emamian
كيف استشهد الإمام الجواد (عليه السلام)؟
لقد ابتُلي الإمام محمد الجواد (عليه السلام) بابتلاءات عديدة:
منها: اليتم، فقد فارقه أبيه الإمام علي الرضا (عليه السلام) وهو صغير حينما أشخصه المأمون إلى خراسان، وقد آلم هذا الموقف قلب إمامنا محمد الجواد (عليه السلام) فكان يبكي لفراق أبيه..
ومنها: الغربة حيث أُخرج من مدينة جدّه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأُبعد عنها، فقد ودّع الإمام أهله وولده وترك حرم جدّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذهب إلى بغداد بقلبٍ حزين. ويُروى أنّه لمّا خرج من المدينة في المرّة الأخيرة، قال: "ما أطيبك، يا طيبة! فلست بعائد إليك".
ومنها: السجن، إذ سجنه المعتصم، ولم يأذن لأحد بالدخول عليه.
ومنها: السمّ، فقد كان المعتصم يتربّص بالإمام ويعمل الحيلة في الفتك به، إلى أن سنحت له الفرصة فدسّ إليه السمّ، وقد اختلفت الرواية في كيفيّة سمّه له:
فمن قائل: أمر فلاناً (من كتّاب وزرائه) بأن يدعو الإمام إلى منزل الوزير، فدعاه، فأبى أن يجيبه، وقال: "قد علمت أنّي لا أحضر مجالسكم"، فقال: إنّي إنّما أدعوك إلى الطعام، وأحبّ أن تطأ ثيابي، وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك، فقد أحبّ فلان بن فلان (من وزراء المعتصم) لقاءك. فصار إليه، فلمّا طَعِمَ منه أحسّ بالسمّ، فدعا بدابّته، فسأله ربّ المنزل أن يقيم، قال: "خروجي من دارك خير لك". فلم يزل يومه ذلك وليله في خِلفَةٍ2 يتقيّأ ذلك السمّ ويعاني آلامه في بطنه، حتّى قُبض (عليه السلام).
وقائل: إنّه أنفذ إليه شراب حماض الأترج- شبيه بالليموناضة- وأصرّ على ذلك، فشربها (عليه السلام) عالماً بفعلهم.
وقال آخرون: إنّ التي سمّته زوجته أمّ الفضل بنت المأمون لمّا قدمت معه من المدينة إلى المعتصم:
فلمّا انصرف أبو جعفر الجواد (عليه السلام) إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبِّرانِ ويعملانِ الحيلة في قتله، فقال جعفر لأخته أمّ الفضل- وكانت لأمّه وأبيه- في ذلك، لأنّه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه لتفضيله أمّ أبي الحسن ابنه عليها مع شدّة محبّتها له، ولأنّها لم تُرزق منه بولد، فأجابت أخاها جعفراً، فرُوي أنّها وضعت السمّ في منديل وأعطته إيّاه فمسح به، ورُوي أنّهم جعلوا سمّاً في شيء من عنب رازقيّ وكان يعجبه العنب الرازقيّ، وقدّمته له، فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي. فقال لها: "ما بكاؤك؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر، وبلاء لا ينستر"، فبُليت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها، صارت ناصوراً3 ينتقض في كلّ وقت فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلّة حتّى احتاجت إلى رِفْد الناس. وتردّى جعفر في بئر فأخرج ميتاً وكان سكرانَ.
ورُوي عن الإمام علي الرضا (عليه السلام)، أنّه قال في حقّ ولده الإمام الجواد (عليه السلام): "يُقتل غصباً فيبكي له وعليه أهل السماء، ويغضب الله على عدوّه وظالمه فلا يلبث إلّا يسيراً حتّى يعجّل الله به إلى عذابه الأليم وعقابه الشديد.."
وعلى أيّ حال فقد جرى السمّ في بدن الإمام عليه السلام، وبقي يتقلّب في فراشه، يعاني حرارة السمّ في يومه وليلته، يتقيّأ ذلك السمّ ويشكو آلام بطنه، حتّى دنا أجله..
ورُوي عنه (عليه السلام)، أنّه قال في العشيّة التي توفّي فيها: "إنّي ميّت الليلة"، ثمّ قال: "نحن معشر إذا لم يرض الله لأحدنا الدنيا نَقَلَنا إليه".
ويقال إنّ الإمام لمّا تناول السمّ تقطّعت أمعاؤه وأخذ يتقلّب على الأرض يميناً وشمالاً من شدّة الألم، ويجود بنفسه والتهب قلبه عطشاً- فقد كان الوقت شديد الحرّ والسمّ يغلي في جوف الإنسان- فطلب جرعة من الماء، والتفت إلى تلك اللعينة قائلاً: ويلك إذا قتلتِني فاسقيني شربة من الماء، فكان جوابها له أن أغلقت الباب ثمّ خرجت من الدار، فبقي الإمام يوماً وليلة يعالج ألم السمّ.. ولا يجد أحداً يسقيه شربة من الماء..
ولمّا بلغت روحه التراقي صعد سطح الدار، ورمق السماء بطرفه، وتشهّد الشهادتين، وغمّض عينيه، وأسبل يديه ورجليه، وعرق جبينه، وسكن أنينه، وفارقت روحه الدنيا..
من هي سمات خير الإخوان؟
حدّدت لنا الروايات الشريفة صفات عديدة للأصدقاء والإخوان، وأرشدتنا إلى كيفية اختيار أفضلهم، وأقربهم إلى الله، لأنَّ القرين والصاحب يؤثّر على دين المرء وسلوكه، فالمرء على دين خليله كما ورد في الروايات الشريفة.
لذا ينبغي أن نختار من توفّرت فيه الملامح التي رسمها وحدّدها المعصومون عليهم السلام على الشكل الآتي:
1- الدَّاعي إلى الله تعالى:
والمراد منه من كانت دعوته بالعمل، إضافة إلى القول، كما عبّرت عن ذلك النصوص الشريفة حيث ورد عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): "خير إخوانك من سارع إلى الخير وجذبك إليه وأمرك بالبِرّ وأعانك عليه"[1].
2- المعين على الطّاعة:
الطّاعة هدف خلقة الإنسان الحقيقي في هذه الدُّنيا، وخير الأصدقاء من يُعين على هذا الهدف السّامي. ورد عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لمَّا سُئل من أفضل الأصحاب: "من إذا ذكرت أعانك وإذا نسيت ذكّرك"[2].
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "المعين على الطّاعة خير الأصحاب"[3].
وعنه (عليه السلام) أيضاً أنّه قال: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً جعل له وزيراً صالحاً إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه"[4].
3- الصَّادقون:
وهم الّذين ينبغي معاشرتهم، كما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "وعليك بإخوان الصِّدق فأكثِر من اكتسابهم، فإنّهم عُدّة عند الرَّخاء وجُنّة عند البلاء"[5].
وعن الإمام الحسن (عليه السلام) في وصيِّته لجنادة في مرضه الّذي توفّي فيه: "اصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلتَ صدّق قولك، وإن صلت شدّ صولك، وإن مددتَ يدك بفضلٍ مدّها، وإن بدت عنك ثلمة سدَّها، وإن رأى منك حسنةً عدّها، وإن سألتَه أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتداك، وإن نزلت إحدى الملمَّات به ساءك"[6].
4- من يُذكّرنا بالله والآخرة:
عن النّبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما سُئِل أيّ الجلساء خير؟ فقال: "من ذكّركم بالله رؤيته وزادكم في علمكم منطقه. وذكّركم بالآخرة عمله"[7].
5- مصاحبة العلماء:
أكّدت الرّوايات المباركة على صحبة العلماء ومجالستهم، لأنّهم قادة الركب الرَّبَّانيّ الّذين يأخذون بيد المرء إلى العالم العلويِّ ويصلون به إلى حيث أراد الله سبحانه، من خلال بثّ معارفهم وممارسة دورهم في الهداية والتّربية، والدِّفاع عن مبادىء الدِّين وصيانة الشَّريعة من أن تدخلها البدع والانحرافات. وممّا ورد في ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال: "جالس العلماء يزدد علمك ويحسن أدبك"[8].
وما في وصية لقمان الحكيم لابنه: "يا بنيّ جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإنَّ الله عزّ وجلّ يُحيي القلوب بنور الحكمة، كما يُحيي الأرض بوابل السَّماء"[9].
