emamian

emamian

خاصة الأولياء

الشجاعة صفة تتكون في النفس الإنسانية من خلال تدريبها، على اقتحام ما تهاب النفس منه، وهي صفة لا بد أن يحملها المجاهد في سبيل الله تعالى، وهي من الخلفيات الأخلاقية.

الشجاعة
الشجاعة صفة تتكون في النفس الإنسانية من خلال تدريبها، على اقتحام ما تهاب النفس منه، وهي صفة لا بد أن يحملها المجاهد في سبيل الله تعالى، وهي من الخلفيات الأخلاقية.
 
إن الشجاعة فرع من فروع الصبر، ولا يكون غير الصبور شجاعاً، ولهذا ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الشجاعة صبر ساعة"([1]).
 
وفي رواية أخرى عن الإمام الحسن عليه السلام وقد سئل عن الشجاعة فقال: "موافقة الأقران والصبر عند الطعان"([2]).
 
كما أن الشجاعة أيضاً فرع من فروع علو الهمة التي تحدثنا عنها في الدرس السابق، إذ أن عالي الهمّة لا يرضى بأن يكون من الخائفين، والباقين في الحفر تهيباً من صعود الجبال، بل تحمله همّته العالية لبلوغ أعلى الدرجات إلى اقتحام الصعاب بكل شجاعة، وإلى هذا المعنى أشارت الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "شجاعة الرجل على قدر همته، وغيرته على قدر حمّيته"([3]).
 
والشجاعة من الصفات التي يحبها الله تعالى في الإنسان المؤمن، وقد أكدت على ذلك العديد من الروايات الشريفة منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "واعلم أن الله يحب البصر النافذ عند مجيء الشهوات والعقل الكامل عند نزول الشّبهات، ويحب السماحة ولو على تمرات، ويحب الشجاعة ولو على قتل حيّة"([4]).
 
القوة
والقوة التي نتحدث عنها ليست قوة البدن، وحجم العضلات، وإنما نتحدث عن قوة أخرى، تجعل الإنسان قادراً على أداء عمله بكماله وتمامه.

وهذا ما وضّحه لنا الإمام الصادق عليه السلام حيث روي عنه أنه قال: "إنّ قوّة المؤمن في قلبه، ألا ترون أنكم تجدونه ضعيف البدن نحيف الجسم وهو يقوم الليل ويصوم النّهار؟!"([5]).
 
والقوة تنشأ من العمل المستمر والدؤوب، وأما الكسل والتراخي والتملص من أداء المهام، فإن كل هذا يسبب الخمول والضعف لدى الإنسان المجاهد، ولهذا المعنى أشار الإمام علي عليه السلام: "من يعمل يزدد قوّة، من يقصر في العمل يزدد فترة"([6]).
 
وعلى من يشعر بالضعف في نفسه، والعجز فيها عن القيام بالواجب أن يتذكر دائما ان الله تعالى لا يحب المؤمن الضعيف، وأن المؤمن القوي أحب إلى الله تعالى من الضعفاء، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. واحرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: "لو أني فعلت كان كذا وكذا"، ولكن قل: "قدر الله، وما شاء فعل"، فإنّ" لو "تفتح عمل الشيطان"([7]).
 
وعليه أن يزرع في قلبه دائماً فكرة أن لا يكون عالة على الآخرين وعبئاً عليهم، فإن عدم قيام المرء بالواجب الملقى عليه هو مخالفة للحكم الشرعي، وهو أيضاً خطيئة أخلاقية بحق العمل والعاملين أيضاً.
 
الحزم والاستقامة
يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾([8]).
 
تشير الآية الشريفة إلى مفهومين في غاية الأهمية بالنسبة لكل من يؤدي دوراً إلهياً، والمفهومان هما الحزم، والاستقامة.
 
فلا يكفي أن يعمل الإنسان على أداء تكليفه بأي طريق كانت بل عليه أولاً ان يكون حازماً في أدائه لهذا التكليف، بمعنى أن لا يقبل بأي شكل من أشكال التباطؤ، أو التراخي في التطبيق، فالحزم في أداء الواجب أمر مطلوب بل أمر إلهي لكل من يقول بالعمل.
 
فعن الإمام علي عليه السلام: "لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع ولا يضارع، ولا يتبع المطامع"([9]).
 
بل إن عاقبة قلة الحزم المهانة في يوم القيامة كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "إياكم والتّهاون بأمر الله، فإن من تهاون بأمر الله أهانه الله يوم القيامة"([10]).
 
والأمر الآخر هو الاستقامة، والاستقامة هي الثبات على النهج، وعدم التزلزل بسبب الظروف الطارئة والتي قد تجعل بعض الناس تنحى منحىً آخر غير الذي تسير فيه، فبعض الناس يسير في نهج سياسي مادام النهج يصب في صلاحه، ولو ظاهراً، ولكن إذا طرأ عليه أمر ما يخالف هواه أو ما يتمناه ينحرف إلى خط آخر يظن أن مطامعه تتحقق فيه، وهذا الشخص هو ما يسميه لنا أهل البيت عليهم السلام بالمتلون، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "اعلموا أن الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلوّن، فلا تزولوا عن الحق، وولاية أهل الحقّ؛ فإن من استبدل به هلك"([11]).
 
فالاستقامة هي الثبات وهي من صفات المؤمن بالله تعالى، أي المؤمن حقاً بل الاستقامة هي النتيجة التي تتحصل من ثبات الإنسان على مبدئه في المحن والبليَّات، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن له قوة في دين ...، وبرّ في استقامة"([12]).
 
كما أن للاستقامة أثراً مهما وهو السلامة، وليس المقصود من السلامة سلامة الجسد، بل سلامة النفس من الجنوح لمحل غضب الله تعالى، وسلامتها من السقوط في مستنقع الانحراف، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من لزم الاستقامة لزمته السلامة"([13]).
 
الصدق والأمانة
يقول الله تعالى في وصف المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون﴾([14]).
 
صفتان ليستا من صفات المجاهد فحسب بل هما صفتان من صفات أي مؤمن، ولا بد من توفرهما في المجاهد بشكل آكد.
 
تحتل هاتان الصفتان في سلم الأخلاقيات الإسلامية أعلى المراتب، بل لا يكون المؤمن كاذباً كما في الأحاديث الشريفة.
 
لقد جعلت الأحاديث الصدق والأمانة ميزاناً من موازين قياس الإيمان، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحجّ والمعروف، وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة"([15]).

وفضلاً عن هذا كله فإن الصدق والأمانة، سبيلان إلى وصول أعلى درجات الإيمان والقرب من الله تعالى، فهذا الإمام الصادق عليه السلام يخبرنا عن حال جده أمير المؤمنين عليه السلام فيقول: "أنظر ما بلغ به عليّ عليه السلام عند رسول صلى الله عليه وآله وسلم فالزمه؛ فإنَّ عليّاً عليه السلام إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصدق الحديث وأداء الأمانة"([16]).
 
