emamian

emamian

السبت, 23 تشرين1/أكتوير 2021 13:15

نعم مجهولة.. ظاهرة وباطنة

 مركز نون للتأليف والترجمة

 

◄اللّهمّ مَوْلاي كَمْ مِنْ قَبيح سَتَرْتَهُ وكَمْ مِنْ فادِح مِنَ البَلاءِ أقَلْتَهُ (أمَلْتَهُ) وكَمْ مِنْ عِثار وَقَيْتَهُ، وكَمْ مِنْ مَكُرُوه دَفَعْتَهُ، وَكَمْ مِنْ ثَناء جَميل لَسْتُ أهْلاً لَهُ نَشَرْتَهُ.

 

مفاهيم محوريّة:

النعم الإلهية: ظاهرة، وباطنة خفية.

من النعم الباطنة: ستر قبائح العباد. والوقاية من البلاء، ومغفرة العثرات، ودفع المكروه، ونشر الثناء.

شرح المفردات:

فادح: أصلها فَدَحَ "الفاء والدال والحاء: كلمة فدحه الأمر؛ إذا عاله وأثقله فدحاً؛ وهو أمر فادح"[1].

أقلته: أصلها قَلَّ: القاف واللام: أصلان صحيحان، يدلّ أحدهما: على نزاره الشيء، والآخر: على خلاف الاستقرار؛ وهو انزعاج... وأمّا الأصل الآخر، فيقال: تقلقل الرجل وغيره؛ إذا لم يثبت في مكان، وتقلقل المسمار؛ قلق في موضعه"[2].

عثار: أصلها عَثَرَ: "العين والثاء والراء: أصلان صحيحان، يدلّ أحدهما: على الإطّلاع على الشيء، والآخر: على الإثارة للغبار"[3]. و"عَثَرَ الرجلُ يَعْثُرُ عِثَاراً وعُثُوراً؛ إذا سقط، ويتجوّز به فيمن يطَّلع على أمر من غير طلبه. قال تعالى: (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا) (المائدة/ 107)"[4].

وقيته: أصلها وَقَى: "الواو والقاف والياء: كلمة واحدة تدلّ على دفع شيء عن شيء بغيره. ووقيته: أقيه وقياً. والوقاية: ما بقي الشيء. واتّقِ الله: توقَّه؛ أي اجعل بينك وبينه كالوقاية"[5]. و"الوِقايَةُ: حفظُ الشيءِ ممّا يؤذيه ويضرّه"[6].

مكروه: أصلها كَرَهُ: الكاف والراء والهاء: أصل صحيح واحد يدلّ على خلاف الرضا والمحبّة"[7]. و"قيل: الكَرْه والكُرْه واحد، نحو: الضّعف والضّعف، وقيل: الكَرْه: المشقّة التي تنال الإنسان من خارج في ما يحمل عليه بإكْرَاه، والكُرْه: ما يناله من ذاته وهو يعافه؛ وذلك على ضربين: أحدهما: ما يعاف من حيث الطَّبع. والثاني: ما يعاف من حيث العقل أو الشّرع... وقوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) (البقرة/ 216)؛ أي: تَكْرَهُونَه من حيث الطَّبع.. قال تعالى: (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة/ 32)"[8].

دفعته: أصلها دَفَعَ: "الدال والفاء والعين: أصل واحد مشهور يدلّ على تنحية الشيء.

يقال: دفعت الشيء أدفعه دفعاً. ودافع الله عنه السوء دفاعاً"[9].

الثناء: أصلها ثَنَى: "الثاء والنون والياء: أصل واحد؛ وهو: تكرير الشيء مرتين، أو جعله شيئين متواليين أو متباينين؛ وذلك قولك: ثنيت الشيء ثنياً"[10]. "وقيل: الثُّنْوَى والثَّنَاء: ما يذكر في محامد الناس، فيثنى حالاً فحالاً ذكره، يقال: أثني عليه"[11].

 

دلالة المقطع:

1-     قبائح مستورة:

قد يتمكّن الإنسان من أن يخفي بعض الذنوب عن الناس؛ كالذنوب التي يرتكبها في السرّ، ولكنّه لا يستطيع أن يخفيها عن الله عزّ وجلّ؛ لأنّه تعالى بكلِّ شيء محيط. والله عزّ وجلّ هو الوحيد الذي يستر الذنوب؛ وذلك عندما يبادر الإنسان إلى التوبة:

روي عن الإمام الصادق (ع) – حيث سمعه معاوية بن وهب يقول –: "إذا تاب العبد المؤمن توبة نصوحاً؛ أحبّه الله، فستر عليه في الدنيا والآخرة. قلت: وكيف يستر عليه؟ قال: يُنسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب.. فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب"[12].

2-     بلاء مدفوع:

إنّ الإنسان مخلوق ضعيف معرَّض للكثير من الابتلاءات؛ من المرض، والمهانة، والفضيحة، وغيرها، وبعض هذه البلاءات قد يكون فادحاً؛ أي عظيماً وكبيراً؛ بحيث يثقل على الإنسان حمله. والله عزّ وجلّ يُقيل الإنسان منه؛ أي يعفو عنه، ويدرأ عنه الابتلاء به:

عن الإمام الصادق (ع): "أمّا إنّه ليس من عِرق يضرب، ولا نكبة، ولا صداع، ولا مرض؛ إلّا بذنب، وذلك قول الله عزّ وجلّ في كتابه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى/ 30)، وما يعفو الله أكثر ممّا يؤاخذ به"[13].

3-     زلل ممنوع:

إنّ النفس الأمّارة تدفع الإنسان لارتكاب الأخطاء والمعاصي، والشيطان يزيّنها للإنسان؛ لكي يجعلها في صورة محبَّبة له. ولذا، كان الإنسان مُعرّضاً في حياته للوقوع في المعاصي. ومتى نظر الإنسان إلى ما يمكن أن يصدر منه من ذنوب أدرك رحمة الله به؛ الذي يصونه ويحفظه عن الوقوع بها:

عن الإمام عليّ (ع): "كيف يصبر عن الشهوة من لم تعنه العصمة؟!"[14].

وعن رسول الله (ص): "قال الله سبحانه: إذا عَلِمْتُ أنّ الغالب على عبدي الاشتغال بي؛ نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي، فإذا كان عبدي كذلك؛ فأراد أن يسهو؛ حلت بينه وبين أن يسهو، أولئك أوليائي حقّاً"[15].

4-     مكاره مأمونة:

إنّ الإنسان يكره كلَّ ما يخالف الراحة والدعة ويشقّ عليه، وما من إنسان في هذه الدنيا إلا وهو معرَّض للمكاره، ولكنّ الله يدفع عن الإنسان الكثير منها، فيحول بينها وبين الإنسان؛ أي يصرف عنه الابتلاء بها.

والإنسان يُدرِك ذلك متى رأى تلك المكاره تصيب مَنْ حوله من الناس. ولذا، كان عليه إذا رأى ذلك أن يحمد الله على أن وقاه منها:

روي عن الإمام الباقر (ع): "تقول ثلاث مرّات إذا نظرة إلى المُبتلى من غير أن تُسمِعُه: الحمد لله الذي عافاني ممّا ابتلاك به، ولو شاء فعل. قال: من قال ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبداً"[16].

وعن الإمام الصادق (ع): "إذا رأيت الرجل قد ابتُلي وأنعم الله عليك، فقل: اللّهمّ إنّي لا أسخر، ولا أفخر، ولكن أحمدك على عظيم نعمائك عليَّ"[17].

5-     صيت حسن:

يحبّ الإنسان أن يكون ذكره بين الناس حسناً؛ فتمدحه الناس وتثني عليه؛ لما هو عليه من الصفات، وقد يكون الإنسان أهلاً لذلك، وقد لا يكون أهلاً له، ومتى وجد أنّ صيته الحسن انتشر بين الناس، واعتقد أنّه ليس أهلاً له؛ فإنّ عليه أنّ يعلم أنّ هذا من عند الله، وعليه أن يشكر الله على ذلك.

والذكر الحسن بين الناس أمر ممدوح؛ شرط أن لا يكون مُوجباً لبطلان العمل؛ أي شرط أن يحذر الإنسان من أن يُبتَلى بالرياء المُبطل له:

روي عن الإمام الباقر (ع): "الإبقاء على العمل أشدّ من العمل، قال الراوي: وما الإبقاء على العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة، وينفق نفقة لله وحده لا شريك له؛ فكتب له سرّاً، ثمّ يذكرها؛ فتمحى فتكتب له علانية، ثمّ يذكرها؛ فتمحى وتكتب له رياء"[18].

وفي دعاء أمير المؤمنين (ع) – لمّا مدحه قوم في محضره –: "اللّهمّ إنّك أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللّهمّ اجعلنا خيراً ممّا يظنّون، واغفر لنا ما لا يعلمون"[19].

وعن رسول الله (ص) – في وصية له لأمير المؤمنين –: "إذا أثنِيَ عليك في وجهك، فقل: اللّهمّ اجعلني خيراً ممّا يظنّون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون"[20].

ومن هذا المنطلق، فإنّ صاحب التقوى، والمؤمن حقّاً يخاف من الآثار السلبية للمديح، ويواجه ذلك بما وصف به الإمام عليّ (ع) المتقين، حيث قال (ع): "إذا زكّي أحد منهم؛ خاف ممّا يقال له، فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، وربّي أعلم بي منّي بنفسي! اللّهمّ لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل ممّا يظنّون، واغفر لي ما لا يعلمون"[21].

 

موعظة وعبرة:

أئمّتنا قدوةٌ وأسوة:

رُوي عن الإمام الصادق (ع) قوله: "كان أبي يكره أن يمسح بيده في المنديل وفيه شيء من الطعام تعظيماً له، إلّا أن يمصّها، أو يكون إلى جانبه صبيٌّ فيمصّها، قال: فإني أجد اليسير يقع من الخوان فأتفقّده فيضحك الخادم، ثمّ قال: إنّ أهل قرية ممّن كان قبلكم، كان الله قد وسّع عليهم حتى طغوا، فقال بعضهم لبعض: لو عمدنا إلى شيء من هذا النقي، فجعلناه نستنجي به كان ألين علينا من الحجارة. قال (ع): فلمّا فعلوا ذلك، بعث الله على أرضهم دواباً أصغر من الجراد، فلم تدع لهم شيئاً خلقه الله إلّا أكلته من شجرٍ أو غيره، فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون به فأكلوه، وهي القرية التي قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل/ 112)"[22].

 

وقفة تأمّلية:

التدبُّر في مخاطر العُجُب:

عن الإمام الصادق (ع): "أتى عالم عابداً، فقال له: كيف صلاتك؟ فقال: مثلي يُسأل عن صلاته؟! وأنا أعبد الله منذ كذا وكذا، قال: فكيف بكاؤك؟ قال: أبكي حتى تجري دموعي، فقال له العالم، فإنّ ضحكك وأنت خائف أفضل من بكائك وأنت مدلّ، إنّ المدلّ لا يصعد من عمله شيء"[23].

وعنه (ع) أيضاً: "قال رسول الله (ص): بينما موسى (ع) جالساً إذ أقبل إبليس وعليه برنس ذو ألوان، فلمّا دنى من موسى (ع) خلع البرنس، وقام إلى موسى، فسلّم عليه، له موسى: من أنت؟ فقال: أنا إبليس، قال: أنت! فلا قرّب الله دارك. قال: إنّي إنّما جئت لأسلِّم عليك؛ لمكانك من الله، قال: فقال له موسى (ع): فما هذا البرنس؟ قال: به أختطف قلوب بني آدم، فقال موسى: فأخبرني بالذنب الذي أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ قال: إذا أعجَبَتُه نفسه واستكثر عمله وصغر في عينه ذنبه"[24].

إنّ العجب خُلُق رديء يتسلّل إلى النفس من خلال الطاعات والعبادات؛ حيث إنّ الإنسان بفعل التزامه بأدائهما قد يحصل لديه عجب بنفسه، بما تؤدّيه من طاعة وعبادة وأفعال حسنة، ويجد من نفسه القوّة والاستقلال في أدائها والاهتداء إليها؛ ما يؤدّي إلى انقطاعه عن ربّه، واحتجابه عن نور الهداية، وسلبه التوفيق، وبطلان عمله وزوال أثره.

ويحصل الانتباه من هذا الفخ المُهلِك من خلال التفكُّر في النفس، وضعفها، وفقرها، واحتياجها إلى الله تعالى، والتي لولا رحمته ولطفه وعنايته؛ لما تمكّنت من الاهتداء إلى صالح الأعمال.

الهوامش:

 

[1]- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م. س، ج4، مادّة "فَدَحَ"، ص484.

[2]- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م. س، ج5، مادّة "قلّ"، ص3.

[3]- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م. س، ج4، مادّة "عَثَرَ"، ص228.

[4]- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م. س، مادّة "عَثَرَ" ص546.

[5]- ابن فارس، معجز ألفاظ القرآن، م، س، ج6، مادّة "وَقَى"، ص131.

[6]- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م. س، مادّة "وَقَى"، ص881.

[7]- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م. س، ج5، مادّة "كَرَهَ"، ص172.

[8]- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م. س، مادّة "كَرَهَ"، ص707-708.

[9]- ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، م. س، ج2، مادّة "دَفَعَ"، ص288.

[10]- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م. س، ج1، مادّة "ثَنَى"، ص319.

[11]- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م. س، مادّة "ثَنَى"، ص178-179.

[12]- ابن بايويه، ثواب الأعمال، م. س، ص171.

[13]- الكليني، الكافي، م. س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب، ح3، ص269.

[14]- الليثي الواسطي، عليّ بن محمّد: عيون الحكم والمواعظ، تحقيق حسين الحسيني البيرجندي، ط1، لام، دار الحديث، لات، ص384.

[15]- المجلسي، محمّد باقر: بحار الأنوار، تحقيق إبراهيم الميانجي؛ محمّد باقر البهبودي، ط2، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1403هـ. ق/ 1983م، ج90، ص162.

[16]- الكليني، الكافي، م. س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الشكر، ح20، ص97.

[17]- نفس المصدر، باب الشكر، ح22، ص98.

[18]- نفس المصدر، باب الرياء، ح16، ص296-297.

[19]- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م. س، ج4، الحكمة 100، ص22.

[20]- الحرّاني، ابن شعبة: تحف العقول عن آل الرسول (ص)، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقمّ المقدّسة، 1404هـ. ق/ 1363هـ. ش، ص12.

[21]- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م. س، ج2، الخطبة 193، ص162-163.

[22]- الحويزي، تفسير نور الثقلين: 3/ 91-92.

[23]- الكليني، الكافي، م. س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب العجب، ح5، ص313.

[24]- نفس المصدر،باب العجب، ح8، ص314.

المصدر: كتاب آمال العارفين

أوصى طبيب الأطفال يفغيني تيماكوف بإعطاء الأطفال “فيتامين د” في حالة ضعف المناعة، وكذلك قطرات الأنف التي تحتوي على الإنترفيرون ألفا المؤتلف.

وأوضح الطبيب لموقع “ريدوس” أنه إذا مرض الطفل لمدة لا تزيد عن ثلاثة إلى خمسة أيام، حتى مع ارتفاع في درجة الحرارة، فإن هذا لا يعني على الإطلاق مشاكل في المناعة. ووفقا له، هذا رد فعل طبيعي للجسم. الشيء الرئيسي هو أنه لا توجد مضاعفات في شكل التهاب الجيوب الأنفية والتهاب الأذن الوسطى والتهاب الشعب الهوائية.

قدم طبيب الأطفال بعض النصائح حول كيفية حماية الطفل من نزلات البرد المتكررة.

وقال: “الآن، على خلفية ارتفاع معدل الإصابة بعدوى الفيروس كورونا، إذا كان الطفل يمرض بشكل متكرر، فمن المعقول مساعدة المناعة الطبيعية باستخدام إنترفيرون ألفا المؤتلف عن طريق الأنف.و في حالة ضعف الجسم، يتم توفير جزء إضافي من الإنترفيرون لمنع الفيروس. بالإضافة إلى ذلك، إعطاء الطفل مستحضرات الفيتامينات، على الأقل فيتامين د يمكن أن يساعد. لا أوصي بإعطاء الفيتامينات المتعددة للأطفال دون وصفة طبية”.

كما لاحظ الطبيب، عندما يبدأ الطفل في الذهاب إلى روضة الأطفال أو يأتي هناك بعد استراحة طويلة، فإن نزلات البرد أمر لا مفر منه تقريبًا.

السؤال هو كيف يكون مرض الطفل. إذا كان مجرد سيلان بالأنف وسعال وحمى لمدة لا تزيد عن ثلاثة إلى خمسة أيام، ثم عاد الوضع إلى طبيعته، فهذه استجابة مناعية جيدة قياسية. وأوضح الخبير أنه إذا لم يتمكن الطفل من الخروج من المرض لعدة أسابيع، وتحول إلى التهاب الشعب الهوائية والتهاب الأذن الوسطى والتهاب الجيوب والتهابات قيحية ومضاعفات أخرى، فهذا يشير بالفعل إلى أن مناعة الطفل قد انخفضت”.

وذكر أنه لا ينبغي خفض درجة الحرارة أثناء المرض.

“ارتفاع درجة الحرارة لمدة ثلاثة إلى خمسة أيام من المرض أمر طبيعي. في هذا الوقت، يزداد إنتاج الإنترفيرون وعوامل المناعة الأخرى. وفقًا لذلك، لا ينبغي خفض درجة الحرارة التي تصل إلى 38.5 درجة لدى الطفل العادي (وليس الرضيع). هذه هي استجابة درجة حرارة الجسم للعدوى عندما يتم قتل الفيروسات”.

المصدر:العالم

الإمام جعفر الصادق (ع) السادس من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عالم جليل وعابد فاضل من ذرية النبي الاكرم محمد (ص) وله مكانة جليلة عظيمة لدى جميع المسلمين، وصاحب المدرسة العملاقة في الفكر والمنهاج، وقد استطاع أن يؤسس في عصره اكبر مدرسة فقهية، فتتلمذ على يده العديد من العلماء من جميع الطوائف.

 

 

 

الإمام جعفر الصادق (علیه السلام)، معین لا ینضب، بحر عجاج، متلاطم الأمواج، لا یسبر غوره، ولا یدرک ضفافه. وقد تخرج علیه فطاحل العلماء، وأساتذة المدارس الفقهیة ورؤساء المذاهب، وقد تتلمذ علیه ونهل من نمیر علومه وغزیر معارفه الجم الکثیر، أمثال هشام ابن الحکم، ومؤمن الطاق، ومحمد بن مسلم، وأبان بن تغلب، وأبو بصیر، وحمران ابن أعین، وأبو حنیفة النعمان، ممن یطول ذکرهم، وقد ترجمنا لبعض الثقات منهم فی فصل الثقات من أصحابه ورواته یربو على الثلاثمائة وخمسین. وقد أخذ هؤلاء العلماء عنه علم الحدیث والفقه والأصول والتفسیر، بالإضافة إلى العلوم الأخرى التی توسع (علیه السلام) فی تدریسها کالأخلاق والفلسفة والطب والکیمیاء والریاضیات والفلک وغیرها من العلوم الإنسانیة والحیاتیة. وقد اعترف بفضله العلماء، منهم: أبو حنیفة، حیث قال: لولا السنتان لهلک النعمان ، یرید بذلک السنتین اللتین تتلمذ علیه فی الکوفة.

 

ومن الأمور التی لا یختلف فیها اثنان کون شخصیته (علیه السلام) ذات أبعاد متعددة وجوانب مختلفة ظاهرة کالشمس فی رابعة النهار، إذا فهو الرائد الذی من أتى بعده فهو عیال علیه، منه أخذ وبه اقتدى. وأما مدرسته التی انتهجها وسار علیها، فهی امتدادا لمدرسة جده المصطفى وأبیه المرتضى صلوات الله علیهم أجمعین، وهم الذین أسسوا قواعدها وشیدوا بناءها، ثم جاء من بعدهم الإمام الصادق (علیه السلام) فأسس مدرسته الکبرى فی الکوفة بعد مدرسة المدینة المنورة حرم جده، وأرسى قواعدها یلقی فیها علومه على تلامذته وطلاب علومه، حتى بلغ عددهم ما ینیف على الأربعة آلاف طالب وراوی للحدیث عنه. قال الوشاء: دخلت مسجد الکوفة فوجدت تسعمائة شیخ، کل منهم یقول: حدثنی جعفر بن محمد (الصادق). ولولا وجود شبح الإرهاب السیاسی والإرعاب الفکری الضارب أطنابه حین ذاک على العالم الإسلامی لمنع الحدیث روایة وتدوینا بصورة عامة، وعلى مدرسة أهل البیت ومن ینتمی إلیها بصورة خاصة، لوجدت علم آل محمد (صلى الله علیه وآله) یشع نوره إلى عنان السماء، ویضئ وجه العالم کله. لقد نشط أهل الحدیث والمفسرون، ودونت المجامیع الحدیثیة، وتطورت الدراسات الفقهیة وترکت آثارها وبصماتها على العلماء حتى نشأت المذاهب الفقهیة المتعددة، ومع کل ذلک فهم یقرون بأعلمیة الإمام الصادق (علیه السلام) ویذعنون لآرائه ومرجعیته. وکان أبو حنیفة یقول: ما رأیت أحدا أفقه من جعفر بن محمد الصادق، بعد أن سأله عن أربعین مسألة من المسائل المعقدة المختلفة فأجاب عنها کلها بیسر وقدرة مبینا مختلف أوجه الآراء فیها، کما روى تلک المسائل ابن حجر العسقلانی فی تهذیب التهذیب. أما تصدی الإمام (علیه السلام) لحرکة الزندقة والإلحاد والغلو وأهل البدع والأهواء التی برزت بأعنف صورها فی عصر الإمام الصادق (علیه السلام)، والتی کادت أن تجرف عددا کبیرا من المسلمین، غیر أن تصدی الإمام وأصحابه ووقوفهم بوجه تلک التیارات الجارفة، ومناظراتهم بالأدلة الدامغة والبراهین الساطعة والحجج الواضحة، حتى استطاع أن یفوت الفرصة علیهم، وإفهامهم فساد مذاهبهم وبطلان حججهم، منهم من ذعن وآمن، ومنهم من لج وکفر، وقد ازدهر فی عصره (علیه السلام) علم الکلام وکان فی طلیعة تلامیذه وأصحابه هشام بن الحکم ومؤمن الطاق وغیرهم. کما استقطب الإمام الصادق (علیه السلام) نخبة طیبة من خیار أصحابه وتلامیذه، وأودعهم علومه ومرویاته، وکانوا على درجة کبیرة من التقوى والثقة والصلاح والضبط،

حسین الشاکری ذکرى ولادته (علیه السلام) - 17 ربیع الأول عام 1416 ه)‍

 

 الفصل الأول:

 

ملامح شخصیة الإمام جعفر الصادق (علیه السلام)

 

  الأسرة الکریمة:

 

 الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) من أسرة کریمة، هی من أشرف وأسمى أسرة فی دنیا العرب والإسلام، تلک الأسرة التی أنجبت خاتم النبیین وسید المرسلین، محمد (صلى الله علیه وآله وسلم) وأنجبت عظماء الأمة من الأئمة، وأعلام العلماء، وهی على امتداد التأریخ لا تزال مهوى أفئدة المسلمین وغیرهم، ومهبط الوحی والإلهام، ومبعث منهج الحق الذی تماوج فی بطاح البیداء، وأودیة الجبال وسفوح الروابی، فکان نورا على شاطئ السلام من مطلع الشمس حتى مغربها، تلک الأسرة التی کان یقودها سید العرب عبد المطلب بن هاشم، حیث قال: لا ینزل المجد إلا فی منازلنا * کالنوم لیس له مأوى سوى المقل وکما قال شاعر العرب - الفرزدق -: من یعرف الله یعرف أولیة ذا * فالمجد من بیت هذا ناله الأمم من هذه الأسرة التی أغناها الله بفضله، تفرع عملاق هذه الأمة، ومؤسس نهضتها الفکریة والعلمیة، الإمام الصادق (علیه السلام)، وقد ورث من عظماء أسرته خصالهم العظیمة، وسجایاهم السنیة، فکانت صفاته الحمیدة مل ء فم الدنیا.

