emamian
الوحدة الإسلامية إرتقَت من المستوى الداخلي إلى الإقليمي والعالمي
وأشار الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية إلى مكانة سلاح المقاومة، مضيفاً: "الضغوط الإعلامية ضد حزب الله لن تكون مجدية أبداً، لأن هذا الحزب مستقل، وقادته المؤمنون والعقلاء لن يوافقوا أبداً على تسليم سلاحهم لأعداء العالم الإسلامي".
الوحدة الإسلامية والعناصر المقوّمة لها
مفهوم هذه الوحدة وحقيقتها بخدمة نجده إذا رجعنا إلى الأصل اللغوي للفظة الوحدة، يعود هذا اللفظ إلى الانفراد يقول: وَحَد، يَحِدُ، وحداً، وحوداً، وحدةً، ووحدةً، أي بقي منفرداً، ومنه اتَحَدَ أي انفرد وعندما نقول تَوَحَّدَ أي توحّد الأمران والشيئان ليصبحا شيئاً واحداً، وكل شيءٍ على حِدِتهِ إن أردنا أن نميز الشيء عن الآخر، ويقصد بالوحدة الإنسانية، أي اتحاد الشعوب فكرياً وسياسياً، واجتماعياً واقتصادياً وكذلك إذا قلنا بالوحدة الإسلامية، أي اتحاد الشعوب المسلمة لهذه المحاور الأربع، أي وكأن الأمة المسلمة باتحادها وانفرادها تكونت مميزة عن الأمم الأخرى، وإن قلنا بالمستوى الأعم وهي الوحدة الإنسانية، فتكون الإنسانية مميزة عن باقي المخلوقات والموجودات بهذه الصفات الأربع.
العناصر المقوّمة للوحدة
إذا كان ذلك هو المفهوم بالإجمال فإن الأمر لهذه المسائل يحتاج إلى مزيد بيان لحقيقة الوحدة وطبيعتها من خلال إبراز أهم عناصرها ومقوماتها، وهي الأشياء الأربعة التي ذكرناها.
"الفكر والاعتقاد" فمعنى الفكر والاعتقاد كما ذكر صاحب المصباح المنير، أي تردد القلب بالنظر والتدبر لطلب المعاني، وفي العصر الحديث صار للفكر مدلول أوسع، وهو جملة النشاط الذهني من تفكير وإرادة ووجدان وعاطفة، كما ذكر صاحب المعجم الفلسفي، والمقصود بالفكر هنا الجانب العقلي من الإنسان، وهو التعليم والتربية والتفكير، وأما الاعتقاد فهو عقد القلب على الشيء وإثباته في نفسه، وأما العقيدة الإسلامية هي أعلى ما يمكن أن تقوم عليه وحدة المسلمين، فهي الوشيجة الحقيقية التي تقوم عليها الأمة، ثم تنطوي تحتها كل العلاقات الأخرى التي تقوم عليها باقي الأمم، كالأرض واللغة والجنس واللون وغير ذلك. فتكون هذه روافد إضافية إذا وجدت، ولكنها لا تكون هي التي تكوِّن أمة ولو اجتمعت كلها في غياب العقيدة، فلا تكون الأمة من خلال اللون واللغة وغير ذلك فحسب، بينما تكوِّن العقيدة وحدها لو غابت الروافد الأخرى كلها الأمة. فإذاً العقيدة والفكر هو أمر مهم في تكوين وحدة الأمة.
أما الشيء الثاني هو العمل من خلال المجتمع، فالمجتمع ضروري بوحدته لتشكيل الوحدة العامة، وأعني بالعمل الاجتماعي كل العلاقات التي تكون بين الفرد والفرد، وبين الفرد والمجتمع، وبين المجتمع والفرد، فإذاً هذا الأس الثاني الضروري لتكوين الوحدة في الأمة.
وأما الأس الثالث هي السياسة، السياسة أمرٌ مهم لتوحيد الأمة، وما يتصل بنظام الحكم والإدارة والعلاقات الدولية، كل هذا أمر ضروري لتتكون الأمة في وحدتها.
والأمر الرابع هو الاقتصاد، وما يتصل بالجوانب المادية ونظمها.
فإذا توافرت هذه الأمور ممكن أن نسمِّي المجموعة بكليتها هي أمة مجتمعة.
وهناك معوقات في أمة إن صحَّ أن يقال عنها أو إن أردنا أن نكون بها أمة واحدة متحدة، فإذا فقدت فلا يمكن للأمة أن تكون متحدة، بفقد السياسة الواحدة، أو بفقد التواصل الاجتماعي، أو بفقد التواصل العقدي، أو التواصل الفكري فيما بينها. لذلك نرى أن الله تعالى ركَّز علينا أن نكون أمة واحدة، وفرض أن نكون من خلال هذه الأمور على أمرٍ واحدٍ بمقابل الأمم الأخرى. فالوحدة بين المسلمين ليست أمراً اختيارياً بل هي فرضٌ دينيٌ إلزاميٌ.
