emamian

emamian

يحيى عالم

باحث سياسي مغربي في قضايا الفكر العربي الإسلامي والفلسفة

أعاد الاصطفاف لدى معظم الدول الغربية في الموقف الرسمي مما يجري من الحرب على غزة إلى الأذهان طبيعة العلاقة بين الغرب والشرق (غيتي)

تشكِّل الحرب الدامية على غزة- والتي تجاوزت حتى الآن أكثر من شهرين- اختبارًا حقيقيًا لمواقف عدد من الدول في الانتصار للقيم الإنسانيَّة الكبرى في الحرية والعدالة والمساواة، مما غذَّى المنظور السائد بالانتقائية في التضامن والتعاطف، وازدواجية المعايير في الحكم والموقف من الأحداث التي تجري في الشرق والغرب، إذ يكون الحافز فيها، عادة، خاضعًا للمصالح على حساب المبادئ، تلك المبادئ والقيم التي تعتبر دستور العصر في تقرير المصير وحقوق الإنسان.

الإنسان بمعناه المطلق، حيثما كان ومهما كانت خلفيته الدينية والثقافية والعِرقية؛ كما هو متداول، خطابيًا على الأقلّ، في الفكر والمواثيق الدولية.

انكشفَ على مدار هذين الشهرين حجمُ التناقض- إن لم نقل الزيف- الذي يعتري هذه القيم الإنسانية الغربية؛ ذلك أن الناظر لما تمت مراكمته في مدونة حقوق الإنسان وفلسفة الحريات والمساواة والعدالة مع نموذج الديمقراطية الليبرالية في أميركا وأوروبا، انهار تمامًا على مستوى التجليات في الواقع العملي، حيث تسود المصلحة الخالية من القيمة، والقوة العارية من الأخلاق، ليس في رؤية الشعوب العربية والإسلامية وحسب- والتي لها تجارب مريرة مع أشكال القوة والاستعمار والخراب باسم تلك الشعارات نفسها – وإنما لدى لفيف عريض من الرأي العام الغربي نفسه.

استيقظ الرأي العام الغربي على رسالة معمّدة بشلال الدم في غزة، مصحوبة بمواقف سياسية عبَّرت عن انتكاسة أخلاقية عميقة، قد تكون لها آثارٌ ممتدة على مدى الزمن في المواقف النفسية والمعرفية للشعوب العربية والإسلامية، من هذه الدول التي لم تتخلص من عقدة الاستعلاء في النظر إلى الآخر، حضارة وثقافة وشعوبًا، مما قد يدفع للواجهة حدة التباين بين الشرق والغرب، ويذكي الاختلاف والتمايز على أساس ثقافي وحضاري.

فهل يمكن أن تدفع مواقف أوروبا وأميركا- المنحازة لإسرائيل انحيازًا مطلقًا- إلى رسم خريطة جديدة للعالم على أسس ثقافية حادة، ومن ثم تعميق الهوة بين الغرب والشرق؟ أم أن يقظة الضمير لدى الرأي العام الغربي- والتي تجلت في تعاظم التعاطف مع القضية الفلسطينية- يمكن أن تحدث توازنًا في الأمد المنظور، ومن ثم الدفع بالسردية السائدة إلى التغيير؟

كانت رؤية هنتغتون الصدامية للحضارات والثقافات قائمة على تغذية النزاع والصراع على أسس ثقافية حادة بين الشرق والغرب، تقدم الإسلام والثقافة العربية والإسلامية في صبغة العنف المستلهم من الأصول الدينية

عودة الانقسام الحاد بين الغرب والشرق

لم يكن بالنسبة للرأي العام العربي والإسلامي- وهو يتابع مواقف عدد من الدول الغربية الكبرى، وتقديمها الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل – أن يفهم ذلك بعيدًا عن التحالف بصبغة حضارية وثقافية، بالإضافة إلى المصالح المشتبكة من حيث الدور الوظيفيّ الذي تقوم به في الشرق الأوسط.

كان الأمر مريبًا بالنسبة للبعض، وهو يشهد زيارات الدعم والمساندة، والتماهي مع الرواية الإسرائيلية وتوفير الغطاء السياسي التام لعملية عسكرية أودت بحياة الآلاف من الأطفال، منهم الخدج، والنساء والشيوخ، مع التهجير القسري، وتدمير المستشفيات ودور العبادة؛ من مساجد وكنائس على من فيها من الراغبين في الاحتماء بقدسية أماكن العبادة والرعاية الصحية.

جرت العادة والعرف الأخلاقي في الحروب وحسب المواثيق والقوانين، أن لكل حرب حدودًا أخلاقية لا تتجاوزها، وأماكن لا يُتجرَّأ عليها، لكن الذي حدث على مرأى من العالم هو نقيض ذلك تمامًا، كل ذلك والدول التي أبدعت في صياغة المفاهيم والنظم الأخلاقية المعاصرة، توفر الغطاء لانتهاك هذه المفاهيم والنظم، مما يرسخ حالة الازدواجية والتناقض.

يكشف ذلك أنّ المواقف في كثير من الأحيان، تتحدد على أرضية بعيدة عن الدوافع الأخلاقية والقيمية، وهو ما عززته سردية الخطاب السياسي والإعلامي الذي يبرّر الحرب، ويعتبر كل نقد سياسي وأخلاقي- يذكر بمشكلة الاحتلال والاستيطان وهضم حقوق الشعب الفلسطيني- معاداةً للسامية، تستوجب التجريم قانونًا، وتحاصر على مستوى الإعلام وفي الواقع.

لم يتم الانتباه إلى أن طبيعة هذا الانزياح- في المواقف والسياسات الداعمة للتطهير العِرقي والتنكيل بالفلسطينيين بأكثر الأنماط بشاعة ودموية في التاريخ- ستزيد من الهوّة بين الشرق والغرب، وتعمق الاختلافات على أسس حادة وتهدم جسورًا من علاقات هذه الدول مع شعوب العالم العربي والإسلامي، التي تحتفظ في وجدانها وثقافتها وتاريخها بمكانة خاصة لفلسطين والمسجد الأقصى.

بل إنّ الاختلالَ على مستوى المعايير المحددة للمواقف السلبية والاصطفافات التي جرت على بساط الدم الفلسطيني، هو تاريخٌ من الاصطفافات المشابهة، سواء مع محنة الشعب الفلسطيني الممتدة، أو مع أحداث مشابهة عديدة منذ زمن المد الاستعماري، والتي تكون فيها الديناميات والبواعث للمواقف- كما هو متداول في حديث الساسة والإعلاميين ــ قائمةً على الـ "نحن" والـ"هم"، بخلفية تتداخل فيها الثقافة بالسياسة بالجوانب الحضارية والدينيّة العامة، بكثير من التعميم والحدية، بعيدًا عن الحس الأخلاقي والعقلاني، مما يستدعي جذورًا للصراع تشكل خطرًا على المستقبل.

ينتعش الصدام الحضاري حينما تنعدم المعايير الإنسانية والأخلاقية

أعاد الاصطفاف لدى معظم الدول الغربية- في الموقف الرسمي مما يجري من الحرب على غزة- إلى الأذهان طبيعة العلاقة بين الغرب والشرق، التي اتسمت تاريخيًا بكثير من أوجه المد والجزر: التوافق حينًا والصدام أحيانًا أخرى، وقد كانت أوجه النزاع السياسي والعسكري، بشكل مستمر، عاملًا رئيسيًا في تغذية التباين الثقافي وإبراز عناصر الاختلاف الديني والحضاري.

وعلى الرغم من أن الغرب ليس كتلة واحدة، وإنما هو كتل متنوعة متداخلة، والشرق ليس كما هو متخيل لدى العديد من الساسة والمثقفين الغربيين، فإن الموقف الحاد الذي تشكل من حضارة العرب والمسلمين- على مسرح التاريخ منذ القرون الوسطى إلى الأندلس، ثم الاستعمار لاحقًا – جعل العلاقة مضطربة، ومنح الاختلاف والتباين أولوية على محاولات التواصل والتعاون.

أخذ هذا التوجه الجيوسياسي في التشكل عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، مع هندسة خريطة العالم على أسس ثقافية وحضارية، من طرف من يحملون هذه النزعة الثقافية، من أمثال: برنارد لويس، وصامويل هنتغتون.

وذلك من خلال تجسيد التحدي الجديد أمام الولايات المتحدة الأميركية في الأيديولوجيا التي يحملها الإسلام، تجسيدًا يتسم بالتعميم المخلّ والسطحي وينظر للعالم على أسس وقوالب حضارية وثقافية أحادية وجامدة، وليس على محددات ديناميكية تعددية ومتفاعلة تستطيع أن تنمي جسور التواصل بعدالة وإنصاف، والتشبيك بين الثقافات والشعوب على أسس وقواعد من الفهم والاحترام المتبادل.

مثلت رؤية هنتغتون الصدامية للحضارات والثقافات- والتي هيمنت على وعي المحافظين الجدد مدة من الزمن- تعبيرًا عن توجّه إستراتيجي لدى الولايات المتحدة الأميركية حينها، وهي رؤية قائمة على تغذية النزاع والصراع على أسس ثقافية حادة بين الشرق والغرب، تقدم الإسلام والثقافة العربية والإسلامية في صبغة العنف المستلهم من الأصول الدينية.

على الرغم من اندثار هذا الرأي على المستوى الخطابي لدى الأكاديميين والسياسيين، فإن الممارسات التي يشهدها النزاع الحالي في فلسطين اليوم، أعادت هذا الرأي إلى الواجهة من جديد.

بل إن البعض اتّجه رأسًا إلى الحديث عن ضرورة تعديل مناهج التربية والتعليم من أجل نزع بذور العنف من وعي الفلسطينيين، وإلى تصوير الصراع كأنه صراع ديني صرف، وفي ذلك أمران جديران بالملاحظة:

  • أولًا: إغفال حقيقة الدين الإسلامي ومدى ما تستبطنه قيمه ونصوصه وتجربته الحضارية من تأسيس للتعايش والتسامح والرحمة على أسس أخلاقية متينة.
  • ثانيًا: هذا فيه نوع من الالتفاف والتعمية على أصل المشكلة التي أصبحت موضع تعاطف إنساني شامل بمن فيهم ساسة دول غربية.

وأصل المشكلة قائمٌ في الاحتلال والاستيطان والفشل الأممي في تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وَفق ما نصت عليه واعترفت به القرارات الأممية كحد أدنى وإلزام إسرائيل باحترام القانون الدولي، وضرورة رفع الحصار عن مليوني إنسان في غزة على المدى الطويل.

ما يتوجب القيام به الآن، إنقاذ غزة من لهيب النار ومن آلاف الأطنان من المتفجرات التي تدمر العمران وتحرق الإنسان أمام مرأى ومسمع من العالم.

