
emamian
مرض حُبِّ الرئاسة وعلاجه
من أسباب حبّ الجاه والرئاسة "حبّ الذات" المفرط عند الإنسان، حيث يتحرّك الإنسان لإرضاء هذا الدافع المترسِّخ في أعماق النفس بكلِّ وسيلة تمكِّنه من تحصيل ذلك الغرض، ومنها المقام والمنزلة في واقع المجتمع.
وهناك دوافع أخرى لهذه الحالة النفسيَّة مثل الشعور بالحقارة والدونية، فالأشخاص الذين ذاقوا مرارة الحقارة وعاشوا الإهانة من الآخرين لأيِّ سبب كان فإنّهم يسعون وعن طريق حبّ الجاه والأماني الكاذبة لتعويض ذلك النقص.
وكذلك الحسد والحقد والانتقام يمكنها أن تكون من الأسباب وعلل حبّ الجاه، فإنّ من يعيش الحسد تجاه الآخر يتحرّك من موقع طلب الرياسة والمنزلة الاجتماعية ليكون الآخر في موقعٍ أسفل منه في دائرة العلاقات الاجتماعية ويستغلّ الفرصة لتنفيذ ما في قلبه من الحسد والحقد والانتقام.
علاج حبّ الرئاسة:
في علم الأخلاق أصل كلّيٌّ وهو أنَّ المبتلين بالرذائل الأخلاقية إذا ما تنبهوا للعواقب السيئة لهذهِ الصفات، فإنّهم في الأغلب الأعمّ سيفكّرون في طرق العلاج لها وتركها.
وهذا الأصل يصدق أيضاً في مورد حبّ الرئاسة، فعلى المبتلَى بحبّ الجاه أن يلتفت إلى أنّ هذهِ الرذيلة تبعده عن الخالق وعن المخلوق أيضاً، فيهرب منه الصديق ويبتعد عنه الناس، وأنّ هذه الصفة ستجرّه إلى الرياء الذي هو من أخطر الذنوب، أو ربّما يصبح "كالسامري" و"قارون" اللَّذيْن كفرا وعاديا نبي الله موسى (عليه السلام)، وعليه أن يعلم أنّ تأثير حبّ الجاه في الإيمان القلبي للإنسان كمثل الذئب الضاري في قطيع الغنم، وأنَّ حب الجاه ينبت النفاق في القلب، فإذا علم الإنسان بكلّ هذه المخاطر والآثار المخرّبة لهذه الرذيلة فسوف يجدد النظر في سلوكياته وأعماله قطعاً.
وإذا فكَّر هذا الشخص بعدم ثبات هذهِ الدنيا والتفت إلى قِصَرِ العمر وأنّ النعم مواهب مؤقتة وعارية مسترَدَّة؛ بل لو التفت الى قابل ذاته المُقدّسة، وأنَّ العزّة والذلة والعظمة والحقارة بيد الله تعالى، والأهمّ من ذلك كلّه أنّ القلوب بيد خالقها، لَعَلِمَ أنه لا يمكن الاعتماد على إقبال الناس وإدبارهم، فإن إقبالهم وإدبارهم لا ثبات فيه مطلقاً ولا يعتمد عليه، ومن يتحرّك في تدبير أموره على ذلك الأساس فَمثَلُه مثَلُ الذي يريد البناء على أمواج البحر، والمراهنة على معطيات رضا الناس وحالة الاعتماد عليهم لا تُنتجُ الضرر الأخرويَّ فحسْب، بل لا تنسجم حتى مع خطّ العقل في سلوكياتنا الدنيوية أيضاً.
كلُّ ما ورد هو طُرُقُ العلاج من الناحية العلمية، وأمّا من الناحية العملية، فطريقة علاج حبِّ الجاه هي أن يضع الشخص نَفْسَه في حالة يميتُ فيها "حبَّ الجاه"، فمثلا يجلس في المجالس العامة مع الأفراد العاديين وليس مع الشخصيات المرموقة، وعلى مستوى اللباس، يجب أن يتّخذه من النوع المتوسِّط وكذلك بيته ومركبه وطعامه وأمثال ذلك[1].
كذلك فإنَّ من الطرق العملية لمعالجة حبِّ الرئاسة استشعار ثقل المسؤولية وواجبات المسؤول تجاه من يعمل معه[2]، ويعلم أنه سوف يُسأل يوم القيامة عن كلِّ كلمة قالها لمن يعمل ضمن دائرة مسؤوليته، وعن كل نظرة نظرها إليه، أو تصرُّف تصرَّفه معه.
ومن الوسائل العملية أيضًا تربية النفس على رفض الرئاسة، بل على عدم التفكير بها، وتجدر الإشارة إلى أنّ حبَّ الرئاسة والسعي إليها يختلفان عن القيام بمسؤولياتها، فالأنبياء والأولياء (عليهم السلام) لم يحبوا الرئاسة ولم يطلبوها، ولكنّهم قاموا بمسؤولياتها واستعملوها لخدمة الناس وهدايتهم. لذا المطلوب ترك طلب الرئاسة والمنصب، بل عدم تحديث النفس بذلك، ولكن إذا كُلّفت بمسؤولية ما عليك أن تقوم بها على أكمل وجه، كما خاطب الله عزَّ وجلَّ نبيّه يحيى عليه السلام ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ...﴾[3].
[1] انظر: الشيرازي، ناصر مكارم، الأخلاق في القرآن، ط2، المؤسسة الإسلامية، قم، ج3، ص ص8-25.
[2] سنعالج هذه المسألة في المبحث المقبل إن شاء الله.
[3] القرىن الكريم، سورة مريم، الآية:11.
ما هي نظرة الإسلام إلى الفقر؟
إنّ المتتبِّع للروايات التي تحدثت عن الفقر يرى أنها على طائفتين: منها ما مدح الفقر وأعلى شأنه ومنها ما ذمّه وحضّ من قيمته.
أمّا روايات مدح الفقر فأشارت بالمضمون إلى أنّ الفقر فخر رسول الله وزين عند الله يوم القيامة وهو مخزون عند الله بمنزلة الشهادة يؤتيه الله من يشاء والفقراء أصدقاء الله والفقر راحة وأنّ من أحب السلامة فليؤثر الفقر، وفي روايةٍ عن رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) - لما سئل عن الفقر قال: "خزانة من خزائن الله"، قيل - ثانياً -: يا رسول الله ما الفقر؟ فقال: "كرامة من الله"، قيل - ثالثا -: ما الفقر؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "شيء لا يعطيه الله إلا نبيّاً مرسلاً أو مؤمناً كريماً على الله تعالى"[1].
وأمّا روايات ذم الفقر فاعتبرته الموت الأكبر وسواد الوجه في الدارين ومن قواصم الظهر وهو مذلة للنفس، مدهشة للعقل، جالب للهموم والقبر خير منه.