ما هي عوامل الوحدة بين المسلمين؟
ألف ـ الأخوّة الإيمانيّة والإسلاميّة
جعل الإسلام في عصر البعثة من الناس المتفرقين والمختلفين والمتقاتلين، جبهة واحدة مقابلة للشرك والكفر والنفاق وكان هذا الاتحاد والانسجام تحت لواء التوحيد وقيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاملاً مهمّاً في انتصارهم على كافّة الأعداء وأشدّهم مخالفة للإسلام. وفي العديد من الحالات كانت الأخوّة الإيمانية دليلاً على الاتحاد وعلى أساس ذلك كانت الدعوة إلى الوحدة والتعاون ومساندة المؤمنين.
جاء في القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾[1].
عندما هاجر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة دوَّن منشوراً أساسيّاً عُرف بصحيفة المدينة، يقوم على أساس تعاليم القرآن الكريم، وحّد من خلاله القبائل المختلفة ـ وألّف أمة واحدة تتمحور حول الإيمان بالله والآخرة والعمل الصالح بدل القوميّة والعنصريّة[2].
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "الإسلام هو الذي جمع الجميع مع بعضهم البعض والإسلام هو الذي نصركم والإسلام هو الذي يهيِّئ السعادة لكافّة البشر"[3], ويقول في مكان آخر: "هذا من ألطاف الإسلام أن يجتمع كافّة الأخوة من السنّة والشيعة فلا يكون بينهم أيّ اختلاف... أتمنى أن تستمرّ هذه الروية"[4].
وخاطب الإمام الخمينيّ قدس سره المسلمين العرب في لقاء مع إحدى الصحف العربيّة قائلاً: "تعالوا واتركوا الخلافات جانباً قدّموا أيدي الأخوّة لبعضكم البعض مع كافّة الأخوة والمسلمين غير العرب، واجعلوا الإسلام هو معتمدكم الوحيد. ويمكنكم من خلال الذخيرة الإلهيّة والمعنويّة والتي هي الإسلام أن تؤلّفوا قوّة لا تفكّر القوى الكبرى بالتسلّط عليكم على الإطلاق"[5].
ب ـ التقوى والفضيلة
عندما يتوجّه أفراد المجتمع نحو كلمة التوحيد ويلتزمون بالأوامر الإلهيّة، تشيع بينهم التقوى والفضائل العالية. وعندما تنتشر مكارم الأخلاق والخصال الحميدة في المجتمع ويتمّ إحياء السنن بالاعتماد على الإيمان والتقوى، يزول التفوّق القوميّ والعرقيّ والامتيازات الكاذبة.
يرفض الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الأفضليّة القوميّة ويدعو الناس إلى الإله الواحد والأفضلية الناشئة من التقوى: "أيّها الناس إنّ ربّكم واحد وأباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم وليس لعربيّ على عجميّ فضل إلّا بالتقوى"[6]. تحدّث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بهذه العبارات في حجّة الوداع.
ج ـ الحضور في التجمّعات العباديّة السياسيّة
كلّما كان أداء التكاليف الدينيّة يصدر عن إخلاص وفي الخلوة بعيداً عن أعين الناس، كانت قيمته أعلى وكان مؤثراً على مستوى الارتقاء المعنويّ للإنسان, ومع ذلك أمر الإسلام بأداء الصلاة جماعة وجعل ثوابها أكثر ممّا يتصوّر في غير ذلك, لأنّ حضور المسلمين مع بعضهم البعض يساهم في اطلاعهم على أوضاعهم وتقترب قلوبهم من بعضهم و.... صلاة الجماعة هي اجتماع عباديّ يوميّ، وصلاة الجمعة هي اجتماع أسبوعي أعمّ حيث يجب على إمام الجمعة تلاوة خطبتين بدل الركعتين يتحدث فيهما بالمواعظ، ويتناول مسائل العالم الإسلاميّ. ويبين خطط المستكبرين للنيل من العالم الإسلاميّ. وصلاة العيدين هي اجتماع آخر يقام مرّة في السنة. والأعمّ والأهمّ من ذلك برنامج الحجّ الواجب على كلّ مسلم عند القدرة البدنية والمالية. ويؤخذ بعين الاعتبار في هذه العبادة العظيمة الزمان الواحد والمكان الواحد واللباس الواحد.
يتحدّث الإمام عليّ عليه السلام مشيراً إلى فلسفة بعض العبادات الإسلامية كالحجّ ويقول: "والحج تقوية للدين (أو: تقربة للدين)"[7] والمقصود واحد.
يقول الشهيد مطهّري رحمه الله في هذا الخصوص: "إذا كان مفهوم الكلام أنّ فلسفة الحج، هي تقوية الدين، فالمقصود عندها أنّ اجتماع الحج يجعل العلاقات بين المسلمين أكثر استحكاماً وإيمانهم أكثر قوّة وبهذه الوسيلة يقوى الإسلام. وإذا كان مفهوم الكلام أنّ فلسفة الحج، هي القرب إلى الدين، عندها يكون المقصود هو تقريب قلوب المسلمين والنتيجة تقوية الإسلام"[8].
يقول الإمام عليّ عليه السلام حول بيت الله: "جعله سبحانه وتعالى للإسلام علماً"[9].
يعتقد الشهيد مطهّري كما أنّ الأعلام تكون رمز الاتحاد ووحدة الأمم وعلامة التضامن فيما بينهم ورفعها علامة على حياة تلك الأمم، كذلك الكعبة بالنسبة إلى الإسلام[10].
