emamian

emamian

 الإمام أبو جعفر محمد بن علی الجواد (علیه السلام) ، ولد فی یوم الجمعة العاشر من شهر رجب سنة (195هـ) فی المدینة المنورة وهو الامام التاسع لشیعة اهل البیت علیهم السلام واستشهدفی آخر شهر ذی القعدة سنة (220هـ) .

مختصر من حیاة الإمام محمد بن علی الجواد (علیه السلام)


1ـ ولادته (علیه السلام): الإمام أبو جعفر محمد بن علی الجواد (علیه السلام) ، ولد فی یوم الجمعة العاشر من شهر رجب سنة (195هـ) فی المدینة المنورة .
اسمه الکریم : محمّد ، وکنیته المشهورة أبو جعفر ، وألقابه : التقی والجواد ، وقیل أیضاً : المختار والمنتجب والمرتضى والقانع والعالم وغیرها .


والده الإمام علی بن موسى الرضا (علیه السلام) ، ووالدته اُمّ ولد اسمها : سبیکة ، وسمّاها الإمام الرضا (علیه السلام) خیزران . وکانت من أهل النوبة ومن قبیلة ماریة القبطیة أُم إبراهیم ابن رسول الله صلّى الله علیه وآله ، وکانت أفضل نساء زمانها .


وأمّا کیفیة ولادته (علیه السلام) فترویها حکیمة بنت الإمام موسى الکاظم (علیه السلام) أنها قالت : لمّا حضرت ولادة خیزران اُمّ أبی جعفر (علیه السلام) ، دعانی الرضا (علیه السلام) فقال لی: (( یاحکیمة إحضری ولادتها ، وادخلی وإیّاها والقابلة بیتاً )) .

ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علینا ، فلمّا أخذها الطلق طفی المصباح وبین یدیها طست ، فاغتممت بطفی المصباح ، فبینما نحن کذلک إذ بدر أبو جعفر (علیه السلام) فی الطست ، وإذا علیه شیء رقیق کهیئة الثوب یسطع نوره حتّى أضاء البیت ، فأبصرناه ، فأخذته فوضعته فی حجری ونزعت عنه ذلک الغشاء ، فجاء الرضا (علیه السلام) ففتح الباب وقد فرغنا من أمره ، فأخذه فوضعه فی المهد وقال لی: (( یا حکیمة ، إلزمی مهده )) .


قالت: فلمّا کان فی الیوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر إلى یمینه ویساره ، ثم قال: (( أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله )). فقمت ذعرة فزعة ، فأتیت أبا الحسن (علیه السلام) فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبی عجباً ! فقال: (( وما ذاک؟ )) فأخبرته الخبر فقال: (( یا حکیمة ، ما تروى من عجائبه أکثر )).


وروی عن الإمام الرضا (علیه السلام) أنّه قال: (( قد وُلد شبیه موسى بن عمران فالق البحار ، فیبکی علیه أهل السماء ، ویغضب الله تعالى على عدوّه وظالمه فلا یلبث إلاّ یسیراً حتّى یُعجّل الله به إلى عذابه الألیم وعقابه الشدید )).


2ـ فضائله ومناقبه ومعاجزه (علیه السلام)روى العلاّمة المجلسی وغیره أنّه کان عمرُ الإمام الجواد (علیه السلام) عند وفاة أبیه (علیه السلام) تسع سنین ، وقیل : سبع سنین . ولمّا استُشهد أبوه کان فی المدینة ، وشکّ بعضُ الشیعة فی إمامته ؛ لصغر سنّه حتّى حجّ العُلماء والأفاضل والأشراف وأماثل الشیعة فی أطراف العالم ، ثم جاؤوا إلى الإمام (علیه السلام) بعد إتمام مناسکهم ، فزالت شبهاتهم وشکوکهم بعد ما رأوا غزارة علمه وکثرة معاجزه وکراماته ، وأقرّوا بإمامته.


وروى الطبری عن الشلمغانی أنّه قال : حجّ إسحاق بن إسماعیل فی السنة التی خرجت الجماعة إلى أبی جعفر (علیه السلام) . قال إسحاق : فأعددتُ لی فی رقعةٍ عشر مسائل لأسأله عنها ، وکان لی حمل . فقلتُ: إذا أجابنی عن مسائلی سألتُه أن یدعو الله لی أن یجعله ذکراً ، فلمّا سأله الناس قمت والرقعة معی لأسأله عن مسائلی ، فلمّا نظر إلیَّ قال لی : (( یا أبا یعقوب سمّه أحمد )) . فولد لی ذکر وسمّیته أحمد ، فعاش مُدّةً ومات.


3ـ شهادته (علیه السلام)لمّا استدعى المأمون الإمام الجواد (علیه السلام) بعد وفاة أبیه إلى بغداد وزوّجه ابنته ، مکث الإمام ببغداد مدّة فضاق صدره من سوء معاشرة المأمون ، فاستأذنه فی الذهاب إلى الحجّ ، فتوجّه إلى بیت الله الحرام ومن هناک عاد إلى مدینة جدّه وبقی هناک إلى أن مات المأمون ، واغتصب الخلافة بعده أخوه المعتصم . وکان ذلک فی السابع عشر من شهر رجب سنة (218هـ) .

 

فلمّا استوى المعتصم على الملک ، وسمع فضائل ومناقب الإمام الجواد (علیه السلام) ، وبلغة غزارة عِلمه ، اضطرمت نار الحسد فی قلبه ، وصمّم على القضاء على الإمام علیه السلام فاستدعاه إلى بغداد ، فلمّا توجّه الإمام إلى بغداد جعل وصیّه وخلیفته ابنه علی النقیّ (علیه السلام) ، ونصَّ على إمامته عند کبار الشیعة وثقات الأصحاب ، وسلّم إلیه کتب العلوم الإلهیة والأسلحة التی کانت للنبی (صلّى الله علیه وآله) وسائر الأنبیاء (علیهم السلام) .


ثم ودع الإمام أهله وولده وترک حرم جدّه (صلّى الله علیه وآله) وذهب إلى بغداد بقلبٍ حزین ، ودخلها یوم الثامن والعشرین من شهر محرّم سنة (220هـ) وقتله المعتصم فی أواخر هذه السنة بالسُّمّ .


وأما کیفیة شهادته (علیه السلام) ، فقد وقع الخلاف فیها لکن الأشهر أنّ زوجته اُم الفضل بنت المأمون سمّته بعد تحریض عمّها المعتصم ؛ لأنها کانت تضمر العداء والبغض للإمام ؛ لمیله (علیه السلام) إلى الجواری دونها ، وکان یرجّح أُمّ الإمام علی النقی (علیه السلام) علیها ، فکانت دائمة الشکایة منه عند أبیها وهو لا یستمع إلیها ، وقد عزم بعد أن قتل الإمام الرضا (علیه السلام) على ترک أذى أهل بیت الرسالة (علیهم السلام) وعدم التعرّض لهم للحفاظ على الملک.


وکیف ما کان فقد نقل عن کتاب عیون المعجزات : أنّ المعتصم جعل یعمل الحیلة فی قتل أبی جعفر (علیه السلام) ، وأشار على ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه ؛ لأنّه وقف على انحرافها عن أبی جعفر (علیه السلام) وشدّة غیرتها علیه ، فأجابته إلى ذلک وجعلت سُمّاً فی عنب رازقی ووضعته بین یدیه .


فلمّا أکل منه ندمت وجعلت تبکی ، فقال: (( ما بکاؤک؟ واللهِ لیضربنّک الله بفقر لا ینجبر وبلاء لا ینستر )). فماتت بعلّة فی أغمض المواضع من جوارحها ، حیث صار ناسوراً فیه فأنفقت مالها وجمیع ما ملکته على تلک العلّة التی احتاجت إلى الاسترفاد ـ یعنی الاستعانة ـ ورُوی أن الناسور کان فی فرجها.


ثم غُسّل الامام علیه السلام وکُفّن ودُفن فی مقابر قریش خلف رأس جدّه الإمام موسى (علیه السلام) ، وصلّى علیه ظاهراً الواثق بالله ، ولکنّ الحقیقة هی إنّ الإمام علی النقی (علیه السلام) جاء من المدینة بطیّ الأرض وتولّى أمر تجهیزه وتکفینه والصلاة علیه.


ووقع الخلاف فی تأریخ إستشهاد الإمام الجواد (علیه السلام) ، والأشهر أنّه استُشهد فی آخر شهر ذی القعدة سنة (220هـ) ، وقیل غیر ذلک. وکان ذلک بعد سنتین ونصف من موت المأمون.

 

الأحد, 11 تموز/يوليو 2021 02:36

فاطمة زوّجها خالقها

عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، عن جابر ابن عبد الله قال: لما زوج رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة من علي أتاه أناس من قريش فقالوا: إنك زوجت عليا بمهر خسيس، فقال: ما أنا زوجت عليا، ولكن الله عز وجل زوجه ليلة أسري بي عند سدرة المنتهى، أوحى الله إلى السدرة أن انثري ما عليك فنثرت الدر والجوهر والمرجان، فابتدر الحور العين فالتقطن، فهن يتهادينه ويتفاخرن ويقلن: هذا من نثار فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله .1

عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله : ما زوجت فاطمة إلا بعد ما أمرني الله عز وجل بتزويجها.2

وعن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أتاني ملك فقال: يا محمد إن الله يقرء عليك السلام ويقول لك: قد زوجت فاطمة من علي فزوجها منه، وقد أمرت شجرة طوبى أن تحمل الدر والياقوت والمرجان، وإن أهل السماء قد فرحوا لذلك، وسيولد منهما ولدان سيدا شباب أهل الجنة، وبهما يزين أهل الجنة، فأبشر يا محمد فإنك خير الأولين.3

1- الأمالي / الشيخ الطوسي- ص257.
2- عيون أخبار الرضا / الشيخ الصدوق ج1 ص64.
3- عيون أخبار الرضا / الشيخ الصدوق ج1 ص30.

 

ارتفاع ضغط الدم واحد من أبرز العوامل المؤدية إلى الإصابة بمرض القلب. مراقبة الضغط وقياسه بانتظام، خاصة في سن الأربعين، أمران ينصح بهما الأطباء كافّة. وكما هي الحال بالنسبة إلى مختلف الأمراض، فإنّ الوقاية من ارتفاع ضغط الدم خيرّ من قنطار علاج.

