
emamian
ازدواجية معايير أم صراع حضارات.. كيف نفسر سلوك الغرب تجاه المشرق في ضؤ الحرب؟
يحيى عالم
باحث سياسي مغربي في قضايا الفكر العربي الإسلامي والفلسفة
أعاد الاصطفاف لدى معظم الدول الغربية في الموقف الرسمي مما يجري من الحرب على غزة إلى الأذهان طبيعة العلاقة بين الغرب والشرق (غيتي)
تشكِّل الحرب الدامية على غزة- والتي تجاوزت حتى الآن أكثر من شهرين- اختبارًا حقيقيًا لمواقف عدد من الدول في الانتصار للقيم الإنسانيَّة الكبرى في الحرية والعدالة والمساواة، مما غذَّى المنظور السائد بالانتقائية في التضامن والتعاطف، وازدواجية المعايير في الحكم والموقف من الأحداث التي تجري في الشرق والغرب، إذ يكون الحافز فيها، عادة، خاضعًا للمصالح على حساب المبادئ، تلك المبادئ والقيم التي تعتبر دستور العصر في تقرير المصير وحقوق الإنسان.
الإنسان بمعناه المطلق، حيثما كان ومهما كانت خلفيته الدينية والثقافية والعِرقية؛ كما هو متداول، خطابيًا على الأقلّ، في الفكر والمواثيق الدولية.
انكشفَ على مدار هذين الشهرين حجمُ التناقض- إن لم نقل الزيف- الذي يعتري هذه القيم الإنسانية الغربية؛ ذلك أن الناظر لما تمت مراكمته في مدونة حقوق الإنسان وفلسفة الحريات والمساواة والعدالة مع نموذج الديمقراطية الليبرالية في أميركا وأوروبا، انهار تمامًا على مستوى التجليات في الواقع العملي، حيث تسود المصلحة الخالية من القيمة، والقوة العارية من الأخلاق، ليس في رؤية الشعوب العربية والإسلامية وحسب- والتي لها تجارب مريرة مع أشكال القوة والاستعمار والخراب باسم تلك الشعارات نفسها – وإنما لدى لفيف عريض من الرأي العام الغربي نفسه.
استيقظ الرأي العام الغربي على رسالة معمّدة بشلال الدم في غزة، مصحوبة بمواقف سياسية عبَّرت عن انتكاسة أخلاقية عميقة، قد تكون لها آثارٌ ممتدة على مدى الزمن في المواقف النفسية والمعرفية للشعوب العربية والإسلامية، من هذه الدول التي لم تتخلص من عقدة الاستعلاء في النظر إلى الآخر، حضارة وثقافة وشعوبًا، مما قد يدفع للواجهة حدة التباين بين الشرق والغرب، ويذكي الاختلاف والتمايز على أساس ثقافي وحضاري.
فهل يمكن أن تدفع مواقف أوروبا وأميركا- المنحازة لإسرائيل انحيازًا مطلقًا- إلى رسم خريطة جديدة للعالم على أسس ثقافية حادة، ومن ثم تعميق الهوة بين الغرب والشرق؟ أم أن يقظة الضمير لدى الرأي العام الغربي- والتي تجلت في تعاظم التعاطف مع القضية الفلسطينية- يمكن أن تحدث توازنًا في الأمد المنظور، ومن ثم الدفع بالسردية السائدة إلى التغيير؟
كانت رؤية هنتغتون الصدامية للحضارات والثقافات قائمة على تغذية النزاع والصراع على أسس ثقافية حادة بين الشرق والغرب، تقدم الإسلام والثقافة العربية والإسلامية في صبغة العنف المستلهم من الأصول الدينية
عودة الانقسام الحاد بين الغرب والشرق
لم يكن بالنسبة للرأي العام العربي والإسلامي- وهو يتابع مواقف عدد من الدول الغربية الكبرى، وتقديمها الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل – أن يفهم ذلك بعيدًا عن التحالف بصبغة حضارية وثقافية، بالإضافة إلى المصالح المشتبكة من حيث الدور الوظيفيّ الذي تقوم به في الشرق الأوسط.
كان الأمر مريبًا بالنسبة للبعض، وهو يشهد زيارات الدعم والمساندة، والتماهي مع الرواية الإسرائيلية وتوفير الغطاء السياسي التام لعملية عسكرية أودت بحياة الآلاف من الأطفال، منهم الخدج، والنساء والشيوخ، مع التهجير القسري، وتدمير المستشفيات ودور العبادة؛ من مساجد وكنائس على من فيها من الراغبين في الاحتماء بقدسية أماكن العبادة والرعاية الصحية.
جرت العادة والعرف الأخلاقي في الحروب وحسب المواثيق والقوانين، أن لكل حرب حدودًا أخلاقية لا تتجاوزها، وأماكن لا يُتجرَّأ عليها، لكن الذي حدث على مرأى من العالم هو نقيض ذلك تمامًا، كل ذلك والدول التي أبدعت في صياغة المفاهيم والنظم الأخلاقية المعاصرة، توفر الغطاء لانتهاك هذه المفاهيم والنظم، مما يرسخ حالة الازدواجية والتناقض.
يكشف ذلك أنّ المواقف في كثير من الأحيان، تتحدد على أرضية بعيدة عن الدوافع الأخلاقية والقيمية، وهو ما عززته سردية الخطاب السياسي والإعلامي الذي يبرّر الحرب، ويعتبر كل نقد سياسي وأخلاقي- يذكر بمشكلة الاحتلال والاستيطان وهضم حقوق الشعب الفلسطيني- معاداةً للسامية، تستوجب التجريم قانونًا، وتحاصر على مستوى الإعلام وفي الواقع.
لم يتم الانتباه إلى أن طبيعة هذا الانزياح- في المواقف والسياسات الداعمة للتطهير العِرقي والتنكيل بالفلسطينيين بأكثر الأنماط بشاعة ودموية في التاريخ- ستزيد من الهوّة بين الشرق والغرب، وتعمق الاختلافات على أسس حادة وتهدم جسورًا من علاقات هذه الدول مع شعوب العالم العربي والإسلامي، التي تحتفظ في وجدانها وثقافتها وتاريخها بمكانة خاصة لفلسطين والمسجد الأقصى.
بل إنّ الاختلالَ على مستوى المعايير المحددة للمواقف السلبية والاصطفافات التي جرت على بساط الدم الفلسطيني، هو تاريخٌ من الاصطفافات المشابهة، سواء مع محنة الشعب الفلسطيني الممتدة، أو مع أحداث مشابهة عديدة منذ زمن المد الاستعماري، والتي تكون فيها الديناميات والبواعث للمواقف- كما هو متداول في حديث الساسة والإعلاميين ــ قائمةً على الـ "نحن" والـ"هم"، بخلفية تتداخل فيها الثقافة بالسياسة بالجوانب الحضارية والدينيّة العامة، بكثير من التعميم والحدية، بعيدًا عن الحس الأخلاقي والعقلاني، مما يستدعي جذورًا للصراع تشكل خطرًا على المستقبل.
ينتعش الصدام الحضاري حينما تنعدم المعايير الإنسانية والأخلاقية
أعاد الاصطفاف لدى معظم الدول الغربية- في الموقف الرسمي مما يجري من الحرب على غزة- إلى الأذهان طبيعة العلاقة بين الغرب والشرق، التي اتسمت تاريخيًا بكثير من أوجه المد والجزر: التوافق حينًا والصدام أحيانًا أخرى، وقد كانت أوجه النزاع السياسي والعسكري، بشكل مستمر، عاملًا رئيسيًا في تغذية التباين الثقافي وإبراز عناصر الاختلاف الديني والحضاري.
وعلى الرغم من أن الغرب ليس كتلة واحدة، وإنما هو كتل متنوعة متداخلة، والشرق ليس كما هو متخيل لدى العديد من الساسة والمثقفين الغربيين، فإن الموقف الحاد الذي تشكل من حضارة العرب والمسلمين- على مسرح التاريخ منذ القرون الوسطى إلى الأندلس، ثم الاستعمار لاحقًا – جعل العلاقة مضطربة، ومنح الاختلاف والتباين أولوية على محاولات التواصل والتعاون.
أخذ هذا التوجه الجيوسياسي في التشكل عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، مع هندسة خريطة العالم على أسس ثقافية وحضارية، من طرف من يحملون هذه النزعة الثقافية، من أمثال: برنارد لويس، وصامويل هنتغتون.