وفي المقابل، فإنّ ترك مجالسة العلماء موجب للخذلان، لأنَّ الابتعاد عنهم معناه الابتعاد عن المدرسة الإلهيّة الّتي أمر المولى سبحانه بالتَّربّي في كنفها وتحت ظلالها، وهذا ما جاء صريحاً في دعاء الإمام علي السجّاد (عليه السلام) أنّه قال: "أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني"[10].
6- مصاحبة الحكماء والحلماء:
وهناك روايات أكّدت أيضاً على مصاحبة الحكماء ومجالسة الحلماء، لِما في هذين الصنفين من النّاس من مواصفات عالية تترك آثارها في الجنبة العلميّة والعمليّة بما يُساعد الإنسان عبر العلاقة بهم في طريقه إلى الكمال.
فعن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) أنّه قال: "أكثر الصَّلاح والصَّواب في صحبة أولي النُّهى والصَّواب"[11].
[1] م.ن، ص284, الحديث الحكمة - 9534.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 74، ص 138.
[3] الآمدي، غرر الحكم، ص 284, الحكمة - 9508.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 74، ص 164.
[5] م.ن، ج 71، ص 187.
[6] م. ن، ج 44، ص 139.
[7] م. ن، ج71، ص186.
[8] الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص430، نشر مكتب الاعلام الاسلامي، قم , 1407هـ.
[9] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 1، ص 204.
[10] م.ن، ج 95، ص 87.
[11] الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص429.
خوف أهل الآخرة؟
الخوف من العذاب هو أوطأ مراتب الخوف عند المؤمن. فللمؤمنين - حسب مراتب إيمانهم ومعرفتهم - أشكال أخرى من الخوف هي أعظم قيمة بكثير من هذا الخوف، كالخوف من السقوط من عين الله تعالى. فالذين يشكون من ضحالة في المعرفة لا يعرفون قيمة لطف الباري عزّ وجلّ، ولذا لا يحظى هذا الأمر بأهمّية عندهم. فعندما يريد القرآن الكريم أن يوضّح عاقبة أهل الشقاء فإنّه يقول: ﴿..وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..﴾[1]، فهل فكّرنا يوماً بأنّه ما الذي سيحصل إذا لم ينظر الله إلينا يوم القيامة؟ وهل يتمتّع هذا الأمر بأهمّية عندنا أساساً، أم إنّ المهمّ عندنا هو الحصول على نعم الجنّة؟ فالأطفال الذين يتمتّعون بفطرة سليمة يُدركون هذا النمط من العذاب، فإنّ أقسى أنواع العذاب للطفل هو أن تستاء أمّه منه فلا تلتفت إليه، لكنّ قليلي المعرفة من الناس لا يُدركون مثل هذه العلاقة مع الله، فكيف لهم أن يعرفوا ما الذي سيحصل إذا استاء الله منهم. لكنّه في اليوم الذي يكونون فيه بحاجة لمثل هذه النظرة فسيُدركون مدى شدّة العذاب الناجم من حرمانهم منها. فبعض عباد الله يخشون استياء الله منهم وعدم تحدّثه إليهم، ولا يخافون من جهنّم. وهذا أيضاً نمط من أنماط الخوف من الله. فكلّ مَن حاز حبّ الله في قلبه كان خوفه من استياء الله أكثر، وحتّى إذا كان متنعّماً بألطاف الله تعالى فإنّه يخشى انقطاع تلك الألطاف.
فإذا أمعنّا النظر في أحوالنا وسلوكيّاتنا الاختياريّة فسنُلاحظ أنّ العامل من وراء حركاتنا ونشاطاتنا الاختياريّة هو إمّا خوف الضرر أو رجاء النفع. وإنّ اختلاف الناس في سلوكيّاتهم ناشئ عن اختلافهم في تشخيص الضرر أو النفع، وإلاّ فأيّ تصرّف يقوم به أيّ امرئ فإنّ الغاية منه هو دفع ضرر ما عن نفسه أو جلب نفع ما لها. فلا بدّ أن يكون أحد هذين العاملين الاختياريّين مؤثّراً في جميع أفعالنا الاختياريّة. حتّى العاشق فإنّه يشعر - بسبب سلوكه مع معشوقه - بلذّة عقلانيّة ولطيفة في روحه وهو يسعى عن غير وعي وراء هذه اللذّة. إذن فهو أيضاً يُفتّش عن لذّة نفسه من خلال عدّة وسائط.
إذن فسلوكنا الاختياريّ هو إمّا لدفع ضرر أو لكسب فائدة. فعندما نحتمل وجود الضرر تصدر منّا ردّة فعل طبيعيّة لهذا الاحتمال تُدعى "الخوف". فالخوف إذن هو حالة طبيعيّة تحصل عند احتمال الضرر، ولا نكاد نجد في عالم الطبيعة إنساناً لا يكون الضرر محتملاً بالنسبة له. أمّا بالنسبة للمؤمن فهناك أضرار أهمّ من تلك وهي الأضرار الأخرويّة. ومن هنا فإنّ من أهمّ العوامل التي تدفعنا للمضيّ في طريق الكمال هو الالتفات إلى الأضرار التي تُهدّد سعادتنا الأبديّة. فالالتفات إلى هذه الأضرار يوجب الخوف، وهو حالة الانفعال التي تحصل للإنسان في مقابل احتمال الضرر. وإنّ تأكيد القرآن الكريم على مفاهيم من قبيل الخوف، والخشية، والتقوى، والوجل، والرهبة، وأمثالها ثمّ الإطراء عليها بأشكال شتّى يأتي من باب أنّ هذه الحالات هي أهمّ العوامل لحركة الإنسان التكامليّة. وبالطبع فإنّ هذه الحالات تقترن برجاء النفع أيضاً، وإنّ كلا العاملين مهمّ، غير أنّ تأثير الخوف يفوق تأثير الرجاء. نفهم من ذلك أنّ الخوف يُعدّ عاملاً مهمّاً من عوامل السعادة، هذا - بالطبع - إذا كان الخوف من الأخطار المعتنى بها، وليس ثمّة من ضرر يُمكن أن يُعتنى به بالنسبة للمؤمن أشدّ من الأخطار الأخرويّة، وهي الأخطار المتعلّقة بالساحة الإلهيّة المقدّسة. ومن هنا فلا بدّ من تقوية هذا الخوف[2].
[1] القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية 77.
[2] من محاضرة لسماحة آية الله الشيخ مصباح اليزديّ ألقاها في مكتب الإمام السيد علي الخامنئي(دام ظله) في قم بتاريخ 18 آب، 2011 م.
الحرية بالمفهوم الإسلامي
الحرية بالمفهوم الإسلامي غير مفصولة عن الهدف الذي وجد الإنسان من أجله، وهو تكامله ورقيّه ونيله أرفع المراتب في هذا الوجود، فالإنسان العاقل حرٌ في دائرة الطريق الموصل إلى هدفه المنشود، فالتكاليف الإلهية والقوانين الربانيّة التي شرعها الله عز وجل تجلب إلى الإنسان المصالح وتدفع عنه المفاسد، فينتج عنها تكامله المعنوي والمادي، وبالتالي سعادته في الدارين الأولى والآخرة.
فالسير ضمن الطريق الذي شرّعه الله عز وجل هو الحرية الحقيقية، لأنّه يوصل الإنسان إلى سعادته وكماله، ولا يفصله عن الهدف المأمول، يقول الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني (قدس سره): "إنّ الحريّة التي يقول الإسلام بها، محدودة بالقوانين الإسلاميّة"[1].
"ينبغي أن تكون الحريّة ضمن حدود الإسلام والقانون، فلا يصار إلى مخالفة القانون بدعوى الحريّة"[2].
فمن البديهي للإنسان الساعي لتحقيق هدفه أن يقيّد رغباته بما يحقق هدفه ويتناسب معه، فإذا أردنا أن نتحرر من ذل الجهل فعلينا أن نلتزم بقيود التعلم، وبالتالي لا بد أن تُفهم الحرية على أساس رفع القيود التي تشكل مانعاً دون تحقيق الهدف المنشود، حتى وان كان ذلك لا يتم إلا عبر تشريع قيود، فالإسلام إنما يشرع القوانين ويضع الحدود للحرية، لأنه يرى أن هذه الضوابط ضرورية للحفاظ على الحرية وضمان استقلال شخصية الإنسان الفردية والاجتماعية، يقول الإمام قدس سره: "إنّ الحريّة التي يقول الإسلام بها، محدودة بالقوانين الإسلاميّة"[3].
