emamian

emamian

الثلاثاء, 13 شباط/فبراير 2024 03:34

المودّة والرحمة في الحياة الزوجية

يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾([1]) أي: جعل لكم من شكل أنفسكم "أزواجاً".
 
وإنّما منَّ سبحانه علينا بذلك، لأنّ الشكل إلى الشكل أميل ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَ﴾ أي: لتطمئنّوا إليها، وتألفوا بها، ويستأنس بعضكم ببعض. ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ يريد بين المرأة وزوجها، جعل سبحانه بينهما المودّة والرحمة، فهما يتوادّان ويتراحمان، وما شيء أحبّ إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما. والمودّة هي المحبّة الّتي تستتبع عملاً بمقتضاها ولا تقتصر على مجرّد الشعور القلبيّ، والرحمة: الشفقة. ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي: في خلق الأزواج مشاكلة للرجال  لَآيَاتٍ   أي: لدلالات واضحات ﴿لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في ذلك.
 
لأنّهم إذا تفكّروا في الأصول التكوينية الّتي تبعث الإنسان إلى بناء المجتمع من الذكورة والأنوثة الداعيتين إلى الاجتماع المنزليّ والمودّة والرحمة الباعثتين على الاجتماع المدنيّ والأنس ثمّ ما يترتّب على هذا الاجتماع من بقاء النوع واستكمال الإنسان في حياتيه الدنيا والأخرى، لعثروا من عجائب الآيات الإلهية في تدبير أمر هذا النوع على ما يبهر عقولهم ويدهش أحلامهم، فالإنسان يسدّ من خلال الزواج حاجات ودوافع فطرية منغرسة في حاقّ نفسه وأعماق فطرته، لا بُدّ له من قضائها وإلا يبقى في حالة اضطراب داخليّ وبحث باطنيّ عمّا يسدّها ولو كان بطرق غير إنسانية، فهذا في الواقع نفع دينيّ شخصيّ ومجتمعيّ، وهو أكبر مساعد على عفّة النظر وعفّة الفرج اللذين هما من أفضل العبادة.
 
لكي نتكلّم عن مقوّمات الحياة الزوجية إسلاميّاً وبالمنظار الإلهي لا بُدّ لنا أوّلاً أن نُلقي نظرة على كيفية نظرة الإسلام والقرآن لبناء البيت الزوجي والعلاقة الزوجية، إلى أيّ حدٍّ يُقدِّر ويحترم هذا البناء وهذه العلاقة؟
 
إنّ تقدير الإسلام للعلاقة الزوجية يُصنّف في أعلى درجات التقديس والاحترام وذلك من خلال عدّة أمور:
 
أوّلاً: نجد الآية القرآنية تجعل خلق الزوج لزوجه آيةً من آياته تعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم﴾ إذاً هي أمر يُعطيه الخالق أهميّة مميّزة حيث جعله آية من آياته.
 
ثانياً: ختم الآية سبحانه وتعالى بقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي أكّد كون العلاقة الزوجية آية ودعا إلى التفكّر والتدبّر في مكتنفات هذه الآية لما لها من أبعاد لطيفة جديرة بأن تُستنبط عن طريق التفكّر.
 
ثالثاً: الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من التزويج"([2]).

وهذا يؤكّد على أنّ الأبنية الكثيرة الّتي هي ضمن الإطار الإسلاميّ، بعضها أحبّ إلى الله تعالى من بعض وأحبّها على الإطلاق التزويج، وهذا من أعظم التعابير عن الأهمية والتقدير من قبل الله تعالى للبيت الزوجيّ!
 
وفي رواية عنه صلى الله عليه وآله وسلم:"ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها، وتُطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله"([3]).
 
إذا كانت أهمية هذه المؤسّسة العائلية لهذا الحدّ، وهذه المرتبة السامية بالنظر الشرعيّ الإسلاميّ فلا بُدّ أن نعرف كمؤمنين متديّنين عظم المسؤولية فيها، وذلك من خلال عدّة أمور:
 
أ- المؤمن يُحبّ ما أحبّ الله، فإذا كان البناء الزوجيّ أحبّ الأبنية الإسلامية إلى الله، فالمؤمن لا بُدّ أن يُحبّه ويكون لديه من أحبّ المؤسّسات، وإذا كان كذلك فإنّه سيعتني به، ويُعطيه أهمية قصوى ليكون بناءً متيناً قويّاً ومحقِّقاً للأهداف الإلهية الّتي سنذكرها فيما سيأتي.
 
ب- سيكون حذراً دائماً من إلحاق أيّ ضرر بهذه المؤسّسة المحترمة غاية الاحترام لدى الله سبحانه وتعالى، لأنّه لو قصّر أو تهاون أو حقّر ـ لا سمح الله ـ هذا البناء فإنّه سيكون قد وضع ما رفعه الله، وحقّر ما عظّمه الله تعالى وهذا سيكون من المهلكات..!
 
كيف إذا رأيت أحداً يريد تخريب بناء مقدّس كالمسجد، فإنّك تعتبره خاطئاً بل مجرماً، فكذلك العلاقة الزوجية هي بناء محترم غاية الاحترام في الإسلام بل بنصّ الرواية: "ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله من الترويج" فإنّ من أراد تخريبه وإلحاق الضرر به فإنّه سيكون قد ارتكب إحدى الموبقات.
 
وهذا طبعاً يُحمِّل المؤمن مسؤولية كبرى، كيف يرعى؟ كيف يحمي؟ كيف يكون حكيماً في معالجة الأمور الموهنة للحياة الزوجية؟ كيف يُعطي وقتاً ويبذل طاقة ويولي أهمية لهذه الحياة العائلية، ولا يكون مستصغراً لقدرها ولا متهاوناً بشأنها؟
 
وهذا بدوره يحتاج إلى علمٍ وحكمة وفنٍّ في التعامل ومهارة في التعاطي وتغافل عن السفائف والصغائر وتعقّل وتحمُّل وتصبُّر.
 
رابعاً: إنّ الله تعالى قد أمر الإنسان المكلَّف بأن يقي نفسه النار، وقرن هذا الأمر بأمرٍ آخر في نفس السياق وهو أمره بأن يقي أهله النار أيضاً، وهذا يعني تكليفاً إلزامياً وجوبياً يُحمِّل الإنسان الّذي يتّخذ أهلاً "من خلال بناء الأسرة والحياة الزوجية" مسؤولية عظمى تجاههم، وهذه المسؤولية الكبيرة شعر بها بعض المؤمنين بعد نزول الآية وعبّر عن ذلك للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
 
فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لمّا نزلت هذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾([4]) جلس رجل من المؤمنين يبكي وقال: أنا عجزت عن نفسي وكُلّفت أهلي".
 
