emamian

emamian

الأحد, 24 تشرين2/نوفمبر 2019 10:53

ما الذي تعرفه عن «السرورية»؟

وقبلت ظُلم ذوي القربي وعداواتهم، ولا أعتقد أن أحدًا في العالم الإسلامي ظُلم من إخوانه ورفاق دربه السابقين مثلما ظُلمت. *الشيخ محمد سرور زين العابدين – مؤسس التيار السروري.

لم يكن مُدرّس الرياضيات، الذي اختلف مع زملائه بجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وسافر إلى السعودية في ستينات القرن الماضي من أجل تدريس تخصّصه لطلاب المرحلة الثانوية، يعلم أنه سيصبح مؤسّسًا لتيار ديني جديد سيُنسب إليه، وسيلعب دورًا محوريًا في ساحة الإسلام السياسي، وسيكون الشريان الأساسي المُغذي لما عُرف في السعودية باسم «الصحوة».

التقرير التالي يحاول إلقاء الضوء والتعرّف عن كثب على هذا التيار الذي يُمثّل حلقة وصل بين فكر السلفية وأيديولوجية الإخوان، والذي وصفه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حديثه الأخير مع «التايمز» البريطانية بأنه «الأكثر تطرفًا وخطورة في الشرق الأوسط».

السرورية: الخطّ الواصل بين «التوحيد» و«الظِلال»!

ما عرفتُ الإسلام إلا عن طريقهم. *الشيخ محمد سرور زين العابدين متحدثًا عن جماعة الإخوان المسلمين

خرج الشيخ محمد سرور من سوريا في أواخر الستينات من القرن الماضي بعد اختلافه مع إخوانه داخل جماعة الإخوان المسلمين، وتضييق نظام حافظ الأسد عليهم، والبدء في ملاحقتهم؛ فاتجه إلى السعودية؛ حيث استقر فور وصوله في معقل الدعوة السلفية، منطقة القصيم، ثم بدأ أوّل ما بدأ بطرح أفكاره التي كانت ترسم خطًّا بين منهج السلفية وفكر الإخوان، فجذب إليه العديد من الشباب الذين وجدوا في طرحه ثوريّة غائبة كانوا يبحثون عنها.

إذ أخذ هذا التيار الجديد عن السلفية التقليدية، موقفها الصارم من المخالفين لأهل السُنّة من الفرق والمذاهب الأخرى، مثل الشيعة، كما أخذ عن أطروحات سيد قطب الأفكار الثورية الحِراكية؛ فتأسس التيار الذي وجد في المجتمع السعودي ضالته؛ فنما وأثمر، وأصبح الشيخ السوريّ مرجعًا حركيًّا للشباب السعودي والعربي المتحلّق حوله.

وطوال فترة وجوده بالمملكة تأثّر الشيخ محمد سرور بأطروحات السلفية وابن تيمية، وأثّر في الوقت ذاته بالشباب السلفيّ بفكر الإخوان في التنظيم والحاكمية والسياسة، الذي كان جديدًا عليهم؛ مما سمح لأفكاره بالانتشار سريعًا، وأصبح له أنصار من النخبة الشرعية بالمملكة، وخاصة الشباب؛ إذ تتلمذ على يده أسماء لمعت لاحقًا، مثل الشيخ عائض القرني، والشيخ سلمان العودة، والشيخ ناصر العمر، والشيخ سفر الحوالي.

وبالرغم من الدور الكبير الذي لعبه سرور في تأسيس هذه الحركة الوليدة داخل المملكة السعودي، إلا أنّه كان يؤكد على أنه ليس قائدًا للحركة، وأنه ليس عالمًا، ويكره أن تُدعى بالسرورية – أطلق اسم «السرورية» على هذه الجماعة معارضوها من أهل السنة ومن الإخوان المسلمين – فيما تولى قيادة الجماعة فلاح العطري، وإليه نُسبت الجماعة في البداية.

فيما بعد وتحديدًا في عام 1973 طلبت المملكة من سرور أن يُغادرها؛ فارتحل إلى الكويت، وهناك التحق بأسرة مجلّة المجتمع التي كان يصدرها الإخوان المسلمون، ثم ارتحل مرة أخرى إلى بريطانيا بعد الضجة التي أحدثها كتابه: «وجاء دور المجوس»؛ فظل فيها ما يقرب من 30 عامًا، أسس خلالها «المنتدى الإسلامي»، و «مركز الدراسات الاستراتيجية» في برمنجهام، وأصدر عبره «مجلة السُنّة» الثورية، وواصل من هناك رعاية تياره الحركي والتأصيل لفكره؛ حتى صار متشعبًا في الخليج ( الفارسي ) ومصر واليمن. وعندما وقعت حرب الخليج ( الفارسي ) الثانية بزغ وجوده عبر مخالفته لرأي هيئة كبار العلماء وتحريمه الاستعانة بالمشركين وإدخالهم جزيرة العرب، ثم غادر بريطانيا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ومكث بالأردن قليلًا، قبل أن ينتهي به المطاف في قطر التي ظلّ فيها إلى أن تُوفي عام 2016.

صِدام مع المؤسّسة السلفيّة السعوديّة

إن الدعوة السلفيّة أكبر من أن تستوعبها جماعة أو شيخ، أو عدد محدود من الأفراد، وليس هناك جهة أو مؤسسة يحق لها ادعاء حق الوصاية على هذه الدعوة. *الشيخ محمد سرور زين العابدين

يرى الإمام الألباني أن السرورية «خارجية عصرية»، ولما سُئل الشيخ ابن باز مفتي المملكة السابق عما ذكره سرور في كتابه «منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله»، وقوله: «نظرت في كتب العقيدة؛ فرأيت أن أسلوبها فيه كثير من الجفاف؛ لأنها نصوص وأحكام، ولهذا أعرض عنها معظم الشباب»، قال هذه «ردّة»، وحرّم بيع الكتاب، وأمر بتمزيقه، فيما قال الشيخ ابن عثيمين: «هذه الكلمة كفر»، وقال الشيخ فوزان: «هذا كفر، وهذا رجل خبيث».

ومن مآخذ السلفية على السروريين أنّهم يرونهم مخالفين لأهل السنة؛ إذ يقولون بكُفر مرتكب الكبيرة، ويقرّون العمليات الجهادية، ويُكفّرون من يحكم بالقوانين الوضعية، ويخلّون بمبدأ السمع والطاعة لولاة الأمر، ويدعون للخروج عليهم، ويبرأون من بعض علماء أهل السنة، مثل الشيخ ابن باز، بدعوى أنهم علماء سلاطين، ويوالون الصوفية والقطبية – نسبة إلى سيد قطب – بالإضافة إلى إهمالهم للدعوة واجتهادهم لتوحيد الحاكمية.

دعاة الصحوة.. هؤلاء نبتوا في كنف السرورية

إبان تواجد محمد سرور في السعودية تتلمذ على يده العديد من شباب الدعاة الذين صاروا فيما بعد علامات للتيار الصحوي في المملكة، وعلى رأسهم د. سلمان العودة، وعائض القرني – وقد قاما لاحقًا بمراجعة فكرهما وقالا بتخلّيهما عن الدعوة للعنف وحمل السلاح – والشيخ ناصر العمر، والشيخ بشر البشر، والشيخ سفر الحوالي، أما أشهر دعاة السرورية في مصر، فمحمد عبد المقصود وتلاميذه، والشيخ محمد بن إسماعيل المقدم وجماعته.

ومن بيان أثر الشيخ سرور في أتباعه، هذه القصة التي يحكيها رئيس الهيئات السابق في القصيم، والمهتم بالنشاط الديني والخيري، الشيخ عبد العزيز اليحيى، والذي كان معاصرًا لهذه المرحلة المهمّة في بدايات انتشار الفكر الصحوي السروري في المملكة، ويقول فيها: «إن تأثير ابن سرور في السعودية بدأ من خلال تدريسه في المعهد العلمي، وكان أبرز الوجوه للتيار السروري، الداعية سلمان العودة، والذي كان اسمه سليمان، ثم طلب منه الشيخ سرور تغيير اسمه إلى سلمان، مستدعيًا باستمرار قصة سلمان الفارسي، ومردّدًا: سلمان منّا آل البيت، وأنه لا يوجد بعائلته (عائلة العودة) اسم سلمان، فوالده فهد السليمان وعمه حمد السليمان، فقام سلمان العودة بتغيير اسمه بالفعل، وقام بتسجيله رسميًا».

السرورية والربيع العربي.. هل دقت ساعة التمكين؟

عندما اندلعت ثورات الربيع العربي، كان محمد سرور قد بلغ من العمر عتيًا، لكنه مع ذلك تفاعل مع هذا الحراك الحادث، ودعا السلفية الحركية للبزوغ سياسيًا، والسعي لإنشاء أحزاب سياسية في هذه الدول التي وصلتها موجة الربيع العربي؛ إذ كان تيار السرورية قد تعرض لملاحقات أمنية في بعض الدول التي منها اليمن، واقتصر نشاطه على العمل الخيري والدعوي، ثم رأى ضرورة التهيؤ لدخول مجال العمل السياسي، في صورة الأحزاب السياسية.

جانب من إحدى تظاهرات الربيع العربي في اليمن

لكن هذه الدعوة تسببت في إحداث جدل واسع بين أوساط السلفية الحركية؛ وذلك لأن هذا التيار لم يرتكز إلاّ على «ثورية الحاكمية»، والتي تتعارض مع فلسفة الديمقراطية التي قامت على أساسها ثورات الربيع العربي.

وبرغم التباين الذي وقع داخل هذا التيار، إلاّ أن الغالبية قررت بالفعل خوض غمار العمل السياسي في مصر واليمن، ونشأت بالفعل في هذه الدول أحزاب سياسية كنموذج للشكل الأخير الذي ارتأه محمد سرور.

السرورية والسلطة.. الحاكمية القطبية أساسًا ومبدأً

كان موقف التيار السروري من السلطة السياسية واضحًا منذ بداياته؛ إذ ينطلق من مفهوم الحاكمية القطبية التي تنزع المشروعية عن كل الأنظمة السياسية في العالم العربي، وتتعدّى إلى تكفيرها، ويرى الباحث عبد الله بن بجاد في بحثه: «السرورية.. النشأة والتنظيم»، المنشور ضمن كتاب «السرورية» الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث، بدبي عام 2007، أن اعتراض السرورية على الأنظمة السياسية في العالم العربي كان من أجل تمهيد الطريق للوصول إلى السلطة والتربع عليها، إذ إن ذلك – بحسبه – هو الهدف الأساسي لكل تنظيمات «الإسلام السياسي»، ويمكن ملامسة هذا الأمر بوضوح في حديثهم عن الخلافة، والتمكين، وإعداد الأجيال لهذا الأمر، وكذلك من قراءاتهم للحركات الثورية في التاريخ الإسلامي.

ويرى الباحث أن السروريين ينتهجون مع السلطة السياسية لعبة القرب والبعد و«شعرة معاوية»، ولا يتورّعون عن التضحية ببعض الجماعات الإسلامية الأخرى من أجل خدمة التنظيم، مستشهدًا بموقف الشيخ محمد سرور من حركة جهيمان العتيبي، وكذا موقف الشيخ سفر الحوالي من تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، وفي الوقت نفسه روجوا بشكل واسع لمقولة أن «أولي الأمر» في النص القرآني هم العلماء، وليس الحكام، وذلك من أجل إضفاء مشروعية على الخروج على الحكام، وبغرض تركيز السلطة في أيديهم، وأطلقوا فيما بعد مفهوم «لحوم العلماء مسمومة»؛ ليغلفوا مواقفهم بالقداسة الدينية بحسب الباحث.

أما موقفهم من الديمقراطية فمتباين ومتناقض، فالخطاب النظري لدى السرورية يحرّم الديمقراطية، ويقول بأنّها كفر ومنازعة للخالق، لكنهم مؤخرًا بدأوا في التفريق بين فلسفة الديمقراطية وآليتها، وكتب سفر الحوالي، وناصر العمر، وغيرهما يؤيّدون المشاركة في الانتخابات البلدية في المملكة، شريطة أن يسيطر الإسلاميون على آلية الديمقراطية هذه، وأن يكون لهم حق الاحتساب على مؤسسات المجتمع المدني والأعضاء الذين ينتخبهم الناس.

5 دول أوروبية في الأمم المتّحدة تنتقد قرار الولايات المتحدة عدم اعتبار المستوطنات الإسرائيليّة معارضةً للقانون الدولي، ولوكسمبورغ تطالب الاتحاد الأوروربي بالاعتراف بدولة فلسطين رداً على الرار الأميركي.

  • دول أوروبية تنتقد تحوّل الموقف الأميركي من المستوطنات الإسرائيلية

انتقدت 5 دول أوروبية في الأمم المتّحدة قرار الولايات المتحدة عدم اعتبار المستوطنات الإسرائيليّة معارضةً للقانون الدولي، غير أنّ هذه الدول لم تذكر واشنطن مباشرةً.
وفي بيان مشترك، قالت فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة وبلجيكا وبولندا إن "موقفنا من سياسة الاستيطان الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقيّة، واضح ولم يتغيّر".

واعتبرت هذه الدول أنّ "كلّ نشاط استيطاني هو غير قانونيّ بموجب القانون الدولي، ويُقوّض قابليّة حلّ الدولتين وأفق السلام الدائم". كما دعت قبل اجتماع لمجلس الأمن بشأن الشرق الأوسط "إسرائيل إلى وقف كلّ الأنشطة الاستيطانيّة".

من جهته، دعا وزير خارجية لوكسمبورغ، جان أسلبورن، الاتحاد الأوروبي للاعتراف بدولة فلسطين، وذلك رداً على إعلان الولايات المتحدة اعترافها بـ "شرعية المستوطنات الإسرائيلية" في الضفة الغربية المحتلة.

وقال وزير خارجية لوكسمبورغ لرويترز "الاعتراف بفلسطين دولة ليس معروفاً ولا تفويضاً مفتوحاً، وإنما اعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولته... ليس المقصود منه مناهضة إسرائيل"، لكنه إجراء يستهدف تمهيد الطريق لحل الدولتين.

وأقر البرلمان الأوروبي تشريعاً في 2014 يؤيد إقامة دولة فلسطينية من حيث المبدأ، وكان ذلك التحرك بمثابة تسوية جرى التوصل إليها بعدما سعى المشرعون اليساريون إلى حثّ دول الاتحاد الأوروبي الـ 28 على الاعتراف بفلسطين دون شروط.

وتعترف أكثر من 135 دولة بدولة فلسطين، بما فيها روسيا والصين وعدد من بلدان شرق أوروبا والدول العربية والإسلامية.

وكان وزير الخارجية الأميركي أعلن الاثنين أنّ المستوطنات الإسرائيليّة لا تُعدّ "في ذاتها غير متّسقة مع القانون الدولي"، رغم قرارات مجلس الأمن التي تعتبر المستوطنات غير قانونيّة كونها مقامة على أراض فلسطينيّة محتلّة.

ويضع هذا التحوّل الولايات المتحدة في مواجهةٍ مع الأسرة الدوليّة بكاملها. وقد قوبل بانتقادات من الاتّحاد الأوروبي والأمم المتّحدة والجامعة العربيّة.
بدورها، أعلنت جامعة الدول العربيّة في بيان لها أنّها تقرّر عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجيّة العرب يوم الإثنين في القاهرة لبحث الموقف الأميركي.

المالكي يحمل بومبيو المسؤولية المباشرة عن تبعات وانعكاسات إعلانه الخطير

من جهته، أعلن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أن الحكومة الفلسطينية ستتجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
وفي حديث إذاعي حمل المالكي بومبيو المسؤولية المباشرة عن تبعات وانعكاسات إعلانه الخطير بشأن شرعيّة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلّة وعدم مخالفتها القانون الدولي.