يوصي الإمام القائد حفظه الله في هذا المجال ويقول: "الحجّ يمكنه إحياء روح التوحيد في القلوب، ويصل أوصال الأمّة الإسلاميّة الكبيرة، ويعيد للمسلمين عزّتهم وينجيهم ممّا يشعرون به من حقارة وذلّة فرضاً عليهم"[11].
د ـ المسجد
المساجد منذ فجر الإسلام، مركز للعبادة والعلاقة مع الله وتلاوة القرآن، وهي أماكن تواصل القوى المسلمة على مستوى الحركة الدينيّة والتبليغيّة ومواجهة المعاندين وإزالة آفات التوحيد.
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "... بما أنّ الأمّة قد أدركت سرَّ الانتصار وأدركت بوعي أنّ التعبئة العامّة تبدأ من المتاريس الإلهيّة المساجد والمنابر والمحافل الدينيّة، لذلك يجب حفظ هذه المتاريس الإسلاميّة، يجب إقامة هذه الاجتماعات في المساجد والمحافل الدينية بعظمة أكبر"[12].
هـ ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أشرنا إلى أنّ الله تعالى أوصى المسلمين في الآية 103 من سورة آل عمران: التمسك بحبل الله وعدم التفرق وحذّرهم في الآية 105 من السورة عينها فقال: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
وتوضح الآية 104 من السورة نفسها والواقعة بين الآيتين المتقدّمتين: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾[13].
يبيّن القرآن الكريم أنّ الحفاظ على وحدة المجتمع يتمّ من خلال الدعوة إلى الصلاح والأمر بالمعروف والمنع عن القبائح. وإذا ساد المجتمع حالات الأمر بالمنكر، تغرب عنه الفضائل والمكارم.
[1] سورة الحجرات، الآية: 10.
[2] مسيرة ابن هشام، ج1، ص501.
[3] في البحث عن الطريق من كلام الإمام، ج15، ص129.
[4] المصدر نفسه، ص107.
[5] المصدر نفسه، ص146.
[6] تحف العقول، ص34.
[7] نهج البلاغة، الكلمات القصار، الحكمة 244.
[8] تعليقات الشهيد مطهري، ج2، ص215.
[9] نهج البلاغة، الخطبة 1.
[10] تعليقات الأستاذ مطهري، ج2، ص216.
[11]صحيفة كيهان، العدد 19939.
[12] صحيفة اطلاعات، العدد 22578، 19.
[13] سورة آل عمران، الآية: 104.
التربية الصحيحة في ظل العلم والتزكية
إنه لمن السذاجة أن يتصور الإنسان بأن نجعل من المعلم المنحرف والمعلم الذي يميل إلى الشرق أو الغرب، أو المتربي شرقياً أو غربياً، أن نجعله معلماً للأولاد الذين لهم نفوس صقيلة كالمرآة، وتعكس كل شيء. إن من السذاجة أن نسلّم شبابنا لمعلم متأثر بالشرق فيجعل منهم شرقيين، أو متأثر بالغرب فجعل منهم غربيين، إن من السذاجة أن نتصور بأن التخصص هو المعيار فقط، وإن العلم هو المعيار، بل إن العلم الإلهي ليس معياراً أيضاً وعلم التوحيد أيضاً ليس معياراً، وعلم الفقه والفلسفة أيضاً ليس معياراً، ليس هناك أي علم يكون هو المعيار، إنما المعيار هو ذلك العلم، وسعادة البشر في ذلك العلم الذي فيه تربية، الذي يُلقى من المربي، الذي يلقى البر من ذلك الذي تربى تربية إلهية.
لو كانت جميع مدارسنا هكذا، سواء مدارس العلوم الإسلامية أو مدارس العلوم الأخرى، ووجدت الاستقامة وزال الانحراف فإنه سوف لا تمضي فترة طويلة إلاّ ويصلح جميع شبابنا ـ الذين هم أمل هذه البلاد في المستقبل، وينشأ الجميع لا شرقيين ولا غربيين، ويسلكون جميعاً الصراط المستقيم.
إن من السذاجة أن نفكر بأنه يكفينا وجود أشخاص يملكون العلم، بل يجب أن يملكوا العلم والتربية، أو على الأقل أن يمتلكوا العلم ولا يكونوا منحرفين، إننا نريد نشر العلم ونستفيد من علم العلماء، فيجب أن يكون العلم غير منحرف على الأقل، ولا يرتبط بالشرق أو الغرب، أن لا يكون الوضع هكذا بحيث يكون معلمونا ومربوا شبابنا من المتربين في موسكو أو واشنطن.
إن من السذاجة أن نفكر بأننا نستطيع أن نستفيد من جميع أهل التخصصات مهما كان حالهم.
إنه لا يمكن الاستفادة منهم، فلو شافى المتخصص مرضنا الظاهري، فإنه سيوجد لنا أمراضاً باطنية، إنه سيرجنا من مرض ضعيف إلى مرض شديد، ومن مرض صغير إلى مرض كبير، يجب أن ننتبه إلى جميع الأمور.
لاحظوا حزب البعث الذي أوجد المشاكل لبلادنا والأكثر منها للبلد المسلم العراق، إن الكثير من هؤلاء المتخصصين ذهب الكثير منهم إلى الجامعة وتخرج منها لكنهم لم يتربوا ولم يزكوا أنفسهم. إذا وجد العلم دون تزكية فإنه سيوجد النظام، ويوجد نظام صدام هذا.