إن ما نشهده من قلب للحقائق وتزييف الوعي يجعل، من هذا الحجم من الدم المتدفق دون مراعاة لحرمة الإنسان وقدسيته وحقه في الحياة وتقرير مصيره، واحدة من أبشع ما مر على الإنسانية من جرائم.

كان الأحرى بالوعي الإنساني أن يستيقظ حينما اعتبر وزير في حكومة الحرب، أن الفلسطينيين مجرد حيوانات بشرية، فالوصف بما هو دون الإنسان، أو نزع صفة الإنسانية والآدمية، هو مقدمة لممارسة عملية تطهير وقتل جماعي.

لكن هذا التصريح ورد في سياق كان فيه التسابق جماعيًا لتقديم الغطاء لما نرى فصوله من مأساة راهنة، ستكون آثارها عميقة على العلاقة بين الشرق والغرب على المدى الإستراتيجي إذا لم يتم وقف آلة القتل، بل إن نتيجة التضامن الإنساني في كل العالم، ستجعل من الانعكاس ممتدًا للتأثير في دول كبرى.

ختامًا: تتشكل المواقف الحساسة للشعوب في معين الأزمات والنزاعات وفي سياقات الضغط بفعل ديناميات سيكولوجية ومعرفية وسياسية، ونظرًا لرمزية فلسطين في الوعي العربي والإسلامي، فإن ما يجري بها يمتد أثره إلى كل جغرافيا العالم الإسلامي.

كان الاصطفاف في الحرب على غزة تحت مسمى الدفاع عن النفس، دون النظر في الحق الفلسطيني المُهدَر، تعبيرًا عن خلل فادح في المنظومة السياسية الغربية والوعي الذي تتشكل على أساسه وعلائقها التي تعيد التذكير بجذور مشكلة وثقافة الاستعمار، ما قد يعمق الشرخ ويذكي الهوة على أسس ثقافية وحضارية حادة بين الغرب والشرق، تزيد من تخليق المشاكل في المستقبل إذا لم يتم الانزياح عن هذا الموقف الذي يعبر عن انتكاسة أخلاقية.

لكن في صلب هذه المأساة استطاعت القضية الفلسطينية أن تخلق دينامية جديدة في صفوف الرأي العام الغربي نفسه، الذي أحدث توازنًا مع الموقف السياسي السلبي لعدد من الدول، ويرجح آفاق التعاون على أسس أخلاقية وإنسانية. وذلك موضوع المقالة المقبلة.

الجزائر تدعو مجلس الأمن الدولي إلى الانعقاد للتصويت على مشروع قرار يُطالب بوقفٍ فوري لإطلاق النار في قطاع غزّة، المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ترفض مشروع القرار الجزائري.

دعت الجزائر مجلس الأمن الدولي، فجر الأحد، إلى الانعقاد الثلاثاء المقبل للتصويت على مشروع قرار يُطالب بوقفٍ فوري لإطلاق النار في قطاع غزّة. ووفق مصادر إعلامية قرر مجلس الأمن التصويت على القرار.

والجمعة، وزّعت البعثة الجزائرية لدى الأمم المتحدة مشروع قرار مُعدّل على أعضاء مجلس الأمن، يُطالب بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزّة، لأسبابٍ إنسانية.

كما أنّ المشروع يرفض قرار التهجير القسري للمدنيين الفلسطينيين، ويُطالب بوقف كل الانتهاكات العدائية ضدهم. كما أنّه يدعو إلى ضمان إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزّة بشكلٍ دائم.

بدورها، علّقت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد على الدعوة الجزائرية بقولها إنّه "إذا طُرح مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزّة للتصويت بصيغته الحالية فلن يتمّ اعتماده من قبلنا".

وفشلت المحاولات السابقة من مجلس الأمن في وقف العدوان على غزّة، والمستمرة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.

والشهر الماضي، اجتمع مجلس الأمن بطلب من الجزائر، "بغية إعطاء قوة إلزامية لحكم محكمة العدل الدولية في ما يخصّ الإجراءات المؤقتة المفروضة على الاحتلال الإسرائيلي".

ورأت الجزائر أنّ قرار المحكمة بشأن القضية، التي رفعتها جنوب أفريقيا ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، "يعلن بداية نهاية حقبة الإفلات من العقاب، والتي استفاد منها الاحتلال الإسرائيلي طويلاً، ليطلق العنان لقمعه الشعب الفلسطيني وكل حقوقه المشروعة".

يُشار إلى أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة، انتخبت الجزائر، في حزيران/ يونيو 2023، عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي، لولاية مدّتها عامان.

 

د. محمد الصباني

الغطرسة الغربية أصبحت تستهدف الإنسان والمسلم خاصةً في أصل الوجود (غيتي)

كثيرة هي الأحداث المُحيطة بالشرق الأوسط والمتعلّقة به، لكنّ الملاحظ أنّه مع كل حدث يتشكّل وعي وينهدم وهْم.

وبالنظر إلى الوعي المتشكّل، يبدو أنّ الكينونة العربية والإسلامية- عقلًا ووجدانًا- أصبحت تتلمّس بوادر صراع جعلها تطرح سؤالَ إمكان استمرار وجودها، وتتقلّب في الشعور به وفي امتداداته تقلبًا بين الخوف والرجاء، بحسب ما تلتقطه من إشارات غيرها الثقافي والحضاري الذي يعتبر نفسه مثالًا لجوهر الخير.

وبالتالي فهو يملك الحقّ في إبادة الكينونة العربية والإسلامية باعتبارها مثالًا لجوهر الشرّ دون أدنى إحساس بتأنيب الضمير، ولا بالأولى تحمّل مسؤوليته الخُلقية تجاه هذا الفعل الذي نراه حقيرًا ويراه كبيرًا.

ذلك بأنّ العقل الغربي وما يلحقه من كيانات اصطنعها لنفسه، اعتقل كلّ التواريخ داخل التاريخ الأميركيّ، جاعلًا منه النهاية التي لا منتهى بعدها، كما عبّر عن ذلك فوكوياما في "نهاية التاريخ"، بحيث لا إبداعَ فوق إبداع العقل الأميركيّ ولا تاريخ بعد تاريخه، وكل من يتحرك لإبداع تاريخه فهو الشرير المطلق- بحسب تنظيرات ليو ستراوس- والمرتدّ عن تاريخ سيّده، ومن ثَمة يستحقّ التأديب والقتل.

ومن ملموسات هذا الوعي المتشكّل لدى الكينونة العربية والإسلامية، ما يلوح في الأفق من بوادر احتلال جديد لكل جغرافية هذه الكينونة، يبدو ذلك جليًا من خلال التراجعات الخطيرة عن الحريات الأساسية واحترام مبادئ حقوق الإنسان، والاستعداد الواضح لخرق القانون وعدم الامتثال للحدّ الأدنى من الأخلاق المشتركة التي تعارف عليها العالِمون في عدّة ميادين، وعلى رأسها عدم المساس بسلامة المدنيين والمشافي في حالة الحرب.

وكأن هناك إعدادًا لنفسية العالَم ولنفسية المسلم، خاصة، لتقبّل الاحتلال الجديد وصبغه بالصبغة العقليّة، حتى يضحي أمرًا معقولًا ومتقبلًا، مستعينين في ذلك بفلسفة السوق الغربية التي سَلَّعَت الإنسان، حيث إن المنتِج المُسَلِّع ينظر إلى الآخر على اعتبار أنه مجرد شيء أو موضوع جامد، ومادام هو كذلك، فللمنتِج حقّ التصرّف في هذا الشيء وَفق إرادته وبما يخدم مصالحه، محوًا لقيمه (الآخر) وتصفيةً لجسده واحتلالًا لأرضه وتدخلًا في حريته واختياره.

اعلان

وعليه، فإذا قصد هذا الإنسان/ الشيء نحو الفعل الذي يحفظ حياته وقيمه، اعتبرته الذات المتغطرسة بحكم شيئيّته متمردًا تمردًا يستوجب استعمال القوّة لردّه عن ضلاله الذي هو محاولته حماية حياته وقيمه وَفق ثقافته وحضارته، حتى يعود إلى شيئيّته التي اعتبرها المنتِج المتغطرس جوهرًا في الآخر.

وتأسيسًا على ما سبق، يتبين أنّ الغطرسة الغربية أصبحت تستهدف الإنسان والمسلم خاصةً في أصل الوجود، فكأنها تُخَيِّرُ غيرها في العيش عبدًا لها أو الموت، ذلك بأنّ منطق الإلحاق لدى الغرب يهدفُ إلى الهيمنة على كلّ فعل خارج فعله، بحيث يكون خيرًا متى التحق فعلُ المستعبَد بفعل السيّد، ويكون شرًّا متى خرج فعل الأوّل عن فعل الثاني.

إنّ تعثّر الحضارة الغربية اليوم في استيعاب الآخر الحضاري لَنذيرٌ من النُّذُر على استيفائها أجلَها وفقدِها مرتكزاتِ تجديدِ وجودها، وذلك ما نلاحظه في بلاغاتها الراهنة متجليّة في عودتها إلى خطاب الانغلاق والانكفاء على الذات، خصوصًا مع تنامي حضور اليمين المتطرّف

وهذا ما يجعلنا نتيقّن ألا وجودَ لدولة إلا إذا كيَّفَت وجودها هذا مع المؤسسات المالية الكبرى، كصندوق النقد الدوليّ والبنك الدولي وغيرهما، ومعنى هذا أنّ الغرب وما يلحقه من كيانات اصطنعها لنفسه، لن يسمح للآخر بدخول العالم إلا على شرطه، دافعًا إياه إلى التخلّي عن كينونته وشروطه الثقافيّة الخاصّة، ولو كان الثمن الذي يؤدّيه هذا الآخر استنزافًا لخيراته وتجويعًا لأحيائه وإغراقًا في ديونه بشكل يسمح بإعادة إنتاج الاحتلال.

وكيف لايكون ذلك، والغرب وما يلحق به من كيانات اصطنعها، يرى نفسَه هو الذي صنع العالم الراهن، ودخل بالإنسان إلى قيم الحداثة، ومن ثَمة فهو أولى بقيادة عالمه، بل إنّ ذاك الصنع وهذا الإدخال يمنحانه امتيازًا على الناس الذين يجب عليهم تبنّي قيمه والانقياد له طوعًا أو كرهًا.

وعليه فلا مناصَ لمختلِف الثقافات من دخول العالم، لكن على شرط الغالب وصانع الحداثة، وهذا الدخول إما أن يكون دخول إعجاب أو دخول إرغام، خاصة أننا أمام دارْوينيَّة جديدة تنعش فلسفة البقاء للأقوى عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، هادمة بذلك مبدأ الأقوى خُلقيًا ومعنويّا ورُوحيّا.