فمن هنا صرّح الإمام قدس سره بعدم استغلال الحرية والتذرع بها لأجل الوصول إلى المآرب الفاسدة يقول (قدس سره): "احفظوا حدود الإسلام، ولا يساء استغلال الحريات، فالحرية مقيدة بحدود الإسلام"[4].
والإمام الخميني (قدس سره) يرفض ما يسمى بالحرية التي تؤدي إلى الفوضى أو الشتم أو السباب وإهانة الآخرين، وغير ذلك مما يسيء إلى الأخلاق والقيم، يقول (قدس سره): "عندما تقرأون الصحف فإنكم كثيرا ما تشاهدون فيها أن هذا يسيء إلى ذاك وذاك يسيء إلى هذا، والآن بعد تحرر الأقلام، فهل صحيح أن يتحدث كل إنسان بما يشاء تجاه الآخرين؟ وان يتصرف كل واحد مع الآخر، بحيث تدب الفوضى في البلاد وتخرج من النظام؟
هذا هو معنى الحرية؟ هل أن الحرية في تلك البلدان التي تريد نهبنا هي على هذه الشاكلة؟ لو كانت هكذا لما حصل الانسجام ولما تطورت، إنهم يريدون من خلال كلمة الحرية التي يلقونها في عقول الشباب أن يفرضوا سلطتهم عليكم ويسلبوا حريتكم، إنهم يدركون ما يفعلون، يقولون: أنتم قمتم بثورة فأنتم الآن أحرار، أنت تتحدث بما تشاء عن ذاك، وذاك يتحدث عنك بما يشاء، وهذا يسخر قلمه ضدّك، وأنت تسخر قلمك ضد الآخرين، أنهم يدركون ما يفعلون ويريدون من خلال الحرية أن يسلبوا حريتكم، أن يوجدوا عندكم الحرية غير الصحيحة ويسلبوا منكم الحرية الحقيقية"[5].
[1] الكلمات القصار، عنوان الحرية، ص 143.
[2] م.ن، ص 143.
[3] م.ن، ص 143.
[4] م.ن، ص 143.
[5] منهجية الثورة الإسلامية، ص 371.
إيران.. التخصيب حق ذاتي لا رجعة عنه
وقال آية الله خامنئي إن على الجانب الأميركي الذي يشارك في المفاوضات غير المباشرة أن يوقف ترهاته.
واوضح أنه عندما يتحدثون بأنهم لن يسمحوا لإيران بتخصيب اليورانيوم هو كلام فارغ، مؤكدا ألا أحد ينتظر الإذن منهم، والجمهورية الإسلامية لها سياسة خاصة بها تنتهجها وهي ماضية في تنفيذ سياساتها.
واستبعد قائد الثورة الإسلامية أن تفضي المحادثات الجارية إلى نتيجة على غرار ما حدث في فترة رئاسة الشهيد إبراهيم رئيسي.
وتستضيف هذه الحلقة من برنامج "بانوراما" من طهران الدبلوماسي الإيراني السابق د.هادي سيدأفقهي ومن بيروت مدير موقع الخنادق د.محمد شمص، وتناقشهم هذه الأسئلة:
- هل تصريحات قائد الثورة الإسلامية هي مؤشر فعلي لفشل المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة؟
- بعد هذه التصريحات هل بقي باب للتفاوض والمحادثات أم أن التصعيد سيكون عنوان المرحلة المقبلة؟
- الولايات المتحدة تحدثت عن أنها لن تسمح لإيران بالتخصيب ما هي أدواتها وكيف ستتعامل طهران مع هذا الموقف؟
- الولايات المتحدة تراجعت عن موقفها السابق تجاه التخصيب، لماذا هذا التراجع وما هي أسبابه؟
رواشنطن لها تاريخ طويل في المواقف المتقلبة والتراجع عن المواقف هل يمكن أن تتراجع الآن في ظل الإصرار الإيراني على مواصلة التخصيب؟
- هل التأكيد الإيراني على مواصلة التخصيب يتضمن نسبة محددة أم أن موضوع النسبة أمر مرن بالنسبة لطهران ويمكن التفاوض بشأنه؟
- هل الولايات المتحدة مستعدة للتصعيد مع إيران وهل هي قادرة على تحمل تبعات أي تصعيد خاصة في ظل الظروف الدولية الحالية؟
- هل من الممكن أن نشهد مزيدا من الوساطات الدولية والإقليمية أم أن الأمر انتهى ولو في الوقت الراهن على أقل تقدير؟
سيرة الإمام الرضا عليه السلام في الحياة والعائلة
لقد جسّد أهل البيت عليهم السلام القيم الإسلامية العليا في سلوكهم وأفعالهم، كالإخلاص والصدق والأمانة والتواضع والكرم والعفو والعدل والإحسان. والاقتداء بهم يعني تجسيد هذه القيم في حياتنا اليومية مما ينعكس إيجابًا على الفرد والمجتمع. وكذلك الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام يوجب الاستقامة على الصراط المستقيم. فإنّ أهل البيت عليهم السلام هم الهداة المهديون الذين أرشدوا الناس إلى الصراط المستقيم. فهم المصداق الأبرز للآية الشريفة: ﴿ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ (1).
والاقتداء بهم يعني السير على نهجهم القويم، وتجنب الانحراف والضلال. ولهذا يمكننا أن نفهم أن الاقتداء بأهل البيت العصمة والطهارة عليهم السلام هو السبب لتحقيق السعادة في الدارين. لأنه من خلال الالتزام بأخلاقهم الرفيعة، يمكننا أن نعيش حياة طيبة هانئة، وننال رضا الله تعالى وجنته. والنكتة الجديرة بالذكر هي إنّ أهل البيت عليهم السلام واجهوا في حياتهم العديد من التحديات والمصاعب، وثبتوا على الحق ولم يتزعزعوا. والاقتداء بهم يعني التحلي بالصبر والشجاعة والعزيمة لمواجهة تحديات العصر ومستجداته. وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴾ (2).
ضرورة إعادة قراءة سيرة الإمام الرضا عليه السلام في العصر الحاضر
إنّ الإمام الرضا عليه السلام هو ثامن أئمة أهل البيت عليهم السلام وقد عاش في فترة عصيبة من تاريخ الأمة الإسلامية، حيث شهدت صراعات سياسية وفكرية واجتماعية. ورغم هذه الظروف الصعبة، استطاع الإمام الرضا عليه السلام أن يقدم نموذجًا فريدًا في القيادة والإمامة، وأن يرسخ القيم الإسلامية في المجتمع. كان الإمام الرضا عليه السلام بحرًا من العلم والمعرفة حيث أعطى الله لأئمة المعصومين عليهم السلام علما فنقرأ في زيارة الجامعة الكبيرة: « مَحالِّ مَعْرِفَةِ الله وَمَساكِنِ بَرَكَةِ الله وَمَعادِنِ حِكْمَةِ الله وَحَفَظَةِ سِرِّ الله وَحَمَلَةِ كِتابِ الله وَأَوْصِياء نَبِيِّ الله » (3)، وقد استطاع من خلال علمه وحكمته أن يرد على الشبهات والأباطيل، وأن ينشر الوعي والثقافة الإسلامية. وفي عصرنا الحاضر، الذي يشهد تطورات علمية وتقنية هائلة، نحتاج إلى الاقتداء بالإمام الرضا عليه السلام في طلب العلم والمعرفة، واستخدامها في خدمة الإسلام والمسلمين.
كان الإمام الرضا عليه السلام يتميز بالحوار والتسامح مع المخالفين، وقد استطاع من خلال الحوار الهادئ والموضوعي أن يقنع الكثيرين بصحة الإسلام. يمكننا أن نفهم هذا من خلال مناظراته مع كبراء المذاهب والأديان الأخرى عندما أصبح عليه السلام وليّ عهد المأمون العباسي. وفي عصرنا الحاضر، الذي يشهد صراعات ونزاعات طائفية ومذهبية، نحتاج إلى الاقتداء بالإمام الرضا عليه السلام في الحوار والتسامح، ونبذ التعصب والتطرف.