إذا لم نزكِّ أنفسنا ولم تكن التزكية إلى جانب العلم، فإن بلادنا سوف تجرّ لتلك الاطراف.. يجب أن تكون تربيتكم وتربية المعلم تربية إسلامية، وتربية إنسانية، تربية تسير على الصراط المستقيم، وإلاّ فإننا لا يمكننا أن نقبل بتربية موسكو وبتربية واشنطن أيضاً.
حدود الوحدة من وجهة نظر الإمام الخميني (قدس سره)
من المهمّ القول إنّ الوحدة المنشودة، من وجهة نظر الإمام، هي وحدة المسلمين أو المستضعفين لتحقيق الأهداف الدينيّة العامّة والوصول إلى الكمال والارتقاء المنشودين، وهذه الوحدة حدودها واسعة ومترامية الأطراف، ومطروحة في مجالات متعدّدة ومختلفة.
وقد كان هاجس الإمام قبل انتصار الثورة الوحدة بين العناصر الثقافية والدينيّة في البلاد أوّلاً وقبل كلّ شيء، فقد عمل بذكائه المتميّز على التقريب بين شريحة علماء الدين والجامعيّين ما أمكنه ذلك، مؤكّداً على حاجة كلّ منهما للآخر، ومنبّهاً كلّ طرف إلى أخطائه وزلاته بأسلوب ليّن ومتسامح، فكانت شخصيّته موضع احترام وقبول معظم علماء الدين والجامعيين. في هذا يقول سماحته:
"لقد بذلنا كلٍّ ما في وسعنا خلال السنوات الماضية للتقريب بين الجامعات والملالي ومدارس العلوم القديمة وطلبتها، وكذلك قرّبنا بين البازار وهاتين الطبقتين، وألّفنا بين هذه الجبهات المختلفة، وقرّبنا فيما بينها، وكنّا نوصي دائماً بوحدة الكلمة لكي تتمكّنوا من تحقيق ما تريدون"[1].
ثم يشير إلى اختصاص كل من الحوزة والجامعة، معتبراً أنّ هؤلاء مختصّون بقضايا الإسلام، وأولئك مختصّون في شؤون البلاد بالقضايا السياسيّة، وهذا يعني أنّ وجود كلّ منهما ضروريّ لتحقيق النصر الآتي.
لقد بنى الإمام آماله على وحدة هاتين الشريحتين معتبراً هذه الوحدة حجر الزاوية في المسيرة النضاليّة، إذ أنّهما - من خلال هذه الوحدة - يشكّلان عاملين رئيسين في إفشال مخطّطات القوى العظمى. وفي تحليله لنتائج الثورة الإسلاميّة، يقول: "لو لم تكن نتيجة هذه الثورة إلّا هذه الوحدة بين طبقة المثقّفين وبين رجال الدين لكفى بها ونعمت"[2].
وفي أحد تصريحاته المفصّلة حول هاتين الشريحتين الاجتماعيّتين المذكورتين، يقول الإمام: "بعد انتهاء الحرب سنبدأ بالحوزات العلميّة والجامعات التي تمثّل في الواقع القلب النابض للشعب، نحن نعلم بأنّ هذين المركزين الهامّين هما في الحقيقة غُصنان في شجرة طيّبة واحدة، وساعدان لرجل الدين الذي إذا أراد أن يقوم بالإصلاح ويعمل بواجبه والتزاماته الدينيّة، وأن يضع الجميع يدهم بيد بعض ويقفوا صفّاً واحداً لخدمة الحقّ والخَلق، فإنّهم سيأخذون بهذا الشعب إلى ذرى الكمال المنشود في كلا بُعديه المعنويّ والماديّ، ويحافظون على حريّة البلاد واستقلالها"[3].
بطبيعة الحال، هناك الكثير ممّا يمكن الحديث عنه في مجال الوحدة بين علماء الدين والجامعيّين، وبصرف النظر عن محاولات المستعمر الذي بذل مساعي كبيرة من أجل الوصول إلى أهدافه عبر زرع بذور الخلاف والاختلاف بين هاتين الشريحتين العلميّتين.
ولهذا فقد وظّف الإمام الخمينيّ جزءاً مهمّاً من حملته الدعويّة والتبليغيّة لترسيخ دعائم الوحدة بين طبقات المجتمع الإيرانيّ، والتأكيد على المحور الإسلاميّ الذي يجمع حوله أفراد الشعب الإيرانيّ.
وكانت الوحدة بين الحكومة والشعب واتّحاد الأجنحة المتعدّدة داخل الدولة مع بعضها، وكذلك وحدة الأهداف والاتّجاهات والتيارات السياسيّة والأحزاب وانضواؤها تحت راية الإسلام وحزبه الأوحد، كل هذه الأمور وغيرها شكّلت عناصر أخرى في الوحدة التي كان سماحة الإمام يرفع شعارها خلال السنوات التي تلت انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران. وأمّا على الصعيد الخارجيّ فقد كانت الوحدة بين مسلمي العالم وبين مستضعفيه حلمه القديم، والذي ظلّ يؤكّد عليه قبل الثورة وبعد انتصارها.