 

والده: الإمام أبو جعفر محمد بن علی الباقر، ابن الإمام السجاد زین العابدین علی بن الحسین الشهید سبط رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) وسید شباب أهل الجنة ابن علی ابن أبی طالب أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وهو غنی عن التعریف، ورث المجد کابرا عن کابر، ومن أجدر بالإمام جعفر الصادق (علیه السلام) أن یفتخر بهذا النسب الرفیع المقدس، ویترنم بقول الفرزدق: أولئک آبائی فجئنی بمثلهم * إذا جمعتنا - یا جریر - المجامع لم تمض فترة طویلة من اقتران السیدة أم فروة بالإمام محمد بن علی الباقر (علیه السلام)، حتى حملت وعمت البشرى أفراد الأسرة العلویة بالمولود الجدید، ولما أشرقت الأرض بنور ولادته سارعت القابلة لتزف البشرى إلى أبیه فلم تجده فی البیت، وإنما وجدت جده الإمام زین العابدین (علیه السلام)، فهنأته بالمولود الجدید وأخبرته القابلة بأن له عینین زرقاوین جمیلتین، فتبسم الإمام (علیه السلام) وقال: إنه یشبه عینی والدتی (1). وبادر الإمام السجاد (علیه السلام) إلى الحجرة فتناول حفیده فقبله، وأجرى علیه مراسیم الولادة الشرعیة، فأذن فی أذنه الیمنى، وأقام فی أذنه الیسرى. والبدایة المشرقة للإمام الصادق (علیه السلام) أن استقبله جده، الذی هو خیر أهل الأرض وهمس فی أذنیه نشید الولاء للإسلام الخالد.

 

والدته: السیدة المعظمة الجلیلة: فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر، وتکنى أم فروة، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبی بکر؛ عن إسحاق بن جریر، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): کانت أمی ممن آمنت واتقت وأحسنت، والله یحب المحسنین. قال (علیه السلام): وقالت أمی: قال أبی [الإمام الباقر (علیه السلام)]: یا أم فروة، إنی لأدعو الله لمذنبی شیعتنا فی الیوم واللیلة ألف مرة، لأنا نحن فیما ینوبنا من الرزایا نصبر على ما نعلم من الثواب، وهم یصبرون على ما لا یعلمون (1). مرضها: فی سنة تسعین من الهجرة انتشر مرض الجدری فی یثرب، فأصاب مجموعة کبیرة من الأطفال، وکان الإمام الصادق (علیه السلام) فی السنة السابعة أو العاشرة من عمره، فخافت علیه أمه من العدوی، ففرت به إلى الطنفسة من ریف المدینة. ولما استقرت السیدة أم فروة مع ابنها الصادق فقد أصیبت هی بهذا المرض دون أن تشعر به فی بادئ الأمر، فلما ظهرت علیها الأعراض، تنبهت إلى خطورة الموقف، ولم تهتم السیدة أم فروة بعلاج نفسها، وإنما کان همها الوحید إنقاذ ولدها جعفر فأبعدته عنها إلى مکان آخر، وأخذت تعانی آلام

 

أعراض المرض، وسریانه فی جسمها. ولما انتهى الخبر إلى الإمام الباقر (علیه السلام)، أوقف بحوثه ودروسه العلمیة واتجه لعیادة زوجته، وقبل أن یغادر المدینة زار قبر جده رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) ودعا الله تعالى أن ینقذ زوجته أم فروة من هذا المرض. ولما انتهى إلیها عظم علیها مجیئه، وخافت علیه من العدوی، وشکرته على تصدعه لزیارتها، والتفت إلیها الإمام وبشرها بالسلامة، قائلا: لقد دعوت الله عز وجل عند قبر جدی رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) أن ینجیک من هذا المرض، وإنی واثق أن جدی لا یردنی، وسیقضی لی حاجتی، فثقی بأنک ستشفین من هذا المرض، وأنا أیضا مصون منه إن شاء الله . واستجاب الله دعاء ولیه الإمام، فقد عوفیت السیدة أم فروة من مرضها، ولم یترک أی أثر على جسمها. ومن الجدیر بالذکر إن هذا المرض لا یصیب الکبار إلا نادرا، فإن أصابهم کان خطرا على حیاتهم فلا ینجو منه إلا القلیل (1).

 

مولده وصفاته

 

مولده:

 

 لقد أشرقت نور الإمامة، وفجر الإمام العظیم ینابیع العلم والحکمة والأخلاق، ولقد ازدهرت دنیا الإسلام بهذا المولود العظیم الذی تفرع من شجرة النبوة والدوحة الهاشمیة، کما قال الشاعر: إذا ولد المولود منهم تهللت * له الأرض واهتزت إلیه المنابر إنه من معدن الحکمة والعلم، ومن بیت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم

 

تطهیرا. لو کان یوجد عرف قبلهم * لوجدته منهم على أمیال إن جئتهم أبصرت بین بیوتهم * کرما یقیک مواقف التسآل نور النبوة والمکارم فیهم * متوقد فی الشیب والأطفال (1) اختلف المؤرخون فی سنة ولادة الإمام الصادق (علیه السلام)، وما أدری هل هذا الاختلاف مقصود ومتعمد، أو غیر مقصود؟ ولکن الثابت عند أئمة أهل البیت (علیهم السلام) وتأریخهم الراجح، أن ولادته کانت فی یوم السابع عشر من ربیع الأول سنة 82 ه‍ على قول، أو غرة رجب، وفی أقوال أخرى أنه ولد بالمدینة المنورة سنة 80 ه‍ أو سنة 83 ه‍. بعد استعراض هذه الأقوال، نقول: إن القول المشهور عند اتباع أهل البیت هو الیوم السابع عشر من شهر ربیع الأول، وهو الیوم الذی ولد فیه رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم)، کما هو ثابت عند أئمة أهل البیت، وأهل البیت أدرى بما فیه، ومجمل القول فإن أئمة السیر والتأریخ مجمعون على أن ولادته (علیه السلام) بین سنین ثلاثة 80 و82 و83 هجریة. اسمه وألقابه وکناه: الاسم: أما اسمه الشریف جعفر ، ونص کثیر من المؤرخین أن النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) هو الذی سماه جعفر ولقبه ب‍ الصادق .

 

ألقابه:

 

 1 - الصادق: لقبه بذلک جده رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) لأنه أصدق إنسان فی حدیثه وکلامه، 2 - الصابر (2): ولقب بذلک لأنه صبر على المحن الشاقة والخطوب المریرة التی تجرعها من خصومه الأمویین والعباسیین. 3 - الفاضل (3): لقب بذلک لأنه کان أفضل أهل زمانه وأعلمهم لا فی شؤون الشریعة وإنما فی جمیع العلوم. 4 - الطاهر (4): لأنه أطهر إنسان فی عمله وسلوکه واتجاهاته. 5 - عمود الشرف (5): لقد کان الإمام (علیه السلام) عمود الشرف، وعنوان الفخر والمجد لجمیع المسلمین. 6 - القائم (6): من ألقابه الشریفة، لقیامه بإحیاء الدین والذب عن شریعة

 

المسلمین. 7 - الکافل (1): إنما لقب بذلک لأنه کان کافلا للفقراء والأیتام والمحرومین، فقد قام بالإنفاق علیهم وإعالتهم. 8 - المنجی (2): من ألقابه الکریمة، المنجی من الضلالة، فقد هدى من التجأ إلیه، وأنقذ من اتصل به. هذه بعض ألقابه الکریمة التی تحکی بعض صفاته ومعالم شخصیته. کناه: وکنی الإمام الصادق (علیه السلام): 1 - أبو عبد الله. 2 - أبو إسماعیل. 3 - أبو موسى. اسمه جعفر، وفی المناقب ومحاسن البرقی: قال الصادق (علیه السلام) لضریس الکناسی: لم سماک أبوک ضریسا؟ قال: کما سماک أبوک جعفرا، قال: إنما سماک أبوک ضریسا بجهل، لأن لإبلیس ابنا یقال له ضریس، وإن أبی سمانی جعفرا بعلم، على أنه اسم لنهر فی الجنة، أما سمعت قول ذی الرمة؟: أبکى الولید أبا الولید أخا الولید فتى العشیرة * قد کان غیثا فی السنین وجعفرا غدقا ومیرة (3)

 

وکذلک کنیته - بأبی عبد الله - صارت کالاسم له، یستغنى بها عن اسمه ولقبه لا سیما فی الأحادیث، ویلقب أیضا بالفاضل، والقائم، والکامل، والمنجی، وغیرها. ویکنى أبا عبد الله، وأبا إسماعیل، وأبا إسحاق، وأبا موسى، والکنیة الأولى هی أشهر کناه، وأکثرها ورودا فی الروایات والأحادیث. ولعل ذکره بغیر هذه الکنیة کان بدافع التقیة، فالظروف ما کانت تسمح بالتصریح باسم الإمام الصادق وکنیته المشهورة، ولهذا السبب کان البعض یستعمل الکنى غیر المشهور بها رعایة للظروف.

 

 نبوغه وذکائه:

 

 کان الإمام الصادق (علیه السلام) نابغة زمانه، وآیة من آیات الذکاء فی سنیه المبکرة من صباه، فلم یجاریه أحد بمثل سنه على امتداد الزمن، وقد کان یحضر دروس أبیه وهو یافع لم یتجاوز عمره الشریف ثلاث سنین، وقد فاق بتلقیه لدروس أبیه جمیع تلامیذه من کبار العلماء والرواة، مما أدهش الولید بن عبد الملک عندما زار المدینة المنورة ووقف على حوزة أبیه الإمام الباقر (علیه السلام) واستیعاب الإمام الصادق ما یلقیه أبوه من دروس، ومناقشته. ومن الجدیر بالذکر أن دروس الإمام الباقر (علیه السلام) وبحوثه لم تقتصر على علم الحدیث، والفقه، والتفسیر فحسب، وإنما شملت جمیع أنواع العلوم، من فلسفة، وطب، وعلم الکیمیاء، وعلم النجوم والجغرافیا، والفلک وغیرها. وقد ألم بها الإمام الصادق (علیه السلام) إلماما کاملا، ومما یدل على ذلک ما نقله الرواة أن الولید بن عبد الملک عندما زار المسجد النبوی بصحبة عامله على المدینة عمر بن عبد العزیز،

 

وقد رأى الإمام الباقر (علیه السلام) على المنبر یلقی دروسه ومحاضراته على تلامیذه، فسلم علیه، فرد الإمام السلام علیه، وتوقف عن الدرس تکریما له، فأصر الولید علیه أن یستمر فی تدریسه، وکان موضوع الدرس الجغرافیا فاستمع الولید، وبهر من ذلک فسأل الإمام ما هذا العلم؟! . فأجابه الإمام (علیه السلام): إنه علم یتحدث عن الأرض والسماء والشمس والنجوم. ووقع نظر الولید على الإمام جعفر الصادق، فسأل عامله عمر بن عبد العزیز: من یکون هذا الصبی بین الرجال؟! . فأجابه قائلا: إنه جعفر بن محمد ، وأسرع الولید قائلا: هل هو قادر على فهم الدرس واستیعابه؟ ، فعرفه عمر بما یملک الصبی من قدرات علمیة، قائلا: إنه أذکى من یحضر درس الإمام وأکثرهم سؤالا ونقاشا . بهر الولید وتعجب، فاستدعاه بالوقت، فلما مثل بادر قائلا: ما اسمک؟ ، أجابه الصبی بطلاقة قائلا: اسمی جعفر . وأراد الولید امتحانه، فقال له: أتعلم من کان صاحب المنطق ومؤسسه؟ فأجابه الصبی: کان أرسطو ملقبا بصاحب المنطق، لقبه إیاه تلامیذه وأتباعه . ووجه الولید إلیه سؤالا ثانیا قائلا: من صاحب المعز؟ ، فأنکر علیه الإمام ذلک وقال: لیس هذا اسما لأحد، ولکنه اسم لمجموعة من النجوم، تسمى ذو الأعنة (1). واستولت الحیرة والذهول على الولید، فلم یدر ما یقول، وتأمل کثیرا

 

لیستحضر مسألة أخرى یسأل بها سلیل النبوة، وحضر فی ذهنه السؤال الآتی، فقال له: هل تعلم من صاحب السواک؟ ، فأجابه على الفور: هو لقب عبد الله ابن مسعود صاحب جدی رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) . ولم یستحضر الولید مسألة یسأل بها الإمام، ووجد نفسه عاجزا أمام هذا العملاق العظیم، فراح یبدی إکباره وإعجابه بالإمام الصغیر، ویرحب به وهو مرغم، وأمسک بیده، ودنا من الإمام الباقر (علیه السلام) یهنئه بولده قائلا: إن ولدک هذا سیکون علامة عصره (1). وصدق توسم الولید، فقد أصبح الإمام جعفر الصادق نابغة عصره وأعلمهم على الإطلاق. ولیس هناک تعلیل مقنع لهذه الظاهرة، التی اتصف بها سلیل النبوة فی حال طفولته، إلا قول شیعة أهل البیت من أن الله تبارک وتعالى منح أئمة أهل البیت (علیهم السلام) العلم والحکمة فی جمیع أدوار حیاتهم، کما منح أنبیائه ورسله، فإن الطفل بحسب تکوینه السایکولوجی من غیر الممکن أن تکون له مثل هذه القدرات العلمیة، ومهما اتصف بالذکاء الحاد. معرفته بجمیع اللغات: وکان من السمات البارزة التی تمیز بها فی ذکائه ونبوغه، تعلمه فی سنیه المبکرة لجمیع لغات العالم، وکان یتکلم مع أهل کل لغة کأنه واحد منهم، وهذه بعضها:

 

1 - النبطیة. 2 - العبریة. 3 - الفارسیة. 4 - معرفته بکل لغة. فقد روى أبان بن تغلب قال: غدوت من منزلی بالمدینة المنورة، وأنا أرید أبا عبد الله الصادق، فلما صرت بالباب وجدت قوما عنده لم أعرفهم، ولم أر قوما أحسن زیا منهم، ولا أحسن سیماء منهم [جالسین] کأن الطیر على رؤوسهم، [فکان] فجعل أبو عبد الله (علیه السلام) یحدثنا بحدیث فخرجنا من عنده، وقد فهم خمسة عشر نفرا، متفرقوا الألسن، منهم العربی، والفارسی، والنبطی، والحبشی، ، فقال العربی: حدثنا بالعربیة، وقال الفارسی: حدثنا بالفارسیة، وقال الحبشی: حدثنا بالحبشیة، وقال الصقلی: حدثنا بالصقلیة. وأخبر (علیه السلام) بعض أصحابه بأن الحدیث واحد، وقد فسره لکل قوم بلغتهم (1). ودار حدیث بین الإمام وبین عمار الساباطی باللغة النبطیة، فبهر عمار وراح یقول: ما رأیت نبطیا أفصح منک بالنبطیة . فقال (علیه السلام) له: یا عمار، وبکل لسان (2). ولقد ملک الإمام الصادق (علیه السلام) فی طفولته وشبابه وشیخوخته من النبوغ وقوة الذکاء ما لا یوصف، فقد فاق بهذه الظاهرة جمیع عباقرة الأرض.

 

هیبته ووقاره:

 

 کانت الوجوه تعنو لهیبة الإمام الصادق (علیه السلام) ووقاره، فقد حاکى هیبة الأنبیاء، وجلالة الأوصیاء، وما رآه أحد إلا هابه لأنه کانت تعلوه روحانیة الإمامة، وقداسة الأولیاء، وکان ابن مسکان وهو من خیار الشیعة الثقات، لا یدخل علیه شفقة أن لا یوافیه حق إجلاله وتعظیمه، فکان یسمع ما یحتاج إلیه من أمور دینه من أصحابه، ویأبى أن یدخل علیه (1)، فقد غمرته هیبته. شمائله: فی المناقب: کان الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) ربع القامة (2)، أزهر الوجه، حالک الشعر (3)، جعد أشم الأنف (4)، أنزع رقیق البشرة، دقیق المسربة (5)، على خده خال أسود، وعلى جسده خیلان حمرة (6). وفی الفصول المهمة: صفته معتدل [القامة] آدم (7).

 

وقد صدر کتاب حول الإمام الصادق (علیه السلام)، اشترک فی تألیفه عدد من الشخصیات الغربیة، باللغة الأجنبیة، وترجم الکتاب إلى عدة لغات منها العربیة والفارسیة، باسم الإمام الصادق عند علماء الغرب ، وفی ذلک الکتاب شرح واف حول شمائل الإمام وصفاته وعلومه (علیه السلام).

 

 نقش خاتمه:

 

الله خالق کل شیء (1). عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام)، قال: قوموا خاتم أبی عبد الله (علیه السلام) فأخذه أبی بسبعة، قال: قلت: بسبعة دراهم؟ قال: سبعة دنانیر (2). عن محمد بن عیسى، عن صفوان، قال: أخرج إلینا خاتم أبی عبد الله الصادق (علیه السلام)، وکان نقشه: أنت ثقتی فاعصمنی من خلقک (3). عن إسماعیل بن موسى، قال: کان خاتم جدی: جعفر بن محمد (علیه السلام) فضة کله، وعلیه: یا ثقتی قنی شر جمیع خلقک (4). ابن الصباغ المالکی: نقش خاتمه ما شاء الله لا قوة إلا بالله، أستغفر الله (5).

 

العدد القویة: نقش خاتمه: الله عونی وعصمتی من الناس وقیل نقشه: أنت ثقتی فاعصمنی من خلقک ، وقیل: ربی عصمنی من خلقه (1). هذه مجمل ما عثرنا علیها من الروایات الواردة بهذا الشأن.

 

 وصیة الإمام الباقر لابنه الصادق (علیه السلام

 

) بعدة طرق، منها: الکافی، علی بن إبراهیم، عن محمد بن عیسى، عن یونس بن عبد الرحمن، عن عبد الأعلى، عن أبی عبد الله الصادق (علیه السلام)، قال: إن أبی (علیه السلام) استودعنی ما هناک (2). فلما حضرته الوفاة قال: ادع لی شهودا، فدعوت له أربعة من قریش، فیهم نافع مولى عبد الله بن عمر، فقال: اکتب: هذا ما أوصى به یعقوب بنیه: *(یا بنی إن الله اصطفى لکم الدین فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)*. وأوصى محمد بن علی إلى جعفر بن محمد، وأمره أن یکفنه فی برده الذی کان یصلی فیه الجمعة وأن یعممه بعمامته، وأن یربع قبره، ویرفعه أربع أصابع، وأن یحل عنه أطماره عند دفنه. ثم قال - للشهود -: انصرفوا، رحمکم الله. فقلت له: یا أبت - بعدما انصرفوا - ما کان فی هذا بأن تشهد علیه؟ فقال: یا بنی؟ کرهت أن تغلب، وأن یقال: إنه لم یوص إلیه، فأردت أن تکون لک حجة (3).

 

فی ظلال جده وأبیه: أدرک الإمام الصادق (علیه السلام) خمسة عشر سنة من حیاة جده الإمام علی بن الحسین السجاد (علیه السلام)، وقد سمع الشیء الکثیر منه، ومنها: أدعیته المذکورة فی الصحیفة السجادیة. فقد قال الإمام الصادق (علیه السلام) یوما لابنه: قم یا إسماعیل، فأتنی بالدعاء الذی أمرتک بحفظه، فقام إسماعیل، فأخرج صحیفة کأنها الصحیفة التی دفعها إلی یحیى بن زید، فقبلها الإمام أبو عبد الله، ووضعها على عینیه، وقال: وهذا خط أبی، وإملاء جدی (علیه السلام) بمشهد منی مما یستفاد منه أنه کان یحضر مجلس جده الإمام زین العابدین (علیه السلام) ویستمع إلى أحادیثه وأمالیه. کما أن الإمام الصادق (علیه السلام) عاش فی خدمة والده وتحت ظله أربعا وثلاثین سنة، وکان یتبعه اتباع الفصیل أثر أمه، ویرافقه فی حله وترحاله، فی سفره وحضره، مرافقة التلمیذ أستاذه، وکان صامتا، ولا یتصرف فی شیء من الشؤون فی حضرة والده، وکثیرا ما کان الوالد یهدی لولده أفضل المواعظ، وأغلى النصائح، وأحسن الدروس فی الحکم والمعرفة. ولیس معنى ذلک أنه (علیه السلام) کان یجهل تلک الأمور، فقد یکون سرد المواعظ والنصائح من الإمام إلى آخر من قبیل إیاک أعنی واسمعی یا جارة . هذا ما کان من علاقة الإمام الصادق بجده وأبیه (علیهم السلام).