كان الإمام الرضا عليه السلام مثالا بارزا لمساعدة الآخرين خصوصا الفقراء والمساكين وكان مصداقا ظاهرا للزهد والورع عن الدنيا وزخارفها. فعندم نراجع رواياته الشريفة يمكننا أن نشاهد هذا بوضوح. فعلينا أن نتعلم من كيفية حياته عليه السلام.
التعادل بين الدنيا والآخرة
إنّ من أبرز ما يميّز سيرة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام هو التوازن العجيب الذي تجسّد في حياته بين الاهتمام بأمور الدنيا والسعي لنيل رضا الله والدار الآخرة. لم يكن عليه السلام من الزاهدين الذين يعتزلون الدنيا وينقطعون عن الناس. لم يكن عليه السلام يرى في الدنيا شراً محضاً، بل كان يعتبرها مزرعة للآخرة وأن الإنسان يجب أن يستغلها في طاعة الله ومرضاته. في المقابل، لم يكن الإمام الرضا عليه السلام من الذين يغرقون في ملذات الدنيا وشهواتها وينسون الآخرة. بل كان عليه السلام يعتبر الدنيا دار ممر، وأن الآخرة هي دار القرار.
فقد نقل محمد بن عباد: « كان جلوس الرضا على حصير في الصيف وعلى مسح في الشتاء ، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيأ. ولقيه سفيان الثوري في ثوب خز فقال : يا ابن رسول الله لو لبست ثوبا أدنى من هذا ، فقال : هات يدك ، فأخذ بيده وأدخل كمه فإذا تحت ذلك مسح ، فقال: يا سفيان الخز للخلق والمسح للحق» (4).
وقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام: « اجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة منه لمناجاته، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان الثقات، والذين يعرفونكم عيوبكم، ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات. لا تحدثوا أنفسكم بالفقر ولا بطول العمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل، ومن حدثها بطول العمر حرص. إجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا، بإعطائها ما تشتهي من الحلال وما لم ينل المروة ولا سرف فيه، واستعينوا بذلك على أمور الدين» (5).
المداراة مع الناس
لم تكن المداراة عند الإمام الرضا عليه السلام مجرد تكتيك أو أسلوب للمسايرة، بل كانت نابعة من إيمانه العميق بقيمة الإنسان واحترامه لحريته في التفكير والتعبير. كان عليه السلام يرى أن المداراة هي الوسيلة الأنجح لكسب القلوب وتغيير النفوس وأن العنف والخشونة لا يزيدان الأمور إلا تعقيداً وتأزماً. فقد روى سهل بن زياد الآدمي عن الإمام الرضا عليه السلام:« لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه. فأما السنة من ربه فكتمان سره، قال الله جلّ جلاله: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. إلا من ارتضى من رسول)، وأما السنة من نبيه فمداراة الناس، فإن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وآله بمداراة الناس، فقال:(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء، يقول الله عز وجل: (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) » (6).
وأيضا روى الإمام الرضا عليه السلام حول التفريج عن المؤمنين: « مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِنٍ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْ قَلْبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » (7).
حسن الخلق
إن حسن الخلق من أهم الصفات الإنسانية التي أكد عليها الله سبحانه وتعالى حيث قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ (8). والإمام الرضا عليه السلام كان منبعا راسخا لحسن الخلق. فقد روي عنه عليه السلام: « من خرج في حاجة ـ ومسح وجهه بماء الورد لم يرهق وجهه قتر ـ ولا ذلة ـ ومن شرب من سؤر اخيه المؤمن يريد بذلك التواضع ادخله الله الجنة البتة ، ومن تبسم في وجه اخيه المؤمن كتب الله له حسنة ، ومن كتب الله له حسنة لم يعذبه» (9). وأيضا روي عنه عليه السلام:« أَقْرَبُکُمْ مِنِّي مَجْلِساً يوْمَ الْقِيامَهِ أَحْسَنُکُمْ خُلُقاً وَ خَيرُکُمْ لِأَهْلِهِ » (10).
إن الاطلاع على سيرة الإمام الرضا عليه السلام لا يقتصر على قراءة مقال أو كتاب، بل هو رحلة مستمرة في بحر علومه وأخلاقه. أدعوكم إلى تخصيص وقت منتظم لقراءة الكتب والمقالات والمواقع الإلكترونية التي تتناول حياة الإمام عليه السلام والاستماع إلى المحاضرات والندوات التي تتحدث عن سيرته العطرة.
إن الهدف الأسمى من دراسة سيرة الإمام الرضا عليه السلام هو تطبيقها في حياتنا اليومية وتحويلها إلى سلوك وممارسة. أدعوكم إلى أن تتأملوا في الصفات الحميدة التي كان يتحلى بها الإمام عليه السلام وأن تسعوا جاهدين إلى اكتسابها والتحلي بها.
1) سورة البقرة / الآية: 5.
2) سورة البقرة / الآية: 119.
3) مفاتيح الجنان (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 651 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية – طهران / الطبعة: 1.
4) مناقب آل أبي طالب (لإبن شهرآشوب) / المجلد: 3 / الصفحة: 470 / الناشر: المطبعة الحيدرية – النجف الأشرف / الطبعة: 1.
5) فقه الرضا عليه السلام (مجموعة من العلماء) / المجلد: 1 / الصفحة: 337 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
6) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 408 / الناشر: مؤسسة البعثة – بيروت / الطبعة: 1.
7) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 2 / الصفحة: 200 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
8) سورة آل عمران / الآية: 159.
9) مصادقة الإخوان (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 52 / الناشر: مكتبة الإمام صاحب الزمان – النجف الأشرف / الطبعة: 1.
10) صحيفة الإمام الرضا عليه السلام (محمد مهدي نجف) / المجلد: 1 / الصفحة: 67 / الناشر: دار الأضواء – بيروت / الطبعة: 1.
لماذا لا تخرج تركيا قواعدها من العراق؟
قرار حزب العمال الكردستاني بالتخلي عن الكفاح المسلح وحلّ نفسه يعني إنهاء حقبة من تاريخ الصراع العسكري في جبال قنديل، والعنف السياسي الواسع النطاق في تركيا، وهو امتثال لدعوة زعيمه المسجون عبد الله أوجلان بالتخلي عن السلاح وإعلان وقف فوري لإطلاق النار، يؤدي إلى إنهاء النزاع المسلح مع تركيا، المستمر منذ أكثر من 40 عاماً، والذي أودى بحياة عشرات الآلاف. وتفيد بعض التصريحات التركية بأنه سيتم إنشاء ستة مراكز لتسليم الأسلحة في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية في حكومة إقليم كردستان العراق، وستكون تحت إشراف الأمم المتحدة.
لكن، يخشى العراق من سعي أنقرة للتوغل أكثر وإقامة قواعد عسكرية ثابتة لها في شمال العراق، بذريعة عدم امتثال مقاتلي حزب العمال الكردستاني لدعوة زعيمه عبد الله أوجلان، والخاصة بتفكيك الحزب وتسليم سلاحه.
الرئيس العراقي وملف الوجود التركي في العراق
في زيارته إلى أنقرة، سعى رئيس الوزراء العراقي السوداني إلى وضع جدول زمني يتضمن انسحاباً قريباً من جانب القوات التركية إلى المسافات المتفق عليها بين الجانبين، خاصة في ظل انتهاء مهمتها بتمشيط منطقة الحزام الآمن في شمالي العراق، وهو ما يعني أن بغداد باتت ترغب في إنهاء مهمة التوغل العسكري التركي في إقليم كردستان واستبداله بنمط جديد من العلاقات الأمنية المشتركة التي تقوم على "ضبط الحدود" بين الجانبين، عبر تفاهمات مشتركة يحافظ من خلالها العراق على سيادته ووحدة أراضيه.
أتت زيارة السوداني قبيل انعقاد اجتماع القمة العربية في بغداد يوم 17 أيار/مايو 2025، فضلاً عن الوضع في منطقة الشرق الأوسط حيث يحتل ملف الوجود العسكري التركي في شمال العراق مقدمة الملفات التي ناقشها رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى مع الرئيس التركي إردوغان. كانت أنقرة قد أبرمت "اتفاقاً أمنياً" تعاونياً مع الحكومة العراقية تضمن قيام أنقرة بحملة عسكرية في شمال العراق لملاحقة عناصر حزب العمال في مناطق تمركزهم في منطقة جبال قنديل وقضاء سنجار.