[1] صحيفة النور، ج 4، ص 92.
[2] م.ن، ج 5، ص 22.
[3] م.ن، ج 19، ص 104.
تشريع التوسل في الإسلام
لا شك أن هناك العديد من الطرق التي جعلها الله تعالى لتساعد العبد على الارتباط به فجعل الصلاة وجعل الصوم وجعل العبادات كلها بل جعل الكثير من الطرق حتى قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)[1].
ولم ينحصر الارتباط بأفعال عبادية معينة فقط، فحتى النظر إلى وجه العالم طريق ارتباط بالله تعالى كما في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "النظر إلى وجه العالم عبادة"[2].
وجعل الكثير من أبواب الرحمة التي أكثر تعالى منها لسعة رحمته وشدة رأفته، ففتح باب التوبة وباب الشفاعة...
وهذا أيضاً مما لا شك فيه، ولكن باعتبار أن فتح الأبواب بيد المولى تعالى يُطرح هذا السؤال: هل التوسل هو من الأبواب التي فتحها الله تعالى؟ وبالتالي يمكننا الدخول إلى ساحة رحمته من هذا الباب؟
لا مانع في الأصل من فتح هذا الباب، وهو لا يتنافى مع الصفات الإلهية بل على العكس فرحمته تعالى أوسع من أن تضيق عن فتح أبواب كهذه ليرد من خلالها العباد. فليس الكلام في إمكان ذلك، بل الكلام في ثبوته، فهل هناك دليل شرعي يدل على شرعية التوسل؟ عندما نراجع القرآن الكريم والروايات الشريفة سنجد الكثير من الأدلة الدالة على ذلك، وسنستعرضها فيما يلي:
أدلة التوسل:
هناك نوعان من الأدلة الدالة على تشريع التوسل:
النوع الأول: النصوص الشرعية التي تنقل قصص التوسل الواقعة من الأنبياء أو من غيرهم مع عدم الإعتراض عليهم في ذلك، ومن هذه النصوص:
1- إن آدم عليه السلام قد توسل بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كما تقول الرواية: "... قال: ربّي أسألك بحقّ محمّد لما غفرتَ لي، فقال الله (عز وجل): يا آدم، كيف عرفت محمّداً ولم أخلقه؟ قال: لأنك يا ربّ لمّا خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فعلمت أنّك لم تُضِفْ إلى اسمك إلاّ أحبّ الخلق إليك..."[3].
2- أبناء يعقوب عليه السلام بعدما كُشِفَ أمرهم وبان ظلمهم توسّلوا بدعاء أبيهم النبيّ وقالوا له: (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ)[4].
3- اليهود أيضا كانوا يتوسلون بنبينا الأكرم صلى الله عليه وآله ففي الرواية عن ابن عباس قال: كانت يهود خيبر تقاتل غطفان... فكلّما التقوا هزمت اليهود، فعاذت بهذا الدعاء: "اللّهمّ إنّا نسألك بحقّ محمد النبي الاَمّي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلاّ نصرتنا عليهم"، فكانوا إذا دعوا بهذا الدعاء هزموا غطفان... فلما بُعث صلى الله عليه وآله كفروا به فأنزل الله تعالى: (وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)[5].
النوع الثاني: النصوص الشرعية التي تشرّع التوسل بشكل صريح:
1- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[6].
وهذه الآية لا تدل على مجرد جواز التوسل، بل تعتبر أمراً مطلوباً وراجحاً.
2- قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيما)[7].
فهذه الآية الشريفة تؤكد التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله لمن ظلم نفسه، فعلى هؤلاء أن يأتوا إلى النبي صلى الله عليه وآله ليستغفر لهم الله تعالى، وحينئذٍ سيجدون الله تواباً رحيماً. وهذا واضح في كون التوسل باب من أبواب رحمته تعالى.
3- قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رُسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُسْتَكْبِرُون).
فهذه الآية الكريمة ذمت الذين يرفضون إتيان رسول الله صلى الله عليه وآله ليكون وسيلتهم إلى الله تعالى فيستغفر لهم، وذمت استكبارهم عن ذلك.
[1] - سورة فصلت، الآية/53.
[2] - بحار الأنوار، ج1، ص195.
[3] - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، ج5، ص489، ط دار الكتب العلمية بيروت.
[4] - سورة يوسف، الآية/97.
[5] - سورة البقرة، الآية/89.
[6] - سورة المائدة، الآية/35.
[7] - سورة النساء، الآية/64.
الإمام العسكري (عليه السلام) والتمهيد لصاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه)
إنّ المهمّة المميّزة في إمامته عليه السلام كانت التمهيد لولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وغيبته الصغرى والكبرى، والارتباط الصحيح به وضرورة الانتقال بالشيعة من نقطة اتّصال مباشرة بالمعصوم إلى نقطة اتّصال غير مباشرة. وتعتبر هذه المرحلة من أدقّ المراحل على الفكر الشيعيّ منذ النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلى عهد الإمام العسكريّ، لذلك كان على الإمام أن يكثّف أحاديثه وأن يقوم عمليّاً، كما سيتّضح، بالتمهيد للغيبة.
