجادِّ في التمهيد لظهوره، والاستعداد للانخراط تحت قيادته، والانتظار لفرجه.فإنَّ الانتظار للإمام المنقذ عليه السلام من أهم المحفِّزات على العمل الديني والاجتماعي والإعداد لذلك من أهمّ الطاعات.
فبين تراث الماضي وأمل المستقبل تكوّن الحاضر الايماني والتعبوي لدى أتباع الحقِّ، وتولَّدت حالة معنوية عالية تمخَّض منها عدَّة فعّاليات وعبادات وتحرّكات منها:.

 الروح الجهادية والقتالية التي يمتلكها الأتباع دون غيرهم، ونموذج الحشد الشعبي شاهد على ذلك، وهذا يحتاج إلى إفراد أبحاث مستقلَّة للوقوف على هذه الظاهرة.
عدم الانصياع للحكومات الظالمة، وعدم الارتباط بها من كلِّ النواحي.
الاستقلالية في إدارة المذهب فكرياً واقتصادياً، وعدم الارتباط بأيِّ أجندة... وغيرها العشرات
ومن هذه الفعّاليات العبادية المهمَّة فعّالية الزيارة الأربعينية المقدَّسة، فهذه الفعَّالية تميَّزت بربط الماضي الحسيني بالمستقبل المهدوي لتوليد حاضر يفرض علينا واقعاً يجعلنا نُنظِّم أنفسنا من كلِّ النواحي استعداداً وتمهيداً لدولة الحقِّ.

فالذي يطَّلع على وقائع زيارة الأربعين وما يراه من تجمهر عشـرات الملايين زماناً ومكاناً وبلغات وقوميات وتوجّهات شتّى - يجمعهم رجل واحد اسمه الحسين عليه السلام، وينادون بنداء واحد هو: (اللَّهُمَّ عجِّل لوليِّك الفرج، وسهِّل له المخرج) - يرى بوضوح أنَّ تلك الزيارة من أهمّ ممهِّدات الظهور

وفي هذا البحث المختصـر نقف على أهمّ تلك المعطيات التي لها دور في الظهور، وسنغضُّ النظر عن ما للزيارة من أهمّية واضحة ومعطيات جمَّة في شتّى المجالات، لأنَّ هدفنا هو التركيز على هذه المفردة العظيمة، وهو دور الأربعين في التمهيد للظهور وصناعة الشخصية المهدوية.
فالتمهيد وانتظار الفرج أهمّ المفردات التي تُشغِل ذهن البشـرية المؤمنة، فالعمل عليه ومعرفة ما يقرب الظهور ويرفع الموانع من أهمّ العبادات في الغيبة كما ورد في الروايات: "أفضل الأعمال انتظار الفرج"، ففي  الإمامة والتبصـرة من الحيرة : "إنَّ النَّبِيَّ قَالَ: أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي انْتِظَارُ الْفَرَجِ‏، وَلَا يَزَالُ شِيعَتُنَا فِي حُزْنٍ حَتَّى يَظْهَرَ وَلَدِيَ الَّذِي بَشَّـرَ بِهِ النَّبِيُّ أَنَّهُ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطاً، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً"[5]، ولكن ليس كلُّ انتظار هو ممدوح، وإنَّما الانتظار مع الإيمان والعمل الجادِّ في التمهيد للإمام عليه السلام، والعمل طبقاً لمراد الشـريعة، لا الانتظار مع الخمول واليأس وارتكاب المحرَّمات والتسليم للظلم والظالمين.

وهناك جملة من الأعمال تُمهِّد للظهور وترفع بعض موانعه وهي تقع على عاتق المؤمنين، منها: إكمال عدَّة (٣١٣[6]( ، الذين يُشكِّلون النواة القيادية الأُولى حول الإمام عليه السلام، ومنها: الدعاء له بالفرج، وغيرها، ففي الرواية: "فَإِذَا اجْتَمَعَتْ لَهُ هَذِهِ الْعِدَّةُ مِنْ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ أَظْهَرَ أَمْرَهُ" [7]، فظاهر الرواية أنَّ اجتماع العدَّة (٣١٣) شرط لإظهار أمره.
ومن جملة الممهِّدات والمربّيات لمجتمع الظهور هي زيارة الأربعين لما لها من أبعاد مختلفة وعديدة، نحاول التركيز عليها وبيانها وتطويرها والدفع بالمؤمنين نحو جعلها من الطرق العبادية التي يُتمسَّك بها لبناء شخصية الظهور.ونطرح دور الأربعين في البناء للظهور في محاور هذا مجملها:
المحور الأوَّل: البناء المعنوي والروحي:
من أهمّ ما يساهم في التمهيد للظهور هو بناء شخصية معنوية وروحية لدى المؤمن تُؤهِّله لنصـرة القيام المهدوي، وهناك آليات عديدة لبناء الشخصية الإسلاميَّة عموماً، ولعلَّ أهمّ تلك الآليات هو اتِّخاذ القدوة الحسنة والسير على نهجها والتزوّد بالعلم والمعرفة وغيرها. وبناء هكذا شخصية يجعل الإنسان قويّاً عند الشدائد، صبوراً عند النوائب، عزيزاً يأبى الذلَّ، شجاعاً لا يعرف الجبن، صادقاً لا يكذب، أميناً لا يخون... الخ.
ومن الآليات المهمَّة أيضاً هو انتهاج السلوك العبادي واتِّخاذه وسيلةً للتقرّب لله وبناء ملكات وفضائل وكسـر الشهوات ومحو الرذائل، فالصلاة - مثلاً - لها آثارها المعنوية الكبيرة كما نطقت الآيات والروايات، فهي تُعطي حصانةً للإنسان عن الوقوع في الفحشاء والمنكر ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت: ٤٥)، وهي وسيلة للتقرّب للساحة الإلهيَّة والابتعاد عن الخطط الشيطانية "الصلاة قربان كلِّ تقي"[8]، وهي سبيل للعروج إلى الربِّ "الصلاة ميزان أُمَّتي"[9]، إلى غير ذلك من الآثار.
وهكذا الصوم والحجّ والجهاد وأداء الحقوق الشـرعية وغيرها كلٌّ له آثاره وبناءه لشخصية الإنسان المؤمن وتربيتها تربية إسلاميَّة.
وزيارة الأربعين - وبالخصوص مشياً - تُمثِّل ممارسة عبادية متنوّعة وطويلة الأمد زماناً ومسافةً - تشابه إلى حدٍّ ما موسم الحجِّ من حيث التنوّع العبادي والجهد المعنوي والتعبوي، فيمارس فيها مجموعة من العبادات كالزيارة والصلاة - وخصوصاً صلاة الجماعة - والتسبيح والوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء والمشي - بناءً على عباديته - وغيرها.

وهذه الممارسات العبادية المتنوّعة تخلق - خصوصاً مع طول أمدها واستمراريتها - جوّاً روحياً عالياً من خلال ما يحصده المؤمن من حسنات ومحو للسيِّئات ورفع للدرجات وتوطين النفس على الصعوبات، وخصوصاً المشي مع تحمّل المتاعب والحرِّ والبرد وتورّم الأقدام وتغيّر اللون وذبول الشفاه والجوع والخوف - كما في زمن الطغاة -، وغيرها من الصعوبات.
وهذا يخلق شخصية دينية صلبة الإيمان كي تكون مؤهَّلة ومستعدَّة لنصـرة الإمام الحجَّة عليه السلام، ممَّا يُوفِّر أحد مقتضيات تعجيل الظهور، وهو وجود الموارد البشـرية الناضجة والمستعدَّة استعداداً حقّاً لنصـرة المنقذ سواء من عدَّة (٣١٣) أو من عدَّة (١٠.٠٠٠) كما نطقت الروايات، منها: "... فَإِذَا أُكْمِلَ لَهُ الْعَقْدُ وَهِيَ عَشَـرَةُ ألف [آلَافِ‏] رَجُلٍ خَرَجَ بِإِذْنِ اللهِ، فَلَا يَزَالُ يَقْتُلُ أَعْدَاءَ اللهِ حَتَّى يَرْضَى اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى" [10]، فإكمال العِدَّة يُمثِّل أحد المقتضيات المهمَّة للظهور، فلا يبقى إلَّا بعض المقتضيات الأُخرى وزوال المانع.

وهناك بعض روايات المشي وأجرها:لذا وردت روايات في المشـي وأهمّيته العبادية، نذكر منها وهي مستفيضة، بل متواترة، وفيها الصحاح، فلا حاجة لبحث سندها، منها:

عن أبي الصامت، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "مَنْ أَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ مَاشِياً كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ دَرَجَةٍ"[11]  .
عن عليِّ بن ميمون الصائغ، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "يَا عَلِيُّ، زُرِ الْحُسَيْنَ وَلَا تَدَعْهُ"، قَالَ: قُلْتُ: مَا لِمَنْ أَتَاهُ مِنَ الثَّوَابِ؟ قَالَ: "مَنْ أَتَاهُ مَاشِياً كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً، وَمَحَى عَنْهُ سَيِّئَةً، وَرَفَعَ لَهُ دَرَجَةً، فَإِذَا أَتَاهُ وَكَّلَ اللهُ بِهِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ مَا خَرَجَ مِنْ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ، وَلَا يَكْتُبَانِ مَا يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ مِنْ شَرٍّ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِذَا انْصَـرَفَ وَدَّعُوهُ، وَقَالُوا: يَا وَلِيَّ اللهِ، مَغْفُوراً لَكَ، أَنْتَ مِنْ حِزْبِ اللهِ وَحِزْبِ رَسُولِهِ وَحِزْبِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِهِ، وَاللهِ لَا تَرَى النَّارَ بِعَيْنِكَ أَبَداً، وَلَا تَرَاكَ، وَلَا تَطْعَمُكَ أَبَداً" [12]
عن بشير الدهّان، عن أبي عبد الله عليه السلام: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ إِلَى قَبْرِ الْحُسَيْنِ فَلَهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَوَّلِ خُطْوَةٍ مَغْفِرَةُ ذُنُوبِهِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُقَدَّسُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَتَّى يَأْتِيَهُ، فَإِذَا أَتَاهُ نَاجَاهُ اللهُ تَعَالَى فَقَالَ: عَبْدِي سَلْنِي أُعْطِكَ، اُدْعُنِي أُجِبْكَ، اُطْلُبْ مِنِّي أُعْطِكَ، سَلْنِي حَاجَةً أَقْضِيها" [13].
فالروايات واضحة في دور المشـي لزيارة الحسين عليه السلام في البناء المعنوي وتحصيل الأجر الرافع للدرجات، وهو ممَّا تحتاجه الشخصية الممهِّدة للإمام الحجَّة عليه السلام خصوصاً مع اقتران الزيارة بالدعاء بالفرج من قِبَل هذا الزائر الذي يقول له الله تعالى - كما في الرواية الماضية -: "اُدعني أجبك".