ما هو ارتفاع ضغط الدم؟ وماذا يعني الرقمان اللذان يقيسهما الطبيب ويقرر على أثرهما، ما إذا كان المريض يعاني ارتفاعاً في ضغط الدم؟ وهل تُوجد سُبل طبيعية للوقاية من هذه الحالة المرضية، التي يُمكن إذا تُركت من دون علاج، أن تُسفر عن أخطار صحية بالغة، مثل قصور القلب والكليتين، والسكتة الدماغية؟

يتم قياس ضغط الدم على جدران الشرايين بملليليترات الزئبق  (mmHg)، ويتم تسجيله وتجسيده في رقمين، الأوّل (الرقم الأكبر) هو ضغط الدم الانقباضي، ويرمُز إلى ضغط الدم على الشرايين أثناء انقباض القلب أو نبضه وخروج الدم منه، والثاني (الرقم الأصغر) يرمز إلى ضغط الدم الانبساطي، ويُقاس بين نبضة قلب وأخرى، أي عن استرخاء القلب وامتلائه بالدم. ويُعتبر ضغط الدم مثالياً إذا لم يتعَدَّ 12/8 (حسب طريقة القياس الفرنسية) و120/80 (حسب الطريقة الأميركية). ويؤكد الأخصائيون في الطب الطبيعي والتكامُلي، أنّه يمكن الوقاية من ارتفاع ضغط الدم، والتخفيف منه في حالات الإصابة الخفيفة به، عن طريق إدخال بعض التعديلات على النَّمط الغذائي، وعلى نمط الحياة.

 

1-     النظام الغذائي:

من المعروف أن ضغط الدم يعكس، إلى حد بعيد، طبيعة النظام الغذائي الذي نتّبعه. لذلك، أول ما يُوصي به الأطباء هو الاهتمام بما نأكله. أمّا أبرز النصائح التي يقدمونها في ما يتعلق بالنظام الغذائي الضروري، للوقاية من ارتفاع ضغط الدم فهي:

- الحد من تناول الملح: الذي يسمح به الأخصائيون لصحة القلب والأوعية الدموية، وهو 1500 ملغ في اليوم. وتجدُر الإشارة، إلى أنّ نصف ملعقة صغيرة تحتوي على 1200 ملغ من الملح. ويتوجّب الامتناع عن زيادة الملح على الأطباق، والتخفيف منه أثناء الطبخ. ويمكن الاستعانة بالأعشاب العطرية وعصير الحامض، لمنح الأطباق نكهة لذيذة عوضاً عن اللجوء إلى الملح. كذلك يجب الحد من تناول المنتجات الغذائية المصنّعة التي تكون غنية جدّاً بالملح.

- الحرص على تناول الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم والمغنيزيوم: البوتاسيوم يخفف من تأثير الصوديوم، ما يُساعد على التحكم في ارتفاع ضغط الدم. وأفضل مصادره الموز، البطيخ الأصفر، الفاصولياء، الفطر، عصير البرتقال، البازلاء، الخوخ المجفف، الزبيب، البطاطا الحلوة، الطماطم، والحليب الخالي من الدسم.

أمّا بالنسبة إلى المغنيزيوم، فتؤكد الأخصائية البريطانية في التغذية، ديبورا غرانت، أنّه يساعد على إخراج الصوديوم الزائد من خلايا الجسم. كذلك فإنّه يساعد خلايا العضلات على الاسترخاء، ما يساعد على جعل الشرايين أكثر مُرونة وقدرة على الاستجابة لتغيُّرات ضغط الدم. وهو متوافر في المكسرات، الحبوب الكاملة والخضار الورقية الخضراء، والفواكه والخضار عامّة.

- التخفيف من الدهون: يجب التخفيف من تناول الدهون ذات المصادر الحيوانية مثل الزبدة، واختيار الأنواع خفيفة الدسم من الحليب ومشتقاته. وينصح الأخصائيون بالامتناع التام عن تناول القشدة، وكلّ الأطعمة الغنية بالدهون المشبّعة ودهون ترانس، مثل النقانق، اللحوم المصنّعة، البسكويت، الأطعمة المقلية، الجاتوه.

- الإكثار من الخضار والفواكه: هذه المحاصيل الطبيعية تتمتع بتأثيرات إيجابية في الدورة الدموية ومستويات الكوليسترول. ومن المفيد أيضاً، تناول الشوفان والفاصولياء والثوم والحبوب الكاملة.

- التخفيف من اللحوم الحمراء: يُفضَّل الامتناع عن تناول اللحوم الحمراء، أو التخفيف منها إلى أقصى حد. وفي المقابل يمكن تناول لحوم الدجاج من دون الجلد، والأسماك الدهنية.

- الامتناع عن التدخين والتخفيف من الكافيين: النيكوتين الموجود في تبغ السجائر، والكافيين الموجود في القهوة والشاي والمشروبات الغازية، هما مادتان تُسهمان في تضييق نهايات الأوعية الدموية الشعرية، ما يُسهم في رفع ضغط الدم.

- احتساء عصير الشمندر: أظهر البحّاثة البريطانيون، أنّ احتساء 500 ملل من عصير الشمندر في اليوم يخفف من ارتفاع ضغط الدم، وذلك في غضون ساعة من تناوله.

- احتساء نقيع الخبّيزة: أظهرت إحدى الدراسات الأميركية الحديثة، أنّ احتساء 3 فناجين من نقيع الخبّيزة يومياً، يؤدي إلى خفض ضغط الدم الانقباضي بمعدل سبع نقاط، وذلك خلال فترة 6 أسابيع. ويُذكر، أنّ هذه النتيجة تفوق تلك التي نحصل عليها، عند تناول واحد من العديد من الأدوية المضادة لارتفاع ضغط الدم.

- تناول الشوكولاتة السوداء: تحتوي هذه الشوكولاتة على الـ"فلافانولز" التي تُزيد من مُرونة الأوعية الدموية. وتَبيَّن في إحدى الدراسات، أن 18 في المئة من المرضى الذين يتناولنها يومياً، ينجحون في خفض ارتفاع ضغط الدم لديهم. يمكن تناول 15 غراماً من الشوكولاتة السوداء يومياً، شرط ألّا تقل نسبة الكاكاو فيها عن 70 في المئة.

- الحَدّ من تناول السكر: معظمنا يعلّم أنّ الملح يلعب دوراً في زيارة ارتفاع ضغط الدم، لكن الكثيرين لا يعلمون أنّ السكر أيضاً يُسهم في التسبب في ذلك. والواقع، أنّ معظمنا يتناول يومياً كمية من السكر، تفوق تلك التي يُوصي بها الأخصائيون، وهي لا تزيد على 6 ملاعق صغيرة من السكر المضاف. وفي دراسة أجراها البحّاثة في "جامعة كولورادو" الأميركية، تَبيَّن أن ضغط الدم يرتفع خلال أسبوعين بمعدل 5 نقاط لدى الأشخاص الذين يتناولون أكثر من 42 ملعقة صغيرة من السكر المضاف يومياً. قد يبدو رقم 42 كبيراً بالنسبة إلى البعض. لكننا إذا عرفنا مثلاً، أن عبوة واحدة من المشروبات الغازية تحتوي على عشر ملاعق صغيرة من السكر، نُدرك أن تناول هذه الكمية من السكر هو أمر عادي بالنسبة إلى الكثيرين. ويعلّق الدكتور ريتشار جونسون، الذي شارك في الدراسة قائلاً، إنّ الإكثار من الفراكتوز (الموجود في سكر المائدة وفي شراب الذرة الغني بالفراكتوز المستخدم لتحلية المشروبات الغازية، والمنتجات الغذائية المصنّعة)، يُلحق الضرر بالخلايا، ما يمكن أن يؤدي إلى إرتفاع ضغط الدم.

 

2-    المكملات الغذائية:

جاء في مُراجعة أكثر من 12 دراسة أميركية، أن تناول أقراص مساعد الأنزيم  Q10 Coenzyme، يُساعد على خفض ارتفاع ضغط الدم بما يتراوح بين 10 و17 نقطة (حسب القياس الأميركي). ويفسّر البحّاثة ذلك بقولهم، إن مساعد الأنزيم (Q10) وهو مضاد أكسدة يحتاج إليه الجسم لإنتاج الطاقة، ويُسهم في توسيع الأوعية الدموية. ويمكن استشارة الطبيب بشأن تناول قرص يحتوي على ما بين 60 و100 ملغ من مساعد الأنزيم المذكور (3 مرات يومياً).

كذلك أظهرت الأبحاث، أنّ تناول أقراص مُكملة من المغنيزيوم، الكالسيوم، فيتامين  (C)، وأحماض "أوميغا- 3" الدهنية، يُفيد في خفض ارتفاع ضغط الدم. كذلك تبيَّن أن تناول أقراص من خلاصة الزَّعْرور البرّي (Hawthorn)، يؤدي إلى النتيجة الإيجابية نفسها.

 

3-    ممارسة الرياضة:

أظهرت دراسة أميركية، أنّ الأشخاص الذين يعانون ارتفاعاً خفيفاً في ضغط الدم، ويمارسون رياضة المشي السريع بانتظام لمدة نصف ساعة يومياً، لمدة شهرين، ينجحون في خفض ارتفاع ضغط الدم لديهم بما يتراوح بين 5 و7 نقاط (حسب القياس الأميركي). وينصح البروفيسور راري فرانكلين، مدير مركز إعادة تأهيل القلب في "مستشفى بومنت" في ميتشيغان، بممارسة التمارين الرياضية التي تُنشّط القلب والأوعية الدموية لمدة نصف ساعة، (5 مرات) في الأسبوع، وذلك كخط دفاعي في مواجهة ارتفاع ضغط الدم. وبعد التعوّد على ممارسة الرياضة لمدة نصف ساعة، يتوجب العمل على زيادة المسافة التي نمشيها أو سرعة المشي السريع (أو الرياضة الأخرى التي نمارسها)، وذلك لإبقاء القلب في حالة من التحدي، وحثّه على العمل بنشاط. ويؤكد، أنّ المواظبة على روتين رياضي، يمكن أن تخفف من ارتفاع ضغط الدم، فإن ممارسة الرياضة، يمكن أن تساعد على تخفيف الوزن، وهو عامل فاعل جداً في الوقاية من ارتفاع ضغط الدم. يُضيف، إنّ الرياضة تساعد القلب على استخدام الأوكسجين بشكل أكثر فاعلية، ما يعني أنّه لا يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد لضخ الدم إلى أنحاء الجسم كافة. ولكن فرانكلين يُنبّه الأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم (أي أكثر من 140/90)، إلى ضرورة استشارة طبيبهم الخاص قبل البدء في ممارسة الرياضة في الهواء الطلق خلال فصل الشتاء. فالطقس البارد يتسبب في انقباض الأوعية الدموية الشعرية في أنحاء الجسم، ما يمكن بدوره أن يؤدي إلى ارتفاع في ضغط الدم، ويزيد مستويات الجهد المطلوبة من القلب. وهو يفضل أن يمارس هؤلاء الأشخاص الرياضة داخل النادي الرياضي في الفصول الباردة.

من جهة ثانية، يؤكد الأخصائي البريطاني مايكل فان ستراتين، أنّ الرياضة والأنشطة البدنية عامة، تتمتع بتأثيرات إيجابية في نفسياتنا، وتخفف من التوترات، وتحسّن نوعية النوم وتساعد على الاسترخاء، وكل ذلك يساعدنا على تفادي ارتفاع ضغط الدم.