يبدو أن مرونة بغداد منحت التدخل العسكري بعض الشرعية على الأراضي العراقية، إلا أن استمرار الوجود العسكري التركي في شمال العراق والممتد من شمال العراق إلى شمال سوريا، وزيادة عدد القوات التركية بصورة متتالية خلال السنوات الماضية تسبب بانتقادات للسوداني من قبل القوى والأحزاب السياسية في الإطار التنسيقي، وكان الاتفاق بين بغداد وأنقرة قد منحها مسافة لا تزيد على 40 كيلومتراً، تنتهي بنهاية العملية، إلا أن تركيا توغلت لمسافة تزيد على 140 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية.
في مطلع أيار/ مايو الجاري، دعا مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي إلى انسحاب حزب «العمال» والقوات التركية من شمال العراق في حال إتمام اتفاق السلام بين الطرفين المتحاربين. وقال في حينها «لا نريد حزب العمال الكردستاني على أراضينا ولا الجيش التركي".
أنقرة والعلاقة مع إقليم كردستان
شارك القادة الكرد العراقيون في مبادرة إلقاء السلاح، وهم يرون أن هذه العملية ستخلق أساساً للحوار بين الكرد في سوريا والعراق. إلقاء حزب العمال الكردستاني أسلحته سيسهل علاقات كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وأنقرة والسليمانية.
إلا أن الانقسامات التاريخية ومناطق النفوذ ستظل حاسمة في السياسة الإقليمية، وقد يشهد الإقليم تحوّلاً أمنياً كبيراً في حال تنفيذ عملية السلام مع الحزب، شريطة أن تقترن بخطوات قانونية وسياسية جدية من أنقرة، ويزيل مبررات بقاء القوات التركية داخل الإقليم، ما يفتح الباب أمام إعادة انتشار قوات حرس الحدود العراقية، واستقرار المناطق الحدودية مع تركيا وإيران.
تطمح تركيا أن يساهم الاستقرار الأمني في تعزيز حركة التجارة، بما في ذلك خط أنابيب النفط الذي يربط الإقليم بتركيا.
نجاح الخطوة الحالية يمهد الطريق أمام الإقليم لتنفيذ خطط وبرامج لإعمار وتنمية القرى التي لم تشهد مشاريع خدمية وتنموية حقيقية منذ أكثر من 30 عاماً.
وكان التوتر والحذر والشك قد طغى بين أنقرة والسليمانية في إقليم كردستان لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية معقدة، منها الاتهام التركي للحزب الوطني الكردستاني ولجهات في السليمانية، بقيادة بافل طالباني، بالتعاون أو التساهل مع نشاطات العمال الكردستاني.
وكانت أنقرة قد أغلقت مجالها الجوي أمام رحلات من مطار السليمانية؛ بسبب ما ادّعت أنه تهديد أمني واستخباري بعد تضييق العمل على استخباراتها في الإقليم على عكس علاقتها مع أربيل وحزب الاتحاد الديمقراطي، وتأمل تركيا في تحسن العلاقات مع كل الأحزاب في الإقليم.
لماذا لا تخرج تركيا من العراق؟
يرتبط استمرار الوجود العسكري التركي في شمال العراق، حتى في حال نزع سلاح حزب العمال الكردستاني أو إضعافه بشكل كبير، بمجموعة من العوامل الاستراتيجية والأمنية والسياسية، أولها العمق الاستراتيجي وأمن الحدود، إذ تعدّ تركيا شمال العراق - وخاصةً مناطق مثل جبال قنديل وسنجار - منطقةً حيويةً لأمنها القومي. وحتى مع نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، من المرجح أن ترى تركيا استمرار الوجود ضرورياً ومنع عودة ظهور حزب العمال الكردستاني أو غيره من الجماعات الكردية المسلحة.
لذلك، تريد مراقبة طرق التسلل والتهريب عبر الحدود. ويهمها الحفاظ على منطقة عازلة ضد أي زعزعة استقرار محتملة أو نشاط مسلح.
يتمتع شمال العراق، وخاصةً إقليم كردستان، بأهمية جيوسياسية تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها على حكومة إقليم كردستان، وموازنة الوجود الإيراني والأميركي في العراق، والحفاظ على نفوذها في المناطق الكردية في سوريا والعراق، حيث تُعدّ حركات الحكم الذاتي الكردية ذات آثار أوسع نطاقاً.
بنت تركيا شبكة من القواعد والمواقع العسكرية في كردستان العراق على مدى العقد الماضي. ويمكن اعتبار تفكيك أو سحب هذه المنشآت بمنزلة خسارة للتفوق العسكري، وإشارة ضعف أمام المنافسين أو الفصائل الكردية.
تلعب الاعتبارات السياسية الداخلية دوراً، إذ تستخدم الحكومة التركية العمليات والوجود العسكري في العراق كجزء من خطابها السياسي القومي. وقد يكون الانسحاب مكلفاً سياسياً إذا تم تصويره على أنه تنازل للمسلحين الكرد. إضافة إلى عدم يقينها بشأن نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، لا تثق تركيا تماماً بالعملية أو استمرارها.
لا يرتبط الوجود التركي بحزب العمال الكردستاني فحسب، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تشمل الأمن والنفوذ والموقع الإقليمي الطويل الأمد.
وكان حزب العمال الكردستاني قد أعلن حلّ نفسه، ونشرت قيادات الحزب قرارات اجتماعات قيادتها، والتي تمت في الفترة من 5 وحتى 7 أيار/مايو الجاري، وبما أن مجمل القراءات تذهب إلى أن حسم وإغلاق ملف حزب "العمال"، إذا كان ممكناً، فهو يتطلب وقتاً طويلاً وخطوات متعددة، وهذا يعني أنه في المدى المنظور، ستبقي تركيا على وجودها العسكري في العراق كما هو.
بيد أن المطلوب من الحكومة العراقية العمل والتهيئة للمرحلة أو المراحل المقبلة، وترتيب الأوراق بنسق آخر، لوضع مطلب أو خيار إنهاء الوجود التركي في مقدمة المطالب والخيارات، وربطه بالملفات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين بغداد وأنقرة، كمشروع طريق التنمية، والاستثمارات الواسعة لعشرات الشركات التركية في السوق العراقية في مختلف القطاعات، وتنسيق المواقف في بيئة إقليمية مضطربة دوماً، تتداخل وتتشابك فيها المصالح والحسابات والتوجهات.
القمة العربية في بغداد تصدر بيانها الختامي.. والعراق يطلق صندوق التضامن العربي لإعمار غزة ولبنان
شهدت العاصمة العراقية، بغداد، الدورة الرابعة والثلاثين للقمة العربية والتي ضمّت قادة ورؤساء ووزراء خارجية بلدان عربية في ظل الأزمات والمتغيرات الكبيرة العربية والإقليمية.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إطلاق مبادرة صندوق التضامن العربي لإعمار غزة ولبنان بإشراف الجامعة العربية، مشيراً إلى أنّه "سنكون أول المشاركين فيه".
وقال السوداني إنّ حكومة بلده "أطلقت حزمة إصلاحات مالية ومشاريع تنموية ودعمت قطاعات الصحة والتعليم"، معلناً "إطلاق مبادرة عهد الإصلاح الاقتصادي العربي للعقد القادم".
وأكّد البيان الختامي الصادر عن القمة العربية ضرورة توحيد الجهود العربية في مواجهة التحديات التي تمرّ بها المنطقة، والتزام الدول الأعضاء بتحقيق مصالح الشعوب العربية والدفاع عن قضاياها المحقة.
وجاء في البيان الختامي مطالبة بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على غزة وتأكيد القمة على مركزية القضية الفلسطينية كونها "قضية الأمة وعصب الاستقرار في المنطقة"، مشددة على الرفض القاطع لأي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني، داعية إلى توفير ممرات إنسانية آمنة لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة.
وطالب البيان، المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته والضغط لوقف إراقة الدماء ووقف آلة الحرب الإسرائيلية.
هل أدي نبي الله إبراهيم ومن بعده من أنبياء الله الحج بالصورة التي عليها مناسك الحج عندما جاء الإسلام ، أم أن هناك إضافات في الجوهر أو التفصيل؟
ان الروايات و الآيات التي تبحث في موضوع الحج تشير الي ان عملية الحج وان الكعبة المشرفة كانت قبل ابراهيم(ع).