وعن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) – لابنه الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) -: "لا تلم إنساناً يطلب قوته، فمن عدم قوته كثرت خطاياه، يا بني! الفقير حقير لا يُسمع كلامه، ولا يُعرف مقامه، لو كان الفقير صادقاً يسمونه كاذباً، ولو كان زاهداً يسمونه جاهلاً. يا بني! من ابتلي بالفقر فقد ابتلي بأربع خصال: بالضعف في يقينه، والنقصان في عقله، والرقة في دينه، وقلة الحياء في وجهه، فنعوذ بالله من الفقر"[2].
وفي مقام الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات قال العلماء: الفقرُ يستعمل على أربعة أوجه:
الأول: وجود الحاجة الضرورية، وذلك عامٌّ للإنسان ما دام في دار الدنيا بل عامٌّ للموجودات كلّها، وعلى هذا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[3]، وهذا الفقر بحسب وجود الإنسان وليس المشار إليه بالروايات.
والثاني: عدم المقتنيات، وهو المذكور في قوله: ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ – إلى قوله - ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ﴾[4]، ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ﴾[5]. وهذا النوع من الفقر ليس ممدوحاً أو مذموماً بالأصل بل بحسب تعامل المرء معه، فإنْ صَبَرَ كان ممدوحاً وإنْ لم يصبر كان مذموماً كما ورد عن النبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): "يا معشر الفقراء! أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا"[6].
الثالث: فقر النفس، وهو الشر المعني بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "كاد الفقر أن يكون كفرا"[7]، وهو المقابل بقوله: "الغنى غنى النفس"، والمعني بقولهم: "من عُدِمَ القناعة لم يفده المال غنى". وهذا الفقر هو الفقر المذموم في النصوص.
الرابع: الفقر إلى الله المشار إليه بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "اللهمَّ أغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك"، وإياه قصد بقوله تعالى: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾[8]، وهو الفقر الممدوح في الروايات.
وفي الحقيقة أن الفقير هو مَنْ لم يقدِّم من ماله شيئاً يحتسبه عند الله، فإنّ الغنى والفقر بعد العرض على الله فلا فقر بعد الجنة، ولا غنى بعد النار.
في مقام العلاج
إنّ عدم الاهتمام والتجاهل عن تنامي بعض المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتي أخذت بالتوسع والانتشار مستهدفاً آثارها السلبية المجتمع بشكل عام والشباب على وجه الخصوص سوف يؤدي إلى استفحال وتعقد هذه المشاكل بحيث يصعب بعد ذلك السيطرة عليها ومعالجتها. ولننظر إلى المنحرفين من الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل وهم يشكلون نسبة كبيرة من الشباب، فإذا استمر هذا الوضع على ما هو عليه فإنه سوف يدفع كثيراً منهم إلى اتباع طرق غير سوية في الحياة تضر بهم وبالمجتمع.
1- البعد الديني لأزمة الفقر: لا شكّ أنه وكما أشارت الروايات إلى ضرورة حسن التدبير والاقتصاد وعدم التشبه بإنفاق أصحاب الأموال، وما ورد من أنّ البر وصدقة السر وصلة الرحم وثقافة الاحتساب عند الله ومقاومة الشهوات تسهِّل الفقر وتنفيه، فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد سأله الفقراء: هل لنا أجر إذ نرى الفواكه في السوق فنشتهيها وليس معنا، نشتري به؟ قال: وهل الأجر إلا في ذلك[9]؟
إلا أن ذلك يبقى على المستوى الفردي، وأما على المستوى العامّ فنشير إلى عدة أمور معروفة لكن على سبيل التذكير.
2- تحمل الأغنياء لمسؤولياتهم: فقد أوجب الله للفقراء حقاً في أموال الأغنياء، بل وابتلاهم بالمال ليرى إن كانوا سيؤدون حق الفقراء أو سيكون مالهم وبالاً عليهم يوم القيامة، فقد روي: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند الله، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله.
3- تحمل المسؤولين لمسؤولياتهم: من خلال خفض نسبة البطالة بين الشباب وتوفير فرص العمل بما يتلاءم والشهادات التي يحملونها واتخاذ بعض التدابير التي تخفف عنهم أعباء الإنفاق وتوفير بعض المستلزمات الضرورية لهم من قبيل الضمانات الصحية والتربوية إلى غير ذلك، فقد روي عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): "بؤسى لمن خصمه عند الله الفقراء والمساكين والسائلون والمدفوعون والغارمون وابن السبيل".[10]
ورُوي عن الإمام علي زين العابدين (عليه السلام): "اتخذوا عند الفقراء أيادي، فإن لهم دولة يوم القيامة"[11].
4- إنشاء المؤسَّسات الشبابية: التي تسهّل أمور التعليم والتدريب المهني والفني وسحب القروض وتنمية الكفاءات واكتشاف المواهب وإيجاد البرامج البديلة من البرامج التي تساهم في انحرافهم وسلوكهم سبل التيه والابتعاد عن الله.
[1] ميزان الحكمة، ج3، ص2443.
[2] ميزان الحكمة، ج3، ص2441.
[3] القرآن الكريم، سورة فاطر، الآية: 15.
[4] القرآن الكريم،سورة البقرة، الآية: 273.
[5] القرآن الكريم،سورة التوبة، الآية: 60.
[6] المحجة البيضاء، ج7، ص330.
[7] ميزان الحكمة، ج3، ص2441.
[8] القرآن الكريم، سورة القصص، الآية: 24.
[9] كنز العمال: 16657.
[10] ميزان الحكمة، ج3، ص2451.
[10]
[11] ميزان الحكمة، ج3، ص2445.
لقاء تاريخي بين العلامة آية الله جوادي الآملي والمرجع الديني آية الله السيد السيستاني
(نقلا عن وكالة الاجتهاد في تقرير خاص) زار العلامة آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآملي صباح اليوم المرجع الديني الأعلى آية الله السيد علي السيستاني في مدينة النجف الأشرف، حيث تبادلا أطراف الحديث.
خلال اللقاء الذي سادته روح المودة والاحترام المتبادل، أهدى العلامة آية الله جوادي الآملي نسخة كاملة من تفسيره القيّم “تسنيم” المكون من ثمانين مجلدًا إلى المرجع الديني الأعلى آية الله السيد السيستاني، وقدم له شخصيًا المجلد الثمانين، والذي استقبله المرجع الديني الأعلى بكل تقدير واهتمام.
كما رحب المرجع الديني آية الله السيد السيستاني بضيفه، معربًا عن سعادته بزيارته للعتبات المقدسة، واعتبر تفسير “تسنيم” مفخرة للمذهب الشيعي، قائلاً: لقد قضيتم أربعين عامًا في خدمة القرآن الكريم، وبذلتم جهدًا عظيمًا، وهذا العمل هو مفخرة للشيعة.