حسني محلي

المذكرات العثمانية لم تمنع آل سعود وملوك وأمراء الخليج من التحالف مع إردوغان خلال ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وهم الآن بمعظمهم، ضد إردوغان وإسلامه العثماني التركي طالما أنه يتصرف كزعيم سياسي وروحي لكل الإسلاميين في العالم.

  • تركيا بين علمانية أتاتورك وإسلام إردوغان

أحيت تركيا في 10 من الشهر الجاري الذكرى الـ 81 لوفاة مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة عام 1923، والتي أراد لها مؤسسها أن تكون علمانية وتتجه نحو الغرب.
تعرضت هذه الجمهورية منذ اليوم الأول لقيامها، بل وخلال حرب الاستقلال التي قادها أتاتورك، إلى تمردات "إسلامية" سعت إلى عرقلة المسار العلماني الذي اختاره أتاتورك وسار عليه حتى توفي عام 1938. من بعده حافظ جميع رفاقه ومن تربى على أياديهم على هذا المسار الذي كان العسكر من أهم حماته.
وكان الزعيم الراحل نجم الدين أربكان منذ دخوله المعترك السياسي أواسط الستينات من القرن الماضي الرمز الوحيد والمؤثر على صعيد العمل الإسلامي الذي كان دائماً موالياً لأميركا ضد الاتحاد السوفياتي والشيوعية، التي كانت تهدد تركيا والإسلام، على حد قول وقناعة الإسلاميين الأتراك، حالهم في ذلك حال الإسلاميين العرب والآخرين. نجحت أميركا في استغلال واستفزاز هذه المشاعر والقناعات الدينية ضد الاتحاد السوفياتي خلال سنوات الحرب الباردة، خصوصاً بعد اللقاء التاريخي الذي جمع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز آل سعود في 14فبراير/ شباط 1945، حيث أصبحت المملكة بأموالها ودينها ومذهبها الوهابي في خدمة واشنطن لتكونا معاً وراء كل الحركات الإسلامية السياسية المعتدلة منها والمتطرفة، كما هو حال القاعدة وطالبان وباقي فصائل المجاهدين الأفغان التي كانت تتغذى عقائدياً وفكرياً من النهج الإخواني الذي انطلق من مصر بعد 5 سنوات على قيام جمهورية أتاتورك العلمانية.
ومن المعلوم أن السلطان سليم كان أعلن نفسه خليفة للمسلمين في القاهرة بعد انتصاره في معركة الردانية 22 يناير/كانون الثاني 1517 على المماليك، وهؤلاء من الأتراك في أصلهم.
وجاء استلام حزب "العدالة والتنمية" للسلطة في تركيا 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2002 ليدفع الجميع في الغرب إلى الاستعجال في وضع الخطط الجديدة الخاصة بالمنطقة التي تحدثت واشنطن عن ضرورة تشجيعها من أجل الديمقراطية في إطار ما يسمى بـ"مشروع الشرق الأوسط الكبير".
وكان رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب إردوغان من أهم أركان هذا المشروع بعد أن تحدث الغرب عن تسويق التجربة التركية إلى المنطقة العربية باعتبارها تجربة نموذجية ساعدت الإسلاميين على الوصول إلى السلطة ديمقراطياً في بلد علماني شعبه مسلم وتاريخه عثماني بملامح قومية تركية.
وجاء "الربيع العربي" ليتيح الفرصة للجميع وفي مقدمتهم إردوغان ورفاقه، لتطبيق هذا النموذج ولاسيما بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة في تونس ومصر واليمن ولاحقاً في ليبيا. إذ أعلن هؤلاء الإسلاميون العرب ومعهم حركة حماس "بيعتهم" للرئيس إردوغان الذي استنفر كل إمكانيته "المطعمة بخطاب طائفي" لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد باعتباره العائق الرئيس الذي يمنعه من تحقيق أحلامه في الخلافة والسلطنة.
وكان إردوغان أعلن في سبتمبر/أيلول 2012 أنه سيصلي قريباً في الجامع الأموي بدمشق، في إشارة منه إلى صلاة السلطان سليم هناك بعد معركة مرج دابق بتاريخ 24 أغسطس/آب 1516.
بعد 500 عام على تلك المعركة عاد إردوغان ودخل سوريا في التاريخ نفسه وبضوء أخضر روسي في 24 أغسطس/آب 2016 وسيطر على غرب الفرات، وهو اليوم يستمر في مسعاه للانتشار شرقه.
ويستمر حديث عدد من الأوساط عن مشاريع ومخططات يسعى إردوغان عبرها للبقاء في هذه المناطق من خلال التنسيق والتعاون مع كل الفصائل والمجموعات والقوى الإسلامية السياسية منها والمسلحة، والتي يبدو واضحاً أنه لن يتخلى عنها أبداً طالما أنه ملتزم بنهجه العقائدي الإخواني، متجاهلاً أن هذا النهج قد تعرض لانتكاسة خطيرة في معقله الرئيس بمصر بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي على محمد مرسي بدعم من السعودية والإمارات، وإعلانه جماعة "الإخوان المسلمين" تنظيماً إرهابياً، الأمر الذي أحرج إردوغان في علاقاته الدولية.
هذا الأمر لم يثن إردوغان عن التخلي عن مشروعه لزعامة الإسلام السياسي بشقيه العربي والعالمي، مصطدماً بالسعودية التي كانت الراعي الرئيسي لمثل هذا الإسلام بكل اتجاهاته وميوله، بما في ذلك حركة الإخوان المسلمين التي ترى الآن في إردوغان الزعيم السياسي وحتى الروحاني الداعم الأساسي لها.
فقد احتضنت تركيا خلال السنوات الأخيرة عشرات الآلاف من قيادات ومسؤولي وعناصر وأتباع الإخوان من جميع الدول العربية والإسلامية، وهي تحتضن عدداً كبيراً من الإعلاميين الإخوان الذين يعملون في الإذاعات والتلفزيونات والمواقع الإخبارية الإخوانية التي تبث من إسطنبول. هذا إذا تجاهلنا الفعاليات والمؤتمرات واللقاءات الإسلامية المتتالية بعناوين مختلفة، والتي يسعى من خلالها حزب "العدالة والتنمية" إلى تسويق أفكاره ضد السعودية المدعومة من مصر والإمارات.
لم يحل ذلك دون أن يهمل إردوغان الداخل التركي الذي يسعى إلى أسلمته دولة وأمة، الأمر الذي نجح فيه نسبياً بعد أن سيطر على جميع مؤسسات وأجهزة ومرافق الدولة وأهمها المؤسسة العسكرية "العلمانية".
فقد استغل إردوغان محاولة الانقلاب الفاشلة ضده في يوليو/تموز 2016 والتي قام بها أتباع فتح الله غولان للتخلص من جميع معارضيه ومن بينهم رفاقه القدامى في الحزب الحاكم، متجاهلاً اتهامات زعيمه الروحاني السابق أربكان له بالتحالف مع أميركا و"إسرائيل" والصهيونية العالمية.
وجاءت سيطرة إردوغان على أجهزة الأمن والمخابرات والجامعات والقضاء والإعلام وعلى نحو 100 ألف جامع لتساعده على تطبيق مشاريعه الداخلية، فأطلق العنان لعدد كبير من الزوايا والتكايا والمشايخ الذين يحظون بدعم من الدولة، التي سعت من خلالهم إلى التخلص من إرث أتاتورك العلماني.
وأثبتت فعاليات 10 نوفمبر/تشرين الثاني أن هذا الإرث ما زال قوياً وحياً. في هذا اليوم خرج مئات الآلاف من الأتراك إلى الشوارع، وربما للمرة الأولى بهذه الكثافة والمشاعر العاطفية، من أجل إحياء ذكرى وفاة أتاتورك.
أراد الشعب من خلال ذلك أن يقول لإردوغان إنه لن يسمح له بتمرير مخططاته للتخلص من فكر أتاتورك الذي كان وراء الانتصار الكبير لمرشحي المعارضة في الانتخابات البلدية في مارس/آذار الماضي، حيث هُزم إردوغان في العاصمة السياسية أنقرة، وفي العاصمة المعنوية تاريخياً ودينياً إسطنبول.
وبات واضحاً أن رئيس بلديتها أكرم إمام أوغلو العلماني سيبقى شبحاً يزعج إردوغان بعد فشله الذريع في السياستين الداخلية والخارجية، والسبب في ذلك هو إسلامه السياسي الذي اصطدم بعلمانية أتاتورك التي جعلت من تركيا وشعبها يختلفان كثيراً عن الدول والشعوب العربية في الكثير من المجالات، في مقدمتها الدين الذي لم يعد حتى قاسماً مشتركاً بين الدول العربية والإسلامية لأسباب عديدة أهمها أن الكل يقول "إن ديني هو الأصح!"، وهذا ما فعلته داعش بدورها فاختلفت مع جبهة النصرة كما اختلف الإمام فتح الله جولان الموجود في أميركا مع خريج ثانوية الإمام والخطابة إردوغان الذي عقد آمالاً كبيرة على لقائه مع الرئيس ترامب صديق الرئيس السيسي الذي أنهى حكم الإخوان المسلمين والمدعوم من خادم الحرمين الشريفين الذي لا ينسى كيف ألقى العثمانيون القبض على عبد الله آل سعود الذي كان في زمانه متمرداً على الدولة العثمانية فاقتادوه إلى إسطنبول ليأمر السلطان محمود الثاني بضرب رأسه. لم تمنع هذه الذكريات آل سعود وملوك وأمراء الخليج من التحالف مع إردوغان خلال ما يسمى بـ "الربيع العربي" ولاسيما في سوريا. وهم الآن جميعاً، باستثناء قطر، ضد إردوغان وإسلامه العثماني التركي طالما هو يتصرف كأنه زعيم سياسي وأحياناً روحي لكل الإسلاميين في العالم، وما عليه إلا أن يتخلص من شبح أتاتورك حتى يحقق حلمه هذا!
حتى ذلك التاريخ سنرى جميعاً أي إسلام سيكتشفه الأميركيون!.

 

المصدر : الميادين

نائب الرئيس الأميركي يتفقد قوات بلاده في قاعدة عين الأسد في العراق، والتظاهرات تستمر في المدن العراقية وسط مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، بالتزامن مع فتح معبر الشلامجة الحدودي مع إيران أمام المسافرين بعد إغلاقه لمدة أسبوع.

  • نائب الرئيس الأميركي يتفقد قوات بلاده في قاعدة عين الأسد في العراق (أ ف ب(

نقلت وكالة رويترز عن نائب الرئيس الأميركي بنس قوله إنه تحدث مع رئيس الوزراء العراقي عبد المهدي عن الاضطرابات وأن الأخير أكد له أن العراق يعمل على تجنب العنف.

بنس قال إن "عبد المهدي أكد احترام الاحتجاجات السلمية في العراق والعمل على تجنّب العنف".

ووصل نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الى العراق في زيارة غير معلنة مسبقاً. أفاد المراسلون بأن بنس موجود حالياً في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، حيث يلتقي القوات الأميركية هناك، وهو في تواصل مع المسؤولين العراقيين. ونقلت وكالة رويترز عنه قوله إنه سيلتقي رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.

لكن المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة العراقية، عادل عبد المهدي،أكد يوم السبت، إن زيارة بنس إلى العراق متفق عليها.

وذكر المكتب في بيان صحفي، أن "بينس تفقد خلال زيارته قوات بلاده في قاعدة (عين الأسد) العراقية في إطار التحالف الدولي، والذي يقوم بدعم القوات العراقية في محاربة الجماعات المسلحة ومنها داعش".

وأضاف، أنه "من المتفق عليه أن يقوم بزيارة إقليم كردستان العراق وعاصمته أربيل أيضا".

هذه الزيارة أثارت ردود فعل في العراق، في وقت تواصلت فيه الاحتجاجات  في مدن عديدة، وحصلت صدامات بين المحتجين والقوات الأمنية في شارع الرشيد بالعاصمة بغداد، حيث أفاد مراسل الميادين في بغداد بـ تواصل الاحتجاجات في مناطق مختلفة من العراق، ولا سيما وسط العاصمة.

وأكّد مراسلنا أن القوات الأمنية استخدمت القنابل الصوتية لتفريق متظاهرين في شارع الرشيد حاولوا بأعداد كبيرة اجتياز الحواجز الإسمنتية للوصول الى البنك المركزي، كما منعت القوات الأمنية المتظاهرين في ذي قار من قطع الطريق باتجاه حقل الغراف النفطي.

فتح معبر الشلامجة مع إيران

  • تجدد التظاهرات في المدن العراقية ... وفتح معبر الشلامجة الحدودي مع إيران أمام المسافرين

كما أعلنت هيئة المنافذ الحدودية العراقية إعادة فتح معبر الشلامجة الحدودي مع إيران أمام المسافرين بعد إغلاقه لمدة أسبوع.

وفي بغداد، أفاد المراسلون بإسقاط صاروخ في نهر دجلة قرب السفارة الأميركية بعد انطلاقه من خلف كلية السلام. أما في كربلاء، فقد أفاد مراسلنا بمواجهات بين القوات الأمنية وعدد من المتظاهرين في حي البلدية وسط المحافظة، مؤكّداً إصابة 9 من عناصر مكافحة الشغب.

المصدر.المیادین

على الرغم من أن سوريا تعتبر محطةً في تاريخ العلويين، فإن الحقائق تتحدث عن انتشارهم في العديد من دول الشرق الأوسط الأخرى، الى جانب تواجدهم في أوروبا وأمريكا. فكيف يمكن وصف بنية المجتمع العلوي؟ وكيف انتشر العلويون في الخارج؟

 

بنية المجتمع العلوي:

لقد أصبح المذهب العلوي اليوم، مقتصراً على عشائر معينة، منها ما يرجع نسبه إلى فرع القبائل الشاميّة والعراقية من غسّان وبهرا وتنوخ، الذين اعتنقوا المذهب الشيعي الإثني عشري في وقت مبكر، ثم تحولوا إلى المذهب الشيعي العلوي. وبعض قبائلهم كالمحارزة والتي يرجع نسبها إلى الهاشميين، وبعضهم ازداد عددهم بهجرة قبائل طيء (نهاية القرن الثالث الهجري)، وقبيلة غسّان الذين دفعتهم الحروب الصليبية من جبل سنجار في العراق إلى منطقة الشام. وبالتالي فإن العلويين ينقسمون بذلك إلى عشائر كثيرة كالنواصرة والجهنية والرسالنة، ومنهم الحيدرية الغيبية وهم العلويون شمال نهر الكبير حالياً، في منطقة بسنادا وما حولها من الضيع .

إن حالة الجمود الذاتي والإستعمار الموضوعي، التي رافقت تطور المجتمعات العربية، أدت إلى توقف التقدم الحضاري للمجتمعات العربية بصورة عامة، والطائفة العلوية بصورة خاصة. وظهر الشكل الذاتي للتباطئ الحضاري ممثلاً في شيوع التفكير البدعي المتضمن للتفكير شبه الخرافي والأسطوري لدى المجتمعات العربية عامة والتي كانت الطائفة العلوية أحد أطيافها. وهو ما دعا بعض أعلام الطائفة العلوية إلى الدعوة لمحاربة التفكير البدعي حينها.

فبين العلويين مثقفون وفنانون وكتاب وأكاديميون يعيشون ضمن النسيج السوري العام، وهناك الكثير من العلماء الذين كانوا ينتشرون في جبال الساحل السوري ودخلوا تاريخ الطائفة، أمثال الشيخ أحمد سليمان الأحمد وابنه فيما بعد بدوي الجيل، والشيخ أحمد حيدر المؤلف الكبير، وكذلك الشيخ محمد علي إسبر .