اعلان

ويكفينا دليلًا على ذلك أنّ البحث العلمي والتطور التقني نشأ في سياق القتل والتدمير؛ بمعنى أنّهما ترعرعا في أحضان المؤسّسة العسكرية الغربية، كما كان الشأن في ظهور كثير من المخترعات والتقنيات الدقيقة إبّان الحرب العالمية الثانية لأغراض حربية وأهداف عسكرية.

وضميمة لما هو عسكري، أصبح هذا المتغطرس الغربي يمارس- بمعيّة الكيانات التي اصطنعها لنفسه- حربًا مفاهيمية ومصطلحيّة، وذلك بتسلّطه على المنظومة الثقافية للأمة لتجريدها من مضمونها، وحشوها بمضامين جديدة تخدم مصالحه وأهدافه، بما في ذلك قلب المفاهيم وتوظيفها توظيفًا سياسيًا منحازًا، مع غسل الأدمغة والتأسيس لثقافة الزيف، مستعينًا بتفوّقه في تقنيات العالم الرقْمي.

كل ذلك بغية إحداث اضطراب في القيم والتصوّرات، وإنشاء اختلال في المفاهيم والمصطلحات، وإنجاز أعطاب في الثقافة والمرجعيّة التي تَوافَقَ عليها المجتمع وأقام عليها منظومتَه التسالميّة والتصالحيّة.

وبِناءً على ما ذُكِر نخلُص إلى أنّ الحضارة الغربية المعاصرة فشلت في تدبير العالم الذي أصبح بؤرةً للفوضى والدماء، وفي العالم العربيّ والإسلاميّ خاصةً.

إنّ تعثّر الحضارة الغربية اليوم في استيعاب الآخر الحضاري لَنذيرٌ من النُّذُر على استيفائها أجلَها وفقدِها مرتكزاتِ تجديدِ وجودها، وذلك ما نلاحظه في بلاغاتها الراهنة متجليّة في عودتها إلى خطاب الانغلاق والانكفاء على الذات، خصوصًا مع تنامي حضور اليمين المتطرّف.

وهكذا يتّضح أنّ هذه الحضارة بدأ ينفلت منها عقال ضبط علاقة الداخل بالخارج، كما أنّ مكْر العولَمة قد انقلب عليها من جهةِ تبنّيها منطقَ الخصوصيّة والهُوية الذي حاربته طويلًا، ومن جهة أنَّ الوافد عليها من الفضاءات الأخرى- ونركّز على العربي والمسلم خاصة- قد استفاد من مُخرجات العولمة جغرافيًا من حيث أراد الغرب الإفادة منها زمانيًا، فأصبحت قيم المسلم تسكن الغرب جغرافيًا وتزاحم قيمه وتغالبها في كثيرٍ من المجالات.

يتقوَّى هذا أكثر مع موت الأيديولوجيات في الزمن الراهن، والعمل على بناء سرديّات تؤسّس لأثر فعل الإنسان في التاريخ، باعتبار الزمن المعاصر يحملُ للإنسان تحدياتٍ وجوديةً خطيرة.

وإذا شاء الغرب تدارك أمرِه فما عليه إلا أنّ يعترف بالتنوع الثقافي احترامًا وتفاعلًا، وذلك بترك العالم العربي وشأنه في حفاظه على أنظمته الدفاعية المادية والرمزية وفي تقوية صلته بمرجعيّته، وكذلك مع سائر المجتمعات، وإلَّا يفعلْ يدفعْ ثمن ذلك عاجلًا أو آجلًا، ويجلب لنفسه الخرابَ كما جلَبه من قبلُ حين انقلبت العولمة عليه، وحين أنكر بجشعه التنوّع البيئي، فدفع الأرض نحو الاحتضار، غافلًا عن أنّه فئة من ساكني هذه الأرض، فإن ذهبت فهو أول الذاهبين، وإن نجت فهو من الناجين.

إنّ فشل الحضارة الغربيّة وصنائعها وامتداداتها يتجلّى في سقوط آلية الديمقراطية- التي ابتكرها يومًا وتبجّح بها دهرًا- أمام محكّات القضية الفلسطينية وكل قضايا المستضعفين في الأرض، من أجل ذلك ينبغي لنا أن نربط بين هذه الديمقراطية الغربية وبين الثمن الذي يدفعه الآخرون من المظلومين والمسحوقين والمغلوبين، ومن ذلك الربط بينها وبين إرهاق الشعب الفلسطينيّ واستباحة أرضه وحرمته وكرامته ودمه.

وكذلك الربط بين ديمقراطية أميركا وبين إبادة الهنود الحمر واحتلال أراضيهم، وهذا النموذج يتكرّر في عدة ديمقراطيات مع اختلافٍ يسير في بعض الشروط والملابسات.

لقد كشف الواقع أنَّ الديمقراطية في علاقتها بالآخر تقوم على القتل والهدم، ولهذا يحقّ للإنسان المعاصر أن ينكر مبادئها ويحتجّ عليها، فكيف تدّعي حماية الإنسان والدفاع عن حقّه في الحياة والاختلاف والتعددية ثم تقتله في نهاية المطاف؟!، وكيف تكون آلية من آليات التسوية والتعايش وهي قائمة على نفي الآخر؟!، وكيف تكون ديمقراطية وأشد الأنظمة تمسكًا بها كانت أكبر داعم للاستبداد (مثل سوهارتو و بينوشيه)؟!.

هكذا يبدو أنّ المنظومات الديمقراطية الآن هي امتداد للمنظومات الإمبريالية والاحتلالية بالأمس مع تغيير في عناوين القتل والسلب والنهب والمحو والهيمنة والإذلال.

مع كلّ هذه العلامات التي يمكن أن تشكّل إرهاصات لوعي عربي جديد، فإنَّ دون ذلك عدّة تحدّيات أهمها؛ ضرورة التنادي إلى بناء ثقافة معاصرة تأخذ من الوحي بقدر ما تأخذ من نافع الثقافات النبيلة التي أظهرت تضامنها وتفهّمها لقضية المسلمين الكبرى، لعلّها تجد صيغة تدشن بها الدخول إلى عالم جديد يعيد الاعتبار للمعنى وللحكمة والإنسان.

 

المصدر:الجزیره

كان على الإمام السّجّاد عليه السلام، من أجل حفظ تيّار الإسلام الأصيل والمذهبيّ والواقعيّ، أن ينهض للجهاد، ويجمع كلّ هذا الشّتات الإسلاميّ،

الإجراءات التنفيذيَّة للإمام السجّاد عليه السلام
كان على الإمام السّجّاد عليه السلام، من أجل حفظ تيّار الإسلام الأصيل والمذهبيّ والواقعيّ، أن ينهض للجهاد، ويجمع كلّ هذا الشّتات الإسلاميّ، ويتّجه بهم نحو الحكومة العلويّة، أي نحو الحكومة الإسلاميّة الواقعية. لقد عمل الإمام السّجّاد عليه السلام في ظلّ هذه الظّروف طيلة 34 سنة. وسنكتفي بذكر بعض المقاطع البارزة من حياة الإمام السّجّاد عليه السلام، ومواقفه المشرّفة.

إعادة بناء المجتمع الإسلاميّ

1- تدوين الفكر الإسلاميّ الأصيل، وحفظه:
إنّ أعظم الأدوار الّتي مارسها الإمام السجّاد عليه السلام هي أنّه دوّن الفكر الأصيل للإسلام: كالتوحيد، والنبوّة، وحقيقة المقام المعنويّ للإنسان، وارتباطه بالله. وأهمّ دور أدّته الصّحيفة السجّادية هو في هذا المجال. فانظروا إلى هذه الصّحيفة، ثمّ جولوا ببصركم في أوضاع النّاس على صعيد الفكر الإسلاميّ في ذلك الزّمن، ستجدون مدى المسافة الّتي تفصل بين الاثنين.

قام الإمام السجّاد عليه السلام بعملٍ كبيرٍ لأجل أن يحفظ الفكر الأصيل للإسلام في فضاء المجتمع الإسلاميّ.

ويظهر هذا الأمر في كلمات الإمام عليه نجد رسالة الحقوق، وهي رسالة مفصّلة بحجم رسالةٍ حقيقية بحسب اصطلاحنا، وهي رسالة كتبها الإمام لأحد أصحابه، يذكر فيها حقوق الأفراد والإخوان بعضهم على بعض، ويذكر فيها أيضًا حقّ الله علينا، وحقّ أعضائنا وجوارحنا، وحقّ العين واللسان واليد والأذن... كما يذكر حقّ حاكم المجتمع الإسلاميّ، وحقّنا عليه، وحقّنا على جيراننا، وحقّنا على أسرتنا. لقد ذكر كلّ هذه الأنواع من الحقوق الّتي تُنظّم العلاقات بين الأفراد في النّظام الإسلاميّ. فالإمام، وبهدوءٍ تامّ، ومن دون أن يأتي على ذكر الحكومة والجهاد والنّظام المستقبليّ، قد ذكر في هذه الرسالة أسس علاقات النّظام المقبل، بحيث إنّه لو جاء يومٌ وتحقّق نظام الحكومة الإسلاميّة في عصر الإمام السجّاد نفسه - وهو بالطبع احتمالٌ بعيد - أو في العصور اللاحقة، فهو يُعرّف النّاس إلى الإسلام الّذي ستُحقَّق حكومته في المستقبل، ليلقي في أذهانهم مسبقًا طبيعة العلاقات الّتي تربط بينهم في ذلك النّظام. هذا نوعٌ آخر من كلمات الإمام السجّاد الّتي تلفت الأنظار كثيرًا.