وأضاف سماحته: إن القرآن الكريم هو الأصل والمرجع، ويجب عرض روايات أهل البيت عليهم السلام على القرآن، ولا يعتد بها ولا يعمل بها إلا إذا توافقت معه.
وأكد سماحته أن نظرتنا إلى الحوزة العلمية في قم لا تختلف عن نظرتنا إلى حوزة النجف، وسنبذل قصارى جهدنا لدعم الحوزات العلمية.
كما عبر عن سعادته بهذا اللقاء، مخاطبًا العلامة الجليل آية الله جوادي الآملي: لقد سمعنا الكثير عن فضائلكم وآثاركم العلمية، ولكن ليس الخبر كالمعاينة!
من جانبه، أشاد العلامة آية الله جوادي الآملي بشخصية المرجع الديني الأعلى آية الله السيد السيستاني المتميزة، قائلاً: إن وجود شخصية عظيمة مثلكم نعمة كبيرة للحوزات العلمية والأمة الإسلامية. أنتم بمثابة الأب الرحيم لشيعة العراق وشعبه، أدام الله ظلكم.
وأشار إلى الدور البارز للمرجعية في العراق، مضيفًا: إن حوزة النجف، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، كانت ولا تزال مصدر بركات جمة للعالم الإسلامي. دوركم في الحفاظ على النظام الاجتماعي والتصدي للتيارات التكفيرية مثل داعش هو دور تاريخي وخالد.
كما عبر العلامة آية الله جوادي الآملي عن تقديره وامتنانه لخدمات المرجع الديني الأعلى آية الله السيد السيستاني للحوزات العلمية داخل العراق وخارجه، وأكد على ضرورة تعزيز التواصل بين الحوزات العلمية.
شروط ومقدمات ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)
لظهور الإمام المهدي (عليه السلام) شروطٌ وعلامات تُعرف بالمقدمات (الشروط) وعلامات الظهور. والفرق بينهما أن المقدمات تؤثر تأثيرًا حقيقيًا في تحقيق الظهور، بحيث إذا توفرت يتحقق ظهور الإمام، وبدونها لا يحدث الظهور. أما العلامات فلا دور لها في وقوع الظهور، بل هي مؤشرات تدل على حتميته أو اقترابه.
وبناءً على هذا الفرق، يتضح أن المقدمات والشروط أهم من العلامات؛ لذا يجب أن نركز على تهيئة المقدمات بدلًا من الانشغال ببحث العلامات، ونبذل قصارى جهدنا لتحقيقها. ولهذا سنبدأ بشرح مقدمات وشروط الظهور.
مقدمات الظهور
كل ظاهرة في العالم تحتاج إلى شروطها ومقدماتها، وبدونها يستحيل وجودها. ليست كل تربة صالحة لزراعة البذور، ولا كل مناخ مناسبًا لنمو كل نبات. لا يتوقع المزارع حصادًا جيدًا إلا إذا هيأ الظروف المناسبة لنمو المحصول.
وبالمثل، كل حدث اجتماعي يعتمد على مقدماته وشروطه. وقِيام الإمام المهدي (عليه السلام)، باعتباره أعظم حركة إصلاحية، يخضع لهذا القانون الكوني، ولن يتحقق دون توفر شروطه.
ومقصودنا من هذا الكلام ألّا يُظن أن قيام الإمام المهدي (عليه السلام) مستثنى من السنن الإلهية، أو أن حركته الإصلاحية تتم عبر المعجزة دون أسباب طبيعية، بل وفقًا لتعاليم القرآن والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، فإن السنّة الإلهية تقتضي أن تجري أمور العالم عبر الأسباب الطبيعية.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): «أَبَى اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابٍ.» (الكافي، ج1، ص183)
ولا يعني هذا الكلام عدم وجود الإمدادات الغيبية في القيام المهدوي، بل المقصود أنه إلى جانب هذه الإمدادات، لا بد من توفر المقدمات والأسباب الطبيعية.
أهم مقدمات القيام والثورة العالمية للإمام المهدي (عليه السلام)
هناك أربعة مقدمات أساسية، نبحث كلًا منها على حدة:
أ. الخطة والبرنامج
كل حركة إصلاحية تحتاج إلى برنامجين:
1- برنامج شامل لمكافحة الانحرافات القائمة عبر تنظيم القوى.
2- قانون كامل يلبي جميع احتياجات المجتمع، ويضمن الحقوق الفردية والاجتماعية في نظام حكم عادل، ويحدد مسار التقدم نحو المجتمع المثالي.
وتعاليم القرآن الكريم وسنة المعصومين (عليهم السلام) – أي الإسلام الأصيل – هي أفضل قانون وبرنامج متاح لإمام العصر (عليه السلام)، وسيعمل وفق هذا المنهج الإلهي الخالد. فالقرآن نزل من لدن حكيم عليم بكل تفاصيل حياة الإنسان واحتياجاته المادية والمعنوية. وبالتالي، فإن ثورته العالمية تمتلك دعمًا قانونيًا وحضاريًا لا مثيل له، ولا تقارن بأي حركة إصلاحية أخرى. والدليل على ذلك أن العالم اليوم، بعد تجربة القوانين الوضعية، أقر بضعفها، وأصبح يتجه تدريجيًا نحو تقبُّل التشريعات السماوية.
ب. القيادة
في كل القيامات، تُعد القيادة من الأساسيات، وكلما كبرت الحركة واتسعت أهدافها، زادت الحاجة إلى قائد قدير يتناسب مع تلك الأهداف.
وفي المسار العالمي لمكافحة الظلم وإقامة العدل، يُعتبر وجود قائد واعٍ قدير، يتمتع بإدارة حكيمة وحازمة، ركنًا أساسيًا للثورة. والإمام المهدي (عليه السلام) – وهو خلاصة الأنبياء والأولياء – هو القائد الحي الحاضر لهذا القيام العظيم. فهو القائد الوحيد الذي، بفضل اتصاله بعالم الغيب، يمتلك العلم الكامل بكل شيء، وهو أعلم أهل زمانه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أَلَا إِنَّهُ وَارِثُ كُلِّ عِلْمٍ وَالْمُحِيطُ بِكُلِّ فَهْمٍ.» (خطبة الغدير)
ج. الأنصار
من المقدمات الأساسية الأخرى لتحقيق الظهور وجود أنصار أكفاء لدعم القيام وإدارة شؤون الحكومة العالمية. فالثورة العالمية بقيادة إلهية تحتاج إلى أنصار بمستواها، وليس كل من ادعى النصرة يكون أهلًا لهذا المقام.