 

 

اكد رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية اية الله ابراهيم رئيسي ان ايران تولي اهمية الى علاقاتها مع دول الجوار، ولن تسمح للصهاينة بتوتير هذه العلاقات.

وقال آية الله رئيسي  صباح  يوم الخميس  خلال استقباله نواب مجلس الشورى الاسلامي عن اهالي محافظتي اذربايجان الغربية والشرقية (شمال غرب) :ان مبادئ حسن الجوار والتعامل الاقتصادي والتجاري وتفعيل الاسواق الحدودية، مدرجة ضمن برامج وسياسات الجمهورية الاسلامية الايرانية.

واضاف : ان الدول الاجنبية لا تريد الخير لشعوب المنطقة.

وبين آية الله رئيسي ان تجارة المقايضة مع الجيران من شأنها ان تصب في مسيرة الازدهار الاقتصادي وترسيخ مزيد من الاواصر مع دول المنطقة.

وفي السياق، نوه رئيس الجمهورية الى ضرورة استكمال المشاريع البنوية في انحاء البلاد؛ مصرحا ان ذلك يشكل احد اولويات الحكومة الجديدة داخل المحافظات.

 

بمناسبه ذکری مولد النبی (صلى الله علیه واله وسلم) فی ۱۷ ربیع الأول نلقی نظره سریعه على حیاه النبی (ص).النبی محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف، وینتهی نسبه الشریف إلى النبی إبراهیم الخلیل(ع)، ومن أسمائه (ص) فی القرآن خاتم النبیین، الأُمِّی، المُزّمِّل، المُدّثِر، النذیر، المُبین، الکریم، النور، النعمه، الرحمه، […]

بمناسبه ذکری مولد النبی (صلى الله علیه واله وسلم) فی ۱۷ ربیع الأول نلقی نظره سریعه على حیاه النبی (ص).النبی محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف، وینتهی نسبه الشریف إلى النبی إبراهیم الخلیل(ع)، ومن أسمائه (ص) فی القرآن خاتم النبیین، الأُمِّی، المُزّمِّل، المُدّثِر، النذیر، المُبین، الکریم، النور، النعمه، الرحمه، العبد، الرؤوف، الرحیم، الشاهد، المبشّر، النذیر، الداعی، ویکنى أبو القاسم، أبو إبراهیم، ولقبه المصطفى.تاریخ ولادته (صلى الله علیه وآله)ومکانها :۱۷ ربیع الأوّل ۴۰ عام قبل البعثه النبویه، الموافق ۵۷۱ میلادی، مکّه المکرّمه.وهو العام الذی یُسمّى بـ(عام الفیل)، حیث تعرّضت فیه مکّه لعدوان أبرهه الحبشی صاحب جیش الفیل، فجعل الله کیدهم فی تضلیل، کما ورد فی سوره الفیل من القرآن الکریم.

أُمّه السیّده آمنه بنت وهب بن عبد مناف، زوجته السیّده خدیجه بنت خویلد الأسدی، أُمّ السیّده فاطمه الزهراء(علیها السلام)، وله زوجات أُخر.مدّه عمره (صلى الله علیه وآله) ونبوّته: عمره ۶۳ سنه، ونبوّته ۲۳ سنه.حملت به أُمّه أیّام التشریق، وقالت: فما وجدت له مشقّه حتّى وضعته.ثمّ خرج أبوه عبد الله وأُمّه حامل به فی تجاره له إلى الشام، فلمّا عاد نزل على أخواله بنی النجّار بالمدینه، فمرض هناک ومات، ورسول الله (صلى الله علیه وآله) حمل.وکان أبوه عبد الله فقیراً، لم یخلّف غیر خمسه من الإبل وقطیع غنم وجاریه اسمها برکه، وتکنّى أُمّ أیمن، وهی التی حضنت النبی (صلى الله علیه وآله)(۱).لمّا سمع عبد المطّلب ـ جدّ النبی (صلى الله علیه وآله)ـ بولاده النبی فرح فرحاً کثیراً، ودخل على السیّده آمنه (رضی الله عنها)، وقام عندها یدعو الله ویشکر ما أعطاه، وقال:

الحمد لله الذی أعطانی ** هذا الغلام الطیّب الأردان
قد ساد فی المهد على الغلمان ** أُعیذه بالله ذی الأرکان
حتّى أراه بالغ البنیان ** أُعیذه من شرّ ذی شنان
من حاسد مضطرب العنان.

 

أرضعته أوّلاً ثویبه مولاه أبی لهب بلبن ابنها مسروح أیّاماً قبل أن تقدّم حلیمه السعدیه، وکانت أرضعت قبله (صلى الله علیه وآله) عمّه حمزه.وکان رسول الله (صلى الله علیه وآله) والسیّده خدیجه یکرماها، واعتقها أبو لهب بعد الهجره، فکان (صلى الله علیه وآله) یبعث إلیها من المدینه بکسوه وصله حتّى ماتت، فسأل عن ابنها مسروح، فقیل: مات، فسأل عن قرابتها، فقیل: ماتوا.ثمّ أرضعته حلیمه بنت أبی ذؤیب السعدیه، من بنی سعد بن بکر، وکان أهل مکّه یسترضعون لأولادهم نساء أهل البادیه طلباً للفصاحه، ولذلک قال(صلى الله علیه وآله):) «أنا أفصح من نطق بالضاد، بید أنّی من قریش واستُرضعت فی بنی سعد».فجاء عشره نسوه من بنی سعد بن بکر یطلبن الرضاع، وفیهنّ حلیمه، فأصبن الرضاع کلّهن إلّا حلیمه، وکان معها زوجها الحارث المکنّى أبا ذؤیب، وولدها منه عبد الله، فعرض علیها رسول الله(صلى الله علیه وآله)، فقالت: یتیم ولا مال له، وما عست أُمّه أن تفعل. فخرج النسوه وخلفنها، فقالت لزوجها: ما ترى قد خرج صواحبی، ولیس بمکّه غلام یسترضع إلّا هذا الغلام الیتیم، فلو أنّا أخذناه، فإنّی أکره أن أرجع بغیر شیء.

فقال لها: خذیه عسى الله أن یجعل لنا فیه خیراً، فأخذته فوضعته فی حجرها، فدرّ ثدیاها حتّى روی وروی أخوه، وکان أخوه لا ینام من الجوع. فبقی عندها سنتین حتّى فطم، فقدموا به على أُمّه زائرین لها، وأخبرتها حلیمه ما رأت من برکته فردّته معها، ثمّ ردّته على أُمّه وهو ابن خمس سنین ویومین.وقدمت حلیمه على رسول الله(صلى الله علیه وآله) بعدما تزوّج، فبسط لها رداءه، وأعطتها خدیجه أربعین شاهً، وأعطتها بعیراً.وجاءت إلیه (صلى الله علیه وآله) یوم حُنین، فقام إلیها وبسط لها رداءه، فجلست علیه.من الکرامات الظاهره عند ولادته (صلى الله علیه وآله) :

۱ـ روى علی بن إبراهیم بن هاشم، عن أبیه، عن رجاله قال: «کان بمکّه یهودی یقال له یوسف، فلمّا رأى النجوم تُقذف وتتحرّک لیله ولد النبی(صلى الله علیه وآله) قال: هذا نبی قد ولد فی هذه اللیله؛ لأنّا نجد فی کتبنا إنّه إذا ولد آخر الأنبیاء رُجمت الشیاطین وحُجبوا عن السماء.

فلمّا أصبح جاء إلى نادی قریش فقال: هل وُلد فیکم اللیله مولود؟ قالوا: قد ولد لعبد الله بن عبد المطّلب ابن فی هذه اللیله، قال: فاعرضوه علیَّ. فمشوا إلى باب آمنه، فقالوا لها: أخرجی ابنک، فأخرجته فی قماطه، فنظر فی عینه وکشف عن کتفیه، فرأى شامه سوداء وعلیها شعیرات، فلمّا نظر إلیه الیهودی وقع إلى الأرض مغشیاً علیه، فتعجّبت منه قریش وضحکوا منه.فقال: أتضحکون یا معشر قریش؟ هذا نبی السیف، لیبیرنکم، وذهبت النبوّه عن بنی إسرائیل إلى آخر الأبد. وتفرّق الناس یتحدّثون بخبر الیهودی».

۲ـ قالت أُمّه السیّده آمنه: لمّا قربت ولاده رسول الله(صلى الله علیه وآله) رأیت جناح طائر أبیض قد مسح على فؤادی، فذهب الرعب عنّی، وأتیت بشربه بیضاء وکنت عطشى فشربتها، فأصابنی نور عال.

ثمّ رأیت نسوه کالنخل طوالاً تحدّثنی، وسمعت کلاماً لا یشبه کلام الآدمیین، حتّى رأیت کالدیباج الأبیض قد ملأ بین السماء والأرض، وقائل یقول: خذوه من أعزّ الناس... فخرج رسول الله(صلى الله علیه وآله) رافعاً إصبعه إلى السماء.ورأیت سحابه بیضاء تنزل من السماء حتّى غشیته، فسمعت نداءً: طوفوا بمحمّد شرق الأرض وغربها والبحار، لتعرفوه باسمه ونعته وصورته.ثمّ انجلت عنه الغمامه، فإذا أنا به فی ثوب أبیض من اللبن، وتحته حریر خضراء، وقد قبض على ثلاث مفاتیح من اللؤلؤ الرطب، وقائل یقول: قبض محمّد على مفاتیح النصره والریح والنبوّه.ثمّ أقبلت سحابه أُخرى فغیّبته عن وجهی أطول من المرّه الأُولى، وسمعت نداءً: «طوفوا بمحمّد الشرق والغرب وأعرضوه على روحانی الجنّ والأنس والطیر والسباع، وأعطوه صفاء آدم، ورقّه نوح، وخلّه إبراهیم، ولسان إسماعیل، وکمال یوسف، وبشرى یعقوب، وصوت داود، وزهد یحیى، وکرم عیسى».

۳ـ قالت السیّده آمنه: «لمّا حملت به لم أشعر بالحمل ولم یصبنی ما یصیب النساء من ثقل الحمل، فرأیت فی نومی کأنّ آتٍ أتانی فقال لی: قد حملت بخیر الأنام، فلمّا حان وقت الولاده خفّ علیّ ذلک حتّى وضعته، وهو یتّقی الأرض بیدیه ورکبتیه، وسمعت قائلاً یقول: وضعت خیر البشر، فعوّذیه بالواحد الصمد من شرّ کلّ باغ وحاسد».

۴ـ قال ابن عبّاس: «لمّا کانت اللیله التی وُلد فیها النبی(صلى الله علیه وآله) ارتجّ إیوان کسرى، وسقط منه أربعه عشر شرافه، وغاضت بحیره ساوه، وانقطع وادی السماوه، ولم تجرِ بحیره طبریه، وخمدت بیوت النار».
وصف رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) :

قال الإمام علی ( علیه السلام ) وهو یصف رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) : ( کان نبیّ الله أبیض اللّون ، مشرباً حمره ، أدعج العین ، سبط الشعر ، کثف اللّحیه ، ذا وفره ، دقیق المسربه ، کأنّما عنقه إبریق فضّه ، یجری فی تراقیه الذهب ، له شعر من لبّته إلى سرّته کقضیب خیط إلى السره ، ولیس فی بطنه ولا صدره شعر غیره ، ششن الکفّین والقدمین ، ششن الکعبین ، إذا مشى کأنّما یتقلّع من صخر إذا أقبل کأنّما ینحدر من صبب ، إذا التفت التفت جمیعاً بأجمعه کلّه .

لیس بالقصیر المتردّد ، ولا بالطویل المتمعّط ، وکأنّ فی الوجه تدویر ، إذا کان فی الناس غمرهم کأنّما عرقه فی وجهه اللؤلؤ ، عرقه أطیب من ریح المسک ، لیس بالعاجز ولا باللّئیم ، أکرم الناس عشره ، وألینهم عریکه وأجودهم کفّاً ، من خالطه بمعرفه أحبّه ، ومن رآه بدیهه هابه ، عزّه بین عینیه ، یقول ناعته لم أر قبله ولا بعده ) .وقال الإمام الحسن المجتبى ( علیه السلام ) : ( سألت خالی هند بن أبی هاله عن حلیه رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) ؟ وکان وصّافاً للنبی ( صلى الله علیه وآله ) فقال : ( کان رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) فخماً مفخماً ، یتلألأ وجهه تلألؤ القمر لیله البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشذّب ، عظیم الهامه ، رجل الشعر إن انفرقت عقیقته فرق ، وإلاّ فلا یجاوز شعره شحمه أُذنیه ، إذاً هو وفره ، أزهر اللّون ، واسع الجبین ، أزج الحواجب ، سوابغ من غیر قرن بینهما له عرق یدرُّه الغضب .

أقنى العرنین ، له نور یعلوه ، یحسبه من لم یتأمّله أشمّ ، کثَّ اللّحیه ، سهل الخدّین ، ضلیع الفم ، أشنب مفلّج الأسنان ، دقیق المسربه ، کأنّ عنقه جید دمیه فی صفاء الفضّه ، معتدل الخلق ، بادناً متماسکاً ، سواء البطن والصدر ، بعید ما بین المنکبین ضخم الکرادیس ، أنور المتجرّد ، موصول ما بین اللّحیه والسرّه بشعر یجری کالخطّ ، عاری الثدیین والبطن ممّا سوى ذلک ، أشعر الذراعین والمنکبین وأعالی الصدر ، طویل الزندین ، رحب الراحه .ششن الکفّین والقدمین ، سائل الأطراف ، سبط القصب ، خمصان الأخمصین ، مسیح القدمین ، ینبو عنهما الماء ، إذا زال زال قلعاً ، یخطو تکفّؤاً ویمشی هوناً ذریع المشیه ، إذا مشى کأنّما ینحطّ فی صبب ، وإذا التفت التفت جمیعاً ، خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جلّ نظره الملاحظه ، یبدر من لقیه بالسلام ) .من أسمائه (صلى الله علیه وآله) فی القرآن :خاتم النبیین، الأُمِّی، المُزّمِّل، المُدّثِر، النذیر، المُبین، الکریم، النور، النعمه، الرحمه، العبد، الرؤوف، الرحیم، الشاهد، المبشّر، النذیر، الداعیمن وصایاه (صلى الله علیه وآله) :

۱ـ قال(صلى الله علیه وآله):«یا علی، ثلاث من مکارم الأخلاق فی الدنیا والآخره:أن تعفو عمّن ظلمک، وتصل من قطعک، وتحلم عمّن جهل علیک.یا علی، بادر بأربع قبل أربع:شبابک قبل هرمک، وصحّتک قبل سقمک، وغناک قبل فقرک، وحیاتک قبل موتک».

۲ـ قال(صلى الله علیه وآله):«جُبلت القلوب على حبّ من أحسن إلیها وبغض من أساء إلیها».

۳ـ قال(صلى الله علیه وآله):«شرّ الناس من باع آخرته بدنیاه، وشرٌ من ذلک من باع آخرته بدنیا غیره».

۴ـ قال(صلى الله علیه وآله):«طوبى لمن أنفق فضلات ماله وأمسک فضلات لسانه، طوبى لمن شغله عیبه عن عیوب الناس».ثواب زیارته (صلى الله علیه وآله) :

۱ـ قال رسول الله(صلى الله علیه وآله):«من أتانی زائراً کنت شفیعه یوم القیامه».

۲ـ قال رسول الله(صلى الله علیه وآله):«من زارنی فی حیاتی أو بعد موتی کان فی جواری یوم القیامه».

۳ـ قال رسول الله(صلى الله علیه وآله):«من زارنی بعد وفاتی کان کمن زارنی فی حیاتی، وکنت له شهیداً وشافعاً یوم القیامه».

۴ـ قال رسول الله(صلى الله علیه وآله):«من زار قبری بعد موتی کان کمن هاجر إلیَّ فی حیاتی، فإن لم تستطیعوا فابعثوا إلیَّ السلام، فإنّه یبلغنی».

تاریخ وفاته (صلى الله علیه وآله)ومکانها :۲۸ صفر ۱۱هـ، و دفن فی المدینه المنوّره .تولّى الإمام علی(علیه السلام)تجهیزه ولم یشارکه أحد فیه، فقام(علیه السلام) بتغسیله وتکفینه، والصلاه علیه ودفنه، ووقف على حافه قبره قائلاً:«إنّ الصبر لَجَمیل إلّا عنک، وإنّ الجزع لَقَبیح إلّا علیک، وإنّ المُصابَ بک لَجَلیل، وإِنّه بَعدَکَ لَقلیل».

 

دعا مندوب الجمهورية الاسلامية الايرانية في اللجنة السياسية وازالة الاستعمار في الجمعية العامة للامم المتحدة المجتمع العالمي ومنظمة الامم المتحدة تحميل الكيان الصهيوني مسؤولية ممارساته اللاانسانية.

وقال مندوب ايران في كلمته الخميس خلال اجتماع اللجنة: ان هذا الكيان بانتهاكه الصارخ للقوانين الدولية ومنها جميع قرارات الامم المتحدة ذات الصلة، يواصل عدوانه على الحقوق الاساسية للشعب الفلسطيني وسائر السكان العرب الذين يرزحون تحت احتلاله.

واضاف: ان الشعب الفلسطيني محروم من ارضه وممتلكاته واضطر الكثير منهم الى ترك منازلهم، وهذا الشعب يواجه العدوان والارهاب والاغتيال والترويع وفي الوقت ذاته فهو محروم من اي حق لتقرير مصيره تحت ما يسمى بـ "بالدولة العبرية".

وتابع المندوب الايراني: انه وفي ظروف التحدي لمواجهة كورونا وفي الوقت الذي ركز المجتمع العالمي جهوده على خفض آثار وتداعيات كوفيد- 19 فان الكيان الاسرائيلي باستغلاله لهذه المرحلة يواصل انشطة بناء المستوطنات اللاقانونية ومشروع ضم الاراضي واحتلاله العسكري.

واشار الى الحصار اللاانساني المفروض على قطاع غزة وتصعيد الازمة الانسانية واستمرار احتلال اراضي الجولان ومناطق من سوريا ولبنان وتطاول الكيان على دول المنطقة وقال: ان مثل هذه الممارسات انما تعرّض السلام والامن الاقليمي والدولي للخطر لذا يتوجب على المجتمع العالمي ومنظمة الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي ان تعي تماما سياسات هذا الكيان المزعزعة للاستقرار واجراءاته غير القانونية واللاانسانية في المنطقة وتحمله مسؤولية ذلك.

المصدر:العالم

الوحدة الإسلامیّة -دراسة تحلیلیّة فی معالم الطرح الوحدویّ عند الإمام الخمینی(قده)-

الشیخ حسن أحمد الهادی[1]

خلاصة المقالة:

قدّم دین الإسلام للبشریّة تشریعات شاملة لجمیع نواحی الحیاة، ولاسیّما الإنسانیّة منها، بحیث تؤسّس أصولاً فی التلاقی الفردیّ، واللحمة الأسریّة والرحمیّة، والتکافل الاجتماعیّ والإنسانیّ، وهی تُعدّ من أرقى التشریعات وأکملها فی المجتمعات الإنسانیّة؛ کونها تکفل حیاة سعیدة ومطمئنة للإنسانیّة فی الدنیا والآخرة، من خلال رؤیتها وبنیتها العقدیّة والقیمیّة والتشریعیّة التی تأخذ بید الإنسانیّة إلى کمالها ورقیّها على المستویین الفردی والاجتماعیّ.

ویُعدّ الإمام الخمینی (قده) من الشخصیّات القیادیّة والعلمیّة المفصلیّة فی تاریخ الأمّة الإسلامیّة، التی أرست الوعی والنهوض والثورة على الظلم فی وجدان الأمّة، وأوضحت المخاطر الاستراتیجیّة التی تحیط بالأمّة الإسلامیة وبمقدّرات الشعوب، ودعت الشعوب إلى عدم الرضوخ للظالمین والمستکبرین وإلى التصدّی لهم، ومواجهة کلّ ما یهدّد وحدتهم ویسبّب إضعافهم.

وتعالج هذه المقالة جانباً من أطروحة الإمام الخمینی (قده) العالمیّة فی قضیّة الوحدة الإسلامیّة، والنهی عن التفرقة بین المسلمین، وبیان الأمراض التی تفتک بجسد الأمّة الإسلامیّة، وسُبُل علاجها والوقایة منها.

ومن هذه المخاطر الاستراتیجیّة: قضیّة التفرقة بین المسلمین التی عمل الغربیّون على تسعیرها بین المسلمین، فمنذ أنْ دخل الاستعمار الأوروبیّ إلى البلدان الإسلامیّة -کما یقول الإمام (قده)- کانت التفرقة بین المسلمین من المبادئ الحتمیّة فی سیاسة المستعمرین... متوسّلین بسلاح الطائفیّة تارة، وبالنعرات الإقلیمیّة والقومیّة تارة، وبغیرها... ولهذا اعتبر الإمام الخمینی (قده) أنّ عزّة  المسلمین وعظمتهم ترتبط بوحدتهم، وأنّ الدعوة إلى الإسلام تعنی الدعوة إلى الوحدة؛ أی أنْ یجتمع الجمیع تحت رایة الإسلام وکلمته.

فالذین آمنوا بالإسلام یقبلون القرآن ومحتوى القرآن الذی یقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[2]، فیلتزمون بکلّ ما تقتضیه الأخوّة من الاهتمام بشؤون إخوتهم فی السرّاء والضراء، فیتألّمون لألمهم ویفرحون لفرحهم.