كما أنَّ الصحيفة السجّادية أيضاً تتضمّن مجموعة من الأدعية في المجالات الّتي ينبغي أن يلتفت إليها الإنسان اليقظ والفطن كافة، وأكثرها في الروابط والعلاقات القلبية والمعنوية للإنسان. في هذه الأدعية والمناجاة، توجد مطالب معنوية وتكاملية كثيرة، لا حصر لها. والإمام عليه السلام في ثنايا هذه الأدعية، وبلسان الدّعاء، يُحيي في أذهان النّاس الدوافع نحو حياة إسلاميّة، ويوقظها. إحدى النتائج الّتي يُمكن أن تحصل من الأدعية، وقد ذكرناها مراراً، هي إحياء الدوافع السليمة والصحيحة في القلوب. فعندما ندعو: "اللهمّ اجعل عواقب أمورنا خيراً"، فإنّ هذا الدّعاء يُحيي في القلوب ذكر العاقبة، ويدفع أصحابها للتفكّر في المصير. فقد يغفل الإنسان أحيانًا عن عاقبته، ويعيش ولا يلتفت إلى مصيره. فإذا تلا هذا الدعاء، يستيقظ فجأة إلى ضرورة تحسين عاقبته. أمّا كيف يتمّ ذلك فهذا بحثٌ آخر. فقط أردت أن أضرب مثلاً حول الدور الصادق للدعاء. وهذا الكتاب المليئ بالدوافع الشريفة للأدعية، كافٍ لإيقاظ المجتمع، وتوجيهه نحو الصلاح. وإذا تجاوزنا ذلك، وجدنا روايات قصيرة وعديدة نُقلت عن الإمام السجّاد عليه السلام. منها ما ذكر سابقاً: "أوَلا حرٌّ يدعْ هذه اللماظة لأهلها"1. انظروا كم هو مهمٌّ هذا الحديث. فالزخارف الدنيويّة، والزبارج كلّها، ما هي سوى بقايا لعاب الكلب التي لا يتركها إلا الحرّ. وكلّ أولئك الّذين يدورون في فلك عبد الملك، إنّما يريدون تلك اللماظة. وأنتم أيها المؤمنون لا تنجذبوا إليها. ونجد الكثير من مثل هذه الكلمات الثورية والملفتة في خطب الإمام السجّاد عليه السلام2.

2- إصلاح النّاس، وإرشادهم:
انتشر الانحطاط الفكريّ، والفساد الأخلاقيّ، والفساد السياسيّ في المجتمع الإسلاميّ، كما ذكرنا. فأغلب الشخصيّات الكبار قد تشبّثوا بفضلات الحياة المادية لرجال الحكومة آنذاك. شخصيّات كبيرة مثل محمّد بن شهاب الزهريّ، الذي كان في مرحلة من المراحل، من تلامذة الإمام السّجّاد عليه السلام، أصبح تابعًا للجهاز الحاكم.

ونقل العلّامة المجلسيّ في البحار على ما يبدو عن جابر بن عبد الله أنّ الإمام السّجّاد عليه السلام قال: "ما ندري كيف نصنع بالنّاس، إن حدّثناهم بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضحكوا"، فهم لا يكتفون بالرّفض، بل يضحكون استهزاءً، "وإن سكتنا لم يسعنا"3. ومن ثمّ يذكر حادثةً حيث نقل الإمام حديثًا لجماعةٍ، كان فيها شخصٌ استهزأ ورفض ذلك الحديث. ثمّ يذكر بشأن سعيد بن مسيّب، والّزهريّ أنّهم كانوا منحرفين، وبالطّبع لا نقبل ذلك بشأن سعيد بن مسيّب، فهناك شواهد عديدة على أنّه كان من حواريّي الإمام، لكن ما يتعلّق بالزّهريّ وكثيرين غيره كان الأمر كذلك. ويُعدّد ابن أبي الحديد أسماء عدد من الشخصيّات ورجال ذلك الزمان من الّذين كانوا من أتباع أهل البيت عليهم السلام ثمّ انحرفوا فيما بعد.

في ظل هذه الظروف، كان يجب على الإمام الإنطلاق لإصلاح دين النّاس، وإصلاح أخلاق النّاس، وإخراج النّاس من مستنقع الفساد، كما كان يجب إعادة إحياء التوجّه إلى المعنويّات، المعنويّات التي هي لبّ لباب الدّين، وروحه الأصليّ. لذا نرى أنّ أكثر الكلام المنقول عن الإمام السجّاد عليه السلام هو في الزّهد: "إنّ علامة الزاهدين في الدنيا، الراغبين عنها في الآخرة...إلخ"4. هذه الجملة هي بداية حديثٍ طويل مفصّل. وإنْ كان في هذا الحديث مفاهيم وإشارة إلى تلك الأهداف التي ذكرناها.

إنّ أكثر كلمات الإمام السّجّاد عليه السلام كانت حول الزّهد والمعارف الإسلاميّة، إلّا أنّ الإمام كان يطرح المعارف الإسلاميّة، ويُبيّنها من خلال الدّعاء، وذلك لأنّ الظّروف في ذلك العهد، وكما كُنّا قد ذكرنا، كان يسودها القمع، ولم يكن الوضع ملائمًا بحيث يُسمح للإمام السجّاد عليه السلام بأن يتكلّم إلى النّاس، ويطرح آراءه بصورة صريحة وواضحة. لم تكن الأجهزة فقط هي المانع، بل النّاس أيضًا كانوا يرفضون ذلك. أساسًا، فإنّ المجتمع كان قد أصبح مجتمعاً فاسدًا ضائعاً فاقدًا للاستعداد، وكان يجب إعادة بنائه من جديد.

3- تعريف النّاس إلى أحقّية أهل البيت عليهم السلام:
من النشاطات المهمّة للإمام السجّاد عليه السلام تعريف النّاس إلى أحقّية أهل البيت عليهم السلام، وأنّ مقام الولاية والإمامة والحكومة حقٌّ ثابت لهم. إذ كيف يُمكن لأهل البيت عليهم السلام تشكيل حكومة في الوقت الّذي كان الإعلام والتبليغ ضدّ آل الرسول قد ملأ العالم الإسلاميّ طوال عشرات السنين، حتّى عصر الإمام السجّاد عليه السلام، وفيه ظهرت الأحاديث الموضوعة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والّتي تُخالف حركة أهل البيت عليهم السلام، بل إنّها في بعض الموارد تشتمل على سبّهم ولعنهم، وقد نُشرت بين أناس لم يكن لديهم أي اطّلاع على المقام المعنويّ والواقعيّ لأهل البيت.

لهذا، من التحرّكات المهمّة للإمام السجّاد عليه السلام ما كان يرتبط بتعريف النّاس إلى أحقّية أهل البيت، وأنّ مقام الولاية والإمامة والحكومة حقٌّ ثابت لهم، وهم الخلفاء الواقعيّون للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا الأمر، إلى جانب أهميّته العقائدية والفكريّة، له ماهيّة سياسيّة، وهي الارتباط بالحركة السّياسيّة المناهضة للنّظام الحاكم.

4- تأسيس الأجهزة والتشكيلات الشيعية:
إنّ تأسيس التشكيلات الشيعية في المجتمع، يُمكن أن يكون منطلقًا أصليًّا للتحرّكات السّياسيّة المستقبليّة. ففي مجتمعٍ ممزّق، يعيش تحت أنواع القمع والفقر والتضييق الماليّ والمعنويّ، حتّى أنّ الشّيعة عاشوا من الرّعب والتضييق إلى درجة أنّ تشكيلاتهم تلاشت، فكيف يُمكن للإمام السجّاد عليه السلام أن يبدأ عمله وحيدًا، أو مع مجموعة قليلة وغير منظّمة؟ لهذا كان همّ الإمام السجاد عليه السلام أن يبدأ بتشكيل هذه التّنظيمات الّتي كانت، برأينا، موجودة منذ أيّام أمير المؤمنين عليه السلام، غير أنّها ضعفت وتلاشت إثر واقعة عاشوراء والحرّة، وثورة المختار.

والدليل على وجود التشكيلات السريَّة هو كلمات الإمام السجّاد عليه السلام الواردة في كتاب "تحف العقول"، حيث نُشاهد عدّة أنواع من أساليب الخطاب الّتي تُشير إلى طبيعة الجهات المخاطَبة. وأبرز هذه الأساليب نجده في:

أ- الخطاب الموجه لعامّة النَّاس:
أحد تلك الأنواع هو الكلمات الموجّهة إلى عامّة النّاس، والّتي يظهر فيها أنّ المستمع ليس من الجماعة المقرَّبة والخاصّة للإمام، أو من الكوادر التّابعين له. وفي هذه الخطابات يستند الإمام عليه السلام دائمًا إلى الآيات القرآنية، لماذا؟ لأنّ عامّة النّاس لا ينظرون إلى الإمام السجّاد عليه السلام كإمام، بل يطلبون الدّليل على كلماته، ولهذا كان الإمام يستدلّ إمّا بالآيات أو بالاستعارة من الآيات. ولعلّه في هذه الرّوايات قد استخدم، في 50 موردًا أو أكثر، آيات قرآنيّة، إمّا بصورة مباشرة، أو بطريق الاستعارة.

ففي رواية مفصّلة من كتاب "تحف العقول" تحت عنوان: "موعظته لسائر أصحابه وشيعته، وتذكيره إيّاهم كلّ يوم جمعة"5، نجد أنّ دائرة المستمعين واسعة، وهذا ما نستنتجه من القرائن المفصّلة الواردة فيها. فلم يستخدم الإمام عليه السلام في هذه الرّواية كلمة "أيّها المؤمنون" أو "أيّها الإخوة"، وأمثالها، حتّى نعلم أنّ خطابه موجّه إلى جماعة خاصّة، ولكنّه قال "أيّها النّاس"، وهذا يُشير إلى عموميّة الخطاب.

لا يوجد في هذه الرواية تصريحٌ بشيء معارض للجهاز الحاكم، بل انصرف كلّ الخطاب لبيان العقائد وما ينبغي أن يعرفه الإنسان، وذلك بلسان الموعظة. فالخطاب يبدأ هكذا: "أيها النّاس، اتقّوا الله، واعلموا أنّكم إليه راجعون...". ثمّ يتطرّق الإمام عليه السلام إلى العقائد الإسلاميّة، ويوّجه النّاس إلى ضرورة فهم الإسلام الصّحيح، وهذا يدلّ على أنّهم لا يعرفون الإسلام الصحيح، وهو يريد بذلك إيقاظهم من غفلة الجهل إلى معرفة الإسلام وتعاليمه.

هنا يستفيد الإمام السّجاد عليه السلام من الأسلوب الجذّاب، حيث يقول هنا: "ألا وإنّ أوّل ما يسألانك عن ربّك الّذي كُنتَ تعبده"6، ويمضي على هذا المنوال ناصحًا، ويُخوّف من ذلك الوقت الّذي يوضع فيه المرء في قبره، ويأتي منكر ونكير لمساءلته. وبهذا يريد أن يوقظ فيهم الدّافع إلى معرفة الله، وفهم التوحيد، "وعن نبيّك الّذي أُرسل إليك"، ثمّ الدافع لفهم النبوة، "وعن دينك الّذي كنت تدين به، وعن كتابك الّذي كنت تتلوه..."7.