د. الاستعداد العام
عبر التاريخ، نلاحظ أن الأمة لم تكن تمتلك الاستعداد الكافي للاستفادة المثلى من وجود الأئمة (عليهم السلام). فلم يقدر الناس في كثير من الأحيان نعمة وجود المعصوم، ولم يستفيدوا من هدايته كما ينبغي. ولذلك أخفى الله تعالى حجته الأخيرة حتى يحين الوقت الذي يتوفر فيه الاستعداد الجماعي لقبوله، فيظهر ويُشرِف العالم بفيض معارفه الإلهية.
إذن، يُعد الاستعداد العام من أهم شروط ظهور المصلح الموعود، وعبره تتحقق النتائج المرجوة من حركته الإصلاحية. فالظهور سيحدث عندما يتوق الناس من أعماق قلوبهم إلى العدالة الاجتماعية، والأمن الأخلاقي والنفسي، والازدهار الروحي.
ويبلغ الشوق لرؤية الإمام ذروته عندما تدرك البشرية، بعد تجربة الأنظمة الوضعية، أن المنقذ الوحيد من الفساد هو خليفة الله في الأرض الإمام المهدي (عليه السلام)، وأن القانون الإلهي هو وحده القادر على تحقيق الحياة الطيبة. عندها سيدرك الجميع حاجتهم إلى الإمام، وسيعملون على تهيئة مقدمات ظهوره وإزالة العقبات، وحينها يأتي الفرج.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «... حَتَّى لَا يَجِدَ الرَّجُلُ مَلْجَأً يَلْجَأُ إِلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ رَجُلًا مِنْ عِتْرَتِي... .» (إثبات الهداة، ج5، ص244)
وللحديث بقية ستأتي في الأجزاء التالية إن شاء الله.. والجدير بالذكر أن النص مُقتبس من كتاب "نگین آفرینش" (جوهرة الخلق) مع بعض التعديلات.
النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي خلال لقائه أعضاء لجنة إقامة المؤتمر الوطني لتكريم المسعفين الشهداء
بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.
أشكركم جزيلًا على هذا العمل العظيم الذي بادرتم به، أي إقامة مراسم تكريم المسعفين الشهداء على مدى سنوات طويلة، سواء في مرحلة «الدفاع المقدّس» أو بعدها. إنّه عمل في غاية الأهمية والضرورة، ونأمل أن يترك آثاره المرجوّة، إن شاء الله.
هذه الابتكارات التي أشار إليها السيّد كوليوند - في ذاك النصّ الجميل الذي تلاه -[1] من أعمال نُفّذت، ينبغي أن تجد جمهورًا ومخاطبين. ليس كافيًا أن تبتكروا فحسب، أو أن تُنتجوا لعبة جيّدة، أو تكتبوا كتابًا قيّمًا، أو تنتجوا فيلمًا جميلًا. ما ذكرتموه يُشعل الحماسة في الإنسان وهو أمر جيد جدًا. لكن يجب أن تعملوا على أن يكون لهذا العمل عشرون مليون مُتلقٍّ في بلد تعداده ثمانون مليونًا؛ أي أن يُروَّج له بجدّ. هذه هي المسألة المهمة. ابحثوا عن السبيل لتحقيق ذلك، فأنتم قادرون. إذا تمكّن شبابنا من أن يجلسوا ويتفرّغوا ويفكّروا ويسعوا إلى إيجاد حلول وابتكارات في المجالات التي تتوافر فيها البُنى التحتيّة — ولا أقصد المجالات التي لا تتوافر فيها البُنى التحتيّة حاليًا — فلا شكّ أنّهم سيصلون إلى نتائج عظيمة. لقد جرّبنا هذا بأنفسنا: في الصناعة وفي الأدب والفنّ وفي السياسة وفي أنشطة البناء والإعمار بمختلف قطاعاتها؛ وكانت النتائج جيّدة ومُشجّعة.
إذا دخل الشباب إلى الميدان بدافع وهمّة وبذلوا جهدهم وتابعوا العمل، فلن يكون هناك أيّ عملٍ غير ممكن. حتى في المجالات التي لا تتوافر لها بنية تحتيّة في البلاد، يمكن تكوين تلك البنية التحتية تدريجيًا. أنواع التقدّم هذه التي تشاهدونها اليوم في مختلف القطاعات، لم تكن لأيٍّ منها بنية تحتيّة وطنية. لدينا اليوم آلاف الكتب القيّمة المتعلّقة بالشهداء، وهي حقًّا جديرة بالقراءة، وكلّ كتاب يطّلع عليه الإنسان ويتاح له أن يقرأه، يجده جذّابًا، وهذا واقع فعلاً. في حين أنّنا قبل الثورة لم نكن نمتلك أرضيّة مناسبة للعمل الفنّي والنشاطات الفنيّة، خصوصًا في مجال الرواية؛ كانت نادرة جدًا وقليلة وعلى مستوى متدنٍّ. أمّا اليوم، فمستوى العمل عالٍ؛ وهذه البنية التحتية أنشأها شبابنا وفنّانونا. إذًا، يمكنكم أن تمضوا قُدمًا، وإن شاء الله تُنجِزوا الأعمال.
لم يُتحدّث كثيرًا عن المسعفين وفضائلهم العظيمة؛ ونرجو إن شاء الله أن يزداد ذلك بعد تأسيس أمانتكم هذه وانطلاق أعمالكم. أقول بضع جملات في هذا الشأن. المجاهد يحتاج إلى التدريب والسلاح، ولكن من يقدّم له هذا التدريب وهذا السلاح غالبًا ما يقدّم خدمته هذه خارج ساحة المعركة. أمّا المجاهد، فهو بحاجة إلى الإغاثة والتضميد والرباط ووقف النزيف ونقله إلى المستوصف أو المستشفى؛ ومن يقدّم له هذه الخدمات والدعم يكون وسط ميدان المعركة؛ وهذه مفارقة في غاية الأهمية بين نوعَي الدعم هذين. المسعف يفكّر في إنقاذ الآخرين وهو تحت وابل الرصاص والشظايا. المجاهد لدينا يؤدي مهمتين: إحداهما إبعاد العدو، والأخرى حماية نفسه؛ ولكن المسعف لدينا لا يفكر في نفسه، بل في إنقاذ الآخرين، ويخوض الميدان من أجل صونهم. ما يطالع الإنسان أحيانًا في هوامش كتب مذكرات المجاهدين من أعمال فعلها هؤلاء المسعفون، مدهش حقًا! تلك التضحيات وتلك الأعمال، وسط تلك الصعوبات والمشقات؛ لا بدّ من توضيح هذا للناس حتى يعلموا ويدركوا هذه التَّضحيات.