 

4-    الاسترخاء ومكافحة التوتر

يؤكد الأخصائي الأميركي في الصحة العامة، الدكتور موريزيو تريفيزان، أن تفادي التوتر والحفاظ على الهدوء، عاملان أساسيان يُساعدان على التحكم في ارتفاع ضغط الدم. فهرمونات التوتر مثل الـ"كورتيزول"، تُسهم في رفع ضغط الدم، لأنّها تعمل على تضييق الأوعية الدموية، وعلى تسريع إيقاع ضربات القلب. كذلك، فإنّ هذه الهرمونات ترفع من مستويات الرينين، وهو أنزيم تفرزه الكليتان ويُسهم في رفع ضغط الدم. يُضيف، إنّه من الضروري جداً تخصيص وقت كافٍ يومياً، للإسترخاء، وإن تعلُّم إحدى طرق أو تقنيات الاسترخاء البسيطة، يساعد كثيراً في تحقيق ذلك. يمكننا مثلاً ممارسة التأمّل، أو رياضة الـ"يوغا"، أو تقنية التخيُّل، فالمواظَبة على ممارسة طُرق الاسترخاء هذه، تعطي نتائج إيجابية على مستوى خفض ارتفاع ضغط الدم. كذلك ينصح الأخصائيون باللجوء إلى التدليك، فهو طريقة مثالية للتخفيف من التوتر. ويشرح تريفيزان تأثير هذه التقنيات قائلاً، إنّ الـ"يوغا" والـ"كي غونغ" والـ"تاي تشي" والتأمّل، تستثير الجهاز العصبي نظير الودي. وعندما يحدث ذلك، تتراجع كثافة اللويحات الدموية، وتتوسع الأوعية الدموية، وتتراجع سرعة إيقاع نبض القلب، وجميع هذه الظواهر تُسهم في خفض ارتفاع ضغط الدم. وتنصح الأخصائية الأميركية آمي باتوريل، بممارسة تمرين تنفّس عميق بسيط، صباحاً ومساءً لمدة خمس دقائق. تقول، إنّه علينا أن نستنشق بعُمق عن طريق الأنف، بحيث نملأ رئتينا وبطننا بالهواء ببطء، ثمّ نقوم بعملية الزفير عن طريق الفم، لإخراج كلّ الهواء والتوتر معه.

أمّا خبراء الـ"يوغا" فينصحون باعتماد طريقة التنفس، التي تعتمد استخدام فتحة واحدة من الأنف في كلّ مرة. فقد تبيَّن في إحدى الدراسات الأميركية الحديثة، أنّ هذه الطريقة في التنفس تحفز وحدات الاستقبال داخل الأنف، التي تُسهم في إراحة الجهاز العصبي وتبديد التوتر والإجهاد النفسي. وقد نجح الأشخاص الذين مارسوا تمرين التنفس هذا مرتين يومياً، لمدة 3 أشهر، في خفض ضغط الدم لديهم، بما يصل إلى 18 نقطة. ولأداء تمرين التنفس هذا، يكفي إغلاق فتحة الأنف اليمنى بواسطة الإبهام، والاستنشاق عن طريق الفتحة اليسرى لمدة 6 ثوانٍ. ثمّ تُرفع الإبهام، وتُغلق فتحة الأنف اليسرى بالسبّابة اليسرى، ويتم الزفير لمدة 6 ثوانٍ، عن طريق فتحة الأنف اليمنى. ومن المهم تكرار ذلك مرات عديدة، لمدة 3 دقائق في البداية، ثمّ تتم تدريجياً زيادة هذه المدة حتى تصل إلى ربع ساعة، بمعدّل مرتين يومياً صباحاً ومساءً، كما فعل المشاركون في الدراسة.

 

الأحد, 11 تموز/يوليو 2021 02:33

تأثير الوراثة على هويّة الطفل

تمهيد
يعتبر عامل الوراثة من العناصر الرئيسة التي يتمّ البحث عن مدى تأثيرها في صناعة شخصيّة الطفل عند علماء التربية والنفس والاجتماع والبيولوجيا، فما هي الوراثة؟ وما هو الدور الذي تلعبه في رسم معالم ماهية الطفل؟

ما هي الوراثة؟
الوراثة في اللغة العربية من مادة (و ر ث)، بمعنى "أن يكون الشيء لقوم ثم يصير إلى آخرين بنسب أو سبب"1. فالوراثة عبارة عن انتقال شيء جزءاً أو كلّاً من شخص أو موضوع إلى آخر مادياً أو معنوياً2.

والمدلول الاصطلاحيّ للكلمة لا يختلف في المضمون عن المعنى اللغويّ.

وقد أصبح موضوع الوراثة اليوم محوراً مستقلّاً لعلم خاصّ من فروع علم الأحياء أطلق عليه وليام باتسون مصطلح: "علم الوراثة" Genetics، ووظيفته دراسة الصفات التي يتمّ انتقالها من الآباء إلى الأبناء، وكيفية ذلك الانتقال، وتفسير أسباب التشابه والاختلاف بين من تجمعهم صلة القرابة.

التكوين البيولوجيّ للكائن الحيّ
ابتدأت أوّليات الأبحاث العلمية المعتمدة على الملاحظة الحسّية حول الوراثة مع غريغور مندل Gregor Mendel في منتصف القرن التاسع عشر، حيث قام بمراقبة كيفية انتقال الصفات الموروثة من الآباء إلى الأبناء. وهكذا أخذ البحث في هذا العلم بالتطوّر شيئاً فشيئاً نتيجة التراكم الكمّيّ والكيفيّ في هذا المجال. وقد ساعد تطوّر البحث العلميّ، والتقدّم التقنيّ، خصوصاً في مجال صناعة الأجهزة المجهرية الدقيقة - الميكروسكوب الإلكترونيّ - وصناعة الكمبيوتر، في تسجيل واحد من أعظم الإنجازات البشرية في اكتشاف عظمة سرّ الله تعالى وقدرته في خلق الإنسان، ألا وهي قراءة الخارطة الوراثية وفكّ رموزها Gentic Ma pping، ومعرفة ترتيب المعلومات الوراثية الكاملة عند الإنسان من خلال تحديد نوع وتسلسل الجينات الموجودة في الحقيبة الوراثية (الجينوم)3.

ويؤكّد هذا الاكتشاف أهمّية إجراء الفحوص المخبرية اللازمة قبل الزواج من أجل الاسترشاد الوراثيّ الوقائيّ. وقد أُعطي الإنسان أيضاً القدرة على التدخّل عن طريق الجينات لتحديد جنس المولود ذكراً أو أنثى، أو العبث وإيجاد التشوّهات الخلقية، أو جعل الإنسان أكثر شبهاً لأمّه أو أبيه... إلخ.

كما يُشكّل هذا الاكتشاف الخطوة الأولى على طريق إعطاء الإنسان قدرة أكبر على التحكّم في الحدّ من الأمراض ذات الصلة بالناحية الوراثية من حيث قابلية الإصابة بها، ولكن ما زالت الطريق طويلة في هذا السياق وتحتاج إلى الكثير من الأبحاث وتراكم الجهود البشرية.

وقد زرعت يد الله تعالى هذا القانون الوراثيّ الطبيعيّ كميزة وجودية في الكائنات الحيّة لضمان الحفاظ على وحدة الصور النوعية لها، ونقل الصفات والخصائص البيولوجية (كلون البشرة والعينين والشعر، وفصيلة الدم، وشكل الجسد...). كما يسمح هذا القانون الوراثيّ بنقل الأمراض القابلة للانتقال، من الأصل إلى الفرع.

والبحث عن فقه تطبيقات علم الوراثة له مجال واسع في الدراسات الفقهية المعاصرة، مثل تحديد النسب، وتحديد جنس المولود، وتحديد التشوّهات الخلقية المجوّزة للإجهاض، والاستنساخ...

رأي العلماء المسلمين في قانون الوراثة بيولوجياً
من المسائل الثابتة في البحث البيولوجيّ، أنّ الإنسان يورّث الخصائص الجسمانية لذريّته. ولا ريب عند أحد من العلماء المسلمين في صحّة وبداهة قانون الوراثة الطبيعيّ فيما يتعلّق بنقل الخصائص والصفات الجسمانية من الآباء والأجداد للأبناء والأحفاد، مؤكّدين أنّ هذا ما كشفت عنه الأحاديث النبوية، خصوصاً الوارد فيها لفظ: "العرق"، منها:

عن أبي جعفر عليه السلام، قال: "أتى رجل من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: هذه ابنة عمّي وامرأتي، لا أعلم منها إلا خيراً، وقد أتتني بولد شديد السواد، منتشر المنخرين جعد قطط4، أفطس الأنف، لا أعرف شبهه في أخوالي ولا في أجدادي.

فقال-النبي صلى الله عليه وآله وسلم- لامرأته: ما تقولين؟

قالت: لا والذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما أقعدت مقعده منّي - منذ ملكني - أحداً غيره.

قال الإمام الباقر عليه السلام -: فنكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأسه مليّاً، ثم رفع بصره إلى السماء، ثم أقبل على الرجل فقال: يا هذا، إنّه ليس من أحد إلا بينه وبين آدم تسعة وتسعون عرقاً كلّها تضرب في النسب، فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العروقوتسأل الله الشبه لها. فهذا من تلك العروق التي لم تُدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك.

خذي إليك ابنك. فقالت المرأة: فرّجت عنّي يا رسول الله"5.

وهناك عدّة روايات قريبة المعنى من هذه الرواية6.

ومنها: ما ورد في الحثّ على حسن اختيار الزوجة، كقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "تخيّروا لنطفكم، فإنّ العرق دسّاس"7، حيث اعتبر بعض العلماء أنّ هذا الحديث يُسلّط الضوء على قانون الوراثة بشكل صريح باعتبار الترادف بين العرق والوراثة8. ومعنى العرق معروف، وهو أيضاً في اللغة أصل كلّ شيء وما يقوم عليه9، ودسّاس من الدسّ أي أدخل الشيء في الشيء بخفاء، ومفاد الحديث أنّ هناك خصائص معيّنة تنتقل بالنسب من الأصل وتدخل إلى الفرع.

رأي العلماء المسلمين في قانون الوراثة ذهنيّاً ونفسيّاً وسلوكيّاً
لكن يبقى السؤال: هل تشمل الوراثة انتقال الخصائص غير الجسمانية إلى الذرّية، كالخصائص الذهنية والصفات النفسية... إلخ؟ وعلى فرض انتقالها هل يُمكن للإنسان بإرادته الحرّة واختياره نقض قانون الوراثة الطبيعيّ؟

نُشير في البداية إلى مقدّمة منهجية في هذا السياق، وهي أنّ العلاقة بين جسد الإنسان وروحه هي علاقة الاتّحاد التفاعليّ، بمعنى أنّ روح الإنسان تؤثّر في بدنه، والخصائص البدنية للإنسان تؤثّر في روحه، وهذا يعني أنّ الإنسان الذي تكون له خصائص وصفات جسمانية معيّنة ستؤثّر على صفاته الذهنية والنفسية، فمثلاً إنّ بعض الغدد إذا أفرزت كمّية أكثر من المعتاد يؤدّي ذلك إلى سرعة الغضب عند الإنسان، وإذا أفرزت بكمّية أقلّ من المعدل الطبيعيّ يُلاحظ على الإنسان الارتخاء.