وأثناء عرضه هذه العقائد الأصيلة، والمطالب الأساس للإسلام، كالتوحيد والنبوّة والقرآن والدين، يُبيّن عليه السلام هذه النقطة الأساس بقوله: "وعن إمامك الّذي كنت تتولّاه"8، فهو هنا يطرح موضوع الإمامة. وقضيّة الإمامة عند الأئمّة تعني قضيّة الحكومة أيضًا، إذ لا يوجد فرق بين الولاية والإمامة على لسان الأئمّة عليهم السلام. وإن كان للوليّ والإمام معانٍ مختلفة عند بعض النّاس، ولكن هاتين القضيّتين - الولاية والإمامة ــ على لسان الأئمّة أمرٌ واحدٌ، والمراد منهما واحد. وكلمة "الإمام" المقصودة هنا تعني ذلك الإنسان المتكفّل بإرشاد النّاس وهدايتهم من الناحية الدينيّة، والمتكفّل أيضًأ بإدارة أمور حياتهم من النّاحية الدنيويّة، أي خليفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقائد المجتمع، أي ذلك الإنسان الّذي نتعلّم منه ديننا، وتكون بيده إدارة دنيانا أيضًا، بحيث تكون إطاعته في أمور الدّين والدّنيا واجبة علينا.

وهكذا عندما كان الإمام السجّاد عليه السلام يقول إنّك ستُسأل عن إمامك في القبر، كان يُشير إلى أنّك هل انتخبت الإمام المناسب والصّحيح؟ وهل أنّ ذلك الشّخص الّذي كان يحكمك، ويقود المجتمع الّذي تعيش فيه، هو حقّاً إمام؟ وهل هو ممّن رضي الله عنه؟ لقد كان الإمام بهذا الكلام يوقظ النّاس، ليجعل هذه القضيّة حسّاسة في نفوسهم.

بهذه الطريقة كان الإمام يحيي قضيّة الإمامة. فلمّا لم يكن الجهاز الأمويّ الحاكم يرضى بأن يتمّ الحديث عنها، استخدم الإمام أسلوب الموعظة.

ب- الخطاب الموّجه للخواص:
في الخطاب الموجّه إلى المؤمنين، نجد الأمر يختلف، لأنّ هؤلاء المؤمنين يعرفون الإمام السجّاد عليه السلام، وقوله مقبول عندهم. لهذا لم يكن يستند في كلامه إلى الآيات القرآنية. ولو أحصينا كلّ كلامه الموجّه إليهم، لوجدنا أنّ استخدام الآيات القرآنية فيه قليل جدًّا.

نجد في كتاب تحف العقول نموذجًا لهذا النّوع من الكلمات الصّادرة عن الإمام السجّاد عليه السلام.

"كفانا الله وإيّاكم كيد الظالمين، وبغي الحاسدين، وبطش الجبّارين"9. ويُعلم من هذا البيان أنّ الإمام والجمع الحاضر مهدّدون من قِبَل السلطات الحاكمة، وأنّ المسألة ترتبط بمجموعة خاصّة: المؤمنين بأهل البيت عليهم السلام، ولذلك جاء الخطاب بصيغة "يا أيّها المؤمنون"، خلافًا للنّوع الأوّل حيث يستعمل "يا أيّها النّاس" أو "يا ابن آدم"، وذلك لأنّ الخطاب موجّه في الحقيقة إلى المؤمنين بأهل البيت وأفكار أهل البيت عليهم السلام.

والدّليل الآخر الواضح جدًّا هو عندما يقول عليه السلام: "أيّها المؤمنون، لا يفتننّكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في الدنيا، المائلون إليها، المفتونون بها، المقبلون عليها"10.

فالمقصد الأصليّ من الكلام هو حفظ هؤلاء المؤمنين، وبناء الكادر اللازم للمستقبل. ومن الواضح أنّه على أثر الصّراع الشّديد في الخفاء، ما بين أتباع الأئمّة عليهم السلام وبين أتباع الطواغيت، فإنّ أتباع الأئمّة عانوا من الحرمان الكبير والخطر الأكبر الّذي يُهدّد المجاهدين، وهو التوجّه إلى الرفاهية، هذه الرفاهية الّتي لن تجرّهم سوى إلى ترك الجهاد.

ماذا يعني التّحذير من الدنيا؟ إنّه يعني حفظ النّاس من الانجذاب نحو المترَفين والإيمان بهم وتمييزهم، بحيث تقلّ حدّة مواجهة النّاس لهم. وهذا النّوع من الخطابات موجّه للمؤمنين، أمّا في الخطاب المتوجّه إلى عامّة النّاس، فقلّما نجد مثل هذا النّوع. ففي خطاب عامّة النّاس، كثيرًا ما يظهر: أيّها النّاس، التفتوا إلى الله، إلى القبر والقيامة، إلى أنفسكم والغد. فما هو هدف الإمام عليه السلام من هذا النوع الثاني من الخطاب؟ المقصود هو بناء الكادر.

فهو عليه السلام يريد أن يصنع من المؤمنين كوادر ملائِمة للمرحلة، ولهذا يُحذّرهم من الانجذاب نحو أقطاب القدرة والرّفاهية الكاذبة. ويُكرّر ذكر النّظام الحاكم، خلافًا للنوع الأوّل من الكلمات، كما يقول مثلاً: "وإنّ الأمور الواردة عليكم في كلّ يوم وليلة من مظلمات الفتن، وحوادث البدع، وسنن الجور، وبوائق الزمان، وهيبة السلطان، ووسوسة الشيطان"11.

وهنا نجد أنّ الإمام بعد ذكر هيبة السّلطان وقدرته، يذكر مباشرة وسوسة الشّيطان، يريد بذلك أن يلفت النظر، وبكلّ صراحة، إلى حاكم ذلك الزّمان، ويضعه إلى جانب الشّيطان. وفي تتمّة الكلام جملة لافتة ومهمّة جدًّا، لذلك أنقلها، فهي تحكي عن مطلب كُنتُ قد ذكرته سابقًا: "لتثبّط القلوب عن تنبهها، وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحقّ"12، تلك الهداية الموجودة الآن في المجتمع. فهذه الأحداث الّتي ترد على الإنسان في حياته في الليل والنّهار - في عصر القمع - تمنع القلوب من تلك النيّة والتوجّه والدافع والنشاط المطلوب للجهاد.

فالإمام السجّاد عليه السلام يعظهم بالأسلوب السّابق نفسه، "وإيّاكم وصحبة العاصين، ومعونة الظّالمين" فهو يُحذّرهم من مجالسة أهل المعاصي. من هم أهل المعاصي؟ أولئك الذين جُذبوا إلى نظام عبد الملك الظالم. الآن، حاولوا أن تتصوّروا شخصية الإمام السجّاد، وأن تكوّنوا تصوّرًا عنه عليه السلام. هل ما زال ذلك الإمامَ المظلوم الصّامت المريض الّذي لا شأن له بالحياة؟ كلّا، فالإمام هو الّذي كان يدعو مجموعة من المؤمنين والأصحاب، ويُحذّرهم، بهذه الصّورة الّتي ذكرناها من التقرّب إلى الظلَمة، ونسيان المجاهدة، ويمنعهم من الانحراف عن هذه الطريق، وكان يحفّزهم ويشحنهم بالنشاط، ويدفعهم من أجل أن يكونوا مؤثّرين في إيجاد الحكومة الإسلاميّة.

من جملة الأشياء الّتي أراها جليّة وشديدة الأهميّة في هذا القسم من كلمات الإمام السّجاد عليه السلام، تلك الكلمات الّتي يُذكّر فيها بتجارب أهل البيت عليهم السلام الماضية. ففي هذا القسم يُشير الإمام عليه السلام إلى تلك الأيّام الّتي مرّت على النّاس من قِبَل الحكّام الجائرين، مثل معاوية ويزيد ومروان، ووقائع مثل الحرّة وعاشوراء، وشهادة حجر بن عديّ، ورشيد الهجريّ، وعشرات الحوادث المهمّة والمعروفة والّتي مرّت على أتباع أهل البيت طيلة الأزمان الماضية، واستقرّت في أذهانهم. ويريد الإمام عليه السلام أن يحثّ أولئك المخاطَبين من خلال ذكر تلك الحوادث الشّديدة، على التحرّك والثورة. والتفتوا الآن إلى هذه الجملة: "فقد لعمري استدبرتم من الأمور الماضية، في الأيّام الخالية، من الفتن المتراكمة، والانهماك فيها، ما تستدلّون به على تجنّب الغواة"13، أي إنّكم تستحضرون تلك التّجارب، وتعلمون ماذا سيفعل بكم أهل البغي والفساد - وهم حكّام الجَور - عندما يتسلّطون عليكم. ولذلك يجب عليكم أن تتجنّبوهم وتواجهوهم. وفي هذا الخطاب يطرح الإمام مسألة الإمامة بصورة صريحة، أي قضيّة الخلافة والولاية على المسلمين، والحكومة على النّاس، وإدارة النّظام الإسلاميّ. هنا يُبيّن الإمام السجّاد عليه السلام قضيّة الإمامة بالصّراحة، في حين أنّه في ذلك الزّمن لم يكن ممكنًا طرح مثل هذه المطالب على العامّة. ثم يقول عليه السلام: "فقدّموا أمر الله وطاعته، وطاعة من أوجب الله طاعته"14.

وهنا يُعيّن الإمام فلسفة الإمامة عند الشّيعة، والإنسانَ الّذي يجب أن يُطاع بعد الله. ولو فكّر النّاس في ذلك الوقت بهذه المسألة، لعلموا بوضوح أنّه لا يجب طاعة عبد الملك، لأنّه من غير الجائز أن يوجب الله طاعة عبد الملك، ذلك الحاكم الجائر بكلّ فساده وبغيه. وبعد أن يُقدّم الإمام هذه المسألة، يتعرّض لردّ شبهة مقدّرة، فيقول: "ولا تقدّموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطّواغيت، وفتنة زهرة الدنيا، بين يدي أمر الله وطاعته، وطاعة أولي الأمر منكم"15. فالإمام عليه السلام في هذا القسم من كلمته يتعرّض بصراحة لقضية الإمامة.

1- ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم، ط2، 1404هـ، ص391.
2- مجلة باسدار إسلام، 10- .
3- العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 6، ص 259.
4- م.ن، ج 75، ص 128.
5- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 249.
6- م. ن.
7- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 249.
8- م. ن.
9- الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص15.
10- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 252.
11- الشيخ الكليني، الكافي، ج 8، ص 15.
12- م. ن، ص 15.
13- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 253.
14- م.ن، ص 254.
15- م.ن.

 

الثلاثاء, 20 شباط/فبراير 2024 03:12

ملامح انكسار الهجوم الإسرائيلي

ملامح انكسار الهجوم البري تتنامى في ظل شعور الجنود الإسرائيليين بأنهم يتعرضون لخطر كبير، ولا يستطيعون تحقيق أي إنجاز يمكن أن يتفاخروا به وأن يسوقوه أمام المجتمع الإسرائيلي بأنهم أبطال.