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك"([5]).
 
وفي رواية عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في قوله: ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ قال عليه السلام: "علِّموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدّبوهم"([6]).
 
فإذاً لاحظوا المسؤولية الملقاة على عواتق المؤمنين تجاه عوائلهم.
 
فعلى المؤمن أن يأمرهم بما يأمر به نفسه، وينهاهم عما ينهى عنه نفسه، يعني إذا رأيت ابنك يتكلّم كلام الفحش فتكليفك أن تنهاه، وإذا رأيته يُصاحب أصدقاء السوء فعليك أن تُبادر إلى نصيحته بالامتناع عن مصاحبة الفاسدين، وإذا رأيته يتهاون في صلاته فعليك أن تأمره بأداء الصلاة والاهتمام بأوقاتها وشرائطها، فإذا رأيته مثلاً لا يستيقظ لصلاة الفجر فعليك أن تُبادر إلى أمره بالاستيقاظ لأدائها، وكذلك عليك أن تنهاه عن الكذب والنميمة والغيبة والظلم والعقوق، ومُرْه بأضدادها، فإذاً القضيّة ليست بالسهولة الّتي نتصوّرها، بل هي مسؤوليّة دفعت بعض المؤمنين الّذين يستشعرون المسؤوليّة الرساليّة بكلّ أبعادها إلى أن يبكي.
 
وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام يُحمِّلنا هذه المسؤولية بالبعد التعليميّ للخير "علّموا أنفسكم وأهليكم الخير". فلا تبخل على أهلك بالعلم الّذي تعلّمته، ولا تقل مللت من الكلام، ولا أجد عندي طاقة للحديث والموعظة، وتكفيني همومي المعيشية وهموم الحياة.
 
فهذا واجب عليك يأمرك به أمير المؤمنين عليه السلام.
 
وبالبعد التأديبيّ "وأدّبوهم" أي اذكروا لهم الآداب وتابعوهم لكي يتحلّوا بها. فالتعليم ليس هو التأديب، فقد يلقي شخص المعلومة إلى آخر ويتلقّاها الآخر، إلا أنّه لا يعمل ولا يتخلّق بها، فهذا تعليم وليس تأديباً. فالتأديب هو تعليم وزيادة، هو تعليم الآخر الآداب ومتابعته بتكرارها والتذكير بها ومداومة الحثّ عليها حتّى تُصبح جزءاً ملتصقاً به تصدر تصرّفاته عنها فيكون مؤدّباً حينئذ.
 


([1]) سورة الروم، الآية: 21.
([2]) وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 20، ص 15.
([3]) م.ن، ص 41.
([4]) سورة التحريم، الآية: 6.
([5]) الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج 5، ص 62.
([6]) كنز العمّال، المتّقي الهندي، ج 2، ص 540.

الإثنين, 12 شباط/فبراير 2024 04:34

بالإسلام قامت الثورة

 

* الأعداء في مواجهة الإسلام
كما تعلمون، فإنّ الدول الكبرى عملت على محاربة الثورة الإيرانيّة الإسلاميّة منذ البداية وحتّى الآن، وشنّت ضدّها الهجوم العسكريّ ودفعت أعداء الإسلام لمهاجمة هذا البلد العزيز، لا لذنب إلّا لأنّه يدعو إلى الإسلام. أمّا بالنسبة إلى بلدنا، فينبغي القول بأنّه ليس له معين غير الله تبارك وتعالى. فالشعوب التي تربطها علاقات طيّبة مع شعبنا، والمستضعفون في العالم ممّن هم على اطّلاع بالإسلام ويتطلّعون إلى العدل والكرامة الإنسانيّة، يتعرّضون لأنواع الضغوط من قِبل حكوماتهم التي تعمل على إقصاء الإسلام ومحاربته، وتمارس الضغوط ضدّ شعوبها خشية أن تطالبها بالعدالة وبالكرامة الإنسانيّة.

* ضرورة توعية المستضعفين بهمومهم‏
إنّ المسؤوليّة التي تقع على عاتقكم جميعاً، تتمثّل في تناول قضايا هذه الثورة في مجالات الأدب والفن والإعلام وغيرها كي تُحفظ للأجيال القادمة. لا بدّ من توعية الناس وشعوب العالم والمستضعفين بالمصائب التي حلّت على رؤوسهم والهموم التي يعانون منها، والأوضاع التي يعيشون فيها، ولفت أنظارهم إلى أوضاع حُكّامهم والترف الذي يعيشون فيه. ولا بدّ لأبناء الدول الإسلاميّة أن يعلموا كيف تُنفق ثرواتهم وأين تذهب خيرات بلدانهم، في ذات الوقت الذي تعاني فيه شعوبهم من الجوع والفقر والحرمان، وإنّ الكثير منهم يموت جوعاً فيما يسرق هؤلاء ثروات بلدانهم وخيرات شعوبهم. إنّ هؤلاء الغاصبين لو أنفقوا على شعوبهم عشر أعشار هذه الثروات؛ لاستطاعوا أن يحقّقوا النموّ والازدهار لشعوبهم، غير أنّهم يقدّمون كلّ ثروات بلدانهم لأعداء الإسلام.

حاولوا توعية الجماهير بما حدث في إيران وما تجرّعه الشعب الإيرانيّ من مصائب ومعاناة في عهد النظام البائد. حدّثوهم عن أساليب النضال التي انتهجها الشعب الإيرانيّ، فحقّق ما حقّق بمشيئة الله تبارك وتعالى، وإنّ هذه الانتصارات في تنامٍ مستمرّ ولله الحمد.

* البداية كانت من الصفر
لقد كان كلّ شيء مهدّداً، وقد وصل الكبت إلى درجة لم تستطع المرأة أن تقول لزوجها ولا الزوج لزوجته كلمة تعارض النظام. لقد بدأنا من الصفر، فاستفاق الناس من غفلتهم، وشيئاً فشيئاً تنامى الاعتراض وكبر وتحوّل إلى قبضات محكمة دون أن تكون ثمّة تشكيلات منظّمة ولا قطعة سلاح واحدة. لقد كرّس الواعون جهودهم للعمل على مدى عشرين عاماً تقريباً، وفجأةً، حدثت الثورة وحدث الانفجار. وبفضل هذه الثورة، هُزم النظام البائد الذي كان مدجّجاً بالسلاح. لقد استطعنا أن نحقّق متطلّبات البلد المستقلّ، رغم كلّ الضغوط والحصار الاقتصاديّ والعسكريّ، فلا تيأسوا من رحمة الله، فهو حاضر ناظر، وآمنوا بأنّ قدرته تعالى فاعلة في كلّ مكان. ولا تخشوا قلّة العدّة والعدد، فالله تبارك وتعالى يساعدكم، وإذا ما نصرتموه فإنّه سبحانه قد وعدكم بالنصر(1).