ويكشف لنا التطوّر العلميّ يوماً بعد يوم إمكانية السيطرة على مثل هذه الحالات في مرحلة ما من حياة الإنسان، فمثلاً إنّ مرض phenylketonuria الذي تنتج عنه أعراض التخلّف العقلي، هو قابل للتوارث، ولكن إذا تمّ اكتشاف المرض عن طريق الفحوصات المطلوبة في وقت مبكر كأن يكون قبل دخول الطفل في الشهر الثالث من عمره مثلاً، فإنّه يُمكن تجنّب تلك الأعراض بدرجة كبيرة، من خلال تجنّب تناول الأطعمة التي تحتوي على بروتينات خاصة تزيد من تراكم المادة الضارّة، والمتسبّبة في إحداث المرض نتيجة تأثيرها على خلايا المخ. وقد أظهرت متابعة العديد من الحالات نجاحاً كبيراً، وتقدّماً ملحوظاً في النموّ العقليّ، حتّى يكاد يصبح الطفل طبيعياً في سنّ الخامسة من عمره تقريباً10.

ونضرب مثالاً آخر في هذا السياق، وهو مرض ويلسون Wilson’s disease، وهو أحد الأمراض الوراثية العائد إلى اضطراب في التمثيل الغذائيّ للنحاس، بحيث يؤدّي تراكم النواتج الضارة للنحاس إلى تلف خلايا الجهاز العصبيّ، وأصبح من الممكن التحكّم بهذا المرض من خلال تناول عقار البنيسيلامين penicillamine.

وهناك أمثلة كثيرة لا تُحصى في العلاقة بين تصرّفات الإنسان وسلوكه وبين حالته الجسدية، وبعض هذه الخصائص الجسدية تنتقل إليه بالوراثة، وهذا ممّا لا شك فيه11.

وبالعودة إلى السؤال، صرّح العديد من العلماء المسلمين بهذا الخصوص بالإيجاب، معتبراً أنّ هناك خصائص ذهنية كالذكاء أو التبلّد والحمق...، ونفسية كالكرم والشجاعة وسوء الخلق...، تنتقل من الأصل إلى الفرع بالوراثة12. يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: "إنّ الآباء والأمّهات ينقلون قسماً من صفاتهم الجسمية والروحية إلى أبنائهم حسب قانون الوراثة الطبيعيّ"13.

ويقول الشيخ جعفر السبحاني: "إنّ الأولاد كما يرثون أموال الآباء وثرواتهم، يرثون أوصافهم الظاهرية والباطنية، فترى أنّ الولد يُشبه الأب أو العم، أو الأُم أو الخال... وعلى ذلك فالروحيات الصالحة أو الطالحة تنتقل من طريق الوراثة إلى الأولاد، فنرى ولد الشجاع شجاعاً، وولد الجبان جباناً إلى غير ذلك من الأوصاف الجسمانية والروحانية"14.

وواحدة من استدلالاتهم على ذلك نفس العبارة السابقة: "العرق دسّاس" أو "العرق نزاع"، مع إضافة روايات أخرى في هذا المجال، منها: عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "تزوّجوا في الحجز الصالح، فإنّ العرق دسّاس"15، والحجز هو الأصل والمنبت16, وبقرينة العرق دسّاس لا يكون المقصود بالحجز الصالح الصلاح بلحاظ البيئة، بل بلحاظ الوراثة، وهذا يعني أنّ الطفل يحمل من خصائص أمّه وأبيه الذهنية والنفسية والأخلاقية.

ومنها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "انظر في أيّ شيء تضع ولدك فإنّ العرق دسّاس"17. وقد عقّب الإمام الخمينيّ قدس سره على هذا الحديث بقوله: "والمراد من الدسّاس أنّ أخلاق الآباء تصل إلى الأبناء"18، مضيفاً في هذا السياق الحديث الوارد عن الإمام عليه عليه السلام: "حسن الأخلاق برهان كرم الأعراق"19.

ومنها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "تخيّروا لنطفكم، فإنّ النساء يلدن أشباه إخوانهنّ وأخواتهنّ"20. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "استجيدوا الخال فإنّ العرق دسّاس"21.

وعنه: "اختاروا لنطفكم، فإنّ الخال أحد الضجيعين"22. وذلك لأنّ الولد يكسب من صفات أخواله وأخلاقهم بالوراثة. قال العلامة محمد باقر المجلسي معلِّقاً: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحد الضجيعين"، لعلّ المراد بيان مدخلية الخال في مشابهة الولد في أخلاقه، فكأنّ الخال ضجيع الرجل لمدخليّته فيما تولد منه عند المضاجعة من الولد..."23.

ومن الأدلّة على ذلك أيضاً، ما روي أنّ الإمام علياً عليه السلام حين قال لأخيه عقيل وكان نسّابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم: "انظر إلى امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب، لأتزوّجها، فتلد لي غلاماً فارساً. فقال له عقيل: تزوّج أم البنين الكلابية، فإنّهليس في العرب أشجع من آبائها. فتزوّجها الإمام علي"24، فأنجبت له أبا الفضل العبّاس الذي دافع عن أخيه الحسين عليه السلام في كربلاء بشجاعة حتى استشهد دونه.

وعن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "... ولا تُساكنوا الخوز، ولا تزوّجوا إليهم، فإنّ لهم عرقاً يدعوهم إلى غير الوفاء"25.

وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "لا تناكحوا الزنج والخزر، فإنّ لهم أرحاماً تدلّ على غير الوفاء"26.

وقد ذهب بعضهم أبعد من ذلك في قانون الوراثة، فمثلاً يرى الشيخ باقر شريف القرشي أنّ قانون الوراثة يشمل نقل الكفر والإلحاد من الآباء إلى الأبناء، مستشهداً على ذلك بقوله تعالى: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارً27، حيث يقول: "فالآية دلّت بوضوح على انتقال الكفر والإلحاد بالوراثة من الآباء إلى الأبناء"28.

تحديد الموقف من المسألة
لا ريب في أنّ لبعض الخصائص البدنية والأمراض الجسمية دوراً في الحالات الذهنية والصفات النفسية للإنسان كما أثبتت الأبحاث التجريبية والعلمية. وتقدّمت بعض الأمثلة سابقاً.

وانتقال تلك الخصائص والأمراض الجسمية بالوراثة للأبناء سيلعب دوراً في منحهم الحالات الناتجة عنها تبعاً لها.

كما أنّه لا ريب في أنّ صفات الآباء والأمّهات تلعب دوراً مؤثّراً في تكوين استعدادات خاصّة عند الطفل تجعله أقرب إلى بعض الصفات منها إلى صفات أخرى29. وهذا واضح في الروايات، وسيظهر خلال مسار الدروس اللاحقة. فإذا كان المقصود بمؤثّرية قانون الوراثة في الخصائص الذهنية والصفات النفسية والروحية للطفل هو إيجاد مثل هذه الأرضية الخاصة التي تجعل الطفل أكثر استعداداً للسير في اتّجاه معيّن فهو أمر مسلّم، ولكن إن كان المقصود هو انتقال الخصائص والصفات نفسها أي الكرم والشجاعة مثلاً بالوراثة من الآباء والأمهات إلى شخصية الطفل، فهذا ممّا يُمكن المناقشة فيه من جهة أنّ الطفل يولد خالي النفس من كلّ معرفة أو ملكة أخلاقية أو مهارية سلوكية، ثم يبدأ باكتساب المعارف بالتدريج، فما يكون مجهّزاً به بأصل الخلقة هو الاستعداد والقابلية دون نفس المعارف، وبذلك تخرج المعرفة، أمّا الملكات النفسانية الأخلاقية - والأثر المطلوب الناتج عنها - فهي عبارة عن كيفيات وصفات بطيئة الزوال تحصل نتيجة الممارسة المتراكمة لها حتى ترسخ في النفس، فيصدر عنها الفعل مناسباً لها، فتحتاج إلى الدربة والعادة والبيئة الحاضنة لنموّها، فالموروث هو الاستعداد الخاص دون نفس الصفات بما هي صفات، والاستعداد الخاص الموروث لا ينمو تلقائياً بل يتفتّح بالتربية والبيئة الحاضنة.

لذا يعتقد بعض العلماء بعدم وجود دليل على انتقال الصفات المكتسبة من الآباء والأمّهات إلى الأبناء، بل قام الدليلُ على العدم، يقول السيد محمد باقر الصدر في هذا السياق: "إنّ الصفات المكتسبة لا توّرث"30.

ولتوضيح هذه النقطة لا بد من بعض التفصيل، فبعد اتفاق العلماء البيولوجيين على أنّ الصفات غير المكتسبة تنتقل بالوراثة، وقع الخلاف بينهم في أنّ الصفات المكتسبة هل تورّث أم لا؟

وقد أجاب البعض أمثال جان بابست لامارك أنّ الصفات الجسمانية التي تحصل أثناء فترة حياة الكائن الحيّ تنتقل إلى نسله بالوارثة، وكذلك هو رأي تشارلز داروين. ولكن أبحاث علم الوراثة الحديث ترفض هذه النظرية. إلا أنّه ليست هذه النقطة هي موضع البحث، بل هي هل تنتقل الصفات الذهنية والخصائص النفسية المكتسبة بالإرادة من قِبَل الآباء والأمّهات إلى الأبناء؟

في الحقيقة، لا يوجد أيّ دليل علميّ تجريبيّ ولا وحيانيّ (قرآنيّ - روائيّ) على الانتقال الوراثيّ للخصائص النفسية المكتسبة بالإرادة من الآباء والأمّهات إلى الأبناء كما هي أي كصفات محصّلة بالاختيار، كما يدّعي بعض علماء النفس والاجتماع والأخلاق من أنّ الطفل يولد مجهّزاً بمجموعة صفات ناشئة من الوراثة كالخوف المفرط أو الميل إلى الاعتداء تعجز كلّ وسائل التربية والبيئة عن تغييرها، وكذلك الدليل التجريبيّ والوحيانيّ يُناقض الرأي المقابل الذي يعتقد أنّه لا دور للوارثة في بناء هويّة الطفل أبداً، وأنّه صنيعة التربية فقط.