وذلك من خلال تجسيد التحدي الجديد أمام الولايات المتحدة الأميركية في الأيديولوجيا التي يحملها الإسلام، تجسيدًا يتسم بالتعميم المخلّ والسطحي وينظر للعالم على أسس وقوالب حضارية وثقافية أحادية وجامدة، وليس على محددات ديناميكية تعددية ومتفاعلة تستطيع أن تنمي جسور التواصل بعدالة وإنصاف، والتشبيك بين الثقافات والشعوب على أسس وقواعد من الفهم والاحترام المتبادل.
مثلت رؤية هنتغتون الصدامية للحضارات والثقافات- والتي هيمنت على وعي المحافظين الجدد مدة من الزمن- تعبيرًا عن توجّه إستراتيجي لدى الولايات المتحدة الأميركية حينها، وهي رؤية قائمة على تغذية النزاع والصراع على أسس ثقافية حادة بين الشرق والغرب، تقدم الإسلام والثقافة العربية والإسلامية في صبغة العنف المستلهم من الأصول الدينية.
على الرغم من اندثار هذا الرأي على المستوى الخطابي لدى الأكاديميين والسياسيين، فإن الممارسات التي يشهدها النزاع الحالي في فلسطين اليوم، أعادت هذا الرأي إلى الواجهة من جديد.
بل إن البعض اتّجه رأسًا إلى الحديث عن ضرورة تعديل مناهج التربية والتعليم من أجل نزع بذور العنف من وعي الفلسطينيين، وإلى تصوير الصراع كأنه صراع ديني صرف، وفي ذلك أمران جديران بالملاحظة:
- أولًا: إغفال حقيقة الدين الإسلامي ومدى ما تستبطنه قيمه ونصوصه وتجربته الحضارية من تأسيس للتعايش والتسامح والرحمة على أسس أخلاقية متينة.
- ثانيًا: هذا فيه نوع من الالتفاف والتعمية على أصل المشكلة التي أصبحت موضع تعاطف إنساني شامل بمن فيهم ساسة دول غربية.
وأصل المشكلة قائمٌ في الاحتلال والاستيطان والفشل الأممي في تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وَفق ما نصت عليه واعترفت به القرارات الأممية كحد أدنى وإلزام إسرائيل باحترام القانون الدولي، وضرورة رفع الحصار عن مليوني إنسان في غزة على المدى الطويل.
ما يتوجب القيام به الآن، إنقاذ غزة من لهيب النار ومن آلاف الأطنان من المتفجرات التي تدمر العمران وتحرق الإنسان أمام مرأى ومسمع من العالم.
إن ما نشهده من قلب للحقائق وتزييف الوعي يجعل، من هذا الحجم من الدم المتدفق دون مراعاة لحرمة الإنسان وقدسيته وحقه في الحياة وتقرير مصيره، واحدة من أبشع ما مر على الإنسانية من جرائم.
كان الأحرى بالوعي الإنساني أن يستيقظ حينما اعتبر وزير في حكومة الحرب، أن الفلسطينيين مجرد حيوانات بشرية، فالوصف بما هو دون الإنسان، أو نزع صفة الإنسانية والآدمية، هو مقدمة لممارسة عملية تطهير وقتل جماعي.
لكن هذا التصريح ورد في سياق كان فيه التسابق جماعيًا لتقديم الغطاء لما نرى فصوله من مأساة راهنة، ستكون آثارها عميقة على العلاقة بين الشرق والغرب على المدى الإستراتيجي إذا لم يتم وقف آلة القتل، بل إن نتيجة التضامن الإنساني في كل العالم، ستجعل من الانعكاس ممتدًا للتأثير في دول كبرى.
ختامًا: تتشكل المواقف الحساسة للشعوب في معين الأزمات والنزاعات وفي سياقات الضغط بفعل ديناميات سيكولوجية ومعرفية وسياسية، ونظرًا لرمزية فلسطين في الوعي العربي والإسلامي، فإن ما يجري بها يمتد أثره إلى كل جغرافيا العالم الإسلامي.
كان الاصطفاف في الحرب على غزة تحت مسمى الدفاع عن النفس، دون النظر في الحق الفلسطيني المُهدَر، تعبيرًا عن خلل فادح في المنظومة السياسية الغربية والوعي الذي تتشكل على أساسه وعلائقها التي تعيد التذكير بجذور مشكلة وثقافة الاستعمار، ما قد يعمق الشرخ ويذكي الهوة على أسس ثقافية وحضارية حادة بين الغرب والشرق، تزيد من تخليق المشاكل في المستقبل إذا لم يتم الانزياح عن هذا الموقف الذي يعبر عن انتكاسة أخلاقية.
لكن في صلب هذه المأساة استطاعت القضية الفلسطينية أن تخلق دينامية جديدة في صفوف الرأي العام الغربي نفسه، الذي أحدث توازنًا مع الموقف السياسي السلبي لعدد من الدول، ويرجح آفاق التعاون على أسس أخلاقية وإنسانية. وذلك موضوع المقالة المقبلة.
25 معلومة عن دولة الإمام المهدي (عليه السلام) تعرف عليها
ننوه لبعض خصائص وصفات دولة الإمام المهدي (عليه السلام) المباركة ، وهي الطموحات الّتي تترقبها كلّ المجتمعات البشرية والآمال الّتي ينتظرها الجميع ، والّتي ستتحوّل إلى أرض الواقع في دولة الإمام المهديّ (عليه السلام) ، وهذه الخصوصيّات مستفادة من الآيات والروايات.
١ ـ تمتاز حكومته (عليه السلام) بأنّها حكومة عالميّة تملك الشرق والغرب سواء ، فيكون ـ الإمام المهديّ (عليه السلام) ـ الوارث الحقيقي للأرض وما عليها ، وله الحاكميّة المطلقة.
٢ ـ وتكون حكومته على أساس العقيدة الإسلاميّة الًّتي تستقي فكرتها من القرآن العظيم ، ويكون حكمه مرضيّاً عند اللّه تعالى وعند النّاس جميعاً ، لأنّ الدّين عند اللّه الإسلام ، فطابعها طابع إسلامي ، وشعارها التوحيد والإعتراف بنبوّة النبيّ الخاتم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) والولاية لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام).
٣ ـ الدستور الأساسي لهذه الدولة هو القرآن الكريم.
٤ ـ زوال الخوف واستقرار الأمن والطمأنينة في هذه الدولة.
٥ ـ العدالة الإجتماعية هي المعلم البارز في الدولة المهدويّة في جميع نواحي الحياة ، فيحيي الأرض بها.
٦ ـ ظهور بركات الأرض والسّماء ، فتظهر المعادن والخزائن ، وتكون من حقّ الأئمّة كلّها ، فيقسمها الإمام بين النّاس بالسويّة.
٧ ـ ازدياد المنتوج الزراعي على أثر بركات السّماء ، فتبدو الأرض كلّها خضراء جميلة مليئة بالثروة الزراعية.
٨ ـ وعلى الصعيد السياسي والجماهيري تكون كلمة النّاس واحدة ، وكلّهم يعيشون مطمئنّين تحت راية الامام المهديّ (عليه السلام).
٩ ـ وورد في بعض الروايات المعتبرة أنّ منادياً ينادي في يوم الظهور : «يا أهل العالم اليوم يوم العدل والخلاص».
١٠ ـ بروز التقدم الصناعي والتكنلوجي على أثر تكامل العقول وانتشار العلوم الجديدة عن الإمام عليه السلام.
١١ ـ اتصال المدن بعضها مع البعض الآخر فلا توجد مناطق نائية توتر حالة الأمن أو تخيف النّاس.
١٢ ـ خلوّ النّاس من الرذائل والمفاسد الأخلاقيّة كالحسد والكذب والبغضاء ، وامتيازهم بالأخلاق والصدق والطيب والآداب وطهارة القلوب والسلوك.
١٣ ـ زوال الآفات المدمرة والأمراض الخطيرة.
١٤ ـ خلّو النّاس من الفقر ، بل يمتاز الجميع بالثراء العريض على أثر التقدم الإقتصادي وفاعليه الأسواق العالميّة ، وتوزيع الثروة بشكل عادل؟.