* ما هي مسؤوليّتنا؟
أمريكا لا تعبأ بالأديان، حتّى أنّها لا تفكّر بمصالح الأميركيّين، وإنّما بمصالحها كإدارة فقط، وقد أضرمت النيران في العالم بأسره وتعمل على تأجيجها باستمرار. إنّ الحكومات الخانعة توفّر لأمريكا قواعد لجيوشها في البلدان الإسلاميّة، وكلّ ذلك من أجل إرعاب لبنان وإيران. فكيف ينبغي للمسلمين أن يتعاملوا مع أمثال هذه الحكومات وهؤلاء الحكّام؟ هل يجب أن يتفرّجوا بصمت؟ فلو كان فكّر الإيرانيّون على طريقة: “ما شأني أنا بكلّ ما يحصل ولأنشغل برزقي”، فالله العالم ما كان سيحلّ بالإسلام في هذا البلد على يد نظام الطاغية الفاسد.

* نحن شيعة المضحّين الأوائل
لقد منّ الله تبارك وتعالى بقدراته الغيبيّة على هذا الشعب ليصبح هؤلاء الشباب رجالاً ينهجون نهج العارفين بالله، ويضحّون من أجله تبارك وتعالى، ويسترخصون كلّ شيء في سبيله، فيحثّ الآباء والأمّهات أبناءهم على التضحية والفداء. وبفضل هذه التضحيات، وفقداننا الكثير من أعزّتنا وشبابنا الأعزّاء وتحمّلنا خسائر فادحة، استطعنا أن نصون الإسلام العزيز ونعيده إلى واقع الحياة. ولا شكّ في أنّ ديننا يستحقّ أن يضحّى بكلّ شيء من أجله، مثلما فعل أولياء الله، حيث ضحّى النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بكلّ ما لديه في سبيله، وضحّى الإمام الحسين عليه السلام بنفسه وأهل بيته وأصحابه من أجله. ونحن أيضاً علينا أن نقتدي بهم. فنحن أمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وشيعة هؤلاء الذين ضحّوا في صدر الإسلام.

على الشعوب أن تنهض، وإذا كانت تفكّر بأن يأتي الآخرون ويخلّصوها من محنتها، فهي مخطئة. ولكن إذا ما لجأت إلى الله تبارك وتعالى وعملت بواجباتها بالاتّكال عليه وسخّرت طاقاتها من أجل الإسلام، فإنّ الله تبارك وتعالى سيدلّها على سبيل الخلاص، كما حصل في هذه الثورة المباركة.

*من خطاب للإمام الخميني قدس سره ألقاه بتاريخ 26 ربيع الثاني 1403هـ.ق‏.
(1) إشارة إلى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7)

نعم الله تعالى بحسب القرآن الكريم منوعة منها مادية ومنها معنوية ومنها نوع يشير إلى الحفظ من أي مكروه.

وقال الله تعالى في الآية الـ33 من سورة فاطر المباركة “يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ” فيمنّ الله تعالى على المؤمنين الذين هجروا الدنيا ولم يهتموا بمظاهرها بأفضل الألبسة وأجمل المظاهر.

بالطبع البشر لا يستوعب الكثير من نعم الجنة لأنها وإن كانت مماثلة لنعم الله في الدنيا فإنها مختلفة في الماهية فإن الحلية التي تخصص بها العرب دون غيرهم والتاج الذي وضعه الملوك من غير العرب فهي أمور مفهومة بالنسبة لنا بقدر فهمنا الدنيوية ولكنها لن تكون كذلك في الآخرة.

ويشير البارئ عز وجل في الآية 34 من سورة فاطر المباركة إلى تمتع البشر بالنعم المادية ثم يشير إلى الطمأنينة التي منّ الله بها على البشر بعد ذلك فيقول تعالى “وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ”.

إن ذكر الصفتين “غفور” و”شكور” لله تعالى في نهاية الآية يدلّ على أن النعم الالهیة هي في الحقيقة نتيجة مغفرة الله، وثانياً، أنها أضعاف الثواب الذي يعطيه الله تعالى لعباده على أعمالهم الصالحة.

ويستطرد الله تعالى بالقول “الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ”(فاطر / 35) فإن الرفاه قد يوجد في الدنيا ولكن الطمأنينة والراحة النفسية قد لا توجد في الدنيا وهي التي ينعم بها أهل الجنة.

إن مفردة “نَصَبٌ” في هذه الآية تعني التعب والمعاناة، ومفردة “لُغُوبٌ” تعني الضعف والعجز، وأحياناً تستخدم في الاكتئاب. نشهد حالياً أن البلدان المتقدمة والأسر الغنية تتمتع بالرفاه، ولكن الطمأنينة والراحة النفسية في هکذا بلدان وأسر قليل، وبحسب القرآن الكريم إن أهل الجنة ینعمون بالراحة التامة والطمأنينة بعيداً عن الأحزان والمعاناة.

الإثنين, 12 شباط/فبراير 2024 04:31

وظائف العائلة

إن المبررات المادية لوجود العائلة لمؤسسة من المؤسسات الاجتماعية عند بني الإنسان قد زالت والمبررات الخلقية في طريقها إلى الزوال، فهل ستظل العائلة قائمة في المستقبل أم ستنهار وتفنى نهائياً؟ لو أردت أن أتبع الديالكتيك في بحبي لحكمت بأن العائلة في طريقها إلى الفناء إذ لا معنى لوجودها بعد أن تتطور وسائل الإنتاج المجتمع ولكنني لا أرى ذلك صائباً، بل أعتقد بأن العائلة ستحافظ على وجودها، مهما تغيرت وسائل الإنتاج الاقتصادي ومهما تطورت الحياة الاجتماعية وتبدلت الحضارات والأعراف أو حتى الأديان والنظريات الخلقية.