كما أن من أشهر العلويين في منطقة الشرق الأوسط، قائد ثورة جبال الساحل السوري ضد الفرنسيين الشيخ صالح العلي، والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وحالياً ابنه الرئيس بشار الأسد. بالإضافة إلى عدد من الكتاب والمفكرين كالشاعر أدونيس والشاعر بدوي الجبل والشاعر سليمان العيسى والشاعر والمسرحي الراحل ممدوح عدوان، والمرشح لجائزة نوبل سعد الله ونوس وغيرهم الكثير من المفكرين السوريين.

تقسيم العلويين عشائرياً:

ويقسم العلويون عشائرياً إلى أربعة اتحادات: الخياطين والحدادين والمتاورة والكلبية. جميعها موزعة على منطقة اللاذقية بأكملها، والمناطق المحيطة بها، والكثير من القرى والأراضي التابعة لها موزعة بين عائلات من عشائر مختلفة، وأحياناً يكون للإتحادات العشائرية أكثر من قائد، حيث تنقسم هذه الإتحادات إلى عشائر .

وبحسب المؤرخين فإن من أهم الأسس البنيوية التركيبية للمجتمع العلوي، والتي يتميزون بها، هو أن العلويين لا يقبلون بسهولة المتحوّلين إليهم من الأديان الأخرى، ولا يسمحون بنشر كتبهم المقدّسة، فيما عدا فئة محدودة تتمتع بالثقة، لذلك فإنّ معظم أبناء الطائفة لا يعرفون الكثير عن مضامين تلك الكتابات أو عن العقيدة العلويّة .

التوزيع الجغرافي للعلويين:

يشكّل العلويّون نحو 12% من مجموع سكّان سوريا، أي أكثر من مليون ونصف المليون شخص. ويتجمّع معظمهم (أكثر من 70%) في "جبال العلويّين"، وهي سلسلة جبال تقابل الساحل السوري ومعروفة أيضاً باسم جبال النصيريّة. وهناك تجمّعات علويّة أخرى تقطن مناطق وقرى حول المدن كحماة وحمص، ويعيش نحو ربع مليون علويّ، وربّما أكثر، في دمشق بل وفي حلب .

إضافة إلى سوريا، فإن هناك تجمّعات علويّة في تركيا أيضاً، وهم بضع مئات من الآلاف في الإسكندرونة (هتاي) وفي كيليكيا، وفي لبنان بضع عشرات الآلاف، يتمركزون بشكل أساسيّ في عكار وطرابلس. كما أن هناك أيضاً علويين في الأردن، الى جانب وجود جاليات منهم في كل من العراق وفلسطين وإيران، وكذلك في اليونان وبلغاريا حتى ألبانيا، وفي أمريكا وحدها يوجد أكثر من ربع مليون علوي .

العلويون في الخارج:

وتشير بعض الأرقام إلى أن مجموع عدد العلويين في العالم يبلغ 80 مليوناً . ووفق التقديرات يعيش في أوروبا أكثر من مليوني علوي، ويقطن العدد الأكبر منهم ألمانيا حيث يبلغ عددهم 600 ألف شخص، وهناك نحو 150 ألفًا آخرين في فرنسا. وقد اعترفت السلطات في النمسا رسمياً منذ أعوام بهم كطائفة دينية مستقلة، ويبلغ عدد العلويين هناك نحو 60 ألف شخص .

وتجدر الإشارة الى ان الطائفة العلوية في سوريا تعتبر ثاني أكبر طائفة، حيث يأتي أهل السنة في المرتبة الأولى، ثم يأتي العلويون، فالمسيحيون والشيعة فالدروز، ويكفل الدستور السوري في المادة 35 حق المعتقد وحرية العبادة، لمختلف الطوائف والفرق الفقهية من سنة وشيعة .

إذاً تتميز الطائفة العلوية بإنتشارها في الخارج، الى جانب تمركزها في سوريا وتركيا. ولذلك فإن للعلويين ثقلاً سياسياً في دولهم، إن على صعيد المشاركة السياسية أو الدينية، ولا سيما في سوريا وتركيا.

الأحد, 24 تشرين2/نوفمبر 2019 10:43

أیکون دعاء غیر الله عبادةً لغیرالله؟

یعتقد محمد بن عبدالوهاب في کتابه کشف الشبهات استناداً بالآیة الشریفة «ادعوا ربّکم تضرعاً وخفیةً إنّه لا یحبّ المعتدین»[1] أنّ الالتجاء بالصالحین ودعائهم عبادةٌ لغیرالله تعالی. ما مدی صحة هذه النظرة وقبولها؟

 

الجواب

إنّ أحد طرق الوهابیة في اتّهامهم سائر المسلمین بالشرک هو استنادهم بالآیات النافیة عن دعاء العبادة لإثبات شرکیة دعاء المسألة. بعبارة أخری إنّ الالتجاء بالصالحین ودعائهم یتصوّر بصورتین:

الأولی: الالتجاء والدعاء العبادي: وهو أن یدعو الشخص أحداً بقصد التعبّد وباعتقاد أنّه إلهٌ أو ربٌّ أو له بعض خصائص الألوهیة أو الربوبیة.

الثانیة: دعاء المسألة: وهو أن یدعو الشخص أحداً لا بقصد التعبّد ولا باعتقاد أنّه إله أو ربٌّ ولا أنّ له بعض خصائص الألوهیة أو الربوبیة. فالوهابیة لإثبات شرکیة القسم الثاني من الدعاء (دعاء المسألة) استندت بآیاتٍ تثبت شرکیة النوع الأول من الدعاء (دعاء العبادة).

فالوهابیة تستطیع استناداً بآیاتٍ کـ«ادعو ربکم تضرعاً و خفیةً إنّه لا یحبّ المعتدین»،[2] «وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً* وَ أَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ کادُوا يَکُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً* قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَ لا أُشْرِکُ بِهِ أَحَداً»،[3] «وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْکافِرُونَ»[4] أن تعرّف دعاء الصالحین والالتجاء بهم أنّه شرکٌ وعبادة لغیر الله بحالاتٍ ثلاثة: الأولی: لیس للدعاء إلا قسمٌ واحدٌ وهو دعاء العبادة وفي هذه الحالة یکون الالتجاء بالصالحین ودعاؤهم من أقسام دعاء العبادة؛ والآیات المذکورة أیضاً جعلت دعاء غیر الله بنحو دعاء العبادة من مصادیق الشرک.

الثانیة: وإن کان الدعاء مشتملاً علی دعاء العبادة والمسألة إلّا أنّ الآیات المذکورة جعلت الدعاء مطلقاً أعمّ من أن یکون مسألتیاً أو عبادیاً أنّه شرکٌ.

الثالثة: إنّ الآیات المذکورة جعلت دعاء غیر الله بنحو دعاء العبادة شرکاً والالتجاء بالصالحین ودعاؤهم إنّما هو من مصادیق دعاء العبادة لا المسألة.

بطلان الفرض الأول؛ اشتمال مفهوم الدعاء علی دعاء العبادة فقط.

إن لم یکن للدعاء إلا قسم واحد وکانت کلّ الأدعیة من مصادیق دعاء العبادة تکون استغاثة الأمّ بواسطة الولد واستغاثة الطبیب بواسطة السقیم واستغاثة المنقذ للحیاة بواسطة الغریق ودعاء الجیش بواسطة القائد و ....... عبادةً للأم والطبیب والمنقذ للحیاة والجیش وبتعبیر أدقَّ تکون هذه عبادةً لغیر الله، ولم یقل بهذا أحدٌ حتی الوهابیة.[5] فلامحیص من تقسیم الدعاء إلی قسمین دعاء العبادة (وهو أن یدعو الشخص أحداً بقصد التعبّد وباعتقاد أنّه إلهٌ أو ربٌّ أو له بعض خصائص الألوهیة أو الربوبیة) ودعاء مسألة (وهو أن یدعو الشخص أحداً لا بقصد التعبّد ولا باعتقاد أنّه إله أو ربٌّ ولا أنّ له بعض خصائص الألوهیة أو الربوبیة).[6]

جاء لفظ الدعاء في القرآن بمعان مختلفة کـالاستعانة والاستغاثة والقول والنداء والعذاب والهلاک والعبادة، وهذا حاکٍ عن أنّ مفهوم الدعاء بمنظر القرآن لیس مرادفاً للعبادة ، والدعاءُ لیس مشتملاً علی دعاء العبادة فقط، فمن باب المثال:

  1. ۱. «وَ إِنْ کُنْتُمْ في‏ رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلی عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَکُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقينَ»،[7] «أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقينَ»[8]و «وَ قالَ فِرْعَوْنُ ذَرُوني‏ أَقْتُلْ مُوسی‏ وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دينَکُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ»[9]؛ والدعاء في الآیات الثلاثة بمعنی الاستعانة.[10]
  2. ۲. «قُلْ إِنَّما أُنْذِرُکُمْ بِالْوَحْيِ وَ لا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ»،[11] «یوم یدع الداع إلی شیءٍ نکر»[12]و «إن تدعوهم لا یسمعوا دعاءکم»[13]؛ والدعاء في الآیات الثلاثة بمعنی النداء. وإن فُسِّر الدعاء بالعبادة لا یصحّ معنی الآیات المذکورة. فمثلاً یکون معنی الآیة الأولی: «ولایسمع الصمُّ العبادةَ» والآیة الثانیة: «یوم یعبد الداع إلی شیء نکر».[14]
  3. ۳. «تدعوا من أدبر وتولّی»[15]؛ المراد من الدعاء في هذه الآیة هي الدعوة للعذاب والهلاک وإن فُسِّر الدعاء فیها بمعنی العبادة یکون معناها: «تعبد من أدبر وتولّی».[16]
  4. ۴. «وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُکَ وَلا يَضُرُّکَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّکَ إِذاً مِنَ الظَّالِمينَ»،[17] «وَ الَّذينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتي‏ حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِکَ يَلْقَ أَثاماً»،[18] «قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلی‏ أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ کَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَی الْهُدَی ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَی اللَّهِ هُوَ الْهُدی وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمينَ»[19]؛ في هذا القسم من الآیات یکون معنی الدعاء هو دعاء العبادة وفُسِّر الدعاء بالعبادة خلافاً للأقسام السابقة.[20]

بطلان الفرض الثاني: اشتمال مفهوم الآیات التي استندت بها الوهابیة، علی دعاء العبادة والمسألة

تستطیع الوهابیة بإثبات أنّ مطلق الدعاء قد نُهِی عنه في الآیات الناهیة عن دعاء غیر الله وأنّها تنهی عن الدعاء بقسمیه أي دعاء العبادة والمسألة وإن کان للدعاء قسم آخر وأنّه ینقسم بدعاء العبادة والمسألة أن تقول: إنّ الالتجاء بالصالحین ودعائهم بنحو دعاء المسألة یکون من مصادیق الشرک. ولکن لا یقبل هذا النحو من الکلام بوجهٍ من الوجوه ولا تستطیع الوهابیة أن تدّعي أنّ المراد من الدعاء في الآیات الناهیة عن دعاء غیر الله هو مطلق الدعاء أعمّ من أن یکون الدعاء مسألتياً أو عبادیّاً لأنّه:

أوّلاً یلزم أن یکون مطلق دعاء المسألة (دعاء الأمّ بواسطة الطفل ودعاء الطبیب بواسطة السقیم و....) ودعاء العبادة شرکاً. وقد أشیر سابقاً أنّه لا قائل بشرکیة هذه الموارد کـاستغاثة الأمّ واستغاثة الطبیب و...... ولم یقل به أحدٌ حتی الوهابیة.[21]

ثانیاً یعتقد کبار المفسّرین کالطبري الذي اهتمّ به ابن تیمیة وکبار السلفیة أنّ لفظ الدعاء في الآیات المذکورة غیر مشتملٍ علی دعاء المسألة وعرّفوا الآیات التي استندت بها الوهابیة أنّها آیاتٌ ناهیة عن دعاء العبادة. فنقول من باب المثال:

  1. ۱. «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً * وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ کادُوا يَکُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً * قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِکُ بِهِ أَحَداً»[22]؛ کتب الطبري في تفسیر هذه الآیة: «يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَأله وسَلَّمَ:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا}أَيُّهَا النَّاسُ {مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ فِيهَا شَيْئًا، وَلَكِنْ أَفْرِدُوا لَهُ التَّوْحِيدَ، وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ».[23] وکتب ابن الجوزي أیضاً: «والرابع: أن المساجد: السجود، فإنه جمع مسجد ....... والمعنى: أَخْلِصُوا له، ولا تسجدوا لغيره».[24]
  2. ۲. «وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْکافِرُونَ»[25]؛ کتب الطبري في تفسیر الآیة المبارکة: «يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ الْمَعْبُودِ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ مَعْبُودًا آخَرَ، لَا حُجَّةَ لَهُ بِمَا يَقُولُ وَيَعْمَلُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا بَيِّنَةَ».[26] وکتب ابن کثیر أیضاً: «يقول تعالى متوعداً من أشرك به غيره وعبد معه سواه ومخبراً أن من أشرك بالله لا برهان له أي لا دليل له على قوله».[27]
  3. ۳. «وَ قالَ رَبُّکُمُ ادْعُوني‏ أَسْتَجِبْ لَکُمْ إِنَّ الَّذينَ يَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي‏ سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرينَ»[28]؛ کتب الطبري حول هذه الآیة المبارکة: «يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ...... اعْبُدُونِي وَأَخْلِصُوا لِي الْعِبَادَةَ دُونَ مَنْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِي مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ».[29] وکتب البغوي أیضاً: «{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } أي اعبدوني دون غيري أجبكم وأثبكم وأغفر لكم».[30]

بطلان الفرض الثالث: کون الالتجاء بالصالحین ودعائهم دعاءاً عبادیّاً

إن لم یکن الدعاء مرادفاً لدعاء العبادة وکان مشتملاً علی دعاء المسألة أیضاً وکانت الآیات التي استندت بها الوهابیة مشتملةً علی دعاء العبادة فقط وعرّفت دعاء العبادة أنّه من الشرک، فإن استطاعت الوهابیة إثبات أنّ الالتجاء بالصالحین ودعائهم من مصادیق دعاء العبادة تستطیع تعریفَ الالتجاء بالصالحین ودعائهم أنّه من مصادیق الشرک وعبادة غیرالله.

صارت المسألة المذکورة مورد اهتمام علماء الوهابیة وأنّهم اعتماداً علی مسألتین صاروا بصدد بیان أنّ دعاء الصالحین والالتجاء بهم من مصادیق دعاء العبادة:

  1. ۱. إنّ دعاء الصالحین والالتجاء بهم من مصادیق طلب ما لا یقدر علیه إلا الله.

کتب محمد العثیمین في کتابه مجموع الفتاوی والرسائل ضمن بیان أنّ طلب ما لا یقدر علیه إلا الله إن کان لله فهو عبادة له سبحانه وأنّه حاکٍ عن اعتماد الطالب علی الله والتجائه به واعتقاده بقدرته وکرامته ورحمته تعالی: «فمن دعا غير الله- عز وجل -بشيء لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كافر سواء كان المدعو حيّاً أو ميّتاً».[31] واعتقد عالمٌ آخرٌ من علماء الوهابیة وهو صالح بن فوزان کمحمد العثیمین أنّ طلب ما لا یقدر علیه إلا الله إن کان لغیرالله سبحانه فهو شرکٌ وعبادةٌ لغیر الله وکتب: «فالاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه- كالاستغاثة بالأموات والغائبين- شرك أكبر، لأنه يستغيث بمن لا يقدرون على شيء أبداً».[32] فالالتجاء بالصالحین ودعاؤهم وطلب أمورٍ کـشفاء السقیم و...... کل هذه عند الوهابیة تکون من مصادیق طلب ما لا یقدر علیه إلا الله وأنّها من مصادیق عبادة غیره تعالی ونظراً إلی آیاتٍ کـ «ادعو ربکم تضرعاً و خفیةً إنه لا یحب المعتدین»،[33] «وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً* وَ أَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ کادُوا يَکُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً* قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَ لا أُشْرِکُ بِهِ أَحَداً»،[34] «وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْکافِرُونَ»[35] عُرِّفت عبادة غیر الله أنّها من مصادیق الشرک والالتجاء بالصالحین ودعاؤهم یکون من مصادیق الشرک.