١٥ ـ التقدم الطبّي والصحي هو الآخر من خصائص الدولة ، فيمتاز أناس ذلك الزمان بطول العمر على أثر التطوّر الروحي والصحّي.
١٦ ـ اللغة العربيّة هي السائدة في جميع هذه الدولة العظيمة باعتبارها لغة القرآن ـ الدستور ـ.
١٧ ـ وبعد نزول عيسى بن مريم (عليهما السلام) من السّماء واقتدائه بالإمام المهدي (عليه السلام) يؤمن جميع النصارى بالمهدي ويدخلون الإسلام ويعترفون بالنبيّ الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) وهكذا كافة أصحاب الأديان والكتب السماويّة.
١٨ ـ إجتماع علماء العالم كلّهم وإتّصالهم بالإمام المهدي وعرض طاقاتهم الفكريّة والتقنية ، وجعلها تحت خدمته بعد إيمانهم الكامل به (عليه السلام).
١٩ ـ ولشدّة الأمن والسلم تتعايش الحيوانات المفترسة مع الحيوانات الأليفة بكلّ ثقة دون أن يؤذي إحداها الأخرى ، وهذا ببركة الإمام (عليه السلام).
٢٠ ـ وتظهر في دولته المباركة كلّ مزايا الرجال الشريفة وانسانيّتهم الراقية القائمة على أساس المحبّة والرأفة.
٢١ ـ لا تعدّي في تلك الدولة المباركة ، فكلّ حقّ يصل إلى صاحبه دون أيّ إضرار.
٢٢ ـ ويتمّ تطبيق الأحكام الإسلاميّة القرآنيّة في جميع أركان الدولة المهدويّة الشريفة ، من أبسط الأحكام الشرعيّة إلى أكبرها وأشدّها وأهمّها.
٢٣ ـ وتتكوّن دولته في ظهوره الشريف من ٣١٣ رجلاً و ٥٠ إمرأة يتصلون به (عليه السلام) وبين بقيّة القواعد الشعبيّة.
٢٤ ـ ويتمّ حلّ جميع المشاكل دون أيّ تأخير.
٢٥ ـ وتكون أكثر الأمور الكونيّة مطيعة للإمام المهديّ عليه السلام كالماء والهواء والزمان وبقيّة المخلوقات الاُخرى.
كانت هذه نماذج مختصرة وسريعة جدّاً لخصائص دولة الإمام المهديّ عليه السلام وامتيازاتها ، وبعض الآثار الكونيّة والإجتماعيّة الَّتي ستظهر في دولة الحقّ بفضل المهديّ عليه السلام المبشَّر به (عليه السلام) وبدولته من قبل أنبياء اللّه جميعاً وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) الّذين بشروا المنتظرين لدولة الإمام المهدي (عليه السلام) ، وحتى الأموات الّذين انتظروا الإمام المهدي ، ثمّ ماتوا فإنّ اللّه تعالى يحييهم بإذنه وقدرته في دولة الإمام المهديّ (عليه السلام) ، فهم الّذين كانوا يدعون باستمرار : «اللهمّ أرنا الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة» (١).
__________________
١ ـ الفقرة من دعاء العهد من مصباح الزائر : ص ١٦٩ ، مصباح الكفعمي : ص ٥٥٠ ، البلد الأمين : ص ٨٢.
المصدر: الحكومة العالميّة للإمام المهدي (عليه السلام) في القرآن والسنّة، الشيخ محمود شريعت زاده الخراساني، ص19-22.
في ذكرى ميلاد السيدة فاطمة المعصومة (سلام الله عليها)
فاطمة المعصومة (س)؛ بنت الإمام الكاظم (ع) ومن فاضلات نساء أهل البيت (ع) وإحدى الذرية الصالحة المدفونة في مدينة قم المقدسة والتي تحظى بمنزلة خاصة بين المؤمنين.
ولادتها ونسبها
لم تسجل لنا الوثائق التاريخية القديمة يوم ولادة السيدة معصومة (س)، إلا أنّ المصادر المتأخرة سجلت لنا أن ولادة فاطمة بنت موسى (ع) كانت في المدينة المنورة غرّة ذي القعدة الحرام 173هـ.[١] أبوها سابع أئمة الشيعة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع). وقد ذكر الشيخ المفيد ابنتين للإمام الكاظم (ع) يحملان اسم فاطمة الأولى فاطمة الصغرى والأخرى فاطمة الكبرى.[٢] وأضاف ابن الجوزي فاطمة الوسطى والأخرى.[٣] أمها وأم أخيها الرضا (ع) السيدة نجمة خاتون.[٤]
أسماؤها وألقابها
أشهر أسمائها المعصومة (س) وهو المستل من الرواية المنسوبة إلى الإمام الرضا (ع) والتي جاء فيها: «من زار أختي معصومة (س) في قم كمن زارني».[٥] وجاء في رواية أخرى عنها (س) أنها أشارت إلى أن اسمها معصومة (س) وأنها أخت الرضا (ع).[٦]
ومن ألقابها: الطاهرة، الحميدة، البرّة، التقية، النقية، الرضية، المرضية، السيدة وأخت الرضا (ع).[٧] وتشتهر اليوم بلقب كريمة أهل البيت (ع).
خصائصها وصفاتها الشخصية
ورد في المصادر والمتون الدينية أنه لم يبلغ أحد من أبناء الإمام الكاظم (ع) مع كثرتهم- باستثناء الإمام الرضا (ع)- ما بلغته السيدة معصومة (س) من منزلة ومكانة مرموقة.[٨] وقد صرّح الشيخ عباس القمي بأن «أفضل بنات الإمام الكاظم (ع) السيدة الجليلة المعظمة فاطمة والشهيرة بالمعصومة».[٩]
مكانتها العلمية
يدل على مكانتها العلمية ما ورد في بعض الوثائق التاريخية من أنّ جماعة من الشيعة قصدوا المدينة يريدون الإجابة عن بعض الأسئلة التي كانت معهم، وكان الإمام (ع) مسافرا خارج المدينة، فتصدت السيدة فاطمة (ع) للإجابة وكتبت لهم جواب أسئلتهم. وفي طريق رجوعهم من المدينة صادفوا الإمام الكاظم (ع) فعرضوا عليه الإجابة وعندما اطلع الإمام (ع) على جوابها قال ثلاث مرات: «فداها أبوها».[١٠]
عدم زواجها
نقل اليعقوبي أنّ ذلك يعود إلى وصية من الإمام الكاظم (ع) حيث أوصى- كما يقول اليعقوبي- بأن لا تتزوج بناته من أحد.[١١] وقد ردّ بعض الباحثين هذا الرأي مستندا إلى جهالة راويه، وأنّه مما تفرّد بنقله أحمد بن يعقوب (اليعقوبي)، وهو غير كاف لإثباته وهو مخالف للسيرة والتاريخ.[١٢] يضاف إلى ذلك أن رواية الكافي تؤكد أن الإمام الكاظم (ع) لم يمنع من الزواج وإنما أرجع ذلك إلى ولده الإمام الرضا (ع) حيث قال (ع): «ولا يُزَوِّجُ بناتي أَحدٌ من إِخوتهنَّ من أُمَّهاتهنَّ ولا سلطانٌ ولا عَمٌّ إِلَّا برأْيِه- يعني الإمام الرضا (ع)- ومشورته فإِنْ فعلُوا غير ذلكَ فقدْ خالفُوا اللَّهَ ورسولهُ...».[١٣]
و إنّ نظرة فاحصة إلى مُجمل الأوضاع العصيبة التي عاصرتها السيّدة المعصومة عليها السّلام، والضغط الشديد والارهاب اللذين تعرض لهما العلويّون والطالبيّون في عهد هارون الرشيد، انتهاءً بالاعتقال والقتل الفجيع الذي تعرّض له كبيرهم الإمام الكاظم عليه السّلام، يجعلنا ندرك سبب عدم زواج السيدة المعصومة وأغلب بنات الإمام الكاظم عليه السّلام.