نقطة أخرى هي أنّ مسعفينا كانوا تجلّيًا للصفات الإنسانية وحبّ الإنسان. لقد شهدنا حالات ساعد فيها المسعفون حتى العدو الجريح المأسور؛ وهذا عمل عظيم. العدو جاء إلى ساحة المعركة ليقتلك، والمقابلة بالمثل تقتضي أن تقرّر أنت قتله أيضًا؛ ولكن عندما تضع حقيبة الإسعاف على ظهرك، أو تتجه إلى الخطوط الأمامية لتقيم هناك مستشفىً ميدانيًا وتقدّم الإسعافات، فإنك بذلك تسلك طريقًا معاكسًا تمامًا لما عليه العالم المجرد من الإنسانية، وتُظهر حب الإنسان. أنا بنفسي رأيت، قرب الخطّ الأمامي – لا أذكر كم كيلومترًا بالضبط، ولكن المسافة كانت قصيرة جدًا – أطباء وممرضين يعملون في مستشفًى ميداني، وقد أنشؤوا غرفة عمليات جراحية هناك، وكان ذلك مثيرًا للدهشة؛ مدى نيران العدو من الرصاص وقذائف الهاون القصيرة يصل إلى هذا المكان، ومع ذلك أنشؤوا غرفة عمليات تحت القصف! هذا أمرٌ في غاية الأهمية. كان هناك أطباء في مرحلة «الدفاع المقدس»، حقائبهم كانت جاهزة دائمًا، وبمجرّد الإعلان عن عملية وصدور التوجيهات، كانوا يتصلون عبر الهاتف بمنازلهم ويقولون: «لقد ذهبنا!»، يأخذون الحقيبة وينطلقون؛ هذه أمور لا يمكن وصفها بالكلمات؛ لا يمكن حفظها وتبيينها إلّا عبر أدوات الفن.
شعبنا اليوم بحاجة إلى أن يعرف هذه الحركات العظيمة وهذه الأعمال الكبيرة التي صدرت من هذا الشعب، من أبناء هذا الشعب؛ هو بحاجة إلى ذلك، ونحن مقصّرون إلى حدٍّ ما في هذا المجال، ولذلك كثيرون لا يعلمون. وما هو أكبر من هذا، تقصيرنا في إيصال هذه الأمور إلى العالم. ترون في بعض الدول أنّهم إن امتلكوا بطلاً متوسّطًا أو غير كامل، كيف يضخّمونه ويكتبون عنه الكتب والقصص؛ وبعضهم لا يملكون بطلاً، فيصنعون بطلاً؛ لا يملكون تاريخًا، فيصنعون تاريخًا. نحن نملك البطل ونملك التاريخ ونملك الماضي المشرّف؛ يجب أن ننقله وأن نُظهره. هذا عمل كبير ومن ضمن المهمات الحتمية. هذا هو العمل الثاني: أن نعرف هذه القيم ونُعرّف بها ونحوّلها إلى ثقافة عامة؛ أي أن يتضح أن الإسعاف والمساعدة واجبان إسلاميان وإنسانيان، ويجب أن يجريا في الأجيال، وأن يستمرا دائمًا. هذه المهمات على عاتق هذه المجموعات التي أنشأتموها. نأمل إن شاء الله أن يكون هذا المؤتمر وهذا التكريم مقدمة طيّبة وحسنة لانطلاق هذه الأعمال وتنفيذها.
الآن قارنوا هذا مع تلك الوحوش الضارية التي تلبس هيئة الإنسان وتقصف سيارات الإسعاف والمستشفيات، وتقصف المرضى وتقتلهم وتبيد الأطفال الأبرياء الذين لا يملكون وسيلة للدفاع عن أنفسهم، بلا هوادة! العالم اليوم تحت هيمنة هؤلاء. إنّ تحرّك الجمهورية الإسلامية ووقوفها و«الحضارة الجديدة» التي تكرّر الجمهورية الإسلامية ذكرها، إنما هي في مواجهة هذا الوضع العالمي. مَن يستطيع أن يدّعي ويؤمن حقاً بمواجهة هذه الهمجيات وسفك الدماء أنْ لا واجب عليه؟ مَن يمكنه ادّعاء ذلك؟ كلّنا مسؤولون. اليوم، أولئك الذين يدّعون الوصاية على العالم أو يحكمون دولاً فيه هم أنفسهم الذين يتصرّفون بهذه الطريقة، يقتلون الأطفال والمرضى ويدمرون المستشفيات ويقصفون المدنيين بلا هوادة. حسنًا، إن كنتم مصرّين على خوض الحرب، فلتكن المواجهة بين العسكريين فقط. هذا الخيار ذاته لا يكون عادلًا أحيانًا، بل هو ظلم، أي إنّ هذا الفعل هو فعل ظالم، ولكنه يظلّ في إطار المواجهة بين العسكريين. لماذا يقتلون المدنيين؟ لماذا يقصفونهم؟ لماذا تُدمَّر البيوت؟ العالم اليوم تحت هيمنة هؤلاء.
هذه هي المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتقنا. إنّ هذا الشعور بالمسؤولية هو الذي يدفعنا إلى التحرّك وهو الذي لا يسمح بانطفاء شعلة الأمل في قلوبنا، وهذا الشعور بالمسؤولية هو نفسه الذي يدفع أعداء الجمهورية الإسلامية من هؤلاء المتوحشين الغربيين المتأنّقين بربطات العنق والعطور والمظاهر البراقة إلى الوقوف في وجه الجمهورية الإسلامية ومعاداتها. هذه هي المشكلة؛ فلو لم تعترضوا على همجياتهم ولو سايرتموهم، بل لو امتدحتم أفعالهم، لما عادَوكم أبداً؛ المشكلة هي أنهم يعلمون أنكم ترفضون أساس هذه الحضارة الباطلة، والحق إلى جانبكم، وعليكم أن ترفضوها. إن شاء الله، سيزول هذا الباطل، فهو ليس باقياً، بل هو إلى زوال بلا شك. لكن لا بدّ من العمل. ليس الأمر أن نجلس ونتفرّج حتى يزهق الباطل من تلقاء نفسه ويزول؛ كلا، فحين يُصرّح الله المتعالي أنّ الباطل زائل، فهذا يعني أنّكم إذا وقفتم في وجهه وناضلتم وسعيتم، فإنه لن يبقى ولن تكون لديه قدرة على الصمود. {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (الفتح: 22). إن تصدّيتم وواجهتم فسيتراجع حتمًا؛ أمّا إن جلستم أو أظهرتم له وجهًا لطيفًا أو ابتسمتم أو هربتم أو امتدحتم أفعاله، فلن يزول، بل سيزداد وقاحة يومًا بعد يوم.