فنقول في الجواب: کما یستفاد من کلام محمد العثیمین أنّ علة کون طلب «ما لا یقدر علیه إلا الله» من غیره تعالی شرکاً هو أنّ هذا الطلب وأمثاله حاکٍ عن وجود بعض الخصائص في غیر الله تعالی ولایجوز اعتقاد وجودها إلا عند الله سبحانه. فهذا الطلب حاکٍ عن أنّ السائل یعتقد بأنّ المسئول له قدرة التصرّف في الکون والعالَم. فطلب « ما لا یقدر علیه إلا الله» من غیره تعالی الذي کان من مصادیقه هو الالتجاء بالصالحین ودعاؤهم إنّما یُعَدُّ عبادة غیر الله لأنّه حاکٍ عن اعتقاد السائل بوجود بعض خصائص الربوبیة في المسئول وواضحٌ أنّ دعاء أحدٍ باعتقاد وجود بعض خصائص الربوبیة فیه یکون من مصادیق دعاء العبادة ویُعَدُّ عبادة له. ولکن یُردُّ الاستدلال المذکور ولایُقبَل منهم بدلیلین:

الأول: صرّح علماء الوهابیة أنّ المشرکین کانوا موحدین بالربوبیّة وقالوا إنّهم کانوا معتقدین بخالقیة الله سبحانه ومدبّریّته ورازقیّته وإحیائه وإماتته و...... بنحوٍ کانوا یقولون إنّه هو مدبّر العالَم وإنّ کلّ السماوات والأرضین ومافیها تحت تصرّفه وقدرته.[36] فهنا سؤال وهو إن کان الالتجاء بالصالحین شرکاً وعبادة للصالحین لأنّه حاکٍ عن اعتقاد وجود بعض خصائص الربوبیة عند الصالحین، فلماذا صار الالتجاء بالأصنام أو أيِّ معبودٍ آخر بواسطة المشرکین عبادة للأصنام وشرکاً في العبادة، والحال أنّ کبار الوهابیة صرّحوا أنّ المشرکین کانوا موحدین بالربوبیة ومعتقدین بربوبیة الله سبحانه فقط. فالوهابیة إمّا أن تقول إنّ دعاء الغیر بنفسه شرکٌ وعبادة لغیرالله تعالی وإن لم یکن فیه اعتقادٌ بربوبیة الغیر أو ألوهیّته وثبت أنّ هذا النحو من الادّعاء غیر مقبول أبداً وإمّا أن تغیّر کلامها حول توحید المشرکین بالربوبیة وتعتقد أنّهم مشرکون بالربوبیة أیضاً مضافاً علی شرکهم بالألوهیّة والعبودیّة.

الثاني: إنّ الالتجاء بالصالحین ودعائهم لایکون من مصادیق عبادة غیر الله تعالی ولایکون شرکاً في العبادة کیفما فسّر علماء الوهابیة عبارة «ما لا یقدر علیه إلا الله». توضیحه:

اعتقد الوهابیة أن شفاء السقیم ونحوه من المسائل ، یکون من مصادیق « ما لا یقدر علیه إلا الله» فلابدّ من السؤال منهم أنّه لماذا صار شفاء السقیم من الأمور المختصّة بالله تعالی؟ إن أجابوا بأنّ الإنسان عادة لا یقدر علی الشفاء والشفاء وأيّ عمل آخر لایقدر علیه الإنسان عادةً وکان من الأمور المختصّة بالله نقول: إنّ هذه الضابطة ناشئة عن جهلکم بالقاعدة المعروفة «لا یقدر الإنسان علی شیءٍ بالاستقلال» لأنّ الإنسان في الأمور التي قادرٌ علی فعلها عادةً والأمور التي غیر قادر علیها عادةً لیس إلا سبباً وإن أذن له الله تعالی استطاع أن یرفع صخرة صغیرة أو یشافي السقیم أو یفعل أيَّ شیء آخر وإن لم یأذن له الله تعالی لایستطیع فعل أيِّ شیء أبداً. فالتعبیر الأدّقّ والمناسب لقاعدة «لا یقدر الإنسان علی شیء بالاستقلال» هو أن تقولوا: إنّ «ما یقدر علیه إلا الله» هو العمل الذي صار الإنسان سبباً ووسیلةً لفعله عادةً، کرفع صخرة صغیرة من الأرض و«ما لا یقدر علیه إلا الله» هو عملٌ لم یکن الإنسان سبباً ووسیلةً لفعله عادةً کشفاء السقیم.[37]

إن قبلت الوهابیة هذا الإشکال وفي الجواب عن سؤال «لماذا تجعلون الشفاء من الأمور المختصة بالله؟» أصلحوا جوابهم الأول وقالوا: إنّ شفاء السقیم من الأمور التي لم یکن الإنسان سبباً ووسیلةً لفعله عادةً وکل عملٍ لم یکن الإنسان سبباً لفعله عادةً کان من الأمور المختصة بالله تعالی قلنا: ما المراد من قولکم: «لم یکن الإنسان أو أيِّ شیءٍ آخر سبباً ووسیلةً لفعله عادةً» هل المراد أنّه لم یکن الإنسان أو أيِّ مخلوق آخر سبباً ووسیلةً لفعله عادةً؟ أم المراد أنّه بعض المخلوقات صار سبباً ووسیلةً لهذا الفعل ولکنّ الله لم یجعل سائر المخلوقات سبباً ووسیلةً؟ إن کان مرادکم أنّ الله جعل بعض المخلوقات سبباً ووسیلةً فطلب الشفاء من شخص لم یجعله الله سبباً ووسیلة للشفاء یوجب الخطأ في نسبة السببیة فقط لا الشرک. والسائلُ خطأً جعل شخصاً سبباً ووسیلةً للشفاء لم یکن هذا الشخص سبباً فيه، لا أنّه اعتقد فیه وجود بعض خصائص الربوبیة حتی یصبح مشرکاً في الألوهیة والعبودیة. فمثلاً إن تصوّر شخصٌ أنّ هذا الطفلَ سببٌ لرفع هذه الصخرة الکبیرة وطلب منه أن یرفع هذه الصخرة التي لم یکن الطفل عادةً سبباً لرفعها فإنّه أخطأ في نسبة السببیة لاأکثر.[38]

وإن کان مرادکم أنّ الإنسان وأيَّ مخلوق آخر لم یکن سببا ووسیلة لفعله نقول: وإن لم یجعل الله مخلوقاً سبباً ووسیلةً لفعله لکن ألایمکن أنّ الله یجعل مخلوقاً سبباً ووسیلةً لفعل هذا الفعل؟ إن کان الجواب مثبتاً فطلب هذا الفعل من شخصٍ لم یکن سبباً ووسیلةً لفعله موجبٌ للخطأ في نسبة السببیة فقط لاالشرک. وإن کان الجواب منفیاً ومراد الوهابیة من «لم یکن الإنسان أو أيِّ مخلوق آخر سبباً ووسیلةً لفعله عادةً» أنّه یستحیل أن یجعل الله سبحانه مخلوقاً سبباً لفعله، فطلب هذا الفعل من المخلوقات یوجب الشرک والخروج من الإسلام لأنّ هذا الفعل من أفعال الله المختصة به سبحانه وطلب الفعل من غیره تعالی کاشفٌ عن اعتقاد وجود بعض خصائص الربوبیة في غیره تعالی. ولکن یلاحَظ أنّ هذه المسألة فرضٌ فقط ولایوجد مسلمٌ یطلب من غیر الله فعلاً مختصاً به تعالی.[39]

للتوضیح نقول:  نظراً إلی آیاتٍ کـ«و رسولاً إلی‏ بني‏ إسرائيل أنّي قد جئتکم بآية من ربّکم أّني أخلق لکم من الطين کهيئه الطير فأنفخ فيه فيکون طيراً بإذن الله و أبرئ الأکمه و الأبرص و أحيي الموتی‏ بإذن الله و أنبّئکم بما تأکلون و ما تدّخرون في‏ بيوتکم إن في‏ ذلک لآية لکم إن کنتم مؤمنين»[40] وإلی بقیة الأدلة الموجودة في هذا الباب، هناک أمورٌ کالخلق وشفاء السقیم وحتی إحیاء الموتی و...... لیست من أفعال الله المختصة به، فأهل الاستغاثة والتوسّل والملتجئین بالصالحین ودعائهم لم یطلبوا منهم شیئاً یختصُّ به تعالی.

  1. ۱. إنّ دعاء الصالحین والالتجاء بهم من مصادیق الدعاء ونداء الغائب أو المیّت

یعتقد علماء الوهابیة أنّ دعاء الغائب أو المیّت یوجب الشرک والخروج عن الإسلام لأنّ هذا الدعاء کاشفٌ عن اعتقاد وجود قدرة التصرّف في العالَم عند مخاطبه.[41] فالوهابیة وإن لم یستطیعوا إثبات شرکیة الدعاء وطلب الصالحین من باب «طلب ما لا یقدر علیه إلا الله» إلا أنّهم یستطیعون أن یجعلوا الالتجاء بالصالحین من مصادیق دعاء العبادة لأنّ الالتجاء بالصالحین من مصادیق دعاء الغائب أو المیّت، لأنّه کما أشیر سابقاً أنّهم یجعلون الالتجاء بالغائب من مصادیق دعاء العبادة أي دعاء الشخص مع اعتقاد وجود بعض خصائص الألوهیة أو الربوبیة فیه.

ولکن لا یُقبَل هذا الادّعاء بوجهٍ لأنّه أوّلاً کما أشیر سابقاً صرّح علماء الوهابیة بتوحید المشرکین توحیداً ربوبیاً وقالوا إنّهم یعتقدون بخالقیة الله ومدبّریّته ورازقیّته وإحیائه وإماتته.[42] فکما بیّنّا في الجواب عن الاستدلال السابق نقول هنا أیضاً: إن کان الالتجاء بالصالحین شرکاً وعبادة للصالحین لحکایة هذا الالتجاء عن اعتقاد وجود بعض خصائص الربوبیة فیهم، فلماذا صار الالتجاء بالأصنام أو أيِّ معبودٍ آخر بواسطة المشرکین عبادة للأصنام وشرکاً في العبادة، والحال أنّ کبار الوهابیة صرّحوا أنّ المشرکین کانوا موحدین بالربوبیة ومعتقدین بربوبیة الله سبحانه فقط. فالوهابیة إمّا أن تقول إنّ دعاء الغیر بنفسه شرکٌ وعبادة لغیرالله تعالی وإن لم یکن فیه اعتقادٌ بربوبیة الغیر أو ألوهیّته وثبت أنّ هذا النحو من الادّعاء غیر مقبول أبداً وإمّا أن تغیّر کلامها حول توحید المشرکین بالربوبیة وتعتقد أنّهم مشرکون بالربوبیة أیضاً مضافاً علی شرکهم بالألوهیّة والعبودیّة.

ثانیاً کیف یُجعل الاعتقاد بوجود قدرة التصرّف في الکون والعالَم عند الصالحین شرکاً وخروجاً عن الإسلام؟ وقد أعطی الله سبحانه هذه القدرة لبعض مخلوقاته کما أشار إلیه القرآن الکریم. فکتب المفسّر المعروف لأهل السنة ابن کثیر حول تفسیره لهذه الآیة «فالمدبّرات أمراً»[43]: « قال علي ومجاهد وعطاء وأبو صالح والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي هي الملائكة زاد الحسن تدبر الأمر من السماء إلى الأرض يعني بأمر ربها عز وجل»[44] وکتب السیوطي أیضاً: « هي الملائكة تدبّر أمر العباد من السنة إلى السنة»[45]. فنقول: حتی لو قبلنا أنّ دعاء الغائب أو المیّت کاشفٌ عن الاعتقاد بوجود قدرة التصرّف في العالَم عند الغائب والمیت ولکن مادام الداعي لم یکن معتقداً باستقلال الغائب أو المیّت بالتصرّف لایصحّ رمیُهُ بالشرک حتی لو کان مخطئاً بدعاء شخصٍ لم یعطه الله تعالی قدرة التصرّف في الکون. وفي کلام واحد نقول: إنّ أهل الاستغاثة والالتجاء بالصالحین وإن کان عملهم من مصادیق الدعاء وطلب الفرد الغائب أو المیّت لکن لایصحّ رمیُهُم بالشرک واتّهامهم بالشرک العبودي لأنّهم لایعتقدون باستقلال الصالحین بالتصرّف.

ثالثا إنّ الدعاء وطلب الغائب أو المیت لیس شرکاً ولایصح جعله من مصادیق الشرک لأنّ هذا العمل صدر من سلف الأمّة وصحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وحتی الأنبیاء. قال الله تعالی عن إبراهیم علیه السلام: «وَ إِذْ قالَ إِبْراهيمُ رَبِّ أَرِني‏ کَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتی‏ قالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلی‏ وَ لکِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبي‏ قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْکَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلی‏ کُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتينَکَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَکيمٌ»[46] کتب الهیتمي في کتابه الصواعق المحرقة: « أخرج البيهقي وأبو نعيم واللالكائي وابن الأعرابي والخطيب عن نافع عن ابن عمر بإسناد حسن قال وجه عمر جيشاً ورأس عليهم رجلاً يدعى سارية فبينا عمر يخطب جعل ينادي يا سارية الجبل ثلاثاً ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر فقال يا أمير المؤمنين هزمنا فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتاً ينادي يا سارية الجبل ثلاثاً فأسندنا ظهرنا إلى الجبل فهزمهم الله قال قيل لعمر إنك كنت تصيح بذلك».[47] فدعاء المیت والطلب منه إن کان شرکاً ومن مصادیق دعاء العبادة للزم القول بأنّ الله آمرٌ بالشرک ولحکمنا علی أشخاص کإبراهیم علیه السلام وعمر بن الخطاب بأنّهم مشرکون.

 

 

[1] الأعراف: 55.

[2] السابق.

[3] الجن: 20 _ 18.

[4] المؤمنون: 117.

[5] العثیمین، محمد بن صالح، مجموع فتاوی و رسائل ابن عثیمین، تحقیق: فهد بن ناصر بن إبراهیم السلیمان، دار الوطن، 1413ق، ج 7، ص 27.

[6] للمزید من المطالعة راجع: السابق.

[7] البقرة: 23.

[8] یونس: 38.

[9] غافر: 26.

[10] للمزید من المطالعة راجع: النابلسي، عثمان مصطفی، الرویة الوهابیة للتوحید و أقسامه، عمان: دار النور المبین، الطبعة الأولی، 2017م، ص 192.

[11] فاطر: 14.

[12] قمر: 6.

[13] فاطر: 6 .

[14] للمزید من المطالعة راجع: النابلسي، عثمان مصطفی، الرویة الوهابیة للتوحید و أقسامه، ص 192.

[15] المعارج: 17.

[16] للمزید من المطالعة راجع: النابلسي، عثمان مصطفی، الرویة الوهابیة للتوحید و أقسامه، ص 192.

[17] یونس: 106.