* خاصّة الأولياء، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

([1]) الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، الحديث 9157.
([2]) ابن شعبة الحراني، الوفاة: ق 4، تحف العقول، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ص 226.
([3]) غرر الحكم: 5763.
([4]) ابن سلامة، وفاة: 454، مسند الشهاب، مؤسسة الرسالة، بيروت: 2 - 152 - 1080.
([5]) الشيخ الصدوق ،من لا يحضره الفقيه (381هـ )، جامعة المدرسين ،الطبعة الثانية 1404 هـ: 3-560-4924.
([6]) غرر الحكم: 7990 و7991.
([7]) النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، دار الفكر، بيروت - لبنان: 4 - 2052 - 34.
([8]) الشورى: 15.
([9]) نهج البلاغة: الحكمة 110.
([10]) البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، دار الكتب الإسلامية، طهران: 1 - 181 - 286.
([11]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 10 - 105 - 1.
([12]) الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2 - 231 - 4.
([13]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 78 - 91 - 95.
([14]) المؤمنون: 8.
([15]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 75 - 114 - 5.
([16]) الشيخ الكليني، الكافي. دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2 - 104 - 5.

سعيد السني

كاتب وصحفي

لحظة استهداف القسام دبابات إسرائيلية المصدر: (الإعلام العسكري)

في أحدثِ تصريحاته، قال الرئيس الأميركي جو بايدن: "إنّ وقف إطلاق النار ممكنٌ غدًا، في الحرب الدائرة بين إسرائيل، وحركة حماس.. إذا أطلقت الحركة، الرهائن الذين تحتجزهم في قطاع غزة".. كأنه يطلب منها الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لديها، بلا قيد ولا شرط.

بغضّ النظر عن تلاعُب "بايدن"، بالمفردات، والمغالطة، بتصوير العدوان الإسرائيليّ على الشّعب الفلسطيني في قطاع غزّة، بأنّه حربٌ بين إسرائيل، وحماس، فقد بدا الرجل، كما لو كان يهذي، أو في غيبوبة، ناسيًا قواعد السياسة التي أمضى عشرات السنين من عمره (82 سنة)، في محرابها، منذ انتخابه عضوًا بمجلس الشيوخ (1972).

التصريح يأتي تزامنًا مع الهجوم الإسرائيلي على رفح؛ ظنًا من بايدن أنّ جيش الاحتلال، قد ينجح فيما فشل فيه طوال حربه على قطاع غزة (220 يومًا). بينما الأخبار الواردة من قطاع غزّة، شمالًا وجنوبًا (رفح)، تشي بأنّ المقاومة أكثر شراسة في القتال، وتكبّد الاحتلال خسائر فائقة: (23 دبابة، وآلية، وجرافة، وعشرات القتلى والمصابين يوم الإثنين الماضي فقط).

انتزاع التنازلات

في الحروب- كما في حالة غزة-، تتوصّل الأطراف المُتحاربة، عبر المفاوضات، لحلول سياسية، تعكس أوزان قواها العسكرية على الأرض. هناك ثلاث حالات في مثل هذه الحروب؛ الأولى: أن المنتصر عسكريًا، يمكنه انتزاع التنازلات المطلوبة، من الطرف "المهزوم" بإعلان استسلامه، صراحة، أو ضمنًا (في الحرب العالمية الأولى من 1914- حتى 1918.. الحُلفاء فرضوا شروطهم على "ألمانيا" المهزومة في صيغة هُدنة). الثانية: أن تنذر الحرب، بإنهاك أحد طرفَيها، في القتال، فلا يجد مفرًّا من تجرع السُمّ، والقبول بشروط أو إملاءات، قد تكون مُهينة، رغبة في تجنب المزيد من الخسائر، وترحيلًا للمواجهة العسكرية إلى وقت، وظروف أفضل.

خِذلان السياسة للسلاح

ثالثة الحالات: أن يفتقد ساسة أحد طرفَي الصراع "الإرادة، والحنكة، والمناورة"، لانتزاع مكاسب توازي الإنجاز العسكري لقواتهم.. تبديدًا لما تحقق من انتصار. مثلما أعرب الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل (1923- 2016)، في أحد كُتبه (أكتوبر/تشرين الأول 73 السلاح والسياسة)، عن اعتقاده بأنَّ "السياسة" خذلت السلاح في حرب أكتوبر/تشرين الأول، ولم تُحسِن استثمار نتائج انتصار الجيش المصري على إسرائيل في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973م.

عودة لتصريح بايدن، بدعوة حماس إلى الإفراج عن "الرهائن"، فهو فضلًا عن عدم معقوليته.. كاشف لعجز الإدارة الأميركيَّة، عن الضغط على دولة الاحتلال للقبول بصفقة التبادل. نتيجة تعنُّت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وإصراره على اجتياح رفح؛ أملًا في تحقيق نصر مُحال على المقاومة الفلسطينيَّة العنيدة.

بايدن ورغبات نتنياهو

وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن؛ أعاد طوال أشهر هذه الحرب، ترديد "تصريح بايدن الأخير"، بصيغ أخرى؛ داعيًا "حماس"، في كل مرَّة، للاستسلام، وإعادة الأسرى الإسرائيليين، والخروج من غزة. هذه الدعوات الأميركية، لحماس، ما هي إلا إملاءات إسرائيلية بلسان أميركي، ترديدًا لرغبات وأهداف نتنياهو الذي لم يستطع جيشه، تحقيقها عسكريًا.. بما لا يسمح لبايدن أو غيره بإملاء الشروط.

لكن.. هل يمكن لحماس، إطلاق الأسرى الإسرائيليين، لديها بلا قيد.. بعدما أرهقت الجيش الإسرائيلي، ومرّغت سُمعته العسكرية بالتراب؟.. هل تستسلم لشروط "نتنياهو"، الذي يريدُ أسراه، دون الالتزام بوقف العدوان، وإطلاق الأسرى الفلسطينيين في سجونه؟. هل تستسلم الحركة، وتلقي سلاحها، وتخرج من غزة.. تَكرارًا لسيناريو خروج الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورفاقه من لبنان عام 1982؟

معضلة الإدارة الأميركية

المُعضلة التي تؤرق "الإدارة الأميركية"، تكمن في تورطها المباشر في الحرب على غزة، وإدراكها النزيفَ الذي يعاني منه جيش الاحتلال في الجُند، والعتاد.. مع إدراكها، استحالةَ تحقيق الجيش الإسرائيلي، أهداف نتنياهو من حربه على غزة. لا سيما، أنَّ أهالي الجنود الإسرائيليين يتظاهرون؛ طلبًا لوقف الحرب خشيةً على حياة أبنائهم، في ظل كثرة "القتلى" العسكريين الذين يتم تشييعهم يوميًا.. مع استمرار احتجاجات عائلات الأسرى لدى حماس، بما يعني تزايدًا للانقسام الداخلي الذي ينال من عزيمة أي جيش في حالة حرب، كما أنَّ المقاومة لا تزال تُلحق الخسائر الهائلة به.

الورقة الرابحة

من هنا، فإن "الإدارة الأميركية" تُمارس أقصى الضغوط السياسية، وبوسائل شتى، على "حركة حماس"، لإرغامها على الاستسلام، وتنفيذ مطالب نتنياهو منها.. لتحصل إسرائيل على ما تريد وتحقّق أهدافها حتى يمكنها ادّعاء الانتصار. مرة أخرى، هل يمكن لحماس الاستسلام، وإطلاق سراح "الأسرى الإسرائيليين" دون مقابل؛ امتثالًا لخيالات بايدن ورغبات نتنياهو؟.. بالقطع لا.. فهؤلاء الأسرى هم الورقة الرابحة بيد المقاومة حتى لو تحوّلوا جميعًا إلى جثث.. السوابق تؤكد ذلك، فلم تفلح إسرائيل في حروبها العديدة على غزة، ولبنان، بتحرير أسراها، أو استعادة جثثهم، دون صفقة واتفاق.