ويمكن تلخيص دور الإمام عليه السلام في هذا الاتّجاه بما يلي:
1- النصّ على الإمام وتعريف شيعته به:
عن محمّد بن عبد الجبّار قال: قلت لسيّدي الحسن بن عليّ عليه السلام: يا بن رسول الله، جعلني الله فداك، أحبّ أن أعلم من الإمام وحجّة الله على عباده من بعدك.
قال عليه السلام: "إنّ الإمام من بعدي ابني، سَميّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكنيُّه، الّذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه".
قال: ممّن هو يا بن رسول الله؟ قال عليه السلام: "من ابنة قيصر ملك الروم، ألا إنّه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثمّ يظهر"[1].
عن يعقوب بن منقوش قال: "دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام وهو جالس على دكّان في الدار وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت: سيّدي، من صاحب هذا الأمر؟ فقال: ارفع الستر، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسيّ له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درّيّ المقلتين، شثن الكفّين، معطوف الركبتين، في خدّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمّد عليه السلام ثمّ قال لي: هذا صاحبكم، ثمّ وثب فقال له: يا بُنيّ ادخل إلى الوقت المعلوم، فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ قال لي: يا يعقوب، انظر من في البيت، فدخلت فما رأيت أحداً"[2].
2- التأكيد على الصبر وانتظار الفرج:
إنّ انتظار فرج الإمام عليه السلام من العبادات بل من أفضل الأعمال كما في الأحاديث المباركة. فإنّ أوّل ما يتوجّب على الإنسان هو الصبر عند طول الغيبة. وما يؤكّد على ذلك الرسالة التي أرسلها الإمام عليه السلام إلى عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، الّتي جاء فيها: "عليك بالصبر وانتظار الفرج".
روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج"[3].
3- التحذير من الشكّ والضعف:
فروي عنه عليه السلام: "إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسّك فيها بدينه كالخارط شوك القتاد بيده"[4].
4- التمهيد العمليّ للغيبة:
والمقصود بذلك أنّ الإمام عليه السلام عيّن وكلاء وسفراء من خاصّة أصحابه لتبليغ تعليماته وأحكامه إلى شيعته، وذلك بأسلوب التوقيعات والمكاتبات، وهذا يعتبر تمهيداً عمليّاً لما سيحصل في زمن الغيبة الصغرى.
[1] الميرزا حسين النوري الطبرسي، النجم الثاقب، ج1، ص 136.
[2] الشيخ الطبرسي، إعلام الورى، ص 413.
[3] الشيخ عزيز الله العطاردي، مسند الإمام العسكري عليه السلام، ص 19.
[4] ابن أبي زينب النعماني، الغيبة، ص 122.
إيران ستقدم مشروع قرار لإدانة الهجمات على المنشآت النووية
تعتزم الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقديم مشروع قرار في الدورة القادمة للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن عدم جواز الهجمات على المنشآت النووية.
وأفادت مصادر دبلوماسية بأن الوثيقة قيد الصياغة وسيتم عرضها في الدورة القادمة.
كما أكد ميخائيل أوليانوف، سفير روسيا وممثلها الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، ذلك في رسالة نُشرت على موقع التواصل الاجتماعي "اكس" يوم الجمعة.
وردًا على رسالةٍ من مراسلٍ لصحيفة "وول ستريت جورنال" انتقد فيها روسيا لدعمها قرار إيران المقترح المقرر طرحه في "مجلس المحافظين"، حسب المراسل، كتب اوليانوف: "يبدو أن (مراسل وول ستريت جورنال) لا يُدرك الفرق بين مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمؤتمر العام للوكالة، حيث تنوي إيران تقديم مشروع قرارٍ بشأن عدم جواز مهاجمة المنشآت النووية".
وأوضح: "على مروجي الدعاية المعادية لروسيا أن يكونوا أكثر استعدادًا قبل الدخول في المناقشات لتجنب هذا المستوى من السخرية والتناقض".
ووفقًا للجدول المُعلن، سيُعقد المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا في 15 سبتمبر/أيلول لمدة خمسة أيام.
رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «إنَّ اللهَ... أعطاني مسألةً، فأخّرْتُ مسألتي لشفاعةِ المؤمنينَ من أمّتي إلى يومِ القيامةِ، ففعلَ ذلك»[1].
إنَّ المتتبّعَ لسيرةِ النبيِّ الأعظمِ (صلّى الله عليه وآله) يقفُ مذهولاً أمامَ عظمةِ شخصيّتِهِ في جميعِ أبعادِها. ولا ريبَ في أنَّ النتيجةَ التي يخلُصُ إليها هيَ أنَّ البشريّةَ بأسرِها عاجزةٌ عن معرفتِهِ وإدراكِ مقامِهِ إدراكاً كاملاً، فضلاً عنِ الإحاطةِ بصفاتِهِ وأبعادِهِ الروحيّةِ والمعنويّةِ والفكريّةِ والاجتماعيّةِ... لقد كانَ (صلّى الله عليه وآله) فريداً في إنسانيّتِهِ وكمالاتِه، لا مثيلَ له في الخلقِ كلِّه، وقدِ اجتمعَتْ في شخصِهِ المقدَّسِ كلُّ الصفاتِ المطلوبةِ للإنسانِ الكاملِ، حتّى ختمَ اللهُ بهِ النبوّاتِ. وحقٌّ لنا أن نقولَ إنَّهُ (صلّى الله عليه وآله) في خلقِهِ وصفاتِهِ يلامسُ حدَّ الإعجازِ، وقد أكّدَ اللهُ تعالى ذلكَ بقولِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[2].