[18] الفرقان: 68.

[19] الأنعام: 71.

[20] للمزید من المطالعة راجع: النابلسي، عثمان مصطفی، الرویة الوهابیة للتوحید و أقسامه، ص 192.

[21] العثیمین، محمد بن صالح، مجموع فتاوی و رسائل ابن عثیمین، تحقیق: فهد بن ناصر بن إبراهیم السلیمان، دار الوطن، 1413ق، ج 7، ص 27.

[22] الجن 18 _ 20.

[23] الطبري، محمد بن جریر، جامع البیان عن تأویل آی القرآن، تحقیق: عبدالله بن عبدالمحسن الترکي، دار هجر للطباعة و النشر و التوزیع و الإعلان، الطبعة الأولی، 1422ق _ 2001م، ج 23، ص 340.

[24] ابن محمد الجوزي، جمال الدین أبوالفرج، زاد المسیر في علم التفسیر، تحقیق: عبدالرزاق المهدي، بیروت: دار الکتاب العربي، الطبعة الأولی، 1422ق، ج 4، ص 349.

[25] المؤمنون: 117.

[26] الطبري، محمد بن جریر، جامع البیان عن تاویل آی القرآن، ج 17، ص 134.

[27] ابن کثیر الدمشقي، إسماعیل، تفسیر القرآن العظیم، تحقیق: محمد حسین شمس الدین، دار الکتب العلمیة، الطبعة الأولی، 1419ق، ج 5، ص 436.

[28] غافر: 60.

[29] الطبري، محمد بن جریر، جامع البیان فی تاویل آی القرآن، ج 20، ص 351.

[30] ابن علي الزید، عبدالله بن أحمد، مختصر تفسیر البغوي، ریاض: دار السلام للنشر و التوزیع، الطبعة الأولی، 1416ق، ج 6، ص 831.

[31] العثیمین، محمد بن صالح، مجموع فتاوی و رسائل، تحقیق: فهد بن ناصر بن إبراهیم سلیمان، دار الوطن، 1413ق، ج 7، ص 27.

[32] ابن فوزان، صالح، إعانة المستفید بشرح کتاب التوحید، موسسة الرسالة، الطبعة الثانیة، 1423ق، ج 1، ص 193.

[33] السابق.

[34] الجن: 20 _ 18.

[35] المؤمنون: 117.

[36] العثیمین، محمد بن صالح، شرح کشف الشبهات ویلیه شرح الأصول السنة، تحقیق: فهد بن ناصر بن إبراهیم، ریاض: دار الثریا للنشر و التوزیع، الطبعة الأولی، 1416ق _ 1996م، ص 22.

[37] للمزید من المطالعة راجع: النابلسي، عثمان مصطفی، الرویة الوهابیة للتوحید و أقسامه، ص 211.

[38] للمزید من المطالعة راجع: السابق، ص 214.

[39] السابق.

[40] آل عمران: 40.

[41] العثیمین، محمد بن صالح، مجموع فتاوی و رسائل، ج 7، ص 27.

[42] العثیمین، محمد بن صالح، شرح کشف الشبهات ویلیه شرح الأصول السنة، تحقیق: فهد بن ناصر بن إبراهیم، ریاض: دار الثریا للنشر و التوزیع، الطبعة الأولی، 1416ق _ 1996م، ص 22.

[43] النازعات: 5.

[44] ابن کثیر، إسماعیل، تفسیر القرآن العظیم، تحقیق: محمد حسین شمس الدین، دارالکتب العلمیة، الطبعة الأولی، 1419ق.

[45] السیوطي، عبد الرحمن، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بیروت: دار الفكر، ج 8، ص 403.

[46] البقرة: 260.

[47] الهیتمي، أحمد بن محمد، الصواعق المحرقة علی أهل الرفض و الضلال و الزندقة، تحقیق: عبدالرحمن بن عبدالله وبقیة من المحققین، لبنان: موسسة الرسالة، الطبعة الأولی، 1417م، ج 1، ص 293.

تعيش سوريا اليوم أزمة تتخطى العنوان السياسي، لتكون أزمة إنسانية دمرت البلاد وجعلت الشعب السوري يدفع الكثير ثمناً للعيش الكريم والمُستقر. ولأن الطائفة العلوية شكلت وما زالت تشكل طرفاً أساسياً في الحياة السياسية والإجتماعية في سوريا، لا بد من الإضاءة على هذا الدور. فكيف يمكن وصف العلويين في سوريا؟ وما هو وضعهم الحالي نتيجة الأزمة السورية؟

لمحة تاريخية سريعة:

عندما هيمنت الإمبراطورية العثمانية على بلاد الشام في 1516، قام العثمانيون بإرتكاب مجازر عديدة بحق العلويين راح ضحيتها الآلاف. ومع سقوط الإمبراطورية العثمانية واستبدالها بالإنتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، قامت الحكومة الفرنسية بتقسيم سوريا إلى دويلات ذات حكم ذاتي، بهدف إضعاف البلاد وتسهيل قمع حركات التمرد، فمنح الفرنسيون حكماً ذاتيا للعلويين. إلا أن ذلك لم يستمر إذا قام الإحتلال الفرنسي بالتنكيل بهم عندما قرر توحيد سوريا. وقد ذكر التاريخ حجم المعاناة التي عانى منها العلويون، الى جانب قيام الثورات ضد الإحتلال الفرنسي. فقد عانى العلويون ما عانوه من الإحتلال، واستشهد الكثير من الثوّار العلويين بقيادة الشيخ صالح العلي قائد الثورة العلوية ضد الإستعمار الفرنسي، والتي اعتبرت حينها من الثورات التاريخية ضد الظلم والإحتلال.

عقب قيام الجمهورية السورية، حدثت الكثير من الصراعات والإنقلابات على السلطة في سوريا والتي كان للواقع الذي أرسته فرنسا دور كبير بها. وعند وصول حزب البعث الى السلطة، ساهم في صعود الطائفة العلوية كنخبة حاكمة، حيث جذب بأفكاره العلمانية جموع العلويين من الفلاحين وأهالي الأرياف، الذين عانوا من التمييز وكانوا يعيشون في حال من الفقر المُدقع، كما أسهمت هجرة أهل الريف إلى المدن في تعزيز هذه الظاهرة، إضافة الى انتقال أبناء الريف الى المدن للدراسة، فانضم العلويون بأعداد كبيرة إلى صفوف حزب البعث، لاسيما في فرع الحزب باللاذقية وفي فروع جامعتي دمشق وحلب. كما لعب العلويون دوراً مهماً في انقلاب مارس 1963، وانقلاب 1966، لكن نفوذهم الأساسي تجلى مع انقلاب الذي قام به الرئيس حافظ الأسد سنة 1973.

النفوذ العلوي في سوريا:

يتواجد أكثر من 70% في مناطق جبلية تقابل الساحل السوري، وبعد تولّي الرئيس حافظ الأسد عام 1970 رئاسة البلاد انتقل عدد أكبر منهم إلى العاصمة دمشق وحمص ومدينتيّ اللاذقية وطرطوس، وللعلويون النفوذ الأكبر في قطاعي الجيش والأمن الى جانب تأثيرهم على مفاصل الدولة الإقتصادية. أما حالياً، فعلى الرغم من أنه يُنظر إلى الطائفة العلويّة من منطلق أنها "جوهر النظام السوري"، إلا أن الصورة من الداخل تبدو مختلفة الآن وخصوصاً بعد دخول الصراع الی سوريا. وقد دفعت الطائفة العديد من الشهداء في الأزمة السورية، دفاعاً عن النظام والدولة. وبحسب صحيفة الديلي تليغراف، فقد دفع العلويون ما يصل إلى ثلثِ شبابهم في المعارك.

الأزمة السورية والوضع المعيشي:

يعيش أغلبية العلويين في حالة فقر، بسبب الأزمة الأخيرة التي زادت من معاناتهم في قراهم، مع غلاء المواد الغذائية والوقود المطّرد وقلة المُعيل وانحسار الدعم الحكومي، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء لأوقات طويلة. ويواجه النظام في سوريا اليوم أكبر تحدٍ داخلي، بدأ بقرار الرئيس السوري بشار الأسد، التخلص من نظام الحزب الواحد، وقيام نظام سياسي تعددي جديد يضمن إجراء إنتخابات حرة، تمثل بصورة حقيقية ما يريده المجتمع السوري اليوم، وتعكس تطلعاته نحو حياة سياسية حرة وعادلة. لكن الحرب على الإرهاب تبقى المشكلة الأكبر التي تعاني منها سوريا اليوم. وبالتالي فهي تشل العمل على الأصعدة الأخرى، إذ تعتبر محاربة الإرهاب من الأولويات.

الخاتمة:

تعتبر الطائفة العلوية طائفة لها دور في التركيبة السياسية السورية. وهي تعمل على الحفاظ على وجودها واستمرارها، في ظل نظام سياسي محسوب عليها، وتخشى من الحرب المذهبية الطاحنة وترفضها. إذ يؤمن العلويون أن أزمة كهذه، تهدد مستقبل سوريا أجمع. وتدرك الطائفة العلوية، معنى المعاناة والتمييز، لذلك تسعى جاهدةً اليوم لبناء لُحمةٍ إجتماعية في ظل وضعٍ سوريٍ صعب، يبقى فيه الإرهاب الخطر الأكبر.

شكلت الطائفة العلوية بإمتدادها وبالتحديد في سوريا وتركيا، ثقلاً أدى يوماً بعد يوم، الى زيادة تأثيرها على الصعيد السياسي في تلك الدول. ولأن دورها في تركيا كان في صف المعارضة أو أحزاب اليسار، كان للطائفة العلوية الأثر الدائم والواضح في مجريات الإنتخابات التركية، لا سيما الأخيرة منها. فكيف يمكن وصف حالة العلويين في تركيا؟ وكيف يُعتبرون من الأطراف الوازنة في الحياة السياسية التركية؟ وما هو موقفهم من الأزمة السورية مؤخراً؟

يشكل العلويون في تركيا نحو 15 إلى 20% من مجموع سكان الجمهورية، وهم أكثر من حيث العدد في تركيا عن سوريا، ويقدرون هناك بحوالي 15 مليون نسمة. يعد العلويون الأتراك أنفسهم ممثلين للتفسير الأناضولي التركي للإسلام، أي أنهم مجرد طريقة دينية، يمثلون مجموعة مذهبية وليس مجموعة عرقية متجانسة، حيث يتوزعون بين جماعات عرقية، أبرزها وأكبرها الأكراد. لذلك فإن 30% من أكراد تركيا علويون، إلى جانب أعداد من العرب، كما أنهم مختلفو اللغات حيث يتحدثون اللغات التركية والعربية والكردية والفارسية، فضلاً عن تعدد الفرق العلوية "البكتاشية، الديدقان والشيلبين".

يختلف وضع العلويين في تركيا عن وضعهم في سوريا. فقد وجد العلويون الأتراك في إجراءات أتاتورك فرصة مهمة لأداء دورهم في الحياة السياسية والإجتماعية. حيث أصبحوا الدعامة الأساسية للنظام العلماني. ومع الإنفراج السياسي والتعددية الحزبية في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية، إنضم العلويون لأحزاب اليسار العلمانية، وأعلنوا تأييدهم لانقلاب عام 1960، وشاركوا في إعداد دستور 1961 الذي نص على الكثير من الحريات الدينية، ما زاد من نشاطهم الديني والإجتماعي والإعلامي، ونجحوا في إشغال نحو 15 مقعدًا نيابياً في انتخابات العام 1965.

الأثر السياسي للعلويين في تركيا:

من الناحية السياسية لا بد من الإشارة الى أن العلويين الأتراك ينحازون في أي صراع بين الأحزاب اليسارية واليمينية إلى معسكر اليسار. وهم دائماً أعضاء بحزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك لضمان العلمانية التي حمت وضعهم بوصفهم أقلية. بينما في المقابل اتخذ اليمين التركي المبادرة في تعبئة المسلمين الآخرين ضد العلويين على أساس معاداة الشيوعية والعلمانية.عام 1980 ألحق انقلاب سبتمبر، بالغ الأذى بأحزاب اليسار العلماني، مما أضَرَّ بالعلويين أيضاً، إذ يشكل العلويون فيها القاعدة الأساسية والعريضة في مقابل دعم الحركة الإنقلابية للإتجاهات الإسلامية الأخرى، وتأكيدها على البعد الديني للهوية السياسية.

وفي الإنتخابات التركية الأخيرة، يمكن القول إن العلويين كانوا الجندي المجهول فيها. فعلى الرغم من أن حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي، كانا مقابل حزب العدالة والتنمية، إلا أنهما سعيا لكسب الصوت العلوي لما يشكله من تأثير في النتائج الإنتخابية، وبالتالي إنعكاساً لصالح المعارضة في الداخل السياسي التركي. وهو الأمر الذي تحقق فعلاً، إذ أن نجاح الأحزاب المعارضة في حشد الأقليات، أدى الى زيادة مقاعدها النيابية، وهو الأمر الذي رفع من تمثيل العلويين والأكراد أيضاً. مما جعل حيثية العلويين السياسية أكبر اليوم.

العلويون الأتراك والموقف من الأزمة السورية:

بقي العلويون لفترة طويلة في بداية الأزمة السورية دون إعلان موقفٍ صريحٍ من الأزمة وذلك تماشياً مع مصلحتهم كطائفة، وبالتحديد حين كان موقف بلادهم مؤيداً لإسقاط النظام. ولكن مع تحول المظاهرات السورية من سلمية مطالبة بالديمقراطية إلى معارضة مسلحة، بدأ العلويون يبرزون موقفهم الداعم للنظام السوري ووصفهم للمعارضة المسلحة بالخيانة للوطن والتبعية للمشروع الأمريكي. وهو الأمر الذي ما يزال العلويون يؤمنون به، نتيجة وضوح خيار المعارضة التي تحولت لجماعاتٍ تكفيرية لا مشروع سياسي لها. كما أنها بعيدة كل البُعد عن إحترام الآخر وقبوله، وهو الأمر الذي لم ولن يقبله العلويون، لأنهم لطالما عانوا تاريخياً، من القهر جراءه.

الخلاصة

الطائفة العلوية طائفة لها دور في التركيبة السياسية التركية اليوم أكثر من ذي قبل. وهي تعمل على الحفاظ على وجودها واستمرارها، في ظل نظام سياسي أصبح اليوم بعد الإنتخابات الأخيرة، مضطراً لإحترام خيار الأقليات التي أثبتت دورها وثقلها السياسي، الى جانب تأثيرها في مجريات أي إنتخابات. ولا بد من الإشارة الى أن طابع العمل السياسي للعلويين في تركيا، طابع علماني، مع احترامه للخيارات الدينية الأخرى. وهنا يأتي السؤال الأهم: هل سيترجم العلويون ثقلهم السياسي في التعاطي مع الشؤون التركية على الصعيد الداخلي والخارجي؟ هذا ما ستجيبنا عنه الأيام المقبلة.

الدروز أو الموحدون الدروز، إحدى الطوائف الإسلامية التي تأسست في مصر عام 1021 وانتقلت إلى بلاد الشام (سوريا-لبنان-فلسطين المحتلة) في مرحلة لاحقة. يشيرون الى انفسهم بالـ"الموحدين" نسبة الى عقيدتهم الأساسية القائمة على توحيد الله تعالى، أو بني معروف نسبة إلى القبيلة التي اعتنقت هذه الديانية في بداياتها. أما تسمية الدروز فتعود الى "نشكتين الدرزي" الذي يعتبرونه زنديقا ومحرفا للحقائق، كما أنهم يعتبرون هذا الاسم غير موجود في كتبهم المقدسة، ولم يرد تاريخياً في المراجع الخاصة بهم.  