المحور الثاني: البناء الاقتصادي:
إنَّ القوَّة الاقتصادية وتأمين الوضع المالي من أهمّ مقوّمات نجاح الأُمم والحركات بعد الموارد البشـرية، وكذلك معرفة كيفية إدارة المال وعدم الإسراف به والتبذير وحسن الاقتصاد بالصـرف يُشكِّل قوامة اقتصادية أُخرى.

فالمال والاقتصاد له أهمّية في البناء الاجتماعي والفردي، ودوره مهمٌّ في خلق حياة سعيدة وأُسرة صالحة وحياة آمنة - كونه أحد مقوّماتها -، ولا يعني ذلك أنَّه علَّة تامَّة لتلك الأُمور، بل قد يكون وبالاً على الإنسان إذا لم يُحسِن التصرّف، فهو سلاح ذو حدّين.
والقرآن في اللحظة التي يُبيِّن أنَّ المال زينة ﴿الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ )الكهف: ٤٦)، يُبيِّن أنَّ المال فتنة ﴿إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ )التغابن: ١٥)، فهو زينة ومفاد إيجابي إذا صانه ووضعه في موضعه واتَّخذه وسيلةً للآخرة وكفى به نفسه وعياله ومجتمعه وأُمَّته الإسلاميَّة وقضـى حوائجهم، وهو فتنة وعذاب إذا ما ضيَّعه وبذَّره وجعله وسيلةً للدنيا والشهوة والحرام وانتهاك الأعراض وقتل النفوس.

 وكذلك الروايات بيَّنت هذه الحقيقة ومدحت المال مع الدين وذمَّت المال إذا كان وسيلةً للعصيان، ووازنت بين النظرتين[14].
ومن الممارسات الإيجابية للمال والاقتصاد هو ما تقوم به الجموع المؤمنة من ممارسات عبادية في الأربعين، وتوظيف القوَّة المالية في إحياء هذه المناسبة - من خلال الصـرف المالي على المواكب وإطعام الطعام الذي تمارسه المواكب لملايين الزائرين -، وهذا ما يُمثِّل قوَّة اقتصادية كامنة في الأُمَّة الحسينية التي هي أُمَّة الإمام المهدي عليه السلام وناصرته، فلا ميزانية مالية ولا دعم دولة ولا حزب وإنَّما هي تمويل من شعب الحسين لزوّار الحسين عليه السلام، وهذا التمويل الهائل ما هو إلَّا ممارسة وتدريب اقتصادي على الصـرف المالي المنضبط الذي يمارسه الممهِّدون للظهور، وثقافة متقنة على الصرف والبذل في سبيل الدين وإنجاح الثورة المهدوية.
وهذه الممارسة والاستعداد للصـرف، بل والصـرف الفعلي لم يكن لولا هذه الزيارة المباركة، فإذا كان عصـر الظهور فلا يجد المؤمن حرجاً في الصـرف المالي بعد أن مارس الصـرف لعشـرات السنين على جمهور الحسين عليه السلام.

خصوصاً وأنَّ بعض المؤمنين يقاسم زوّار الحسين عليه السلام قوت عياله ومؤنته السنوية، لكي يُنفِقها في موسم الزيارة، بل بعضهم - كما سمعت ورأيت بأُمِّ عيني - يبيع بيته أو سيّارته ويشتري ما هو أقلّ منهما إذا لم يكفِ ما جمعه للموسم.


فهكذا عمل يصدر من هكذا شعب حسيني يُؤهِّلهم لتكوين مجتمع مهدوي يقود الأُمَّة إلى برِّ الأمان، ويبني اقتصاداً رصيناً يكفُّ حاجة الأُمَّة.

المحور الثالث: البناء التعبوي:
من المفاهيم المهمَّة في عالم الدعوة وتجميع الجماهير والأنصار هو مفهوم التعبئة، وهي قوَّة شعبية كامنة أو ظاهرة لها حضورها في كلِّ نواحي الحياة لخدمة قضيَّة ما تهمُّ الوطن أو المواطن، وهي على أنواع، فقد تكون تعبئة عسكرية أو إعلامية أو اجتماعية أو غيرها.ومن أهمّ أنواعها هو التعبئة الاجتماعية، وهي تحريك واستنفار المجتمع بكلِّ قطاعاته للمشاركة الإيجابية لتحقيق الأهداف المطلوبة. ولا بدَّ أن تشمل التعبئة الاجتماعية جميع قطاعات المجتمع من المسؤولين الرسميين والسياسيين، قادة الرأي، القادة المحلّيين وجموع المواطنين (نساء، رجال، بل الأطفال من مدارسهم)
وهذا ما يحصل فعلاً في زيارة الأربعين، فإنَّ هناك تعبئة جماهيرية عامَّة لتحقيق هدف ديني هامّ في حياة الفرد والمجتمع.

فمن أهمّ ما تحتاجه كلُّ دعوة سماوية كانت أم أرضية هو وجود قوَّة معنوية أو مادّية أو شخصية قيادية تمتلك (كاريزما) عالية تستطيع أن تخلق جمهوراً وأتباعاً من خلال التعبئة الجماهيرية الواسعة التي تُقدِّم الولاء والخدمة مجّاناً وبلا مقابل .والذي يلاحظ زيارة الأربعين لا يجد أيّ مجهود في التعبئة الجماهيرية، بل الجمهور مقبل على الزيارة وعلى الخدمات بلا نظير، بل كثير من الجماهير يُنفِق أموالاً وجهداً مضاعفاً في تلك الأيّام ويبتهج بذلك الصرف وبهذا الجهد.

وهذا العمل التطوّعي العظيم لا تجد له نظيراً في كلِّ العالم، وهو مفخرة يتميَّز بها أتباع آل البيت عليهم السلام، وهو من ثمرات الثورة الحسينية الخالدة.وهذه التعبئة الجماهيرية في الزيارة إنَّما هي صورة من صور التعبئة للإمام المهدي عليه السلام حال قيامه بالثورة العالمية المباركة.
فالجمهور الحسيني معبَّأ للحركة المهدوية ومستعدّ لها على أحسن ما يكون، فلا نحتاج أن نعدَّ برامجاً تعبوية كثيرة لأجل الحركة المهدوية - من هذه الجهة - لأنَّها معدَّة إعداداً واضحاً وبخبرة تمتدُّ مئات السنين، نعم نحتاج إلى برامج مهدوية أُخرى من جهات أُخرى.فدور زيارة الأربعين في تعبئة المؤمنين تعبئة مهدوية واضحة وفعّالة من خلال الحرارة التي تكوَّنت في قلبهم بمقتل الحسين عليه السلام.

المحور الرابع: البناء الاجتماعي:
من أهمّ ما يُميِّز المجتمع الناجح والصالح هو قوَّة الترابط الاجتماعي بين أفراده وعملهم كخليَّة النحل الواحدة لإنجاز مهامّهم المناطة بهم، ممَّا يساعد على البناء السليم لكلِّ مفاصل الحياة سواء كانت فردية أو اجتماعية ويساعد على أن ينال كلُّ فرد فرصته في الحياة.
لذا نجد الروايات اهتمَّت كثيراً بالترابط الاجتماعي بين كلِّ أفراد المجتمع سواء كانوا من الأرحام أم لا، ومن هذه الروايات:
عن مرازم، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "عليكم بالصلاة في المساجد، وحسن الجوار للناس، وإقامة الشهادة، وحضور الجنائز، إنَّه لا بدَّ لكم من الناس، إنَّ أحداً لا يستغني عن الناس حياته، والناس لا بدَّ لبعضهم من بعض" [15].

وعن حبيب الخثعمي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "عليكم بالورع والاجتهاد، واشهدوا الجنائز، وعودوا المرضى، واحضـروا مع قومكم مساجدكم، وأحبّوا للناس ما تُحِبُّون لأنفسكم، أمَا يستحيي الرجل منكم أن يعرف جاره حقّه ولا يعرف حقّ جاره[16]"، وعن زيد الشحّام، عن أبي عبد الله عليه السلام: "... صِلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنَّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسن خُلُقه مع الناس قيل: هذا جعفري، فيسرّني ذلك، ويدخل عليَّ منه السرور"[17]
إلى غيرها من الروايات وآداب التعاشر والترابط الاجتماعي[18].

وبالمقابل من أهمّ ما يُدمِّر المجتمع هو كثرة النزاعات والخلافات والتحزّبات وتحوّله إلى شِيَع يتلاعب به الظلمة ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص: ٤)، وهذه سُنَّة قائمة يتَّخذها الظالمون لإضعاف المجتمع.كما أنَّ التنازع سبب واضح لهدر الطاقات وضياع الفُرَص والتراجع الفردي والاجتماعي على كلِّ المستويات.

لذا يحرص علماء الاجتماع في البلدان على خلق جوٍّ اجتماعي بين أفراد مجتمعاتهم بعيداً عن الخلافات والصـراعات والشتات، والحرص على خلق روح التعاون والمحبَّة وتقوية الروابط الاجتماعية والأُسرية.
والذي يلاحظ الزيارة الأربعينية يرى قوَّة الترابط بين أفراد الزائرين كباراً وصغاراً رجالاً ونساءً أثرياء وفقراء رؤساء ومرؤوسين، فلا تميّز بين غني أو فقير ولا بين مشهور أو مغمور... الخ.