فالحياة العائلية في واقعها لا تقوم على هذه المبررات المادية والخلقية وحسب، بل هناك مبرران أساسيان هما اللذان أوجدا العائلة وهما اللذان يجعلانها قادرة على البقاء كمؤسسة اجتماعين لها خطرها، هذان السببان هما مبرران نفسانيان لا ينتهيان من نفس البشر وهما الرغبة في الانسال.
الرغبة في الاطمئنان

فالإنسان لا يرغب في الناحية الجنسية بسبب الدفع البيلوجي فقط، وليس الاتصال الجنسي هو حاجة جسمية وحسب ولكنه حاجة نفسية أكثر من ذلك، ويدل على ذلك العنة النفسية، وهي العنة الأكثر شيوعاً وأصعب علاجاً، فالإنسان لا يستطيع الاتصال الجنسي مع أي فرد كان، بل لا بد من الود المتبادل والثقة حتى يتمكن من القيام بواجبه في هذا الصدد، وربما يكون الرجل في حاجة إلى ذلك أكثر من المرأة وإن كانت تشاركه في أنها أيضاً لا تصل إلى قمة اللذة إلا مع زوج ترغب فيه وتطمئن إلى ثقته ومودته، فحاجة الإنسان إلى الاطمئنان بوجود شريك يبادله مشاعر الحب والولاء والإخلاص هو الذي يدفع إلى التضحية بقسم كبير من حريته واستقلال فيرضى بالاقتران مع شخص آخر يلتزم تجاهه بكثير من الواجبات {وهو الذي جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}.
الرغبة في الأنسال

والرغبة في الأنسال لدى الإنسان رغبة أصيلة وشديدة فهو بذلك يشعر أنه يشارك في استمرار بقاء نوعه، فالحياة الخالية من دون نسل لهي في نظره حياة خالية من المعنى، حياة عذاب وقلق مستمر، بل أن هدف الزواج الأول هو الإنجاب ولن يهدأ الزوجين بال حتى يريا ثمرة اقترانهما تملأ البيت بالضجيج، وأعتقد اعتقاداً جازماً بأن الناس سوف يظلون ينجبون الأطفال وأن تمكن العلماء من إيجاد أطفال صناعيين بمكيات تجارية، ذلك أن شعور الإنسان بالطفل الذي يولد منه كشعوره بالطفل المتبنى، ولم يخترع الإنسان مفهوم التبني إلا للتعويض عما يحس من نقص في قرارة نفسه عندما تخلو حياته من الأطفال ويتأكد بأنه غير قادر على الإنجاب مطلقاً.

فالابن بالنسبة إلى أبويه إنما هو استمرار لوجودهما فلكأن بقاءه يخفف عنهما وطئة الشعور بأن للحياة …لابد أن ينتهي بالموت ولذلك يطلقون على النسل (الخلف) بمعنى البقاء، فما دام للإنسان ذرية فهو موجود إن لم يكن يعينه فبشمائله وبذكره… {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساءاً فاتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام}.

هذا السببان هما المبرران الرئيسيان لوجود العائلة حسب المفهوم القرآني: ولذلك لم يشر القرآن إلى أي من المببرات المادية لعلم الله أنها ليست أسباباً رئيسية لوجود العائلة ولا لبقائها، ولذلك لم تجعل شريعة ضمن الحقوق والواجبات المتبادلن واجب الطبخ أو الغسل أو التمريض ضمن حقوق الزوجين وذلك لأن المجتمعات مختلفة في طبيعتها وفي تطورها الحضاري والماديـ وإنما أشار إلى هذين السببين وفي آيات متعددة إلى أهميتها في بقاء العائلة واستمرار وجودها، وأن على الناس أن يرفضوا أي فكرة قد يؤدي إلى إزالتهما من الناس البشرية.

فليس ثمة من فكرة أو دعوة أخطر على مستقبل العائلة من دعوة الحرية الجنسية والدعوة إلى تحديد النسل.

فالدعوة إلى الحرية الجنسية والتي ابتدأت في القوى المعادية للإنسانية تتبناها وتنشرها بكافة الوسائل تعمل على إزالة الثقة المتبادلة بين الزوجين فعندما يشعر الرجل بأن قرينته تخونه وتباشر العملية الجنسية مع رجل آخر تزول ثقته منها ولا يبقى له اطمئنان يسكن إليه. والمرأة عندما تعلم بأن شريكها يخونها مع امرأة أخرى بدون رابط معترف به شرعاً ومجتمعاً فإنها تعيش في جحيم من المشاعر النفسية فتزول بذلك ثقتها ويذهب اطمئنانها.

فازدياد الحالات العصبية لا يرجع إلى النواحي الاقتصادية والمضادات الاجتماعية بقدر ما يعود إلى الحياة العائلية.

وازدياد نسبة الطلاق في العالم ككل وفي البلاد الإسلامية بصورة خاصة انما هو نتيجة ذهاب الثقة المتبادلة بين الزوجين بسبب الخروج على الأخلاق.

أما الدعوة إلى تحديد النسل فهو دعوة مضادة للفطرة العامة في هذا الكون، ونظراً لتبني المؤسسات العالمية لهذه الدعوة صراحة وبدون حياء فلابد من الكلام عنها تفصيلاً وإن كان في ذلك خروج عن نطاق بحث العائلة إذ لابد له من اتصال به.

مواجهة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالتكذيب، والسخرية، والاستخفاف والاستهزاء، ورميه بأنواع التهم من قبيل ساحر ومجنون، وكان ذلك هو ردّ الفعل الأولي، ولم يصل ردّ الفعل هذا إلى حد المواجهة المباشرة، إلاّ أن استمرار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة وإصراره عليها من جهة، وتعرضه لآلهة قريش وأصنامها من جهة أخرى، واتساع نشاط النبيّ وتكاثر المسلمين باستمرار من جهة ثالثة، جعل المشركين يشعرون بجدّية الموقف وخطورته والتفكير في محاولة جديدة بعيدة عن العنف، فقرّروا: مفاوضة النبيّ ومساومته على الدعوة، وقد مرّت المفاوضات بثلاث جولات انتهت كلّها بالفشل الذريع:
 
• في الجولة الأولى: حاولت قريش استعطاف أبي طالب من أجل الضغط على ابن أخيه فقالوا له: إنّ ابن أخيك قد سبّ آلهتنا، وعاب ديننا، وسفّه أحلامنا، وضلّل أبناءنا، فإمّا أن تكفّه عنّا وإمّا أن تخلي بيننا وبينه، فردّهم أبو طالب ردّاً رفيقاً، فانصرفوا عنه.
 