 

کلمات مفتاحیّة:

الإسلام، الأخوَّة الإیمانیّة، الوحدة الإسلامیّة، التواصل الإیجابیّ، التکافل الاجتماعیّ، الشعور الجماعیّ، الروابط الاجتماعیّة، التفرقة، الوحدة الإنسانیّة.

 

مقدّمة:

الإسلام دین الإنسانیّة، ونظامه نظام شامل لجمیع نواحی الحیاة، یربط بعضها ببعضها الآخر ربطًا عضویًّا منطقیًّا، وینطلق من واقع الحیاة الإنسانیّة وخصوصیّاتها لمعالجة قضایاها بشتّى مستویاتها، وبما یتناسب مع تطلّعات الإنسان فی هذه الحیاة وسواها من مراحل الحیاة الأخرى. ونظرًا إلى الکینونة الاجتماعیّة التی ینطوی علیها الإنسان منذ أنْ فطره الله وبرأه، ونظرًا إلى أنّه یولد اجتماعیًّا؛ کان الإسلام دین المجتمع؛ کما هو دین الفرد، وکان القرآن کتاب المجتمع الإنسانیّ؛ کما هو کتاب کلّ فرد من أفراد هذا المجتمع بلا استثناء.

والإیمان لیس قضیّة عقدیّة مجرّدة، ولیس علاقة شخصیّة بین المؤمن وربّه فقط؛ بل هو علاقة أخویّة جماعیّة -أیضًا- بینه وبین سائر المؤمنین، ففی الإیمان یتمّ ربط الفکر بالفعل، والنیّة بالحرکة وبالسلوک القویم، وبهذا یتکامل أفراد المجتمع الإسلامیّ فی علاقاتهم الاجتماعیّة والإنسانیّة تکاملًا معنویًّا إیجابیًّا، تذوب أمامه کلّ أنواع الخلافات والمشاکل أو الاعتداءات التی قد تنخر جسد المجتمع وتهدم أرکانه. قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَیْنَ أَخَوَیْکُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ}[3].

والأُخوّة فی الإسلام أخوّة نَسَبیّة لها آثار فی النکاح والإرث، وأخوّة رضاعیّة لها آثار فی النکاح دون الإرث، وأخوّة إیمانیّة لها آثار اجتماعیّة ولا أثر لها فی النکاح والإرث؛ ذلک أنّ أخوَّة الإیمان تشریعیّة وواقعیّة بدافع الإیمان، یؤمر المؤمن أن یؤصّلها فی حیاته الجماعیّة إلى حدٍّ لا تبقى معه بین المؤمنین إلا الأخوّة؛ فعن أَبِی بَصِیرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) یَقُولُ: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ؛ کَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِنِ اشْتَکَى شَیْئًا مِنْه؛ وَجَدَ أَلَمَ ذَلِکَ فِی سَائِرِ جَسَدِه، وأَرْوَاحُهُمَا مِنْ رُوحٍ وَاحِدَةٍ، وإِنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ لأَشَدُّ اتِّصَالًا بِرُوحِ اللَّه مِنِ اتِّصَالِ شُعَاعِ الشَّمْسِ بِهَا"[4].

وعنه(ع) -أیضًا-: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ؛ عَیْنُه، ودَلِیلُه، لَا یَخُونُه، ولَا یَظْلِمُه، ولَا یَغُشُّه، ولَا یَعِدُه عِدَةً فَیُخْلِفَه"[5].

کما نفهم الواجبات والحقوق الفردیّة والاجتماعیّة المنبثقة عن هذه القاعدة الاجتماعیّة التی یؤسّسها القرآن فی الأخوّة الاجتماعیّة فی ما روی عن الإمام علی بن الحسین (علیهما) فی رسالة الحقوق، حیث یقول: "وحقُّ أخیکَ أن تعلمَ أنَّه یدکَ الّتی تبسطُها، وظهرُک الّذی تلتجئُ إلیهِ، وعزُّک الّذی تعتمدُ علیهِ، وقوَّتک الّتی تصولُ بها، فلا تتّخذْهُ سلاحًا على معصیةِ اللهِ، ولا عُدَّةً للظلمِ لخلقِ اللهِ، ولا تدعْ نصرتَه على نفسِه ومعونَتَه على عدوِّهِ، والحؤولَ بینَه وبینَ شیاطینِه، وتأدیةَ النصیحةِ إلیهِ، والإقبالَ علیهِ فی اللهِ، فإنِ انقادَ لربِّهِ وأحسنَ الإجابةَ لهَ، وإلَّا فلیکُن اللهُ آثرَ عندَکَ وأکرمَ علیکَ منهُ"[6].

فإنّ الأخ هو الذی اتّحد بأخیه اتّحادًا تامًّا، حتّى أصبحت ید أحدهما ید الآخر، وعزّ أحدهما عزّ الآخر، فیکون أحدهما للآخر ظهراً یستند إلیه، وقوّة یستعین بها على مناهضة الأیام ومغالبة الخطوب.

والأخوّة نعمة من أکبر النعم التی أنعم الله تعالى بها على عباده؛ لأنّها قائمة على أوثق عرى الإیمان؛ کما فی الحدیث عَنْ الإمام أَبِی عَبْدِ اللَّه (ع): "مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الإِیمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِی اللَّه، وتُبْغِضَ فِی اللَّه، وتُعْطِیَ فِی اللَّه، وتَمْنَعَ فِی اللَّه"[7]؛ وذلک لأنّ من تمسّک بهذه العروة تکامل إیمانه، واستقام لسانه، واستقرّ جنانه، وبه یتحقّق التودّد والتآلف بین المؤمنین، ویتمّ ویکمل نظام الدنیا والدین، فهذه العلاقة هی أسمى علاقة وأقوى رابطة یمکن أن تکون فی مجموعةٍ من البشر.

وللأخوّة الدینیّة دورٌ رائدٌ فی بناء الشخصیّة المؤمنة، حیث تساعدها على الاتّصاف بمجموعة من الفضائل، وتشعرها بمسؤولیّة کبیرة تجاه الآخر؛ انطلاقًا من معرفة ما لها من مدلول وعمق فی الإسلام، فیعرف الإنسان قدره من خلال معرفة قدر أخیه وما له من حقّ علیه.

ونظرًا إلى أهمّیّة الطرح الوحدویّ فی واقعنا الإسلامیّ، کان من المناسب أن نضیء على معالم الطرح الوحدوی فی فکر علم من أعلام الوحدة الإسلامیّة؛ وهو الإمام الخمینی (قده). وقبل الدخول فی بیان معالم طرحه الوحدوی، کان لا بدّ من الوقوف عند جملة من الأسس والأصول الإسلامیّة من القرآن الکریم والسنّة الشریفة، التی انطلق منها الإمام الخمینی (قده) فی طرحه الوحدویّ وسُبُل تحقیقه وتعزیزه وصیانته.

 

أولاً: مظاهر علاقة المسلم بالآخر فی الإسلام:

وضعت الشریعة الإسلامیة أصولاً تربویّةً واجتماعیّةً عدّة؛ بهدف تنظیم علاقة المسلم بالمسلم وبغیره من بنی البشر، نذکر نماذج منها:

1. التکافل الاجتماعیّ:

            یُعدّ التکافل الاجتماعیّ جزءًا من عقیدة المسلم والتزامه الدینیّ، وهو نظام أخلاقیّ یقوم على الحبّ والإیثار ویقظة الضمیر والشعور بمراقبة الله عزَّ وجل، ولا یقتصر على حفظ حقوق الإنسان المادّیّة؛ بل یشمل  المعنویّة -أیضًا-، وغایته التوفیق بین مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد.

            وقد عُنی القرآن بالتکافل؛ لیکون نظامًا لتربیة روح الفرد، وضمیره، وشخصیّته، وسلوکه الاجتماعیّ، ولتکوین الأسرة وتنظیمها وتکافلها، ولضبط العلاقات الاجتماعیّة؛ بما فی ذلک العلاقة التی تربط الفرد بالدولة، ولتقنین المعاملات المالیّة والعلاقات الاقتصادیّة التی تسود المجتمع الإسلامیّ.

            ومن هنا؛ فإنّ مدلولات البرّ، والإحسان، والصدقة، تتضاءل أمام هذا المدلول الشامل للتکافل. قال الله تعالى: {یَسْئَلُونَکَ مَاذَا یُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَیْرٍ فَلِلْوَالِدَیْنِ وَالأَقْرَبِینَ وَالْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَیْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِیمٌ}.[8]

            وقد عدّ القرآن الإمساک وعدم الإنفاق سبیلًا إلى التهلکة؛ بقوله سبحانه وتعالى: {وأنفقوا فی سبیل الله ولا تُلقوا بأیدیکم إلى التهلکة وأحسنوا إنّ الله یحبُّ المُحسنین}[9]؛ کما عدّ الکنـز وحجب المال عن وظیفته الاجتماعیّة مدعاةً إلى العذاب الألیم: {والذین یکنزون الذهب والفضة ولا ینفقونها فی سبیل الله فبشّرهم بعذابٍ ألیم}[10]، ونفى الرسول الأکرم (ص) کمال الإیمان عن مَنْ یبیت شبعان وجاره جائع؛ وهو یعلم: "ما آمن بی من بات شبعان وجاره جائع وهو یعلم"[11].

            کما وضع القرآن أسسًا نفسیّةً وأخرى مادّیّة؛ لإقامة التکافل الاقتصادیّ والاجتماعیّ بین أفراد المجتمع الإسلامیّ. ولعلَّ من أهمِّ الأسس النفسیّة هو إقامة العلاقات المادّیّة والمعنویّة على أساس الأخوّة؛ لقوله تعالى: {إنّما المؤمنون إخوةٌ}[12]، وربط الإیمان باستشعار حقوق الأخ؛ کما رتَّب الحبّ على رابطة الأخوّة؛ فلا یؤمن الإنسان المسلم ولا ینجو بإیمانه ما لم یُحبّ لأخیه ما یُحبّ لنفسه، ویعیش معه کالبنیان یشدّ بعضه بعضًا. وجعل العدل وحفظ الحقوق من قیم الدین الرئیسة؛ بل ندب إلى عدم الاقتصار على العدل؛ وهو إحقاق الحقّ، أو إعطاء کلِّ إنسان حقّه من دون ظلم، وإنّما الارتقاء إلى الإحسان؛ وهو التنازل عن بعض الحقوق للطرف الآخر. ومن الأسس النفسیّة -أیضًا-: الإیثار؛ وهو عکس الأثرة والأنانیّة. والإیثار تفضیل الآخر على النفس؛ من أجل إشاعة جوّ العفو والرحمة، وهی الغایة التی جاءت من أجلها الشریعة.

2. إثارة الشعور الاجتماعیّ:

کان إنسان ما قبل الإسلام یتمحور فی سلوکه الاجتماعیّ على ذاته، وینطلق فی تعامله مع الآخرین من منظار مصالحه وأهوائه بالغالب، وینساق بعیدًا مع أنانیّته؛ حیث هبط فی القاع الاجتماعیّ إلى درجة «وأد» أبنائه؛ خشیة الفقر والمجاعة، الأمر الذی استدعى التدخّل الإلهی؛ لإنقاذ النفوس البریئة من هذه العادة الاجتماعیّة القبیحة، قال تعالى: {ولا تَقتُلُوا أولادَکُم خَشیةَ إملاقٍ}[13]، على أنّ أشدّ ما یسترعی الانتباه أنّ ذلک الإنسان الجاهلیّ، الدائر حول ذاته ومنافعها، قد غدا -بتفاعله مع إکسیر العقیدة- یضحّی بالنفس والنفیس فی سبیل دینه ومجتمعه، وبلغت آفاق التحوّل فی نفسه إلى المستوى الذی یُؤثِر فیه مصالح أبناء جنسه على منافع نفسه.

ولیس خافیًا على أحد مستوى الإیثار الذی أبداه الأنصار تجاه المهاجرین؛ إذ شاطروهم کلّ ما یملکون، حتى بیوتهم وأمتعتهم، ولم ینحصر هذا المستوى من الإیثار بالأفراد؛ بل شکّل ظاهرة اجتماعیّة عامّة لم یشهد لها تاریخ الإنسانیّة نظیرًا، وفی هذه الظاهرة نزلت آیات من القرآن الکریم تبارک هذه الروحیّة، وتخلّد ذِکر مجتمعٍ تحلّى بها؛ بوصفه أنموذجًا من نماذج التلاحم الاجتماعیّ والمؤاخاة. قال تعالى: {لِلفُقَرَآءِ المُهَاجِرینَ الَّذِینَ أُخرِجوا مِن دِیارهِم وأموَالِهِم یَبتَغُونَ فَضلًا مِّنِ اللهِ وَرِضوانًا وَیَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئکَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذینَ تَبَوَّءُوا الَّدارَ وَالاِیمانَ مِن قَبلِهِم یُحِبُّونَ مَن هَاجَرَ إلیهِم وَلا یَجِدُونَ فی صُدُورِهِم حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُوا وَیُؤثرُونَ عَلى أنفُسِهِم ولَو کانَ بِهِم خَصَاصَةٌ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولئکَ هُمُ المُفلِحُونَ}[14].

ولقد نقض الإسلام أُسسًا فی البناء الاجتماعیّ الجاهلیّ قوامها تعزیز التقسیم الطبقیّ والقَبَلیّ للمجتمع، الذی کان یتشکّل من طبقتین رئیستین؛ هما: طبقة الأشراف؛ الذین تجتمع لدیهم الثروات ویحتکرون الشأن والوجاهة، وطبقة العبید؛ الذین یدورون فی فلک الأسیاد. فقوّض الإسلام هذه الأسس، وأقام محلّها أُسسًا جدیدة تساوی بین الناس فی حقّ الحیاة وحقّ الکرامة. قال تعالى: {یا أیُّها الناسُ إنّا خَلقنَاکُم مِن ذَکَرٍ وأُنثى وجَعَلنَاکُم شُعُوبًا وقَبَائلَ لِتَعارفُوا إنَّ أکرَمَکُم عِندَ اللهِ أتقاکُم}[15]؛ فتحرّر أبناء طبقة العبید، ومارسوا حقّهم فی الحیاة، وارتفع عمّار وسلمان وبلال عالیًا فوق طبقة أشراف قریش.

3. تنمیة الشعور الجماعیّ:

تربّی العقیدة الإنسان المسلم على الشعور الاجتماعیّ المتمثّل بشعور الفرد نحو غیره، فیتجاوز دائرة الذات إلى دائرة أرحب؛ هی دائرة العائلة، ثمّ تتّسع اهتماماته لتشمل دائرة الجوار، ثمّ أبناء بلدته، وبعدها أبناء أمّته، وفی نهایة المطاف تتّسع لدائرة أکبر؛ فتشمل الإنسانیّة جمعاء.

وفی هذا الصدد، نجد کثیرًا من الأحادیث التی تحثُّ الفرد على الانضمام إلى الجماعة، والانسجام معها، والانضواء فی قالبها، بعد أن ثبت عند العقلاء أنّ فی الاجتماع قوّة ومنعة، وبعد أن أکّد النقل على أنّ الله -تعالى- قد جعل فیه الخیر والبرکة. یقول الرسول الأکرم (ص): "یدُ الله مع الجماعة، والشیطان مع من خالف الجماعة یرکُضُ"[16]. و"من خرج من الجماعة قید شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"[17]. وفی ذلک کلِّه دلیل قاطع على أنّ الإسلام دین اجتماعیّ یربط الفرد بالجماعة، وأنّ العقیدة تدعو الإنسان المسلم إلى الانضمام إلى الجماعة.

4. تأصیل نظم الروابط الاجتماعیّة:

کان المجتمع الجاهلیّ یرى فی رابطة الدم والرحم أساسًا للروابط الاجتماعیّة، فیضع مبدأ القرابة فوق مبادئ الحقّ والعدالة، فی حال التعارض بینهما. وقد ذمّ القرآن الکریم هذه الحمیَّة الجاهلیّة بقوله تعالى: {إذ جعلَ الَّذِینَ کَفرُوا فی قُلُوبِهِم الحَمِیَّةَ حِمیَّةَ الجَاهِلِیَّةِ}[18].

ولذا، عملت العقیدة على إزالة حُجُب العصبیّة عن القلوب، ولم تُقرّ بالتفاضل بین الناس القائم على القرابة والقومیّة أو اللّون والمال والجنس، وبدلًا من ذلک أقامت روابط جدیدة على أسس معنویّة؛ قوامها التقوى والفضیلة. وعلیه، فالعقیدة تنبذ جمیع أشکال العصبیّة؛ إذ لا یمکن التوفیق بین الإیمان والتعصّب. روی عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنّه قال: "قال رسول الله (ص): من تعصّب أو تُعُصّبَ له؛ فقد خلع ربقة الإیمان من عُنقه"[19].

ویوضّح الإمام زین العابدین (ع) مفهوم العصبیّة، وما هو المذموم منها، عندما سُئل عنها؛ بقوله (ع): "العصبیّة التی یأثم علیها صاحبها: أن یرى الرّجل شرار قومه خیرًا من خیار قوم آخرین، ولیس من العصبیّة أن یحبّ الرجل قومه، ولکن من العصبیّة أن یعین قومه على الظّلم"[20].

ومن هنا، نجد أنّ العقیدة قد عملت على إزالة حُجُب العصبیّة عن القلوب، وقامت بتشکیل هویّة اجتماعیّة جدیدة للناس تقوم على أساس الإیمان بالله تعالى وبرسوله (ص)، وإشاعة مشاعر الحبّ والرّحمة؛ بدلًا من مشاعر التعصّب والکراهیّة؛ فالعصبیّة التی تعنی مناصرة المرء قومه أو أسرته أو وطنه فی ما یخالف الشرع وینافی الحقّ والعدل، لهی من أخطر النزعات وأفتکها فی تسیّب المسلمین وتفریق شملهم، وإضعاف طاقاتهم الروحیّة والمادّیّة، وقد حاربها الإسلام وحذّر المسلمین من شرورها، ولم یکن من الیسیر أن یتمّ هذا التحوّل الکبیر فی أفکار الناس وعلاقاتهم فی هذه الفترة القصیرة من عمر الرسالة لولا الدور التغییریّ الکبیر الذی اضطلعت به العقیدة الإسلامیّة.

5. الحثّ على التعاون والتعارف:

نقلت العقیدة أفراد المجتمع من حالة التنافس والصراع إلى حالة التعارف والتعاون. ومن هنا، نجد القرآن یحثّ الناس على الاجتماع والتعارف. قال تعالى: {یا أیُّها النَّاسُ إنَّا خلقناکم مِن ذَکرٍ وأُنثى وجَعلناکُم شُعوبًا وقبائلَ لتعارفوا إنَّ أکرمَکُم عند اللهِ أتقاکُم}[21].

فالأصل فی دین الإسلام أنّه دینُ تجمّعٍ وألفة، لا دین عزلةٍ وفرارٍ من تکالیف الحیاة، ولم یأتِ القرآن لیدعو المسلمین إلى الانقطاع فی دیر، أو العبادة فی صومعة؛ بعیدًا عن مشاکل الحیاة ومتطلّباتها؛ بل إنّ نزعة التعرّف إلى الناس والاختلاط بهم أصیلة فی تعالیم هذا الدین[22]. وقد بیّن الرسول (ص) أنّ الفضل لمن خالط الآخرین وتعرَّف علیهم ولم یتقوقع على نفسه؛ وذلک فی قوله: "المؤمن الذی یخالط الناس ویصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذی لا یخالط الناس ولا یصبر على أذاهم"[23].

کما حثَّ القرآن الکریم الناس على التعاون؛ قال تعالى: {وتعاونُوا على البرِّ والتّقوى ولا تعاونوا على الاِثمِ والعُدوانِ}[24]، وأثبتت تجارب البشریّة أنّ فی التعاون قوّة، وأنّه یؤدّی إلى التقدّم.

وقد کان المجتمع الجاهلی متخلّفًا، یعیش حالة الصراع بدافع العصبیّة القبلیّة، أو طغیان الأهواء والمصالح الشخصیّة، أو بسبب احتکار بعضهم مصادر الکلإ والماء، فانتقل ذلک المجتمع -بفضل الإسلام- إلى مدار جدید، بعد أن تکرّست فیه قیم التعاون والتکافل الاجتماعیّ.

ومن هنا، نجد أنّ مسألة التعاون والتضامن والوحدة تجاه القضایا الکبرى تتصدّر سلَّم الأولویّة فی اهتمامات الإسلام الاجتماعیّة؛ لکونها الضمان الوحید والطریق الأمثل لإقامة بناء اجتماعیّ متماسک تغیب فیه عوامل الصراع والتناحر، وتسود فیه عوامل الودّ والألفة.

وما یثیر الدهشة ویبعث على الإعجاب أنّ المجتمع العربیّ الجاهلیّ الذی کان ممزّقًا، ولا تقیم له الأمم وزنًا، قد غدا بفضل الرسالة الإسلامیة موحّدًا، مهاب الجانب، ذا عزّة ومنعة. یقول الإمام علی (ع): "... والعرب الیوم، وإن کانوا قلیلًا، فهم کثیرون بالإسلام، عزیزون بالاجتماع..."[25].

وهذا ما ساهم کثیرًا فی تغییر العادات والتقالید الجاهلیّة. یقول العلاّمة السید الشهید محمد باقر الصدر (قده): "إنّ الدافع الذاتی هو مثار المشکلة الاجتماعیّة، وإنَّ هذا الدافع أصیل فی الإنسان؛ لأنّه ینبع من حبّه لذاته، وهنا یجیء دور الدین بوضع الحلّ الوحید للمشکلة؛ فالحلّ یتوقّف على التوفیق بین الدوافع الذاتیّة والمصالح الاجتماعیّة العامّة"[26].

 

6. أصالة الخطاب والتواصل الإیجابیّ بالکلمة الطیّبة:

لقد عُنیَ القرآن الکریم بأدب الخطاب، فالناظر فی سوره وآیاته یجده شدید الحرص على الأسلوب الذی یُؤدَّى به الکلام، والطریقة التی یُطرح بها، ویجد أنَّه کثیرًا ما یُوجِّه نحو الکلمة الطیّبة والقول الحَسَن فی مناسبات شتَّى. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ کَیْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِی السَّمَاء * تُؤْتِی أُکُلَهَا کُلَّ حِینٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَیَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ * وَمَثلُ کَلِمَةٍ خَبِیثَةٍ کَشَجَرَةٍ خَبِیثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ * یُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَفِی الآخِرَةِ وَیُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِینَ وَیَفْعَلُ اللّهُ مَا یَشَاء}[27].