لكلٍّ من الوراثة والبيئة دورها
أمام هذين الرأيين، يُمكن أن نختار رأياً ثالثاً وسطياً، يُعطي كلّ ذي حقٍّ حقّه منهما ومن البيئة، فالوراثة لها دور واضح كما ورد في الأحاديث السابقة، والبيئة لها دور أيضاً، وكذلك التربية

لها دور، مضافاً إلى دور الإرادة الحرّة للإنسان نفسه، فإنْ كان المقصود بانتقال الصفات من الآباء إلى الأبناء، هو انتقال الصفات التي حصّلها الآباء بالإرادة الحرّة والاكتساب إلى الأبناء كما هي فهو أمر لا شاهد عليه، وإنْ كان المراد أنّ خصائص الأب أو الأم توجِد استعداداً خاصّاً وقابلية معيّنة عند الطفل للنمو تجعله يسير باتّجاه ما يُشابه الأب أو الأم فهو أمر تؤكّده النصوص الروائية المتقدّمة. مع الإشارة إلى أمرين مهمّين، وهما: أنّ الموروث أي الاستعداد الخاص لا ينمو تلقائياً بل يتفتّح بالتربية والبيئة الحاضنة، أولاً. وثانياً، إذا كانت الفطرة التوحيدية السليمة التي هي من أشدّ الاستعدادات الخاصة التي جُبلت عليها نفس الطفل قابلة لأن تُدفن وتُدس بسبب مؤثّرات التربية والبيئة وطبيعة الاستجابة الشخصية، فبالأولوية القطعية يكون هذا هو حال الاستعدادات الوراثية.

بين الوراثة والبيئة والتربية
وبهذا يتّضح أنّه يُمكن توجيه شخصيّة الطفل باتّجاه مغاير لما هو مكوّن عليه من استعداد خاصّ منقول إليه بالوراثة.

ولكن، كما وجد في البيئة اتّجاه حتميّ، كذلك نُلاحظ في الوراثة وجود اتّجاه حتميّ، إلى درجة اعتبر بعض العلماء مثلاً أنّ الخصائص العقلية للطفل مثل الذكاء تعود إلى عوامل وراثية
في الأغلب31، كما في دراسة هرندون (Herndon) سنة1954م، حيث أثبت أنّ دور الوراثة في تحديد الذكاء يتراوح بين (50 %-75 %)، وكذلك دراسة بيركز (Berkes)، ودراسة آثر جنسن (Jensen) الذي يعتبر أن حوالي (80 %) من الاختلافات بين الناس في الذكاء يُمكن تفسيرها بالفروق الوراثية المباشرة بين هؤلاء الناس.

وقد اتّضحت مناقشة هذا الرأي ممّا تقدّم سابقاً في نقد نظرية العامل الواحد في تفسير خصائص وصفات الطفل، لأنّ هناك مجموعة عوامل وعناصر تتداخل وتتفاعل فيما بينها لتُشكّل هوية الطفل، منها البيئة - وقد أُجري العديد من التجارب المعاكسة في هذا المجال، كالأبحاث التي أجراها جيزل ولورد والدراسة التي قام بها كيفر حول تأثير البيئة في الذكاء32-، وأهمّها التربية، فضلاً عن التفاعلات الداخلية لنفس المتربّي كعنصر إضافيّ إلى عاملي التربية والبيئة، "فثمّة مؤمنون ولدوا لآباء غير مؤمنين، وآخرون مفسدون وأشرار ولدوا لآباء من المتّقين الأخيار، ناقضين قانون الوراثة بإرادتهم واختيارهم"33.

هل كلّ الاستعدادات الموروثة قابلة للتغيير؟
يُمكن تقسيم الاستعدادات الموروثة إلى قسمين:

أولاً: استعدادات لها طبيعة بيولوجية إمّا محضة وإمّا تنعكس على الخصائص الذهنية كقلة الذكاء أو البلادة والحمق أو التخلّف العقليّ... كما تقدّم في بعض الأمثلة. واتّضح أنّه كلّما تقدّم التطوّر العلميّ عند الإنسان كان لديه قدرة أكبر على التحكّم بها. ولكن يبقى الكلام في عدم وفرة هذه الفرص عملياً بنحو يستطيعه كلّ الناس وفي أيّ دولة كانت، لذا ستبقى هذه الاستعدادات غير قابلة للتغيير.

ثانياً: استعدادات قابلة للتغيير والتعديل، بسهولة أو بصعوبة.

يقول الشيخ جعفر السبحاني في هذا السياق-بغض النظر عن المناقشة في بعضّ الأمثلة التي ذكرها -: "... أمّا الوراثة فهي ناموس مقبول في الجملة، ولكن لا يعلم حدودها سعة وضيقاً، فلا شك أنّ الأولاد يرثون الصفات الخلقية والروحية على وجه الإجمال، ولكن ما يتركه الآباء والأمهات في هذا المجال ينقسم إلى نوعين:

الأولما يفرض على الأولاد فرضاً لا يُمكن إزالته مثل الحمق، والبلادة، والعقل والذكاء، والجبن والشجاعة وغير ذلك ممّا لا يُمكن إزالته في الأغلب بالجهود التربوية والإصلاحية.

الثانيما يرثه الأولاد على وجه الأرضية والاقتضاء، وبصورة تأثير العلّة الناقصة، فيُمكن إزالة آثاره بالوسائل التربوية والطرق العلمية وذلك كالأمراض الموروثة كالسلّ وغيره، ومثل هذا القسم طائفة كبيرة من الروحيات كحالة الطغيان والتمرّد فإنّه يُمكن إزالتها برفع مستوى فكر الإنسان وعقليّته، وإيقافه على عواقب العصيان. فليس كل ما يرثه الأولاد من الآباء والأمّهات مصيراً لازماً وقضاء حتماً، بل هناك فوق بعض ذلك إرادة الإنسان واختياره وسائر العوامل التربوية المغيّرة لأرضية الوراثة"34.

فقابلية صفة ما للتوارث، ويطلق عليه بالمصطلح العلميّ Heritability، لا تعني عدم قابلية التغيّر، بل الصفات الوراثية لديها القابلية للتغيّر، ويصطلح عليه Variability.

* المنهج الجديد في تربية الطفل، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- معجم مقاييس اللغة، ج6، ص105.
2-
التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج13، ص77.
3-
ونوضح هذه الفكرة بشكل مختصر، يتركّب جسم كلّ كائن حيّ كالإنسان من مجموعة أجزاء صغيرة جداً يُطلق عليها اسم الخلايا الحيّة. وتحتوي كلّ خلية على نواة في داخلها، وفي
داخل النواة أجزاء تُسمّى: الكروموسومات chromosomeالصبغيات - وهي شريط من الحمض النوويّ DNA، يحتوي على الجينات gene. ومن هاتين الكلمتين تمّ اشتقاق مصطلح الجينوم genome، فهو يجمع بين gen وهي الأحرف الثلاثة الأولى لكلمة جين، والجزء الثاني هو الأحرف الثلاثة الأخيرة من كلمة كروموسوم وهي ome. والدلالة العلمية
لمصطلح الجينوم البشريّ: الخريطة الجينية البشرية أو الخريطة الوراثية أو الحقيبة الوراثية البشرية الموجودة داخل نواة الخلية، والتي تحمل الصفات والخصائص الوراثية للإنسان.
وعدد الكروموسومات في كل خلية 46، تحتوي الخلية التناسلية على نصف هذا العدد 23، وعندما يلتقي الحيوان المنويّ مع البويضة يُصبح العدد 46، أي أنّ نصفه يأتي من الأم، والنصف الآخر من الأب، وبالمقدار الذي تكون الصفات الوراثية بارزة في كروموسومات أيٍّ منهما يأتي الشبه للأب أو الأم.
4-
جعد قطط: أي شعره شديد الجعودة.
5-
الكافي، ج5، ص562.
6-
أنظر: جامع أحاديث الشيعة، ج21، ص327- 328.
7-
السرائر، ج2، ص559. والمحجة البيضاء، ج3، ص93.
8-
فلسفي، محمد تقي، الطفل بين الوراثة والتربية، ج1، ص61. والجواهري، حسن، بحوث في الفقه المعاصر، ج3، ص162.
9-
تاج العروس، ج13، ص324.
10-
يراجع: عبد القوي، سامي، علم النفس البيولوجي، الفصل الخامس، مكتبة النهضة المصرية، 1997م.
11-
يراجع: النظرة القرآنية للمجتمع والتاريخ، ص206-207.
12-
يراجع مثلاً: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج3، ص126. والسبحاني، جعفر، أضواء على عقائد الشيعة الإمامية، ص115. والأبطحي، علي، الإمام الحسين في أحاديث الفريقين من الولادة إلى ما بعد الشهادة، ج2، ص5. والفياض، محمد إسحاق، منهاج الصالحين، ج3، ص41. والشيرازي، محمد الحسيني، الفقه البيئة، ص16. وعون المعبود شرح سنن أبي داود، محمد شمس الحق العظيم آبادي، ج10، ص359.
13-
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج3، ص126.
14-
السبحاني، جعفر، عصمة الأنبياء في القرآن الكريم، ص33.
15-
مكارم الأخلاق، ص197.
16-
لسان العرب، ج5، ص332.
17-
الهندي، علي المتقي، كنز العمال، ج15، ص855.
18-
السبحاني، جعفر، لب الأثر في الجبر والقدر تقريراً لمحاضرات الإمام الخميني قدس سره، ص120.
19-
عيون الحكم والمواعظ، ص228.
20-
الجامع الصغير، ج1، ص503، ح3269.
21-
ابن الأثير، المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، ج2، ص117.
22-
الكافي، ج5، ص332.
23-
المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج20، ص22.
24-
ابن عنبة، أحمد بن علي، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص357. والأمين، محسن، أعيان الشيعة، ج7، ص429.
25-
علل الشرائع، ج2، ص393.
26-
الكليني، الكافي، ج5، ص352.
27-
سورة نوح، الآيتان 26-27.
28-
القرشي، باقر شريف، حياة الإمام الحسين بن علي، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، ط1، 1398هـ- 1974م، ج1، ص43.
29-
يراجع: لب الأثر في الجبر والقدر، ص114.
30-
فلسفتنا، ص312-315.
31-
أنظر: ناصف، مصطفى، الوراثة والإنسان أساسيات الوراثة البشرية والطبية، سلسلة عالم المعرفة، العدد 100، ص135.
32-
يراجع: فؤاد البهي السيد، الذكاء، ص 30-36. ومرسي، شفيق علاونة، سيكولوجية التطور الإنساني من الطفولة إلى الرشد، ص 190. وكمال إبراهيم، البيئة والوراثة وأثرها في الانحرافات النفسية والسلوكية، ص 223-252.
33-
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج4، ص396.
34-
السبحاني، جعفر، الإلهيات، ج1، ص662.

 

توفي الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية - القيادة العامة" أحمد جبريل، اليوم الأربعاء 7 يوليو 2021، متأثرا بحالته الصحية في أحد مشافي العاصمة السورية دمشق.

لكن من هو أحمد جبريل.. إليكم هذه النبذة عن حياة ونضال أحمد جبريل:

أحمد جبريل

سياسي فلسطيني حاصل على الجنسية السورية، وهو مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة وزعيمها منذ إنشائها عام 1968.

المولد والنشأة

ولد أحمد جبريل عام 1938 في قرية يازور بضواحي مدينة يافا، لأب فلسطيني وأم سورية، ثم هاجر مع عائلته إلى سوريا عام 1948 حيث استقر في مدينة القنيطرة عند أخواله.. متزوج وله أربعة أولاد وأربع بنات، ويلقب بـ "أبو جهاد".