بركاتُ الوجودِ المحمّديّ
إنَّ آثارَ وجودِ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) لا تنحصرُ في أخلاقِهِ وشخصِه، بلِ امتدَّتْ لِتعمَّ الكونَ برمَّتِه، وقد قالَ تعالى مخاطباً إيّاه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[3]، وهذهِ الرحمةُ المحمّديّةُ تجلَّت في بركاتٍ عديدةٍ، نذكرُ منها:
1. الأمان: إذ كانَ وجودُ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) أماناً للبشريّةِ، كما قالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾[4]، وقد أوضحَ العلّامةُ الطباطبائيُّ في تفسيرِهِ أنَّ المانعَ من نزولِ العذابِ يومئذٍ هوَ وجودُ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) بينَهُم، والمرادُ بالعذابِ... عذابُ الاستئصالِ بآيةٍ سماويّةٍ، كما جرى في أممِ الأنبياءِ الماضين[5].
2. الوسيلة إلى الله: قالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[6]، وعن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «إذا سألتُمُ اللهَ، فاسألوهُ الوسيلةَ»، فسُئلَ النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) عنِ الوسيلةِ، فقالَ: «هيَ درجتي في الجنّةِ»[7]، ويعلّقُ العلّامةُ الطباطبائيُّ على هذهِ الروايةِ معَ الآيةِ، فيقولُ: «إذا تدبّرتَ الحديثَ، وانطباقَ معنى الآيةِ عليه، وجدْتَ أنَّ الوسيلةَ هيَ مقامُ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) من ربِّهِ، الذي بهِ يتقرّبُ هوَ إليهِ تعالى»[8].
3. الوساطة في غفرانِ الذنوب: قالَ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾[9]، وهذهِ الآيةُ دليلٌ على كونِ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) سبباً لمغفرةِ الذنوبِ وقَبولِ التوبةِ.
4. الشفاعة: قالَ تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾[10]، وقد وردَ عنهُ (صلّى الله عليه وآله) أنَّ المقامَ المحمودَ هوَ مقامُ الشفاعةِ يومَ القيامةِ، حيثُ قالَ: «إذا قمْتُ المقامَ المحمودَ، تشفّعْتُ في أصحابِ الكبائرِ من أُمّتي، فيشفّعُني اللهُ فيهِم. واللهِ، لا تشفّعْتُ في مَن آذى ذريّتي»[11].
إنَّ ما ذكرناه بعضُ إشاراتٍ من بركاتِ وجودِ النبيِّ الأعظمِ (صلّى اللهُ عليه وآله)؛ إذ لا يمكنُ الإحاطةُ التامّةُ بكلِّ ما ترتّبَ على وجودِهِ الشريفِ من آثار. ونختمُ بما رُويَ عنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام)، قالَ: «قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله): مقامي بينَ أظهرِكُم خيرٌ لكُم، فإنَّ اللهَ يقولُ: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾، ومفارقتي إيّاكُم خيرٌ لكُم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، مقامُكَ بينَ أظهرِنا خيرٌ لنا، فكيفَ تكونُ مفارقتُكَ خيراً لنا؟! قالَ: أمّا أنَّ مفارقتي إيّاكُم خيرٌ لكُم، فإنَّ أعمالَكُم تُعرَضُ عليَّ كلَّ خميسٍ واثنين، فما كانَ من حسنةٍ حمدْتُ اللهَ عليها، وما كانَ من سيّئةٍ استغفرْتُ اللهَ لكُم»[12].
ختاماً، نرفعُ آياتِ العزاءِ إلى مولانا صاحبِ العصرِ والزمانِ (عجّلَ اللهُ فرجَهُ)، وإلى وليِّ أمرِ المسلمينَ، وإلى المجاهدينَ جميعاً، بذكرى رحيلِ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)، وشهادةِ حفيدَيهِ الإمامَينِ المجتبى والرضا (عليهما السلام).
[1] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص57.
[2] سورة القلم، الآية 4.
[3] سورة الأنبياء، الآية 107.
[4] سورة الآنفال، الآية 33.
[5] العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج9، ص68.
[6] سورة المائدة، الآية 35.
[7] عليّ بن إبراهيم القمّيّ، تفسير القمّيّ، ج2، ص325.
[8] العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج5، ص334.
[9] سورة النساء، الآية 64.
[10] سورة الإسراء، الآية 79.
[11] الفتّال النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص273.
[12] عليّ بن إبراهيم القمّيّ، تفسير القمّيّ، ج1، ص277.
كيف هي المدرسة الإلهية في التربية؟
ثمة فارق جوهري بين مدرسة الأنبياء والأئمّة ومنهاجها في التربية، وبين غيرها من مدرسة الفلاسفة النظريين والمفكّرين والمنظّرين، فالمدرسة الأولى تتعامل مع الجانب الإنساني والروحي في البشر كما تعزّز تعاملها مع عواطفهم وقلوبهم، دون الاقتصار على الأفكار المجرّدة والنظرية في الإنسان. وذلك لأن الجانب القلبي والروحي هو المميز للإنسان عن سائر المخلوقات الأخرى فيعطيه هويته الخاصة به ولا يشاركه فيها أي كائن آخر سواء كان من الحيوانات أو الجان أو الملائكة، ولذلك تركز المدرسة الإلهية وفق منهج أهل البيت عليهم السلام في تربيتها للإنسان على هذه الجنبة من كيانه...