يعتبر محمد بن إسماعيل الدرزي المعروف بأنوشتكين، الذي لقب بالدرزي نسبة إلى (أولاد درزة) أي صانعي الثياب، مؤسس الطائفة الدرزية التي ظهرت في القرن الحادي عشر في عصر سادس الخلفاء الفاطميين أبي علي المنصور الفاطمي الملقب بـ "الحاكم بأمر الله"(589-1021)، الذي تولى حكم مصر في القرن السادس الهجري [1] .

يعتبر التنوخيون أصل الدروز، إلا أنهم عرفوا في العهد الإسلامي بالأنصار والمؤمنين، ثم عرفوا بالشيعة العلوية، ثم شيعة آل محمد، ثم شيعة جعفرية، ثم إسماعيلية، ثم موحدون، ثم قرامطة، ثم فاطميون، ثم دروز، وهذا الاسم قَبِلَه الدروز على مضض، فهم يفضّلون تسميتهم بالموحدين أو ببني معروف .

الدروز هي إحدى "الطوائف الباطنية التي انشقت عن الإسماعيلية، واتخذت لها مبادئ مخالفة في ظاهرها لمبادئ الإسماعيلية، وإن كانت لم تخالفها في جوهرها. وتقيم هذه الطائفة في مناطق عديدة من بلاد الشام، فمنهم من يقيمون في الشوف بلبنان، وقسم آخر يقيمون بجبل الدروز في جنوب سوريا، وكذلك في هضبة الجولان المطلة على فلسطين، وآخرون يقيمون في شمال فلسطين" [2] .

 

عقائد الدروز

رغم أن الطائفة الدرزية أخذت جل عقائدها من الإسماعيلية، إلا أن عقائدها خليط من عدة أديان وأفكار. يعتقد الدروز أن الله واحد أحد لا إله إلا هو ولا معبود سواه وهو الحاكم الفعلي والأزلي للكون وممثوله في القرآن (على العرش استوى) و(أحكم الحاكمين) هو الحاكم المنزه عن عباده ومخلوقاته، كما أنها تؤمن بسرية أفكارها، فلا تنشرها على الناس، ولا تعلمها لأبنائها إلا إذا بلغوا سن الأربعين.

تشتمل عقيدة الدروز على الوصايا السبع: صدق اللسان- حفظ الإخوان- ترك عبادة العدم والبهتان-البراءة من الأبالسة والطغيان- التوحيد لمولانا في كل عصر وزمان- الرضى بفعل مولانا كيف ما كان- التسليم لأمر مولانا في السر والحدثان. ويعتبر ميثاق ولي الزمان مدخل ديانة التوحيد لدى الدروز وعهدهم الأبدي معها، وهو العهد أو القسم الذي به يصبح الدرزي درزياً.

كذلك يعترف الدروز بالقرآن لكنهم يفسرون معانيه تفسيراً باطنياً غير المعاني الواضحة في النص، ولهم كتاب آخر يسمى رسائل الحكمة (111 رسالة) من تأليف حمزة بن علي بن أحمد وهو تفسير للقرآن الكريم.

تفرض الطائفة الدرزية أسساً وشروطاً خاصة للزواج، حيث أنه لا يصح للدروز إلا أن يتزوجوا من بعضهم، والزواج يجب أن يكون مبنيا على المحبة، الائتلاف، الإنصاف، العدل والمساواة؛ لذلك منع تعدد الزوجات لأن ذلك يقضي على الإنصاف والعدل والمساواة. ولكلا الزوجين الحق في طلب الطلاق، وبعد حدوثه لا يحق لهم الزواج من بعضهما مرة أخرى.

أما حول قواعد مذهبهم الإعتقادي فيوضح الدكتور أحمد الخطيب في كتاب "الحركات الباطنية في العالم الإسلامي:(عقائدها وحكم الإسلام فيها)" أن أهمها التالي:

أولاً التقمص والتناسخ: يؤمن الدروز بعقيدة التقمص بمعنى أن الإنسان إذا انتهت حياته وصعدت روحه فإنها لا تذهب إلى الحياة البرزخية، ولكنها تتقمص مولودا جديدا .

ثانياً النطق: النطق هو أن الروح حين تنتقل من جسد إلى جسد تحمل معلومات عن دورها في الجيل السابق، يعني في الجسم الذي كانت تتقمصه قبل قميصها الحالي، وفي هذه الحالة تتحدث أو تنطق بما تذكره من وقائع عن حياتها السابقة .

ثالثاً الثواب والعقاب: يكون الثواب والجزاء بمقدار ما تكتسب النفس من المعرفة والعقيدة في أدوار تقمصها المتعاقبة، وانتقالها من جسد إلى جسد . رابعاً يوم الدين: يوم الحساب في العقيدة الدرزية ليس يوم قيامة، بل إن يوم الحساب أو الدينونة نهاية مراحل الأرواح وتطورها، إذ يبلغ التوحيد- حسب العقيدة الدرزية- غايته من الانتصار على العقائد الشركية، وينتهي الانتقال والمرور في الأقمصة المادية لتتصل الأرواح الصالحة بالعقل الكلي كل على قدر تكاملها.

كذلك يضيف غالب عواجي في كتابه "فرق معاصرة"، إلى هذه الاعتقادات المذكورة، إنكار الدروز لمجموع التكاليف الشرعية، حيث تكفي معرفة الباري وتنزيهه عن جميع الصفات والأسماء، ثم معرفة الإمام قائم الزمان وهو حمزة بن علي بن أحمد وتمييزه عن سائر الحدود (أي كبار دعاتهم)، ووجوب طاعته طاعة تامة، ثم معرفة الحدود بأسمائهم وألقابهم ومراتبهم ووجوب طاعتهم، فإذا اعترف الإنسان بهذه الفرائض التوحيدية الثلاثة أصبح موحدا، وليس عليه أن يقوم بتكاليف أي فريضة من الفرائض [3] .

 

المجتمع الدرزي

ينقسم المجتمع الدرزي عمومًا إلى قسمين: روحانيون وهم رجال الدين، والجثمانيون هم الذين يعتنون بالأمور الدنيوية. الروحانيون هم العارفون بأصول المذهب الدرزي، لا يدخنون ولا يشربون الخمر، ويطلقون لِحاهم، ولهم أماكن خاصة للعبادة تعرف بالخلوات. وينقسم الروحانيون إلى ثلاثة أقسام: الرؤساء هم الذين بيدهم جميع الأسرار الدينية، والعقال بيدهم الأسرار التي تتعلق بالتنظيم الداخلي للمعتقد الدرزي، والأجاويد بيدِهم الأسرار الخارجية التي تختص بعلاقة المعتقد الدرزي بغيره من الأديان .

أما الجثمانيون، ويسمون أحياناً "الشراحين"؛ لأنهم لا يسوغ لهم الاطلاع على رسائل الدروز، فينقسمون بدورهم إلى قسمين: الأمراء وهم أصحاب الزعامة الوطنية، والجهال سائر أفراد جماعة الدروز، ويُرخص لهم الاستمتاع بكل الممنوعات والمحرمات من تدخين وشرب خمر وترف في المعيشة، وليس لهم زي يعرفون به .

أما النساء فينقسمن إلى قسمين: عاقلات اللاتي يلبسن النقاب وثوباً يسمى عندهم بـ"الصاية ". وجاهلات وليس لهن زي يعرفن به .

 

خلاصة

بعد أن قدّمنا في الجزء الأول نبذة عن نشأة الدروز وأهم عقائدهم، إضافةً إلى طبيعة المجتمع الدرزي، سنتطرق في الجزء الثاني إلى التوزيع الديموغرافي للطائفة الدرزية، ومن ثم نبذة قصيرة عن أبرز الشخصيات الدرزية في العصر الحديث.

المصادر:

[1] الطائفة الدرزية.. نشأتها وتاريخها وعقيدتها على الرابط التالي:

http://www.islamist-movements.com/2664

[2] الحركات الباطنية في العالم الإسلامي : (عقائدها وحكم الإسلام فيها) -محمد أحمد الخطيب- مكتبة الأقصى/الأردن-الطبعة الأولى/1984-ص: 199

[3] فرق معاصرة - د. غالب بن على عواجي – ص: 628-629

الأحد, 24 تشرين2/نوفمبر 2019 10:29

السلفية السعودية في ميدان السلطة

هذا المقال إنما يعبر عن رأی کاتبه و لا يعبر بالضرورة عن رأی الموقع 

الحديث عن السلفية في السعودية حديث متشعب وبالغ التعقيد؛ لذلك، يحسن بنا تبني مقاربة تحليلية لعنصر من عناصر السلفية السعودية، في محاولة منا لتقديم وجهة نظر شمولية للتعريف بالبداية، والأيديولوجية، والتطوارات، وما آلت إليه السلفية في اللحظة الراهنة.

ولهذا السبب، سنحاول تناول عنصر من أهم عناصرها ألا وهو المعارضة، المنبثقة من رحم السلفية، ونعني بهذا ما يُسمى بالصحوة الإسلامية في السعودية. ونعتقد أن تناول المعارضة السلفية سيكون أشمل من تناول السلفية بشكل تقليدي لأن المقاربة الأولى تعني تناول السلفية من الداخل كما من الخارج، بحكم أن معارضة الشئ تبدأ بتفكيك قواعد تكوينه، مع الحفاظ على مسافة معينة.

النشأة والتكوين

في عام 1744 توّج قائدان، القائد السياسي محمد بن سعود والقائد الديني أو الروحي محمد بن عبدالوهاب، تحالفهما العسكري-الديني على أساس تكوين ميدان للسلطة، إذا ما استخدمنا مصطلحات عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو. وتم تقسيم هذا الميدان بين مجالين: السياسي تحت قيادة ابن سعود والديني تحت إشراف ابن عبدالوهاب. وبهذا استطاع الرجلان إنشاء تحالف قوي قامت عليه الدولة السعودية الأولى، واستمر هذا التحالف في إمداد الدولتين اللاحقتين، السعودية الثانية والسعودية الثالثة، بمصدر شرعية بالغ الخطورة والأهمية، ألا وهو الدين.

بالتركيز على نقطة مهمة: كما يلاحظ الباحث إبراهيم خليفة، فإن هذا التحالف هو أول تحالف يكون التيار المقاتل للمسلمين على اعتبارات دينية، سببًا في ميلاد دولة ملكية. رأينا مع معاوية بن أبي سفيان ميلاد الملك، ومع الخوارج قتال المسلمين. لكنها أول مرة يجتمع قتال المسلمين مع الملك الوراثي.

الأيديولوجية

كما يلاحظ الكثير من الباحثين، قام فكر ابن عبدالوهاب على ما يسمى بمنهج السلف الصالح، والمقصود بذلك هو الرجوع إلى مصادر التشريع الأصلية، وهي القرآن والسنة. ولم يكن عبدالوهاب منقطعًا عن معاصريه، منهجًا وممارسة، كما هي الصورة الشائعة عنه. بل كان مطّلعًا على المدارس الفكرية الرئيسية وتوجهات علماء عصره، كما تؤكد الباحثة ناتانا دولونغ باس. ويشدد الباحث تيم نيب لوك على هذه الفكرة أيضًا عبر استشهاده بتعدد التفسيرات لإرث محمد بن عبدالوهاب، وكون ذلك بحد ذاته دليل مرونة فكره وقابليته للتكيف مع أكثر من اتجاه.

على أن الرجوع لمنهج السلف الصالح، حسب فكر عبدالوهاب، يعني جعل الاجتهاد مركزًا رئيسيًا في الفقه، وهو ما نراه جليًا في أهم كتابات هذا العالم، لاسيما مؤلفه الشهير كتاب التوحيد. وبناءً على هذه الفكرة يصبح التقليد مرفوضًا. ولهذا التوجه انعكاسات خطيرة، سنتتبع بعضها في ما يلي من فقرات. ويجب ملاحظة نقطتين في هذا المقام: الأولى: هي رفض التقليد عبر مركزية الاجتهاد. ومردّ ذلك أن الاجتهاد حق لكل مسلم، يمارسه دون وصاية من أحد. وبالتالي، وهذا ثانيًا، فإن المساحة التي تفصل عالم الدين عن المجتمع تصبح قصيرة إلى حد كبير جدًا، مما يقيد احتكار الدين، أو ممارسة الكهنوتية، وفتح الفضاء العام للتعددية الفكرية في الدين، دون الإخلال بالخطوط العريضة بالتأكيد.

غير أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وكما يؤكد كثير من الباحثين، عبر سعيه للتفرغ لأمور العقيدة، أهمل الاجتهاد وفضّل اتباع فتاوى بعض من سبقوه، متبنيًا المدرسة الحنبلية في المجمل. وفي هذا تناقض واضح بين دعوته للاجتهاد وتقليده المدرسة الحنبلية. ولا نستطيع أن نحدد الأسباب التي جعلته ينحو هذا النحو، لكن من المهم استحضار السياق السياسي لتكوين الدولة السعودية الأولى، وهو التوسع والسيطرة على أراضٍ جديدة. وهذا ربما قد جعل التركيز ينصب على تعليم العقيدة أكثر من الفقه، بحكم دخول أعداد غفيرة في دعوته.

التطور

كأي فكر في أي مكان، تطور هذا المنهج الذي أصبح يُعرف بالوهابية، ذلك المزيج من الاجتهاد النظري والتقليد العملي (الحنبلي). ومن المراحل المهمة التي مر بها بروز تيارين رئيسيين، كما يلاحظ الباحث ستيفان لاكروا، وهما التيار الإقصائي والتيار الاحتوائي. ومن الأمثلة على ذلك موقف العلماء من الغزو المصري للدولة السعودية الثانية عام 1818 واحتلالهم لأراضيها؛ فانقسم جمهور العلماء بين مكفر مخرج للمصريين الغزاة من الملة، وعليه تجب الهجرة عن أرض يحكمونها، وبين مفسق لهم ومعترف بخطئهم غير أنهم لم يكفروا ولم يخرجوا من الملة، وعليه فلا حاجة للهجرة من "دار الكفر إلى دار الإسلام".

استمر هذا التطور مع بداية الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبدالعزيز آل سعود، غير أن عدة متغيرات طرأت على ميدان السلطة، المحكوم بالقسمة التقليدية: المجال السياسي بقيادة آل سعود والمجال الديني تحت إشراف رجال الدين ومن أبرزهم أفراد أسرة آل الشيخ، أي أسرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب. ومن هذه المتغيرات تلك الموجة التحديثية والتنموية الهائلة والتي ساهمت في بروز مجالات أخرى في ميدان السلطة، مثل المجال الاقتصادي والمجال الثقافي. غير أن تلك المشاريع التنموية الهائلة ركزت على المكان أكثر من الإنسان، كما يلاحظ المفكر عبدالله الغذامي؛ مما جعل التنمية، حسب تعبيره، تنمية مشوهة. ويشرح لنا المفكر الغذامي أن السبب في ذلك هو عدم مواكبة التنمية القيمية، كقيمة العمل والثروة والإنتاج، للتنمية المادية. ومن هنا برزت تحديات جمة، على رأسها مصالحة الأصالة بالمعاصرة. وبحكم موقع رجال الدين الاجتماعي، يتم النظر إليهم، إلى حد ما، على أنهم هم حراس الأصالة، والمؤتمنون على المحافظة عليها.