ولقد كان العلويّون والطالبيّون مُلاحَقين مُشرّدين، يلاحقهم جلاوزة الرشيد أينما حَلُّوا. أما الأكفاء من الآخرين، فالظاهر أنّ أحداً منهم لم يجرؤ ـ وقد عرف عداء الرشيد للكاظم عليه السّلام ـ على التعرّض لسخط هارون من خلال مصاهرته للإمام الكاظم عليه السّلام، كما ندرك الحكمة التي جعلت الإمام الكاظم عليه السّلام ـ وهو العارف بهذا الظرف العصيب ـ يخصّص أرضاً معيّنة لتُوزّع عائداتها على بناته إن فقدن المُعيل الذي يُعيلهنّ.
ويبقى أمر عدم زواج السيّدة المعصومة، وأغلب أخواتها الأخريات من بنات الإمام الكاظم عليه السّلام أحد الشواهد على الظلم والإرهاب اللذين تعرّض لهما أهل البيت عليهم السّلام في زمن العبّاسيين عامّة، وفي عصر الرشيد على وجه الخصوص.
الأحاديث المروية عنها
روي عن فاطمة المعصومة (س) مجموعة من الروايات كحديث الغدير[١٤] وحديث المنزلة[١٥] وحديث حبّ آل محمد،[١٦] وفي فضل الإمام علي (ع) وشيعته.[١٧]وغير ذلك من الأحاديث.
هجرتها الى إيران ووصولها الى مدينة قم
قال صاحب تاريخ قم: «إنّه لما أخرج المأمون الرضا (ع) من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة 200 من الهجرة، خرجت فاطمة (س) أخته تقصده في سنة 201 هـ [١٨] وقيل أن فاطمة المعصومة (س) لما تلقت كتاب أخيها الرضا (ع) استعدت للسفر نحو خراسان.[١٩] فخرجت مع قافلة تضم عدداً من إخوتها وأخواتها وأبناء إخوتها، وعندما وصلوا إلى مدينة ساوة الإيرانية تعرضت القافلة لهجوم قتل على إثره إخوتها وأبناء إخوتها فمرضت السيدة فاطمة (س) بعد مشاهدتها لهذا المنظر المأساوي والجثث المضرجة بدمائها.[٢٠] فأمرت خادمها بالتوجه بها إلى مدينة قم.[٢١]
وفي رواية أخرى أنّه لما وصل خبر مرضها إلى قم، استقبلها أشراف قم (آل سعد)، وتقدمهم موسى بن خزرج، فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرها إلى منزله.[٢٢] وقد أرّخت بعض المصادر المتأخرة ذلك في الثالث والعشرين من ربيع الأول. [٢٣] فكانت في دار موسى بن خزرج سبعة عشر يوما أمضتها بالعبادة والابتهال إلى الله تعالى، ولا يزال المحراب الذي كانت فاطمة (س) تصلي فيه موجود إلى الآن في دار موسى بن خزرج ويزوره الناس إلى يومنا هذا يؤمه الناس للصلاة والدعاء والتبرك، وهو الآن في مسجد عامر يعرف بـ «ستية» أو «بيت النور».[٢٤]
مصلّى السيّدة المعصومة (س)
ما يزال المحراب الذي كانت السيّدة فاطمة تصلّي فيه في دار موسى بن خزرج ماثلاً إلى الآن، يقصده الناس لزيارته والصلاة فيه. وقد جُدّدت عمارته خلال السنوات الأخيرة، وشُيّدت إلى جانبه مدرسة لطلبة العلوم الدينيّة تعرف بـ «المدرسة الستّيّة». يقع المحراب في الشارع المجاور للصحن الشريف، ويُعرف بشارع «چَهار مَرْدان» على يسار الذاهب من الروضة الفاطميّة، وهو مزدان بالقاشاني المعرّف، وعلى مدخله أبيات بالفارسيّة، تعريبه: لقد شُيِّد هذا البناء المُنير إجلالاً لبنت موسى بن جعفر، حيث مَثُل فيه محراب فاطمة المعصومة، فزادت به «قم» شرفاً على شرف.
وفاتها
لم تسجل المصادر التاريخية القديمة تاريخ وفاتها إلا أن المصادر المتأخرة سجلت ذلك في العاشر من ربيع الثاني من سنة 201هـ عن عمر ناهز الثامنة والعشرين.[٢٥] ومنهم من ذهب الى أن وفاتها كانت في 12 من ربيع الثاني.[٢٦]
ولما توفيت فاطمة (س) وغسلت وكفّنت، حملوها إلى مقبرة بابلان والتي تعود ملكيتها الى موسى بن خزرج، ووضعوها على سرداب حفر لها، فاختلف آل سعد في من ينزلها إلى السرداب، ثم اتفقوا على خادم لهم صالح كبير السن يقال له قادر، فلما بعثوا إليه رأوا راكبين مقبلين من جانب الرملة وعليهما اللثام، فلما قربا من الجنازة نزلا وصليا عليها، ثم نزلا السرداب وأنزلا الجنازة ودفناها فيه، ثم خرجا ولم يكلما أحدا وركبا وذهبا ولم يدر أحد من هما.[٢٧] وبنى عليها موسى بن خزرج سقيفة من البواري، فلما كانت سنة 256هجرية جاءت زينب بنت محمد بن علي الجواد (ع) لزيارة قبر عمتها فبنت عليها قبّة.[٢٨]
مزار السيّدة المعصومة (س)
يرجع تاريخ القبّة الحاليّة على قبر السيّدة المعصومة إلى سنة (529هـ)، حيث بُنيت بأمر من المرحومة (شاه بيكم بنت عماد بيك). أمّا تذهيب القبّة وبعض الجواهر التي رصّع بها القبر الشريف، فهي من آثار فتح علي شاه القاجاريّ. وهناك فوق قبر السيّدة فاطمة صخرة عليها نقش كهيئة المحراب، تحيط به آية الكرسيّ، وكُتب في وسطه «توفيّت فاطمة بنت موسى في سنة إحدى ومائتين».
فضل زيارتها
ورد عن المعصومين (ع) ما يدل على فضل زيارتها (س)، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: «إن لله حرما وهو مكة، وإن للرسول (ص) حرما وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين (ع) حرما وهو الكوفة، وإن لنا حرما وهو بلدة قم».[٢٩]
وفي رواية أخرى عنه (ع): «ستدْفنُ فيه - أي في قم- امرأَةٌ من ولدي تُسمَّى فاطمةَ بنت موسى (س) يدخل الشيعة الجنة بشفاعتها».[٣٠]
وفي رواية أخرى أنّ زيارتها تعادل الجنة.[٣١] وروي عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: «من زارها كمن زارني».[٣٢]
وعنه أيضا: «من زارها فله الجنة».[٣٣]
وروي عن الإمام الجواد (ع) أنّه قال: «من زار قبر عمتي بقم عارفا بحقها فله الجنة».[٣٤][٣٥]
-----------
الهوامش
1.مستدرك سفينة البحار، ج 8، ص 261.
2.الإرشاد، ج 2، ص 244.
3.تذكرة الخواص، ص 315.
4.دلائل الإمامة، ص 309.
5.رياحين الشريعة، ج 5، ص 35.
6.دار السلام، ج 2، ص 170.
7.أنوار المشعشعين، ج 1، ص 211.
8.تواريخ النبي و الآل، ص 65.
9.منتهى الآمال، ج 2، ص 378.
10.كريمه أهل الـ بيت، ص 63 و 64 نقلاً عن كشف اللئالي.
11.تاريخ اليعقوبي، ج 3، ص 151.
12.حياة الإمام موسى بن جعفر، ج2، ص 497.
13.الكافي، ج 1، ص 317.
14.الغدير، ج 1، ص 107.
15.الغدير، ج 1، ص 107.
16.العوالم، ج 21، ص 354.
17.بحار الأنوار، ج 65، ص 76.
18.الغدير، ج 1، ص 170.
19.من لا يحضره الخطيب، ج 4، ص 461.
20.قيام [الـ] سادات [الـ] علويـ [ين]، ص 160.
21.تاريخ قم، ص 163.
22.بحار الأنوار، ج 48، ص 290.
23.حضرت[السيدة الـ] معصومة، فاطمة دوم [الثانية] ،ص111.
24.منتهي الآمال، ج 2، ص 379.
25.انجم فروزان[الثاقبة]، ص 58 - گنجينه آثار قم، ج 1 ص 386.
26.مستدرك سفينة البحار، ص 257.
27.تاريخ قم، ص 166. بحار الأنوار، ج 48، ص 290.
28.منتهى الآمال، ج 2، ص 379.
29.بحار الأنوار، ج 48، ص 317.