 أبوعبيدة وعزالدين القسّام

الاستسلام غير وارد لدى المقاومة الفلسطينيَّة، فالشعار المرفوع عن عقيدة، وإيمان، وقناعة، هو النصر أو الشهادة في سبيل الله.. يردّده الناطق باسم الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب القسام)، أبوعبيدة، في إطلالاته: "إنه لجهاد.. نصر.. أو استشهاد".

كتائب القسَّام.. تحمل اسم الشَّهيد السوري الشيخ عزالدين القسام (مواليد 1882)، الذي حشد "المجاهدين"، لقتال الاحتلال البريطاني في فلسطين.. واستشهد مع عشرة رجال، وهم يقاتلون الإنجليز لساعات طويلة (نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1935). حُوصر الشيخ القسّام في إحدى القرى الفلسطينية، وأغرقهم "الإنجليز" بالرصاص.. بعد فشل محاولاتهم، بإقناع أو إرغام الشيخ القسام ورفاقه بالاستسلام. كان شعارهم: "إنه لجهاد.. نصرٌ.. أو استشهاد".. الذي تتخذه فصائل "المقاومة" شعارًا لها.

ليس من شيم المقاومة الفلسطينية الاستسلام.. ستقاتل حتى النهاية؛ نصرًا.. أو استشهادًا.

نسأل الله أن يكون نصرًا بإذن الله.

أبحاث ومفاهيم

السنن التاريخيّة عبارة عن الضوابط والقوانين والنواميس التي تتحكّم في عمليّة التاريخ.

السنن التاريخيّة عبارة عن الضوابط والقوانين والنواميس التي تتحكّم في عمليّة التاريخ.

لقد بيّنت هذه الحقيقة في عدّة آياتٍ. في بعض هذه الآيات أعطيت الفكرة بصيغتها الكليّة، وفي بعض الآيات أعطيت على مستوى التطبيق على مصاديق ونماذج، وفي آيات أخرى حصل الحثّ الأكيد على الاستفادة من الحوادث الماضية، وشحذ الهمم لإيجاد عمليّة استقراء للتاريخ. وعمليّة الاستقراء للحوادث ـ كما تعلمون ـ هي عمليّة علميّة بطبيعتها، تريد أن تفتّش عن سنّةٍ، عن قانونٍ، وإلا فلا معنى للإستقراء من دون افتراض سنّةٍ أو قانونٍ. إذاً هناك ألسِنَةٌ متعددةٌ درَجت عليها الآيات القرآنيّة في مقام توضيح هذه الحقيقة وبلورتها.

تفرّد القرآن بمفهوم السنن التاريخيّة
وهذا المفهوم القرآنيّ يعتبر فتحاً عظيماً للقرآن الكريم، لأنّنا في حدود ما نعلم، القرآن أوّل كتابٍ عرفه الإنسان أكّد على هذا المفهوم، وكشف عنه وأصرّ عليه، وقاوم بكلّ ما لديه من وسائل الإقناع والتفهيم. الإنسان الاعتياديّ كان يفسّر أحداث التاريخ بوصفها كومةً متراكمةً من الأحداث، يفسّرها على أساس الصدفة تارةً، و تارةً أخرى على أساس القضاء والقدر والإستسلام لأمر الله سبحانه وتعالى. القرآن الكريم قاوم هذه النظرة العفويّة، وقاوم هذه النظرة الإستسلامية، ونبّه العقل البشريّ إلى أنّ هذه الساحة لها سننٌ، ولها قوانين، وأنّه لكي تستطيع أن تكون إنساناً فاعلاً مؤثّر، لا بدّ لك أن تكتشف هذه السنن، لا بدّ لك أن تتعرّف إلى هذه القوانين، لكي تستطيع أن تتحكّم فيها، وإلا تحكّمت هي فيك وأنت مغمض العينين.افتح عينيك على هذه القوانين، افتح عينيك على هذه السنن، لكي تكون أنت المتحكّم، لا لكي تكون هذه السنن هي المتحكّمة فيك.

هذا الفتح القرآنيّ الجليل، هو الذي مهّد إلى تنبيه الفكر البشريّ بعد ذلك بقرون، إلى أن تجرى محاولاتٌ لفهم التاريخ فهماً علميّاً. بعد نزول القرآن بثمانية قرون بدأت هذه المحاولات، بدأت على أيدي المسلمين أنفسهم، فقام ابن خلدون بمحاولةٍ لدراسة التاريخ وكشف سننه وقوانينه، ثمّ بعد ذلك بأربعة قرون ـ على أقلّ تقديرـ اتّجه الفكر الأوروبّي في بدايات ما يسمّى بعصر النهضة، بدأ لكي يجّسد هذا المفهوم الذي ضيّعه المسلمون، والذي لم يستطع المسلمون أن يتوغّلوا إلى أعماقه. هذا المفهوم أخذه الفكر الغربيّ في بدايات عصر النهضة، وبدأت هناك أبحاثٌ متنوّعة ومختلفةٌ حول فهم التاريخ، وفهم سنن التاريخ، ونشأت مدارس متعدّدة كلّ واحدةٍ منها تحاول أن تحدّد نواميس التاريخ.

وقد تكون الماديّة التاريخيّة أشهر هذه المدارس، وأوسعها تغلغلاً، وأكثرها تأثيراً في التاريخ نفسه. إذاً كلّ هذا الجهد البشريّ في الحقيقية، هو استمرار لهذا التنبيه القرآنيّ. ويبقى للقرآن الكريم مجده، في أنّه طرح هذه الفكرة لأوّل مرّةٍ على ساحة المعرفة البشريّة.

التأثير المباشر للسنن في عمليّة التغيير
إنّ البحث في سنن التاريخ مرتبطٌ ارتباطاً عضويّاً شديداً بكتاب الله بوصفه كتاب هدىً، بوصفه إخراجاً للناس من الظلمات إلى النور، لأنّ الجانب العمليّ البشريّ والتطبيقيّ من هذه العمليّة، يخضع لسنن التاريخ، فلا بدّ إذاً أن نستلهم، ولا بدّ إذاً أن يكون للقرآن الكريم تصوّرات وعطاءات في هذا المجال، لتكوين إطارٍ عامٍ للنظرة القرآنيّة والإسلاميّة عن سنن التاريخ.