فالكلُّ سواسية، بل في بعض الأحيان ينقلب الميزان وترى الكبير يخدم الصغير، أو المشهور يخدم المغمور، أو الرئيس يخدم المرؤوس، وهكذا.
فترى الترابط الاجتماعي بأعلى صورة وبأجمل ما يكون، وكأنَّك تسير في مجتمع ملائكي، وهذا البناء إنَّما هو بناء نابع من هذه الزيارة المباركة.
وهذا الترابط الاجتماعي ليس بين مدينة ومدينة، بل بين دولة ودولة، بل بين دول ودول وشعوب وشعوب، فإنَّ هناك جماهير من عشرات الدول تلتقي فيما بينها فتكوّن أواصر ووشائج قويَّة.

وهذا فضلاً عن أنَّ هناك حواجز اجتماعية ونفسية وثقافية بين شعوب بعض البلدان والبلدان الأُخرى بسبب حروب أو غيرها، ولكنَّنا نراها قد ذابت بسبب هذا الملتقى العامّ الحاصل في زيارة الأربعين.
فزيارة الأربعين تجعل الترابط الاجتماعي ليس بين أبناء بلد ما فحسب، بل بين الشعوب والبلدان الأُخرى ممَّا يُعزِّز خلق نسيج اجتماعي كبير يربط دولاً وشعوباً فيما بينها بالرغم من اختلافها باللغة أو اللون أو الثقافة أو غيرها، لخلق مجتمع مهدوي منسجم فيما بينه ممَّا يسهم في الظهور.
إنَّ زيارة الأربعين تلغي الطبقية، وتلغي القطرية، وتلغي العرقية، وتلغي القومية، وتلغي العنصرية، وتخلق مجتمعاً مترابطاً يرتبط بمنقذ عالمي اسمه المهدي عليه السلام.

فزيارة الأربعين تُعمِّق الوجود التعارفي الذي خُلِقَ له الإنسان كما عبَّرت الآية: ﴿يا أَيـُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: ١٣)
إنَّ زيارة الأربعین فرصة كبيرة للانفتاح الحضاري بين أُمَّة الإيمان، ومجال لحوار الحضارات على أُسس دينية تدعونا إلى الانتظار للإمام والإعداد له كلٌّ من دولته ولغته وعرقه وقوميته، فيكون ذلك تمهيداً ودعوة إلى عالمية دولة الإمام الحجَّة عليه السلام.

المحور الخامس: البناء الفكري والعلمي:
إنَّ تحصين الأُمَّة فكرياً وعلمياً من أهمّ الواجبات التي تقع على عاتق المؤسَّسات الدينية، ولعلَّ تسويق المعلومة إلى الجمهور يُعَدُّ من أهمّ المشكلات التي تواجه المبلِّغ.
لذا يجب علينا استثمار المواسم التي يسهل فيها تسويق المعلومات إلى الجمهور، والمتابع لسيرة النبيِّ وآل البيت عليهم السلام يرى أنَّهم يدأبون على استثمار المواسم العبادية لإيصال صوتهم للجماهير كما في مواسم الحجِّ والعمرة وصلاة العيد والجمعة والجماعة والمجالس والمآتم الحسينية.
لذا كانت لهم خطب وكلمات ومواقف في تلك المواسم سجَّلها التاريخ ونقلتها الأحاديث.ولعلَّ شعائر الحسين عليه السلام عموماً وزيارة الأربعين خصوصاً من أهمّ ما يُسوِّق المعلومات الدينية للجمهور في هذه الأيّام.
إنَّ خلق مجتمع متعلِّم على سبيل النجاة يُعَدُّ من أهمّ ركائز البناء الديني للفرد والمجتمع، بل هو قوام للدين والدنيا، كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "قوام الدين والدنيا بأربعة: عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلَّم" [19].

ومن جملة البناء الديني المهمّ في عقيدة المؤمن هو بنائه مهدوياً، وذلك من خلال استثمار ذلك الموسم لتبليغ القضيَّة المهدوية للناس وتعريفهم بتفاصيلها وتحصينهم فكرياً ضدَّ الدجّالين والمدَّعين والمشوّهين.
فيكون موسم الزيارة موسم تبليغ وترويج لقضيَّة الإمام المهدي عليه السلام، ويقع هذا التبليغ على عاتق الجميع - خصوصاً أهل التخصّص بالقضيَّة المهدوية - من خلال المحاضرات والإرشادات والنشرات والكتب وغيرها.
فالزيارة فرصة كبيرة لتسويق القضيَّة المهدوية للعالم ككلٍّ، وتوعية الجماهير بها، والتركيز على عنصر الانتظار، والاستعداد للظهور، وبناء الدولة العالمية الإلهية المنقذة لكلِّ الشعوب المظلومة، ومن نماذج ذلك:

العمل على إزالة الشبهات التي تثار حول قضيَّة الإمام المهدي عليه السلام كولادته، وطول عمره، وفائدته في زمن الغيبة، وإرهاصات ظهوره، وغيرها
ردُّ الشبهات المعاصرة كشبهة ابن گويطع وغيره بطرق علمية مبسَّطة.
تشخيص القضايا المهدوية المهمَّة وبيانها للمجتمع بطرق سهلة ومناسبة.ويتمُّ ذلك من خلال:
عقد الندوات والبرامج المهدوية في وسائل الإعلام وخصوصاً المرئية.
إجراء المسابقات العامَّة للاستكتاب في قضايا معاصرة تخصُّ القضيَّة المهدوية.
إجراء المسابقات العامَّة بين المؤمنين من خلال طرح أسئلة والإجابة عنها.
الكتابة بالصحف والمجلّات العامَّة وخصوصاً المجلّات العالمية وبلغات مختلفة لإيصال القضيَّة المهدوية للعالم.
إرسال المبلِّغين المتخصّصين إلى المجتمع لتبليغ القضيَّة المهدوية واستثمار المواسم العامَّة لذلك.
حثُّ الخطباء عموماً وخطباء المنبر الحسيني خصوصاً على طرح القضيَّة المهدوية وكتابة محاضرات تخصّصية لهم في ذلك.
 إنشاء مراكز تخصّصية علمية وبحثية في الإمام المهدي عليه السلام وأبعاد حركته.
إنشاء مؤسَّسات تهتمُّ بإقامة فعّاليات ميدانية وكشّافة ومخيَّمات ودورات للجامعيين وطلّاب المدارس تُعرِّفهم بالإمام المهدي عليه السلام وحركته.وغيرها من الوسائل[20].
المحور السادس: البناء الأمني:
تُشكِّل الحصانة الأمنية للشعوب والدول ركيزة أساسية في البناء السليم لها ودفع المخاطر عنها، لذلك تقاس قوَّة الدول وقدرتها على مقاومة المخاطر بقوَّة نظامها الأمني العامّ.
إنَّ التحصين الأمني يُعَدُّ اليوم من أهمّ مقوّمات النجاح لأيِّ حركة تريد الإصلاح والتغيير، وهذا التحصين الأمني لا ينفع كثيراً إذا لم يخرج من النظرية إلى التطبيق، فلا يُكتفى بمعرفة البناء الأمني والمباني الأمنية من دون أن تُحوَّل تلك المعرفة إلى تطبيق عملي على أرض الواقع.
وآل البيت عليهم السلام جعلوا نظاماً أمنياً كبيراً - يستحقُّ دراسات مستقلَّة - في كيفية التعامل مع الصديق والعدوِّ، ولعلَّ أهمّ مفاصله روايات التقيَّة[21] وروايات كشف الأسرار والإذاعة[22]، فهي تُؤسِّس لنظام أمني مركَّز في التعامل العامّ وكيفية تحصين الأُمَّة المؤمنة.
وزيارة الأربعين هي بناء وتدريب أمني معمَّق لعموم المكلَّفين وبالأخصّ لأصحاب المسؤولية في المواكب والزيارة.
فهم يعملون على عدم السماح بالاختراق لأيِّ شخص غريب أو غير معرَّف سواء داخل الموكب أو أثناء المسير أو ممَّن يُوزِّع الطعام أو غيرها من الخدمات، وحتَّى من يُشتَبه به يبقى تحت المراقبة والاختبار حتَّى يرفع اللبس عنه ويتبيَّن أمره.

وهذا ملاحظ بشكل كثير خصوصاً من له تجربة عملية مع أصحاب المواكب والخدمات والزائرين، فهم يلاحظون حركات وتصـرّفات وسكنات الزائر وتوجّهاته وحتَّى كلامه ومواقفه، ويسهرون إلى الصباح للحفاظ على أمن الزائر وممتلكاته وحرمته. خصوصاً أمن الزائرات المؤمنات، لذا ترى أنَّ المرأة تعيش أيّام الزيارة حالة من الأمن من كلِّ النواحي، فلا تخاف على عرضها ولا على مالها ولا على حياتها ما دامت سائرة في هذا الطريق المبارك، وحتَّى الزائرات الأجنبيات عن العراق يسرن لوحدهنَّ، بل أحياناً امرأة منفردة لوحدها تسير بلا خوف.

وهذا كلُّه بسبب النظام الأمني العالي الذي يكتنف الزيارة، وهو يفوق أيَّ نظام أمني في العالم وفي أعظم الدول الأمنية، فلا تجد مشاكل ولا تعدّياً ولا غير ذلك، وهذا لا يحصل في أعظم المجتمعات بسبب الاحتكاك والاختلاط.وفي هذا الصدد نقل لي أحد أساتذتي عن أحد السياسيين العراقييين أنَّ أحد القادة الأمنيين الأمريكيين رأى زيارة الأربعين - إبّان الاحتلال الأمريكي للعراق -، وأنَّ هذا الأمريكي كان يقول: "إنّي أتعجَّب من الشعور بالأمن طوال زيارة الأربعين، وعدم وجود المشاكل بين الزائرين، وعدم التعدّي على حرمة الزائرات طوال وقت الزيارة، والحال أنَّنا في أمريكا لو أصبح خلل في الطاقة الكهربائية في واشنطن أو نيويورك لكانت مئات حالات الاغتصاب والتعدّي والسـرقة والخ"، ثمّ قال لي: "أيُّ شخص ربّى هكذا مجتمع؟"، فقلت: "إنَّ الذي ربّاه شخص اسمه الحسين عليه السلام."فهذا البناء العملي الأمني يعطينا دروساً عملية تنفعنا كثيراً في التمهيد للحركة المهدوية المباركة، والحفاظ عليها، ومراقبة من يسير فيها.