30.مستدرك سفينة البحار، ص 596. النقض، ص 196.
31.بحار الأنوار، ج 57، ص 219.
32.رياحين الشريعة، ج 5، ص 35.
33.عيون أخبار الرضا(ع)، ج 2، ص 271. مجالس المؤمنين، ج 1، ص 83.
34.كامل الزيارات، ص 536، ح 827.
35.بحار الأنوار، ج 102، ص 266
الإمام الخامنئي يدلي بصوته في الانتخابات البرلمانية الإيرانية
قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، أدلى اليوم الجمعة، في بصوته في حسينية الإمام الخميني (رض) في انتخابات الدورة الثانية عشرة لمجلس الشورى الإسلامي.
وفي كلمة قصيرة قال سماحته: إن أهمية الجولة الثانية من الانتخابات لا تقل عن الجولة الأولى ودعا الشعب لاستكمال المجلس بالمشاركة في الانتخابات.
وقال قائد الثورة إن الانتخابات مهمة أساسية ومهمة للوطن والشعب. وعلى جميع أبناء الشعب أن يشاركوا في الانتخابات ويكملوا أعضاء المجلس.
وأضاف، الواجب الوطني على كل من يريد أن تتقدم البلاد أن يشارك في الانتخابات. لا يوجد فرق بين الجولتين الأولى والثانية وكلاهما مهم.
وتابع، كلما زاد عدد الأصوات، كلما كان البرلمان أقوى، وكلما زادت قوة البرلمان، زادت فرص العمل في البلاد.
وانطلقت الجولة الثانية من انتخابات الدورة الثانية عشرة لمجلس الشورى الإسلامي في 15 محافظة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وأعلنت لجنة الانتخابات في إيران في بيان انتهاء الحملات الدعائية للمرشحين للجولة الثانية من انتخابات الدورة الثانية عشرة لمجلس الشورى الإسلامي في تمام الساعة الثامنة من صباح يوم أمس الخميس.
ويتنافس في هذه الجولة من الانتخابات 90 مرشحًا على 45 مقعدًا، وبحسب ما أعلنته لجنة الانتخابات في البلاد، فإن التصويت سيستمر حتى الساعة 18.00، وإذا لزم الأمر وحسب تقدير وزير الداخلية فمن الممكن تمديد وقت التصويت.
هذا وأجريت انتخابات الدورة الثانية عشرة لمجلس الشورى الإسلامي الايراني في 1 مارس 2024، وتمكن 245 مرشحا من الدخول الى المجلس، وسيتم تحديد مصير المقاعد الـ 45 المتبقية في الجولة الثانية من الانتخابات اليوم.
وسيتم تحديد الممثلين للدخول الى البرلمان في 22 دائرة انتخابية في تبريز، شبستر، ميانه، بارس آباد، سميرم، لنجان، كرج، طهران، ورامين، بيرجند، مشهد، آبادان، رامهرمز، خدابنده، زنجان، شيراز، مرودشت، خرم آباد، قائمشهر، ملاير، كرمانشاه، وكنبد كاووس.
احذر من الاستخفاف بصلاتك!
يقول الله عز وجل في حكم كتابه: ﴿وَإِذَا نَادَيْتمْ إِلَى الصلاَةِ اتخَذوهَا هزوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنهمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلونَ﴾([1]).
لا يخفى ما للصلاة من الأهمية والفضل عند الله عز وجل، فهي الصلة والرابطة بين العبد ومولاه، وقد أمرنا بإقامتها، وإتيانها، والمحافظة عليها، والاستعانة بها. وفي المقابل نهانا عن تركها والاستخفاف بها، أو الاشتغال عنها بالبيع واللهو.
وهي آخر وصايا الأنبياء والأولياء عند مماتهم عليهم السلام، وهي قرة عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأفضل الأعمال والفرائض بعد المعرفة. وأن الاستخفاف بها يؤدي إلى حرمان شفاعتهم عليهم السلام. وفي المقابل فهي أبغض الأعمال إلى الشيطان واتباعه، حيث ينادي عند الصلاة ورؤية عباد الله يصلون بالويل والثبور، ويقول: أطاعوا فعصيت، وسجدوا فأبيت، وقد استنفر جنوده ليرى ما يفعل بهؤلاء العباد، وكان قرارهم وما اجتمع عليه أمرهم هو اتيانهم من ناحية الصلاة وصرفهم عنها إما بتركها، أو إلهائهم عنها، وعدم الخضوع والخشوع فيها، وإذا فعل العبد ذلك استحوذ عليه الشيطان فأصبح من جنوده وأعوانه والعياذ بالله.
مراتب الاستخفاف بالصلاة
1- الاستخفاف بأصل الصلاة: بمعنى عدم اتيانها وتركها كلياً، ومثل هذا الإنسان يموت يهودياً أو نصرانياً كما ورد في الخبر.
2- اتيانها تارة وتركها أخرى: حيث أن بعض الناس مثلاً لا يصلي إلا في شهر رمضان.
3- اتيان بعضها وترك الباقي منها. كترك صلاة الصبح مثلاً.
4- الاتيان بها لا في وقتها ووقت فضيلتها بل عند التذكر.
5- الاشتغال بالعمل والبيع والتجارة في وقتها ولا سيما صلاة الجمعة.
6- عدم الاتيان بها جماعة مع القدرة عليها.
7- عدم الاهتمام بأجزائها وشرائطها كالوضوء، والقراءة، وحسن الركوع والسجود فيها.
8- عدم حضور القلب فيها.
رواية الزهراء عليها السلام
عن فاطمة سيدة النساء وابنة سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، أنها سألت أباها محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فقالتت: "يا أبتاه، ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: يا فاطمة من تهاون بصلاته من الرجال والنساء، ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة: ست منها في دار الدنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث في يوم القيامة إذا خرج من قبره.
فأما اللواتي تصيبه في دار الدنيا
فالأولى: يرفع الله البركة من عمره، والثانية يرفع الله البركة من رزقه، والثالثة يمحو الله عز وجل سيماء الصالحين من وجهه، والرابعة كل عملٍ يعمله لا يؤجر عليه، والخامسة لا يرتفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة ليس له حظ في دعاء الصالحين.
وأما اللواتي تصيبه عند موته:
فأولاهن أنه يموت ذليلاً، والثانية يموت جائعاً، والثالثة يموت عطشاناً فلو سقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه.
وأما اللواتي تصيبه في قبره:
فأولاهن يوكل الله به ملكاً يزعجه في قبره، والثانية يضيق عليه قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره.
وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره:
فأولاهن أن يوكل الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه، والثانية يحاسبه حساباً شديداً، والثالثة لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم"([2]).
([1]) سورة المائدة، الآية: 58.
([2]) مستدرك الوسائل، ج3، ص23؛ بحار الأنوار، ج80، ص21.
مراتب العبادة الثلاث
لا شكّ أنّ للعبّاد درجات، كما أنّ للجنّة درجات، يقول تعالى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأوْفَى﴾([1]). فلكلّ إنسان سعيه في الدنيا، وبمقدار هذا السعي يكون الجزاء والعطاء الإلهيّ. على أنّ هناك من العبَاد من يرغب في ثواب الله وجنّته، ومنهم من يخاف ناره وعذابه، ومنهم من يعبده حبّاً وشكراً له سبحانه على نعمه وإفضاله. ولا شكّ أنّ مثل هذه العبادة هي أعظم عبادة.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "بكى شعيب عليه السلام من حبّ الله عزّ وجلّ حتّى عمي، فردّ الله عزّ وجلّ عليه بصره، ثمّ بكى حتّى عمي فردّ الله عليه بصره، ثمّ بكى حتّى عمي فردّ الله عليه بصره، فلمّا كانت الرابعة أوحى الله إليه: يا شعيب إلى متى يكون هذا أبداً منك؟ إن يكن هذا خوفاً من النار فقد أُجِرت، وإن يكن شوقاً إلى الجنّة فقد أبحتك; فقال: إلهي وسيّدي أنت تعلم أنّي ما بكيت خوفاً من نارك، ولا شوقاً إلى جنّتك، ولكن عقد حبّك على قلبي فلست أصبر أو أراك([2])، فأوحى الله جلّ جلاله إليه: أما إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأُخدمك كليمي موسى بن عمران"([3]).