إذاً هذا لا يشبه سنن الفيزياء والكيمياء والفلك والحيوان والنبات. تلك السنن ليست داخلةً في نطاق التأثير المباشر على عمليّة التاريخ، ولكن هذه السنن داخلةٌ في نطاق التأثير المباشر على عمليّة التغيير، باعتبار الجانب الثاني (البشريّ). إذاً لا بدّ من شرح ذلك ولا بدّ أن نترقّب من القرآن إعطاء عموميّات في ذلك. نعم لا ينبغي أن نترقّب من القرآن أن يتحوّل أيضاً إلى كتابٍ مدرسيٍّ في علم التاريخ وسنن التاريخ، بحيث يستوعب كلّ التفاصيل وكلّ الجزئيّات، حتّى ما لا يكون له دخل في منطق عمليّة التغيير التي مارسها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّما القرآن الكريم يحتفظ دائماً بوصفه الأساسيّ والرئيسيّ، يحتفظ بوصفه كتاب هدايةٍ، كتاب إخراج للناس من الظلمات إلى النور، وفي حدود هذه المهمّات الكبيرة العظيمة التي مارسها، في صدور هذه المهمّة، يعطي مقولاته على الساحة التاريخيّة، ويشرح سنن التاريخ. بالقدر الذي يلقي ضوءاً على عمليّة التغيير التي مارسها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، بقدر ما يكون موجّهاً وهادياً وخالقاً لتبصّرٍ موضوعيٍّ للأحداث والظروف والشروط. ونحن في القرآن الكريم نلاحظ هذه الحقيقة، حقيقة أنّ للتاريخ سنناً، أنّ الساحة التاريخيّة عامرةٌ بسننٍ كما عمرت كلّ الساحات الكونيّة الأخرى بسنن.

النصر الإلهي

الربط بين الإيمان والنصر من الأمور التي يمكن للإنسان أن يدركها. فالمؤمن يستند إلى ركنٍ وثيق هو الله، ويمتاز بدافع قويٍّ للتضحية لا يتوفّر عند غيره من الناس، فهو كما تقول الآية الشريفة:

أثر الإيمان في النصر
الربط بين الإيمان والنصر من الأمور التي يمكن للإنسان أن يدركها. فالمؤمن يستند إلى ركنٍ وثيق هو الله، ويمتاز بدافع قويٍّ للتضحية لا يتوفّر عند غيره من الناس، فهو كما تقول الآية الشريفة: ﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ﴾[1]. فاختلاف الرجاء والغاية التي يسعى الإنسان من أجلها تؤثّر في الدافع الذي يدفع الإنسان إلى التضحية وبذل النفس من أجله. وخاصّة إذا أخذنا بالاعتبار أنّ المؤمن يطلب إحدى الحسنيين كما تقدّم فإن انتصر فبها ونعمت وإن استشهد فإنّه ينقلب إلى ربٍّ غفور، فهو يعتقد أنّ بين حالين كلاهما حسن، ومن ينظر إلى الأمور بهذه الطريقة لا يعرف اليأس إلى قلبه سبيلًا. والشرط الأساس في هذه الصفة حتّى تؤثّر أثرها أن تبقى اسمًا ورسمًا وأما إن تحوّلت إلى اسم خالٍ من المضمون فلا ينبغي توقّع تحقّق الوعد الإلهيّ بالنصر، فالنصر المجانيّ غاية لا تدرك وبغية لا تُنال: "والحكم أعني النصر والغلبة حكم اجتماعيّ منوط على العنوان لا غير, أي إنّ الرسل وهم عباد أرسلهم الله والمؤمنون وهو جند الله يعملون بأمره ويجاهدون في سبيله ما داموا على هذا النعت منصورون غالبون، وأما إذا لم يبق من الإيمان إلا اسمه ومن الانتساب إلا حديثه فلا ينبغي أن يرجى نصرٌ ولا غلبة"[2]. وبالتالي قد يهزم المسلمون إذا فقدت أكثريّتهم الاتّصاف بهذه الصفة حتّى لو كان فيهم نبيّ من أنبياء الله تعالى: هناك جانب آخر لعمليّة التغيير التي مارسها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الأطهار، هذه العمليّة حينما تلحظ بوصفها عمليّة متجسّدة في جماعة من الناس وهم النبيّ والصحابة.. وبوصفها عمليّة قد واجهت تيّارات اجتماعية مختلفة من حولها واشتبكت معها في ألوان من الصراع والنزاع العقائديّ والاجتماعيّ والسياسيّ والعسكريّ... حينما تؤخذ العمليّة من هذه الزاوية تكون عمليّة بشريّة، يكون هؤلاء أناسًا كسائر الناس تتحكّم فيهم إلى درجة كبيرة سنن التاريخ التي تتحكّم في بقية الجماعات وفي بقيّة الفئات.. المسلمون انتصروا في بدر حينما كانت الشروط الموضوعيّة للنصر بحسب منطق سنن التاريخ تفرض أن ينتصروا، وخسروا المعركة في أحد حينما كانت الشروط الموضوعيّة في معركة أحد تفرض عليهم أن يخسروا المعركة... "لا تتخيّلوا أن النصر حقٌّ إلهيٌّ لكم، وإنما النصر حقٌّ طبيعيّ لكم بقدر ما يمكن أن توفّروا الشروط الموضوعيّة لهذا النصر بحسب منطق سنن التاريخ التي وضعها الله سبحانه وتعالى كونيًّا لا تشريعيًّا"[3].
 
العمل الصالح
العمل الصالح السابق على النصر واللاحق له من العناصر المهمّة في استنزال النصر. وقد بيّن الله هذا الأمر في عددٍ من الآيات. ونكتفي باستعراض أقل عددٍ ممكنٍ من هذه الآيات لأنّ مفهوم الإيمان في القرآن الكريم من المفاهيم المقرونة بالعمل الصالح في كثير من الآيات.

 
- قال الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾[4]. نلاحظ في هذه الآية أنّ النصر الذي يعد به الله تعالى مقيّدٌ بصفتين هما الإيمان والعمل الصالح.
 
- قال الله تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾[5]. تتحدّث الآية السابقة عن العمل الصالح السابق على النصر، وأمّا هاتان الآيتان فإنّهما تتحدّثان عن نصر الله لمن ينصره، ولكنّهما تقيّدان ذلك بما بعد النصر وتشترطان في هؤلاء الذين يدّعون الإيمان ويطلبون من الله النصر والتمكين أن يحافظوا على الصفات التي أهّلتهم لنيل النصر، وإلا فلن ينال النصر من الله من يضيّع ما أمره الله به. ولو فُرِض وحصل مثل هذا الأمر فإنّ الله يهدّد هؤلاء بالاستبدال بمن هو أهلٌ لأن يخصّه الله بنصره وتمكينه[6].
 
قال الله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾[7].
 
- قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾[8]، تشترك هاتان الآيتان في نكتة واحدة هي الوعد بفيض النعم الإلهيّة على بعض الناس لو أنّهم استقاموا على الشريعة التي شرّعها الله لهم، وأقاموا حدود الكتب السماويّة التي أتاهم بها أنبياؤهم. ووجه الربط بين هاتين الآيتين وبين النصر أنّ هذا الأخير نعمة من النعم الإلهيّة، وبناء على قاعدة "حكم الأمثال في ما يجوز وما لا يجوز واحد"، يمكن تعميم هذا الحكم من نعمة الأكل والشرب إلى غيرها من النعم كالنصر.
 
النصر الإلهي، سنن النصر في القرآن الكريم، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

 

محمود عبد الهادي

كاتب صحفي وباحث

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (الفرنسية)

في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، كتبت في هذه الزاوية مقالا بعنوان (المعركة الفاضحة) التي ستفضح جميع الأطراف المشاركة في حرب الإبادة الصهيو-أميركية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والأطراف الداعمة لها ماديا ومعنويا، والأطراف العاجزة، وها هي الفضائح تتوالى على رأس الولايات المتحدة، الشريك الرئيسي للكيان الصهيوني في هذه الحرب، وراعية النظام العالمي القائم على القواعد على حد زعم قادتها.