نرجو أن يوفّقكم الله المتعالي، إن شاء الله، ويُرشدنا إلى ما هو واجب، ويوفقنا لنتمكّن من أداء هذه الواجبات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم السيّد بيرحسين كوليوند (رئيس جمعيّة الهلال الأحمر) تقريرًا.
العلامات الدالة على ظهور الإمام المهدي عليه السلام
للثورة العالمية التي يقودها الإمام المهدي عليه السلام علاماتٌ محددة، ومعرفة هذه العلامات تحمل آثارًا بالغة الأهمية. فبما أنها تبشر بفرج المهدي من آل محمد عليهم السلام، فإن وقوع أي منها يعزز الأمل في قلوب المؤمنين، ويحمل تحذيرًا للمعاندين ليكفوا عن شرهم، كما يهيئ المنتظرين لاستقبال الظهور واكتساب الأهلية لمرافقة الإمام المعصوم عليه السلام.
كما أن معرفة الأحداث المستقبلية تساعدنا في التخطيط لمواجهتها بشكل أفضل، وتكون هذه العلامات معيارًا لكشف ادعاءات المدعين الكاذبين للمهدوية. فإذا ادعى أحدٌ أنه المهدي دون أن تتحقق هذه العلامات، يُعرف كذبه بسهولة.
وقد وردت في روايات الأئمة المعصومين عليهم السلام علامات كثيرة للظهور، بعضها أحداث طبيعية وعادية، وبعضها خارقة ومعجزة. وسنذكر أولًا العلامات البارزة في المصادر المعتمدة، ثم نُشير بإيجاز إلى بعض العلامات الأخرى.
العلامات الخمس الرئيسية
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: «خَمْسٌ قَبْلَ قِيَامِ القَائِمِ عَلَيهِ السَّلَامُ: اليَمَانِيُّ، وَالسُّفْيَانِيُّ، وَالمُنَادِي يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ، وَخَسْفٌ بِالبَيْدَاءِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ.» (كمال الدين، ج٢، ص٦٤٩)
ونشرح بإيجاز هذه العلامات الخمس التي تكرر ذكرها في الروايات، مع أن بعض تفاصيلها غير واضحة بالكامل:
1. خروج السفياني:
رجل من نسل أبي سفيان يخرج من الشام قبل الظهور، وهو طاغية سفّاك للدماء، يُمارس القتل بوحشية. وتبلغ مدّة حكمه حسب بعض الروايات خمسة عشر شهرًا حتى يُقتل.
2. خَسْف البيداء:
البيداء منطقة بين مكة والمدينة، والخسف يعني الانخفاض أو الابتلاع. فحين يرسل السفياني جيشًا لمواجهة الإمام المهدي عليه السلام، يُبتلع هذا الجيش في الأرض بشكل معجزي عند البيداء.
3. خروج اليماني:
قيام قائد مؤمن من اليمن ضد الظلم والانحرافات قبل الظهور. وهو رجل صالح يُحارب الفساد، وإن كانت تفاصيل حركته غير معروفة بالكامل.
4. الصيحة السماوية:
نداءٌ من السماء (يُروى أنه صوت جبرائيل عليه السلام) يسمع في شهر رمضان، يُعلن عن قرب القيام. وهو بشرى للمؤمنين وإنذارٌ للظالمين للتوبة والالتحاق بركب المصلح العالمي.
5. قتل النفس الزكية:
شخصية بارزة أو إنسانٌ بريء يُقتل على أيدي أعداء الإمام المهدي عليه السلام قبل قيامه بخمسة عشر يومًا حسب بعض الروايات.
علامات أخرى:
من العلامات الإضافية المذكورة في الروايات:
- خروج الدجال (كائن غاشّ ضالّ يُضلّ الكثيرين).
- كسوف الشمس وخسوف القمر في شهر رمضان.
- انتشار الفتن وقيام رجل من خراسان.
وتفاصيل هذه العلامات مبسوطة في الكتب المتخصصة.
وللحديث بقية ستأتي في الأجزاء التالية إن شاء الله.. والجدير بالذكر أن النص مُقتبس من كتاب "نگین آفرینش" (جوهرة الخلق) مع بعض التعديلات.
مشروب بسيط في الصباح سرّ طول العمر!
يهتم كثير من الناس حول العالم بمعرفة كل ما هو جديد حول الأنظمة الغذائية والمشروبات التي من شأنها تحسين الصحة للتمتع بعمر مديد من دون الإصابة بالأمراض.
وبهذا الصدد، كشفت دراسة حديثة أن شرب القهوة صباحًا قد يكون سرّا لعمر مديد خال من الأمراض، حسب ما جاء في صحيفة "ديلي ميل".
ووفقًا لاختصاصي أمراض القلب البارز الدكتور أوريليو روخاس، فإن من يشربون فنجانًا من القهوة صباحًا يتمتعون بعمر أطول ويكونون أقل عرضة للإصابة بنوبة قلبية.
فوائد المشروب
نشر الطبيب البالغ من العمر 35 عامًا، والذي يعمل في مستشفى الجامعة الإقليمية في ملقة بإسبانيا، مقطع فيديو على قناته على إنستغرام - حيث يتابعه 400 ألف شخص - يروي فيه أبحاثًا قيّمة حول فوائد هذا المشروب.
وأكدت الدراسة، التي أجراها خبراء في مركز أبحاث السمنة بجامعة تولين في نيو أورلينز، على 20,000 شخص ممن تناولوا القهوة لأكثر من 20 عامًا، وقارنوا نتائجهم الصحية بمن تجنبوها.
وجد الباحثون أن بعض شاربي القهوة كانوا أقل عرضة للوفاة بنسبة 16% على مدار الدراسة التي استمرت 10 سنوات، مقارنةً بمن لم يشربوها.
كما كانوا أقل عرضة للوفاة بسبب أمراض القلب بنسبة 30%.
وانطبق هذا الانخفاض في المخاطر فقط على من شربوا قهوتهم صباحًا - ولم يلاحظ الباحثون أي انخفاض في المخاطر لدى شاربي القهوة طوال اليوم.
أضرار القهوة المسائية
وفي مقطع الفيديو الخاص به، أوضح الدكتور روخاس أن تناول الكافيين بعد الساعة 12 ظهرًا يمكن أن يُعطل إيقاعنا اليومي الطبيعي، مما يُبطل أي فوائد صحية محتملة.
وأضاف: يبدو أن شرب القهوة بعد الظهر يُخلّ بإيقاعنا اليومي ويُؤثر على إفراز الهرمونات التي تُنظّم راحتنا، مثل الميلاتونين أو الكورتيزول، مضيفًا أن هذا "يزيد من مستويات التوتر".
لذا ينصح روخاس بالاستمتاع بتناول القهوة أول شيء في الصباح.