فالکلمة الطیّبة نفحة روحانیّة تصل ما بین القلوب، وتربطها برباط المودّة والتآلف. وأمّا الکلمة الخبیثة فهی معول للهدم والتفریق؛ یعمل تخریبًا فی أوصال المجتمع، فیهدم کیانه. والکلمة الطیّبة تزهر فی النفس لتتفتّح بأجمل أزهار الخیر والحبّ التی یعبق شذاها فوّاحًا فی کلّ زمان ومکان. وأمّا الکلمة الخبیثة فنتنة الرائحة، تصدر عن بُؤَرٍ نفسیّة عفنة.

وقد أشار القرآن الکریم إلى ما أثمره القول اللیّن من نجاح دعوة النبی محمد (ص) وتأثیرها فی الناس. قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوکُنتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِکَ}[28]. فرسول الله (ص) لم یکن فظَّاً؛ أی خشن الکلام، ولا غلیظ القلب؛ أی قاسیه وشدیده؛ بل کان رفیقًا داعیًا إلى الرفق، فقال (ص): "مَنْ یُحرَم الرِّفقَ یُحرَم الخیر"[29].

وتأسیسًا على ما تقدّم من أصول تربویّة واجتماعیّة کفیلة ببناء مجتمع متکافل، یحفظ بعضه حقوق بعضه الآخر، ویحرص على ممارستها والعیش فی ظلّها، والتربیة علیها؛ لا بدّ من الإلفات إلى أنّ هذه التشریعات الإسلامیّة الاجتماعیّة تتّسع لتشمل العلاقات الإنسانیّة بین بنی البشر؛ لأنّ الروابط التی تجمع بین الناس کثیرة؛ فمن رابطة الدم، إلى رابطة الفکر والمبدإ، ورابطة العمل والوظیفة، ورابطة الصداقة والصحبة، ورابطة الجنس والعرق، والرابطة التجاریّة والاقتصادیّة، ورابطة العقیدة التی تُعدّ من أقوى الروابط وأمتنها؛ ولکنّ قوّة رابطة العقیدة لا تعنی أنَّ أدب التعامل مع الآخرین لا یدور إلا فی نطاقها، ولا یشمل التعامل مع أصحاب العقائد الأخرى من غیر المسلمین؛ بل إنَّ أدب التعامل یتّسع لیشمل الإنسانیّة کلَّها. فالتعامل الحسن هو سلوک الجوارح والعلاقة الظاهریّة، ویکون مع جمیع البشر؛ أمّا الولاء فهو بین المسلمین خاصّة. ولعلّ ما ورد فی سورة الممتحنة، من أوضح الآیات التی تمیّز بین الولاء، وبین البرّ وحُسن التعامل. یقول تعالى: {لا یَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُم مِّن دِیَارِکُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ * إِنَّمَا یَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ قَاتَلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَأَخْرَجُوکُم مِّن دِیَارِکُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِکُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن یَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[30].

فقضیّة التعامل مع الآخرین هی قضیّة بالغة الأهمّیّة والخطورة، وقد جعل الإسلام الالتزام بالدین فی قسمٍ کبیرٍ منه، متوقّفًا على الأدب وحسن المعاملة. ولذا، جاء القرآن الکریم لیضع لنا المناهج القویمة والأسس السلیمة للتعامل مع الآخرین؛ باعتباره موضوعًا أساسًا من موضوعات هذا الدین.

وإذا کان الأدب یتّبع فی خصوصیّته الغایة المطلوبة فی الحیاة؛ فالأدب الإلهیّ الذی أدّب الله سبحانه به أنبیاءه ورسله(عله) هو الهیئة الحسنة فی الأعمال الدینیّة التی تحاکی غرض الدین وغایته؛ وهو العبودیّة على اختلاف الأدیان الحقّة؛ حسب کثرة موادها وقلّتها، وحسب مراتبها فی الکمال والرقیّ.

ولمّا کان من شأن الإسلام التعرّض لجمیع جهات الحیاة الإنسانیّة؛ حیث لا یشذّ عنه شیء من شؤونها؛ سواء أکان یسیرًا أم خطیرًا، دقیقًا أم جلیلًا؛ فلذلک وسع الحیاة أدبًا، ورسم فی کلّ عمل هیئة حسنة تحاکی غایته؛ وهو فی ذلک لیس له غایة عامّة إلا توحید الله سبحانه فی مرحلتی الاعتقاد والعمل جمیعًا؛ أی أنْ یعتقد الإنسان أنّ له إلهًا هو الذی منه بدأ کلّ شیء وإلیه یعود کلّ شیء، له الأسماء الحسنى والأمثال العلیا، ثمّ یجری فی الحیاة ویعیش بأعمال تحاکی بنفسها عبودیّته وعبودیّة کلّ شیء عنده لله الحقّ عزّ اسمه، وبذلک یسری التوحید فی باطنه وفی ظاهره، وتظهر العبودیّة المحضة من أقواله وأفعاله وسائر جهات وجوده ظهورًا لا ستر علیه ولا حجاب یغطّیه. فالأدب الإلهیّ -أو أدب النبوّة- هو هیئة التوحید فی الفعل[31].

یقول الإمام علی(ع): "الآداب حُللٌ مجدّدة"[32]. ومعنى إخباره (ع) بأنّ الآداب حُللٌ مجدّدة: "أی لا تبلى؛ بل تزداد بکثرة التجارب والممارسة کلّ وقت جدة، وعنى بالآداب -هاهنا- آداب الشرع الَّتی هی مکارم الأخلاق"[33]. والمحصّل من کلامه: أنّ الشخص کما یتزیّن بالحلل یتزیّن کذلک بالآداب؛ مثل: العلم، وما یتبعه من حسن المجاورة، والمعاشرة، وأمثالهما.

فحسن الخلق والأدب مع الآخرین -مهما کان الطرف الآخر؛ سواء أشترکت معه فی الدین، أو المذهب، أو الإنسانیّة، أم لم تشترک- هو دلیل على رزانة العقل وبُعد النظر. وأمّا عکس ذلک فهو دلیل على الحمق ونقصان العقل.

وعلیه، فإنّنا نوجّه دعوة صادقة إلى المؤسّسات التعلیمیّة الدینیّة والأکادیمیّة والباحثین المتخصّصین نحو القراءة الأصیلة لهذه الأصول الاجتماعیّة والتربویّة، والتعاون فی تسییلها فی المناهج والبرامج التعلیمیّة والتربویّة والإعلامیّة؛ لنتمکّن معًا من بناء جیلٍ جدید، وتربیته على أصول التکافل والتعاون والوحدة والمحبّة والمودّة والإیثار والتضحیة، وفهم الاختلاف وترشیده؛ لنبنی مجتمعًا حضاریًّا یشعر بالعزّة والکرامة والترابط الأخویّ، وفق المفهوم القرآنیّ.

والإسلام یرید أن یحکم المجتمع أمن مطلق، ولا یکتفی بأن یکفّ الناس عن ضرب بعضهم بعضَهم الآخر فحسب؛ بل یرید أسمى من ذلک بأن یکونوا آمنین من ألسنتهم؛ بل وأرقى من ذلک بأن یکونوا آمنین من تفکیرهم وظنّهم السیّئ أیضًا، وأن یحسّ کلّ منهم أنّ الآخر لا یرشقه بنبال الاتّهامات فی عقیدته وأفکاره. وهذا الأمن لا یمکن تحقّقه إلّا فی مجتمع رسالیّ مؤمن یمتثل قول النّبی (ص): "إنّ اللَّه حرّم من المسلم: دمه، وماله، وعرضه، وأن یظنّ به السوء"[34].

7. النهی عن التفرّق:

إنّ التفرّق أکبر خطر یهدّد عزّة الجماعة البشریّة، ویذهب بریحها. فقد رکّز الإسلام على هذا المفهوم وحثّ بشدّة على الاعتصام بحبل الله وعدم التفرّق واجتناب التنازع، وکلّ المهتمین بکرامة أمّتهم یحرصون على وحدتها وتراصّ صفوفها. یقول الإمام الخمینی (قده):"... والموضوع التالی یرتبط باتّحاد المسلمین وتوحّدهم، وهو ما یشکّل مضموناً بارزاً آخر فی مناسک الحج. منذ أن دخل الاستعمار الأوروبیّ فی البلدان الإسلامیة کانت التفرقة بین المسلمین من المبادئ الحتمیّة فی سیاسة المستعمرین... متوسّلین بسلاح الطائفیّة تارة، وبالنعرات الإقلیمیّة والقومیّة تارة، وبغیرها أحیاناً، ومع کلّ نداءات المصلحین ودعاة الوحدة، فإنّ مدیّة الأعداء هذه لا تزال تنزل بجسد الأمّة الإسلامیّة مع الأسف ضربات وجراحات؛ من خلال إثارة الاختلافات بین الشیعة والسنّة، والعرب والعجم، والآسیویّین والأفارقة، وتضخیم القومیّات العربیّة والطورانیّة والفارسیّة، وإن ابتدأت على ید الأجانب، فهی الیوم تستمرّ -مع الأسف- على ید أفراد من بیننا، یعبّدون طریق العدو عن سوء فهم أو عن عمالة للأجانب. هذا الانحراف یبلغ من الفظاعة -أحیاناً- أن تنفق بعض حکومات المسلمین أموالاً للتفریق بین المذاهب الإسلامیّة أو الشعوب والأقوام المسلمة، أو أنْ یعلن بعض أنصاف العلماء بصراحة فتوى تکفیر بعض الفرق الإسلامیة ذات الماضی الوضیء فی التاریخ الإسلامیّ. لذلک کلّه یجدر بالشعوب المسلمة أن تتعرّف إلى الدوافع الخبیثة لهذه الأعمال، وأنْ ترى الأیدی التی وراءها... ید الشیطان الأکبر، وأیدی أذنابه، وأن تتصدّى لفضح الخائنین"[35].

 

ثانیاً: ثابتة الوحدة الإسلامیّة فی فکر الإمام الخمینی (قده):

عدّ القرآن الکریم مبدأ الوحدة من الثوابت والأصول الفکریّة للبشر، وجعلها مرتکزًا لمنظومة الأخلاق والقیم التی تشکّل الرابط الأهمّ بین المجتمعات الإنسانیّة. ویتضّح هذا الأمر لمن یلقی نظرة عامّة إلى القرآن الکریم، حیث یجده یخاطب الناس جمیعاً فی کثیر من آیاته: {یا أیها الناس}، {یا بنی آدم}، {والعالمین}، {لیظهره على الدین کله}[36]، ویدعوهم إلى الاعتصام والتلاقی والتوحّد: { کان الناس أمة واحدة فبعث الله النبیین مبشرین ومنذرین وانزل معهم الکتاب بالحق لیحکم بین الناس فیما اختلفوا فیه}[37]، {واذکروا نعمة الله علیکم إذ کنتم أعداء فألف بین قلوبکم فأصبحتم بنعمته إخوانا}[38].

وهو ما أکّدت علیه السنة الشریفة: "لا تختلفوا، فإنّ مَنْ کان قبلکم اختلفوا، فهلکوا"[39]. "

وإذا کان الدین الإسلامیّ قد حرص على الوحدة الإنسانیّة؛ فضلاً عن الوحدة الإسلامیّة بین أبناء هذا الدین، فاهتمّ بتفاصیل العلاقة بین أفراده؛ فضلاً عن الکلیّات والأصول، التی تضمن -فی ما لو أُتبعت- حیاة سعیدة وهادئة لجمیع البشر؛ بل للمخلوقات الحیّة کلّها، فأیّ وحدة تلک التی ینبغی أن تحکم علاقة المسلمین بعضهم ببعضهم الآخر، وترسم معالم علاقة المسلم مع الآخر؟

وتجدر الإشارة إلى أنّ المسلمین لا یعانون مشکلة أو خللاً فی الأسس النظریّة للوحدة...، بل إنّ أهمّ ما تحتاجه وحدة المسلمین؛ مضافاً إلى إزالة القلق من الآخر؛ هو التوافق على منهج علمیّ جادٍ وجریء ومشترک لقراءة المبادئ والأصول التی وقع الاختلاف علیها، وبحثها؛ تمهیداً لنشوء نوع من التعاون المنهجیّ والمعرفیّ الذی لو توافق المسلمون على قبوله، وتحکیمه، لتمکّنوا من حلّ نصف المشکلة. ویبقى القسم الآخر منها على عاتق العلماء والقادة المدعوّین لإغلاق کیاناتهم المذهبیّة الضیّقة لحساب کیان الإسلام الکبیر، واتّخاذ القرارات الجریئة بإعلان الموافقة على مبدإ الوحدة، والسعی العلمیّ إلى مأسستها وتحویلها إلى عنوان للتلاقی والدفاع عن المسلمین، ولحمایة الإسلام ومقدّساته.

وقد اعتبر الإمام الخمینیّ أنّ الوحدة کانت وما تزال العلّة (المحدثة) و(المبقیة) للنظام الإسلامیّ، وأنّ الإسلام والوحدة هما الضمانة الأکیدة لاستمرار المسلمین وبقائهم، حیث یقول سماحته: "إذا أراد المسلمون استعادة عزّتهم وعظمتهم فی صدر الإسلام، فعلیهم التمسّک بالإسلام وبوحدة الکلمة. إنّ الالتزام بمحور الإسلام هو الذی أوجد کلّ تلک القدرة والشجاعة العجیبة"[40].

ولذا، فإنّ آراء الإمام الخمینیّ (قده) الوحدویّة تشکّل مدخلاً مهمّاً من أجل استیعاب فکره السیاسیّ؛ وذلک بسبب المکانة العظیمة التی یشغلها موضوع الوحدة فی فکره. یقول سماحة الإمام (قده): "الوحدة هی تلک التی یدعو إلیها القرآن الکریم؛ وهی نفسها التی حمل لواءها الأئمّة الأطهار (عله)، وکانوا یدعون المسلمین إلیها. وفی الواقع أنّ الدعوة إلى الإسلام تعنی الدعوة إلى الوحدة؛ أی أنْ یجتمع الجمیع تحت رایة الإسلام وکلمته. لکنْ، وکما تعلمون، لم یسمحوا لهذه الوحدة بأن ترى النور"[41].

وفی کلمته التی وجّهها إلى الدول الإسلامیّة أشار سماحته إلى الاعتصام بحبل الله والدین الإسلامیّ؛ باعتباره محور الوحدة، مشیراً -کذلک- إلى التأثیرات الإیجابیّة والبرکات التی تحملها تلک الوحدة؛ بقوله: "لو اتّحدت هذه الأقطار الإسلامیّة التی تملک کلّ شیء، بعضها مع بعض، فلن تکون بحاجة إلى أیّ شیء أو بلد أو قوّة تحت رایة ذلک الاتّحاد، بل إنّ الآخرین سیحتاجون إلى هذه البلدان. لو حافظ المسلمون وحکوماتهم الإسلامیّة على الأواصر الأخویّة التی أمر بها الله -سبحانه وتعالى- فی القرآن الکریم؛ لما تعرّضت (أفغانستان)، ولا فلسطین، ولا البلدان الأخرى إلى الاعتداء والهجوم. لو اتّحدت أیادی وقلوب المسلمین حول کلمة واحدة؛ فما حاجتنا إلى أن نمدّ أیدینا إلى أمیرکا أو الاتّحاد السوفیاتیّ؟ إنّ الإسلام یطالبکم بالوحدة والاعتصام بحبل الله، فلماذا لا تعتصمون بحبل الله؛ بدلاً من أن یتعلّق کلّ منکم بأذیال الغرب أو الشرق؟!"[42].

ویرى الإمام الخمینیّ (قده) الشیطان عاملاً آخر من عوامل الاختلاف والفُرقة، حیث یقول: "عندما یصدر الاختلاف عن أیّ شخص أو على لسان أیّ مخلوق؛ فإنّما یصدر ذلک على لسان الشیطان نفسه؛ سواء أکان الناطق بذلک الاختلاف رجل دین، أم شخصاً مقدّساً، أو أحد المصلّین، أو أیّ لسان آخر، واعلموا أنّ هذا إنّما هو لسان الشیطان، وقد لا یکون المتحدّث أحیاناً واعیاً لهذا الأمر، بل واقعاً تحت تأثیر الشیطان أو لسانه؛ وهو الذی یدفعه إلى القیام بتلک الأفعال"[43].

وقد أشار الإمام الخمینی (قده) إلى أُولى السُّور وأُولى الآیات الشریفة التی نزلت على النبیّ الکریم (ص) بعد البعثة؛ ومنها قوله تعالى: {کَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَیَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}[44]؛ موضّحاً أنّ الاختلاف إنّما هو بسبب طغیان الإنسان، فـ"جمیع الاختلافات الموجودة سببها أنّ الأساس لم تتمّ تزکیته وتنقیته بعد، فالغایة من البعثة هی تزکیة الناس؛ لکی یتمکّنوا من خلالها تعلّم الحکمة والقرآن الکریم والکتاب، فعندما تتمّ تزکیتهم؛ فلن یکون هناک أیّ إمکان للطغیان"[45].

 

ثالثاً: سُبُل الوحدة ودعائمها فی فکر الإمام الخمینیّ (قده):

تتّفق المذاهب الإسلامیة جمیعاً حول کثیر من المسائل، وما یجمعها هو أکثر ممّا یُفرّقها، ولو أرادت الاجتماع حول ما یَجمع؛ لوجدت نفسها أقوى الأمم على الإطلاق. ولکنّ القوى المستکبرة والمستعمرة تعمل على إثارة نقاط الخلاف فی ما بینها، وتسخّر له کثیراً من الوسائل الدعائیّة والإعلامیّة، والأبواق والأقلام المأجورة؛ بهدف إضعاف المسلمین وتمزیق وحدتهم. فلماذا نترک هذا الکمّ الهائل من عناصر الوحدة والاعتصام، ونتلهّى بتفاصیلنا الصغیرة؟ فبدلاً من أن نکون الأمّة الأکثر تماسکاً، إذ بنا نصیر بسبب هذا الاختلاف أمماً متفرّقة متصارعة فی ما بینها.

یقول الإمام الخمینی (قدّس سرّه) عن وسائل الإعلام التی تروّج للمسائل الخلافیة بین المذاهب الإسلامیّة: "إنّهم یحاولون عبثاً زرع الفرقة. إنّ المسلمین إخوة فی ما بینهم ولا یتفرّقون من خلال الإعلام السیّئ لبعض العناصر الفاسدة. أصل هذه المسألة -وهی الشیعة والسنّة- أنّ السنّة فی طرف، والشیعة فی طرف آخر، وقد وقع هذا بسبب الجهل والإعلام الذی یمارسه الأجانب، مثلما نلاحظ بین الشیعة أنفسهم وجود أشخاص مختلفین فی ما بینهم، یحارب أحدهم الآخر، ووقوف طائفة ضدّ أخرى بین الإخوة أنفسهم من أهل السنّة. جمیع طوائف المسلمین تواجه الیوم قوى شیطانیّة ترید اقتلاع جذور الإسلام؛ هذه القوى التی أدرکت أنّ الشیء الذی یهدّدها هو الإسلام، وأنّ الشیء الذی یهدّدها هو وحدة الشعوب الإسلامیّة. على جمیع المسلمین فی جمیع بلدان العالم أنْ یتّحدوا الیوم فی ما بینهم، لا أن تقف طائفة هنا وتطرح نفسها، وتقف طائفة أخرى فی مکان آخر وتطرح نفسها أیضاً"[46].

وقد أشار الإمام الخمینی (قده) إلى سُبُل الوحدة ودعائمها التی یمکن للمسلمین استثمارها بشکل کبیر لتعزیز وحدتهم وصیانتها، أبرزها ما یلی: 

1ـ الحجّ والوحدة الإسلامیة:

یقول الإمام الخمینی (قده): "الحجّ هو تنظیم وتدریب وتأسیس لهذه الحیاة التوحیدیّة. والحجّ هو میدان تجلّی عظمة طاقات المسلمین واختبار قواهم المادّیّة والمعنویّة. والحجّ؛ کالقرآن، ینتفع منه الجمیع. ولکنّ العلماء والمتبحّرین والعارفین بآلام الأمّة الإسلامیّة، إذا فتحوا قلوبهم لبحر معارفه، ولم یرهبوا الغوص والتعمّق فی أحکامه وسیاساته الاجتماعیّة، فسیصطادون من أصداف هذا البحر جواهر الهدایة، والوعی، والحکمة، والرشاد، والتحرّر، وسیرتوون من زلال الحکمة والمعرفة إلى الأبد"[47].

فالحجّ فریضة إلهیّة لها أبعاد توحیدیّة کبیرة، وهی مؤتمر کبیر یجمع المسلمین من الأقطار کلّها؛ بحیث لا تقدر أیّ دولة فی العالم أن تنظّم مؤتمراً حاشداً کهذا، یوحّد بین أصحاب المذاهب المختلفة فی مناسک متّحدة، نحو قبلة واحدة، وبیت واحد، فی طاعة إله واحد؛ مستنّین بسنّة الرسول الأکرم (ص). وفی هذا الصدد یقول الإمام الخمینی (قده):  "والآن وبینما یتوجّه مسلمو الدول المختلفة فی العالم إلى کعبة الآمال، وحجّ بیت الله الحرام، وإقامة هذه الفریضة الإلهیّة العظیمة والمؤتمر الإسلامیّ الکبیر، فی أیام مبارکة، ومکان مبارک، فإنّه یجب على المسلمین المبعوثین من قِبَل الخالق تعالى أنْ یستفیدوا من المحتوى السیاسیّ والاجتماعیّ للحجّ؛ مضافاً إلى محتواه العبادیّ، وأن لا یکتفوا بالظاهر؛ فالجمیع یعلم أنّ أیّ مسؤول وأیّة دولة لا یمکنها إقامة مثل هذا المؤتمر العظیم، وهذه هی أوامر الباری جلّ وعلا التی أدّت إلى انعقاد هذا المؤتمر. ومع الأسف، فإنّ المسلمین على طول التاریخ لم یتمکّنوا من الاستفادة بشکل جیّد من هذه القوّة السماویّة والمؤتمر العظیم لصالح الإسلام والمسلمین!"[48].