أحدث هذه الفضائح رسالة التهديد التي بعث بها ١٢ عضوا جمهوريا من مجلس الشيوخ الأميركي إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، يحذرونه فيها من مغبة الإقدام على إصدار مذكرات اعتقال بحق قادة سياسيين أو عسكريين من الكيان الصهيوني، وعلى رأسهم رئيس وزرائه ووزير دفاعه ورئيس أركانه، في خطوة تعتبر ضربة تدميرية شديدة تضاف إلى الضربات المتسارعة التي انهالت على النظام العالمي الأميركي وركائزه الفكرية والأخلاقية، وخاصة في أعقاب طوفان الأقصى.

الولايات المتحدة تهدد المحكمة الجنائية الدولية بإنهاء كل الدعم الأمريكي للمحكمة الجنائية الدولية، ومعاقبة موظفيها وشركائها، ومنعهم وعائلاتهم من دخول الولايات المتحدة.

عربدة بلا تجميل

الحديث عن عربدة الولايات المتحدة في العالم ليس جديدا، وهو أحد سلوكيات فرط القوة وشمول الهيمنة التي تعززت عالميا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي رسميا أواخر ديسمبر ١٩٩١م، وانتقال العالم من ثنائي القطبين إلى أحادي القطب، ودائما تكون العربدة تحت شعارات زائفة ومخادعة وبراقة للشعوب التي تجري العربدة على أراضيها وللشعب الأميركي على حد سواء، وأبرز هذه الشعارات: محاربة الإرهاب والاستبداد، وتعزيز الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان، والدفاع عن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وقد رأينا هذه العربدة كثيرا وخاصة في العقدين الأول والثاني من هذا القرن، في الصومال والعراق وأفغانستان واليمن وباكستان، ومؤخرا في تايوان وأوكرانيا.

إلا أن تحالف الولايات المتحدة مع الكيان الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لم يجد شيئا من الشعارات السابقة يتستر خلفها، بعد أن تساقطت الأكاذيب التي أسس عليها الكيان الصهيوني هذا التحالف، حتى وجدت الولايات المتحدة نفسها متورطة تماما في هذه الحرب التي وضعت إدارة الرئيس بايدن في موقف تهاوت معه أحلامه بدوره رئاسية ثانية، مثلما تهاوت تحت أكوام الدمار وجثث النساء والأطفال والضعفاء في غزة؛ الشعارات والأحلام الوردية التي بشر بها العالم عند استلامه للسلطة مطلع العام ٢٠٢١م.

وقد جاءت الرسالة التي وجهها ١٢ عضوا جمهوريا من أعضاء الكونغرس الأميركي للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، لتظهر الوجه الحقيقي الولايات المتحدة الأميركية والنظام العالمي الذي تقوده والقواعد التي يقوم عليها والشعارات التي ترددها، حيث كانت الرسالة تهديدا مباشرا للمدعي العام وفريقه، وتحذيرا شديد اللهجة من مغبة الإقدام على إصدار أي مذكرة اعتقال في حق قادة الكيان الصهيوني، جاء فيه "إذا أصدرتم مذكرة اعتقال للقيادة الإسرائيلية، فسنفسر ذلك ليس فقط على أنه تهديد لسيادة إسرائيل، بل لسيادة الولايات المتحدة. لقد أظهرت بلادنا في قانون حماية أفراد الخدمة العسكرية الأمريكية المدى الذي سنذهب إليه لحماية تلك السيادة". في إشارة إلى العقوبات التي أصدرتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في سبتمبر/ أيلول ٢٠٢٠م ضد المدعي العام السابق للمحكمة وفريقه ردا على قيام المحكمة بالنظر في ارتكاب القوات الأميركية جرائم حرب في أفغانستان.

وختمت الرسالة بالقول: "لن تتسامح الولايات المتحدة مع الهجمات المسيسة التي تشنها المحكمة الجنائية الدولية على حلفائنا. استهدفوا إسرائيل وسنستهدفكم. إذا مضيتم قدما في الإجراءات المشار إليها في التقرير، فسنتحرك لإنهاء كل الدعم الأميركي للمحكمة الجنائية الدولية، ومعاقبة موظفيكم وشركائكم، ومنعكم وعائلاتكم من دخول الولايات المتحدة. لقد تم تحذيرك".

وترى الرسالة أن إصدار مذكرات اعتقال دولية ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، تعتبر إجراءات غير شرعية تفتقر إلى أساس قانوني، وإذا تم تنفيذها فسوف تؤدي إلى فرض عقوبات أميركية شديدة على المحكمة وعلى المدعي العام، معتبرة أن دولة الكيان الصهيوني تقوم بإجراءات مشروعة للدفاع عن النفس ضد المعتدين المدعومين من إيران. وشددت الرسالة على أن "من شأن مذكرات الاعتقال هذه أن تضع المحكمة الجنائية الدولية في صف أكبر دولة راعية للإرهاب ووكيلتها"، أي أيران. كما أشارت الرسالة إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة خارج نطاق الولاية القضائية للمحكمة لأنهما ليستا أعضاء فيها.

أي عربدة هذه التي تدفع الولايات المتحدة إلى مخالفة مؤسسات النظام العالمي التي تزعم أنها مسؤولة عن حمايتها من أجل إقامة العدل والمساواة وحقوق الإنسان في العالم؟

التمادي في العربدة

أي عربدة هذه التي تدفع الولايات المتحدة إلى الوقوف في وجه محكمة دولية أنشئت لتختص بمحاكمة الأفراد الذين يفلتون من العقاب، والمتهمين بارتكاب جرائم إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب. أي عربدة هذه التي تدفع الولايات المتحدة إلى مخالفة مؤسسات النظام العالمي التي تزعم أنها مسؤولة عن حمايتها من أجل إقامة العدل والمساواة وحقوق الإنسان في العالم؟

ولكن؛ لماذا نستغرب قيام هذه العربدة من الولايات المتحدة ضد المحكمة الجنائية الدولية، وهي مسؤولية عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حق ملايين البشر، ليس هذا وحسب، بل هي المسؤولة عن ارتكاب الكيان الصهيوني لأعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بما يوفره له من غطاء سياسي، وبما تقدمه له من دعم عسكري متواصل على مدى الشهور السبعة الماضية؟ في الواقع يجب ألا نستغرب ذلك، فالعدالة والمساواة والحقوق ليست ما تنص عليه المواثيق والمعاهدات، وإنما ما تراه دول الاستكبار العالمي المهيمنة بقوتها على تفسير هذه المواثيق والمعاهدات بما يتناسب مع مصالحها ومصالح حلفائها.

لقد نظرت المحكمة منذ بداية عملها عام ٢٠٠٢م في أكثر من ٤٠ قضية، وأصدرت أكثر من ٣٠ مذكرة اعتقال بحق الأشخاص المتهمين فيها، منهم ١٧ متهما لم يتم القبض عليها حتى الآن، من بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال في مارس/ آذار من العام الماضي. وقد رحبت الرئيس الأميركي جو بايدن حينها بهذا القرار واعتبره نقطة قوية لصالح المحكمة لأن روسيا ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا، وهو نفسه الذي قام في بداية رئاسته؛ بإيقاف العقوبات التي فرضها سلفه على المدعي العام السابق للمحكمة.