• الجولة الثانية: تواصت قريش بالشدّة وعدم المهادنة في الموقف فجاؤوا إلى أبي طالب وقالوا له: إنّا كنّا قد استنهيناك عن ابن أخيك، فلم تنهه عنّا، وإنّا والله لا نصبر على هذا، من شتم آبائنا وعيب آلهتنا حتّى تكفّه عنّا، أو ننازله وإيّاك حتّى يهلك أحد الفريقين، فوعدهم أبو طالب أن يبلغ ابن أخيه موقفهم، فكان ردّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الردّ الخالد: "والله يا عمّ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتّى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته"[1].
 
• الجولة الثالثة: عرضوا على أبي طالب أن يعطيهم محمّداً ليقتلوه ويأخذ هو في مقابله عمارة بن الوليد أجمل فتى في قريش ليكون في رعايته وكفالته بدل محمّد، فرفض أبو طالب موبّخاً لهم بقوله: لبئس ما تسومونني عليه أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله ما لا يكون أبداً.
 
• كما جرت مفاوضة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومساومته مباشرة عن طريق إغرائه بالمال والجاه، ولكنّ النبيّ‏ صلى الله عليه وآله وسلم رفض عرضهم، ورأوا فيه رجلاً من نوع آخر لا طمع له في مال ولا سلطان[2].
 
2- نهي الناس عن الالتقاء بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والاستماع إلى ما يتلوه من قرآن. وقد تحدّث القرآن عن ذلك بقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾[3].


3- التعرّض لشخص النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالإيذاء المباشر، حيث رجموا بيته بالحجارة، وألقوا التراب على رأسه، وسلّطوا الصبيان عليه يرمونه بالحجارة. وقد تعرّض النبيّ لأذى لا مثيل له من سفهاء قريش وعبيدهم، وأحياناً من زعمائهم ووجهائهم كأبي جهل وعقبة بن أبي معيط وأبي لهب وزوجته التي كانت تضع الأشواك أمامه في طريقه وأمام داره حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت"[4].
 
4- اتّباع سياسة الإرهاب والتعذيب والتنكيل بالصفوة المؤمنة وخاصّة بأولئك الفقراء والضعفاء، الذين لا عشيرة تحميهم كآل ياسر، وبلال الحبشيّ، وغيرهم.
 
5- استخدام سلاح الحرب الإعلامية والدعاية ضدّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كانوا يروّجون بين الوافدين إلى مكّة إنّ هذا الرجل ساحر، وأنّه يفرق بين المرء وأبيه، وغير ذلك[5].
  
[1] العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج18، ص182.
[2] اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص24، الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج2، ص642، الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، ج2، ص326، الموفق الخوارزمي، بن أحمد البكري المكي الحنفي، المناقب، تحقيق: فضيلة الشيخ مالك المحمودي - مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1411 ه‍. ق، ط2، ج1، ص73.
[3] سورة فصلت، الآية 26.
[4] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص42.
[5] ابن إسحاق، محمد بن إسحاق المطلبي، سيرة ابن إسحاق(السير والمغازي)، تحقيق: محمد حميد الله، معهد الدراسات والأبحاث للتعريف، ج2، ص132.

يبدو ان نجاعة التجربة الايرانية، في الجمع بين "الديمقراطية" و"الدين"، و بين "الجمهورية" و "الاسلامية"، و بين "حاكمية الله" و"حاكمية الشعب"، اثارت حفيظة الغرب، لانها وضعت نموذجه الليبرالي في الحكم، في قفص الاتهام، فانبرى يوجه الاتهامات للجمهورية الاسلامية في ايران، بهدف التقليل من وهج نجاحها، والحيلولة بالتالي دون انتقال تجربتها الى باقي الدول الاسلامية، وفي مقدمة هذه الاتهامات، ان كفة "الجمهورية" هي الارجح في ايران على كفة "الإسلامية"، وان "الاصل" في النظام في ايران، هو "الاسلامية"، وما "الجمهورية"، الا غطاء باهت لـ"الحكم الديني".

ليس هناك من شك ان نظام الجمهورية الإسلامية في ايران، هو نظام متميز عن الأنظمة الاخرى، سواء كان دينيا او ديمقراطيا، فـ"السيادة الشعبية الدينية"، التي تم استنباطها من نظرية "ولاية الفقية"، التي طرحها الامام الخميني (رض)، يرفع التناقض المصطنع بين "حاكمية الله" و "حاكمية الشعب"، اعتمادا على اساس ثابت في الاسلام، وهو اساس "العقلانية" او "التعقل"، فطاعة الله لن تتحقق الا بالاختيار والانتخاب، لذلك لا يوجد مجتمع ونظام اسلامي يحكمه مستبد، فالمجتمع الذي لا يُسمح فيه للناس بالتفكير والتصرف، هو مجتمع غير اسلامي، فـ"السيادة الشعبية" تعني الاهتمام بالناس، وهذا الاهتمام يتأتى من اهتمام الإسلام بكرامة الإنسان، واي فعل ينتهك كرامة الإنسان، هو حرام، لذلك يعتبر سلب إرادة الإنسان، مصداق واضح لانتهاك كرامة الإنسان، وهذا هو الاساس الذي تقوم عليه "السيادة الشعبية الدينية".

انطلاقا من هذه المفاهيم، فان الولاية تكون مقبولة، عندما يكون الولي عادلا وتقيا ويعمل على الحفاظ على كرامة الانسان، واي تعد على هذه الكرامة الانسانية هو تعد على حدود الله. وفي المقابل يمنع الاسلام الانسان من ارتكاب الاعمال التي تخالف الفطرة الانسانية، لانه بذلك ينتقص من كرامته التي تعمل "السيادة الشعبية الدينية" على صيانتها، فهو بهذه الاعمال يبتعد عن التعقل ويتصرف بجهل، وهو ما لا يسمح به الاسلام، وعدم السماح هذا لا يعني تقييد حرية الانسان "العاقل"، بل تقييد لجهله. ومثل هذا الجهل، رأيناه وبشكل مقزز في الغرب، عندما شرعن الشذوذ الجنسي، و زواج المحارم ، و مسخ الانسان، وهدم الاسرة، ونسف كل القيم الاخلاقية والانسانية، بذريعة الحرية.