المحور السابع: البناء الأخلاقي:
من أهمّ المبادئ التي ركَّز عليها التشـريع هو خلق ملكات أخلاقية وصفات نفسانية في الفرد والمجتمع، وقد دأب المشـرِّع على التنظير لذلك بعشـرات الآيات ومئات الروايات من جهة، وأرسل أئمَّة وأنبياء بمكارم الأخلاق العظيمة عملياً من جهة أُخرى.وزيارة الأربعين تُعتَبر من الدروس الأخلاقية العملية التي تكون ملكات أخلاقية من جهة، وتكشف عملياً عن مستوانا الأخلاقي ودرجته من جهة أُخرى.ففي زيارة الحسين عليه السلام مشياً عدَّة معطيات أخلاقية نذكرها إجمالاً:

الصبر: فإنَّ الصبر قيمة أخلاقية عالية أكَّدت عليها الآيات والروايات، وإليك جملة منها:
أمَّا الآيات كما في قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَـيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّـرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ )البقرة: ١٥٥ – ١٥٧(.
أمَّا الروایات فمنها ما عن أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام يَقُولُ: "... الصَّبْرُ يُعْقِبُ خَيْراً، فَاصْبِرُوا وَوَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الصَّبْرِ تُوجَرُوا[23]". وعن حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: " الْجَنَّةُ مَحْفُوفَةٌ بِالمَكَارِهِ وَالصَّبْرِ، فَمَنْ صَبَرَ عَلَى المَكَارِهِ فِي الدُّنْيَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَجَهَنَّمُ مَحْفُوفَةٌ بِاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ، فَمَنْ أَعْطَى نَفْسَهُ لَذَّتَهَا وَشَهْوَتَهَا دَخَلَ النَّارَ"[24]، وعن أَبِي سَيَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام، قَالَ: "إِذَا دَخَلَ المُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ كَانَتِ الصَّلَاةُ عَنْ يَمِينِهِ، وَالزَّكَاةُ عَنْ يَسَارِهِ، وَالْبِرُّ مُطِلٌّ عَلَيْهِ، وَيَتَنَحَّى الصَّبْرُ نَاحِيَةً، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ المَلَكَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِ مُسَاءَلَتَهُ قَالَ الصَّبْرُ لِلصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْبِرِّ: دُونَكُمْ صَاحِبَكُمْ، فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْهُ فَأَنَا دُونَهُ"[25]، فتبيَّن أنَّ الصبر له قيمة معنوية عالية، وله أجر عظيم، وأثر بالغ في الدنيا والبرزخ والآخرة.
والمشـي في الأربعين وتحمّل عناء السفر ووعثائه وما يحدث من صعاب لهو من المصاديق الواضحة للصبر، وخصوصاً المشي من أماكن بعيدة مع كثرة الزحام والابتلاءات.فزيارة الأربعين تعطينا دروساً عملية في الصبر على ما نكره من تحمّل الأذى أو الجوع أو الألم أو غيرها، والصبر على ما نُحِبُّ من طاعات.

التواضع: إنَّ سمة التواضع من أهمّ سمات وفضائل المؤمن، وهي تقع في قبال رذيلة التكبّر، وقد وقع التواضع موضوعاً للمدح في العديد من الآيات والروايات.فمن الآيات قوله تعالى: ﴿وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً﴾ (الفرقان: ٦٣)، وقوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (الحجر: ٨٨).
 ومن الروايات نذكر رواية واحدة، في مستدرك الوسائل عن مِصْبَاحِ الشَّـرِيعَةِ، قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: "التَّوَاضُعُ أَصْلُ كُلِّ شَرَفٍ وَخَيْرٍ وَنَفِيسٍ، وَمَرْتَبَةٍ رَفِيعَةٍ، وَلَوْ كَانَ لِلتَّوَاضُعِ لُغَةٌ يَفْهَمُهَا الْخَلْقُ لَنَطَقَ عَنْ حَقَائِقِ مَا فِي مَخْفِيَّاتِ الْعَوَاقِبِ، وَالتَّوَاضُعُ مَا يَكُونُ لله وَفِي الله، وَمَا سِوَاهُ مَكْرٌ، وَمَنْ تَوَاضَعَ لله شَرَّفَهُ اللهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ، وَلِأَهْلِ التَّوَاضُعِ سِيمَاءُ يَعْرِفُهَا أَهْلُ السَّمَاوَاتِ مِنَ المَلَائِكَةِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ مِنَ الْعَارِفِينَ، قَالَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ):﴿وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ﴾ ، وَقَالَ أَيْضاً: ﴿مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ﴾، وَأَصْلُ التَّوَاضُعِ مِنْ إِجْلَالِ الله وَهَيْبَتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَلَيْسَ لله (عَزَّ وَجَلَّ) عِبَادَةٌ يَقْبَلُهَا وَيَرْضَاهَا إِلَّا وَبَابُهَا التَّوَاضُعُ، وَلَا يَعْرِفُ مَا فِي مَعْنَى حَقِيقَةِ التَّوَاضُعِ إِلَّا المُقَرَّبُونَ مِنْ عِبَادِهِ المُتَّصِلُونَ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، قَالَ اللهُ (عَزَّ وَ جَلَّ)﴿وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً﴾ ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) أَعَزَّ خَلْقِهِ وَسَيِّدَ بَرِيَّتِهِ مُحَمَّداً بِالتَّوَاضُعِ فَقَالَ (عَزَّ وَجَلَّ)﴿وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، وَالتَّوَاضُعُ مَزْرَعَةُ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالْخَشْيَةِ وَالْحَيَاءِ، وَإِنَّهُنَّ لَا يَنْبُتْنَ إِلَّا مِنْهَا وَفِيهَا، وَلَا يَسْلَمُ الشَّوْقُ التَّامُّ الْحَقِيقِيُّ إِلَّا لِلْمُتَوَاضِعِ فِي ذَاتِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى".[26]

وفي المشـي إلى كربلاء يمرُّ الماشي بتمارين واضحة في التواضع والبساطة، فقد يبيت على فراش غير لائق، أو يمشـي في الطرق الوعرة، أو يخدم غيره من الزوّار، أو يبتدأ بالسلام على من يلاقيه، وهذه كلّها من علامات التواضع كما في الرواية، ففي مشكاة الأنوار، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم:‏ "مِنْ رَأْسِ‏ التَّوَاضُعِ‏ أَنْ تَبْدَأَ بِالسَّلَامِ عَلَى مَنْ لَقِيتَ، وَتَرُدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ، وَأَنْ تَرْضَى بِالدُّونِ مِنَ المَجْلِسِ، وَلَا تُحِبَّ الْمِدْحَةَ وَالتَّزْكِيَةَ "[27] . وكما أنَّ ما يُقدِّمه أصحاب الموكب هو من أعظم صور التواضع، فيقومون بفرش الفراش للزوّار، وإطعامهم، والسهر على خدمتهم، وتوفير كلِّ الأُمور لهم تواضعاً لله وخدمةً لعنوان قد تعنونوا به وهو عنوان: (زائر الحسين).

الإيثار: من الكمالات التي تكشف عن رقيِّ نفس الإنسان اتِّصافه بالإيثار، وهو "تقديم الطرف الآخر لمصلحته وتفضيله على النفس مراعاةً له وتقديمه بمادَّة - مال مثلاً - أو منفعة أو حقّ من الحقوق"[28] .
وقد جاءت الآيات والروايات مادحة لهذه الصفة.
فمن الآيات قوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشـر: ٩)، وقوله تعالى:﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْـرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ﴾ )البقرة: ٢٠٧(، ومن الروایات ما عن عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ السَّائِيِّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَوْصِنِي، فَقَالَ: "آمُرُكَ بِتَقْوَى الله"، ثُمَّ سَكَتَ، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ قِلَّةَ ذَاتِ يَدِي، وَقُلْتُ: وَاللهِ لَقَدْ عَرِيتُ حَتَّى بَلَغَ مِنْ عُرْيِي أَنَّ أَبَا فُلَانٍ نَزَعَ ثَوْبَيْنِ كَانَا عَلَيْهِ فَكَسَانِيهِمَا، فَقَالَ: "صُمْ وَتَصَدَّقْ"، فَقُلْتُ: أَتَصَدَّقُ مِمَّا وَصَلَنِي بِهِ إِخْوَانِي وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا؟ قَالَ: "تَصَدَّقْ بِمَا رَزَقَكَ اللهُ وَلَوْ آثَرْتَ عَلَى نَفْسِكَ" [29]،عن أبان بن تغلب، قَالَ: كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام فَعَرَضَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَانَ سَأَلَنِي الذَّهَابَ مَعَهُ فِي حَاجَةٍ، فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام وَأَذْهَبَ إِلَيْهِ، فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ إِذْ أَشَارَ إِلَيَّ أَيْضاً، فَرَآهُ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام فَقَالَ: "يَا أَبَانُ، إِيَّاكَ يُرِيدُ هَذَا؟"، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "فَمَنْ هُوَ؟"، قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ: "هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟"، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "فَاذْهَبْ إِلَيْهِ"، قُلْتُ: فَأَقْطَعُ الطَّوَافَ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَقِّ المُؤْمِنِ عَلَى المُؤْمِنِ، فَقَالَ: "يَا أَبَانُ، دَعْهُ لَا تَرِدْهُ"، قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَلَمْ أَزَلْ أُرَدِّدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "يَا أَبَانُ تُقَاسِمُهُ شَطْرَ مَالِكَ"، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ فَرَأَى مَا دَخَلَنِي، فَقَالَ: "يَا أَبَانُ، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ اللهَ (عَزَّ وَجَلَّ) قَدْ ذَكَرَ المُؤْثِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ؟"، قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَقَالَ: "أَمَّا إِذَا أَنْتَ قَاسَمْتَهُ فَلَمْ تُؤْثِرْهُ بَعْدُ إِنَّمَا أَنْتَ وَهُوَ سَوَاءٌ إِنَّمَا تُؤْثِرُهُ إِذَا أَنْتَ أَعْطَيْتَهُ مِنَ النِّصْفِ الْآخَرِ "[30].