وتماديا في عربدتها، وإمعاناً في التغطية على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي يقوم بها الكيان الصهيوني، وحماية لقادته من الاعتقال، وتحسباً لقيام المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق قادته، شرع الأعضاء الجمهوريون في مجلس النواب الأميركي مؤخرا في إعداد تشريع احترازي لفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية. ووصل الأمر إلى حد قيام مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين بعقد اجتماع عبر الإنترنت مع مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية قبل أسبوع للتعبير عن مخاوفهم بشأن أوامر الاعتقال المحتملة، ومحذرين من عواقب ذلك على علاقة الولايات المتحدة بالمحكمة، والعقوبات التي ستفرضها عليها في حال إقدامها على ذلك.

فهل سترضخ المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام وفريقه للتهديدات الأميركية تجنبا للتعرض لعقوبات مماثلة لما تعرض له الأمين العام السابق، بل من المتوقع أن تكون أشد منها؟ أم ستلتزم بنزاهتها واستقلاليتها، وتواصل عملها دون التفات لهذه التهديدات، معتمدين على دعم الدول الأعضاء في المحكمة، ومن بينهم غالبية الدول الأوروبية؟

المصدر :الجزیره

السبت, 18 أيار 2024 11:00

سر السجود في الصلاة وآدابه

يروى عن الصادق عليه السلام: "ما خسر والله من أتى بحقيقة السجود ولو كان في العمر مرّة واحدة وما أفلح من خلا بربه في مثل ذلك الحال تشبيها بمخادع نفسه غافلا لاهياً عمّا أعده الله للساجدين من أنس العاجل وراحة الآجل. ولا بعد عن الله أبدا من أحسن تقرّبه في السجود ولا قرب إليه أبداً من أساء أدبه وضيّع حرمته بتعلق قلبه بسواه في حال سجوده فاسجد سجود متواضع لله تعالى ذليل علم أنه خلق من تراب يطؤه الخلق وأنه اتخذك من نطفة يستقذرها كل أحد وكوّن ولم يكن وقد جعل الله معنى السجود سبب التقرب إليه بالقلب والسر والروح فمن قرب منه بعد من غيره، ألا ترى في الظاهر أنه لا يستوي حال السجدة إلا بالتواري عن جميع الأشياء والاحتجاب عن كل ما تراه العيون، كذلك أمر الباطن فمن كان قلبه متعلقا في صلاته بشيء دون الله تعالى فهو قريب من ذلك الشيء بعيد عن حقيقة ما أراد الله منه في صلاته، قال عزّ وجلّ: ﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾([1]). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله تعالى: لا اطلع على قلب عبد فاعلم فيه حب الاخلاص لطاعتي لوجهي وابتغاء مرضاتي إلا توليت تقويمه وسياسته ومن اشتغل بغيري فهو من المستهزئين بنفسه ومكتوب اسمه في ديوان الخاسرين"([2]).
 
سرّ السجود:
ترك النفس وغمض العين عمّا سوى الحق تعالى، وفي وضع الرأس على التراب إشارة إلى أن عظمة الله لا ترى وجماله لا يرى إلا إذا عرف الإنسان قدر فقره وذلّته فتواضع لله، فبذلك يرى عزّ الربوبية وجمالها وجلالها... وأدب وضع الرأس على التراس إسقاط أعلى مقامات نفسه عن عينه ورؤيتها أقل من التراب.

فالسجود تذكير للأنسان بأصله وهو التراب، وبتذكره لأصله يأمل منه أن يترك الاستكبار والعجب.
 
ووضع رؤساء الاعضاء الظاهرة (الرأس بما يحويه –اليدان- الرجلان) – على أرض الذلة والمسكنة – وتلك الأعضاء هي محال الإدراك، وظهور التحريك والقدرة – علامة التسليم التام وتقديم جميع القوى، فإذا قوي تذكر هذه المعاني في القلب فينفعل القلب بها تدريجيا فتحصل حالة هي حالة الفرار من بالنفس وترك رؤية النفس، وتنيجة هذه الحال حصول حالة الأنس بالله تعالى عبادته.
 


([1]) الأحزاب: 4.
([2]) مصباح الشريعة، باب 41، في السجود، ص91.

نشرع في ذكر العواقب الاجتماعية لترك هذه الفريضة. وقد سبق القول إن نفس الحرمان من بركات هذه الفريضة عقاب يضاف إليه جملة من الآفات:
 
1- إشاعة الفساد وإنقلاب القيم:
إن ترك أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيفسح المجال تلقائياً لشيوع الفساد وانتشاره، حيث لن يجد الفاسدون وازعاً ولا رادعاً يقف أمام جنوحهم، إضافة إلى أنه سيجرئ آخرين للانضمام إلى هؤلاء المفسدين ليعم الفساد في المجتمع بما لا يستثني حتى الساكتين والتاركين لهذه الفريضة. قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن المعصية إذا عمل بها العبد سراً لم تضر إلا عاملها، وإذا عمل بها علانية ولم يغير عليه أضرت بالعامة"([1]).
 
ولو استمر الهجران لهذه الفريضة، فإن الذوق العام سيصاب بداية بالشك ثم سيتحول إلى التلذذ بالمعصية إلى أن يصل أبناء المجتمع هذا إلى أن يعيبوا على القائم بهذه الفريضة، ثم يتطور الأمر إلى تحول المعصية والفساد إلى قيم بذاتها تحل محل الشرف والفضيلة والتدين.
 
وقد أشارا إلى هذا التدرج في الحديث المعروف عنها: "كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟
 
قالوا: أو يكون ذلك يا رسول اللَّه؟!
قالا: بلى وشر من ذلك! كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟!
قالوا: أو يكون ذلك يا رسول اللَّه؟!
قالا: بلى وشر من ذلك! كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفاً"؟!([2]).
 
2- تسلط الظالمين والأشرار:
إن اللَّه تعالى هو رب الناس جميعاً ومن مقام ربوبيته يوفّق الأفراد والمجتمعات إلى ما يليق بها من كمال بشرط أهليتها المنوطة بقيامها بواجباتها وأداء تكاليفها المعبرة عن اندفاعها للتربية الإلهية، فليس الأمر في الدنيا قائماً على الجبر وقد سبق القول إن نصر اللَّه للأفراد كما للمجتمع الإسلامي في دائرة الحياة الفردية والاجتماعية، متوقف في أحد نواحيه على نصر دين اللَّه عبر القيام بأداء وإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 
ولذا فإن خذلان دين اللَّه من خلال ترك هذه الفريضة ستكون نتيجته خذلان اللَّه لهذه الأمة ولهذا المجتمع.
 
وبالتالي فإن النتيجة ستكون حرمان هذا المجتمع من العناية والرعاية الربانية وأيضاً فإن النتيجة الموضوعية الطبيعية هي قيام ونشوء بيئة فاسدة سوف لن تنتج إلا أفراداً فاسدين، وولاة أمر هذا المجتمع سوف يكونون على شاكلتها وإلى هذا أشار الإمام علي عليه السلام: "لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله أمركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم"([3]).
 
3- العذاب من اللَّه:‏
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنما يجمع الناس الرضا والسخط وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم اللَّه بالعذاب لما عموه بالرضا"([4]).
فالمجتمع الذي لا يقوم بهذه الفريضة يصبح محلاً لسخط اللَّه، وبالتالي فإن التقصير في أداء هذا التكليف لن تكون نتيجته فقط ما يترتب عليه موضوعياً من فساد وتسلط الظالمين، بل إن نزول العذاب حينها لن يكون مختصاً بمرتكبي المحرمات بل سيكون عاماً.
 