ولأجل ما یتضمّن الحجّ من قدرة على التوحید بین المسلمین؛ علینا أنْ نسعى بطاقاتنا کلّها لاستثمار هذه الفرصة التی تمرّ علینا مرّة واحدة فی کلّ عام؛ لتوحید المسلمین، وتحدید الخطر الذی یواجههم جمیعاً للتعاضد والتکاتف فی مواجهته. وهذا ما أکّد علیه الإمام الخمینی (قده) بقوله: "ومن جملة الوظائف فی هذا الاجتماع العظیم دعوة الناس والشعوب الإسلامیّة إلى وحدة الکلمة، وإزالة الاختلافات بین طبقات المسلمین. ویجب على الخطباء والکتّاب المساهمة فی هذا الأمر المهمّ، وبذل الجهد؛ من أجل إیجاد جبهة المستضعفین، فیمکن من خلال وحدة الجبهة، واتّحاد الکلمة، وشعار لا إله إلا الله، التخلّص من أسر القوى الشیطانیّة للأجانب والمستعمرین والمستغلّین، والتغلّب على المشاکل؛ من خلال الأخوّة الإسلامیّة"[49].

کما إنّ الأبعاد السیاسیّة لمناسک الحجّ لا تکاد تخفى، وقد سُمّی الحجّ بالحجّ السیاسیّ العبادیّ، وکُتبت فیه مؤلّفات عدّة تعالج الأبعاد السیاسیّة لهذا المؤتمر الإلهیّ الکبیر.

یقول الإمام (قده): "وثمّة أبعاد سیاسیّة عدیدة فی الاجتماعات، والجماعات والجمعة؛ وخاصّة اجتماع الحجّ الثمین؛ منها: الاطّلاع على مشاکل الإسلام والمسلمین الأساسیّة والسیاسیة، فیمکن من خلال اجتماع العلماء والمثقّفین والمتدیّنین الزائرین لبیت الله الحرام، طرحها ودراستها وإیجاد الحلول لها، وتقدیم تلک الحلول لدى العودة إلى البلدان الإسلامیّة، فی الاجتماعات العامّة، وبذل الجهد لرفعها"[50].

2. معرفة العدوّ المشترک للمسلمین والمستضعفین:

لا شکّ فی أنّ وحدة العدو الذی یواجهه المسلمون تُعدّ من أهمّ المسائل التی تلزمُنا بالاتّحاد ونفی الاختلاف، فوحدة العدوّ تطال الأمّة المتشرذمة بشکل أفضل؛ کما نراه الیوم فی الحروب التی یقوم بها الاستکبار العالمیّ على البلدان الإسلامیّة؛ محاولاً الاستفراد بکلّ بلد منه على حدة، ثمّ ینتقل منه إلى آخر، فإذا اتّحدت الأمّة وکانت صفّاً واحداً شکّلت بذلک سدّاً منیعاً یخلق الرعب فی نفوس الأعداء. یقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفّاً کَأَنَّهُمْ بُنْیَانٌ مَرْصُوصٌ}[51]. وقد أکّد الإمام الخمینی (قده) على هذه المسألة فی کثیرٍ من خطاباته للعالم الإسلامیّ، حیث یقول: "فی مرحلة هجوم القوى الکبرى على البلدان الإسلامیّة؛ مثل: قتل المسلمین الأفغانیّین دون رحمة وبوحشیة لمعارضتهم تدخّل الأجنبی فی مقدّراتهم، أو أمریکا الضالعة فی کلّ فساد، ومع الهجوم الشامل (الذی تشنّه) إسرائیل المجرمة على المسلمین فی فلسطین ولبنان العزیز، ومع (تنفیذ) المشروع الإسرائیلیّ الإجرامیّ الرامی إلى نقل عاصمتها إلى بیت المقدس، وتوسیع جرائمها ومذابحها الوحشیّة بین المسلمین المشرّدین من أوطانهم، وفی هذا الوقت الذی یحتاج فیه المسلمون أکثر من أیّ وقت آخر إلى وحدة الکلمة، (فإنّ) عملاء قوى الاستکبار فی مرکز القوّة فی بلاد المسلمین، (یدعون) إلى التفرقة بین المسلمین، ولا یألون جهداً فی أن یرتکبوا على هذا الطریق کلّ جریمة یأمر بها سیّدهم"[52].

وقد وجّه الإمام الخمینیّ (قده) نداءات کثیرة إلى المسلمین لتنبیههم وتحذیرهم من العدوّ المشترک الذی یواجههم، ودعاهم إلى الاتّحاد وأن یقفوا سدّاً منیعاً أمام أطماعه، ومن هذه النداءات قوله: "أیّها البحر العظیم من المسلمین! اهدروا، وحطّموا أعداء الإنسانیّة، فإن اتّجهتم إلى الله والتزمتم بتعالیم السماء، فالله تعالى وجنده العظام معکم. إنّ أهمّ وأمضّ مسألة تعانی منها الشعوب الإسلامیّة وغیر الإسلامیة فی البلدان الخاضعة، هی مسألة أمریکا. الحکومة الأمریکیّة؛ باعتبارها (حکومة) أقوى بلد فی العالم لا تألو جهداً فی ابتلاع المزید من الذخائر المادّیّة للبلدان الخاضعة. أمریکا العدوّ الأوّل للشعوب المحرومة والمستضعفة فی العالم. أمریکا لا تتردّد فی ارتکاب أیّة جریمة من أجل فرض سیطرتها السیاسیّة والاقتصادیّة والثقافیّة والعسکریّة على العالم الخاضع لها. إنّها تستثمر الشعوب المظلومة فی العالم بدعایاتها الواسعة التی تدبلجها الصهیونیّة العالمیّة. إنّها ورموزها المشبوهة الخائنة تمصّ دماء الشعوب المقهورة، حتّى کأنّ حقّ الحیاة خاصّ بها وبأتباعها. أیّها المسلمون المتضرّعون (إلى الله) جوار بیت الله، ادعوا للصامدین أمام أمریکا وسائر القوى الکبرى"[53].

ویقول (قده) -أیضاً- فی نداءٍ آخر للمسلمین الحجّاج: "إنّ شرط تحقّق الآمال الفطریّة والإنسانیّة فی جمیع المناسک والمواقف هو اجتماع جمیع المسلمین فی هذه المراحل والمواقف، ووحدة کلمة جمیع الطوائف الإسلامیّة دون أنْ تفرّق بینهم اللغة، واللون، والقبیلة، والطائفة، والوطن، والعصبیّات الجاهلیة، وشرط ذلک النهوض المنسجم بوجه العدوّ المشترک... وهو عدّو الإسلام العزیز، هذا العدوّ تلقّى فی عصرنا صفعة من الإسلام، ولذلک یرى الإسلام سدًّا أمام أطماعه، ویسعى عن طریق بثّ التفرقة والنفاق إلى أنْ یزیل هذا المانع المحسوس من طریقه، ویحرّک عملاءه، وعلى رأسهم رجال الدین الحسّاد الدنیویّون المتملّقون على أعتاب السلطان؛ کی ینفّذوا أهدافه فی کلّ مکان، وفی مختلف الأوقات؛ وخاصّة فی موسم الحجّ والاجتماعات المقدّسة. على المسلمین المجتمعین فی مواقف هذه العبادة الرامیة إلى تجمیع المسلمین من جمیع أرجاء الأرض؛ لیشهدوا منافع لجمیع المستضعفین فی العالم، وأیّ منافع أعظم من قطع ید الطامعین عن البلدان الإسلامیّة؟ علیهم أنْ یراقبوا بحذر الأعمال المعادیة للإسلام والقرآن الصادرة عن هؤلاء العملاء الخبثاء ورجال الدین المفرِّقین، وعلیهم أنْ یطردوا الذین لا یقبلون النصیحة منهم، وأن لا یعیروا أهمّیّة للإسلام ولمصالح المسلمین، فهؤلاء أفظع من الطواغیت وأخبث منهم"[54].

3ـ عدم هجر القرآن الکریم:

کانت دعوة الإمام الخمینیّ (قده) الدائمة للمسلمین أن لا یُهجر القرآن بین ظهرانیهم، حیث یعتبر الإمام الخمینیّ (قده) مشکلة المسلمین الکبرى فی هجرهم لهذا الکتاب الإلهی العظیم الذی یتضمّن الهدایة للبشر جمیعاً، حیث یقول: "إنّ مشکلة المسلمین الکبرى تتمثّل فی هجرهم القرآن، والانضواء تحت لواء الآخرین"[55].

وقد دعا (قده) إلى ضرورة العمل بالقرآن وتحکیمه فی الحیاة، حیث یقول: "المهم هو أنْ یعمل المسلمون بالإسلام والقرآن، فالإسلام ینطوی على جمیع المسائل المرتبطة بحیاة البشر فی الدنیا والآخرة، وفیه کلّ ما یرتبط بتکامل الإنسان وتربیته وقیمه"[56].

4ـ شخصیّة الرسول الأکرم (ص) تجمع المسلمین:

إنّ رسول الإسلام وخاتم النبیّین (ص) شخصیّة تجمع المسلمین بکافّة مللهم وأعراقهم، فهو رسولهم جمیعاً، وکلّهم متّفقون على أنّه القائد الأوّل والملهم، والقدوة، والرجل الإلهیّ الأکمل، وأنّه دعا إلى أن یکون المسلمون یداً واحدة فی مواجهة أعدائهم وقوى الشرّ الطامعة. وهذا ما بیّنه الإمام الخمینیّ (قده) فی کثیر من خطاباته، حیث یقول: "أراد رسول الإسلام أنْ یحقّق وحدة الکلمة فی العالم کلّه، أراد إخضاع جمیع بلدان العالم لکلمة التوحید، أراد أن یخضع الربع المسکون بکامله لکلمة التوحید، بید أنّ أغراض سلاطین تلک الفترة من جهة، وأغراض علماء النصارى والیهود وأمثالهم من جهة أخرى، منعته من تحقیق ذلک، والآن فإنّهم یمنعون ذلک -أیضاً-، وإنّ مصائبنا الآن هی بسببهم"[57].

فدعوة الرسول الأکرم (ص) هی دعوة لنا جمیعاً لنبذ خلافاتنا، ولا یوجد أفضل من کلمة التوحید التی زرعها فی نفوسنا کلمة باقیة خالدة لتوحّدنا.

5. رسالة علماء الدین:

لم یغِبْ ذِکْر أهمّیّة الخطاب الدینیّ لإرساء الوحدة الإسلامیّة عن کلمات الإمام الراحل (قده)، فهو یرى الدعوة إلى الوحدة جزءاً أساساً من رسالة علماء الدِّین التبلیغیّة، حیث یقول: "یجب أن ینتفض العلماء فی سائر أنحاء العالم، وخاصّة علماء الإسلام ومفکّروه العظام، وأنْ یکونوا قلباً واحداً، وفی اتّجاه واحد فی طریق إنقاذ البشریّة من سیطرة السلطة الظالمة لهذه الأقلّیّة المحتالة والمتواطئة التی فرضت سلطتها على العالم، من خلال مختلف الدسائس والحیل، وأن یزیلوا ببیانهم وقلمهم وعملهم ذلک الخوف الکاذب المسیطر على المظلومین"[58].

6. مسؤولیة قادة البلدان الإسلامیّة فی سبیل الوحدة:

یرى الإمام الخمینیّ (قده) أنّ ثمّة مسؤولیّة کبرى تلقى على عاتق رؤساء البلدان الإسلامیّة فی سبیل الوصول إلى اتّحاد کلمة المسلمین، حیث یقول: "إنّ تکلیف رؤساء الإسلام الآن، وسلاطین الإسلام، ورؤساء الجمهوریّات الإسلامیّة، هو أن یضعوا هذه الاختلافات البسیطة الموسمیّة جانباً، فلا یوجد عرب وعجم، ولا تُرْک وفُرْس، بل هناک الإسلام؛ کلمة الإسلام. یجب علیهم أن یتّبعوا رسول الإسلام فی طریقته فی المواجهة والصراع، وأن یکونوا تبعاً للإسلام. إنّهم إذا حافظوا على وحدة کلمتهم، إذا وضعوا هذه الاختلافات الموسمیّة البسیطة جانباً، إذا کانوا جمیعاً یداً واحدة... وقاموا بحمایة حدودهم، واشترکوا جمیعاً فی کلمة التوحید المشترکة بین الجمیع، ... ووحّدوا کلمتهم، فإذا وحّد هؤلاء کلمتهم، فإنّ الیهود لن یعودوا لیطمعوا فی فلسطین، فسبب هذه الأمور أنّهم لا یسمحون لکم بالاتّحاد"[59]

 

خاتمة:

بناءً على ما تقدّم فی هذه المقالة، یمکن إیجاز جملة من التوصیات المنبثقة من الطرح الوحدویّ فی فکر الإمام الخمینی (قده)، أبرزها:

- إنّ وحدة المسلمین بشرائحهم کافّة، أمر فی غایة الأهمّیّة، بل هی الأساس فی أیّ تقدّم یُحرزه المسلمون، وهی الأساس لاسترجاع حقوقهم المهدورة، وهی السدّ المنیع أمام استقواء المستکبرین علیهم. فمن هذا المنطلق، لو التفت المسلمون إلى هذه النصائح الملهمة من هذا الإمام الراحل (قده)؛ لوجدوا فیها روح التوحید، والحرص على أمر المسلمین ومقدّساتهم.

- ضرورة عدم الغفلة عن القرآن الکریم الذی یصدح بنا لیل نهار لنبذ الخلاف، وتوحید الکلمة، والسعی الدائم إلى لمّ الشمل؛ لکی لا نفشل وتذهب ریحنا.

- عدم ترک أیّ فرصة یمکن أن تجمع المسلمین على الکلمة السواء، من دون استثمار عملیّ لها، ولاسیّما المناسبات التوحیدیّة؛ کشهر رمضان، ویوم القدس، وأسبوع الوحدة الإسلامیّة فی شهر ربیع الأوّل، وأیّام الحجّ المبارکة، وعدم الغفلة عن العدوّ المتربّص بنا الدوائر.

- إنّ مختلف عناوین الوحدة وأشکالها وصورها القائمة على المجاملات -التی لا تتعدّى حدود الألفاظ والشکلیّات- لا یمکن لها أن تحقّق أدنى غایاتها، ولو کانت بأفضل صورها وأجملها وأرقاها، ولیست هی التی یطمح إلیها المسلمون الحریصون على قدسیّة الإسلام، ومصالح بنیه، وحفظ ثوابته العقدیّة والفکریّة. ولهذا، فإنّ الوحدة المرجوّة هی تلک الوحدة المرتکزة على الأصول الوحدویّة للبشر التی ذکرها القرآن الکریم؛ مضافاً إلى الأصول والفروع التی بُنِیَت علیها الشریعة الإسلامیّة، وکُلِّف بها الناس، والتی من المفترض أن تقضی على ظاهرة التفرقة، والتباین، والتکفیر، ونحوها، وأن تزیل جمیع المعیقات المصطنعة أو المدسوسة أو المنحرفة التی تمنع تلاقی المسلمین ووحدتهم.

 


[1] رئیس التحریر، وأستاذ فی جامعة المصطفى (ص) العالمیّة، من لبنان.

[2] سورة الحجرات، الآیة 10.

[3] سورة الحجرات، الآیة 10.

[4] الکلینی، محمد بن یعقوب: الکافی، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، ط4، طهران، دار الکتب الإسلامیّة، 1365هـ.ش، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب أخوّة المؤمنین بعضهم لبعض، ح4، ص166.

[5] م.ن، ح3.

[6] الحرانی، ابن شعبة: تحف العقول عن آل الرسول (ص)، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، 1404هـ.ق/ 1363هـ.ش، ص263.

[7] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب الحبّ فی الله والبغض فی الله،ح2، ص125.

[8] سورة البقرة، الآیة 215.

[9] سورة البقرة، الآیة 195.

[10] سورة التوبة، الآیة 34.

[11] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب العشرة، باب حقّ الدار، ح14، ص668.

[12] سورة الحجرات، الآیة 10.

[13] سورة الإسراء، الآیة 31.

[14] سورة الحشر، الآیتان 8-9.

[15] سورة الحجرات، الآیة 13.

[16] الهیثمی، علی بن أبی بکر بن سلیمان: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لا ط، بیروت، دار الکتب العلمیّة، 1408هـ.ق/ 1988م، ج5، ص222.

[17] المتقی الهندی، علی بن حسام الدین: کنز العمّال، ضبط وتفسیر: بکری حیانی، تصحیح وفهرسة: صفوة السقا، لا ط، بیروت، مؤسّسة الرسالة، 1409هـ.ق/ 1989م، ج1، ص207.

[18] سورة الفتح، الآیة 26.

[19] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب العصبیّة، ح1، ص307.

[20] م.ن، ح7، ص308.

[21] سورة الحجرات، الآیة 13.

[22] انظر: الغزالی، محمد: خُلقُ المسلم، ط13، دمشق، دار القلم، 1418هـ.ق/ 1998م، ص197.

[23] المتّقی الهندی، کنز العمال، م.س، ج1، ح686، ص142.

[24] سورة المائدة، الآیة 2.

[25] العلویّ، محمد بن الحسین بن موسى (الشریف الرضی): نهج البلاغة (الجامع لخطب أمیر المؤمنین الإمام علی بن أبی طالب(ع) ورسائله وحکمه)، شرح: محمد عبده، ط1، دار الذخائر، قم المقدّسة، 1412هــ.ق، ج2، الخطبة146، ص29.

[26] الصدر، محمد باقر: اقتصادنا، ط2، قم المقدّسة، بوستان کتاب، 1425هـ.ق/ 1382هـ.ش، ص310.

[27] سورة إبراهیم، الآیات 24-27.

[28] سورة آل عمران، الآیة 159.

[29] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب الرفق، ح7، ص119.

[30] سورة الممتحنة، الآیتان 8-9.

[31] انظر: الطباطبائی، محمد حسین: المیزان فی تفسیر القرآن، لا ط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، لا ت، ج6، ص258.

[32] الواسطی، علی بن محمد اللیثی: عیون الحکم والمواعظ، تحقیق: حسین الحسینی البیرجندی، ط1، قم المقدّسة، دار الحدیث، لا ت، ص40.

[33] البیهقی، علی بن زید: معارج نهج البلاغة، تحقیق: محمد تقی دانشبجوه، إشراف: محمود المرعشی، ط1، قم المقدّسة، بهمن، 1409هـ.ق، ص399.

[34] الکاشانی، محمد بن المرتضى (الفیض): المحجّة البیضاء فی تهذیب الأحیاء، تحقیق: علی أکبر الغفاری، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، لا ت، ج5، ص368.

[35]  نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجّاج بیت الله الحرام، عام 1413ه.ق.

[36] سورة التوبة، الآیة 33.

[37] سورة البقرة، الآیة 214.

[38] سورة آل عمران، الآیة 10.

[39] المتّقی الهندیّ، کنز العمال، م.س، ج1، ص177.

[40]  الخمینی، روح الله: صحیفة النور، ط1، مؤسّسة تنظیم ونشر تراث الإمام الخمینی (قده)، طهران، 1430هـ.ق/ 2009م، ج8، ص235.

[41]  م.ن، ج16، ص54.

[42]  م.ن، ج15، ص271-272.

[43]  م.ن، ج20، ص12-13.

[44]  سورة العلق، الآیتان 6-7.

[45]  الخمینی، صحیفة النور، م.س، ج14، ص251-256.

[46] م.ن، ص434-435.

[47] الخمینی، منهجیّة الثورة الإسلامیّة (مقتطفات من أفکار الإمام الخمینی (قده) وآرائه)، م.س، ص141.

[48] م.ن، ص141-142.

[49] م.ن، ص142.

[50] الخمینی، منهجیّة الثورة الإسلامیّة (مقتطفات من أفکار الإمام الخمینی (قده) وآرائه)، م.س، ص142.

[51] سورة الصف، الآیة 4.

[52] نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجاج بیت الله الحرام، بتاریخ: 2 ذی الحجّة 1400هـ.ق.

[53] نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجاج بیت الله الحرام، بتاریخ: 2 ذی الحجّة 1400هـ.ق.

[54] نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجاج بیت الله الحرام، بتاریخ: 1 ذی الحجّة 1406هـ.ق.

[55] الخمینی، روح الله: الکلمات القصار (مواعظ وحکم من کلام الإمام الخمینیّ (قده))، ط1، بیروت، دار الوسیلة، 1416هـ.ق/ 1995م، ص51.

[56] م.ن، ص50.

[57] الخمینی، منهجیّة الثورة الإسلامیّة (مقتطفات من أفکار الإمام الخمینی (قده) وآرائه)، م.س، ص427.

[58] م.ن، ص426.

[59] م.ن، ص427-428.
مراجع
[1]سورة الحجرات، الآیة 10.

[1] سورة الحجرات، الآیة 10.

[1] الکلینی، محمد بن یعقوب: الکافی، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، ط4، طهران، دار الکتب الإسلامیّة، 1365هـ.ش، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب أخوّة المؤمنین بعضهم لبعض، ح4، ص166.

[1] م.ن، ح3.

[1] الحرانی، ابن شعبة: تحف العقول عن آل الرسول (ص)، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، 1404هـ.ق/ 1363هـ.ش، ص263.

[1] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب الحبّ فی الله والبغض فی الله،ح2، ص125.

[1] سورة البقرة، الآیة 215.

[1] سورة البقرة، الآیة 195.

[1] سورة التوبة، الآیة 34.

[1] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب العشرة، باب حقّ الدار، ح14، ص668.

[1] سورة الحجرات، الآیة 10.

[1] سورة الإسراء، الآیة 31.

[1] سورة الحشر، الآیتان 8-9.

[1] سورة الحجرات، الآیة 13.