رافق هذه التنمية المشوهة، سياق إقليمي أحدثه سقوط القومية العربية المدوي، وفشل مشاريعها التنموية، وهزائمها أمام إسرائيل. أحدث ذلك كله فراغًا فكريًا كبيرًا. وكان ذلك في خضم سقوط الحداثة العالمية، وبروز ما بعد الحداثة: قدوم الهامش وسقوط المركز. فبرزت الحركات الإسلامية على الساحة، مالئةً بذلك البروز فراغًا خلفته القومية العربية. في هذه الفترة، مرت السعودية بتحديات أهمها ترسيخ شرعيتها، وإنهاء الصراعات داخل العائلة الحاكمة على العرش؛ مما اضطرها للاستعانة بالمؤسسة الدينية لإضفاء الشرعية على الترتيبات الجديدة (تتويج فيصل ملكًا، وتقاسم السلطة مع المراكز المؤثرة داخل الأسرة الحاكمة).

استفادت المؤسسة الدينية من هذه الظروف لتعزيز سلطتها، فتمتعت بامتيازات كبيرة، ليس أقلها السيطرة على قطاعات التعليم المختلفة، وإشرافها المباشر على المناهج التعليمية وعلى النشء. وبحكم استضافة المملكة العربية السعودية لأفراد جماعات الإخوان العربية، خصوصًا من سوريا ومصر، احتك الفكر الوهابي السلفي بالفكر الإخواني الحركي، فأحدث ذلك الاحتكاك تطورات خطيرة على المفاهيم الرئيسية في الفكر السلفي الذي كان سائدًا في السعودية من قبل.

مفاهيم رئيسية

من أهم المفاهيم الرئيسية في الفكر السلفي الوهابي مفهوم طاعة ولي الأمر؛ ولهذا المفهوم دور مركزي في المحافظة على شرعية الحكم في الدولة السعودية. وحسب الإرث الوهابي، لا يجوز الخروج على ولي الأمر، وتحدي سلطته إلا إذا منع الصلاة في المساجد، أي بعد كفره وخروجه من الملة خروجًا بيّنًا. وهذا يعطي ولي الأمر مساحة غير محدودة للتصرف في إدارة الدولة كما يشاء، دون رقابة، على المستوى النظري طبعًا، من أحد. غير أن تواجد الإخوان الكثيف في السعودية، وحضورهم المهم في مراكز "تعبوية" خطيرة، كأساتذة جامعات وأطباء ومهندسين، كان له بالغ الأثر.

بالإضافة إلى ذلك، حصل تواصل فكري ديني بين جيل من شباب الوهابية ومفاهيم حركية إخوانية. ومن ذلك، حق الأمة أن تكون وصية على نفسها بحكم كونها هي ولية أمر الإسلام والمسلمين، خصوصًا فكرة أهل الحل والعقد، وفي هذا توفير لبديل خطير لمفهوم ولي الأمر التقليدي. التأثر بالفكر الإخواني الحركي انعكس على مفهوم ولي الأمر كثيرًا، لدرجة إدراج شروط متعددة، إذا لم يتم احترامها تسقط شرعية الحاكم، ويستتبع ذلك جواز الخروج عليه. لكن تحديد تلك الشروط، ومراقبة احترامها؛ ومن ثم تقرير ما يلزم تجاه الخروج أو عدم الخروج على الحاكم، يبقى ذلك كله منوطًا بأهل الحل والعقد.

مفهوم أهل الحل والعقد، يعني تقسيم المسلمين لقسمين: قسم تابع وقسم متبوع. امتلاك صلاحية تحديد أفراد كل قسم، ينحصر في رجال الدين، نظريًا. ولكنه عمليًا يخضع لشروط اجتماعية كثيرة ومعقدة. والمهم في ذلك كله، هو إمكانية تحوير هذا المفهوم ليصبح أكثر انفتاحًا على الجميع، بما يمهد لتقليل احتكار نخبة معينة للسلطة. وهذا حصل مع تيارات متعددة انبثقت عن السلفية، مثل الصحوة، والتي شكّلت في فترة ما معارضة قوية للمجالين الرئيسيين في ميدان السلطة: المجال السياسي والمجال الديني.

يلي ذلك مفهوم الولاء والبراء. وهو مفهوم يعني، حسب وجة النظر الوهابية، حرمة موالاة الكفار. وقد نظر لهذا المفهوم محمد بن سعيد القحطاني في كتابه (الولاء والبراء في الإسلام). وقد ساعد هذا الكتاب في إعادة الزخم للتوجه الأحادي في الوهابية، أي: الرأي الأوحد الإقصائي. ولهذه الفكرة أثر بالغ الأهمية؛ حيث إن النظام السياسي الدولي يفرض على المملكة العربية السعودية، بحكم مركزية النفط في اقتصادها، الارتباط بالاقتصاد العالمي والانفتاح عليه. وهذا أمر يمكن تفهمه إذا نظرنا لكون المملكة تحتاج من يشتري نفطها، وهذا بالطبع يعني الدول المتقدمة والمتطورة صناعيًا. وهنا مأزق آخر يجب على السعودية التعامل معه: مصالحة موقعها الإسلامي المحوري وخطاب شرعيتها المستند على الكتاب والسنة وتحالفاتها مع العالم الغربي، الذي لا يدين بالإسلام.

وكلما عصفت بالمملكة أزمة، أيًا كانت، اجتماعية أو اقتصادية أو خلافه، عبّرت تلك الأزمة عن وجودها من خلال المأزقين الكبيرين: مصالحة الأصالة والمعاصرة، والجمع بين موقعها كبلد للحرمين وحليف رئيسي للغرب. ونستدل على ذلك بعدة أمثلة، كالحرب الأهلية التي تمت بين الملك عبدالعزيز والإخوان في أواخر العشرينيات من القرن المنصرم. لقد كان لقادة الإخوان والذين يمكن أن نطلق عليهم مسمى النخبة القبلية (بحكم قيادة شيوخ قبائل مطير وعتيبة لهذه القوة العسكرية الضاربة)، طموحات سياسية، كاقتسام السلطة مع الملك عبدالعزيز، ولكن قاموا بالتعبير عن احتجاجهم على احتكار الملك عبدالعزيز للسلطة من خلال مفاهيم دينية، مثل الولاء والبراء. وكان أهم مأخذ لهم هو مهادنة الكفار وموالاتهم ومنع الجهاد ضدهم، وكانوا يقصدون العراق والأردن وبريطانيا. انتصر الملك عبدالعزيز، ولكن المفهوم بقي حيًا.

ومن الأمثلة أيضًا احتلال جهيمان العتيبي وأصحابه للحرم المكي الشريف، محاولاً قلب الحكم على أسرة آل سعود. ويرى بعض المحللين أن التغيرات الاجتماعية الهائلة كانت أحد العوامل التي أسهمت في بروز حركات مثل حركة جهيمان. فمأزق مصالحة الحداثة مع التاريخ الإسلامي والاجتماعي في السعودية، أي الأصالة والمعاصرة، تسبب في التأثير على السلم الاجتماعي. غير أن أحد الأساليب التي اتبعتها الحكومة السعودية للتعامل مع هذين المأزقين، مصالحة الأصالة والمعاصرة ومأزق الولاء والبراء، كان احتواء المؤسسة الدينية عبر تأطيرها وتعميق تبعيتها للسلطة السياسية. وظهرت على السطح مؤسسات مثل مؤسسة هيئة كبار العلماء.

بالإضافة، قامت الدولة بابتعاث أعداد كبيرة من الشباب للخارج، بهدف اكتساب المعارف والعلوم الحديثة، ولكنهم عندما عادوا، لم يحملوا تلك العلوم فقط، بل أفكارًا وتوجهات لها أبعاد اجتماعية. فشكّلت هذه الأجيال المتعاقبة أرضية لنخبة ثقافية، استقلت بمجالها الخاص على ميدان السلطة. ولا أَدَلّ على ذلك من بروز حركة الحداثة الأدبية التي حصلت في منتصف الثمانينيات، والتي تمتعت بإطار نظري متقدم وإنتاج نقدي وأدبي ثري. وقد عملت هذه التغيرات مجتمعة على بروز تيارات متعددة داخل السلفية الوهابية السعودية، كردة فعل على كل هذه المتغيرات.

التيارات السلفية وعلاقتها بالسلطة

لاعتبارات المساحة المتاحة، سنكتفي بالحديث عن طرفين رئيسيين يعارضهما التيار الصحوي، وهما: السلفية التقليدية والجامية. ولكن علينا تعريف هذا التيار الصحوي وتحرير بعض مصطلحاته.

طغى الجو الإسلامي الحركي، أو الإسلام السياسي، على الساحة الإقليمية. وبرز الإسلاميون في كل من فلسطين، وسوريا، ومصر، وإيران. وشكّلت فترة الجهاد الأفغاني مرحلة مفصلية في تاريخ السلفية السعودية. فقد اشتد عود هذا التيار الصحوي عبر مواجهتين: الأولى داخلية والثانية خارجية.

ففي الداخل، كما يؤكد كثير من المختصين، شكّل بروز الحركة الحداثية الأدبية، والتي حصرت عملها في الأجناس الأدبية الحداثية، مثل القصيدة النثرية والشعر الحر، شكّل ذلك كله ساحة مواجهة مع الصحويين. لم يكن للحداثيين، من أمثال علي الدميني وعبدالله الغذامي، أي نشاط على المستوى الاجتماعي، بل حصروا حداثتهم في المجال الأدبي، ربما لمعرفتهم بانعكاسات الانخراط في المستويات الأخرى. ولكن الصحويين رأوا في ذلك مقدمات لحداثة اجتماعية وسياسية واقتصادية؛ مما جعلهم يتعاملون معها على أنها غزو مباشر يقوم به الغرب عبر وسطاء محليين. ولذلك، فإن الهدف الرئيس للحداثة الأدبية، حسب وجهة نظرهم، هو مسخ الهوية الإسلامية للمجتمع السعودي. وقد شنوا معركة ضارية، اضطرت جامعة أم القرى، على سبيل المثال، إلى الامتناع عن منح سعيد السريحي، وهو ناقد أدبي حداثي معروف، شهادة الدكتوراه. واضطرت أيضًا عبدالله الغذامي، صاحب كتاب الخطيئة والتكفير، لترك جامعة الملك عبدالعزيز في جدة والانتقال إلى الرياض.

وقد حاولت السلطة الحفاظ على توازن معين بين الفريقين، لكي لا يفني أحدهما الآخر، ربما لموازنة بعضهما ببعض فلا تخلو الساحة لأحدهما فيشكل مصدر إزعاج للسلطة. أما العدو الخارجي فكان الإلحاد السوفيتي، والذي غزا أفغانستان. فكان لابد من إعلان الجهاد عليه ودحر عدوانه. وقد وافق ذلك هوى الحكومة السعودية التي كانت ترى في وصول الجيش الأحمر لأفغانستان مقدمة لغزو الخليج، ودعم القوى اليسارية العربية، على حساب الملكيات والأنظمة المحافظة. ولاقى ذلك ترحيبًا غربيًا بشكل عام، وأميركيًا بشكل خاص، وذلك لتوجس الغرب من الاتحاد السوفيتي وطموحاته التوسعية في الخليج العربي.

وكان محصلة ذلك كله أن دعمت الحكومة السعودية الجهاد في أفغانستان عبر الدعم المادي والمعنوي، فقامت حملات التعبئة في المملكة، على مستوى المال والرجال، وكانت هذه مقدمات لبروز تنظيم القاعدة. ولما انتصر المجاهدون على الجيش الأحمر، عاد معظمهم لبلدانهم، ومن بينها السعودية. ولكن هذا أدى لنشوء ظاهرة جديدة كان لها بالغ الأثر فيما تلا من الأيام، ألا وهي ظاهرة البطالة الجهادية. بعد عودتهم من أفغانستان، بعد اكتساب مهارات قتالية وتنظيمية كبيرة، يطوف حولها شعور عارم بالفخر بالنصر على "قوى الإلحاد"، عانى هؤلاء المجاهدون السابقون من غياب "المعركة الكبرى" بين الحق والباطل، أي من بطالة جهادية. فلم يعد رغد العيش والصالات المكيفة تعوضهم عن هامات الجبال في تورا بورا أو بطون الأودية الأفغانية. وقد رأوا في المجتمع السعودي "آثار التغريب" والابتعاد عن الهوية الإسلامية "الحقة" من زهد وتقشف وصفاء عقيدة. ولوجود البنية التحتية الملائمة التي سمحت بها ودعمتها الحكومة بغرض التعبئة للجهاد الأفغاني، استطاع هؤلاء العائدون أن يستثمروا خبراتهم التنظيمية لاستكمال مسيرتهم في "خدمة الإسلام".

ولم يكن ينقصهم سوى سبب، أو مثير، ليتم التحرك وتفعيل دور تلك البنية التحتية التعبوية. ومع غزو العراق للكويت، واضطرار السعودية للاستنجاد بالغرب، توفر السبب وحانت الفرصة، فبدأت التعبئة ضد "الغزاة الأميركان" في أرض "الحرمين". وتزامن كل هذا مع حركة حقوقية عامة، ونسوية بشكل خاص، تمثلت في عرائض تم تقديمها للملك للمطالبة بالإصلاح أو بقيادة المرأة للسيارة. فربط هؤلاء الصحويون بين جهتين: داخلية سعودية وخارجية غربية، يشتركان في هدف واحد: تغريب بلاد الحرمين. وشكّلت هذه هزة كبرى للنظام السياسي.

معركة المفاهيم

بينما الفكرة الرئيسية للسلفية هي فتح باب الاجتهاد ونبذ التقليد، يتم التحكم في من له الحق في أن يجتهد ومن يمتلك القدرة على ذلك عبر مفهوم أهل الحل والعقد. غير أن الصحويين، بدأوا بتفكيك مفهوم أهل الحل والعقد عبر تحدي السلطة الروحية والقدرة العلمية لأفراد المؤسسة الدينية الرسمية. وكانت إستراتيجيتهم الرئيسية هي في هدم الجدار الفاصل بين مجالي السياسة والدين، بغرض إخضاع المجال السياسي للسلطة الدينية. فإذا ما تم التشكيك إما في علم أو في مصداقية أفراد المؤسسة الدينية، سهل بعد ذلك حرمانهم من بطاقة العضوية في "أهل الحل والعقد". وبذلك يفقد السياسي مصدر شرعيته الرئيسي.

يهتم علماء السلفية التقليدية، كأعضاء هيئة كبار العلماء والهيئة الدائمة للبحوث والإفتاء وسلك القضاء، بقضايا العقيدة والتوحيد والشرك والفقه والمعاملات وغيرها من أمور العبادات، تاركين المجال السياسي بمجمله للسياسيين. ولذلك فقط شاعت مقولة الصحويين عنهم بأنهم جماعة تهتم بهدم القبور، على اعتبار أن القبور أحد الأماكن التي تحوي بعض الممارسات "الشركية" أو "البدعية". بينما تهتم الصحوة "بهدم القصور" معلنة بذلك انفتاح المجالين السياسي والديني على بعضهما البعض.

بين هدم القبور وهدم القصور، اضطرت السلفية التقليدية لتناول السياسة، وإن كان من باب الرد على "شبهات الصحوة" أو تبرير تصرفات الحكومة، مثل اعتقال أسماء صحوية لامعة كسفر الحوالي وسلمان العودة أو عائض القرني. وبهذا تحقق الهدف الصحوي الأول، وهو تعويم الحدود بين السياسة والدين.

حاولت الحكومة السعودية احتواء نزعة المعارضة الصحوية عبر ثلاث خيارات: الأول: هو التعامل الأمني مع كل من يحاول انتقاص هيبة الدولة أو مؤسسات الحكم. والثاني: هو دعم التيارات المضادة، والتي يراد منها خلق حالة توازن مع المد الصحوي الجارف. والثالث: هو إجراء إصلاحات شكلية، كإصدار نظام مجلس الشورى والنظام الأساسي للحكم، ونظام المناطق.