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليعمنّكم عذاب اللَّه"([5]).
 
4- نزع بركة الرزق:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "أيما ناشئ نشأ في قوم ثم لم يؤدب على معصيته فإن اللَّه أول ما يعاقبهم فيه، أن ينقص في أرزاقهم"([6]).
 
إن اللَّه عزَّ وجلّ‏ لا يمنع رزقه عن مخلوق حتى الملحدين فهو القائل ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾([7]).
 
ولكنّ لبعض الذنوب، وعلى رأسها ترك القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آثاراً كشفت عنها الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام تتعلق بإدرار الرزق أو نقصه أو ذهاب بركته.
 
بل أكثر من ذلك، إن القيام بأداء التكاليف وإقامة الدين سبب في ازدياد الرزق ونمو بركته، كما أن ترك أداء هذا التكليف موجب لقلة الرزق وذهاب بركته.
 
خاتمة:
إن أهم الآثار التي تترتب على التقصير في أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو انقلاب الموازين في المجتمع، وانقلاب المفاهيم والقيم حتى تصل الأمور إلى ما يشبه المسخ. فكما أن أداء هذه الفريضة له دور في صناعة جمال الأمة وجلالها، فكذلك ترك أداء هذه الفريضة سيؤدي إلى ضعف جهاز مناعة هذه الأمة الثقافي والتربوي والأمني والاقتصادي بما يؤدي إلى صيرورة هذه الأمة وهذا المجتمع مخلوقاً غير متوازن الخلقة مشوهاً.
 
وبمعنى آخر فإن ترك هذه الفريضة يسلب الأمة شخصيتها ويفقدها استقلالها لتصبح محلاً للغزوات المختلفة الأنواع بما يؤهلها للسقوط فالموت الذي نرجو أن يجنب اللَّه أمتنا منه.
 
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر والتقوى فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت عنهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء"([8]).
  


([1]) وسائل الشيعة ج‏16ص‏136.
([2]) الكافي ج‏5 ص‏59.
([3]) الكافي، ج‏7، ص‏52.
([4]) بحار الأنوار، ج‏60، ص‏214.
([5]) جواهر الكلام، الشيخ الجواهري، ج‏21، ص‏359.
([6]) وسائل الشيعة، ج‏16، ص‏133.
([7]) سورة الإسراء، الآية: 20.
([8]) وسائل الشيعة، ج‏11، ص‏398.

أرشدتنا الروايات الشريفة إلى أعمال ترفع وحشة القبر، ومن هذه الأعمال:
 
صلاة ليلة الوحشة:
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:
"لا يأتي على الميِّت ساعة أشدّ من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة، فإن لم تجدوا فليصلِّ أحدكم ركعتين يقرأ فيهما فاتحة الكتاب مرّة وآية الكرسي مرّة، وقل هو الله أحد مرّتين، وفي الثانية فاتحة الكتاب مرّة وألهاكم التكاثر عشر مرّات وسلم ويقول:
اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وابعث ثوابها إلى قبر ذلك الميت فلان بن فلان، فيبعث الله مِن ساعته ألف ملك إلى قبره مع كل ملك ثوب وحلة ويوسع في قبره من الضيق إلى يوم ينفخ في الصور ويعطى المصلي بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات ويرفع له أربعون درجة"([1]).
 
إتمام الركوع:
عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنه قال:
"من أتمّ ركوعه لم تدخله وحشة القبر"([2]).
 
الذكر الخاص:
وورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "من قال مائة مرّة (لا إله إلاّ الله الملك الحقّ المبين) أعاذه الله العزيز الجبار مِن الفقر وآنس وحشة قبره واستجلب الغنى واستقرع باب الجنّة"([3]).
 
قراءة سورة (يس) قبل النوم:
عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إنّ لكلِّ شيءٍ قلبا وإنّ قلب القرآن يس، من قرأها قبل أن ينام أو في نهاره قبل أن يمسي كان في نهاره من المحفوظين والمرزوقين حتّى يمسي. ومن قرأها في ليلة قبل أن ينام وكّل الله به ألف ملك يحفظونه من شرِّ كلِّ شيطان رجيم، ومن كلِّ آفة. وإنْ مات في يومه أدخله الله به الجنّة، وحضر غسله ثلاثون ألف ملك كلُّهم يستغفرون له، ويشيِّعونه إلى قبره بالاستغفار له. فإذا دخل في لحده كانوا في جوف قبره يعبدون الله، وثواب عبادتهم له، وفسح له في قبره مدّ بصره، وأُومن من ضغطة القبر، ولم يزل له في قبره نورٌ ساطع إلى عنان السماء إلى أن يخرجه الله من قبره... الحديث"([4]).
 
صلاة ليلة الرغائب:
وكذلك صلاة ليلة الرغائب، وهي أوّل ليلة من ليالي الجمعة من رجب فيها عمل مأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذو فضل كثير، وقد وقد ورد في فضلها عن رسول الله أنّه قال: "والذي نفسي بيده لا يصلي عبد أو أمة هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه، ولو كان ذنوبه مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزان الجبال وعدد ورق الأشجار ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار، فإذا كان أول ليلة في قبره بعث الله إليه ثواب هذه الصلاة في أحسن صورة فيجيئه بوجه طلق ولسان ذلق فيقول: يا حبيبي أبشر فقد نجوت من كل سوء فيقول: من أنت فوالله ما رأيت وجها أحسن من وجهك، ولا سمعت كلاما أحسن من كلامك، ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك، فيقول: يا حبيبي أنا ثواب تلك الصلاة التي صليتها في ليلة كذا من شهر كذا في سنة كذا، جئتك هذه الليلة لأقضي حقك وأونس وحدتك، وأرفع وحشتك، فإذا نفخ في الصور ظللت في عرصة القيمة على رأسك فأبشر فلن تعدم الخير أبدا".
 
عيادة المريض:
فعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: "كان فيما ناجى به موسى عليه السلام ربّه أن قال: يا ربّ أعلمني ما بلغ من عيادة المريض من الأجر؟، قال عزّ وجلّ: أوكِّل به ملكا يعوده في قبره إلى محشره"([5]).
 
تولِّي أمير المؤمنين عليه السلام:
روِي عن أبي سعيد الخدري أنّه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "يا علي أبشر وبشِّر فليس على شيعتك حسرة عند الموت، ولا وحشة في القبور، ولا حزن يوم النشور. ولكأنّي بهم يخرجون من جدث القبور ينفضون التراب عن رؤوسهم ولحاهم، يقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إنّ ربّنا لغفور شكور الذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسُّنا فيها نصب ولا يمسُّنا فيها لغوب"([6]).
  