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار"([4]).
وقد ورد عنه عليه السلام أيضاً: "إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنّتك، لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك"([5]).
فإذا أردنا أن نعبد الله فلتكن عبادتنا عبادة حبّ وشكر لا عبادة رغبة وخوف، عبادة تعلّق وهيام وعشق ننسى فيها أيّ عشق آخر، بل لا مكان في قلوبنا حقيقةً لغير الله تعالى، فإذا أحببنا أمراً أو شيئاً معيّناً أو أحداً ما، كان ذلك عبر حبّ الله ورضا الله وفي حبّ الله ورضاه.
وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً وقد أنهك نفسه بالعبادة: أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أفلا أكون عبداً شكورا"([6]).
وفي الختام
فيا من يريد إصلاح نفسه والفوز برضا وحبّ ربّه هلّا أقبلت على نفسك قليلاً وعاتبتها، ثمّ بعد ذلك روّضتها، حتّى تنهج منهج الصلحاء وتسلك سبيل الأنبياء والأوصياء، وتتأسّى بسيّد البلغاء العابد الزاهد الذي أخذ يُعاتب نفسه فيقول كما ورد عن مولانا العسكريّ، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، وذكر مناجاةً طويلة عنه عليه السلام، قال: "ثمّ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام على نفسه يُعاتبها ويقول: أيّها المناجي ربّه بأنواع الكلام، والطالب منه مسكناً في دار السلام، والمسوّف بالتوبة عاماً بعد عام، ما أراك منصفاً لنفسك من بين الأنام، فلو دافعت نومك يا غافلاً بالقيام، وقطعت يومك بالصيام، واقتصرت على القليل من لعق الطعام، وأحييت ليلك مجتهداً بالقيام، كنت أحرى أن تنال أشرف المقام.
أيّتها النفس اخلطي ليلك ونهارك بالذاكرين، لعلّك أن تسكني رياض الخلد مع المتّقين، وتشبّهي بنفوس قد أقرح السهر رقّة جفونها، ودامت في الخلوات شدّة حنينها، وأبكى المستمعين عولة أنينها، وألان قسوة الضمائر ضجّة رنينها، فإنّها نفوسٌ قد باعت زينة الدنيا، وآثرت الآخرة على الأولى، أولئك وفدُ الكرامة يوم يخسر فيه المبطلون، ويُحشر إلى ربّهم بالحسنى والسرور المتّقون"([7]).
([1]) سورة النجم، الآيات:39-41.
([2]) قال الصدوق (رض): يعني بذلك عليه السلام: لا أزال أبكي أو أراك قد قبلتني حبيباً.
([3]) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج12، ص380.
([4]) نهج البلاغة، ج4، ص53.
([5]) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج67، ص186.
([6]) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج11، ص247.
([7]) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج11، ص253.
الإمامُ الصادقُ (عليه السلام) وتأسيسُ حكومةِ العدلِ
يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قُدَّس سرُّه): «نحنُ نفخرُ بجميعِ الأئمّةِ المعصومينَ (عليهِم صلواتُ اللهِ)، ونلتزمُ باتِّباعِهِم. نحنُ نفخرُ بأنَّ أئمّتَنا المعصومينَ (صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِم) قضَوا أعمارَهُم سجناً وتشريداً في سبيلِ رفعةِ الإسلامِ وتحقيقِ أهدافِ القرآنِ الكريمِ، والّتي أحدُها تأسيسُ حكومةِ العدلِ»[1].
لقدْ عانى أئمّةُ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) مِنَ الصعابِ الكثيرَ، وكانوا في خطِّ المواجهةِ معَ الحكوماتِ الظالمةِ والمستبدّةِ، ينتصرونَ للحقِّ وللمظلومِ، وكانوا يخطِّطونَ بالاستفادةِ منْ كلِّ الوسائلِ الممكنةِ في سبيلِ ذلكَ، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلُّه) في بيانِهِ لمرحلةِ حياةِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «منذُ استلامِ المسؤوليّةِ حتّى الوفاةِ، قضى 33 عاماً في جهادٍ متواصلٍ، وخلالَ هذهِ الأعوامِ كانَتِ الظروفُ في مدٍّ وجزرٍ؛ مرّةً تتّجهُ لصالحِ مدرسةِ أهلِ البيتِ، ومرّةً أخرى تُعاكِسُها، مرّةً تبعثُ على التفاؤلِ وعلى أنَّ النصرَ قريبٌ، ومرّةً أخرى تشتدُّ الضغوطُ وتختنقُ الأنفاسُ، فيُخيَّلُ لأصحابِ الإمامِ أنَّ الآمالَ كلَّها قدْ تبدّدَتْ. والإمامُ الصادقُ (عليه السلام) في هذهِ الأحوالِ كلِّها ماسكٌ بدفّةِ القيادةِ بعزمٍ وتصميمٍ، يجتازُ بالسفينةِ عبرَ هذهِ الأمواجِ المتلاطمةِ الممزوجةِ بالأملِ واليأسِ، لا يفكِّرُ إلّا بما يجبُ قطعُهُ في المستقبلِ منْ أشواطٍ، باعثاً الجِدَّ والنشاطَ والإيمانَ في أتباعِهِ للوصولِ إلى ساحلِ النجاةِ»[2].
فهذا الإسلامُ حُفِظَ بما كانَ منْ تخطيطٍ وعملٍ لأهلِ بيتِ العصمةِ والطهارةِ، ومنهُم الإمامُ الصادقُ (صلواتُ اللهِ عليه)، وكلُّ ما جرى بعدَ ذلكَ هوَ منْ نتاجِ تضحياتِ الأئمّةِ (صلواتُ اللهِ عليهِم)، يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قُدِّسَ سرُّهُ) حولَ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «الإمامُ الصادقُ (عليه السلام) الّذي كانَ يعيشُ في ظروفِ التقيّةِ، وفي ظلِّ ضغوطاتِ الحكّامِ الظلمةِ، ولمْ يكنْ يمتلكُ أيّةَ سلطةٍ تنفيذيّةٍ، وكانَ في معظمِ الأحيانِ يخضعُ للمراقبةِ والمحاصرةِ، ومعَ هذا يقومُ بتعيينِ التكاليفِ للمسلمينَ، ويُنَصِّبُ حكّاماً وقضاة.
فما معنى هذا التصرفِّ منهُ؟ وأساساً ما الفائدةُ المترتِّبةُ على هذا النصبِ والعزلِ؟ إنَّ الرجالَ العظماءَ ذوي الآفاقِ الفكريّةِ الواسعةِ لا يشعرونَ باليأسِ في أيِّ وقتٍ منَ الأوقاتِ، ولا ينظرونَ إلى وضعِهِم الحاليّ، حيثُ يكونونَ في السجنِ، وليسَ منَ المعلومِ أنّهُم سيخرجونَ منهُ أمْ لا، بلْ يخطِّطونَ للتقدُّمِ في أهدافِهِم مهما كانَتِ الظروفُ الّتي يعيشونَها؛ لكيْ يُنفِّذوا تلكَ الخططَ فيما بعدُ بأنفسِهِم إذا تمكَّنوا؛ وإذا لمْ تسنحْ لهمُ الفرصةُ، يقومُ بذلكَ الآخرونَ، ولو بعدَ مئتينِ أوْ ثلاثمئةِ عام، الكثيرُ منَ النهضاتِ الكبرى بدأَتْ بهذا الشكلِ... والإمامُ الصادقُ -عدا عنْ وضعِ الخطّةِ- قامَ بالنصبِ والتعيينِ أيضاً. لوْ كانَ عملُ الإمامِ ناظراً لذلكَ الوقتِ فقطْ، لكانَ عملُهُ هذا ضرباً منَ اللغوِ، لكنَّهُ كانَ يُفكِّرُ بالمستقبلِ. فهوَ لمْ يكنْ مثلَنا مشغولاً بنفسِهِ، ومُهتمّاً بوضعِهِ فقطْ. كانَ يحملُ همَّ الأمّةِ والبشريّةِ، بلْ وجميعَ العالمِ.
كانَ يريدُ إصلاحَ البشرِ، وتطبيقَ قوانينِ العدلِ. كانَ عليهِ أنْ يقومَ بالتخطيطِ والتعيينِ منذُ ألفٍ وعدّةِ مئاتٍ منَ السنينَ، لكيْ يتوصّلَ إلى يقظةِ الشعوبِ هذهِ الأيّام، وإلى وعيِ الأُمّةِ الإسلاميّةِ وثورتِها».