وفي الأربعین نجد مصاديق الإيثار واضحة، فإنَّ تقديم الآخرين على النفس من أعظم ما يقوم به السائر إلى الحسين والخادم في موكب الحسين، فيُقدِّم مصلحة الزائر على مصلحة نفسه، وراحة الزائر على راحة نفسه، ويُنفِق من ماله لكي لا ينفق الزائر من ماله، وهكذا، فيتعلَّم من الزيارة درساً عظيماً وهو الإيثار.

التضحية: فإنَّ الماشي إلى زيارة الحسين يُقدِّم الجهد الجهيد والتضحية بماله أو بوقته أو بنفسه تضحية منه لأجل هذه الشعيرة وهذا الدين، وفي ذلك تمرين على التضحية لأجل المبادئ والقيم السامية، وقد أشار الإمام الصادق إلى ذلك في دعائه لهم: "... اغْفِرْ لِي وَلِإِخْوَانِي وَزُوَّارِ قَبْرِ أَبِيَ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا وَرَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا وَسُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ وَإِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا وَغَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا...، وَأَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا أَمَّلُوا مِنْكَ فِي غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَمَا آثَرُونَا بِهِ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ وَقَرَابَاتِهِم"[31].
العفَّة: من الصفات التي ركَّزت عليها الشـريعة صفة العفَّة في البطن والفرج، بل وصفت العفَّة بأنَّها من أفضل العبادات، وجاءت النصوص مبيِّنة لذلك فمن القرآن قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ﴾ (المؤمنون: ٥)، وقوله تعالى:﴿وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ﴾(الأحزاب: ٣٥).
ومن الروایات ما عَنْ المُفَضَّلٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام: "إِيَّاكَ وَالسَّفِلَةَ فَإِنَّمَا شِيعَةُ عَلِيٍّ مَنْ عَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ، وَاشْتَدَّ جِهَادُهُ، وَعَمِلَ لِخَالِقِهِ وَرَجَا ثَوَابَهُ وَخَافَ عِقَابَهُ، فَإِذَا رَأَيْتَ أُولَئِكَ فَأُولَئِكَ شِيعَةُ جَعْفَرٍ"[32].
فإنَّ الزيارة فيها نحو من أنحاء الاختلاط، وهو وجود الزائرات والزائرين في مكان واحد، وهنا تبرز العفَّة في التعامل مع الجنس الآخر من خلال غضِّ البصـر وحفظ اللسان وحفظ اليد والفرج عن التعدّي، ومنع النظرات المحرَّمة والتزام الحجاب الشـرعي والتعامل مع الآخر بأنَّه من المحارم كما ورد في الروايات: صحیح صَفْوَانَ الْجَمَّالِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله عليه السلام: قَدْ عَرَفْتَنِي بِعَمَلِي تَأْتِينِي المَرْأَةُ أَعْرِفُهَا بِإِسْلَامِهَا وَحُبِّهَا إِيَّاكُمْ وَوَلَايَتِهَا لَكُمْ لَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ قَالَ: "إِذَا جَاءَتِ المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ فَاحْمِلْهَا فَإِنَّ المُؤْمِنَ مَحْرَمُ المُؤْمِنَةِ" [33]، لذا ذهب الفقهاء إلى عدم اشتراط المحرم في الحجِّ والزيارة ما دامت المرأة مأمونة على نفسها كما بيَّنت ذلك في بحثٍ مستقلٍّ بعنوان "مشي النساء إلى كربلاء"[34].

الشجاعة: فإنَّ الزيارة تُعلِّم الإنسان الشجاعة في اتِّخاذ الموقف، والصبر على الخوف، وقوَّة الإقدام خصوصاً مع المنع للزيارة كما كان يحصل أيّام الطاغية.
ففيها توطين للنفس على المواجهة والتعدّي للموت والقتل والسجن والتعذيب، وما هذا إلَّا صور رائعة من صور الشجاعة والإقدام في سبيل المبادئ والقيم الدينية.
لذا وردت الروايات في الحثِّ على الزيارة حتَّى في مثل هكذا محن وشدائد.
منها:

 أجر من حُبِسَ في طريق الحسين عليه السلام: في الوسائل عن هشام بن سالم، قال: قُلْتُ للإمام الصادق عليه السلام: فَمَا لِمَنْ حُبِسَ فِي إِتْيَانِهِ؟ قَالَ: "لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ يُحْبَسُ وَيَغْتَمُّ فَرْحَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ" [35].
أجر من ضُرِبَ بطريق الحسين عليه السلام: في مستدرك ‏الوسائل في حديث طويل لهشام عن الصادق، قُلْتُ: فَإِنْ ضُرِبَ بَعْدَ الْحَبْسِ فِي إِتْيَانِهِ؟ قَالَ: "لَهُ بِكُلِّ ضَرْبَةٍ حَوْرَاءُ، وَبِكُلِّ وَجَعٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَلْفُ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَيُمْحَى بِهَا عَنْهُ أَلْفُ أَلْفِ سَيِّئَة" [36].
أجر من مات في طريق الحسين عليه السلام: في بحار الأنوار: "... فَإِنْ هَلَكَ فِي سَفَرِهِ نَزَلَتِ المَلَائِكَةُ فَغَسَّلَتْهُ، وَفُتِحَ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ يَدْخُلُ عَلَيْهِ رَوْحُهَا حَتَّى يُنْشَـرَ، وَإِنْ سَلِمَ فُتِحَ الْبَابُ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ فَجُعِلَ لَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ أَنْفَقَهُ عَشَـرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَذُخِرَ ذَلِكَ لَهُ، فَإِذَا حُشِـرَ قِيلَ لَهُ: لَكَ بِكُلِّ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَظَرَ لَكَ وَذَخَرَهَا لَكَ عِنْدَهُ"[37] .
أجر من قُتِلَ في طريق الحسين عليه السلام: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام فِي حَدِيثٍ لَهُ طَوِيلٍ قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ الله، هَلْ يُزَارُ وَالِدُكَ؟ قَالَ: فَقَالَ: "نَعَمْ..."، إِلَى أَنْ قَالَ: قُلْتُ: فَمَا لِمَنْ قُتِلَ عِنْدَهُ جَارَ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ فَقَتَلَهُ؟ قَالَ: "أَوَّلُ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ يُغْفَرُ لَهُ بِهَا كُلُّ خَطِيئَةٍ، وَتُغْسَلُ طِينَتُهُ الَّتِي مِنْهَا خُلِقَ المَلَائِكَةُ حَتَّى تَخْلُصَ كَمَا خَلَصَتْ لِلْأَنْبِيَاءِ المُخْلَصِينَ، وَيَذْهَبُ عَنْهَا مَا كَانَ خَالَطَهَا مِنْ أَجْنَاسِ طِينِ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَيُغْسَلُ قَلْبُهُ، وَيُشْـرَحُ صَدْرُهُ، وَيُمْلَأُ إِيمَاناً، فَيَلْقَى اللهَ وَهُوَ مُخْلَصٌ مِنْ كُلِّ مَا تُخَالِطُهُ الْأَبْدَانُ وَالْقُلُوبُ"[38].
فإنَّ هذه مراكز تدريب ميدانية على الشجاعة والإقدام وعدم التهيّب من الأعداء والطغاة، فتكون من أهمّ وسائل الإعداد الجهادي لأنصار الإمام الحجَّة عليه السلام.

الموالاة والبراءة: من المفاهيم العقائدية التي ركَّزها آل البيت عليهم السلام في نفوس أتباعهم مفهوم الولاء لأولياء الله تعالى والبراءة من أعداء الله تعالى، وهو أن تجعل حبَّك ومودَّتك وطاعتك لأولياء الله تعالى وبغضك وعصيانك لأعداء الله تعالى، وهذان المفهومان لهما تأثير على المستوى العقدي فلا إيمان حقيقي إلَّا بهما، وعلى المستوى العملي فلا قبول، بل لا صحَّة للعمل - على خلاف - إلَّا بهما، وهذا ما أشارت له الكثير من الآيات والروايات.
فمن الآيات وقوله تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ )المجادلة:22 )، وقوله تعالى: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ﴾(آل عمران: ٢٨(.

ومن الروايات: عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام، قَالَ: "مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ، وَتُعْطِيَ فِي اللهِ، وَتَمْنَعَ فِي اللهِ[39]"، وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام، قَالَ: "كُلُّ مَنْ لَمْ يُحِبَّ عَلَى الدِّينِ وَلَمْ يُبْغِضْ عَلَى الدِّينِ فَلَا دِينَ لَهُ"[40]
وعن أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيِّ، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام، قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللهِ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَبْدَ اللهِ، أَحْبِبْ فِي اللهِ، وَأَبْغِضْ فِي اللهِ، وَوَالِ فِي اللهِ، وَعَادِ فِي اللهِ، فَإِنَّهُ لَا تَنَالُ وَلَايَةَ اللهِ إِلَّا بِذَلِكَ، وَلَا يَجِدُ رَجُلٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَارَتْ مُوَاخَاةُ النَّاسِ يَوْمَكُمْ هَذَا أَكْثَرَهَا فِي الدُّنْيَا، عَلَيْهَا يَتَوَادُّونَ، وَعَلَيْهَا يَتَبَاغَضُونَ، وَذَلِكَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً، فَقَالَ لَهُ: وَكَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ أَنِّي قَدْ وَالَيْتُ وَعَادَيْتُ فِي اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ)؟ وَمَنْ وَلِيُّ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) حَتَّى أُوَالِيَهُ؟ وَمَنْ عَدُوُّهُ حَتَّى أُعَادِيَهُ؟ فَأَشَارَ لَهُ رَسُولُ اللهِ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: أَتَرَى هَذَا؟ فَقَالَ: بَلَى، قَالَ: وَلِيُّ هَذَا وَلِيُّ اللهِ فَوَالِهِ، وَعَدُوُّ هَذَا عَدُوُّ اللهِ فَعَادِهِ، وَالِ وَلِيَّ هَذَا وَلَوْ أَنَّهُ قَاتِلُ أَبِيكَ وَوَلَدِكَ، وَعَادِ عَدُوَّ هَذَا وَلَوْ أَنَّهُ أَبُوكَ وَوَلَدُكَ"[41].