أيمن الرفاتي

على عكس الدعاية الإسرائيلية المتواصلة بقرب السيطرة على قطاع غزة، وبعد 80 يوماً من الحرب، بانت ملامح انكسار الهجوم العسكري الكبير لجيش الاحتلال في القطاع من دون تحقيق أيٍ من أهداف الحرب التي أعلنها، وسط صمود أسطوري للمقاومة وأثمان كبيرة يدفعها الجيش الإسرائيلي.

في منطقة شمال قطاع غزة، ظهر انكسار العملية العسكرية في ظل عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على إحكام سيطرته على جميع المناطق التي دخلها على الرغم من استخدامه سياسة الأرض المحروقة والقصف السجادي المكثف، وبات مستنزفاً في هذه المناطق، وما زالت العمليات شديدة وقوية ومركزة في المناطق التي دخلها الاحتلال منذ الأيام الأولى للاجتياح البري، ولا يكاد يمر يوم دون إيقاع خسائر فادحة بهذه القوات.

وتظهر الشهادات التي قدمها العديد من جنود الاحتلال بأنهم يتعرضون لمقاومة شرسة غير متوقعة مليئة بالكمائن والضربات من الخلف، وباتت الدبابات لا توفر الحماية لهم في ظل تعرضها للاستهداف المتواصل من المقاومة التي استهدفت حتى الوقت الحالي أكثر من ألف آلية، وحيّدت أكثر من 10 آلاف جندي إسرائيلي مدرب، فيما يعترف العديد من الجنود بأنّ الخوف يتملك قلوبهم، وأن غالبيتهم عادوا بأمراض نفسية بعد المشاهد المخيفة داخل القطاع.

في مقابل ذلك، مثّل الصمود الأسطوري للمقاومة في قطاع غزة أكبر صدمة للمستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي، فقد كان الجيش يتوقع أن تكون مهمته أقل صعوبة مما بدت خلال الهجوم البري، وهو ما جعل تفكيره في مرحلة ما بعد الحرب أمراً مشكوكاً في واقعيته، وبات يطرح حلولاً مثل إقامة شريط عازل داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، وهو أمر فاشل عملياتياً من المعلوم أن المقاومة لن تسمح بوجوده، وأن هذا الفعل هدفه إعلامي لإرضاء المستوطنين وتفاوضي مع قرب نهاية الحرب.

ملامح انكسار الهجوم البري تتنامى في ظل شعور الجنود الإسرائيليين بأنهم يتعرضون لخطر كبير، ولا يستطيعون تحقيق أي إنجاز يمكن أن يتفاخروا به وأن يسوقوه أمام المجتمع الإسرائيلي بأنهم أبطال، ولا يوجد هدف محدد لهم من قبل القيادة السياسية يمكن تحقيقه.

أحد أهم أسباب الانكسار هو حالة الخذلان الاستخباري التي بات الجيش الإسرائيلي يشعر بها، فجميع المعلومات الاستخبارية التي قدمها جهاز الأمن العام الإسرائيلي سطحية، وكثير منها مضلل وغير صحيح، ولا يرقى إلى حجم التحديات المفروضة أمام الجيش في الميدان.

هذا الأمر جعل قيادة الجيش والجنود في الميدان يشعرون بأنهم ذاهبون إلى المجهول، وأن نسبة عودتهم سالمين ضئيلة جداً، وهو ما جعل الجيش يشعر بالذهول مما يواجه من مقاومة، ويدرك أنه دخل وحلاً خطيراً سيؤدي الاستمرار فيه إلى انكسار وحدات وقوات كانت يتغنى بأن اسمها يرعب أعداء الكيان.

ملامح الانكسار ظهرت جلياً في صمود الفلسطينيين أمام الحمم التي يطلقها الجيش الإسرائيلي عليهم، بل والأشد عدم انكسار الفلسطينيين أو رفع أي مقاتل منهم الراية البيضاء، إضافةً إلى فشل الجيش في الوصول إلى قيادة المقاومة بمختلف مستوياتها. هذا الأمر لا يوجد أي أفق ميداني أو معلوماتي لدى "دولة" الاحتلال بقرب تحققه في ظل احتياطات كبيرة ومسبقة من المقاومة لسيناريو دخول الجيش.

الخسائر الكبيرة التي مُني بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة لا يحتملها المجتمع الإسرائيلي. إنها حقيقة حاول المستويان السياسي والعسكري التغطية عليها بأن هذه الحرب هي حرب وجودية، لكن المعطيات الداخلية لدى الاحتلال تشير إلى انزعاج وضغط كبير بدأت عائلات الجنود تمارسه لوقف الحرب حتى لا يقتل مزيد من الجنود. وقد أكد آخر استطلاع لصحيفة معاريف أن ثلثي المجتمع الإسرائيلي بات مقتنعاً حالياً بضرورة التوصل إلى حل يؤدي إلى وقف الحرب مع غزة.

بعد 80 يوماً من الحرب، أيقنت "دولة" الاحتلال أنَّ إمكانية كسر المقاومة داخل قطاع غزة مستحيلة، وأن مهمة استعادة الأسرى أحياء بعيدة المنال. ولتحقيق جميع الأهداف المعلنة، قد يحتاج جيش الاحتلال إلى أشهر طويلة، وربما سنوات، وهو أمر لا يمكن تمريره بسبب تأثيرات الحرب في الاقتصاد العالمي والوضع الداخلي الأميركي والاستقرار الإقليمي والوضع الداخلي الإسرائيلي. 

انكسار الهجوم الإسرائيلي لا يظهر فقط في الميدان، بل من خلال حديث الكثير من المحللين السياسيين والعسكريين والمفكرين الإسرائيليين الذين باتوا يحذّرون من أن استمرار الحرب يعزز بشكل كبير الكره لـ"إسرائيل" لدى الفلسطينيين والعرب، وأيضاً لدى شعوب العالم، بسبب الفظائع التي ارتكبت ضد المدنيين والأطفال والنساء والمستشفيات والمرافق الطبية. هذا الأمر سيؤدي إلى تراجع الدعم الخارجي لكيان الاحتلال الذي يعد عمود بقائها في المنطقة.

وقد دلَّت تصريحات نائب رئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال السابق يائير جولان لصحيفة معاريف العبرية على حجم الأزمة التي وقعت بها "دولة" الاحتلال بقوله: "مشكلة العملية البرية أن المستوى السياسي لا يوضح أهداف الحرب. التصريح بأنه سيتم سحق حماس لا يكفي، والسؤال: ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ لا مفر من التوصل إلى اتفاق مع الحركة، وليس مع أي فاعل آخر، لأنها الوحيدة القادرة على إطلاق سراح المختطفين".

وأدى الضغط الذي تمارسه عائلات الجنود الأسرى لدى المقاومة إلى ضغط حقيقي أيضاً على المستوى السياسي والجيش بعدما انتقلت التظاهرات إلى مقر وزارة الحرب، وهو أمر غير مسبوق، وعدم اكتراث المستوى السياسي لمطالبهم سيؤدي إلى انكسار أحد أهم ركائز المجتمع الإسرائيلي القائم على أولوية الجندي واستعادته من المعركة مهما كلف الثمن.

 

 

أعلن تحالف المنظمات المؤيدة لفلسطين تفاصيل اليوم العالمي الثاني للتضامن مع سكان قطاع غزة، المزمع انطلاق مسيراته اليوم السبت في أكثر من 100 مدينة في أكثر من 45 بلدا حول العالم.

وقال إنه ستشارك في هذا الحدث العالمي عواصم كبرى من جميع أنحاء العالم، مثل لندن وواشنطن وسيدني وإسطنبول وسيول.

وفي بريطانيا، ستبدأ المسيرة المقررة من منطقة ماربل آرش، المحاذية للهايد بارك، وسط العاصمة لندن، الساعة 12:30 ظهرًا، اليوم السبت متجهة نحو السفارة الإسرائيلية في حي كينسيغتون.

تشغيل الفيد وقد أصدر التحالف المكون من المنتدى الفلسطيني في بريطانيا وتحالف أوقفوا الحرب وحملة التضامن مع فلسطين وحملة وقف التسليح النووي والرابطة الإسلامية في بريطانيا ومنظمة أصدقاء الأقصى، نداء عاجلا للتحرك ردا على الأزمة الإنسانية الكارثية غير المسبوقة في رفح، جنوبي قطاع غزة.

وقال إنه "مع تصاعد عمليات الجيش الإسرائيلي، يواجه المدنيون في رفح خطر نزوح وشيك، إضافة إلى جميع أنواع المعاناة الأخرى التي تحيط بهم، مما سيضاعف العدد الصادم من الشهداء والجرحى والنازحين".

ودان التحالف بشدة جميع أشكال العدوان ضد السكان المدنيين في غزة، وأهاب بالمجتمع الدولي أن "ينفّذ إجراءات حازمة وجدية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها ضد الإنسانية".

ودعا التحالف لمشاركة العالم أجمع في اليوم العالمي لنصرة غزة، وللدعوة لوقف الإبادة الجماعية في القطاع، والمطالبة بالحرية لفلسطين.

وقال عدنان حميدان نائب رئيس المنتدى الفلسطيني في بريطانيا إن الحراك في اليوم العالمي الثاني للتضامن مع غزة يكتسب زخما خاصا بمشاركة مئات المدن والعواصم حول العالم، وفي لندن بالذات، حيث يأتي هذا الحراك في توقيت مهم بين يدي تصويت البرلمان مجددا على تبني الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة في 21 من الشهر الجاري.

 

السيد نصر الله يؤكد أنّ تضحيات حركات المقاومة "لا تنطلق من حالة انفعالية أو رد فعل مؤقت، بل من الوعي والمعرفة بالأهداف". ويضيف أنه على "الأميركيين والصهاينة، أن يعرفوا أنهم في فلسطين، أمام شعب لن يتراجع مهما بلغت التضحيات".

"ثمن دماء المدنيين سيكون دماءً وليس مواقع وآليات وأجهزة تجسس إسرائيلية"، وفق الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الذي قال إنّ "هدف العدو الإسرائيلي من قتل المدنيين، الضغط على المقاومة لتتوقف، لأن كل الضغوط منذ 7 أكتوبر كان هدفها وقف جبهة الجنوب"، مؤكداً أنّ المقاومة لا تتحمل موضوع المس بالمدنيين "ويجب أن يفهم العدو أنه ذهب في هذا الأمر بعيداً".

وشدّد السيد نصر الله، في حفل الذكرى السنوية للشهداء القادة، الذي أقامه حزب الله في بيروت، أنّ الجواب على المجزرة، "يجب أن يكون مواصلة وتصعيد العمل في الجبهة"، مؤكداً أنّ استهداف مستوطنة "كريات شمونة" بعشرات صواريخ الكاتيوشا وعدد من صواريخ "الفلق"، "هو ردٌ أولي"، على ما جرى في النبطية والصوانة.