ختاماً، نُعزّي صاحبَ العصرِ والزمانِ (عجّلَ اللهُ تعالى فرجَهُ) ووليَّ أمرِ المسلمينَ والمجاهدينَ جميعاً بذكرى شهادةِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام)، في الخامسِ والعشرينَ منْ شهرِ شوّالٍ، عامَ 148 هجريّة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص125.
[2] الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، قيادة الإمام الصادق (عليه السلام).
ما هي حقوق ولي الأمر علينا؟
يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: "وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية"[1].
قد تقدم الحديث في كون ولي الأمر من أهل الفضل على الناس حيث فضله الله بعلمه ورفعه عنا درجات وهو من أهل الفضل لما يقدّم من تضحيات على حساب راحته حرصاً منه على مصالح الأمة الإسلامية فمن الواجب علينا في المقابل أن نقابل معروفه هذا ببعض الواجب واللياقة والاحترام فما هي حقوق ولي الأمر علينا؟
1- الطاعة:
إن من أعظم الحقوق لولي الأمر على الأمة حقه بالطاعة علينا، فلو لم يكن ولي الأمر مطاعا لفسد حال الأمة واختل نظامها وتحلل الناس من القانون وتناحروا فيما بينهم.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا رد، والراد علينا كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله"[2].
فإن حكم الحاكم نافذ على جميع الناس بل على المجتهدين أيضاً.
يقول سماحة السيد القائد دام ظله: "طبقا للفقه الشيعي يجب على كل المسلمين إطاعة الأوامر الولائية الشرعية الصادرة من ولي أمر المسلمين والتسليم لأمره ونهيه حتى على سائر العلماء العظام فكيف بمقلديهم"[3].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إن في سلطان الله عصمة لأمركم فأعطوه طاعتكم، غير ملومة ولا مستكره بها، والله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الإسلام ثم لا ينقله إليكم أبداً حتى يأزر الأمر إلى غيركم"[4].
فإن عدم إطاعة الولي الإسلامي الشرعي يُوصل المجتمع الإسلامي إلى مرحلة يتحكم فيها حكام جائرون يتسلطون على الدنيا ويفسدون في الأرض.
2- التسليم لأمره ونهيه:
والتسليم أمر أرقى من الطاعة فالطاعة هي مجرد العمل على طبق الأمر أما التسليم فإنه العمل على طبق الأمر مضافا إلى رضا النفس وانقيادها التام واعتقادها بصلاح ما أُمرت به.
والتسليم أحد درجات التوكل على الله والتسليم للولي والإمام من الأمور المهمة التي تمكن العقيدة في نفس المؤمن وتمنع تزعزع نيته وقد ركّزت الروايات على وجوب الستليم لأمر أهل البيت عليهم السلام: (ومسلِّم فيه معكم، وقلبي لكم مسلِّم ورأي لكم تبع ونصرتي لكم معدة...)[5].
فيجب أن ننتقل من مرحلة الطاعة لمرحلة التسليم.
3- معاونته وتمكينه:
والتمكين له يكون بجعل مقدرات الأمة وما تحمله من الطاقات المادية والبشرية على صعيد الفرد أو الجماعة تحت يديه ليسخرها في حركة الإصلاح والتمهيد لإقامة دولة العدل الكاملة بظهور صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، ومن أساليب تمكينه، أداء الحقوق الشرعية إليه فهو صاحبها. يقول دام ظله: "ولي الخمس هو ولي الأمر الذي له الولاية على أمور المسلمين"[6].
فأداء الحقوق لولي الأمر يعينه على تحقيق الخطة التي رسمها لتدعيم أسس الإسلام وعمارة بلاد المسلمين وما يعتبره من الأمور التي تصب في مصلحة المسلمين عامة بنظره الثاقب ووعيه العظيم.
ومن الأساليب التي تساعد في تمكين الولي، تزويده بالأفكار البنّاءة التي تساهم في تطوير الحركة الإسلامية، فلعله يراها جديرة بالإهتمام وتستحق الدراسة والتطبيق فيما لو وجد فيها فوائد تخدم مصالح المسلمين.
وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "وليس امرؤ وإن عظمت في الحق منزلته وتقدمت في الدين فضيلته بفوق أن يعان على ما حمله الله من حقه ولا امرؤ وإن صغرته النفوس وأقحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه"[7].
[1] نهج البلاغة، ج2، خطبة 209.
[2] أصول الكافي، ج1، ص67.
[3] أجوبة الإستفتاءات ج1، ص24، طبعة الدار الإسلامية.
[4] ميزان الحكمة، ح 8750.
[5] مفاتيح الجنان الزيارة الجامعة الكبيرة.
[6] أجوبة الإستفتاءات ج1، باب 5، ص300، طبعة الدار الإسلامية.
[7] نهج البلاغة، الخطبة 209.
كيف نصل إلى الهمة العالية في حياتنا؟
علوّ الهمّة في النص
ورد في الدعاء: "يا محوّل الحول والأحوال حوّل حالنا إلى أحسن حال"([1]). فالمؤمن يطمح أن يتحسّن حاله إلى أفضل حال ولا يغنيه مطلق التحسّن ولو كان بسيطاً.
وورد في دعاء كميل بن زياد: "واجعلني من أحسن عبيدك نصيباً عندك وأقربهم منزلة منك وأخصّهم زلفة لديك"([2]). فطمع المؤمن بأحسن الثواب وأقرب المنازل إلى الله.
ونقرأ في دعاء أبي حمزة الثماليّ: "وعليك يا واحدي عكفت همّتي، وفيما عندك بسطت رغبتي".
من كلامٍ لأمير المؤمنين لإبنه محمّد بن الحنفيّة لمّا أعطاه الراية يوم الجمل: "تزول الجبال ولا تزل، عضّ على ناجذك، أعر الله جمجمتك، تدّ في الأرض قدمك، وارم ببصرك أقصى القوم، وغضّ بصرك، واعلم أنّ النصر من عند الله"([3]).
وفي هذه الكلمات نقرأ عدّة شرائط لبلوغ الهمّة العاليّة في النفس
1- الثقة بالنفس: أي أن لا يتسرّب للنفس أيّ وهن أو شكّ في أنّه غير قادرٍ على فعل هذا العمل، وهذا ما عاناه أمير المؤمنين عليه السلام من أصحابه الذين كانوا دائمي الخوف من الحرب وجهاد الأعداء وتفوّقهم عليهم.
2- الإستعداد للتضحية: والإيمان أنّ التضحية شرط أساس في تحقّق الإنجازات الكبرى، وهذه سنّة من سنن الحياة جرت على كافّة الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين.
3- الثبات والإرادة: فالأمور الجسام لا شكّ تستبطن الكثير من التحديّات التي تحتاج إلى عزيمةٍ قويّةٍ لتخطّيها، وعدم اليأس حتّى في حالات الإخفاق والفشل.
4- النظر إلى الهدف الأقصى: وعدم الرضا بالأهداف التي تقع في متناول الأيدي ويسهل تحقيقها وإنجازها.
5- عدم التلهّي بصغائر الأمور: فإنّها تُغرق الإنسان في تفاصيل تجعله يحيد عن الهدف المنشود أو تُخفّف من سرعة سيره نحوه. فالإنسان ينبغي أن يوائم بين أمرين إبقاء النظر على الأهداف البعيدة ومتابعة الخطوات المرحليّة التي توصله إلى تلك الأهداف.
6- التوكّل على الله: أي الإيمان بأنّ الله ينصر عباده وهو معنا أينما كنّا يسمع ويرى ويحفظ عباده ويدافع عنهم. وما يعني ذلك من الإخلاص والنزاهة في العمل والتحلّي بالروح الرساليّة والحذر من السقوط أمام الشهوات.
ما ينبغي طلبه بعلوّ الهمّة
فعن الإمام عليّ عليه السلام قال: "ما رفع امرء كهمّته ولا وضعه كشهوته"([4]).
وعلوّ الهمّة سيف ذو حدّين إذ يمكن استغلالها في الطاعة والعبادة ويمكن استغلالها في المعصية والبعد عن الله، ولذلك اهتمّت النصوص الشريفة ببيان ما ينبغي طلبه بعلوّ الهمّة.