قال تعالي (وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّميعُ الْعَليم* رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنا مَناسِكَنا وَ تُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ ).[1]
كما انه قد وردت رواية[2] تشير الي قدم عملية الحج .
من هذه الروايات و الآيات يمكن الاستفادة ان الحج كان قبل ابراهيم(ع).
و لكن هل ان الحج السابق يطابق حجّنا الفعلي بكل تفاصيله و جزئياته و انه لا يختلف معه قيد شعرة، فهذا أمر من الصعب اثباته. فعلي سبيل المثال لا يمكن اثبات ان جميع تروك الاحرام التي تجب علينا الآن هي نفسها كانت في السابق.
نعم يمكن ان نقول: ان اصل الاحرام والطواف وصلاة الطواف وقد يكون السعي بين الصفا و المروة كذلك و الوقوف بعرفات و المشعر و مني و الذبح من الامور المشتركة بين جميع الاديان.
فعلي سبيل المثال ننقل بعض الروايات في هذا المجال:
عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال:« أحرم موسي من رملة مصر، قال: و مرّ بصفائح الروحاء محرما يقود ناقة بخطام من ليف عليه عباءتان قطوانيتان..».[3]
وحول الطواف جاءت في نفس الكتاب الباب الاول من ابواب الطواف احاديث كثيرة منها الحديث 3 و 6 و 11 و 12 و...
و بخصوص السعي جاء الحديث التالي: عن علي بن جعفر عن أخيه الامام موسي بن جعفر عليه السلام، قال: سألته عن السعي بين الصفا و المروة؟ فقال: " جعل لسعي ابراهيم عليه السلام"[4].[1] سورة البقرة الآية 127 و 128. [2] في الوسائل، ج 8، ص 7، الحديث 12. [3]الوسائل: 9/3 الحديث 3 الباب 1 من ابواب الاحرام. [4] وسائلالشيعة:13 /471.
الحج و أبعاده السياسیة والإجتماعیة (ديبلماسية الحج و وحدة الأمّة الإسلامية)
قال الله تعالى: (وَأَذّن فِي النّاسِ بِالحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىَ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ ٭ لّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ فِى أَيّامٍ مّعْلُومَاتٍ).[1]
لاشكّ أنَّ الحجّ هو ركن من أركان الدين، ومن أعظم شعائره، وأحد أكبر الفرائض الخمس التي بني الإسلام عليها،[2] ومن أفضل الأعمال التي يراد بها التقرّب إلى الله تعالى،[3] وتركه ارتكاب لكبيرة من الكبائر، مما يتسبب في خروج المرء عن جادّة الإسلام والمسلمين.[4]
إنَّ أوَّل ما نلتقي به من نصوص الحج هو النِّداء الأوّل الذي وجَّهه الله للنبي إبراهيم7 في دعوة الناس إلى الحج.. وذلك في قوله تعالى: (وَأَذّن فِي النّاسِ بِالْحجّ ... لّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ ...)،[5] فإننا نجد في هذا النِّداء دعوة إلی أداء فريضة الحج مقروناً ببيان حکمته، حيث ذکر المنافع من دون تحديد لطبيعتها وحجمها، للإيحاء بالانطلاق في هذا الاتجاه للبحث عن كلّ المجالات النافعة من الجوانب الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية، والتي يمكن لهم أن يحققوها من خلال الحج في حياتهم الفردية والاجتماعية إلى جانب الروح العبادية المتمثلة بذكر الله في أيام معدودات، و يأتي هذا المقال الموجز تبياناً لما يتعلق بهذه العبادة وسنرکِّز في البحث علی الجانب السياسي والإجتماعي، خاصَّة فيما يتعلق بالوحدة الإسلامية لأهمِّيتها في واقعنا المعاصر شعوباً ودولاً:
البُعد السياسي للحج:
لتوضيح البُعد السياسي للحجّ، والأهداف المنشودة منه نعتمد علی كلام الله المجيد، حيث يعرّف الكعبة بصراحة وبوضوح على أنها العامل والدافع لقيام الناس ونهضتهم في قوله تعالی:(جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحـرَامَ قِيَاماً لّلنّاسِ)،[6] وهذا القيام يتضمن معاني ومفاهيم سياسية کثيرة منها الاستقلال والاعتماد والاتّكال على النفس، والمشاركة الفعّالة في النشاطات الإجتماعية، وغيرها من المعاني والأعمال التي ينبغي أن نقوم بها لله فرادی وجماعة کما قال تعالی: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا .... ).[7] وأمَّا ماجاء من الروايات فإنَّ هناك الکثير مما يبيّن بوضوح البُعد السياسي للحج، فإنّ حديث «الحجّ جهاد الضعفاء» والمنقول بطرق مختلفة،[8] والتناسب الماهوي بين الاشتراك في غزوة مع الرسول9 وحجّ بيت الله في الحديث التالي: «الغازي في سبيل الله والحاجّ والمعتمر وفد الله دعاهم»،[9] يعلّمنا أنّ هناك علاقة وثيقة بين البُعد السياسي ، والجانب الجهادي والعسكري للحجّ وأنّ المجاهدين في سبيل الله وحجّاج بيت الله صفوة منتخبة من قبل الله تعالی في خندق واحد ضد العدو. ونرى تعبيراً أبسط آخر في بعض الروايات: «الحجّ جهاد»،[10] وفي حديث عن رسول الله9: «نعم الجهاد الحج»،[11] وعلى هذا فإنّ الحج ليس فقط من مصاديق الجهاد فحسب، بل هو أبهى صور الجهاد في سبيل الله، وإنَّ المراسيم العظيمة في الحجّ إنما هي صورة من صور الجهاد في سبيل الله، وقد ورد حديث عن الرسول الأكرم9 يزيل كل شكّ وشبهة في هذا المجال: «النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله».[12] إنَّ التساوي بين الحج والجهاد في الإسلام هو بيانٌ لمجموع الإسلام، ويبيّن الحقيقة القائلة: إنّ هاتين الفريضتين كانتا وما تزالان تمتلكان أهدافاً مشتركة، وفي الوقت نفسه فلكلّ منهما خصوصية ماهوية خاصّة بهما، ويعدّ كلّ منهما عبادةً وعملاً سياسياً لتقوية وتحقيق الأهداف السياسية للإسلام على حدّ سواء.
ومن كتاب (الحجّ مؤتمر عبادي سياسي)؛ ننقل النص التالي من خطاب للإمام الخميني= في22/شوال/1405هـ: «لقد عزمنا منذ البداية على أن نؤدّي الحجّ كما كان في عهد رسول الله9، كيف أنّ الرسول الأكرم9 حطم الأصنام في الكعبة؛ نحن أيضاً نريد أن نحطمَّ الأصنام، وأنّ هذه الأصنام الموجودة في عصرنا، هي أعظم وأسوأ من أصنام ذلك العهد».
ويقول الإمام الخميني= أيضاً:«في هذا الاجتماع المقدس للحجّ؛ يجب أولاً: بحث المسائل الأساسية في الإسلام، وثانياً: تبادل وجهات النظر في المسائل الخاصة للدول الإسلامية، انظروا ماذا يجري على الإخوة المسلمين في داخل دولهم من الاستعمار وعملائه وأتباعه، يجب أن يقدموا تقريراً لمسلمي العالم في هذا الاجتماع المقدس يشرحون فيه ما تعانيه شعوبهم من مصاعب ومتاعب».[13]
إنَّ هناك أبعاداً كثيرةً في الحجّ لازال لم تتحقق ومنها البُعد السياسي. ولو تحقق جزءٌ مما يعد به الحج في توحيد الأمة كما هو المفترض لتحقَّق للمسلمين كثيرٌ من المنجزات على كافة الصعد السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية. فالبُعد السياسي للحج من أكثر الأبعاد المهجورة المغفولة، وقد عمل الجناة وما زالوا يعملون على هجرانه، يساعدهم في ذلك علماء البلاط و وعاظ السلاطين. وهذا لا يشكل بحد ذاته حجة للمسلمين أن يتقاعسوا عن الإيفاء بمتطلبات الحج، فعلى الأقل هناك قضايا مشتركة مهمة يعاني منه جميع المسلمين، يمكن أن تطرح من خلال تجمعات الحج، ويكمن أن يجدوا لها حلولاً من خلال التشاور، وينقلون تلك الحلول إلى بلدانهم.