وفي إطار ردّه على وزير "أمن" الاحتلال، يؤآف غالانت، الذي هدّد مؤخراً بالوصول إلى بيروت، حسم السيد نصر الله، موقفاً سابقاً، مذكراً غالانت وقادة العدو، بأنّ "المقاومة في لبنان تملك من القدرة الصاروخية الهائلة والدقيقة التي تمتد من كريات شمونة إلى إيلات"، مشيراً إلى أنّ المقاومة "في قلب معركة حقيقية على جبهة تمتد أكثر من 100 كيلومتر"، وارتقاء شهداء من المقاومة "جزء من المعركة القائمة".

وفي سياق خطابه، أكد السيد نصر الله، أنّ تضحيات حركات المقاومة "لا تنطلق من حالة انفعالية أو رد فعل مؤقت، بل من الوعي والبصيرة والمعرفة بالأهداف". ووفقاً له، فإنّه "على الأميركيين والصهاينة أن يعرفوا أنهم في فلسطين أيضاً، أمام شعب لن يتراجع مهما بلغت التضحيات ومهما بلغ البذل".

وفي  السياق نفسه، شكر السيد نصر الله، القوات المسلحة اليمنية وحركة أنصار الله، الذين واصلوا حتى اليوم، استهداف السفن الأميركية والبريطانية، "على الرغم من العدوان الأميركي والبريطاني عليهم"، مضيفاً أنّ "المعركة الأساسية تبقى ما يجري في غزّة"، معقباً بالقول، إنّ الجزائر قدّمت أكثر من مليون أو مليوني شهيد، "ولو لم تقدم كل هؤلاء الشهداء، هل كانت الجزائر ستتحرر؟".

كلفة الاستسلام كبيرة وخطيرة

وفي حديثه عن كلفة المقاومة وثمنها وتبعاتها والتضحيات المترتبة عليها، وهو "عنوان مطروح منذ العام 1984" وفق السيد نصر الله الذي شدّد على أنّ "كلفة الاستسلام كبيرة وخطيرة وباهظة ومصيرية جداً". 

ورأى السيد نصر الله أنّ "الاستسلام يعني خضوعاً وذلاً وعبودية واستهانة بكبارنا وصغارنا وأعراضنا وأموالنا"، مردفاً أنّ "ثمن الاستسلام في لبنان، يعني الهيمنة السياسية والاقتصادية الإسرائيلية على بلدنا".

إضافةً إلى ذلك، قال السيد نصر الله إنّه لو استسلم الشعب الفلسطيني، "لكان اليوم أهل غزّة خارجها وأهل الضفة خارجها وحتى أهل أراضي 48 خارجها"، موضحاً أنّه "من جملة المسؤوليات الملقاة على عاتقنا، وعلى عاتق الشعوب الإسلامية وأحرار العالم هو تبيان الحقائق".

وتساءل السيد نصر الله: "أليس من الذل والهوان والضعف والوهن أنّ دولاً تدير ملياري مسلم لا تستطيع إدخال الدواء والغذاء إلى أهل غزّة؟"

المقاومة الفلسطينية تعرّضت لأبشع عملية تزوير وإهانة

وعن الأكاذيب والشائعات، التي طالت المقاومة الفلسطينية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، أكّد السيد نصر الله أنّها تعرّضت منذ عملية طوفان الأقصى إلى اليوم، "إلى أبشع عملية تزوير وإهانة، تعرضت لها المقاومة في تاريخنا".

وقال إنّ المقاومة جعلت العدو "يعيش في أزمة وجود ذروتها كانت طوفان الأقصى"، مؤكداً أنّ الإسرائيلي لم يستطع أن يقدّم للعالم دليلاً واحداً على الأكاذيب التي روّج لها منذ 7 أكتوبر.

كما لفت إلى أنه لو فُتح تحقيق حول 7 أكتوبر، فسيكون من نتائجه انهيار "الأساس الأخلاقي والقانوني الذي يدعيه نتنياهو وبايدن بإصرارهما على القضاء على حماس".

وفي هذا الإطار، بيّن السيد نصر الله أنّ كثيرين صدّقوا التزوير التاريخي الإسرائيلي بخصوص 7 أكتوبر، "بما في ذلك دول تقول إنّها صديقة لحماس"، مشيراً إلى أنّ "أكبر ظاهرة نفاق يشهدها العالم اليوم، هي موقف الإدارة الأميركية تجاه ما يجري في غزّة"، موضحاً أنّه إذا أوقفت الولايات المتحدة تسليح ودعم "إسرائيل" الآن، "فسيتوقف العدوان مباشرة شاء نتنياهو أم أبى".

وشدد السيد نصر الله أنّ الذي يصرّ على هدف القضاء على حماس هي أميركا أكثر من "إسرائيل"، موضحاً أنّ المسؤول عن كل قطرة دم في المنطقة هو الإدارة الأميركية "والمسؤولون الإسرائيليون هم أدوات تنفيذ".

الهدف الإسرائيلي تهجير الفلسطينيين

كذلك، أوضح السيد نصر الله أنّ ما كشفته "طوفان الأقصى" هو أنّ الهدف الإسرائيلي الذي كان يعمل عليه "هو تهجير الفلسطينيين وإقامة دولة يهودية خالصة"، مشيراً إلى أنّ هدف حصار قطاع غزّة، كان "إيصالها إلى الموت بسكون وهدوء ومن دون أن يهتز العالم".

ولافتاً إلى أنّ "الهدف الإسرائيلي هو تهجير أهل الضفة إلى الأردن، وأهل غزّة إلى مصر، وأهل الـ48 إلى لبنان، والمسؤولية تقتضي منع تهجير الفلسطينيين، وهذا يتطلب مواجهة كبرى".

السيد نصر الله: نحن لا نتدخل في المفاوضات

أما بالنسبة إلى التفاوض السياسي بين فصائل المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، فأكّد نصر الله أنّ "المعني بها هو الفصائل الفلسطينية، التي فوّضت حماس، ونحن لا نتدخل بما يجري في المفاوضات".

كما أشار إلى أنّ حماس والمقاومة الفلسطينية، "يُمثلون جبهات محور المقاومة وكل مواقع الإسناد العسكري واللوجستي لهم".

هدف محور المقاومة إلحاق أكبر خسائر بالعدو

وفي خطابه أيضاً، قال السيد نصر الله، إنّ المقاومة في لبنان وفلسطين، "كسرت ميزان الردع الإسرائيلي وهشّمت صورته وأوجدت ميزان ردع حماية"، مضيفاً: "مهما قلنا وشرحنا، ستكون ألسنتنا عاجزة عن توصيف المقاومة الأسطورية في غزة والصمود الأسطوري لشعب غزّة".

ولفت السيد نصر الله أيضاً إلى أنّ "الإسرائيلي والأميركي لم يتوقعا"، أن تكون لدى المقاومة في لبنان "الإرادة والشجاعة لفتح الجبهة لمساندة غزّة".

وفي ردٍ على تساؤلات حول هدف محور المقاومة، قال السيد نصر الله إنّ المحور "دولاً وشعوباً وحركات ومقاتلين هدفه كان وسيبقى هو هزيمة العدو"، متابعاً: "المقصود بهزيمة العدو في هذه المعركة، هو فشله في تحقيق أهدافه".

سلاح المقاومة لحماية لبنان

وعن الوضع الداخلي اللبناني، شدد السيد نصر الله على أنّ "سلاح المقاومة ليس لتغيير النظام السياسي والدستور ونظام الحكم وفرض حصص طائفية جديدة في لبنان"، مؤكداً أنّ "سلاح المقاومة هو لحماية لبنان".

وشرح أنّ الحدود البرية مُرسّمة وأيّ مفاوضات ستكون على قاعدة "اخرجوا من أرضنا اللبنانية"، مردفاً أنّ "ثقافة مقاومتنا ثقافة حياة وكرامة وليست ثقافة ذل وهوان واستسلام".

المصدر: المیادین

الناطق باسم "كتائب القسّام"، أبو عبيدة، يؤكّد أنّ ما يُبثّ من مشاهد جزءٌ من إنجازات المقاومين في الميدان، ويضيف أنّ الخسائر في صفوف أسرى العدو باتت كبيرة جداً.

 أكّد الناطق باسم "كتائب القسّام"، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أبو عبيدة، اليوم الجمعة، أنّ معركة "طوفان الأقصى" تُمثّل بداية النهاية لأقدم احتلال في التاريخ الحديث، وستكون نقطةً فاصلة في تاريخ أمتنا".

وقال أبو عبيدة، في كلمةٍ مُسجّلة، إنّ "مجاهدينا يُوقعون في صفوف العدو خسائر فادحة غير مسبوقة، ويوقعون أفراده في كمائن مُحكمة".

وأشار إلى أنّ ما تبثّه "القسّام" من مشاهد جزءٌ من إنجازات المقاومين في الميدان، مضيفاً: "نُؤْثِر تأجيل بث بعض المشاهد لأسباب أمنية"، مضيفاً أنّ "مجاهدينا يُنفذون عملياتٍ نوعية قاتلة، بالتوازي مع عمل قوى الأمة في المقاومة".

ولفت إلى أنّ مجاهدي "القسّام" يخوضون في مناطق التوغل كافّة، في شمال غزّة ووسطها وجنوبيّها، معاركَ عبر تكتيكاتٍ مُتنوعة، وبأسلحةٍ ملائمة، مشدداً على أنّ المقاومة ضد العدو الإسرائيلي "مُستمرة حتى خروج آخر جندي صهيوني من قطاع غزّة".

وتابع: "لسنا معنيين بالتفنيد التفصيلي لمزاعم العدو وأكاذيبه في الميدان، والمستقبل القريب والمستقبل البعيد سيثبتان وهم العدو وأكاذيبه".

وذكّر أبو عبيدة بتحذير كتائب القسام "عشرات المرّات من المخاطر، التي يتعرّض لها أسرى العدو لدى المقاومة، لكن قيادة العدو تجاهلت ذلك".

وشدّد أبو عبيدة على أنّ "الخسائر في صفوف أسرى العدو باتت كبيرة جداً، وحاولنا حمايتهم ورعايتهم، منذ أشهر، من أجل تحقيق مصالح شعبنا، ولا نزال نسعى لذلك".

وفي اليوم الـ 133 منذ بداية ملحمة "طوفان الأقصى"، تواصل المقاومة في غزّة استهداف القوات الإسرائيلية المتوغلة في خان يونس، وتخوض الاشتباكات في عدّة محاور في المدينة.

وبينما تواصل المقاومة تصدّيها للقوات الإسرائيلية المتوغّلة في القطاع، فاقت حصيلة قتلى "جيش" الاحتلال 230، منذ بدء المعارك البرية في قطاع غزة، وتجاوزت الحصيلة الإجمالية 570 قتيلاً من الجنود والضباط، منذ بداية "طوفان الأقصى".