1- طاعة الله: من عبادة ونشر للدين وإعلاء لكلمة الحقّ والجهاد في سبيل الله ومساعدة الناس والفقراء وسوى ذلك ممّا يندرج في دائرة الطاعة والتقرّب الى الله([5]).
فعن الإمام عليّ عليه السلام: "واصرفوا همّتكم بالتقرّب الى الله".وفي دعاء للإمام السجّاد عليه السلام: "فقد انقطعت إليك همتي". وفي دعاء أخر "وهب لي.......همّةً متّصلة بك"([6]).
2- النجاة في الآخرة: بطلب العلم ومعرفة عواقب الأمور والتوبة والإنابة، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "ولتكن همّتك لما بعد الموت"([7]).
3- إصلاح النفس والمجتمع: إنّ مبدأ التغيير وإصلاح المجتمع على كافّة المستويات من أهمّ ما ينبغي تعويد النفس عليه وحملها على المشاركة في كلّ ما يمكن فعله لخدمة الناس وتلبية حاجاتهم، وعلى المرء أن يبدأ بنفسه أوّلاً ثمّ يتبعه بإصلاح الآخرين.
فعن الإمام عليّ عليه السلام: "إن سمت همّتك لإصلاح الناس فابدأ بنفسك، وإنّ تعاطيك إصلاح غيرك وأنت فاسد أكبر عيب"([8]).
ومن أهمّ الساحات التي ينبغي أن تتجلّى فيها علوّ الهمّة هي المشاركة الفعّالة في التغيير السياسيّ والإجتماعيّ من إعلاء الصوت والاستنكار الميدانيّ ومواجهة الظلم ورفع الفساد بكافّة الوسائل المتاحة.
وعلو الهمّة يتطلّب من الإنسان السعي والمثابرة والجدّ والسهر وعدم الإستسلام للخطأ والإيمان القويّ بما يقوم به، ولعلّ من أبرز الأمثلة والمصاديق اليوم ما استطاعت المقاومة أن تحقّقه من إنجازات وانتصارات بفضل ثبات مجاهديها وعلوّ همّتهم وإصرارهم على إلحاق الهزيمة بالعدوّ رغم كلّ التفاوت في العدّة والعتاد.
([1]) شرح الأسماء الحسنى، ج1، ص70..
([2]) نهج السعادة، ج6، ص160.
([3]) مستدرك الوسائل، الميرزا النوريّ، ج11، ص86.
([4]) عيون الحكم والمواعظ، ص484.
([5]) ميزان الحكمة، ج4، ص3469.
([6]) الصحيفة السجّاديّة (ابطحيّ)، الإمام زين العابدين، ص412.
([7]) حاشية مجمع الفائدة والبرهان، الوحيد البهبهانيّ، ص24.
([8]) ميزان الحكمة، ج3، ص2206
الإمام الخامنئي: التاريخ سيخلد ما يحدث في غزة
قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، استقبل اليوم الإثنين، في حسينية الإمام الخميني (رض) حشداً من المسؤولين والمعنيين بشؤون الحج في إيران وحشدا من حجاج بيت الله الحرام.
وخلال هذا اللقاء أكد الإمام الخامنئي أن ما يحدث في غزة اليوم سيخلد في التاريخ، فالاعتداءات الصهيونية الوحشية والظلم وفي نفس الوقت مقاومة أهل غزة، كل منها علامة كبيرة في التاريخ، وهذه مؤشرات عظيمة ستبين الطريق إلى مستقبل البشرية.
وأكد قائد الثورة أنه لولا الدعم الأمريكي هل كان للكيان الصهيوني القوة والجرأة للقيام بهذه الأعمال الوحشية؟ لا يمكن التعامل بلطف مع القاتل وداعم القتل.
وقال قائد الثورة الإسلامية، اليوم، تحتاج فلسطين إلى دعم العالم الإسلامي. نعم الجمهورية الإسلامية لم ولن تنتظر هذا وذاك، لكن إذا رافقتها الأيادي القوية من الشعوب الإسلامية والحكومات الإسلامية سيكون التأثير أكبر بكثير.
وقال سماحته، إن حجنا هذا العام هو حج البراءة حسب تعاليم السيد إبراهيم وطبعاً منذ بداية الثورة الاسلامية كان هناك حج البراءة، ويجب أن تظل، لكن حج هذا العام هو حج البراءة بشكل خاص.
وأضاف، إن النبي إبراهيم الرئوف والرحيم والودود كان يشفع في قوم لوط ويستغفر للعاصين وكان يرى أنه لا بد من الإحسان إلى الكفار غير المحاربين لكنه في إحدى الحالات يقف ثابتا ويعلن براءته ويقول : "إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ" و "وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ" .
وتابع، ولكن من هم الذين اعلن النبي إبراهيم براءته منهم؟
وأوضح ردا علي السؤال : «إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَيٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ»
وقال: من في العالم اليوم يضمر العداء للمسلمين ويقاتلهم ويحاربهم ويقتلهم؟ ومن يُخرج نساء المسلمين ورجالهم وأطفالهم من ديارهم وأراضيهم؟ وهل يمكن وصف العدو الصهيوني في القرآن بشكل أوضح من هذا؟
واعتبر سماحته، الكيان الصهيوني ومن يساعده بأنه مثال واضح على هذا الوصف القرآني وقال متسائلا، لولا مساعدة أمريكا، هل ستكون لدى الكيان الصهيوني القوة والشجاعة لمعاملة المسلمين، رجالا ونساء وأطفالا، بهذه الطريقة الوحشية في تلك البيئة المحدودة ؟ واوضح: لا يمكن التعامل مع العدو ومرتكبي القتل وداعمي القتل ومن يهدمون بيوت الناس ومن يدعمون هادمي البيوت بلطف وتقول الآية القرآنية: «وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ».
وأضاف قائد الثورة: ومن مد لهم يد الصداقة فهو ظالم، والقرآن يقول: «أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَي الظَّالِمِينَ».
وتابع: من العناصر الأساسية في الحج مسألة الوحدة والتأزر والتواصل مع المسلمين ويجب على المسلمين أن يقتربوا من بعضهم البعض، ويعرفوا بعضهم البعض، ويفكروا معًا، ويتخذوا القرارات معًا. ونريد من المسلمين أن يقرروا معًا واجتمعوا ليكون لهذا الاجتماع والوحدة نتيجة طيبة للعالم الإسلامي والإنسانية. وطبعاً مقدمته هو التفاهم؛ بعيدا عن الجنسيات والانقسامات الدينية والطائفية.
واعتبر قائد الثورة الإسلامية المنهج الإبراهيمي في الحج، أي البراءة الواضحة من الأعداء، ضروريا أكثر من أي وقت مضى في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها العالم الإسلامي.
وأضاف: يجب أن يكون الحجاج الإيرانيون وغير الإيرانيين قادرين على نقل المنطق القرآني الداعم للشعب الفلسطيني إلى العالم الإسلامي كله من خلال الاعتماد علي هذا النهج.
وتابع: طبعاً الجمهورية الإسلامية لم ولن تنتظر الآخرين ولكن إذا ساعدت ورافقت الأيادي القوية للدول والحكومات الإسلامية، فإن الوضع المثير للشفقة الذي يعيشه الشعب الفلسطيني لن يستمر.
واعتبر قائد الثورة الاسلامية أن النقطة البارزة في الجانب الاجتماعي للحج هي وحدة المسلمين وتواصلهم مع بعضهم البعض وقال: إن فلسفة دعوة الله لجميع الناس للتواجد في مكان محدد وفي أيام محددة هي تعريف المسلمين ببعضهم البعض والتفكير معًا واتخاذ قرارات مشتركة حتى يستفيد العالم الإسلامي والإنسانية جمعاء من نتائج الحج وثماره.
وأضاف: اليوم يعاني العالم الإسلامي من فجوة كبيرة في مجال اتخاذ القرارا لمشترك، معتبرا تجاهل الاختلافات القومية والدينية والعرقية مقدمة ضرورية للوحدة.
وأضاف: إن التجمع الضخم والموحد لأتباع جميع المذاهب الإسلامية من جميع الجنسيات هو علامة واضحة على الجانب السياسي والاجتماعي للحج.