الحج و وحدة المسلمين:
إنّ الوحدة هي الكفيلة تحفظ كيان الامّة وتماسكها، وترسيخ وجودها، وتثبيت أقدامها.. وبأنّ التوحّد والترابط، والتآلف والتماسك، هي مصدر القوّة والغلبة، ومنبع القدرة والمنعة.. وأنّ القوّة أمر ضروري لحفظ الشرائع والمبادئ.. والوحدة مصدر قوّة، وفي الحج نجد هذه القوة حيث أنّ الحجّ ليس مجرّد فريضة تهذّب النفس وتعصم السلوك بل هو أيضاً عنوان للأُخوّة الإسلامية العامة عبر التاريخ حول مسألتي العبودية لله، واجتناب الطاغوت، وذلك بشتّی الأساليب التي تتناسق فيما بينها لتؤكد هذا المضمون الوحدوي العظيم في الحجّ، وهو خطّ جميع الأنبياء.
وقد تابعت الثورة الإسلامية هذا الخط وأکَّدت على لزوم إعادة الدور الحقيقي للشعائر الإسلامية، كصلاة الجمعة، والحج، باعتبارهما من أكبر المجالات المحققة للإحساس بضرورة الوحدة في هذه الأمة .
إنّ الحج فريضة إلهية لها أبعاد توحيدية كبيرة، وهي مؤتمر كبير يجمع المسلمين من كلّ الأقطار، متحدة نحو قبلة واحدة، في طاعة إله واحد مستنين بسنة الرسول الأكرم9. لقد تحول الحج عبر العصور المتلاحقة ومن خلال سعي الأعداء إلى فريضة عادية لا تحمل في عمقها الأبعاد السياسية التي أرادها الله تعالى ليستفيد منها المسلمون، وقد نجح العدوّ لسنين طويلة في أن ينسي الناس هذه الأبعاد العظيمة لهذه الواقعة المهمة والاستثنائية من عبادات المسلمين السياسية، ولقدأدرك الإمام الخميني= خطر هذه المسألة فحاول أن يعيد إلى الحج بُعده السياسي لاسيما بإعلانه أنّ البراءة من قوى الشرك والكفر العالمية ركن من أركان الحج ولابدّ أن تؤدّى ليكون الحجّ حجّاً حقيقياً، إستناداً إلی قوله تعالی: (وَأَذَانٌ مّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحـَجّ الأكْبَرِ أَنّ اللهَ بَرِيَءٌ مّنَ الْمـُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ).[14]
وكان الإمام الخميني= يعتقد بأن البَراءَة في الآية المذكورة أعلاها لا تختصّ بمشركي الجزيرة بل إنَّها تشمل البراءة من مشركي العالم كلّه، الموجودين في عصر الرسالة ومن بعدهم إلى يوم القيامة، ولذا أمر أن تقام مراسم البراءَةَ في کلّ عام من موسم الحج، وکان من خلال بياناته السنوية التي كان يوجّهها إلى الحجاج في موسم الحجّ یؤکّد على وجوب اهتمام المسلمين بالأمور السياسية للعالم الإسلامي، واعتبار إعلان البراءة من المشركين ركناً من أركان الحج.
وبالتدريج اتخذ مؤتمر الحج العظيم شكله الحقيقي وصارت سيرة البراءة تقام سنوياً بمشاركة عشـرات الآلاف من الحجاج الإيرانيين والمسلمين الثوريين من البلدان الأخرى، يردّدون خلالها شعارات تطالب بإعلان البراءة من الإستکبار العالمي خصوصاً امريکا وإسرائيل باعتبارهما من أهم مصاديق البارزة للشرك والكفر العالمي، وتدعو المسلمين إلى الاتحاد، واستمر سماحة الإمام الخامنئي+ علی هذا النهج في ندائه لحجاج بيت الله الحرام في موسم الحج من کلّ عام لإحياء الحج الإبراهيمي.
البُعد الاجتماعي للحج:
إنَّ أهم ما تفتقده المجتمعات الإسلامية الرفق، الأمان والتوحد في العقيدة الضامنة لسعادة الدارين الدنيا والآخرة، ومن مهام الحج؛ تحقيق الأمان في العلاقات الاجتماعية، وتوفير فرصة نموذجية للرفق بين الناس، وتوحيد صفوفهم وتوثيق عرى الوحدة بينهم وفي هذا المعنی يقول الإمام الخميني= «يجب أن نعلم أنّ إحدى الحکم الاجتماعية لهذا التجمع العظيم من جميع أنحاء العالم؛ توثيق عرى الوحدة بين أتباع نبي الإسلام، والقران الكريم في مقابل طواغيت العالم».[15]
ويتحقق البُعد الاجتماعي في الحجّ من خلال ما يلي:
- التحرّر من الأنا والتخلص من سلطان الشهوات:من خلال السلوك الجمعي في المسيرة الإيمانية إلى الله تعالى ابتداءً من الميقات، فلا ميزة لأحد على أحد، بلون أو ملبس أو منصب أو أي من ميزات اعتادوها الناس في حياتهم، فإنّ أكثر ما يثير المتاعب بين الناس، هو التصادم الذي يحدث بين الذوات والأنانيات، وعندما تذوب الذات وتنصهر، يخلص الإنسان من طغيان الأنا ولقاءاته السلبية مع الآخرين. وتفرض مناسك الحج أحكاماً تخلص الإنسان من سلطان الهوى والشهوات، وهي مسألة في غاية الأهمية، إضافة إلی منسك رجم الشيطان، باعتباره رمز الشهوات.
- الانصهار في الجماعة: فبعد أن انسلخ الإنسان عن ذاته، وجد نفسه فجأة في وسط حشد بشـري كبير، لا يمتاز بعضهم عن بعض، ولا يكاد يفرّق بينهم شيء، بنداء واحد، وتوجه واحد، وإلى الطواف حول مركز واحد، ثم تتوجه هذه الجموع الموحَّدة من الحجاج لرجم الشياطين؛ ويقول الإمام الخمينى=في ذلك: «يجب طرد الشياطين الكبری والصغری والوسطی عن حرم الإسلام المقدس ويجب قطع أيادي الشياطين عن الكعبة،... ».[16]
دور الحج في التطوّر الثقافي:
عندما يکون بيت الله الحرام علَمَاً ورايةً للإسلام کما عبَّر عنه علي بن أبي طالب7 إذ يقول: «جعله الله سبحانه وتعالی للإسلام علماً».[17] وعند مايکون ترك الحجّ كفراً لا محالة، حيث يقول الرسول الأكرم9 مخاطباً علياً 7: «يا علي تارك الحجّ وهو مستطيع كافر».[18] ويستدل بالقرآن لتأكيد ذلك: (وَللهِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنّ الله غَنِيّ عَنِ الْعَالَمِينَ).[19] ولا يكتفي بذلك بل يوضّح أكثر حيث يقول: «يا على من سوّف الحجّ حتّى يموت بعثة الله يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً»،[20] فهنا يتّضح دور الحج في تغذية الإيمان والارتقاء الثقافي والعلمي للمسلمين أكثر من أي مكان آخر، وكأن بالحجّ وهو يمثّل دورة تعليميّة في الدين، حيث لا يصل المسلمون إلی حقيقة الإيمان إلّا بدخول تلك الدورة على الأقل مرة واحدة في حياتهم.[21]
ويوصي الإمام علي بن الحسين7 ـ وهو أحد المسارعين إلى حجّ بيت الله الحرام ـ أصحابه قائلاً: «حجّوا واعتمروا... يصلح إيمانكم». [22]
وحين يسأل هشام بن عبدالملك الإمام الصادق7 عن حکمة الحج، يجيب الإمامA عند ذكره لحكمة الحجّ قائلاً: «فجعل الاجتماع من الشـرق والغرب ليتعارفوا... ولتعرف آثار رسول الله9، وتعرف أخباره ويذكر ولا ينسى، ولو كان قوم يتكلّون على بلادهم وما فيها هلكوا وخربت البلاد وسقطت الجلب والأرباح وعميت الأخبار ولم تقفوا على ذلك فذلك علّة الحجّ».[23]
إنَّ الحجّ بحقّ رجوع إلى التوحيد وتاريخ حماة هذه الفريضة، آدم وإبراهيم وإسماعيل وصولاً إلی الإسلام ونبيّه9، وصدام متواصل بين الإيمان من جهة والكفر والنفاق من جهة أخرى، وببقاء الكعبة شامخة سيظلّ هذا التأريخ متجسداً وعاكساً للتوحيد وعلماً ومعلماً نشأت عنه حقائق الدين؛ فيخلد بذلك التوحيد وثقافته ويحيا حياةً أبدية.