يُقال إن فوائد هذا المشروب تكمن في حبوب البن الغنية بمجموعة من العناصر الغذائية الأساسية، مثل فيتاميني ب2 وب5، اللذين يُساعدان في الحفاظ على صحة خلايا الدم والتحكم في الكوليسترول المُسبّب للنوبات القلبية.
كما تحتوي حبوب البن على نسبة عالية من البوتاسيوم والماغنيسيوم، وهما عنصران أساسيان لتنظيم ضغط الدم وسكر الدم.
ما هي قواعد العلاقة بين المؤمنين في الرؤية الإسلامية؟
أسّس القرآن قواعد كلّيّة في العلاقة بين المؤمنين وهي:
1- قاعدة الأخوّة الإيمانيّة: يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[1]. ركّز المنهج القرآنيّ والنبويّ في أهمّيّة مبدأ الأخوّة الإيمانيّة، معتبراً المؤمنين أخوة، وأنّهم بمنزلة الجسد الواحد، ولا يوجد أيّ مذهب اجتماعيّ قد رفع من شأن العلاقة بين أبناء المجتمع إلى منزلة الأخوّة إلّا الإسلام. روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيء منه، وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالاً بروح اللَّه من اتّصال شعاع الشمس بها"[2]. وعنه عليه السلام: "المؤمنون في تبارّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائره بالسهر والحمّى"[3].
وتترتّب على هذا المبدأ أساليب تربويّة اجتماعيّة عدّة، كالتعاطف، والتبارّ، والتراحم، وإصلاح ذات البين، وعدم الظلم أو الخيانة أو الغشّ...، هو ما يؤكّده الإمام الصادق عليه السلام بقوله: "إنّ المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه، ولا يظلمه، ولا يغشّه، ولا يعدّه عدّة فيخلفه"[4].
2- قاعدة النظائريّة في الإنسانيّة: يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾[5]. أكّد القرآن الكريم مبدأ وحدة النوع الإنسانيّ من حيث الخلقة، فالناس متساوون في البشريّة، إذ كلّ الناس من آدم وحواء عليهما السلام، وهذا يعني أنّهم إخوة في الإنسانيّة. وفي هذين السياقين نلاحظ أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد قسّم الناس إلى صنفين على أساس الدين والإنسانيّة، إذ قال: "فإنّهم (أي الناس) صنفان: إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق"[6].
3 - قاعدة أولياء بعض: يقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾[7]: إنّ أوّل ما يلفت النظر أنّ كلمة ﴿أَوْلِيَاء﴾ لم تذكر أثناء الكلام عن المنافقين، بل ورد ﴿بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ﴾[8] التي توحي بوحدة الأهداف والصفات والأعمال، ولكنّها تشير ضمناً إلى أنّ هؤلاء المنافقين وإن كانوا في صفّ واحد ظاهراً، ويشتركون في البرامج والصفات، إلّا أنّهم يفتقدون روح المودّة والولاية فيما بينهم، بل إنّهم إذا شعروا في أيّ وقت بأنّ منافعهم ومصالحهم الشخصيّة قد تعرّضت للخطر، فلا مانع لديهم من خيانة حتّى أصدقائهم، فضلاً عن الغرباء، وإلى هذه الحالة تشير الآية (14) من سورة الحشر: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾[9].
[1] سورة الحجرات، الآية 10.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص166. يراجع حول معنى هذه الأحاديث درس التربية الجهاديّة.
[3] حسين بن سعيد الكوفي، المؤمن، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهديّ عليه السلام بالحوزة العلميّة، إيران - قم، 1404ه، ط1، ص39.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص166.
[5] سورة النساء، الآية 1.
[6] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص427.
[7] سورة التوبة، الآية 71.
[8] سورة التوبة، الآية 67.
[9] سورة الحشر، الآية 14.
خطوات الوصول للصدق مع النفس ومع الله عز وجل
الصدق عبارة عن الصراحة والوضوح مع النفس، فالمؤمن الصادق لا يخدع نفسه، ويعترف بعيوبه وأخطائه، ويصحّحها، فهو يعلم أنّ الصدق طريق النجاة. وما لم يكن الإنسان صادقاً مع نفسه فلا يمكنه أن يحقّق أيّ نوع من أنواع الصدق. والصدق مع النفس بداية التغيير، يقول الأديب الروسيّ تولستوي: "كلّ واحد يفكّر في تغيير العالم، ولكن لا أحد يفكّر في تغيير نفسه".
وهناك عدّة خطوات للوصول إلى الصدق مع النفس، نذكر منها:
1- معرفة النفس:
عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال: "العارف مَن عرف نفسه فأعتقها ونزّهها عن كلّ ما يبعدها ويوبقها"[1]، وقال: "مَن عرف نفسه جاهدها، ومن جهل نفسه أهملها"[2]. وقال: "مَن لَم يَعرِف نَفسَهُ بَعُدَ عَن سَبيلِ النَّجاةِ، وخَبَطَ فِي الضَّلالِ والجَهالاتِ"[3].
2- التمييز بين الأمور السيّئة والحسنة:
ومعرفة أنّ السيّئة مصدرها العبد، والحسنة مصدرها الله، قال سبحانه: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ﴾[4], عَنْ الإمام الرِّضَا، قَالَ: سَأَلْتُه، فَقُلْتُ: اللَّه فَوَّضَ الأَمْرَ إِلَى الْعِبَادِ، قَالَ: اللَّه أَعَزُّ مِنْ ذَلِكَ، قُلْتُ: فَجَبَرَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي؟ قَالَ: اللَّه، أَعْدَلُ وأَحْكَمُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: "اللَّه يَا ابْنَ آدَمَ! أَنَا أَوْلَى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ وأَنْتَ أَوْلَى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي، عَمِلْتَ الْمَعَاصِيَ بِقُوَّتِيَ الَّتِي جَعَلْتُهَا فِيكَ"[5].
3- تخصيص وقت معين للمحاسبة:
احرص على تخصيص وقت معيّن كلّ يوم للتفكير بشكل عميق في أفعالك وحاسب نفسك، قال الله تعالى: ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾[6]، قال الإمام الصادق عليه السلام: "إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَسْأَلَ رَبَّه شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاه فَلْيَيْأَسْ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، ولَا يَكنْ لَه رَجَاءٌ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّه عَزَّ ذِكْرُه، فَإِذَا عَلِمَ اللَّه عزّ وجلّ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِه لَمْ يَسْأَلْه شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاه، فَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا عَلَيْهَا، فَإِنَّ لِلْقِيَامَةِ خَمْسِينَ مَوْقِفاً، كُلُّ مَوْقِفٍ مِقْدَارُه أَلْفُ سَنَةٍ، ثُمَّ تَلَا: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾[7]،[8].