([1]) المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة - ج 88 ص 219
([2]) م . ن .ج6 ص244
([3]) م . ن . ج 90 ص 207
([4]) الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - دار إحياء التراث - بيروت –ج 6 ص 247
([5]) الكليني-الكافي-دار الكتب الاسلامية- طهران - الطبعة الخامسة - ج3 ص121
([6]) المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة ج 95 - ص 396

المأمون رجل ذكي، وهذا ما يمكن أن نفهمه من إسناد ولاية العهد للإمام عليه السلام، وحقاً يجب القول أن سياسة المأمون كانت تتمتع بتجربة وعمق لا نظير له، لكن الطرف الآخر الذي كان في ساحة الصراع كان الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام وهو نفسه الذي كان يحول أعمال وخطط المأمون الذكية والممزوجة بالشيطنة إلى أعمال بدون فائدة ولا تأثير لها وإلى حركات صبيانية كما سنرى في الكلام عن ولاية العهد وهناك عدة شواهد على هذه الشيطنة، ففي عصره كان يتم ترويج العلم والمعرفة بحسب الظاهر، وكان العلماء يدعون إلى مركز الخلافة، ويبذل المأمون الهبات والمشجعّات للباحثين وذلك لإعداد الأرضية لانجذابهم نحوه، وعلاوة على هذا فقد حاول جذب الشيعة وأتباع الإمام إليه من خلال القيام ببعض الأعمال، فمثلاً كان يتحدّث عن عدة أمور منها:

 - أن علياً عليه السلام أكثر أهلية وأولى بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله.

- جعل لعن معاوية وسبه أمراً رسمياً.

- أعاد للعلويين ما غصب من حق السيدة الزهراء عليها السلام في فدك.

وبالنتيجة كان يبذل قصارى جهده لإرضاء الناس حتى يستطيع بسهولة الاستقرار على مركب الخلافة2.
 
ولاية العهد أهدافها، أسبابها ونتائجها:
بعد مقتل الأمين استلم المأمون الخلافة سنة 198ه، وأسند ولاية العهد للإمام عليه السلام سنة 201 للهجرة، وكان وراء هذا العمل عدة أهداف منها:
 
1- التهدئة للأوضاع الداخلية:
بعد استلام المأمون الخلافة بسنة واحدة أي 199ه، اندلعت ثورات عظيمة وحركات تمرد واسعة قادها العلويون، حيث خرج أبو السرايا السري بن منصور الشيباني بالعراق ومعه محمد بن إبراهيم ابن إسماعيل الحسني، فضرب الدارهم بالكوفة بغير سكة العباسييّن، وسير جيوشه إلى البصرة وقد توزعت الثورة على عدة جبهات:
 جبهة البصرة بقيادة العباس بن محمد بن عيسى الجعفري.
 وجبهة مكة بقيادة الحسين بن الحسن الأفطس.
 وجبهة اليمن بقيادة إبراهيم بن موسى بن جعفر عليه السلام.
 وجبهة فارس بقيادة إسماعيل بن موسى بن جعفر عليه السلام.
 وجبهة الأهواز بقيادة زيد بن موسى.
 وجبهة المدائن بقيادة محمد بن سليمان([1]).
ولذلك كان الهدف الأول من دعوة الإمام عليه السلام إلى خراسان تحويل ساحة المواجهة العنيفة والملتهبة إلى ساحة مواجهة سياسية هادئة.
 
2- سلب القداسة والمظلومية عن الثورة:
الشيعة لم يكونوا يعرفون التعب أو الملل في المواجهة ولم تكن ثورتهم لتقف عند حد. وهذه المواجهات كان لها خاصيتين
الأولى: المظلومية.
الثانية: القداسة([2]).
 
المظلومية التي كانت تتمثل بانتزاع الخلافة والاضطهاد والقتل الذي تعرض له أئمة أهل البيت عليهم السلام من عهد مولانا الإمام علي عليه السلام إلى عهد مولانا الرضا عليه السلام وما بعده.
 
أما القداسة: فهي التي يمثلها الإمام المعصوم من خلال ابتعاده عن أجهزة الحكم وقيادة الناس وفقاً لمنهج الإسلام المحمدي الأصيل.

إن المأمون العباسي حاول من خلال ولاية العهد أن يسلب هذه القداسة والمظلومية اللتان تشكلان عامل النفوذ الثوري في المجتمع الإسلامي.

لأن الإمام عندما يصبح ولي عهد سينضم حسب تصور المأمون إلى أجهزة الحكم وينفذ أوامر الملك في التصرف بالبلاد إذن فهو لم يعد لا مظلوماً ولا مقدساً.
 
3- إضفاء المشروعية على الخلافة العباسية:
إنَّ بيعة المأمون عليه السلام وقبول الإمام بذلك يعني حصول المأمون على اعتراف من العلويين، على أعلى مستوى بشرعية الخلافة العباسية وقد صرح هو بذلك " فأردنا أن نجعله ولي عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا".
 
لأن هذه البيعة تعني بالنسبة للمأمون: أن الإمام يكون قد أقر بأن الخلافة ليست له دون غيره، ولا في العلويين دون غيرهم ولذلك إن حصول المأمون على هذا الاعتراف ومن الإمام عليه السلام خاصة، يعتبر أخطر على العلويين من الأسلوب الذي انتهجه أسلافه من أمويين وعباسيين ضدهم، من قتلهم وتشريدهم، وسلب أموالهم([3]).

وهناك أهداف كثيرة ذكرت في الكتب للبيعة كأن يكسب المأمون سمعة معنوية وصيتاً بالوقار والتقوى، وأن يتحول الإمام إلى حامي ومرشد للنظام إلى غيرها من الأهداف.
  


([1]) تاريخ الإسلام، المنظمة العالمية للحوزات، ج3، ص161 160.
([2]) راجع: الخامئني، السيد علي، الدروس العظيمة من سيرة أهل البيت عليه السلام، ص 191 190(بتصرف).
([3]) الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام، (م. س)، ص 238 - 239.

2024-05-17

 قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، زار  اليوم الإثنين، معرض طهران الدولي للكتاب.

وفي حديث خلال الزيارة أكد سماحته على المسؤولين بوزارة الثقافة ومنظمة الاعلان الاسلامي، ان يوفروا كامل الدعم للناشطين في مجالات طباعة ونشر الكتب، كما اشاد بالجهود التي بذلت من قبل الجهات المعنية في هذا الخصوص؛ داعيا الى مواصلة هذا المسار.

ودعا قائد الثورة الناشطين عبر الفضاء الافتراضي، بان يضعوا نصب مسؤولياتهم ومن خلال برامجهم ومنشوراتهم الترويجية، التحفيز على ثقافة مطالعة الكتب في المجتمع.

وعن معرض طهران الدولي للكتاب هذا العام، قال سماحته ان زيادة الاصدارات الحديثة، واعادة نشر بعض الكتب المناسبة باعداد كبيرة، من الاخبار السارة التي يبشر بها المعرض؛ كما جدد التاكيد على المسؤولين بضرورة التركيز على نشر الكتب المناسبة لجيل الشباب وتشجيعهم على المطالعة واكتساب المعرفة.

 

وتقام الدورة الــ 35 لمعرض طهران الدولي للكتاب تحت شعار "هيا نقرأ ونبني" في الفترة من 8 إلى 19 مايو في مصلى الامام الخميني (رض) وعلى نظام ketab.ir بشكل افتراضي.

ويشارك في معرض طهران الدولي للكتاب أكثر من 2619 ناشرًا وسيتواجد في المعرض، ناشرون من 60 دولة ولديهم 50 ألف عنوان كتاب أجنبي.

وتم عرض 45 ألف عنوان كتاب أجنبي في معرض الكتاب العام الماضي  وهذا العام، تحل اليمن ضيفًا خاصًا على معرض طهران للكتاب.