الدراسة والتكوين

إثر حصوله على شهادة الثانوية العامة في التخصص العلمي في دمشق عام 1956، انتقل إلى القاهرة والتحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1959، لذلك يعتبر أحمد جبريل من القيادات الفلسطينية القليلة التي تلقت تكوينا عسكريا أكاديميا.

التوجهات الفكرية

يحسب أحمد جبريل على التيار القومي، ويؤمن بالكفاح المسلح لتحرير فلسطين.

الوظائف والمسؤوليات

إثر تخرجه في الكلية الحربية بمصر، التحق بالعمل ضابطا في سلاح الهندسة بالجيش السوري، لكونه حاصلا على الجنسية السورية، لكنه سرعان ما سرح منه عام 1963.

التجربة السياسية

خلال دراسته في مصر احتك بالاتحاد العام للطلبة الفلسطينيين، حيث بدأت تتبلور فكرة الكفاح المسلح لتحرير فلسطين.

أسس جبهة التحرير الفلسطينية عام 1959 تيمنا بجبهة التحرير الجزائرية التي تأثر بها، قبل أن يندمج مع عدة تيارات قومية ويسارية ويؤسسوا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تولى قيادتها جورج حبش فيما تولى جبريل قيادة جناحها العسكري.

غير أنه انفصل عن جبهة جورج حبش ليؤسس عام 1968 فصيله الخاص "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة" التي أصبحت تقوم بعمليات نوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

كما برع تنظيمه في اختطاف الجنود الإسرائيليين ومبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل، على غرار عملية الجليل التي بادل خلالها عام 1985 ثلاثة جنود إسرائيليين بـ1150 أسيرا لدى إسرائيل، منهم الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس.

يعتبر الكيان الإسرائيلي أحمد جبريل من ألد أعدائها، وقد حاولت اختطافه واغتياله عدة مرات، لكن الإخفاق لازمها في جميع تلك المحاولات.

وقد اغتيل ابنه جهاد جبريل عام 2002 في لبنان في انفجار اتهمت إسرائيل بتدبيره.

عارض جبريل التسوية السياسية مع الكيان الإسرائيلي وكان من مناهضي اتفاقية أوسلو.

جبريل وقضية الإمام موسى الصدر:

وكان جبريل قد تحدث لقناة الميادين عن قضية الإمام المغيب موسى الصدر بأعتباره مقربا من القذافي وكان حاضرا في الاحتفال الذي اختفى بعده الإمام.

وتحدث جبريل عن إحتمالات لمصير الإمام الصدر كونه لا يملك معلومات منها أن يكون عرفات متورطا في اختفائه لأن ياسر عرفات حسب تحليل جبريل كان يهدف إلى قطع يد القذافي من لبنان لأن ليبيا كانت قد بدأت تدعم بعض الفصائل الفلسطنيية في لبنان.

واضاف جبريل أن عرفات كان على علاقة وطيدة مع شاه إيران، وأن خالد الحسن كان هو صلة الوصل بين عرفات وشاه إيران.

ووضع جبريل احتمالين اخرين الأول أن يكون حرس القذافي قام بذلك بسبب شجار حصل بين القذافي والصدر على الاحاديث النبوية والثاني أن يكون صبري البنا فعل ذلك بطلب من العراق.

موقفه من العدوان على اليمن

وكان الراحل أحمد جبريل قد أرسل في مايو المنصرم برقية وفاء وتقدير لقائد حركة أنصارالله السيد اليمنية "عبدالملك بدرالدين الحوثي" وللشعب اليمني "العظيم".

وأشاد جبريل في برقيته بعمق الإيثار لدى السيد القائد ولدى الشعب اليمني قائلا: “لقد ضربتم مثلا عميقا في الإيثار ومعكم الشعب اليمني العظيم”، لافتا إلى أنه برغم حصار التجويع المفروض على الشعب اليمني إلا أنكم أعلنتم عن تقاسم رغيف الخبز مع شعبنا الفلسطيني.

وأوضح أن: الحرب التي يخوضها الشعب اليمني المظلوم ليست إلا ضريبة لمواقفه المشرفة من قضايا الأمة وفي طليعتها فلسطين، معتبرا انتصار اليمنيين في هذه الحرب نصرا لفلسطين.

وقال: كلنا ثقة أن ساعة النصر الكبير باتت أقرب.

المصدر:العالم

المعروف هو بذل الإحسان الماديّ والمعنويّ، والسعي لتعميمه بين الناس. هذا وقد وردت أحاديث كثيرة عن فضل المعروف وأهله الذين يعبّرون عن حقيقة الخُلق الإنساني والإسلامي الرفيع، عندما يفيضون على الواقع الاجتماعي والسياسي والفكري والحياتي والأخلاقي كلّ خير يثبّته ويعزّزه ويقوّي أسسه وروابطه.

يقول الباري عزّوجلّ في كتابه العزيز: (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (الرحمن/ 60)، فعبّر عن المعروف بالإحسان، بأن يحسن المرء إلى الغير بما يبرز طهارته وصفاءه. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «أهل المعروف في الدُّنيا أهل المعروف في الآخرة، قيل: يا رسول الله، وكيف ذلك؟ قال: يغفر لهم بالتطوّل منه عليهم، ويدفعون حسناتهم إلى النّاس فيدخلون بها الجنّة، فيكونون أهل المعروف في الدّنيا والآخرة». وعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام): «إنّ الله يقول للفقراء يوم القيامة: انظروا وتصفّحوا وجوه الناس، فمن أتى إليكم معروفاً، فخذوا بيده وأدخلوه الجنّة».

ينطلق المعروف في الحياة ليؤكّد مدى الارتباط بالله تعالى، والسّعي العملي لبلوغ القرب منه، بالعمل الذي يمنح الحياة قيمةً، ويغنيها بصنوف الإحسان، إن كان هذا المعروف خالصاً لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته. والمعروف عند الله له أجر عظيم وفضل كبير، فقد جاء عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): «ابذل معروفك للنّاس كافّة، فإنّ فضيلة المعروف لا يعدلها عند الله سبحانه شيء». والمعروف له تبعاته الطيّبة على صاحبه، فهو من المحفّزات التي تهذّب النفس وتربيها على فعل الخير وحبّ الناس والمنفعة لهم، ويبتعد به عن كلّ انغلاق وضيق أفق وصدر، كما ويربي المشاعر على الصّفاء والطهارة وحسّ الشعور بالآخرين. ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «اصطنع الخير إلى أهله وإلى من ليس أهله، فإن لم تصب من هو أهله، فأنت أهله».

كما ويعطي المعروف سعة أفق للإنسان، عندما يخرج من دائرة التّفكير الذاتيّة والخاصّة المحدودة، لينطلق إلى الدّائرة الاجتماعيّة الأوسع، فيشارك بكلّ همّة وإخلاص في أعمال الإحسان والمعروف والبرّ للآخرين، ويسدي لهم كلّ معونة مادية ومعنوية، عبر الكلم الطيّب النافع الذي يهدّئ النّفوس، ويقلع منها الأحقاد والعصبيّات، ويزرع المحبّة والرحمة في ربوع الحياة.

والسؤال الكبير: هل نحن فعلاً ممن ينطلقون لتكريس قيمة المعروف وتعميمها؟

إنّ المجتمع ينتظر من أبنائه أن يكونوا صناّع المعروف، يبحثون عن كلّ الطرق التي تؤكّد المعروف في ساحات الواقع المختلفة، في ظلّ الأجواء المحتقنة والملبّدة اجتماعياً ونفسياً وفكرياً، حتى يشعر الناس اليوم بأنّ هناك من يسأل عنهم من أهل المعروف الذي لا يموت، ما دام هناك من يؤمن بالله ويعمل صالحاً، ويعرف أهميّة بذل المعروف وصنعه بين النّاس.

 

الحجّ بما هو عبادة وفريضة على الناس يهدف فيما يهدف إليه إلى تأكيد حقيقة الإيمان بالله تعالى في قلوب عباده وتجديد لحركة المشاعر في النفوس لجهة معايشة هذا الإيمان وتعميقه في القلوب وتركيزه في العقول.

ومن انعكاسات هذا التأكيد والتجسيد تعزيز روح الأُمّة في اجتماعها ووحدتها، وترسيخ معاني المحبّة والرحمة والأخوّة بين أفرادها ومذاهبها وطوائفها، والسعي إلى إصلاح ذات البين والتعاون على رفض الفتن والعصبيات والإثم والعدوان والبغث.

والحجّ يعلِّم الناس أن يتلاقوا وينتفعوا من كلّ الغِنى والتنوّع الذي أودعه الله تعالى في الأُمّة، وأن يتعالوا على كلّ الفروقات والحواجز بينهم، والتي تعقّد حياتهم، فإذا ساروا في خطّ الإيمان فلن يكون لأي فروقات من معنى واعتبار. وعندما يجتمع الناس في الحجّ يجب أن تسقط كلّ الحواجز المادّية والنفسية التي تضعها الفواصل العرقية واللونية والقومية بين الناس، ليلقوا على صعيد واحد هو الإيمان بالله والسير على نهجه والالتزام بدينه والجهاد في سبيله طلباً لرضاه، ممّا يوفّر لهم الخروج من الدوائر الضيِّقة التي يحبسون حياتهم فيها لينطلقوا إلى الدائرة الكبيرة التي تحتويهم جميعاً، والتي تؤسّس لقضاياهم الإسلامية وارتباطها بالهدف الكبير الذي يتحرّك فيه الإسلام في الحياة.

فالحجّ إلزام إلهيّ للمؤمنين المخلصين بما عاهدوا عليه الله من الانقياد لطاعته والانتفاع من اجتماعهم بما يقوّي وحدتهم ويؤسّس لعلاقات وروابط جديدة على مستوى التعاون والتعارف والتشاور في حل مشاكلهم، فتتحوّل النداءات في طقوس الحجّ إلى امتثالات والتزامات تنعكس بتجلياتها على الواقع برمّته، لتضخّ به الحياة في عروق المجتمع لتبعده عن الرتابة.

يقول تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) (الحجّ/ 27)، وأعلن ذلك في نداءاتك كتشريع تقرره، لا مجرّد صوت تطلقه ليشعروا من خلال ذلك بأنّ هناك إلزاماً إلهيّاً يدفعهم إلى الامتثال ويقودهم إلى الطاعة يأتوك سائرين على أقدامهم أو على بعير مهزول من شدّة التعب من أي طريق بعيد ليحصلوا على منافع الحجّ الدنيوية التي يحقّقها لهم اجتماعهم على مستوى التعارف والتبادل والتعاون والتشاور في حلّ المشاكل التي يعيشونها.

إنّ كلمة (لبيك) تعني إنّنا ـ يا رب ـ نلتزم في موقفنا هذا بكل نداءاتك بالإسلام كلّه، في عباداته وفي أخلاقه وفي جهاده، وفي سياسته واقتصاده، وفي مواجهة كلّ التحدّيات التي يواجهها الإنسان من الشيطان الداخلي في عمق نفسه أو من الشيطان الخارجي في عمق واقعه وفيما يحيط بحياته.