ان الغرب لم يكن وفيا حتى لمبادئه التي اقام الدنيا بسببها ولم يقعدها، مثل الديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان، عندما اصطف الى جانب الانظمة الدكتاتورية والمستبدة والقبلية في العالم، وعندما دعم بكل امكانياته، الكيان الاسرائيلي الارهابي الغاصب، في حرب الابادة التي يشنها هذه الايام ضد الشعب الفلسطيني الاعزل، فمثل هذه الممارسات لا يمكن ان تكتسي طابعا شرعيا، لانها منافية للفطرة والعدالة الانسانية، في ظل نظام "السيادة الشعبية الدينية"، ولا يمكن وضعها في خانة الخيارات والحريات، كما في الانظمة الليبرالية.

تتجلى جميع المبادىء التي تفصل بين الانظمة الديمقراطية وبين الانظمة الدكتاتورية، بأبهى صورها ، في نظام "السيادة الشعبية الدينية" الذي تعتمده الجمهورية الاسلامية في ايران، وفي مقدمته، الدستور، و الانتخابات، وتداول السلطة، الفصل بين السلطات، و حرية الاعلام، و حقوق الانسان، حقوق الاقليات، وهي مبادىء مارسها الشعب الايراني على مدى 45 عاما، حيث شارك في اكثر من 40 عملية انتخاب، بمعدل انتخاب واحد كل عام. تراوحت بين انتخابات مجلس الخبراء القيادة الذي يختار الولي الفقيه، وانتخابات مجلس الشورى الاسلامي الذي يعتبر السلطة التشريعية، وانتخابات المجالس المحلية، وقبل كل هذا وذاك التصويت على نظام الجمهورية الاسلامية، والتصويت على الدستور، وبذلك تستمد كل المؤسسات في الجمهورية الاسلامية، ولا استثناء في ذلك، شرعيتها من الشعب.

المعروف فی منطق "الثورات" التی عرفتها الشعوب انها تنتهی عادة بتأسیس انظمة دكتاتوریة تحكم بقرارات تصدرها مجالس قیادات هذه "الثورات" او فی افضل الحالات تنتهی بدساتیر مؤقتة، الا ان الثورة الإسلامیة فی ایران، لم تكتف بكتابة الدستور، بل دعت الى اجراء استفتاء على طبيعة النظام، صوت فيه حوالي 98% من الايرانيين على تغییر النظام الملكی الى الجمهوري.

الثورة الاسلامية التي اقامت نظام "السيادة الشعبية الدينية"، نقلت ايران من بلد متخلف وتابع لامريكا الى بلد متقدم حر سيد مهاب الجانب، بعد ان أحيت الثورة الهوية الاسلامية للانسان الايراني، التي حاول النظام الملكي طمسها، وهي عملية احياء لم تنحصر في حدود ايران الجغرافية، بل تجاوزتها الى بقاع واسعة من منطقة غرب اسيا، كما انها احيت القضية الفلسطينية، التي كادت ان تُدفن تحت ركام مخططات ومكائد امريكا، وما نشهده اليوم، وبالتحديد منذ معركة "طوفان الاقصى"، واشتعال الجبهات، من اليمن الى العراق الى سوريا الى لبنان، نصرة لفلسطين، الا بعض تجليات هذا الاحياء الاسلامي العظيم.

سعيد محمد

وطالب المشاركون في المسيرات في البيان الختامي حكومات الدول الإسلامية بالاستجابة لمطلب الأمة الإسلامية بوقف أي دعم أو مساعدة للكيان الصهيوني المزيف، وتوجيه الضربة القاضية الحاسمة إلى مغتصبي فلسطين والقدس الشريف بقطع العلاقة الاقتصادية والسياسية.

ولفت البيان إلى أن الشعب الإيراني يستذكر النصر التاريخي الذي حققته المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان الأقصى والهزيمة غير القابلة للترميم للكيان الصهيوني.

كما يطالب الشعب الإيراني المجتمع الدولي بإلغاء عضوية الكيان الصهيوني المزيف والقاتل للأطفال، وطرد ممثليه من الأمم المتحدة والعالم أجمع لارتكابه جريمة الإبادة الجماعية والجرائم الوحشية والعرقية.

وانطلقت صباح اليوم مسيرات شعبية حاشدة إحياء للذكرى السنوية الـ 45 لانتصار الثورة الإسلامية في العاصمة طهران وفي أكثر من 1400 مدينة وبلدة و35 ألف قرية، مرددين شعارات تندد بكيان الاحتلال الصهيوني وممارسات الهيمنة الأمريكية.

وعلى هامش هذه المسيرات شهدت طهران عرضاً لأحدث الإنجازات الدفاعية والعسكرية التي حققها الخبراء الإيرانيون، من بينها أسلحة وصواريخ ومنظومة صواريخ الدفاع الجوي وطائرات مسيرة وطائرات تدريب وزوارق حربية إلى جانب معدات دفاعية أخرى.

مع بزوغ فجر الذكرى الخامسة والاربعين لانتصار الثورة الاسلامية، خرجت الجماهير الايرانية كدفق السيل العارم .. طوفان بشري ملأ شوارع طهران وساحاتها، ليصل الى ساحة الحرية التي كانت شاهدة على نيل الشعب الايراني حريته وعزته، وانتصار ثورته. فمن كل اطياف الشعب الايراني ومختلف الفئات والأعمار، رجالا ونساء وشيوخا واطفالا، حضروا المناسبة، ليؤكدوا تمسكهم بمبادئ الثورة الإسلامية، ويجددوا البيعة مع نظام الجمهورية الاسلامية، ويرسلوا رسائلهم بمفادها الصريحة.

وقال الرئيس الإيراني،إبراهيم رئيسي ، ان " الجمهورية الاسلامية في ايران هي حاملة لواء محاربة الارهاب وما يحدث في غزة اليوم هو جريمة بحق البشرية والداعم للكيان المجرم هو امريكا وبعض الدول الغربية لذا يجب وقف القصف على غزة ، وليعلم العالم ان الكيان زائل وموته حتمي واليوم هو يكسب الوقت فقط لقد حاول الغرب منعنا من دعم القضية الفلسطينية واليوم وبعد 45 عاما من انتصار ثورتنا لازال مطلبنا هو تحرير القدس ودعم فلسطين".

کما هو الحال في أرجاء إيران الإسلامية فهنا حضر الشعب في ذكرى ولادة ثورته الإسلامية ليجدد العهد معها ومفجرها وقائدها ومنددا بالاستكبار والصهيونية التي ترتكب اليوم ابشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل مطالبا بوقف العدوان على غزة العزة والصمود

وقال مواطن ايراني "ان ثورتنا منذ البداية ولاتزال مبنية على الدفاع عن المظلومين وجئنا اليوم لنقول اننا مع الشعب الفلسطيني الاعزل المظلوم ولتعلم "اسرائيل" بان زوالها ومن يدعمها قريب".