[1] الهیثمی، علی بن أبی بکر بن سلیمان: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لا ط، بیروت، دار الکتب العلمیّة، 1408هـ.ق/ 1988م، ج5، ص222.

[1] المتقی الهندی، علی بن حسام الدین: کنز العمّال، ضبط وتفسیر: بکری حیانی، تصحیح وفهرسة: صفوة السقا، لا ط، بیروت، مؤسّسة الرسالة، 1409هـ.ق/ 1989م، ج1، ص207.

[1] سورة الفتح، الآیة 26.

[1] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب العصبیّة، ح1، ص307.

[1] م.ن، ح7، ص308.

[1] سورة الحجرات، الآیة 13.

[1] انظر: الغزالی، محمد: خُلقُ المسلم، ط13، دمشق، دار القلم، 1418هـ.ق/ 1998م، ص197.

[1] المتّقی الهندی، کنز العمال، م.س، ج1، ح686، ص142.

[1] سورة المائدة، الآیة 2.

[1] العلویّ، محمد بن الحسین بن موسى (الشریف الرضی): نهج البلاغة (الجامع لخطب أمیر المؤمنین الإمام علی بن أبی طالب(ع) ورسائله وحکمه)، شرح: محمد عبده، ط1، دار الذخائر، قم المقدّسة، 1412هــ.ق، ج2، الخطبة146، ص29.

[1] الصدر، محمد باقر: اقتصادنا، ط2، قم المقدّسة، بوستان کتاب، 1425هـ.ق/ 1382هـ.ش، ص310.

[1] سورة إبراهیم، الآیات 24-27.

[1] سورة آل عمران، الآیة 159.

[1] الکلینی، الکافی، م.س، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب الرفق، ح7، ص119.

[1] سورة الممتحنة، الآیتان 8-9.

[1] انظر: الطباطبائی، محمد حسین: المیزان فی تفسیر القرآن، لا ط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، لا ت، ج6، ص258.

[1] الواسطی، علی بن محمد اللیثی: عیون الحکم والمواعظ، تحقیق: حسین الحسینی البیرجندی، ط1، قم المقدّسة، دار الحدیث، لا ت، ص40.

[1] البیهقی، علی بن زید: معارج نهج البلاغة، تحقیق: محمد تقی دانشبجوه، إشراف: محمود المرعشی، ط1، قم المقدّسة، بهمن، 1409هـ.ق، ص399.

[1] الکاشانی، محمد بن المرتضى (الفیض): المحجّة البیضاء فی تهذیب الأحیاء، تحقیق: علی أکبر الغفاری، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامیّ التابعة لجماعة المدرّسین، لا ت، ج5، ص368.

[1] نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجّاج بیت الله الحرام، عام 1413ه.ق.

[1]سورة التوبة، الآیة 33.

[1] سورة البقرة، الآیة 214.

[1] سورة آل عمران، الآیة 10.

[1] المتّقی الهندیّ، کنز العمال، م.س، ج1، ص177.

[1] الخمینی، روح الله: صحیفة النور، ط1، مؤسّسة تنظیم ونشر تراث الإمام الخمینی (قده)، طهران، 1430هـ.ق/ 2009م، ج8، ص235.

[1] م.ن، ج16، ص54.

[1] م.ن، ج15، ص271-272.

[1] م.ن، ج20، ص12-13.

[1] سورة العلق، الآیتان 6-7.

[1] الخمینی، صحیفة النور، م.س، ج14، ص251-256.

[1] م.ن، ص434-435.

[1] الخمینی، منهجیّة الثورة الإسلامیّة (مقتطفات من أفکار الإمام الخمینی (قده) وآرائه)، م.س، ص141.

[1] م.ن، ص141-142.

[1] م.ن، ص142.

[1] الخمینی، منهجیّة الثورة الإسلامیّة (مقتطفات من أفکار الإمام الخمینی (قده) وآرائه)، م.س، ص142.

[1]سورة الصف، الآیة 4.

[1]نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجاج بیت الله الحرام، بتاریخ: 2 ذی الحجّة 1400هـ.ق.

[1]نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجاج بیت الله الحرام، بتاریخ: 2 ذی الحجّة 1400هـ.ق.

[1]نداء من الإمام الخمینی (قده) إلى حجاج بیت الله الحرام، بتاریخ: 1 ذی الحجّة 1406هـ.ق.

[1] الخمینی، روح الله: الکلمات القصار (مواعظ وحکم من کلام الإمام الخمینیّ (قده))، ط1، بیروت، دار الوسیلة، 1416هـ.ق/ 1995م، ص51.

[1]م.ن، ص50.

[1] الخمینی، منهجیّة الثورة الإسلامیّة (مقتطفات من أفکار الإمام الخمینی (قده) وآرائه)، م.س، ص427.

[1] م.ن، ص426.

[1] م.ن، ص427-428.
 

السبت, 23 تشرين1/أكتوير 2021 13:07

النيّة من أهمّ الأعمال القلبية

الفقید الراحل السيد عادل العلوي

 

  إنّ للقلب أعمالٌ كما للجوارح أعمال وأفعال، ومن أعمال القلب الإيمان والإقرار والمعرفة والرضا والتسليم والتوكّل والمحبّة والشفقة والتقوى، وغير ذلك...

ومن أهمّ أعمال القلب النيّة، وهي: القصد إلى الفعل، وإنّها واسطة بين العلم والعمل، فإنّه إذا ما لم يعلم الشيء لم يكن قصده، وما لم يقصد لم يقصد لم يصدر عنه، والسالك العارف لمّا كان غرضه الوصول إلى مقصد معيّن كامل على الإطلاق، وهو الكمال المطلق ومطلق الكمال، أي الله سبحانه وتعالى، فلابدّ من اشتمال العمل على قصد التقرّب به إليه عزّ وجلّ. فيمتثل أمر الله تعالى فيما ندب إليه عباده ووعدهم الأجر عليه، وإنّما يأجرهم على حسب عقولهم وأقدارهم ومنازلهم ونيّاتهم.

وإنّما المقصود من العبادات هو الطاعة لا مجرّد التعبّد وإتيان الطقوس الدينية، والناس يتفاوتون في عباداتهم، فمنهم من يعبد الله طمعاً بجنّته، ومنهم من يعبده خوفاً من ناره، ومنهم من يعبده شكراً وحبّاً له.

فمن عرف الله بجماله وجلاله ولطف فعاله، ومن ثمّ أحبّه وعشقه وإشتاق إليه، وأخلص عبادته له، لكونه أهلاً للعبادة ولمحبّته له، فقد أحبّه الله وأخلصه واجتباه، وقرّبه إلى نفسه وأدناه، قرباً معنوياً، ودُنوّاً روحانياً، كمن قال في حقّ مَن هذه صفته:

(وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) (ص/ 25).

ومن لم يعرف من الله سوى كونه إلهاً صانعاً للعالم قادراً عالماً، وأنّ له جنّة ينعم بها المطيعين، وناراً يعذّب بها العاصين، فعبده ليفوز بجنّته، أو يكون له النجاة من ناره، أدخله الله تعالى بعبادته وطاعته الجنّة وأنجاه من النار، فإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى.

والناس في نيّاتهم في العبادات على أقسام: أدناهم من يكون عمله إجابةً لباعث الخوف، فإنّه يتّقي النار، ومنهم من يعمل إجابةً لباعث الرجاء، فإنّه يرغب في الجنّة، ومنهم من يعبد الله حبّاً وشوقاً لا خوفاً ولا طمعاً.

قال أمير المؤمنين وسيّد الموحّدين عليّ (ع): "ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنّتك، لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك".

عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن حدّ العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤدّياً؟ فقال: "حسن النيّة بالطاعة (طاعة الله وطاعة الإمام (ع)".

عن أبي هاشم قال: قال أبو عبدالله (ع): "إنّما خلّد أهل النار في النار لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبداً، وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أو لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً، فبالنيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء، ثمّ تلا قوله تعالى:

(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) (الإسراء/ 84).

قال: على نيّته".

كان الاستشهاد بالآية الشريفة مبنيّ على أنّ المدار في الأعمال على النيّة التابعة للحالة التي اتّصفت النفس بها من العقائد الصحيحة والفاسدة والأخلاق الحسنة والسيِّئة، فإذا كانت النفس على الصحيحة والحسنة فإنّه بتلك الحالة والشاكلة يعمل الخير في الدنيا لو خلّد فيها فيخلّد في الجنّة، وإذا كانت على الباطلة والسيئة فإنّه يعصي الله فيستحقّ الخلود في النار.

يقول العلّامة المجلسي في كتابه القيّم بحار الأنوار: إنّ النيّة ليست مجرّد قولك عند الصلاة أو الصوم أو التدريس: أُصليّ أو أصوم أو أُدرّس قربةً إلى الله تعالى ملاحظاً معاني هذه الألفاظ بخاطرك ومتصوّراً لها بقلبك، هيهات إنّما هذا تحريك لسان وحديث نفس، وإنّما النيّة المعتبرة انبعاث النفس وميلها وتوجّهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها إمّا عاجلاً وإمّا آجلاً.

وهذا الانبعاث والميل إذا لم يكن حاصلاً لها لا يمكنها اختراعه واكتسابه بمجرّد النطق بتلك الألفاظ، وتصوّر تلك المعاني، وما ذلك إلّا كقول الشبعان أشتهي طعاماً وأميل إليه قاصداً حصول الميل والاشتهاء، وكقول الفارغ أعشق فلاناً وأُحبّه وأنقاد إليه وأُطيعه، بل لا طريق إلى اكتساب صرف القلب إلى الشيء وميله إليه وإقباله عليه إلّا بتحصيل الأسباب الموجبة لذلك الميل والانبعاث واجتناب الأُمور المنافية لذلك المضادّة له، فإنّ النفس إنّما تنبعث إلى الفعل وتقصده وتميل إليه تحصيلاً للغرض الملائم لها بحسب ما يغلب عليها من الصفات.

فإذا غلب على قلب المدرّس مثلاً حبّ الشهرة وإظهار الفضيلة وإقبال الطلبة إليه، فلا يتمكّن من التدريس بنيّة التقرّب إلى الله سبحانه بنشر العلم وإرشاد الجاهلين، بل لا يكون تدريسه إلا لتحصيل تلك المقصاد الواهية والأغراض الفاسدة، وإن قال بلسانه أُدرّسُ قربةً إلى الله، وتصوّر ذلك بقلبه وأثبته في ضميره وما دام لم يقلع تلك الصفات الذميمة من قلبه لا عبرة بنيّته أصلاً.

وكذلك إذا كان قلبك عند نيّة الصلاة منهمكاً في أمور الدنيا والتهالك عليها والانبعاث في طلبها، فلا يتيسّر لك توجيهه بكلّيته وتحصيل الميل الصادق إليها والإقبال الحقيقي عليها، بل يكون دخولك فيها دخول متكلّف لها متبرّم بها، ويكون قولك: أُصلّي قربةً إلى الله، كقول الشبعان أشتهي طعاماً، وقول الفارغ أعشق فلاناً.

والحاصل أنّه لا يحصل لك النيّة الكاملة المعتدّ بها في العبادات من دون ذلك الميل والإقبال، وقمع ما يضادّه من الصوارف والأشغال، وهو لا يتيسّر إلا إذا صرفت قلبك عن الأُمور الدنيوية، وطهّرت قلبك عن الصفات الذميمة الدنيّة، وقطعت نظرك عن حظوظك العاجلة بالكليّة[1].

فالمراد بالنيّة تأثّر القلب عند العمل وانقياده إلى الطاعة وإقباله على الآخرة وانصرافه عن الدنيا، وذلك يشتدّ بشغل الجوارح في الطاعات وكفّها عن المعاصي، فإنّ بين الجوارح والقلب علاقة شديدة يتأثر كلّ منهما بالآخر، كما إذا حصل للأعضاء آفة سرى أثرها إلى القلب فاضطرب، وإذا تألّم القلب بخوف مثلاً سرى أثره إلى الجوارح فارتعدت، والقلب هو الأمير المتبوع والجوارح كالرعايا والأتباع، والمقصود من أعمالها حصول ثمرة للقلب.

فالنيّة أصل العمل وعلّته وهي الباعثة على العمل، فالنيّة روح العمل، والعمل بمثابة البدن لها.

ثمّ إنّ تصحيح النيّة من أشقّ الأعمال وأحمزها، فهي ليست مجرّد تصوّر الغرض والغاية وإخطارها بالبال، بل هي تابعة للحالة التي النفس متّصفة بها، وكمال الأعمال وقبولها وفضلها منوط بها، ولا يتيسّر تصحيحها إلّا بإخراج حبّ الدنيا وفخرها وعزّها من القلب برياضات شاقّة شرعيّة وتفكّرات صحيحة منتجة ومجاهدات كثيرة متواصلة، فإنّ القلب سلطان البدن، وكلّما استولى عليه يتبعه سائر الجوارح، بل هو الحصن الذي كلّ حبّ استولى عليه وتصرّف فيه يستخدم سائر الجوارح والقوى ويحكم عليها، ولا تستقرّ فيه محبّتان غالبتان كما قال الله عزّ وجلّ: يا عيسى، لا يصلح لسانان في فمٍ واحد، ولا قلبان في صدرٍ واحد، وكذلك الأذهان. وقال سبحانه:

(مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (الأحزاب/ 4).

فالدنيا والآخرة ضرّتان – إذا لاحظنا الدنيا على نحو الاستقلال، وإلّا فالدنيا مزرعة الآخرة لو لاحظناها كمقدّمة وثانياً وبالتبع، فتأمّل – لا يجتمع حبّهما في قلب، فمن استولى على قلبه حبّ المال لا يذهب فكره وخياله وقواه وجوارحه إلّا إليه ولا يعمل عملاً إلا ومقصوده الحقيقي فيه تحصيله، وإن ادّعى غيره كان كاذباً، ولذا يطلب الأعمال التي وعد فيها كثرة المال ولا يتوجّه إلى الطاعات التي وعد فيها قرب ذي الجلال، وكذا من استولى عليه حبّ الجاه ليس مقصوده في أعماله إلّا ما يوجب حصوله، وكذا سائر الأغراض الباطلة الدنيوية، فلا يخلص العمل لله سبحانه وللآخرة إلّا بإخراج حبّ هذه الأُمور من القلب، وتصفيته عمّا يوجب البعد عن الحقّ.

فللناس في نيّاتهم مراتب شتّى، بل غير متناهية بحسب حالاتهم، فمنها ما يوجب فساد العمل وبطلانه كالرياء والعجب، ومنها ما يوجب صحّته ومنها ما يوجب كماله، ومراتب كماله أيضاً كثيرة[2].

فالنيّة تختلف بحسب الأشخاص والأحوال وبمقدار معرفتهم، ولكلّ منهم نيّة تابعة لشاكلته وطريقته وحالته: (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) (الإسراء/ 84)، أي على نيّته، فلكلّ شخص في كلّ حالة نيّة تتبع تلك الحالة فلها منازل ودرجات.

منها: نيّة من تفكّر وتنبّه في شديد عذاب الله وأليم عقابه، فيأتي بالواجبات ويترك المحرّمات خوفاً من عذابه.

ومنها: نيّة من غلب عليه الشوق إلى ما أعدّ الله للمحسنين في الجنّة من نعيمها وحورها وقصورها، فيعبد الله طمعاً في جنّته، وقد وقع اختلاف بين العلماء الأعلام من العامّة والخاصّة في صحّتهما وصحّة العبادة، والعلّامة المجلسي يرى صحّتها على الأظهر خلافاً للزمخشري من العامة وللسيّد ابن طاووس والشهيد الثاني والعلامة الحلّي حيث يدّعي اتفاق العدلية على أنّ من فعل فعلاً يطلب الثواب أو خوف العقاب، فإنّه لا يستحقّ بذلك ثواباً. والأولى تسمّى عبادة العبيد، والثانية عبادة التجّار والاُجراء.

ومنها: عبادة الشاكرين، نيّة من يعبد الله تعالى شكراً له فإنّ من يرى النعم التي لا تحصى يحكم عقله بأنّ شكر المنعم واجب فيعبده لذلك، كما هو طريقة المتكلّمين، وقد قال أمير المؤمنين علي (ع): "إنّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار"[3].

فإنّ الحرّ تأمره حرّيته أن يشكر المنعم.

قال عليّ بن الحسين (ع): "إنّي أكره أن أعبد الله لأغراض لي ولثوابه، فأكون كالعبد الطمع المطيع إن طمع عمل وإلّا لم يعمل، وأكره أن أعبده لخوف عباده فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل، قيل: فلِمَ تعبده؟ قال: لما هو أهله بأياديه عليّ وإنعامه[4].

ومنها: عبادة المحسنين، بنيّة من يعبده حياءً فإنّه يحكم عقله بحسن الحسنات وقبح السيّئات، ويتذكّر أنّ الربّ جليل مطّلع عليه في جميع أحواله، فيعبده ويترك معاصيه لذلك، وإليه يشير النبيّ (ص): "الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك".

ومنها: عبادة المقرّبين، أن يعبد الله بنيّة التقرّب إليه تشبيهاً للقرب المعنوي بالقرب المكاني، وهذا هو الذي ذكره أكثر الفقهاء، وربما المراد منه إمّا القرب بحسب الدرجة والكمال، فإنّه العبد لإمكانه في غاية النقص عارٍ عن جميع الكمالات، والربّ سبحانه متّصف بجميع الصفات الكمالية، فبينهما غاية البعد، فكلّما رفع عن نفسه شيئاً من النقائص واتّصف بشيء من الكمالات حصل له قرب ما بذلك الجناب جلّ جلاله. أو القرب بحسب التذكّر والمصاحبة المعنوية، فإنّ من كان دائماً في ذكر أحد ومشغولاً بخدماته، فكأنّه معه.

ومنها: عبادة الصدّيقين، أن تكون بنيّة أنّ الله أهلاً للعبادة كما قالها أمير المؤمنين عليّ (ع)، ولا تسمع هذه الدعوى من غير أولياء الله، وإنّما يقبل ممّن يعلم منه أنّه لو لم يكن لله جنّة ولا نار، بل لو كان على فرض المحال يدخل العاصي الجنّة والمطيع النار، لاختار العبادة لكونه أهلاً له، كما أنّهم في الدنيا اختاروا النار لذلك، فجعلها الله عليهم برداً وسلاماً، كما كان ذلك لإبراهيم (ع) خليل الله نبيّه.

ومنها: عبادة المحبّين الكرام، بأن يعبد الله حبّاً له، ودرجة المحبّة أعلى درجات المقرّبين، والمحبّ يختار رضا محبوبه، ولا ينظر إلى ثواب، ولا يحذر من عقاب، وحبّه تعالى إذا استولى على القلب يطهّره عن حبّ ما سواه، ولا يختار في شيء من الأُمور إلّا رضا مولاه ومحبوبه، كما قال الإمام الصادق (ع): "ولكنّي أعبده حبّاً له عزّ وجلّ، فتلك عبادة الكرام، وهو الأمن، لقوله عزّ وجلّ: (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (النمل/ 89)، ولقوله عزّ وجلّ: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران/ 31).

فمن أحبّ الله أحبّه ومن أحبّه الله عزّ وجلّ كان من الآمنين[5].

وقال (ع): "إنّ العباد [ة] ثلاثة: قوم عبدوا الله عزّ وجلّ خوفاً فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأُجراء، وقوم عبدوا الله عزّ وجلّ حبّاً له فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة".

فالقسم الأوّل: عبدوا الله خوفاً من النار والعذاب فهم كالعبيد يطيعون أسيادهم خوفاً منهم، وتحرّزاً من عقوبتهم، والقسم الثاني: فإنّهم كالأجير يعمل للأجر فيعطى له، إلّا أنّ أفضل العبادة أن تكون حبّاً لله أي محبّاً له، والمحبّ يطلب رضا المحبوب، أو يعبده ليصل إلى درجة المحبّين ويفوز بمحبّة ربّ العالمين، والأوّل أظهر، (فتلك عبادة الأحرار) أي الذين تحرّروا من رقّ الشهوات، وخلعوا من رقابهم طوق طاعة النفس الأمّارة بالسوء الطالبة للذات والشهوات، فهم لا يقصدون في عبادتهم شيئاً سوى رضا عالم الأسرار، وتحصيل قرب الكريم الغفّار، ولا ينظرون إلى الجنّة والنار، وكونها أفضل العبادة لا يخفى على أولي الأبصار، وفي صيغة التفضيل دلالة على أنّ كلّاً من الوجهين السابقين أيضاً عبادة صحيحة، ولها فضل في الجملة، فهو حجّة على من قال ببطلان عبادة من قصد التحرّز عن العقاب أو الفوز بالثواب[6].

وقال (ع): "صاحب النيّة الصادقة صاحب القلب السليم، لأنّ سلامة القلب من هاجس المحذورات بتخليص النيّة لله في الأُمور كلّها". قال الله عزّ وجلّ:

(يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء/ 88-89).

وقال النبيّ (ص): "نيّة المؤمن خيرٌ من عمله".

وقال (ع): "إنّما الأعمال بالنيّات ولكلّ امرئٍ ما نوى".

ولابدّ للعبد من خالص النيّة في كلّ حركة وسكون، لأنّه إذا لم يكن هذا المعنى يكون غافلاً، والغافلون قد وصفهم الله تعالى فقال:

(إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا) (الفرقان/ 44).

وقال:

(أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف/ 179).

ثمّ النيّة تبدو من القلب على قدر صفاء المعرفة، ويختلف على حسب اختلاف الأوقات في معنى قوّته وضعفه، وصاحب النيّة الخالصة نفسه وهواه مقهورتان تحت سلطان تعظيم الله والحياء منه، وهو من طبعه وشهوته ومنيته، نفسه منه في تعب والناس منه في راحة[7].

قال الإمام محمد بن عليّ الباقر (ع): "لا يكون العبد عابداً لله حقّ عبادته حتى ينقطع عن الخلق كلّه إليه، فحينئذٍ يقول: هذا خالص لي، فيتقبّله بكرمه".

وعلينا أن نسأل الله ذلك كما ورد في المناجاة الشعبانية: "وهب لي كمال الانقطاع إليك".