ولهذا أيضاً يلاحظ أنّ القرآن الكريم يشير دائماً في مجال وصفه للعلاقة القائمة بين الله سبحانه وبين المؤمنين بالرسالة الإسلامية إلى مرتكزات هذه العلاقة، حيث يستعمل هذه الألفاظ الخاصة في دلالتها على جانب العاطفة والقلب والوجدان، وذلك من قبيل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾[1].
﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾[2]. ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾[3]. ﴿وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾[4].
فمن الواضح أنّ هذه الآيات وأمثالها مما يصف الله سبحانه فيه ويشرح سنخ العلاقة بالبشر وطبيعة العناية الإلهية بهم، تركز على مقولات عالم القلب والروح، لا عالم المصطلحات البشرية والأفكار المجردة، وما ذلك إلا لأنّ هذه المدرسة تسعى لأن تربّي الإنسان وتكمّل إنسانيته وكمالاته التي لا تقوم في أساسها ومجراها إلّا على جانب القلب والروح والوجدان، فمن خلال هذا الجانب يستطيع الإنسان أن يتكامل ويسعى إلى الصالحات والخيرات، والصفات الأخلاقية والوجدانية الحميدة.
أما كيف ولماذا يكمل الإنسان عن طريق هذا الحب؟ فذلك لأنّ الكمال الحقيقي للإنسان إنّما يكون باقترابه من الكمال المطلق وهو الله سبحانه، والقلب هو باب هذا الاقتراب من الكمال المطلق، وليس الباب إليه هو الذهن وحده، بداهة أنّ الإنسان قد يدرك وجود الله سبحانه ولكنه لا يتكامل.
منهج الأنبياء التربوي
فلا يتصوّر أحد أنّه مع وجود المنطق والاستدلال، فما هي الحاجة للحديث عن الموعظة والتربية والتوجيه؟ وما هي الحاجة للبحث في قضايا وجدانية وعاطفية من هذا القبيل؟ إنّ هذا النوع من التفكير بيّن البطلان، لأنّ لكلّ واحدة من هذه الأمور دوراً في بناء شخصية الإنسان وتكامله. فالعواطف لها دورها والمنطق والبرهان لهما دورهما المهم أيضاً.
فالعاطفة لها دور في حلّ كثير من المشاكل والمعضلات التي يعجز المنطق والاستدلال عن حلّها. ولذلك حينما نراجع تاريخ الأنبياء عليهم السلام سوف نرى أنّه في أوائل بعثتهم كان يلتفّ حولهم أناس لم يكن المنطق والبرهان هما الدافع الأساسي لإيمانهم ولالتفافهم حول أولئك الأنبياء عليهم السلام، لذا كان عملهم ودعوتهم في المرحلة الأولى يقوم على أساس كسب المشاعر والعواطف الصادقة لدى الناس.
ففي هذه المرحلة كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخاطب الكفّار مبيناً ضعف آلهتهم (الأصنام) وعجزها، وأنها ليست سوى أحجار لا تضرّ ولا تنفع. من دون الحاجة إلى ذكر الدليل العقلي والمنطقي على بطلان عبادتهم لتلك الأصنام. ولم يكن يستدلّ للناس بالأدلّة العقلية والفلسفية على وجود الله ووحدانيته، بل كان يكتفي بالقول: "قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا"[5]، فلم يبرهن للناس عقلياً أو فلسفياً أنّ الاعتقاد بـ (لا إله إلاّ الله) يؤدّي إلى فلاح الإنسان وسعادته، بل إنّ هذه العبارة تخاطب مشاعر الإنسان وأحاسيسه الصادقة.
طبعاً إنّ كلّ مشاعر وأحاسيس صادقة وسليمة تنطوي على برهان فلسفي واستدلال عقلي. لكنّ المسألة هي أنّ كلّ نبي عندما كان يريد البدء بالدعوة لم يكن يطرح الدليل العقلي والفلسفي من أجل هداية الناس، بل إنّه كان يبدأ بتحريك العواطف والأحاسيس الصادقة والسليمة التي تحمل المنطق والاستدلال في ذاتها. وهذه الأحاسيس والعواطف توجّه أنظار الإنسان إلى ما يعيشه المجتمع من انحراف وظلم واضطهاد وتمايز طبقي، وما يمارسه أنداد الله من البشر (شياطين الأنس) من ضغط وإرهاب ضدّ أبناء ذلك المجتمع. أمّا طرح البراهين العقلية والمنطقية فكان يبدأ حينما تستقر الدعوة وتأخذ مجراها الطبيعي.
[1] سورة البقرة، الآية: 222.
[2] سورة الفتح، الآية: 18.
[3] سورة الحجرات، الآية: 7.
[4] سورة هود، الآية: 90.
[5] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج18، ص202.




