الثاني: الصدق مع الله
ويرجع ذلك إلى الإخلاص، وهو تمحيض النيّة وتخليصها لله، بألّا يكون له باعث في طاعاته، بل في جميع حركاته وسكناته، إلّا الله. فالشوب يبطله ويكذّب صاحبه[9]. فمن عمل عملاً لم يخلص فيه النيّة لله، لم يتقبّل الله منه عمله، والمسلم يخلص في جميع الطاعات بإعطائها حقّها وأدائها على الوجه المطلوب منه.
قال تعالى: ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾[10], فقال: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾[11].
قال تعالى: ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾[12], وقال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾[13].
الآية الأولى تقول بأنّ هؤلاء ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ﴾ فيما زعموا من الحرص على الجهاد أو الإيمان، أو فلو صدقوا في إيمانهم وواطأت قلوبهم فيه ألسنتهم، ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾ في دينهم ودنياهم من نفاقهم[14].
والآية الثانية تقول: إنّ هؤلاء المهاجرين ليسوا من أصحاب الادّعاءات، بل هم رجال حقّ وجهاد، وقد صدقوا الله بإيمانهم وتضحياتهم المستمرّة. وفي مرحلة أخرى يصفهم سبحانه بالصدق، ومع أنّ الصدق له مفهوم واسع، إلّا أنّ صدق هؤلاء يتجسّد في جميع الأمور: بالإيمان، وفي محبّة الرسول، وفي التزامهم بمبدأ الحقّ[15].
[1] الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص53.
[2] م.ن، ص453.
[3] الريشهري، محمّد: ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج3، ص 1876.
[4] سورة النساء، الآية 79.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص 157، باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين، ح3.
[6] سورة الإسراء، الآية 14.
[7] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص 143، حديث النفس، ح108.
[8] سورة السجدة، الآية 5.
[9] النراقي، ملا محمّد مهدي: جامع السعادات، ج2، ص 258، تحقيق: السيّد محمّد كلانتر، تقديم: الشيخ محمّد رضا المظفر، النجف الأشرف، مطبعة النعمان، ط4.
[10] سورة محمد، الآية 21.
[11] سورة الأحزاب، الآية 23.
[12] سورة محمد، الآية 21.
[13] سورة الحشر، الآية 8.
[14] الملا فتح الله الكاشاني، زبدة التفاسير، ج6، ص 359.
[15] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، مصدر سابق، ج18، ص 192.
الإمام الرضا (عليه السلام) في عصور خلفاء بني العباس
عاصر الإمام الرضا عليه السلام خلال فترة إمامته المباركة الّتي استمرّت عشرين سنة عدداً من خلفاء بني العبّاس وهم هارون الرشيد لمدّة عشر سنوات (183 ـ 193هـ) ومن بعده ولداه الأمين والمأمون.
الإمام عليه السلام في عصر هارون الرشيد
بعد استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام سنة 183هـ وتسلّم الإمام الرّضا عليه السلام الإمامة عانى الكثير من ظلم هارون، ولكن لم يظهر منه أيّ تصدٍّ علنيّ لمنصب الإمامة، ولم يسجّل له أيّ حضور في المجالس والمحافل العامّة، وذلك لأسباب متعدّدة منها الوصيّة الّتي ركّز فيها الإمام الكاظم عليه السلام على أنّ إظهار ابنه الإمام عليه السلام للإمامة سيكون بعد أربع سنوات من استشهاده أي سنة 178هـ. وذلك لإدراك الإمام الظروف القاسية التي ستمرّ بها الأمّة في ذلك الوقت.
وبالفعل في سنة 187هـ تصدّى الإمام لمنصب الإمامة علناً، ولذلك قال له محمّد بن سنان: لقد شهرت بهذا الأمر - الإمامة - وجلست في مكان أبيك بينما سيف هارون يقطر دماً. فقال الإمام عليه السلام: "إنّ الّذي جرّأني على هذا الفعل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: لو استطاع أبو جهل أن ينقص شعرة من رأسي فاشهدوا بأنّي لست نبيّاً وأنا أقول: لو استطاع هارون أن ينقص شعرة من رأسي فاشهدوا بأنّي لست إماماً"[1].
وبالفعل توفّي هارون سنة 193هـ. ودُفن في مدينة طوس.
الإمام عليه السلام في عصر الأمين
إنّ شخصيّة الأمين كما تصفها بعض الكتب كانت شخصيّة مستهترة، يقول بعض الكُتّاب "قد كان قبيح السيرة ضعيف الرأي، سفّاكاً للدماء يركب هواه، ويهمل أمره، ويتّكل في جليلات الأمور على غيره"[2].
وقد احتدم الصراع بين الأمين والمأمون والّذي أدّى في نهاية المطاف إلى الإطاحة بحكم الأمين وقتله.
وقد استغلّ الإمام عليه السلام هذه الأوضاع، وصبّ جهوده على بناء الجماعة الصالحة ونشر المفاهيم الإسلاميّة الصحيحة في المجتمع الّذي عانى الكثير من المجون والفساد والانحراف الفكريّ.
الإمام عليه السلام في عصر المأمون
المأمون رجل ذكيّ، وهذا ما يمكن أن نفهمه من إسناد ولاية العهد إلى الإمام عليه السلام. وحقّاً يجب القول إنّ سياسة المأمون كانت تتمتّع بتجربة وعمق لا نظير له، لكن الطرف الآخر الّذي كان في ساحة الصراع كان الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام وهو نفسه الّذي كان يحوّل أعمال المأمون وخططه الذكيّة والممزوجة بالشيطنة إلى أعمال بدون فائدة ولا تأثير لها، وإلى حركات صبيانيّة كما سنرى في الكلام عن ولاية العهد. وهناك عدّة شواهد على هذه الشيطنة، ففي عصره كان يتمّ ترويج العلم والمعرفة بحسب الظاهر، وكان العلماء يُدعَون إلى مركز الخلافة، ويبذل المأمون الهبات والمشجّعات للباحثين، وذلك لإعداد الأرضيّة لانجذابهم نحوه، وعلاوة على هذا فقد حاول جذب الشيعة وأتباع الإمام عليه السلام إليه من خلال القيام ببعض الأعمال، فمثلاً كان يتحدّث عن عدّة أمور منها:
أ- أنّ الإمام علياً عليه السلام أكثر أهليّة وأولى بالخلافة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
ب- جعل لعن معاوية وسبّه أمراً رسميّاً.
ج- أعاد للعلويّين ما غُصب من حقّ السيّدة الزهراء عليها السلام في فدك.
وبالنتيجة كان يبذل قصارى جهده لإرضاء الناس حتّى يستطيع بسهولة الاستقرار على مركب الخلافة.
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص257.
[2] المسعودي، التنبيه والإشراف، ص 302.