ولأن تلك الفترة تميزت بحالة من التوازن الانتقالي للسلطة، بحكم تعرض الملك فهد لعدة جلطات أقعدته عن مباشرة مهامه كملك، فقد تولى ولي عهده في ذلك الوقت عبدالله بن عبدالعزيز مهام الحكم، ولكن بشكل مقيد بحكم أنه لم يكن ملكًا. ولذلك، زاد التركيز على دعم التيارات المضادة، واحد من داخل السلفية، وهو ما يُعرف بالجامية، والثاني ما بات يُعرف بالتيار الليبرالي. فازدادت حدة المواجهات حتى عصفت بالدولة موجات إرهابية جادة، تمثلت في سلسلة تفجيرات، واعتقال خلايا نائمة، وتحد علني ومباشر للسلطة وللعلماء السلفيين التقليديين. وكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول نقطة مفصلية في علاقتهم مع السلطة.

وقد قام التيار الجامي، نسبة لمحمد أمان الجامي، بتوفير أرضية مواتية للتوازن المنشود عبر التركيز والتشديد على أهمية طاعة ولي الأمر، والتهويل من أخطار "الفتنة". ويتفق التيار الجامي مع التيار الليبرالي على مفهوم المواطنة وقصر مسؤوليات الحاكم الرئيسية على الوطن، دون التعلق بالأممية. والجامية تختلف هنا مع التيار السلفي التقليدي والذي لم تتضح ملامح تعريفه للوطن وعلاقته بالأمة الإسلامية.

بالإضافة إلى ذلك، تتفق الجامية مع الليبرالية على أهمية مكافحة الإرهاب، بينما يخف الحماس قليلاً حيال هذه النقطة عند السلفيين التقليديين.

وتبقى الصحوة التيار الوحيد الذي يتعامل بمنهجية مع قضية الإصلاح السياسي في المملكة، جاعلة السياسة على رأس الأولويات. بينما تهتم السلفية التقليدية بالإصلاح الديني، عبر التركيز على تعليم الناس أمور دينهم، تهتم الجامية بالاستقرار الأمني، والذي لا يكون من وجهة نظرها، سوى بالاعتصام بحبل الله جميعًا دون تفرقة، أي بالطاعة المطلقة لولي الأمر. وتركز الليبرالية على الإصلاح الاجتماعي والثقافي. ونلاحظ لدى كل تلك التيارات، اتفاقًا على الحاجة إلى الإصلاح، ولكنهم يختلفون في تحديد هوية هذا الإصلاح، ومرجعيته وخطة العمل التي ينبغي اتباعها.

الدولة السلفية

رعى ولي العهد (الراحل) الأمير نايف بن عبدالعزيز مؤتمرًا علميًا أقيم في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مؤخرًا حول السلفية. أعلن فيه الأمير أن الدولة السعودية هي دولة سلفية. وكما تؤكد الباحثة مضاوي الرشيد، فإن التحول من "دولة التوحيد" إلى "الدولة السلفية" له دلالات رمزية خطيرة؛ ففي السابق، كانت الرمزية الكبرى للنظام السعودي هي التوحيد؛ حيث وحد الملك عبدالعزيز المكان، ثم شرع في توحيد الدين، ليكون كله لله. وكأنه بذلك يجعل توحيد المملكة، أي المكان، شرطًا سابقًا على توحيد الله. فكيف يمكنه أن يعلم الناس أمور دينهم وهو لا سلطة له عليهم؟ وبذلك، تصبح شرعية الحكم، أي إدارة توحيد المكان، مستمدة من توحيد الله، فلا تتم الثانية إلا بالأولى.

وعلى الرغم من الخطاب التقليدي للمؤسسة الدينية السلفية المعادي للديمقراطية، والذي يصور الديمقراطية على أنها أسرع سبيل لتضييع الدين والتفريط فيه، فإن الربيع العربي طرح إشكالات عميقة لمؤسسة الحكم. فالأحزاب الفائزة في مصر وتونس هي أحزاب تستمد شرعيتها من الإسلام، وهم في نظر الكثيرين أبطال حرروا الإسلام من سجون الأنظمة العلمانية ليأتوا به إلى السلطة. النظام السعودي الذي كان يروج لفكرة أن الديمقراطية تقود إلى العلمانية وإلى ضياع الدين، يواجه الآن تحديًا خطيرًا يتمثل في عملية ديمقراطية أتت بالإسلام للسلطة.

ولم يعد من الممكن الاشتراك مع هذه الأنظمة الديمقراطية المسلمة في نفس المفردات الإسلامية السابقة، ولذلك كان لابد من توجه جديد، يُبقي على كون النظام هو نظام الله المختار. فكان هذا عبر التمييز بين أهل السلف، المتمسكين بكتاب الله وسنة رسوله، ومن يتخذ من الإسلام سبيلاً للوصول إلى السلطة؛ وبهذا تضمن السلفية استمرار دعم النظام لها، عندما تسمى بها وأعلن أنها الهوية الرسمية للدولة.

التموضع على الخارطة

الصحويون
كما يلاحظ الباحث الفرنسي ستيفان لاكروا، فإن الصحوة، والتي نحاول من خلالها فهم السلفية، هي عبارة عن عقيدة وسياسة؛ فهي مزيج من الوهابية والفكر الإخواني، لأنها تركز على العقيدة، متوافقة مع الوهابية، وتأخذ بالفكر السياسي، وهذا خط التقائها بالحركة الإخوانية. وكما ذكر المستشرق الفرنسي لاكروا فإن أهم من أثّروا في الفكر الصحوي هم: محمد قطب، وعبدالرحمن الدوسري، ومحمد أحمد الراشد (وهو الاسم الحركي لعبدالمنعم العزي، والذي ساعد في وضع إطار نظري للنشاط الحركي في الفكر الوهابي، عبر كتابيه: المنطلَق والمسار). وقد حاول محمد قطب، وهو أخو سيد قطب، أن يوفق بين الفكر الوهابي وفكر أخيه. وذلك عبر اعتباره موقف سيد قطب من الجاهلية والحاكمية مشابهًا لموقف محمد عبدالوهاب من الجاهلية والتوحيد؛ فقد رأى أن هذين الشيخين يلتقيان في هدفهما الأسمى وهو تحكيم ما أنزل الله، لكن قطب يسميه الحاكمية وعبدالوهاب يسميه التوحيد.

وقذ تبنى الصحويون مظهرًا مميزًا، كلبس الغترة بدون عقال، وتقصير الثوب دون الكعبين، للرجال، والعباءة والقفازات للنساء. وبالإضافة للتميز الحسي، كان هنالك تميز مكاني عبر تركيز نشاطهم في المخيمات الصحراوية مما عزز انفصالهم المعنوي بالانفصال الحسي. لقد كانت ثورة، تغير فيها الرمز والمكان والإنسان، وكان قادة هذه الثورة ينقسمون، كما يؤكد صاحب كتاب زمن الصحوة، إلى قسمين: الإخوانيين (وهم أربع جماعات) والسروريين، نسبة للإخواني السوري محمد بن سرور زين العابدين.

لكل من هذه الجماعات مجلس شورى وقيادات بارزة، ويتردد القول بأن مناع القطان يشكّل أصل التنظيمات التابعة للصحوة. وأولى جماعات الإخوان أسسها حمد الصليفيح، ولذلك تم تسميتها بإخوان الصليفيح. ومن أهم أعضائها، الذين لعبوا دورًا قياديًا ورياديًا عبدالله التركي. والثانية إخوان الفنيسان، نسبة لسعود الفنيسان. والثالثة إخوان الزبير، نسبة لقرية الزبير في العراق والتي استقر فيها كثير من الأسر النجدية. ومن أشهر أعضائها عبدالله العقيل وعمر الدايل وسعد الفقيه، رئيس جمعية الإصلاح في لندن. والرابعة إخوان الحجاز. ومن أهم روادها محمد ابن عمر زبير وعوض القرني وسعيد الغامدي. وهذه كانت جماعات الإخوان، يلي ذلك السروريون، وأبرزهم سلمان العودة وفلاح العطري وسفر الحوالي. وقد كان لهم صفة التنظيم وهيئته دون الإعلان عنه، لأسباب تتعلق بالسلطة، التي لم تدرك وجوده على الوجه الصحيح.

وقد كانت الصحوة على حال من التصادم مع السلطة على عدة مستويات، أهمها التشكيك في أهلية الحاكم إذا حاد عن "تعاليم الإسلام" وهي بذلك تجعل الباب مفتوحًا لتحدي السلطة. بالإضافة، يشكّك أعضاؤها بأهلية من يسمونهم بـ "علماء السلطان" أو "القرّاء" الذين يتبعون المنهج الإرجائي، وهو تبرير كل تصرفات الحاكم على الدوام، والتحريم الصارم لأي شكل من أشكال معارضة سلطته. لا يوجد استقلال للمجال السياسي، بل يجب أن يكون خاضعًا للمجال الديني وتحت إشراف علماء الدين.

السلفية التقليدية
تتبنى السلفية التقليدية خطًّا واضحًا يركز على توحيد الألوهية، ومحاربة البدع وتعزيز الولاء للجماعة، وبالتالي لولي الأمر المتغلب. لا تنشغل هذه المجموعة بالشأن السياسي داخليًا، وحتى عندما تهتم بأمر يتعلق بالشأن الخارجي فهي تفعل ما يتوافق مع مواقف السلطة بشكل عام. أهم شخصيات هذه المجموعة الشيخ عبدالعزيز بن باز ومحمد بن عثيمين وعبدالله بن منيع وصالح اللحيدان وعبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ.

تشكّل طاعة ولي الأمر منهجًا رئيسيًا لهذه المجموعة، وترى أن الله يضع بالسلطان ما لايضع بالقرآن، أي بمركزية مفهوم ولي الأمر. ترى أن إعلان اتباع الكتاب والسنة شرط وحيد لتكون الحكومة شرعية والحاكم مستحقًا للبيعة. لا يوجد لدى هذه المجموعة مفهوم واضح للمواطنة أو الوطن، وما إذا كان يمكن أن يكون الوطن بديلاً عن مفهوم الأمة.

وتشكّل هذه المجموعة المؤسسة الدينية الرسمية وتفرعاتها، كهيئة كبار العلماء ووزارة العدل واللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء. وهي قريبة من السلطة، وتتمتع بامتيازات مادية واجتماعية كبيرة جدًا تسمح لها بأن تكون اللاعب الرئيسي على خارطة التيارات الدينية في السعودية.

الجامية
كما ذكرنا من قبل، ترجع التسمية لمحمد أمان الجامي، وهو إثيوبي الجنسية أقام في السعودية. لكن هنالك أسماء أخرى لها ثقل في هذه المجموعة، مثل: ربيع المدخلي، وهو يمني الجنسية، أو علي الحلبي وهو أردني الجنسية. أهم مقولات هذه المجموعة هو أن الإيمان هو عقيدة في القلب وأن الفعل مجرد شرط كمال. وبذلك، فإن الحاكم الذي يحكم بقوانين وضعية، أي غير مستمدة من الدين الإسلامي، هو أمر يمكن تفهمه والتعايش معه. وهذا مبني على أن العمل بتلك القوانين هو مجرد فعل لا يمس العقيدة، أي أن الأنظمة السياسية العربية القائمة هي أنظمة شرعية. الحاكم شرعي، بغضّ النظر عن أفعاله، التي قد لا تتوافق مع الإسلام، وتجب طاعته لأنه ولي الأمر. التواجد في السلطة هو مصدر شرعية قائم بذاته.

والجامية تيار قريب جدًا من السلطة، ويحمل أفكاره طيف واسع من علماء الدين شبه الرسميين الذين يتمتعون بحضور قوي في الإعلام والتعليم، لأنهم يشكّلون دعامة مهمة للنظام السياسي. ولكنها في نظر المجموعات الأخرى هي مجموعة مرجئة، أي تبرر كل أعمال السلطان حتى ولو كان ذلك على حساب الدين.

مجموعة أهل الحديث الألبانية
تتسمى هذه المجموعة بهذا الاسم نسبة لناصر الدين الألباني. وتتبنى نفس الموقف من الإيمان والعقيدة، كما عند الجامية، غير أن أفرادها لا يرون الأنظمة السياسية أنظمة شرعية. ويرون الحكام عصاة ومذنبين. لكنهم لا يدعون لتحرك أو انتفاضة ضدهم، بل يدعون لتطوير الأنظمة القائمة لجعلها متوافقة مع تعاليم الإسلام. وهم بذلك يعتقدون بأنهم يتبعون حديث الرسول محمد صلَّى الله عليه وسلَّم في التمسك بالجماعة وعدم بث الفتنة والفرقة، ما دام الحكام لم يعلنوا كفرهم بشكل لا يدع مجالاً للشك. وهم يحترمون مواقف العلماء، ولذلك فمساحة التقليد والاتباع أكبر بشكل كبير جدًا من مساحة الاجتهاد.

تسببت هذه المجموعة في إزعاج السلطة في مرات عديدة؛ مما دعا وزارة الداخلية لاستبعاد الألباني من البلد، حتى تدخل المفتي في ذلك الوقت وهو الشيخ عبدالعزيز بن باز لإعادة الألباني. وشكّلت مصدر إزعاج لأنها مهدت الطريق لحراك شبابي ديني متحمس يسعى لإقناع السلطة بشكل مباشر بتغيير توجهاتها لتكون، حسب منظورهم، أقرب إلى الإسلام. وقد رأت السلطة في هذا مقدمة لكسر الحدود الفاصلة بين المجال السياسي والمجال الديني.

وفي المجمل، يمكن القول بأن هنالك مستويين للحديث عن الخارطة السعودية: المستوى التياري والمستوى غير التياري. على المستوى التياري، لا تزال السلفية، برغم تشعباتها، هي الأوفر حظًا في الحضور، على الرغم من بروز تيار جديد يمكن تسميته بالصحوية الليبرالية، وهو تمازج بين الليبرالية والصحوة. ولكن يبقى هنالك قطاع غير تياري، يصعب حسابه على التيارات الإسلامية أو الليبرالية. وهو متحرك وديناميكي وآخذ في النمو. قد لا يتسع المجال للحديث عنه، ولكن لنكتفِ بالقول بأنه مجال غير تياري يتواجد على ميدان السلطة، ويمكن أن يشكّل خطرًا وجوديًا على السلفية في السعودية. ومن المؤشرات على تصاعد نفوذه، انحسار القدرة السلفية على التعبئة، ضد الكتّاب مثلاً، أو ضد النشاط الحقوقي النسوي. فلو أن أحدًا غرّد عن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، كما فعل شاب يدعى حمزة كشغري قبل عدة أشهر، لو أن أحدًا فعل ذلك في منتصف التسعينيات، لما مرت القضية كما رأينا في الأشهر القلائل الماضية. ولكن هنالك انحسار فعلي لمكانة السلفية في السعودية. ولكن يبقى السؤال: إلى متى سيستمر التحالف بين السلفية والسلطة؟ ستحمل لنا السنوات القادمة الكثير من الإجابات.
________________________________
هشام بن غالب - باحث سعودي

المراجع العربية
1- محمد بن صنيتان، النخب السعودية: دراسة في التحولات والإخفاقات (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005).
2- ستيفان لاكروا، زمن الصحوة: الحركات الإسلامية المعاصرة في السعودية (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2012).
3- ابن تيمية، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية (بيروت: الشركة الجزائرية اللبنانية، 2006).
4- عبدالله الغذامي، حكاية الحداثة (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2005).
5- إبراهيم الخليفة، قراءة نقدية لكتاب "الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة" (1-2): http://alasr.ws/articles/view/14125

المراجع الأجنبية
1- Tim Niblock, SaudiArabia: Power, Legitimacy and Survival(London: Routledge, 2006).
2- NatanaDeLong-Bas, Wahhabi Islam: From Revival and Reform to Global Jihad (New York: Oxford University Press, 2004).