من جانبها قالت مواطنة ايرانية " نحن من اجل حفظ ذكرى الشهداء وامام الثورة شاركنا اليوم ونقول اننا لن نتخلى عن هذه الثورة".

وقال مواطن اخر "الشعب اثبت انه يحب ثورته وان هذا اليوم هو يوم الوحدة التي لا يريدها الاعداء لنا والجميع يسيرون في صف واحد خلف قائدهم"

مشهد يظهر عزيمة هذا الشعب ووحدته، ويعد بمثابة استفتاء شعبي جديد يؤكد تمسك الايرانيين بثورتهم وافتخارهم بالإنجازات التي حققتها. فجاء هذا السيل البشري ليكشف عن الصورة الحقيقية لإيران التي اراد اعداؤها تشويهها، والتي كانت من أبرز ملامحها الحرية والوحدة والإنتماء والقوة والصمود.

جنباً الى جنب تجمعت شخصيات من لبنان وفلسطين وإيران، اسلامية ومسيحية في المقر الجديد للسفارة الايرانية في بيروت لإحياء الذكرى الخامسة والاربعين لانتصار الثورة الاسلامية بقيادة الإمام الخميني (قدس سره) واليوم الوطني للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

حفل الاستقبال الذی أقامته السفارة الإیرانیة فی بیروت،  حضره رئیس مجلس النواب نبیه بری ممثلاً بعضو کتلة التنمیة والتحریر النائب علی حسن خلیل، ممثلو الاحزاب والقوى الوطنیة اللبنانیة والفلسطینیة بالاضافة الى فاعلیات دوبلوماسیة وعسکریة وأمنیة وبلدیة، وبمشارکة من قبل عدد من العلماء وحشد کبیر من المحبین للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.

الحفل استهل بالنشیدین الوطنین اللبنانی والایرانی ومقطع مصور یعبر عن حضارة الجمهوریة الاسلامیة الإیرانیة، ولأن الذکرى هذا العام تأتی فی ظروف استثنائیة حیث ینظر العالم الى فلسطین بعین طوفان الأقصى، فقد أکد السفیر الایرانی فی لبنان مجتبى أمانی أن ایران ستبقى الى جانب الشعوب المظلومة فی العالم.

وفی هذا السیاق أشار المشارکون فی المراسم الى الدور الکبیر الذی تلعبه الجمهوریة الاسلامیة الإیرانیة الیوم فی القضایا التی تخص العالم الإسلامی خصوصاً خلال الاحداث الاخیرة فی فلسطین.

وتضمن الحفل ایضاً معرضاً فنیاً برزت فیها اللوحات التی تمثل مبادئ الثورة وصور شهداء الجمهوریة الاسلامیة الإیرانیة لا سیما الشهید الفریق الحاج قاسم سلیمانی.

هذا عصر استيقظ فيه العالم الإسلامي، وأخذ المسلمون في جميع أنحاء العالم يشعرون بالعزة والرفعة. لقد مضى ذلك العهد الذي كان فيه المسلم يخجل في أية نقطة من نقاط العالم كان من انتمائه إلى الإسلام، ومردّ هذا الشعور يعود إلى هذه الثورة التي فجرها القائد الكبير الإمام الخميني، بتضحيات الشعب الإيراني العظيم وإيثاره المدهش، فأفضى انتصارها في هذه البقعة الحساسة من الدنيا، إلى ذهول العالم.
 
عشر سنوات والجمهورية الإسلامية تصمد بشهامة في وجه مختلف المؤامرات الاستكبارية، وهي تدافع عن قوة الإسلام واقتداره، وعن وجودها وثباتها، حتى استطاعت أن ترد كيد العدو إلى نحره.
 
لقد كانت الدول الاستكبارية تظن إنّها تستطيع أن تنال منّا، من خلال ثماني سنوات من الحرب المفروضة، وبالحصار الاقتصادي والدعائي، وبإشاعة ضروب التهم ضدّنا في أرجاء العالم. وقد غفلوا عن حقيقة أنَّ الإسلام، يقظة المسلمين وصحوتهم، هي التي تهز مضاجع سلطتهم، وإن سهام اليقظة الإسلامية النافذة، تهز مع مضي كل يوم، عروش فراعنة العالم أكثر فأكثر([1]).
 
نحن شهود في هذا العصر على يقظة الشعوب، وهذه حقيقة أخرى تبعث الأمل في القلوب وتأذن بعهد وضّاء. صحيح أنَّ هيمنة القوى الاستكبارية تزايدت أكثر فأكثر على شؤون الشعوب، بفضل تقدم وسائل التقنية الجديدة كالتلفاز والمذياع وأجهزة الدعاية والإعلام، وبحكم المال والقدرات الصناعية. بيد أنها سنّة الله التي مضت على أن تستيقظ الشعوب وتصحو.
 
إننا نرى أن الشعوب في حال يقظة متزايدة يوماً بعد آخر، وهذه اليقظة تفسّر على أساس الأمل وثقة هذه الشعوب بالمستقبل.
 
عنصر الأمل يعمل في يقظة الشعوب. وعلينا أن لا نشك في أنَّ أهم عامل بعث الأمل لدى الشعوب خلال السنوات العشرة الأخيرة، هو انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتشكل حكومة شعبية في إطار مستقل عن الشرق والغرب، وتصاعد نهج المقاومة بوجه القوى الاستكبارية.
 
لقد بعث ذلك الانتصار وهذه المقاومة، الأمل لدى شعوب العالم، وبالأخص المسلمين. لقد استيقظ المسلمون في جميع أجواء الدنيا، وهذا من الصنع الإلهي، ومن قدرة الله([2]).
 
افتقدت جميع الشعوب الإسلامية خلال النصف قرن الأخير، أملها بذاتها وطاقاتها تماماً، بل وفقدت الأمل حتى بطاقة الإسلام نفسه وإمكاناته، وذلك أثر سياسة التلقين المتواصل التي مارستها القوى المضادة للإسلام. وفي المقابل تجلى الأمل كرسالة في كل واقعة من حوادث الثورة، وفي كل خطاب وإشارة من قبل إمام الثورة الراحل ، وكان الأمل ينبض في كل حركة تصدر من الشعب ونشاط يبذله على هذا الخط.
 