وزيارة الأربعين مصداق واضح لتقوية الولاء لآل البيت عليهم السلام والبراءة من أعدائهم، وخصوصاً إذا اكتنفها الشعارات الدالّة على ذلك ممَّا يُعزِّز العنصـرين المهمّين في عقيدة الإنسان الحقَّة وعمله المقبول، وهذا التولّي والتبرّي يفعله زوّار الحسين عليه السلام من خلال إحياء الشعائر التي يمارسونها في شعيرة الأربعين استجابةً لأمر آل البيت عليهم السلام وغاظَّةً لأعدائهم، والروايات تشير لذلك، منها: عن معاوية بن وهب، عن الصادق عليه السلام: "... اغْفِرْ لِي وَلِإِخْوَانِي وَزُوَّارِ قَبْرِ أَبِيَ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا وَرَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا وَسُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ وَإِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا وَغَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا"[42] . وفي هذه الصور الولائية البرائية عدَّة أُمور:

إيصال رسالة إلى العالم أجمع بأنَّنا سائرون على هذا النهج الذي رسمه آل البيت عليهم السلام وخصوصاً الإمام الحسين عليه السلام في رفض الظلم والدفاع عن عقيدة الأُمَّة وإصلاحها ولو كلَّف ذلك الحياة.
إيصال رسالة بأنَّنا رافضون للنهج التكفيري والأُموي المستبيح للنفوس والأعراض والأموال لأغراض سلطوية ودنيوية، وأنَّ هذا النهج لا بدَّ أن يحارب كي لا يتكرَّر في التاريخ.
 إيصال رسالة للعالم بأنَّ مذهب آل البيت عليهم السلام هو مذهب الاعتدال والإنسانية والإصلاح، وأنَّ معيار موالاة أهل طاعة الله تعالى وبغض أهل معصية الله تعالى وسيلة لإصلاح العباد والبلاد وردع للظالمين وتقوية للمؤمنين، وأنَّ الناس لا تقاس على أساس العرق أو اللون أو القرابة وإنَّما على أساس الإيمان والتقوى والولاء لله تعالى وأولياءه والبراءة من الشيطان وأتباعه من الجنِّ والإنس، وغيرها.
التدرّب على التعايش السلمي مع الآخر: من أهمّ الإشكاليات التي تواجه الأُمم والديانات هو التدرّب على التعايش السلمي مع الآخرين، وكيفية التعامل معهم وعدم إلغائهم فكرياً أو معنوياً أو حتَّى مادّياً، وهذا ما تسعى لتحقيقه المنظَّمات الدولية وخصوصاً الأُمم المتَّحدة، وتجعل برامجاً لذلك، وتعمل على نفي الصـراعات ونشوء حركات وتوجّهات تدعو للقتل والتقاتل كالحركات النازية أو الشعوبية أو الوهّابية أو ما تمخَّض عن ذلك كداعش والقاعدة والنصـرة وأخواتهنَّ.
وهذا ما جاء به الدين الحنيف من رسم علاقتك مع الآخر وإن اختلف معك في المذهب أو العرق أو الدين على أُسس لا قتل فيها إلَّا إذا بادرك للحرب والحرابة أو تعدّى على مقدَّساتك ومعتقداتك، بل الإسلام رسم لنا نمطاً في التعاطي مع الأعداء فضلاً عن غيرهم[43]
فأمير المؤمنين عليه السلام حدَّد مجمل علاقتك بالناس من خلال العهد المبارك - عهد مالك الأشتر -، والذي هو برنامج أساسي للعلاقات الداخلية والخارجية، والذي منه: "وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، وَيُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِه وَصَفْحِه، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَوَالِي الأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ"[44].والزيارة بهذه السعة المليونية تُعتَبر موسماً للانفتاح على حضارات ولغات وثقافات من كلِّ العالم، وذلك يجعلنا نكتسب خبرة عالية من التعامل مع الآخر حتَّى مع اختلافنا معه في اللون أو القومية أو الثقافة أو البلد أو المذهب أو حتَّى الدين.

إلغاء الطبقية والتعالي والتكبّر: فإنَّ من أخطر الأمراض التي تنسف بالمجتمعات هو بروز الطبقية بين أفراده ممَّا ينتج التعالي والتكبّر واستعباد الآخرين بسبب السلطة أو المال أو الجاه، فيحتاج الإنسان ما يكسـر جموح النفس ويُضعِف هذه الصفات، ولعلَّ أهمّ ما يعمل على ذلك هو التعاطي العملي والسيرة العملية مع أفراد المجتمع، وموسم الأربعين إنَّما هو درس عملي لإلغاء التكبّر والتعالي، خصوصاً ما يمارسه أصحاب المواكب من إلغاء الذات والتواضع وتقديم الخدمات بتفاني لكلِّ الناس، فترى الكبير يخدم الصغير والغنيّ يخدم الفقير، بل ورَبُّ العمل يخدم عمّاله كما أشرنا في ما مرَّ من نقطتي التواضع والإيثار.
 الشعور بالمسؤولية: إنَّ تحمّل المسؤوليات من أهمّ المقوّمات لصناعة الإنسان، وكلَّما كانت المسؤوليات أكبر كانت الصناعة أقوى، لأنَّها سوف تدخل في كبرى أنَّ الابتلاء مدرسة لصناعة العظماء.
فتبرز أمامنا مسؤولية عظمى نُسئَل عنها يوم القيامة، وهي نعيم آل البيت عليهم السلام الذي يجب علينا أداء حقِّه، وإبراز الصورة الحقيقية لما هم عليه من أخلاق وقيم ومعارف.ففي رواية المحاسن: ... ذَكَرْتُ الْآيَةَ الَّتِي فِي كِتَابِ اللهِ: ﴿لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ )التكاثر: ٨(، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: "لَا إِنَّمَا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ" [45].

وفي المحاسن أيضاً عن أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام جَمَاعَةً، فَدَعَا بِطَعَامٍ مَا لَنَا عَهْدٌ بِمِثْلِهِ لَذَاذَةً وَطِيباً حَتَّى تَمَلَّيْنَا، وَأُتِينَا بِتَمْرٍ يَنْظُرُ فِيهِ إِلَى وُجُوهِنَا مِنْ صَفَائِهِ وَحُسْنِهِ، فَقَالَ رَجُلٍ: ﴿لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ (التكاثر: ٨)عَنْ هَذَا النَّعِيمِ الَّذِي نُعِّمْتُمْ عِنْدَ ابْنِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه السلام: "اللهُ أَكْرَمُ وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يُطْعِمَكُمْ طَعَاماً فَيُسَوِّغَكُمُوهُ ثُمَّ يَسْأَلَكُمْ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ" [46]. فإنَّ هذه الزيارة تدعونا إلى تحمّل المسؤولية الدينية في إيصال رسالة عامَّة لكلِّ العالم بأنَّنا مجتمع يملك من الصفات والمقوّمات الحضارية والاجتماعية والتربوية والإدارية العالية.
فهي فرصة لبيان الإسلام المحمّدي العلوي الناصع من خلال عكس الصورة الحقيقية للمذهب، لا كما ينقل بعض عن تخلّف الإسلام والمسلمين من خلال عكس صورة لأُناس يدَّعون انتحالهم للإسلام والإسلام براء منهم كبعض الحركات السلفية والوهّابية، وبعض الدول المتخلّفة دينياً وقيمياً والمتحلّلة أخلاقياً وتربوياً، وأنَّ تلك الفئات لا تُمثِّل الإسلام.
والخلاصة:إنَّ هذه الصفات والمميّزات هي تدريب عملي وتمهيد حقيقي لخلق إنسان الظهور وما بعد الظهور، فالزيارة مدرسة أخلاقية كبيرة لشخصية الظهور المهدوي المبارك. خصوصاً وأنَّ هذا البناء ليس بناءً تنظيرياً فحسب، بل هو بناء عملي كبير يخلق روحاً سامية مؤهَّلة لمرحلة الظهور وما بعده.

المحور الثامن: المحور العسكري:
إنَّ المؤسَّسة العسكرية لا تُقاس بقوَّة تسليحها فقط، وإنَّما الأهمّ فيها هو وجود الموارد البشـرية فيها، خصوصاً الموارد البشرية الشابَّة والتي لها استعداد عالي للتضحية والفداء والإباء.وزيارة الأربعين لهي من أهمّ موارد بناء الشباب المهدوي العسكري المقاوم والمضحّي، ولعلَّ تجربة مقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق وتجربة الحشد الشعبي في العراق من أكبر الشواهد على ذلك، فإنَّ من أهمّ ما بنى هذه الشخصيات الشابَّة والمضحّية التي تتحدّى الصعاب وتواجه أشرس الأعداء مع قلَّة العدَّة والعدد هو حضور شخصية الحسين عليه السلام بين ظهرانينا، والتي تبرز في مواسم منها موسم الزيارة، فتكون الشخصية الحسينية صانعة لشخصية مهدوية.
فما سطره الأبطال في ساحات القتال من تضحيات لم يكن وليد اللحظة، بل هو صناعة حسينية بمستقبل مهدوي، لذا كانت شعاراتهم في المعركة هي شعارات الحسين والعبّاس والأكبر و...، وتحرّكاتهم وتطلّعاتهم تطلّعات مهدوية ثائرة تعدُّ لعصر الظهور.فالتضحية - بالنفس بالمال بالراحة - لأجل الغير ولأجل المبدأ ولأجل الدين ولأجل الإسلام ولأجل المقدَّسات ولأجل العزَّة إنَّما هي دروس تعلَّمناها من مدرسة الحسين ومن شعائر الحسين، ربطت بالموعود ومستقبل العالم الذي يقوده الإمام المهدي عليه السلام.فهناك جيش عالمي قد تمَّ إعداده سابقاً، وخاض التجارب في عدَّة دول، ونجح نجاحات باهرة قد يكون هو نواة من جيش المهدي المنتظر عليه السلام، وزيارة الأربعين هي الرافد الأساسي لهذا الجيش القادم الذي يقوده صاحب الأمر عليه السلام نحو تحقيق العدل والقسط والسلام