قال رسول الله (ص): "يا أيّها الناس إنّما هو الله والشيطان والحقّ والباطل والهدى والضلال والرشد والغيّ والعاجلة والعاقبة والحسنات والسيِّئات، فما كان من حسنات فللّه، ومن كان من سيِّئات فللشيطان"[8].

عن أبي عبدالله (ع) في قول الله عزّ وجلّ: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) (هود/ 7)، قال: "ليس يعني أكثرهم عملاً ولكن أصوبكم عملاً، وإنّما الإصابة خشية الله والنيّة الصادقة الحسنة، ثمّ قال: الإبقاء على العمل حتّى يخلص أشدّ من العمل والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلّا الله عزّ وجلّ، والنية أفضل من العمل، ألا وإنّ النيّة هي العمل، ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) (الإسراء/ 84)، يعني على نيّته"[9].

فالعمدة في قبول العمل بعد رعاية أجزاء العبادة وشرائطها المختصّة، وهي: النيّة الخالصة الصادقة والاجتناب عن المعاصي، كما قال الله تعالى:

(فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف/ 110).

وقال سبحانه:

(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة/ 27).

قال الشيخ البهائي: المراد بالنيّة الصادقة انبعاث القلب نحو الطاعة غير ملحوظ فيه شيء سوى وجه الله سبحانه، لا كمن يعتق عبده مثلاً ملاحظاً مع القربة الخلاص من مؤونته أو سوء خلقه، أو يتصدّق بحضور الناس لغرض الثواب والثناء معاً، بحيث لو كان منفرداً لم يبعثه مجرّد الثواب على الصدقة، وإن كان يعلم من نفسه أنّه لولا الرغبة في الثواب لم يبعثه مجرّد الرياء على الإعطاء. ولا كمن له وِردٌ في الصلاة وعادة في الصدقات، واتّفق أن حضر في وقتها جماعة، فصار الفعل أخفّ عليه و(الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (القيامة/ 14)، وحصل له نشاط ما بسبب مشاهدتهم وإن كان يعلم من نفسه أنّهم لو لم يحضروا أيضاً لم يكن يترك العمل أو يفتر عنه قطعاً.

فأمثال هذه الأمور ممّا يخلّ بصدق النيّة. وبالجملة فكلّ عمل قصدت به القربة وانضاف إليه حظّ من حظوظ الدنيا بحيث تركّب الباعث عليه من ديني ونفسي، فنيّتك فيه غير صادقة، سواء كان الباعث الديني أقوى من الباعث النفسي أو أضعف أو مساوياً[10]. انتهى كلامه.

فعلينا أن نجاهد بكلّ ما في وسعنا وطاقتنا من تصحيح النيّة، فإنّها أصعب من تصحيح العمل بمراتب شتّى، فإنّه ليس المراد بالنيّة – كما علم – ما يتكلّم به الإنسان عند الفعل أو يتصوّره ويخطر بباله، بل هو الباعث الأصلي والغرض الواقعي الداعي للإنسان على الفعل وهو تابع للحالة التي عليها الإنسان، والطريقة التي يسلكها، فمن غلب عليه حبّ الدنيا وشهواتها لا يمكنه قصد القربة وإخلاص النيّة عن دواعيها، فإنّه نفسه متوجّهة إلى الدنيا وهمّته مقصورة عليها، فما لم يقلع عن قلبه عروق حبّ الدنيا وجذورها، ولم يستقرّ فيه طلب الآخرة وحبّ الله سبحانه لم يمكنه إخلاص النيّة واقعاً عن تلك الأغراض الدنيّة والرذيلة، وذلك متوقّف على مجاهدات عظيمة ورياضات طويلة وتفكّرات صحيحة واعتزال عن شرار الخلق، ولهذا ورد أنّ "نيّة المؤمن خير من عمله" والنيّة أفضل من العمل والسعي في تصحيحها أهمّ وأعظم:

(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت/ 69).

قال أمير المؤمنين عليّ (ع): "الدنيا كلّها جهل إلّا مواضع العلم، والعلم كلّه حجّة إلّا ما عمل به، والعمل كلّه رياء إلا ما كان مخلصاً، والإخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له"[11].

قال رسول الله (ص): "إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم، وإنّما ينظر إلى قلوبكم"[12].

وقال (ص): "إنّ أولى الناس أن يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأُتي به فعرّفه نِعَمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت وكلّنك قاتلت ليقال: جريء، فقد قيل ذلك، ثمّ أُمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلّم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلّمت العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنّك تعلّمت ليقال: عالم، وقرأت ليقال: قارئ القرآن فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار".

وقال (ص): "إنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى أمر دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

وقال: "نيّة المؤمن خيرٌ من عمله، وفي لفظ آخر: أبلغ من عمله".

وقال: "إنّما يبعث الناس على نيّاتهم". وقال (ص) مخبراً عن جبرئيل عن الله عزّ وجلّ أنّه قال: "الإخلاص سرّ من أسراري، استودعته قلب من أحببت من عبادي".

وهذا يعني أنّ لله ودائع خاصّة في قلوب الخواصّ من عباده وهم الذين أحبّهم الله تعالى، وإنّما سبحانه بحبّ المتّقين والمتطهّرين والتائبين والمحسنين كما في آياته الكريمة، فتدبّر.

وقال (ع): "من أخلص لله أربعين يوماً، فجّر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه".

وعن الإمام الصادق (ع)، قال: "ما أنعم الله عزّ وجلّ على عبدٍ أجلّ من أن لا يكون في قلبه مع الله عزّ وجلّ غيره"[13].

هذا وإنّ القرآن الكريم كتاب الله الحكيم يهدي للتي هي أقوم، قد مدح قلوباً وذمّ قلوباً، ونسعى ليكون قلبنا بلطف من الله سبحانه من القلوب الممدوحة والصالحة، والله الموفّق والمستعان.

 

الهوامش:


[1]- البحار 67: 188. [2]- البحار 67: 194. [3]- البحار 67: 196. [4]- المصدر نفسه: 198. [5]- البحار 67: 198. [6]- الشعراء: 88-89. [7]- البحار 67: 210. [8]- المصدر نفسه: 228. [9]- البحار 67: 230. [10]- البحار 67: 232. [11]- البحار 67: 242. [12]- المصدر نفسه: 248.

[13]- البحار 67: 249، عن كتاب منية المريد للشهيد الثاني.

المصدر: كتاب حقيقة القلوب في القرآن الكريم

السبت, 23 تشرين1/أكتوير 2021 13:06

الشخصية الوحدوية

 العلّامة الراحل السيِّد محمّد حسين فضل الله

يركِّز الإسلام في أخلاقياته، في علاقة المسلم بالله وبالناس وبالحياة كلّها وبالقيادات الشرعية، على النصيحة، وهي أن يبذل الإنسان كلّ جهده ليقدِّم النصيحة التي ترفع مستواه، وتربطه بالله وبسلامة المصير، وتُبعده عن كلّ ما يُسقط إنسانيته ويبتعد به عن الخطّ المستقيم. وقد كان شعار الأنبياء لشعوبهم وأُممهم، أنّهم يقدِّمون إليهم النصيحة، وقدَّموا أنفُسهم على أنّهم الناصحون لهم، الأُمناء على إبلاغهم رسالات الله التي تنقذهم وترفع مستواهم.

فنحن نقرأ في كلمات الأنبياء التي نقلها الله تعالى: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) (الأعراف/ 68). فالنبيّ (ص) لم يأتِ من أجل أن يستغلّ موقعه ليجلب لنفسه نفعاً أو ليحصل على ثروة وما إلى ذلك، وإنما جاء مبلِّغاً للرسالة، وناصحاً للأُمّة، حتى تسير في الخطّ الذي يحقّق لها سلامة المصير. ونقرأ أيضاً: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ). وفي آية أُخرى، عندما بلّغ الرسول (ص) كلّ ما عنده من الرسالة، وقدّم لهم كلّ ما عنده من النصح، ولكنّهم تولّوا عنه، قال: (يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (الأعراف/ 79).

وفي حديث رسول الله (ص): «قال الله عزّوجلّ: أحبّ ما تعبّد لي به عبدي النصح لي»، أي أن تكون علاقتك بالله علاقة النصح له. والله لا يحتاج إليك لترشده وتنصحه، ولكنّ النصح لله هو الانفتاح على مسؤولياتك أمامه، في توحيدك له سبحانه في العقيدة والألوهيّة والعبادة والطاعة.

وعن رسول الله (ص): «مَن أصبح لا يهتمّ بأُمور المسلمين فليس منهم ـ بحيث يكون همّ المسلمين همّه، ومشاكلهم مشاكله، فإذا لم يهتمّ بأُمورهم، وعاش الفردية في ذلك، فليس منهم مسلماً ـ ومَن لم يصبح ويمس ناصحاً لله ـ في الإخلاص لمسؤولياته أمام الله ـ ولرسوله ـ في السير على خطّ رسالته ـ ولكتابه ـ للقرآن في العمل به ـ ولإمامه ـ الذي يمثِّل القيادة الشرعية ـ ولعامّة المسلمين ـ كلّ المسلمين في كلّ قضاياهم الثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية ـ فليس منهم». فمن لا ينصح المسلمين في ذلك، فإنّه يكون خارجاً عن الأُمّة، ولا يمثِّل عضواً صالحاً في مجتمعهم.

وعنه (ص) أنّه قال لأصحابه: «الدِّين النصيحة»، فالدِّين تختصره كلمة النصيحة التي يحملها المسلم المتديّن في عقله وفكره وحركته في الحياة، فقال الأصحاب: «لمن؟»، قال (ص): «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم».

ويقول الإمام الصادق (ع) وهو يتحدّث عن الإمام عليّ (ع) في انفتاحه على واقع المسلمين واهتمامه بسلامتهم واستقامتهم وعزّتهم وكرامتهم: «إنّ عليّاً كان عبداً ناصحاً لله عزّوجلّ فنصحه، وأحبّ الله عزّوجلّ فأحبّه».

وتلك كانت قيمة الإمام عليّ (ع)، أنّه عاش مع الله في كلّ كيانه، فلم يكن في الإمام عليّ شيء لنفسه، بل كان بكلّه لله، وقد باع نفسه لله، فأحبّه الله تعالى وأحبّه رسول الله، ولذلك كانت كلمة النبيّ (ص) في واقعة خيبر: «لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله». وتلك كانت ميزة الإمام عليّ (ع) في المسلمين، فلم يكن بين الصحابة ـ كلّ الصحابة ـ مَن ارتفع إلى هذا المستوى من الإخلاص لله ولرسوله وللمؤمنين.

وعن النبيّ (ص): «إنّ أعظم الناس منزلةً عند الله يوم القيامة، أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه». هذه المرتبة العليا عند الله، لا يمنحها إلّا لمن تكون حركته في كلّ الأُمور في خطّ النصيحة لخلق الله تعالى، بحيث يدرس كلّ أوضاعهم ويلاحق كلّ حالاتهم، وكلّ ما يمكن أن يرتفع بهم إلى الدرجات العليا في دينهم ودنياهم. وعن النبيّ (ص): «مَن يضمن لي خمساً أضمن له الجنّة: النصيحة لله عزّوجلّ ـ وذلك بأن يخلص لله في كلّ مسؤولياته أمامه ـ والنصيحة لرسوله ـ في السَّير على سنّته والاقتداء بسيرته والدعوة إلى رسالته ـ والنصيحة لكتاب الله ـ بالعمل بكتاب الله ـ والنصيحة لدين الله ـ بحيث يتحمّل الإنسان الذي يعيش رسالية الدِّين، مسؤوليته في خطّ الدعوة إلى الله ومسؤولية تعليم الناس والسَّير بهم في الخطّ المستقيم ـ والنصيحة لجماعة المسلمين»، بحيث يعيش الاهتمام بأُمورهم ويواجه واقعهم بمسؤولية.

ونقرأ في حديث الإمام الصادق (ع): «يجب للمؤمن على المؤمن ـ كتكليف شرعي ملزم ـ النصيحة له في المشهد والمغيب». وعنه (ع): «عليكم بالنصح لله في خلقه ـ لأنّك إذا نصحت خلق الله وعباده، فقد نصحت لله، لأنّ الله يريد لك أن تكون الناصح لعباده بما يقرِّبهم إليه ويرفع مستواهم عنده، وبما يحقّق لهم النتائج الكبرى في سلامة المصير ـ فلن تلقاه بعمل أفضل منه»، فإنّ النصح لله في خلقه، هو العمل الأفضل الذي لا عمل فوقه في حركة الإنسان في الواقع. وعن النبيّ (ص): «انسك الناس نسكاً، أنصحهم جيباً ـ بأن يكون صدره مفتوحاً بالنصيحة للمسلمين ـ وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين»، فلا يحمل في قلبه أيّ حقد عليهم في أيّ أمر من الأُمور.

وقد كان الإمام عليّ (ع) يخاطب المسلمين في خلافته، فيؤكِّد لهم ما هو حقّ الإمام على الأُمّة، وما هو حقّ الأُمّة على الإمام: «أيّها الناس، إنّ لي عليكم حقّاً ولكم عليَّ حقّ، فأمّا حقّكم عليَّ فالنصيحة لكم... ـ أن أنصح لكم وأرشدكم وأنفتح على كلّ قضاياكم، بما يمكن أن يحقّق لكم الخير والسعادة والسلامة ـ وأمّا حقّي عليكم، فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب».

ونقرأ في كلمته (ع) وهو يتحدَّث عن الصالحين من أصحابه: «أنتم الأنصار على الحقّ، والإخوان في الدِّين، فاعينوني بمناصحة جليّة لا غشّ فيها»

ويقول (ع) وهو يوجّه الناس إلى الارتباط بالقرآن، والانفتاح على آياته واتّباع كلّ تعاليمه: «اتّعظوا بمواعظ الله، واقبلوا نصيحة الله، واعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ، فاستنصحوه على أنفُسكم، واتّهموا عليه آراءكم، واستغشوا فيه أهواءكم».

إنّ كلّ هذه الكلمات الواردة في الكتاب والسنّة، تريد من مجتمعنا أن يكون مجتمعاً يعيش المسؤولية تجاه كلّ أفراد المجتمع، بحيث يعمل كلّ إنسان على تحريك فكره ليدرس ما يحتاجه المسلمون، ممّا يمكن أن يحقّق لهم الخير والقوّة والسلامة، ولاسيّما في المواقع التي يواجهون فيها التحدّيات الكبرى من قبل المستكبرين، الذين يكيدون لهم، ويعملون على مصادرة كلّ واقعهم. إنّ القضيّة أنّ كلَّ واحد من المسلمين مسؤول عن كلِّ المسلمين: «كلّكم راعٍ، وكلّ راعٍ مسؤول عن رعيته». إنّ الأُمّة الإسلامية تمثِّل وحدة في المصير والمسير، وعلينا أن نرتفع إلى مستوى هذه الوحدة لنعيش همّ المسلمين، لنؤكِّد القوّة في كلِّ واقعهم.

أعلنت وزارة الصحة السودانية إصابة 36 شخصا خلال مظاهرات أمس الخميس التي شهدتها الخرطوم للمطالبة بتسليم السلطة لحكومة مدنية، بينما أكد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أن المتظاهرين أثبتوا تمسكهم بالسلمية وبالتحول الديمقراطي.

وقالت اللجنة في بيان إن "القوات النظامية استخدمت القوة والرصاص والغاز المسيل للدموع ضد الأبرياء".

وفي وقت لم تقدم الجهات الرسمية تفاصيل بشأن هويات المصابين، أعلنت الشرطة إصابة اثنين من منتسبيها من قبل المتظاهرين بمدينة أم درمان غربي الخرطوم.

وقالت الشرطة إن "مجموعة محدودة من المتظاهرين انحرفت عن السلمية، وهاجمت قوات الأمن أمام البرلمان.

وخرجت الخميس حشود ضخمة من المتظاهرين في مناطق متفرقة من العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى في احتجاجات لرفض الحكم العسكري، كما طالبت مظاهرة دعت إليها "قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي" لدعم حكومة حمدوك.

وقد أغلقت قوات الأمن الطرقَ المؤدية إلى المقار الحكومية والأسواق الرئيسية.

وأظهرت مقاطع فيديو متداولة، مشاركة عدد من وزراء الحكومة الانتقالية في مظاهرات الخرطوم تأييدا للانتقال الديمقراطي. وتوضح المقاطع مشاركة كل من وزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر، ووزير الصناعة إبراهيم الشيخ، ووزير النقل ميرغني موسى.إغلاق مربع الحوار المشروط

مظاهرات مدن أخرى

وتزامنا مع مظاهرات الخرطوم تجمعت أعداد كبيرة من المتظاهرين في ميدان الحرية بمدينة الأُبَيِّض عاصمة ولاية شمال كردفان غربي السودان.

وطالب المتظاهرون بمدنِية الحكم وتسليم المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتهم بمقر المحكمة في لاهاي.

وفي مدينة بورتسودان شمال شرقي السودان خرجت مظاهرات شاركت فيها مجموعات من قوى الثورة.

وطالب المتظاهرون بتسليم الحكم للمكون المدني واستكمال بناء مؤسسات السلطة الانتقالية. وسارت المواكب في عدد من شوارع المدينة وصولاً إلى الأمانة العامة لحكومة ولاية البحر الأحمر، في وقت أَغلقت فيه قوات الجيش جميع الطرق المؤدية إلى مركز القيادة وسط المدينة.

كما شهد إقليم دارفور مظاهرات تطالب بتسليم السلطة في البلاد إلى المكون المدني.

وردد المتظاهرون شعارات تحذر من تقويض الحكم المدني، ومن الانقلاب العسكري على السلطة. وتأتي هذه المظاهرات في إطار ما تسمى "مليونية 21 أكتوبر لدعم الانتقال المدني".

وفي مدينة بورتسودان، شمال شرقي البلاد، خرجت مواكب شاركت فيها مجموعات من قوى الثورة، استجابة لدعوة المجلس المركزي، للمطالبة بمدنية الدولة، واستكمال مؤسسات السلطة الانتقالية.

في المقابل، نظم مجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة مظاهرة أمام بوابة الميناء الجنوبي بمدينة بورتسودان، شمال شرقي البلاد.

وجدد المتظاهرون مطالبهم بإلغاء مسار شرقي السودان في مفاوضات جوبا، وحل الحكومة، وتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية.

اعتصام القصر الجمهوري

في الأثناء، يواصل أنصار تحالف قوى الحرية والتغيير- مجموعة الميثاق الوطني اعتصامهم أمام القصر الجمهوري بالخرطوم.

ويطالب المعتصمون بتوسيع قاعدة المشاركة بالفترة الانتقالية، والالتزامِ بتنفيذ بنود الوثيقة الدستورية، وحل الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة كفاءات، وبالإسراع في تكوين هياكل السلطة الانتقالية.

وقد أشار المراسلون إلى أن اعتصام القصر الجمهوري استقبل أمس وفودا من مناطق عدة للمشاركة في فعالياته، وتأييدا لمطالبه.

وقال إن المعتصمين يطالبون بحل حكومة عبد الله حمدوك، ويدعون لاستكمال مؤسسات الدولة كالمجلس التشريعي، والمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء، والمجلس الأعلى للنيابة. ويتهمون من يصفونهم بمجموعة الأربعة باختطاف الثورة، وبأنها قامت بإقصاء الآخرين.

وأضاف المراسل أن المعتصمين يرفضون الاتهامات لهم بالتحالف مع فلول النظام "البائد"، ويشددون على ضرورة فتح الفترة الانتقالية لمختلف المكونات السياسية والاجتماعية باستثناء حزب البشير.

وأشار إلى أنهم أيضا ينادون بإشراك مختلف السودانيين في وضع وكتابة الدستور.

تسليم السلطة

بدوره، قال رئيس الوزراء، في خطاب بمناسبة ذكرى الـ 21 من أكتوبر/تشرين الأول، "إن المتظاهرين أثبتوا اليوم تمسكهم بالسلمية وبالتحول الديمقراطي". وجدد تعهده بإكمال مؤسسات الحكم الانتقالي، مؤكدا ألا تراجع عن أهداف الثورة.

من جهته، دعا تجمع المهنيين السودانيين إلى مواصلة التصعيد الثوري بعد أن قال الشارع كلمته.

ودان التجمع في بيان ما وصفه بالهجوم على المواكب السلمية التي خرجت في شوارع المدن السودانية.

ورأى التجمع أن ما جرى إعلان سافر من السلطة الحالية بكل مكوناتها عن عدائها للثورة وتطلعات الثوار.

ودعا تجمع المهنيين المتظاهرين إلى عدم التراجع حتى تسليم السلطة وجعل المواكب المليونية بمثابة صافرة النهاية وسقوط ما سمّاها شراكة الدم والسلطة البغيضة، وفق تعبيره.

كما طالب إبراهيم الشيخ وزير الصناعة السوداني والقيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير-مجموعةِ المجلس المركزي، رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بتسليم السلطة للمكون المدني فورا.

وقال الشيخ في تصريح :إن "ما حدث في مدينة أم درمان من إصابات بسبب عملية فض المظاهرات، ليس بعيداً من المخطط الكلي لخلق خلل أمني

من جانبه، قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إن المنظمة الدولية تؤيد حق جميع السودانيين في التظاهر والتعبير عن آرائهم بحرية وسلمية.

وأكد دوجاريك أن الأمم المتحدة ملتزمة بدعم السلطات الانتقالية بالسودان في انتقالها إلى الديمقراطية.

وتقاسم الجيش الحكم مع المدنيين في سلطة انتقالية منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير عام 2019 في ثورة شعبية بعد 3 عقود في السلطة.

ومؤخرا تحالف ائتلاف من مجموعات متمردة وأحزاب سياسية مع الجيش، الذي اتهم الأحزاب المدنية بسوء الإدارة واحتكار السلطة، ويسعى إلى حل مجلس الوزراء.

ويقول قادة مدنيون إن هذا من شأنه أن يصل إلى حد الانقلاب، ويقولون إن الجيش يهدف إلى تنصيب حكومة يمكنه السيطرة عليها.

المصدر : الجزيرة + وكالات