إنّها الحركة الصارخة في النداء الذي تنطلق به كلّ حناجر الحجّاج لتؤكّد موقفهم الذي يريد أن يلتزم بالإسلام من جديد، في مسيرتهم إلى مركز الدعوة الإسلامية في مكّة، لتكون مسيرة الحجّاج من سائر أقطار العالم هي مسيرة الإسلام التي تقول ـ من خلال تلك الكلمات الخاضعة الهادرة ـ يا رب إذا كان الناس قد تركوا الإسلام فلم يؤمنوا به ولم يرتبطوا به، وإذا كان المسلمون قد انحرفوا عن خطّه وتركوا الكثير من تعاليمه وانتموا إلى الاتجاهات الأُخرى التي تختلف عن خطّه المستقيم.

إذا كان الواقع هو ذلك، فها نحن قادمون إلى بيتك المحرّم لنقول من كلّ قلوبنا ومن كلّ عقولنا ومن كلّ مواقعنا ومواقفنا وتطلّعاتنا «لبيك اللّهُمّ لبيك» فقد جعلت الإسلام لنا بكلّ عمقه وامتداده رسالة الحياة، ونحن نريد أن ننطلق إلى الحياة من خلاله. ولا يمكن للإيمان أن يتأكد أن يخرج إلى العلن فعلاً وممارسة إلّا إذا خرج من دائرة الاستغراق بالغيب في حالة وجدانية ملتهبة معزولة عن إدارة وتحريك شؤون الحياة بما ينفع الفرد والجماعة، وهنا تأخذ العلاقة بالله أبعاداً أصيلة ومعيوشة.

وفي جولة في آفاق الحجّ وما يتصل بذلك، فإنّ القيمة الكبرى للعبادات الإسلامية أنّها لا تمثّل مجرّد حالة وجدانية ذاتية غارقة في ضباب المحبّة وغيبوبة الخشوع ليبقى الإنسان بعيداً عن حركة الحياة عندما يقف بين يدي الله، بل هو تعبير عن الخطّ الإسلامي العملي في علاقة العبد بربّه، حيث يلتقي الجانب الروحي بالحياة في أوسع مجالاتها وأرحب آفاقها، ليتصوّر معها حياته التي تضجّ فيها الحركة، فنجد في الصلاة.. التصوّر الإسلامي لله في صفاته المتصلة بحركة الحياة في مخلوقاته من التربية والرعاية والرحمة، وبطبيعة العلاقة التي تشدّ الإنسان إلى الله وبالتوجه إليه في مجال الصراع الذي تزدحم فيه التيارات الضالة والجاحدة في مقابل الخطّ المستقيم.

فإذا التقينا بالحجّ، فإنّنا نلتقي بالعبادة الزاخرة بأكثر من معنى، فهي تلتقي بالصلاة في أجواء الطواف والسعي، والوقوف بعرفات والمزدلفة والمبيت بمنى، حيث يعيش الإنسان أعمق حالات التأمّل وأصفى مشاعره وأرفع درجاته.

أمّا الإحرام، فإنّه يمثّل الالتقاء بالصوم، حيث يفرض على الإنسان الالتزام الطوعي الاختياري بكثير من الأشياء التي تتّصل بشهواته وعاداته وأخلاقه، فتمثل مرحلة تدريبية صعبة يتعلّم فيها الصبر والخشونة واحترام مشاعر الآخرين، واحترام كلّ شيء محترم حوله حتى الحيوان والنبات.. إلى جانب دقّة الملاحظة عندما يراقب كلّ حركة من ركاته حتى سقوط الشعر وحلّ البدن والنظر في المرآة، أمّا رمي الجمار فإنّه يمثّل الرمز العملي للصراع مع الشيطان في ما تمثّله الجمرات من رمز.

وهكذا يتحرّك الإنسان من عمل إلى عمل ليحقّق لنفسه البناء الروحي والفكري والعملي في أجواء العبادة التي يعيش في داخلها اللقاء بالله، وبذلك لا تشارك العبادة في عزل الإنسان عن الحياة، بل هي على العكس من ذلك، تدفعه دفعاً إليها بكلّ قوّة من موقع الروحية التي تعطي المادّة معناها دون أن تفقدها صفاتها المادّية، وقد لا يكتفي الإسلام في تحقيق معنى العبادة بما افترضه وشرّعه من أشكالها، بل يمتد بها حتى يجعل كلّ عمل محبوب لله عبادة إذا قام به الإنسان لوجه الله.

وفي ضوء ذلك كلّه نجد في كلمة: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِ) (البقرة/ 196) إيحاءً بالإتمام من الناحية الروحية التي يعيش الإنسان فيها أجواء الحجّ، بالمستوى الذي يرتفع فيه إلى الآفاق العالية التي تمثّلها هذه الفريضة، ويتحرّك معها بأخلاقية إسلامية كاملة، فلا يكتفي بالشكل ويبتعد عن المضمون، لأنّه يمثّل ـ في هذه الحالة ـ الإتمام الشكلي إلى جانب النقص الواقعي المضموني، ممّا يجعل العمل غير مقرّب لله وغير مقبول عنده، لأنّ الله لا يقبل من الأعمال إلّا ما أقبل الإنسان فيها بكلّ كيانه وروحيته.

فالحجّ تجربة عبادة ترفع من إحساس المؤمن بمسؤولياته في الحياة، فعندما يعود إلى موطنه ومجتمعه عليه واجب العمل بهذا الإحساس، وعندما نريد أن نحدّق بالحجّ في إيحاءاته وفيما يرمز إليه لنخرج من الاستغراق في ذاتية الأعمال إلى الانفتاح على الآفاق الواسعة التي بلور فيها شخصية الإنسان المسلم ليعود من حجّه إنساناً منفتحاً على كلّ مسؤوليته إنساناً منفتحاً على كلّ مسؤوليته في الحياة منطلقاً من الساحات الواسعة التي كلّما عاش فيها مسؤوليته كلّما اتّسعت أكثر.

وأخيراً وليس آخراً، إنّ الإنسان في الحجّ يقف بين يدي ربّه عارياً من كلّ شكليات الواقع الفردي والاجتماعي ليؤكّد أنّه لن يستجيب له استجابة واحدة، ولكن إجابة ممّا يوحي أنّ الإجابة تظل تتحرّك في خطّ الحياة، فكلّ الإجابات تؤكّد أن يكون كلّه في حركة مع الله يتحوّل الإنسان إلى تجسيد لاستجابة الله من خلال دعوته سبحانه وتعالى للناس (اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24).

 

الأحد, 11 تموز/يوليو 2021 02:22

الأُمة الإسلامية.. هي الأُمة الوسط

◄(وكَذلكَ جَعلناكم أمّةً وسطاً لِتكُونوا شُهداءَ على النّاسِ ويكونَ الرسولُ عليكُم شهيداً) (البقرة/ 143).

في هذه الآية حديث عن الأُمّة المسلمة بأنّها "وسط" فيما جعله الله للمسلمين من موقع قيادي في الحياة، وإنّها شاهدة على الناس، وحديث عن الرسول بأنّه شاهد على الأُمّة.. فكيف نفهم هذه "الوسطية" وهذه الشهادة.

وقد جرى بعض المفسرين في تفسير هذه الكلمة من المعنى اللغوي فأخذوا منه معنى العدل والتوازن على أساس ما تمثّله الشريعة الإسلامية من الوسطية بين الاتجاه الروحي المتطرّف الذي يمثّله النصارى وبين الاتجاه المادّي المتطرّف الذي يمثله المشركون واليهود لأنّ الإسلام يأخذ من الروح جانباً ومن المادّة جانباً لتكون الحياة - كما خلقها الله - نتيجة التزاوج بين الروح والمادّة، وتتمثّل في التوازن بين الاتجاه الجماعي المتطرّف الذي يلغي دور الفرد والاتجاه الفردي المطلق الذي يلغي دور المجتمع في الحياة، فأعطى للفرد دوره فيما يحقّق ذاته دون أن يغمط حقّ الجماعة في نطاق قضاياها العامّة، وأعطى للجماعة دورها فيما لا يلغي للفرد نوازعه الذاتية الطبيعة. ويمتد الخطّ الوسطي إلى التوازن بين الدنيا والآخرة فللمسلم أن يُقبل على الدنيا ويستمتع بطيّباتها من دون أن يُسيء إلى خطّ الآخرة في السير مع شريعة الله فيما يفعل وفيما يترك، وله أن يستغرق في الآخرة بما لا يمنعه من بناء الحياة والاندفاع معها على الأُسس التي يريدها الله.

وفي ضوء ذلك يمكن للأُمّة أن تؤدي دور الشهادة على الناس باعتبارها تقف في نقطة التوازن التي ترجع إليها بقية الأطراف، كما يكون النبيّ شهيداً على الأُمّة لأنّه المثال الأكمل الذي يوزن به حال الأجاد من الأُمّة..

ويعلّق صاحب تفسير الميزان على هذا التفسير للآية بأنّ هذا المعنى في نفسه صحيح ولا يخلو من دقة إلّا أنّه غير منطبق على لفظ الآية فإن كون الأُمّة وسطاً إنما يصحّح كونها مرجعاً يرجع إليه الطرفان وميزاناً يوزن به الجانبان لا كونها شاهدة تشهد على الطرفين أو تشاهد الطرفين فلا تناسب بين الوسطية بذاك المعنى والشهادة وهو ظاهر على أنّه لا وجه حينئذ للتعرض بكون رسول الله شهيداً على الأُمّة، إذ لا يترتب شهادة الرسول على الأُمّة على جعل الأُمّة وسطاً كما يترتب الغاية على المغيّ والغرض على ذيه.

ونحن نرى أنّ هذه الآيات تتحرّك في نطاق الإيحاء للمسلمين بأصالة موقعهم في الحياة من خلال الدور الذي أعدّه الله لهم في قيادة البشرية إلى الأهداف الكبيرة التي تتمثّل في الإسلام، الأمر الذي يجعلهم يتحرّكون في الحياة من هذا الموقع ليكونوا شهداء على الناس في أفكارهم وأعمالهم باعتبار أنّهم يدخلون في ضمن مسؤوليتهم، كما كان الرسول شهيداً على المسلمين من خلال مسؤوليته الرسالية عنهم فيما بلغهم أيّاه وفيما أرشدهم إليه.. وفي هذا الجوّ لا نجد للوسطية معنى فيما حاوله هؤلاء المفسرون من الحديث عن التوازن الفكري والتشريعي في المواجهة الإسلامية للحياة، لأنّ القضية ليست هي قضية المضمون الإسلامي في صياغة الشخصية للإنسان المسلم، بل هي قضية الإيحاء للمسلمين بأنّ عليهم أن لا يستسلموا للآخرين في الحصول على الثقة بالتشريع وبالمسار العملي، لأنّهم لا يمثّلون التبعية للآخرين، في مواقعهم بل القضية هي أنّ الآخرين يدخلون في نطاق مسؤوليتهم باعتبار أنّهم يحملون الرسالة القائدة، والدور القائد في التبليغ والتنفيذ.. كما كان الرسول بالنسبة إليهم فيما يبلّغه وفيما يهدي إليه..