المحور التاسع: المحور الإعلامي:
من العادات الجارية لدى القوى السياسية أو غيرها استعراض جماهيرها من خلال مظاهرات أو تجمّعات أو احتفالات أو مناورات أو غيرها، وذلك لإيصال رسالة إلى الآخر بأنَّ لنا جماهير ونحن أقوياء من باب: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ (الأنفال: ٦٠)، كلٌّ بحسب موقعه وعمله وقدرته.والمؤمنون بالقضيَّة المهدوية لا بدَّ لهم من ذلك أيضاً، وما يحصل من تجمّع مليوني ليس له نظير وبشكل عفوي وبتنظيم ذاتي وبتمويل شخصـي لهو أعظم صور الاستعراض الإعلامي للجمهور المؤمن، فالشعيرة الأربعينية ليست عبادة فردية فحسب، بل أصبحت ذات طابع يحوي عبادة جماعية كشعائر الحجِّ وصلاة الجمعة، وهذا يُعطي أهمّية كبرى وثراءً معنوياً وانفجاراً إعلامياً يوصل رسالة واضحة للجميع "بأنَّنا حسينيون، بأنَّنا ممهِّدون، بأنَّنا مؤمنون، بأنَّنا أقوياء، بأنَّنا منظَّمون، بأنَّنا متكافلون، بأنَّنا مصلحون، وهكذا".

خصوصاً إذا عكسنا الصورة التي أراد لنا آل البيت عليهم السلام عكسها للإنسانية، وأنَّ الدين الإسلامي هو الخاتم، وأنَّ المهدي عليه السلام هو المخلِّص، وأنَّه لا نجاة إلَّا به.فيبرز لنا أُمور:

 تحقيق منجز عددي وأنَّ جماهيرنا مليونية وبتزايد كلّ عام بحيث لا يسع المكان للجمهور.
تحقيق منجز نوعي بأنَّ جماهيرنا مؤمنة وقويَّة ومخلصة ومطيعة لله ورسوله وآله.
تحقيق منجز دولي بأنَّ زيارتنا دولية وليست إقليمية أو قطرية، إذ يأتيها الناس من كلِّ فجٍّ عميق.
تحقيق منجز حضاري بأنَّنا منظَّمون ولا يتعدّى بعضنا على بعض طوال أيّام الزيارة.
تحقيق منجز تعارفي بين لغات مختلفة وثقافات متعدّدة وقوميات متنوّعة لتبادل الخبرات والهموم والمشكلات ومعالجة الأوضاع والشعور بالآخر
المحور العاشر: المحور التمريني والتدريبي:
إنَّ الإنسان بطبعه يميل إلى الدعة والراحة وعدم الدخول بالصعاب، فإذا مرَّ بصعوبات قد يؤدّي به إلى الضعف أو الانهيار أو ترك المبادئ أو التخلّي عن بعضها، لذا يحتاج إلى دورة تدريبية لرفع ذلك.
وموسم الزيارة مع طول المسافات وكثرة الصعوبات وشدَّة الابتلاءات - خصوصاً مع البرد القارص أو الحرّ الشديد أو الخوف من الظالم كما في عهد النظام المقبور بل وغيره - لهو مركز تدريبي عامّ وشامل لتحمّل أنواع الصعاب والمحن والثبات على المبدأ الذي رسمه آل البيت عليهم السلام.

فالزيارة تُمثِّل مركزاً لتدريب المؤمن للاستعداد والإعداد لعصـر الظهور، فيدخل ذلك في الإعداد للمهدي عليه السلام والنهوض معه في ثورته العالمية وتحمّل الصعاب، فلا يتفاجئ إذا ما بُلي بصعوبة أو شدَّة، بل يواجهها بعزم حسيني ومستقبل مهدوي.فهذه الصعوبات والزلازل والمحن التي يمرُّ بها المؤمن ما هي إلَّا تقويةً لصلبه وتمريناً له لمواجهة العدوِّ.
فالزيارة الأربعينية ورشة عمل معمّقة لصناعة الشخصية المهدوية للظهور وما بعده.

المحور الحادي عشر: المحور التكافلي:
من العناصر المهمَّة في الشخصية الممهِّدة للظهور وجود روح التكافل والإيثار في تلك الشخصية، ومن أهمّ سُبُل تحقيق هذا البناء هو التدرّب على التكافل ومساعدة الآخرين وإيثار راحة الآخرين على راحة النفس حتَّى مع التعب والخصاصة، والمشـي في زيارة الأربعين هو موسم تكافلي عظيم حيث إنَّ الخدمات تُقدَّم مجاناً بلا منَّة ولا ضجر، بل بفرحة وبهجة، ولعلَّ التكافل الذي يُقدِّمه أصحاب المواكب من أعظم صور التكافل والخدمة، وهذا واضح بالوجدان لكلِّ من مشى للزيارة، وكذلك روح الإيثار والمساعدة بين الزائرين وعطف الكبير على الصغير وتوقير الصغير للكبير ومساعدة الرجل للمرأة والعكس، وهكذا والتكافل والإيثار له صور، منها:

التكافل والإيثار بالطعام ولو على حساب نفسك
التكافل والإيثار بالمبيت ولو بقيت سهراناً.
 التكافل والإيثار بالفراش والغطاء.
 التكافل والإيثار حال الرجوع من خلال إعطاء مقعدك لغيرك والبقاء واقفاً.
التكافل والإيثار بتفضيل راحة الآخرين على راحة النفس. وهكذا غيرها من الصور.
المحور الثاني عشر: البناء السياسي:
إنَّ زيارة الحسين عليه السلام موسم مهمّ لاستذكار مبادئ ثورته، ومنها المبدأ السياسي، وهو البراءة من الظالمين والثورة عليهم، وخلق إرادة سياسية صادقة لدى المؤمن للتغيير والخروج على الظالمين، والاستعداد لذلك تحت قيادة الإمام الحجَّة عليه السلام كي يعزّ الأولياء ويذلّ الأعداء ويملئها قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، كما أنَّها رفض للاتِّجاه السياسي المستبدّ وإن تلبَّس بلبوس الدين وادَّعى النيابة عن المسلمين، وكذلك رفض للسياسة الداعية إلى الخضوع والتذلّل للقوى العالمية المستبدّة تحت ذريعة سياسة الأمر الواقع ومداهنة الأعداء ممَّا يُضيِّع معالم الدين والعباد والبلاد.

فاستذكار شعارات الحسين عليه السلام في الثورة كخطابه: "أيُّهَا النَّاسُ! إنَّ رَسُولَ الله قَالَ: مَنْ رَأى سُلْطَانَاً جَائِراً مُسْتَحِلًّا لِحُرُمِ اللهِ، نَاكِثاً لِعَهْدِ اللهِ، مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ الله، يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللهِ بِالإثم وَالعُدْوَانِ، فَلَمْ يُعَيِّرْ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَله"[47]. يكون حافزاً كبيراً للاستعداد السياسي والتمهيد السياسي للإمام الحجَّة عليه السلام من خلال نشر الأفكار الدالّة على أنَّ الإمام هو المخلِّص السياسي من ظلم الدول الجائرة.

وبذلك تنخلق إرادة سياسية لدى الأُمَّة المؤمنة تُحفِّز المؤمن للالتحاق بالشخصية المنقذة والبراءة من الأُمَّة الظالمة والقاتلة والراضية بذلك كما ورد في الزيارة: "لَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكَ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً ظَلَمَتْكَ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً خَذَلَتْكَ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً خَدَعَتْكَ"[48] . وخصوصاً إذا كانت الزيارة مقترنة ببعض النصوص التي تشير إلى نصـرة آل البيت وخاتمهم الإمام الحجة عليه السلام كما في الزيارة: "اللَّهُمَّ أَنْتَ مَنَنْتَ عَلَيَّ بِزِيَارَةِ مَوْلَايَ وَوَلَايَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، فَاجْعَلْنِي مِمَّنْ تَنْصُرُهُ وَتَنْصُرُ بِهِ [يُنْتَصَرُ بِهِ وَيَنْصُرُهُ]، وَمُنَّ عَلَيَّ بِنَصْرِكَ لِدِينِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ[49]" .وبالأخصّ الاستعداد للنصـرة الوارد في زيارة عاشوراء: "فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقَامَكَ أَنْ يُكْرِمَنِي بِكَ وَيَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ" [50]

فزيارة الأربعين كفيلة بهكذا بناء سياسي للمجتمع المهدوي الذي يأبى الظلم والضيم ويثور على الظالمين والمعتدين ولا يداهن المنحرفين والمستبدّين وإن علوا وتغطرسوا.هذا ما أردنا ذكره من محاور، وهناك محاور أُخرى قد تظهر للمتتبّع لم نذكرها دفعاً للإطالة.

النتيجة:

إنَّ زيارة الأربعين فيها عظيم البركات في كلِّ المستويات المادّية والمعنوية، ومن أعظم البركات دور وأهمّية هذه الزيارة المليونية في الإعداد العملي للظهور وصناعة شخصيات الظهور ومجتمعه، فحريٌّ بنا أن نجعل تلك الزيارة مناراً لنا للتمهيد وانطلاقةً للانتظار الحقيقي الخالص للإمام عليه السلام، فنكون ممَّن أسهم في تعجيل الظهور المهدوي المقدَّس ببركة الزيارة الحسينية المقدَّسة، فنحظى بالنصـر الإلهي التامّ على أعداء الله تعالى ورسوله وآله (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين)، ويأخذ المهدي عليه السلام بثأر جدِّه الحسين عليه السلام ممَّن قتلوه وسلبوه وسبوا عياله، ويعزُّ الأولياء ويذلُّ الأعداء ويُظهِر الدين ولو كره الكافرون، إنَّهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.