وقد التقط المسلمون رسالة الأمل هذه فعادت ثقتهم بذاتهم، وأصبحوا على بصيرة من الضعف الذاتي للاستكبار. وإذا قدّر للعالم أن يشهد بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، الشعوبَ الإسلامية في كل مكان، وهي تتحرك بنحو يُخبر عن ثقة بالذات وإيمان بها، في طريق العود إلى الهوية والثقافة الإسلامية الذاتية، فإنَّ سبب ذلك يعود بشكل دقيق إلى أبطال المبارزةُ الشجاعةُ لشعب إيران، تلكَ الحيلة الاستعمارية الاستكبارية التي أشاعوا من خلالها عدم قدرة شعوب الشرق، والشعوب الإسلامية، على دحر القوى الأوروبية وأمريكا، حيث أشارت الثورة وجهاد الشعب الإيراني إلى موقع القوة الواقعية وموطنها. فالقوة الواقعية هي التي تكون بالناس مع الإيمان.
 
وفي مقابل قوة شعبية مسلحة بالإيمان، لا تستطيع أية قدرة مادية مهما كانت كبيرة ومجهزة، أن تفرض إرادتها([3]).
 
في كل مكان فيه شعب مبتلٍ بهذه القوى الدولية المسيطرة يكون لهذا الشعب علاقة مع هذه الثورة وميل إليها، لكونها تفصح عن مكنونات قلوب ذلك الشعب وتعبِّر عن تطلعاته. كثيرة هي الشعوب المملوءة غيظاً ورفضاً لحضور أمريكا، ونفوذ الاستكبار، وللقواعد العسكرية، والتدخلات الاقتصادية، ولإشاعة الثقافة الأجنبية في بلادها، بيد أنها تفتقر للجرأة في التعبير عن ذلك وتفتقد قدرة الحركة باتجاه الرفض والمقاومة. والأهم من ذلك إنها تفتقر القيادة التي تتحرك؛ فالاختناق شديد ويحوط بها الإرهاب والقمع من كل جانب.
 
والأنظمة الرجعية التي ترتبط بأميركا، هي غالباً من هذا القبيل، ومثل هذه الشعوب المقهورة حين تجد أمامها شعباً يُواجه النفوذ الأمريكي بقوة وبإرادة حرَّة من دون خوف، ويهتف ضدَّ ثقافة الغرب وتدخل الاستكبار، وضدَّ الحضور العسكري الاقتصادي والثقافي للأجانب، ويعمل على طريق هذه المواجهة ويثبت عليها، فإنها ترى قلوبها مضطرة للميل إلى هذا الشعب، وتكون على علاقة مع الثورة.
 
والمعطى العالم يكون بهذا المعنى. يعني أن يكون لشعبنا، ولثورتنا رسالة إلى بقية الشعوب. ومؤدىّ هذه الرسالة، إنَّ الشعب إذا أراد؛ وإذا التف حول قيادة واحدة، واجتمع من خلال محور واحد، فهو يستطيع أن ينجز ما لم يكن قابلاً للإنجاز قبل ذلك.
 
وثمة رسالة أخرى يحملها شعبنا وثورتنا للمسلمين جميعاً. ومؤدّى هذه الرسالة أنَّ بمقدور المسلمين إذا أرادوا أن يعيدوا الإسلام إلى المجتمع وإلى موقع الحاكمية، رغم ما بذلته وتبذله الأيادي المعادية للإسلام في سبيل استئصاله والقضاء عليه.
 
هاتان رسالتان لشعبنا وثورتنا. وعليكم أن لا تظنّوا أن الشعوب الأخرى لم تدرك هذه الرسالة ولم تستمع إليها. إن ما ترونه في الحج من وقوف الأفريقي والآسيوي والشرق أوسطي، من العرب والأتراك وبقية الشعوب، إلى جواركم، وتردادهم لشعاراتكم نفسها، واشتراكهم في مسيرتكم، هو في حقيقته جواب على رسائلكم([4]).
 
كان الكثير من المسلمين قبل ذلك يخجلون في الكثير من نقاط العالم من القول: بأننا مسلمون، أو من الإعلان عن ذلك وكان الحال كذلك في داخل بلدنا أيضاً. بيد أنَّ المسلمين اليوم يفخرون من أقاصي آسيا حتى غرب أوروبا وفي المناطق الأخرى من العالم بانتمائهم إلى الإسلام.
 
لقد أضحى الإسلام عزيزاً، واكتسب بحمد الله طابع المجتمع الإسلامي، وقد غدا هذا المجتمع متجذراً مستقراً([5]).
 
لقد بلغت النهضة العظيمة للشعب الإيراني إلى النصر بحمد الله وقامت على قاعدتها حكومة على أساس الدين لقد أخذت الحياة تنبض في وجود المسلمين والمتدينين، بعد قرون من تحقير أهل الدين والاستخفاف بهم. وذلك على أثر عزة النفس التي أخذت تسوق صوب الرفعة والكرامة. كما انبثقت الأحاسيس الإسلامية وتأججت العواطف، وأخذ الشعور بالهوية الإسلامية ينمو في دنيا الإسلام.
 
فما نراه اليوم من انطلاق جماعات إسلامية تدعو في البلاد الأفريقية إلى الحكومة الإسلامية وما نشاهده من جهاد المسلمين للحكومات الظالمة، وهم يهتفون بشعار الله أكبر ، هو أمر جديد. ومن نراه في الجهة الثانية من اضطرار للتظاهر بالإسلام حتى من قبل أولئك الذين كانوا يتبرؤن منه، هو شيء جديد أيضاً، ناشئ من صبح وضّاء أطلَّ على تاريخ الشعوب الإسلامية ببركة انتصار الثورة الإسلامية. وهذه ترتهن بالحركة العظيمة التي عمّت الوجود الإسلامي لجهود علماء كبار، في طليعتهم جهود ذلك الرجل العظيم الذي أسس هذه الحركة الكبيرة ومسك زمام قيادتها، وحقق الإنجاز بقلب مملؤ بالإيمان والعزم والإرادة وبتوكل لا متناه، قربة إلى الله، وإخلاصاً له تعالى.
 


([1]) حديث قائد الثورة في مراسم بيعة مجموعة من أبناء الشعب. 22/4/1368.
([2]) حديث قائد الثورة إلى العاملين في وزارتي التجارة والزراعة، 12/2/1368.
([3]) بيان قائد الثورة بمناسبة اليوم الوطني لمواجهة الاستكبار العالمي. 13/8/1369.
([4]) حديث قائد الثورة في لقائه مع أبناء المدن المختلفة. 3/8/1368.
([5]) حديث قائد الثورة في مراسم بيعة علماء وطلاب الحوزة العلمية لمدينة مشهد، 20/4/1368.