 

الثلاثاء, 20 شباط/فبراير 2024 03:04

كيف تهيئين طفلك لوظائف المستقبل؟

لاريسا معصراني

تتغير الوظائف تزامنا مع التطور التكنولوجي واحتياجات السوق، لتظهر وظائف أخرى كنتيجة حتمية تنسجم مع مخرجات الثورة الصناعية الرابعة والروبوتات المتقدمة والذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، لذا يجب إعداد الأطفال لوظائف غير موجودة بعد؛ لمساعدتهم على الاستعداد لمستقبلهم، كما يجب تزويدهم بمجموعة من المهارات المناسبة.

وبحسب الباحثين المتخصصين، فإن تهيئة الأطفال ليكونوا ناجحين في وظائفهم المستقبلية تكون من خلال دعم الأهل، فما الذي يمكن للوالدين القيام به لمساعدة أطفالهم في اختيار وظائف المستقبل؟.. إليك ما يقوله المختصون.

القيادة الفعالة من أهم ما يجب أن يتقنها الطفل، وتعتبر مؤشرا قويا على الثقة في النفس (غيتي)

تنصح الأخصائية في علم الاجتماع شانتال صعب الوالدين في حديثها إلى الجزيرة نت باتباع عدة خطوات لمساعدة الطفل للتوجه إلى المهن المناسبة التي تواكب العصر والتكنولوجيا، وهي:

  • جمع المعلومات: جمع كل الخطوات التي سيقوم بها الطفل على مدار الأعوام المقبلة ليهيئ نفسه للالتحاق بالكلية التي تناسبه، ومن المهم أيضا معرفة أماكن المعاهد والجامعات التي يستطيع الالتحاق بها.
  • تنمية المهارات الحياتية: تنمية مهارات الطفل بشكل فعّال لتحقيق النجاح الشخصي في المستقبل، ومنها تشجيع الطفل على الاطلاع والاشتراك بمواقع مختلفة لتزويده بالمعلومات، إضافة إلى تشجيعه على الاستمرارية والتحدي للوصول للهدف، مما يسعده على اكتساب ميزة اتخاذ القرارات.
  • تشجيع الطفل على التفكير والإبداع بحرية: يجب أن يكون الطفل قادرا على التعبير عن كل ما يدور في ذهنه، فأي عمل إبداعي هو شكل من أشكال التعبير عن الذات، كما يجب السماح له بالتعبير عن ما يحبه بطريقته الخاصة، وهكذا يستكشف الأمور ويبحث عما يستهويه.
  • الحوار والمناقشة مع الطفل: القيام بجلسات حوارية مع الطفل وتحديد ماذا يحب أن يكون، وماذا لا يحب وعمل قوائم بما يفضل، وما لا يفضله أيضا، لمناقشة الاختيارات جميعا. ومن المهم ترك حق الاختيار للطفل وعدم إجباره على اختيار دراسة أو مهنة ما.
  • عدم توبيخ الطفل: ترك العنان للطفل للتجارب واختيار المناسب له مع التوجيه غير المباشر.
  • التدريب على المرونة: الطفل الذي يستطيع فهم كل تغيير والتفاعل معه سينجح في الحياة كبالغ. لذا من المهم تعليم طفلك كيفية استيعاب لحظات التغيير وتحويلها إلى فرصة للنمو، مما يعلمه أن يكون أكثر مرونة.
  • تطوير القيادة الفعّالة: تعدّ هذه من ضروريات القوى العاملة المستقبلية. فالقيادة الفعالة هي من أهم ما يجب أن يتقنه الطفل، وتعتبر مؤشرا قويا للثقة في النفس وتمثل دورًا مهمًا في نجاح المستقبل المهني لها، فهذه الصفة لها تأثير إيجابي على تحقيق الطفل إنجازات مميزة تختلف عن الآخرين.
    أي عمل إبداعي يقوم به الطفل هو أيضًا شكل من أشكال التعبير عن الذات (غيتي)

ما وظائف المستقبل؟

وفي هذا الإطار، تحدثت الإخصائية صعب عن أهم هذه الوظائف المستقبلية، ومنها:

 وظائف التكنولوجيا والمعلومات: تخصص الطفل في البرمجة يجب أن يبدأ مبكرا من خلال جمع المعلومات والاشتراك فى كورسات البرمجة، وأيضا الممارسة في تطبيق كل هذا مما قد يجعله يلتحق بهذه الوظائف في المستقبل.

  • وظائف الطاقة البديلة: بات الاعتماد الآن على الطاقة الشمسية والرياح بشكل كبير، وهذا يتطلب مهندسين لشغل هذه الوظيفة.
  • وظائف التسوق الإلكتروني: أصبح كل شيء عبر الإنترنت، الشراء، البيع، إنجاز ومتابعة الأوراق المهمة، حجز رحلات السفر، فمعظم الأمور الحياتية أصبحت تتم باستخدام التطبيقات الإلكترونية.

كليات الذكاء الاصطناعي هي الأهم

وتشير "صعب" إلى أن كليات الذكاء الاصطناعي ستصبح من أهم الكليات على الإطلاق، كون وظائف المستقبل ستعتمد على خريجي هذه الكليات اعتمادا تاما. لذلك تدريب الطفل وخوض تجارب الذكاء الاصطناعي من أهم الأمور التي ستهيئ طفلك لوظائف المستقبل، وتشمل مدربين ومشرفين مستقلين، كتابا وموسيقيين وفنانين وخبراء في الأمن الإلكتروني، وكلهم معززون بقدرات الذكاء الصناعي.

مهارات الطفل التكنولوجية تشجعه على التفكير المنطقي وتعزيز مهاراته في حل المشكلات (غيتي)

5 طرق لتهيئة الطفل لوظائف مستقبلية

ومن جهة أخرى نشر موقع "كودا كيد" تقريرا عن أهم الطرق لإعداد طفلك لوظائف المستقبل الجديدة:

وفقاً لخبيرة تقنية التعليم في المستقبل كاثي دفيدسون، هناك 65% من أطفال اليوم ستنتظرهم وظائف مستقبلية لم تخطر في بال أحد.

وتوضح بأن هنالك 5 طرق أساسية لتهيئة الطفل وإعداده لوظائف مستقبلية، وهي:

  • تنمية حب العلم لدى الأطفال: إضافة للتمتع بالمهارات الأحدث كالتفكير التحليلي والقيادة والتعلم النشط ومتعة الاستكشاف وما إلى ذلك؛ لتحل محل المهارات القديمة؛ كالمهارة اليدوية والقدرة على التحمل وقوة الذاكرة والقدرات اللفظية.
  • تنمية مهارة القيادة: يحتاج الأطفال إلى الإيمان بأنفسهم والثقة بقدرتهم على تجربة أنشطة جديدة، وتساعدهم مهارات القيادة على ذلك.
  • التعامل مع الصعوبات: يجب على الوالدين تعليم أطفالهم كيفية التعامل مع الصعوبات التي يواجهونها، وتشجيعهم على النهوض بسرعة بعد الفشل أو التعثر، ومنحهم فرصة أخرى للتجربة والتحسين. كما يجب تعليم الطفل مهارة التفاوض واتخاذ القرارات مع زرع الثقة بالنفس.
  • تحفيز الطفل على التعاون والعمل الجماعي: تشجيع الأطفال على المشاركة في الأنشطة الجماعية الخارجية، والاستماع لآراء الآخرين واحترامها.
  • إتقان القراءة والكتابة والرياضيات: فكلها تسهم في التركيز والتحليل النقدي وتحسين النقاش مع زيادة المعرفة.
  • تعليم الطفل مهارة التكنولوجيا وتقنية البرمجة: في عالم الرقميات المتسارع أصبح تطوير مهارات التكنولوجيا للأطفال ضرورة ملحة لتشجيعهم على التفكير المنطقي وتعزيز مهاراتهم في حل المشكلات، وحتى يمكن تنمية مهاراتهم الإدراكية، فيميل تفكيرهم للإبداع والاختراع والابتكار.

المصدر :  مواقع إلكترونية

 

من الجيّد أن نلفت النظر إلى شخصيّة الإمام الحسين عليه السلام وصفاته وبعض الملامح العامّة لهذه الشخصيّة. ومن هذه الخصائص والملامح في شخصيته القيادية سلام الله عليه:
 
1- قوّة الإرادة: ويكفي أن نرى قوّة الإرادة عنده من إصراره على إنهاء المسيرة حتّى النهاية مع عائلته وأولاده رغم سماعه نبأ استشهاد مسلم بن عقيل رضوان الله عليه، في جوّ لا يطمئن بأيّ حسم عسكريّ لصالحه، بل في ظروف يعلم أنّه ملاقٍ فيها الشهادة، وهو القائل: "لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً"[1].
 
2- إباء الضيم: لقب "أبيّ الضيم" من أهمّ ألقابه المباركة، وقد قال عنه ابن أبي الحديد المعتزليّ: "سيّد أهل الإباء الّذي علّم الناس الحميّة والموت تحت ظلال السيوف اختياراً على الدّنيّة أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب عُرض عليه الأمان هو وأصحابه فأنف من الذلّ، وخاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنّه أبى الموت على ذلك"[2].
 
وهو الذي خلّد لنا التاريخ كلمته المشهورة الّتي تنبض بالعزّة والكرامة: "ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللِّئام على مصارع الكرام"[3].
 
3- الشجاعة: ومواقف عاشوراء كلّها دليل على هذه الشجاعة اللافتة للإمام عليه السلام وهو الّذي قال لأصحابه حينما أمطرتهم سهام الأعداء: "قوموا رحمكم الله إلى الموت الّذي لا بدّ منه، فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم"[4].
 
4- الصراحة والوضوح: توّجت كلّ هذه الصفات بصفة مهمّة جداً وهي الوضوح والصراحة، وهو القائل: "يا أمير إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله"[5].
 
5- الصلابة في الحقّ: وقد قال عليه السلام: "ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمَل به، وإلى الباطل لا يُتناهَى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله"[6].
 
6- الصبر: قال الأربليّ: "شجاعة الحسين عليه السلام يُضرَب بها المثل، وصبره في الحرب أعجز الأوائل والأواخر"[7].
إلى غيرها من الصفات الّتي اجتمعت في الإمام عليه السلام.
 


[1] الذهبي، سيرة أعلام النبلاء، ج3، ص310، والحديث في كتاب الطبري، والطبراني "إلا برما".
[2] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص302.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص8.
[4]  ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف، ص65.
[5] البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر ، أنساب الأشراف، ج1، ص1.
[6] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج44، ص381.
[7] الأربليّ، كشف الغمّة، ج2، ص20.