إنّ الحجّ تعليم عمليّ لثقافة المساواة والأخوّة والتعاون نحو الخير ومصلحة المسلمین، وهو فرصة ذهبية للتبليغ ونشر الثقافة الإسلامية الغنية في طبقاتٍ واسعةٍ من المسلمين حيث يبثّ عامل القوة في المجتمعات الإسلامية والذي له دور فاعل وأساسيّ.
ولا ريب في أنّ المقدمات الأولية للذهاب إلی الحجّ تتمثل بتعلّم الكثير من المسائل الإسلامية والتفقّه الابتدائي، وهي أرضية مناسبة تتيح لعلماء الإسلام إرشاد جموع غفيرة من المسلمين، ونشـر الثقافة الإسلامية وإشاعة التفقّه في الدين. وبالتأكيد فإنّ روحانية الحج هي نفسها عامل مهم يهیئ القلوب لتعلّم الحقائق والمعارف الدينيّة للإسلام.
يقول الإمام علي بن موسى الرضا7 مخاطباً الفضل بن شاذان:[24] «إنما أمروا بالحج لعلّة الوفادة إلی الله..... مع ما فيه من التفقّه ونقل أخبار الأئمةG إلی كلِّ صقعٍ وناحيةٍ كما قال الله عزوجل: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لّيَتَفَقّهُواْ فِي الدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوَاْ إِلَيْهِمْ لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ)».[25]
ولا تقتصر نعمة وبركة نشر المعارف والثقافة الإسلامية في مراسم الحج على المسلمين القادمين من أقصى البقاع أو أقربها، ذلك أن كلاً من هؤلاء المسلمين سينقل معه تلك الثقافة وما تعلمه إلى بلده ويعمل على نشرها هناك وبثّها في أواسط المسلمين كافّة، وعلى هذا يتخذ دور الحج أبعاداً أوسع وخصوصاً بتكرار عملية الحجّ كلّ عام، ويجعل من الدين أقوى آصرة تلم المسلمين وتضمن خلود الإسلام.
وقد وردت هذه الحقيقة في حديث قصير وبليغ للإمام علي7 حيث يقول: «فرض الله... والحجّ توقية للدين».[26] والإمام الصادق7 يصرِّح بهذه الحقيقة إذ يقول: «لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة».[27]
إنَّ النمو الثقافي هو الهدف الذي ينشده الإسلام في مناسك الحجّ البهيّة، ويقوّي هذه الأرضية ويعزّز الحقيقة القائلة: إنَّ جميع البشر على الرغم من الاختلاف في اللون والبشرة والعنصـر واللغة والميزات الإقليمية والتأريخية والطبقية وغيرها يتمتّعون بفطرة واحدة، وإنّ هذه الفطرة متساوية عند كلّ البشر، والتي تمنح الثقافة الإنسانية وترسمها بصورة عامّة وشمولية تامّة لماهية الإنسان.
وأثناء المسيرة التي تقطعها مناسك الحج تتحرّر الثقافات الجامدة، وتخرج عن نطاق العادات والسنن القومية والإقليمية ودائرة الهوية الوطنية، وتنتمي إلى الهوية الإسلامية الجامعة.
ويدرك الإنسان في الحجّ أصالة البنية التحتية للثقافة الإنسانية، التي هي نفسها الثقافة التوحيدية الإبراهيمية الخالصة دون أن يفقد الإنسان أياً من القيم الثقافية والعادات والتقاليد الخاصّة به، فيما يتعلّق بالمسائل والأشكال التي تؤلف حياته الطبيعية، مهما كانت جنسيته وقوميته.
والحقّ أنَّ الحج دورة تعليمية تتيح انتقال الثقافات، والتعرّف على الثقافة الإنسانية الفطرية للحصول على هوية ثقافية إسلامية مشتركة، فتتمسك الملايين بتلك الشجرة الطيبة الثابتة، وتأکل من ثمارها اليانعة إذ يقول تعالی:
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ٭ تتُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). [28]
وختاماً لهذا المقال و في نهاية بحثنا الموجز نأتي باقتراح نرجو أن ينال رضا الحاضرين في المؤتمر:
أولاً- ينبغي أن تقام مناسك الحج بطريقة يتمّ بواسطتها تواصل الشعوب الإسلامية، وبث الروابط فيما بين الثقافات والتراث والهويّات الوطنية على أساسٍ من التفاهم المنطقي وتتهيأ الأرضية المناسبة للتعاون والمشاركة الثقافية؛ والسياسية لتقوية وتعزيز التعرّف على الثقافة والهوية الإسلامية، على أساس المعايير والموازين الأصلية والمصالح المشتركة، فيزول بذلك كلّ جهل وتعصب، ويتحرّر عموم المسلمين من القيود التي فرضها الاستعمار الغربي باسم الثقافة الوطنية، بدل إحياء الثقافة الإسلامية الأصلية المشتركة بين المسلمين.
ثانياً- ينبغي أن تبدأ مراسم الحج باستئصال جذور الثقافة الاستعمارية، والارتباط الثقافي للشعوب الإسلامية بالغرب والشرق وكلّ المصادر التي تمّت بصلة إلى الاستعمار والاستثمار، حيث إنّ الحج رجوع وعود عقلاني إلى الإسلام الأصيل، وتعليم لإصلاح الإيمان ومعرفة لآثار وتراث الإسلام و رسوله9 وتذكرة للتفكير التوحيدي الفطري. لذا یجب على الحاجّ تجريد فكره وروحه وعقله ونفسه عن الثقافات غيرالتوحيدية، والارتباطات الثقافية التي تبعده عن الله ورسوله9 والتي تجذبه نحو خدمة المصالح الغربية والشرقية.
وکلّ ما يمکن أن نقوم به معاً هولأجل أن تتحقق الأمَّة الواحدة التي أرادها الله أن تکون خير الأمم، أخرجت للناس في قوله تعالی: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمـَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ).[29]
[1]. سورة الحج: 27- 28.
[2]. قال الباقر7: بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية... . وسائل الشيعة1: 7و8، أصول الكافي1: 315.
[3]. جواهر الكلام17: 214.
[4]. تحرير الوسيلة1: 370، وسائل الشيعة8: 19و21.
[5]. سورة الحج: 27،28.
[6]. سورة المائدة: 97.
[7]. سورة سبأ: 46.
[8]. من لا يحضره الفقيه2: 359، علل الشرايع: 57.
[9]. سنن ابن ماجة، المناسك5، سنن النسائي، الحج: 4.
[10]. سنن ابن ماجة، المناسك: 44.
[11]. صحيح البخاري، كتاب الجهاد: 62.
[12]. مسند أحمد بن حنبل5: 200.
[13]. أبعاد الحج في كلام الإمام الخميني=: 42 (نشر جمعية المعارف الإسلامية، ط1، بيروت-1422هـ).
[14]. سورة التوبة:3 .
[15].أبعاد الحج في كلام الإمام الخميني=:27 (نشر جمعية المعارف الإسلامية، ط1، بيروت-1422هـ).
[16]. أبعاد الحج في كلام الإمام الخميني=: 29 .
[17]. نهج البلاغة، الخطبة1.
[18]. من لا يحضره الفقيه2: 335، الخصال 2: 61.
[19]. سورة آل عمران: 97.
[20]. بحار الأنوار74: 59، وسائل الشيعة8: 21.
[21]. المحجّة البيضاء2: 145.
[22]. وسائل الشيعة8: 21.
[23]. علل الشرائع: 405، الحديث6.
[24]. عيون أخبار الرضا: 236.
[25]. سورة التوبة: 123.
[26]. نهج البلاغة، المواعظ والحكم، رقم 244.
[27]. الكافي4: 271، الحديث4.
[28]. سورة إبراهيم: 24- 25.
[29]. سورة آل عمران: 110.




