ولعلّ طبيعة الشهادة على الآخرين أمام الله تقتضي أن يكون الشاهد في الموقع الأفضل من حيث الدور الذي أوكل إليه، ومن حيث السلوك الذي سار فيه كما هو الحال في الأنبياء بالنسبة إلى أُمّمهم... وهذا ما يؤكّد المعنى الذي ألمحنا إليه... وربما يؤكّد ذلك ويوضحه ما ورد في الآية الكريمة.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج/ 77-78).

فإنّنا نلاحظ تفريع شهادة الرسول عليهم وشهادتهم على الناس على اجتباء الله لهم وانضباطهم على الخطّ وقيامهم بالدور الموكل إليهم في العمل لأنفسهم وللأخرين.. أمّا الحديث عن التوازن في الإسلام فهو حقّ ولكن ذلك لا يعني أنّ الآية تسير في هذا الاتجاه في مضمونها الفكري.

كيف نفهم الشهادة على الناس؟

أمّا الشهادة.. فقد ذكر لها عدة معانٍ "منها" أنّ المعنى لتشهدوا على الناس بأعمالهم التي خالفوا فيها الحقّ في الدنيا وفي الآخرة. كما قال: (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ) (الزمر/ 69). وقال: (وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ) (غافر/ 51).

وقد أثار المفسرون اعتراضاً في هذا المجال وخلاصته أنّ الشهادة تفرض الموقع المتميز للشاهد على المشهود عليه، ونحن نعلم أنّ الأُمّة تجمع في جماعتها المطيع والعاصي والجاهل والعالم فكيف يمكن أن يكون الجميع شهوداً في موقع الشهادة والجواب إنّ الأسلوب القرآني قد جرى على الحديث عن البعض بصفة الكلّ باعتبار اشتمال الكلّ عليه، تماماً كما قد حدّثنا عن بني إسرائيل مع أنّ الصفات التي ذكرها كانت صفات البعض... وعلى هذا فإنّ كون الأُمّة شاهدة يتحرّك في نطاق وجود العناصر الكثيرة في داخلها ممن يصلحون لمثل هذا الموقع الكبير وهم الطليعة الواعية المؤمنة التقية المنضبطة التي تفهم الإسلام حقّ الفهم وتعيه حقّ الوعي وتمارسه حقّ الممارسة وتحمله بروح رسولية رائدة.►

 

المصدر: كتاب من وحي القرآن/ ج3 

 

جنود أفغانيون بالقرب من نقطة تفتيش استعادها الجيش من حركة طالبان في ولاية لغمان (رويترز)

 

قال المتحدث باسم حاكم ولاية هرات إن السلطات الأفغانية تستعد -اليوم السبت- لاستعادة معبر حدودي رئيسي مع إيران، سيطر عليه مقاتلو حركة طالبان التي تواصل حملتها بالتزامن مع انسحاب القوات الأميركية، بينما أعلنت الشرطة الأفغانية مقتل 4 أشخاص وإصابة 7 آخرين في تفجيرين بالعاصمة كابل وولاية قندهار جنوبا.

وقال جيلاني فرهاد المتحدث باسم حاكم هرات -لوكالة الصحافة الفرنسية- إن السلطات تستعد لنشر قوات جديدة لاستعادة إسلام قلعة، أكبر معبر تجاري بين إيران وأفغانستان، وأضاف أن "التعزيزات لم ترسل بعد إلى إسلام قلعة، لكن سيتم إرسالها إلى هناك قريبا".

وبعد ساعات الخميس من كلمة للرئيس الأميركي جو بايدن الذي برر الانسحاب الأميركي، أعلنت طالبان أن مقاتليها استولوا على معبرين في غرب أفغانستان، مستكملين بذلك قوسا يمتد من الحدود الإيرانية إلى الحدود مع الصين.

وإسلام قلعة من أهم المعابر الحدودية في أفغانستان، وتمر من خلاله معظم التجارة المشروعة بين البلدين. وحصلت كابل على إعفاء من واشنطن يسمح لها باستيراد الوقود والغاز الإيرانيين، على الرغم من العقوبات الأميركية.

من جهة ثانية، قالت وزارة الدفاع الأفغانية إن 69 مسلحا من حركة طالبان قتلوا في غارة جوية نفذتها القوات الأفغانية في مديرية دند بولاية قندهار جنوبي أفغانستان.

من جانب آخر، نقل مراسل الجزيرة في أفغانستان عن مصدر أمني أن مسلحي حركة طالبان سيطروا ليلة أمس على مديرية سُرْخ بَارسا بولاية بروان شمالي العاصمة كابل، وأضاف المصدر أن الحركة سيطرت أيضا ليلة أمس على مديرية "عليشنك" بولاية لغمان شرقي أفغانستان.

تفجيران مختلفان

ونقلت قناة "طلوع نيوز" المحلية عن شرطة كابل قولها -في بيان- إن تفجيرا وقع عند مكتب عقاري بالحي الثامن بكابل صباح اليوم، وأضاف البيان أن التفجير تسبب في مقتل مدنيين اثنين وإصابة 4 آخرين، وقالت الشرطة إنها فتحت تحقيقا في الحادث.

وفي حادث منفصل، قالت مصادر أمنية إن مدنيين قتلا وأصيب 3 آخرون -بينهم ضابطا شرطة- في تفجير استهدف سيارة حاكم مقاطعة دامان في قندهار، وأوضحت المصادر أن حاكم المقاطعة بير محمد نجا من الحادث. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادثين.

من جهته، كشف الرئيس الأفغاني أشرف غني عن أن 400 شخص يقتلون أو يصابون جراء تردي الوضع الأمني في البلاد، وتساءل عن مبرر التصعيد الأمني والميداني في الوقت الذي انسحبت فيه القوات الأميركية، وطالب جميع الأطراف بأن يتعظوا مما يجري في سوريا واليمن وليبيا، وفق تعبيره.

ونبّه الرئيس الأفغاني إلى أن الحكومة هي فقط من تعمل على إطلاق معتقلي طالبان.

وكانت طالبان قد أعلنت أن 85% من الأراضي الأفغانية باتت تحت سيطرتها، مؤكدة أنها تسعى لأن تشارك مكونات الشعب الأفغاني كافة في إدارة البلاد.

وأظهرت بيانات نشرتها صحيفة "لونغ وور جورنال" (Long War Journal) توسعا لنفوذ حركة طالبان على الأرض، وسيطرتها على مناطق واسعة في الشمال، فضلا عن تقدّمها في محافظات بالجنوب.

من جانبه، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن -في تغريدة على تويتر- إن الوضع الأمني بأفغانستان يستدعي المزيد من الضغط الدولي للتوصل إلى تسوية سياسية متفق عليها، لإنهاء الصراع ومنح الشعب الأفغاني الحكومة التي يريدها ويستحقها.

وأضاف أوستن أنه يمكن للعالم بأسره المساعدة عبر الاستمرار في الضغط.

وفي ذات السياق، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن -في تغريدة على تويتر- إنه تحدث مع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بشأن دعم قطر لمفاوضات السلام الأفغانية، ودورها في دفع السلام والأمن في المنطقة.

كما قالت وكالة الأنباء القطرية إن الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني تلقى اتصالا هاتفيا من بلينكن، جرى خلاله استعراض تطورات الأوضاع في أفغانستان.

وأكد الوزير القطري على التزام بلاده بتقديم الدعم السياسي لعملية السلام في أفغانستان، ومواصلة الحوار بين جميع الأطياف للتوصل إلى حل سياسي.

وفي سياق آخر، قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن مسؤولي السفارة الأميركية في أفغانستان يطورون خططا لخفض عدد المتعاقدين الأفغان والأميركيين والأجانب، مع تدهور الوضع الأمني هناك.

ونقلت الصحيفة الأميركية أن المراجعة المدروسة تأخذ بعين الاعتبار إمكانية إرسال بعض هذه الوظائف إلى الولايات المتحدة، وما إذا كان يمكن تخفيض وظائف أخرى أو تقليصها.

  المصدر:الجزيرة + وكالات

 

اصدر الوفدان الافغانيان المشاركان في مفاوضات السلام بطهران يومي الاربعاء والخميس بيانا يتضمن 6 بنود.

والمحاور الستة للبيان الختامي لاجتماع الوفدين جاءت كالتالي:

1-يعرب وفدا الطرفين عن الامتنان لمساعي وحسن نوايا الجمهورية الاسلامية الايرانية من اجل ارساء السلام في افغانستان وحسن الضيافة لهما.

2-الطرفان بتفهمهما المشترك للاخطار الناجمة عن مواصلة الحرب والاضرار الناجمة عن ذلك على سلامة افغانستان، توصلا الى توافق بان الحرب ليست الطريق لحل قضية افغانستان ويجب توجيه جميع الجهود في مسار الوصول الى حل سياسي وسلمي.     

3-المفاوضات جرت في اجواء ودية وتم طرح جميع القضايا بصورة تفصيلية وصريحة.

4-الطرفان قررا بان يتم البحث والوصول الى نتيجة بشان الحالات التي هي بحاجة للمزيد من التشاور والتوضيح مثل آليات العبور من الحرب نحو السلام الدائم والنظام الاسلامي المتفق عليه وكيفية الوصول اليه، خلال الاجتماع القادم الذي سيعقد في اقرب فرصة ممكنة.

5-الطرفان يعتبران اجتماع طهران فرصة وارضية جديدة لتعزيز سبل الحل السياسية لمعضلة افغانستان.

6-كلا الطرفين يستنكران بشدة الهجمات على منازل المواطنين والدوائر والمساجد والمستشفيات، والتي من شانها ان تؤدي الى وقوع المواطنين ضحايا لها، وكذلك تدمير المؤسسات العامة ويدعوان الى معاقبة مرتكبيها.   

وقد عقدت المفاوضات الافغانية بين وفد الحكومة والشخصيات ووفد حركة طالبان رفيع المستوى امس واليوم بطهران حيث تم افتتاح الاجتماع بكلمة لوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف

واعلن ظريف استعداد الجمهورية الاسلامية الايرانية لدعم مسيرة المفاوضات بين الاطراف الافغانية من اجل حل وتسوية الازمات الجارية في افغانستان، مؤكدا التزام طهران بدعم التنمية الشاملة في هذا البلد بعد ارساء السلام فيها.

وتراس وفد الحكومة الافغانية يونس قانوني فيما تراس وفد حركة طالبان عباس استانكزي مساعد رئيس مكتب الحركة.

وضم وفد الحكومة الافغانية كلا من كريم خرم وارشاد احمدي ومحمدالله بتاش وظاهر وحدت وسلام رحيمي.