الشيخ مشتاق الساعدي

[1]  مثير الأحزان: ٤.

[2] الاحتجاج ٢: ٣٠٠.

[3] بحار الأنوار ٤٥: ٧.

[4] مثير الأحزان: ٢٤.

[5] الإمامة والتبصرة لابن بابويه: ٢١.

[6] كفاية الأثر: ٢٨١.

[7] المصدر السابق. وقد بحثت ذلك في بحث مستقلٍّ قد يُطبَع لاحقاً.

[8] الكافي ٣: ٢٦٥.

[9] الجعفريات: ٣٣.

[10] كفاية الأثر: ٢٨١.

[11] كامل الزيارات: ١٣٢

[12] المصدر السابق.

[13]  المصدر السابق.

[14]  راجع: بحار الأنوار ٦٩: ٥٧ .

[15]  الكافي ٢: ٦٣٥.

[16] المصدر السابق.

[17]  المصدر السابق ٢: ٦٣٦.

[18] راجع: آداب العشرة في الوسائل، أو غيرها من الموسوعات الحديثية.

[19] جامع أحاديث الشيعة ١٣: ٥٤٠.

[20]  للمزيد يراجع العدد (٢) من مجلَّة الموعود (ص ٢٩٥).

[21] وسائل الشيعة ١٦: ٢٠٣.

[22] المصدر السابق ١٦: ٢٤٧.

[23]  الكافي ٢: ٨٩.

[24]  المصدر السابق.

[25]  المصدر السابق ٢: ٩٠.

[26] مستدرك الوسائل ١١: ٢٩٨.

[27] مشكاة الأنوار: ٢٠٠.

[28] الإيثار في النظومة الخلقية (العبّاس نموذجاً)

[29] الكافي ٤: ١٨.

[30] المصدر السابق ٢: ١٧١.

[31] المصدر السابق ٤: ٥٨٢.

[32] الكافي ٢: ٢٣٣.

[33]  من لا يحضره الفقيه ٢: ٤٣٩.

[34]  مشي النساء إلى كربلاء/ مجلَّة الإصلاح الحسيني/ العدد ٥.

[35] وسائل الشيعة ١٤: ٤٤٢.

[36] مستدرك الوسائل ١٠: ٢٧٩.

[37] بحار الأنوار ٤٥: ١٧٢.

[38] كامل الزيارات: ١٢٣.

[39] الكافي ٢: ١٢٥.

[40] المصدر السابق ٢: ١٢٧.

[41] بحار الأنوار ٦٦: ٢٣٦.

[42] المصدر السابق ٤: ٥٨٢.

[43] راجع بحث (نمط التعاطي مع الأعداء) بحث نشرته مجلَّة المنهج العدد ٢.

[44] نهج البلاغة/ عهد مالك الأشتر.

[45] المحاسن ٢: ٤٠٠.

[46] المصدر السابق.

[47] بحار الانوار ٧٨: ١٢٨.

[48] كامل الزيارت: ٤٣.

[49]  المصدر السابق: ٤٥.

[50] المصدر السابق.

الجمعة, 18 آب/أغسطس 2023 20:15

رحلة السبايا إلى الكوفة

وأخيرا، ظن الأمويون أنهم استطاعوا النيل من النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، بمقتل سبطه الحسين (عليه السلام) وأصحابه وذريته، وحسبوا أن يدهم قد بسطت على هذه الأمة، وأنهم بقتل الحسين (عليه السلام) أصبحوا قادرين على فعل ما يشاؤون، دون أن يردعهم رادع، أو يمنعهم مانع، فرفعوا من مستوى نكايتهم بذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسبوا نساءهم، كما تسبى نساء الأعداء وتملك.

ولكنهم لم يدركوا أن في ذلك بداية فضحهم أمام الملأ، وأن هذا السبي، وإن كان إذلالا لبنات الرسالة بحسب الظاهر، ولكنه في حقيقة الأمر ثمرة مباركة من ثمرات الحركة الحسينية، وشرط أساسي لإعمال مفاعيلها، وإنجاحها على المستوى الإعلامي العام، وبيان أكذوبة الأمويين في انتمائهم إلى الإسلام، من خلال مواقف الإمام زين العابدين (عليه السلام)، والحوراء زينب وأم كلثوم، وغيرهم من أهل بيت النبوة، وكان هذا السبي مضافا إلى قتل الحسين (عليه السلام) أثرا بالغا في تثبيت الحق، وإعادة الرونق والأصالة إلى دين الإسلام، بعدما كادت دعائمه أن تنهار في عالم النسيان والإهمال.
 
بداية الرحلة:
لم تكن رحلة السبايا من أهل بيت النبوة، شبيهة بمثيلاتها من سبايا الحروب، بل فاقت كل التوقعات في الفظاعة والهمجية، رغم انتساب خصومهم، بحسب الظاهر، إلى دين جدهم محمد (صلى الله عليه وآله)، فقد بدأت رحلة العذاب هذه بسلب النساء ثيابهن، يقول حميد بن مسلم: «والله لقد كنت أرى المرأة من نسائه (أي الحسين (عليه السلام)) وبناته وأهله تنازع ثوبها عن ظهرها،... وجاء عمر بن سعد... فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهن ليستترن به[1]».

وزاد ابن سعد نكاية في أهل البيت أن سلبوا الحسين (عليه السلام) وأصحابه، وقطعوا رؤوسهم، وداست خيولهم صدر الحسين (عليه السلام)، ثم مروا بالنساء على هذه الجثث الطاهرة، التي لم يجرؤ أحد على دفنها، حتى رحل الطاغية إلى الكوفة،  فجاء قوم من بني أسد كانوا قد نزلوا المحلة ودفنوها، كما أجمعت عليه المصادر التاريخية.

ورغم عظم المصاب، وشدة اللوعة، فقد أثبتت الحوراء زينب (عليها السلام) من رباطة الجأش، والتسليم والرضا بقضاء الله تعالى وقدره، ما حير الألباب، وسلب العقول، فهي لم تلفظ كلمة يفهم منها أي اعتراض، يجعل للأعداء طريقا للتشفي والشماتة بأهل البيت، فتجعل ذلك نصرا حقيقيا للأمويين وأذنابهم، بل حولت مصيبتها إلى درس يستفيد منه جميع الناس، واستحقت بذلك أوسع الأوسمة، سواء أمام المسلمين أم غيرهم، حين نظرت إلى جثة سيد الشهداء (عليه السلام)، ونادت جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي تقول: «يا محمداه صلى الله عليك وملائكة السماء، هذا حسين بالعراء، مزمل بالدماء، مقطع الأعضاء، يا محمداه وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة، تسفى عليها الصبا»، وكان من تأثير هذا الموقف أن انفجر الجميع بالبكاء حتى الأعداء.
ومما يزيد المشهد بشاعة وأسى، ويكشف عن دناءة الفريق الآخر، أن ساروا بالسبايا على أقتاب الإبل، يتقدمهم رؤوس الحسين (عليه السلام) وسبعين أو ثمانين من أصحابه وأهل بيته، مرفوعة أمام أعين السبايا نحو الكوفة، لتقدم إلى عبيد الله بن زياد لعنه الله في مقر الإمارة، كما يكشف من ناحية أخرى على سمو مقام أهل البيت، الذين أذلوا أعداءهم، رغم ما كانوا فيه من المحنة، التي لا يقوى على تحويلها إلى نصر سواهم.

وهنا لا بد من الإلتفات إلى أنهم كانوا سادة الكوفة إلى وقت قريب، عندما جعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) مركزا لخلافته، أحسن إليهم، وفي هذا المشهد زيادة أسى لسادتهم وأبناء سيدهم، كما هو معلوم، حيث خرجوا من الكوفة أعزة مكرمين، وها هم يرجعون إليها الآن بهذه الحالة المؤلمة.
 
في أزقة الكوفة:
وما إن وصل الموكب إلى الكوفة، وانتشر الخبر بين الناس، حتى ازدحمت الشوارع والطرقات، وتراكض الناس ليروا قافلة السبايا، معلنين عن بهجتهم وفرحهم بنصر المسلمين على أعدائهم، وهم يظنون أنهم من سبايا الروم، لأن خبر مقتل الحسين (عليه السلام) لم يكن قد انتشر في الكوفة بعد، وأشرفت امرأة من سطح بيتها، فرأت نساء حاسرات الرؤوس وهن كالعاريات لولا أسمال تقنعن بها، وأرادت المرأة أن تستوثق الخبر، فهي لم تر مثل هذه القافلة من قبل وما يلفها من الحزن واللوعة، كما لم تر أسرى من الصبيان يشدون بالحبال على أقتاب الجمال، فأدنت المرأة رأسها من إحدى السبايا وسألتها: من أي الأسارى أنتن؟ فقالت لها: نحن أسارى أهل البيت من آل محمد[2].
وهنا كانت الصدمة، إذ تراجعت المرأة باكية وأعلنت للملأ أنهن سبايا أهل البيت، فعلا الصراخ والنحيب، وتراكضت النساء إلى الموكب يقذفن عليه الأزر والمقانع ليسترن بها بنات الرسالة، وارتجت الكوفة كلها بالندب والبكاء.
وعندما رأت العقيلة أهل الكوفة في هذه الحال أشارت إليهم بالسكوت، ولما هدأت الأصوات توجهت إليهم بكلمة، تذكر بمنطق أبيها (عليه السلام) وتكشف حقيقة ما انطوت عليه قلوب أهل الكوفة من الغدر والخيانة، وتبشرهم بسوء العاقبة والمصير، وكان مما قالته لهم:
«أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر، أتبكون، فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، ألا وهل فيكم إلا الصلف وملق الإماء وغمز الأعداء، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون...»
وهي خطبة مملوءة بالمعاني المعبرة، والدلالات الواضحة على ما تمتلكه السيدة الحوراء من عمق معروف بالمجتمع، وسعة اطلاع ودقة إدراك في المسائل الدينية، وسمو في النفس، وتعال على الجراح والمأساة، حتى كادت تلحق بالمعصومين (عليهم السلام).
 
سماحة الشيخ حاتم اسماعيل